إرادة القـــــوّة
جهاد المقاومة في خطاب سماحة
آية اللّه العظمى السيِّد محمَّد حسين فضل اللّه
حقوق الطبعة محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
1420هـ ـ 2000م
دار الملاك للطباعة والنشر والتوزيع ش.م.م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيروت ـ لبنان ـ حارة حريك ـ قرب مستشفى الساحل ـ هاتـف: 755200/03 ـ 821392/01 ـ فاكس: 314824/01 ص.ب. 158/25 الغبـيري ـ Int: www. Dar – almalak. Com. / Email; dam @ dar – almalak. Com
إرادة القـــوّة
جهـاد المقاومـة فـي خطاب سماحة
آية اللّه العظمى السيّد محمَّد حسين فضل اللّه
إعداد وتنسيق:
نجيـــب نـــــور الــديـــــــن
دار الـملاك
تقديـــم
حمل الأنبياء إلى البشرية رسالات سماوية سمحاء، هدفت في ما هدفت، إلى تعميم قيم العدالة والمحبة والمساواة. وعلى نقيض أهداف الأنبياء والرسالات السماوية، عمل قتلة الأنبياء ومغتصبو حقوق الشعوب، على إشاعة قيم الحقد والكراهية والظلم، فاحتلوا أرضاً آمنة، وهجّروا شعباً كاملاً، وبنوا على أنقاض تاريخها وحضارتها وإنسانها، دولة أسسوا دعائمها على البغي والعدوان، وشرّعوا للباطل في هذا العصر، ديناً وشريعة وأسلوب حياة.
وإذا كان هذا حال أهل البغي وأعداء السماء، فإنَّ إرادة أهل الحقّ معنيّة، بالمبدأ، بممانعة تمادي أهل البغي، ورفض مسوّغاتهم، ومقارعة منطقهم؛ منطق الجور والمكابرة، بمنطق الرفض والمقاومة. وقد أعطى اللّه عزَّ وجلّ الحقّ لمن سلب حقّهم، أو استبيح، في الشروع بمجاهدة المعتدي حتى يستعاد الحقّ السليب ويُصان.
وقد أوجب اللّه على المؤمن أن لا يفرّط بعزته وكرامته، في أيّ حال من الأحوال، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بعزة وكرامة وشرف أمّة جعلها اللّه "خير أمّة أخرجت للنّاس". هذا، ورغم أنّ الرسالات السماوية نبذت العنف ونهت عنه بغير مبرّر، فإنّ اللّه سبحانه أحبّ المؤمن القوي، فالمؤمن القوي خير عند اللّه من المؤمن الضعيف، وبالتالي فالأمّة القوية خير عنده من الأمّة الضعيفة المنهزمة.
وقدر هذه الأمّة أن تواجه التحدي تلو التحدي، والتحدي اليوم مصوب نحوها من أعداء امتهنوا الاستكبار، واستشرعوا العنف والإرهاب سبيلاً لتكريس مصالحهم وتعزيز هيمنتهم، وازدادوا إمعاناً في ذلك، بزرع غدة سرطانية صهيونية، تنهش في جسد الأمّة، بعد أن موضعوها على مفصلها الحيوي الذي يربط شرقيّها بغربيّها.
وقدر هذه الأمّة أيضاً، أن تبقى تقاوم وتجاهد وتنافح عن وجودها وهُويَّتها ومقدساتها وأرضها، وأن تبقى سواعد أبنائها ممسكة بالزناد، وأرواحهم متأهبة للتضحية والفداء، كي لا يموت حقّ، ولا تنطفئ في أصولها جذوة العزّة المتوقدة.
وهذا الكتاب، هو نموذج حيّ، لخلاصة تجربة عالـم فقيه ومقاوم مجاهد أسهم بفاعلية في إطلاق قرار المقاومة، وكان راعياً لمسارها فكراً وممارسة وإشرافاً. ومن هنا يكتسب هذا المؤلف أهميته الاستثنائية ومصداقيته الاستراتيجية.
تناول سماحة آية اللّه العظمى السيِّد محمَّد حسين فضل اللّه موضوع المقاومة بطريقته الشمولية المعهودة، فهو ركّز على المقاومة كفعل مسلح في مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية، إلاَّ أنَّه درس حياديتها وظروفها، وحركتها، وأبعادها الفكرية والإيديولوجية والإستراتيجية. فالاحتلال من وجهة نظر سماحته اعتداء استكباري أو هو إفراز للهيمنة والعنجهية الاستكبارية الغربية، والأمريكية منها بشكل خاص، لذلك فإنَّ من ضيق الأفق النظر إلى واقع الاحتلال بعينه فحسب، دون النظر إلى أصول العدوان وجذوره، أسبابه ونتائجه، وهو عدوان مستمر على العالـم الإسلامي منذ مطلع هذا القرن وحتى مشارف القرن الواحد والعشرين.
لقد أكّد سماحته في هذا الكتاب على الجذور الإيديولوجية للنزاع مع الصهاينة، وقام بتظهير صور تجسد واقعهم التاريخي، وتجاربهم الحربية في تعاملهم مع المسلمين، منذ عهد الرسول محمَّد (ص)، وصولاً إلى وقتنا الراهن، وبيّن المرتكزات الأساسية للمشروع الصهيوني، ولأصوله الاستكبارية، وأدرجه في سياقه الطبيعي المندك في مشروع الإطباق على الأمّة وعزتها وحضارتها وكرامتها وثرواتها.
وقد دقّق سماحته في حركية الصراع ومجالاته المتعددة، إذ إنَّ الاحتلال والعدوان ليس أمراً معزولاً عن سياسة عامة ينتهجها الكيان الصهيوني بدعم وتشجيع كاملين من أميركا، بل إنَّ استمرار الكيان الصهيوني بهذا المستوى من التحدي لمجمل المنظومة العربية والإسلامية ما كان ليستمر ويتنامى بدون التبني الكامل من أميركا التي دعمت، وحضنت، وحمت، وسوّقت "إسرائيل" على المستوى الإقليمي والدولي، بما حقق لها في نهاية المطاف التفوق الأمني والعسكري النوعي والاعتراف شبه التام من أغلب الدول العربية، ومعظم المنظمات الفلسطينية، إضافة إلى نزع اسمها في هيئة الأمم المتحدة عن قائمة الدول العنصرية، وصولاً إلى تشجيع الفاتيكان على تجاوز ثوابته التاريخية اتجاه اليهود بالاعتراف رسمياً بهذا الكيان الغاصب.
والمقاومة، في نظر سماحته، فرع الإيمان بعزّة الأمّة وشرفها، وإنَّ تحرير الأرض والعمل على استعادة الكرامة والعزّة هو من أجلى مصاديق هذا الإيمان، فالمقاومة طريق، طريق صعب، إلاّ أنَّه الخيار الوحيد المفضي إلى نتيجة مع ثلة إرهابية بنت دولتها على أرض الأمجاد لشعب مسلم، وحضارة على أنقاض حضارة إسلامية عريقة، عاشت زمناً إلى جانب الأقصى وكانت تتغذّى من وجودها إلى جواره.
وفي هذا الكتاب ناقش سماحته وفنّد كلّ المزاعم التي برّرت للمفاوضات مع الصهاينة، وقال للفلسطينيين بصريح العبارة: "لا تقبلوا بالمفاوضات مع الصهاينة، إذ ليس هناك ما تخسرونه إذا رفضتم ذلك، تمسّكوا بحقّكم فصاحب الحقّ سلطان، وخططوا للتحرير الكامل فما ضاع حقّ وراءه مطالب، وتعلموا حتى من أعدائكم كيف تصلون إلى أهدافكم، فالصهاينة بدأوا بالتخطيط لإقامة دولة الحرب والاغتصاب منذ ما يزيد على المائة سنة، فلا بأس أن نخطط نحن للوصول إلى هذا الهدف ولو بعد عشرات السنين".
الحرب مع الصهاينة هي جزء لا يتجزأ من حربنا مع الاستكبار، وبالتالي فإنَّ المطلوب في هذه الحرب، إضافة إلى العزيمة والصبر والاستعداد للتضحيات، النفس الطويل، فالحرب حرب أجيال، وهكذا هي كلّ الحروب التي تخاض تحت شعار حرب الوجود.
المركز الإسلامي الثقافي
مقدمـة
وبعد .. لقد انطلقت المقاومة الإسلامية في لبنان، كحركة جهادية قوامها الإسلام، من حيث هو دين يحمل الحياة رسالة تشير إلى الواقع الحركي المنبني على أسس الحرية والعدالة في خطّ الحقّ، القائم على الإيمان والقوّة.
واستطاعت هذه المقاومة، أن تُعطي الإسلام المعاصر بُعداً جديداً في الساحة السياسية فيما فجّرته من مواقع للاستعمار وللصهيونية وللطغيان الداخلي، وفيما أثارته من قضايا وإشكالات وأجواء، وفيما أفرزته من موانع ومعوقات على المستوى السياسي والأمني للقوى المستكبرة والذي جعل الإعلام المتحرّك في أجهزة المخابرات الدولية يواجه كلّ هذه النتائج؛ تارة برفع اللافتات المثيرة التي يريد من خلالها أن يشوّه صورة المقاومة بكلمات التطرف والإرهاب الديني والتزمّت، وطوراً يكيل الاتهامات اللامسؤولة، ويواكب ذلك تخطيط استعماري مدروس يتجه لمحاصرة الظاهرة الجديدة، سيّما وأنَّ هذه الظاهرة عملت على تحريك الشعور الديني الإسلامي لمصلحة قضايا المستضعفين في العالـم، وعلى تفعيل حركية الكتلة الإسلامية ودفعها إلى ساحة الصراع لمواجهة الواقع المأساوي الذي تعيشه الشعوب بعد استقطابها إسلامياً وحضارياً بعيداً عن الطائفية الضيّقة التي هي عشائرية دينية.
وما زال الصراع بين المقاومة الإسلامية وبين الواقع الاستعماري يتحرّك في أكثر من موقع على مستوى لبنان والمنطقة والعالـم، حيث تنطلق في كلّ موقع من مواقع النفوذ الاستعماري حركة جديدة، وانتفاضة ثائرة، وإننا إذ نسجّل هذا الواقع المتحرّك المثير المندفع الذي يعمل ليصنع التاريخ الإسلامي الجديد في خطى الإنسانية الباحثة عن الحرية من خلال وحدانية العبودية للّه في كلّ كيان الإنسان أمام كلّ قوى العبودية في العالـم.
إنَّنا إذ نسجل ذلك لا بُدَّ لنا من أن نرصد السلبيات، كما نرصد الإيجابيات، ولا بُدَّ لنا أن نكتشف نقاط الضعف كما نكتشف نقاط القوّة، ولا بُدَّ لنا أن نواجه الإعلام الذي يحاول لغايات معينة أن يُعطي المقاومة أحجاماً من الكبر والصغر قد لا تتناسب مع حجمها الطبيعي لنعرف ما هو حجمنا وما هو طموحنا وما هو المدى الذي بلغناه في رحلة الجهاد وما هي المراحل التي يجب أن نخطط لنبلغها في سبيل الوصول إلى الأهداف الكبيرة.
إنَّ علينا أن لا نغرق في الأجواء الاحتفالية التي تثير فينا نشوة الزهو بالانتصار، لأنَّ الأعداء يعملون على تطويق انتصاراتنا ليحولوها إلى هزائم في المستقبل.
وعلينا أن نعرف أنَّ قيمة الانتصار لا تتحدد ببدايته عند انطلاقة المعركة بل تتحدد بنهايات المعركة عندما تقف وجهاً لوجه أمام الأهداف.
وأخيراً:
إنَّ هذه الكلمات كانت من وحي المقاومة الإسلامية وهي جهد ضئيل لا يمثّل شيئاً في الساحة أمام قطرة واحدة من دماء مجاهدينا الإسلاميين في المقاومة الإسلامية في كلّ موقع من مواقع الحرية والعدالة في العالـم الإسلامي، إنَّها من وحي تلك الدماء الطاهرة التي كانت إشراقة نور في عالمنا الذي تجتاحه جيوش الظلام.
إنَّها كلمات أثارت بعض الأفكار ونريد لها أن تثير بعض الأجواء، وكلّ قيمتها، أنَّها كانت في خطّ حركة الواقع تتغذى من روحه لتغذيه بالفكر الإسلامي من جديد في عملية تفاعل وتكامل وانطلاقة وحركة متقدمة نحو الأهداف الإسلامية الكبيرة في الحياة.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.
محمَّد حسين فضل اللّه
المقاومة الإسلامية: آفاق وتطلعات
اللعبة الإسرائيلية ـ الأميركية:
سوف ندخل إلى الموضوع من خلال السؤال التالي: كيف نمنع المقاومة من أن تكون أداة من أدوات الصراع المحلي التي يحاول كلّ فريق أن يسجل فيها نقطة لحسابه ضدّ الفريق الآخر؟ للإجابة على هذا السؤال لا بُدَّ لنا من التفكير في أن نجعل عقلية المقاومة أداة لتطوير الذهنية السياسية وتوسيعها وتعميقها، بحيث لا تتغذى المقاومة من الواقع السياسي المنحرف، بل تحاول أن تغذيه وتصحح أخطاءه وتقوِّم انحرافاته، ليقول المقاومون للذين يتحرّكون سياسياً على أساس حالات الربح والخسارة للشخص أو الإطار: إنَّ السياسة التي تتحرّك من وعي حالة المقاومة الإسلامية، لا بُدَّ لها أن تعيش في الأفق الكبير، ولا تتحرّك في الدهاليز والزواريب الضيقة، لتكون القضية قضية هذا الدهليز أو ذاك الزاروب، بل أن يكون الواقع السياسي الذي تعززه وتوجهه المقاومة، واقعاً منفتحاً على الأمّة كلّها والمستقبل كلّه، حتى نستطيع أن نجعل قضايانا الكبيرة في عهدة الأمّة الكبيرة، بدلاً من أن نجعلها في عهدة المحاور السياسية الضيقة الصغيرة، المحاور التي إذا دخلت هذه القضايا في دوائرها فإنّها تموت وتتبخّر وتنتهي.
نريد للمقاومة أن تصنع واقعاً سياسياً جديداً:
إنَّ ما نريده من هذه المقاومة أن تتحرّك لتصنع واقعاً سياسياً جديداً في الأمّة، واقع الانفتاح على قضايا الأمّة بكلّ فصائلها، أن لا نتقوقع على أساس التفكير بمنطقة معينة، فنفكّر مثلاً في مواجهة "إسرائيل" في الدائرة الجنوبية، نخطّط للصراع مع "إسرائيل" على أساس الظروف الآنيّة للواقع الجنوبي، نخطط تخطيطاً ضيقاً يجعلنا ننهزم قبل أن نتقدم خطوة واحدة في مواجهة "إسرائيل". كلّ هذا يحدث حينما نعتبر القضية قضيةً جنوبيةً أو شيعية فقط. إنَّنا هنا نحصرها في الإطار الطائفي، ولكن عندما نعتبرها قضيةً إسلاميةً تدعو المستضعفين كلّهم ـ حتى ولو كانوا غير مسلمين ـ أن يقفوا في مواجهة الحالة الإسرائيلية، لا على مستوى الحالة الحاضرة بل على مستوى المستقبل كلّه، ولتكون القضية قضية أن تتوحد البنادق والمواقف ضدّ "إسرائيل"، عند ذلك يمكن أن نحقق انتصاراً، وأن نتجدد سياسياً، فلا نتقوقع في الدوائر الصغيرة الضيقة.
لتكن قضايانا الكبيرة ملك الأمّة:
إنَّنا نفكر بالطريقة التي تكون قضايانا الكبيرة ملك الأمّة لا ملك جماعة أو طائفةٍ أو حزب، من الصعب أن نفكر بتهديـم الكيان الإسرائيلي وإزالته من الوجود السياسي في المنطقة من خلال مقاومة المواطن أو الإنسان الجنوبي فقط، لأنَّ طبيعة القوّة ـ مهما كانت قوانا كبيرة ومتقدمة ـ لا تسمح بمثل هذا الانتصار الذي يحتاج إلى قوى مضاعفة، ولهذا لا بُدَّ أن تطرح قضية "إسرائيل" كمشكلة تهدد الأمّة، وفي هذا السياق نطرح القضية الفلسطينية التي لا تمثّل حالةً إقليميةً، بل مشكلةً سياسيةً واقتصاديةً وأمنيةً للمنطقة كلّها وللعالم الإسلامي كلّه.
إنَّ علينا أن نفكّر في قضايانا على أساس الحجم الكبير الذي يتّسع للأمّة ويتحرّك على أساسها. ولهذا كنّا نقول: إنَّ قيمة المقاومة في الجنوب، ليس في أن تحرّر الجنوب وحسب، بل أن تثوّر العالم الإسلامي، أن تخلق في هذا الجيل والأجيال المقبلة إحساساً بالثورة الحقيقية التي لا يستهلكها حاكم، أو يحرّكها إنسان متعامل مع الاستعمار، إحساساً بالثورة الحقيقية التي تنبع من واقع الشعب على أساس ما يختزنه من حالة الذل التي يريد حكامه أن يجعلوه يتحرّك من خلالها، ومن حالة الخضوع التي يريدونه أن يعيش فيها أمام الاستعمار وعملائه.
نريد أن ننقل عدوى المقاومة...
إنَّنا نعتبر أنَّ هناك واقعاً في الدوائر الإسلامية والعربية والعالم الثالث، يختنق فيه النّاس على أساس الوضع السياسي الطاغي والظالم، ولهذا نعتبر أنّ حركة المقاومة تحاول أن تنقل العدوى إلى الشعوب الأخرى التي تعيش تحت رحمة الظلم والطغيان، والتي تفكّر دائماً من خلال بيانات حكامها بالأحلام التي تمنّيها بالسلام في الصلح مع "إسرائيل"، وهذا ما نريده من حركة المقاومة.
بعض النّاس يتعقدون ـ في هذه المنطقة ـ من فكرة تصدير الثورة، كأنّهم يقولون لها: إنَّ عليكِ أن تبقي في حدودك الإقليمية، ولا تثيري الغبار خارج هذا النطاق الإقليمي. إذا وقفت الثورة في حدودٍ إقليميةٍ معيّنة، كفّت عن أن تكون ثورة، إنّها تتحول إلى حالةٍ رسمية، تحاول أن تعترف بالظلم وتصادق عليه، عندما تلتزم أن لا تحرّك ساكناً ضدّه.
الثورة لا يمكن أن تكون حالةً إقليميةً، الثورة تنطلق من فكرٍ يتحرّك من خلال آلام الإنسان وحرمانه واضطهاده، الثورة هي حالة عالمية إنسانية، ويمكن لكلّ منطقة أن تأخذ من فكر الثورة ما يتناسب مع ظروفها وطبيعة الخصائص الموجودة فيها، والآفاق التي تتحرّك من أجلها.. الثورة ليست سلعةً قابلةً للتصدير والاستيراد، إنها نقاش وحوار وتحدٍّ وحركة، وبهذا تتحول إلى حالةٍ طبيعية في العالم.
الثورة على الاستعمار حالة واقعية:
ونحن عندما نريد أن نتحرك ضدّ "إسرائيل"، نهدف إلى أن نقدّم لشعوبنا النموذج الأمثل والحيّ والمتقدم، النموذج الذي يقول: إنَّنا يمكننا أن نربك "إسرائيل"، نهزمها، نخرّب معادلاتها.
ومن خلال تجربتنا هذه في لبنان نستطيع أن نقدّم للشعوب في العالم هذا النموذج الذي يقول لهم: إنَّ باستطاعتكم إرباك الاستعمار العالمي في بعض معادلاته ومخططاته، وبهذا تشعر الشعوب بواقعية الثورة على الاستعمار، لأنَّ كثيراً منها لا يعتقد أنّ الثورة على الاستعمار تمثل حالةً واقعيةً في السياسة، قد يعتبرون فكرة الثورة، على أمريكا وروسيا وأوروبا والطغاة المحليين في مناطق نفوذهم فكرةً مثاليةً غير قابلة للتطبيق، ولهذا يكون دور النموذج الحيّ أساسياً في تحريك الشعوب نحو الثورة، وذلك عندما تقدّم لهم تجربتك التي استطعت فيها أن تهزم شيئاً من "إسرائيل"، وشيئاً من الطغيان المحلي. عندما تقدم تجربتك وتشعر الشعوب أنّه من الممكن أن تنجح التجربة في مكان آخر، عند ذلك يمكن أن تكون الفكرة واقعيةً عند الشعوب.
لنعمل بطريقة واقعية:
نحن اليوم بحاجة إلى أن نعمل، لا أن نكثر من الخطابات والحماس والانفعال، أن نعمل على أساس تركيز السياسة الثورية في الواقع بطريقةٍ واقعيةٍ، حتى يمكن لنا أن ندفع بالثورة لتكون عالمية وإنسانية.
قد يقول بعض النّاس: ما حجمنا حتى نفكّر بطريقة عالمية؟ ما حجمنا ونحن نعيش التخبّط في لبنان الذي يلهينا بمعارك صغيرة وتافهة؟
حتى الآن لا نزال نعيش مشاكل في معاركنا ضدّ "إسرائيل"، فكيف نريد أن نفكّر بثورة على مستوى العالـم كلّه؟
نعم، إنَّ رسول اللّه (ص) فكّر بالإسلام على مستوى العالـم، وبذلك استطاع أن يقوّي الحركة التي انطلق فيها. بقدر ما تكون آفاقك واسعة، بقدر ما تكون حاسماً في دائرتك التي تتحرّك فيها. ثُمَّ إنَّنا عندما ندعو إلى أن نوسّع آفاقنا في فهم القضايا التي نواجهها، ندعو في الوقت ذاته إلى أن نفهم قضايانا. نحن لن نستطيع أن نفهم احتلال "إسرائيل" للجنوب في الدائرة اللبنانية الضيقة، ولن نستطيع أن نفهم قضية وجود "إسرائيل" في المنطقة من خلال الدائرة الإقليمية الضيقة، علينا أن نفهمها من خلال الدائرة السياسية الواسعة للعالـم.
أمريكا عندما تفكّر بأيّة مشكلة في لبنان أو سوريا أو العراق أو إيران تخطط لها من خلال أنّها جزء من المشاكل العالمية، ومن خلال علاقتها بمصلحتها في العالـم، ولهذا فأنت لا تستطيع أن تفهم خطط أمريكا في لبنان، إذا لـم تستطع أن تفهم خططها في العالـم، إنّ أمريكا تجعل لبنان نقطةً في الدائرة الواسعة التي تتحرّك فيها، ولهذا فإننا عندما نملك الأفق الواسع للاهتمامات السياسية بشعوبٍ تتحرّك في العالـم، ونفهم السياسة الاستعمارية كيف تخطط لبلدنا. نستطيع أن نربك السياسة الاستعمارية في بلدنا، بإرباك سياستها في العالـم.
لنعمل على مستوى المستقبل:
إنَّ الإنسان المسلم والمستضعف الذي يعمل للحرية لا يعمل بحجم اللحظات الحاضرة التي يعيشها، بل يعمل على مستوى المستقبل. كلّ جيل يحضّر للجيل الآخر ظروفاً جديدة وأرضاً جديدة، وكلّ جيل يقطع مسافةً يهيّئ فيها الطريق الطويل للجيل القادم.
علينا أن نفكر أننا مدعوون من اللّه تعالى إلى حمل الأمانة: أمانة الإسلام والحرية والعدالة للإنسان كلّه، وذلك من خلال جهدنا الذي يتحرّك في طريق الأجيال القادمة.
علينا أن نفكّر إننا إذا لـم نحقق أهدافنا في مرحلتنا الحاضرة، فلا بُدَّ أن نحققها في المستقبل، إنّ مثل هذا الأفق الواسع قد تتصورونه خيالياً، ولكنّه أفق واقعي، لأنّ كل الأنبياء فكروا به، كلّ نبيٍّ كان يفكر بحجم العالـم، ثـم يبدأ بدعوة الواحد والاثنين والثلاثة وعينه على العالـم، وهكذا تندفع خطواته حسب سعة آفاقه. كلّ نبيٍّ كان يفكر بهذه الطريقة، وكلّ جيل يريد أن يحمل رسالة عليه أن يفكّر بهذه الطريقة، وليس معنى أن تفكّر في حجم العالم أن تنشغل عن أرضك وساحتك، بل أن تحاول تحريك ساحتك من خلال المواقع التي تأتي منها المشاكل لساحتك، وبذلك تجعل من نفسك مشكلةً للاستعمار وللاستكبار والطغيان، تجعل من نفسك مشكلة هنا وهناك، لا أنت بصفتك لبنانياً أو عراقياً أو إيرانياً، بل أنت بصفتك المسلم عندما تكون هناك علاقة عضوية سياسية إيمانية إسلامية بين المسلمين والمستضعفين في سائر أنحاء العالم، عندما تتعاون كلّ قوى الإسلام والتحرر في العالم، فإنّ الاستعمار سيعاني من الخطة الموحدة التي تتـوزّع الأدوار في كلّ بلد.
في سبيل إيجاد قاعدة إسلامية سياسية مشتركة:
من خلال ذلك أريد أن أنطلق في هذا الاتجاه من أجل أن أصل إلى نتيجة مواجهة العقلية الطائفية التي تريدنا أن نتحرك في الدائرة الإسلامية مذهبياً وطائفياً، بحيث ننفصل عن المسلمين الآخرين، ربما نجد هناك قوى من حكام المسلمين وغيرهم تعمل على الفصل وإيجاد التحاقد والتعادي بين المسلمين، ولكننا عندما نفكّر في الواقع السياسي والإسلامي بحجم العالم الإسلامي كلّه، علينا أن نعمل ليلاً ونهاراً في سبيل إيجاد قاعدة إسلامية سياسية مشتركة، تجعل المسلمين في العالم يتحرّكون من موقف إسلامي موحد.
على هذا الأساس، لا بُدَّ لنا من أن نعيش التجربة في واقعنا اللبناني الصغير، فنقف ضدّ الذين يريدون تعميق الفروق بين المسلمين ليشغلوهم ببعضهم البعض، والذين يريدون العمل بكلّ طريقةٍ في سبيل خنق الروح والحركة الإسلامية، إنَّ علينا أن ننفتح على خلفيات هذه الحرب المتحركة، وهذه المؤامرات التي قد تختلف أشكالها ولكن مضمونها واحد: وهو أن لا يسمح للمعادلة الإسلامية، أن تدخل الواقع السياسي لتضغط عليه، إنّها عملية متعددة الساحات والأشكال.
عندما نريد أن نحمل الإسلام علينا أن نخرجه من الدائرة الطائفية إلى الدائرة الرسالية، وأن نواجه كلّ المشاعر والحساسيات والخطوات المضادة، حتى ننفتح على كلّ القضايا الإسلامية من موقع ما تحتاجه، بهذه الروح الإسلامية المنفتحة ننفتح على واقع التجربة الإسلامية في إيران وعلى كلّ الحصار الاستعماري الذي تحاصر به الثورة الإسلامية، لنعرف أنّه يتحرّك في خطّ واحد يتعاون فيه كلّ المستعمرين من أجل أن لا يسمحوا للمعادلة الإسلامية من التحرّك في الخطّ السياسي الذي يمكن أن يجعل للإسلام قراراً حاسماً في الساحة السياسية.
وحدة المقاومة:
في مجال المقاومة ضدّ "إسرائيل"، هناك ظروف صعبة تواجهها المقاومة في الشريط الحدودي، لأنَّ "إسرائيل" سيطرت على كافة المواقع الاستراتيجية في الجنوب، واستطاعت أن تحمي من ناحية شكلية تحركها عالمياً من ناحية إقناع العالم بأنّها انسحبت، وأن ليس هناك سوى خبراء، وأنّ هذا الذي تسميه: "بجيش لبنان الجنوبي" يتحرّك في الساحة السياسية مثل بقية الجيوش اللبنانية التي تتقاتل مع بعضها، وبذلك أفسحت لنفسها المجال في أن تتخلص من الضغط السياسي الدولي في كلّ ما تقوم به في الجنوب، كما أنّها استطاعت أن تقلّل من خسائرها التي كانت تنعكس سلباً على أوضاعها السياسية الداخلية، كما استطاعت أن توحي للنّاس عندها في الداخل بأنّ سياستها في الحزام الأمني قد نجحت.
إنَّ المرحلة الآن هي مرحلة تطوير المقاومة كمّاً ونوعاً، والانطلاق بها من خلال خطة استراتيجية محكمة لا أن تخضع للعمليات العشوائية.
ثُمَّ إنّ علينا أن نفكّر بإيجاد تنسيق بين فصائل المقاومة التي تنشد المقاومة الحقيقية. ونركز هنا على كلمة "حقيقية" لأننا نجد في الساحة بعض الأساليب والوسائل التي يراد من خلالها إعطاء حزب أو تنظيم معين نوعاً من أنواع الحالة المتقدمة في خطّ الجهاد والنضال والكفاح، والتي يُراد منها أيضاً أن تسجل لهذا التنظيم أو ذاك نقاطاً يُحدث لأصحابها زهواً معيناً، يدفعهم إلى أن يرفعوا شعارات تحرير الجنوب، ليكسبوا مواقع جديدة في دائرة اللعبة السياسية التقليدية التي دخلتها لعبة المقاومة الفلسطينية السابقة التي كانت تتحرّك في الدوائر الحزبية الضيقة، وفي دوائر المعادلات الإقليمية.
إنَّنا نقول: إنَّ هذا الأسلوب ـ أياً كان الذي يتبعه ـ يجعل المقاومة حالةً استعراضيةً شكلية، بدلاً من أن تكون حالةً حقيقيةً.. إننا نقول للمقاومين الذين يريدون المقاومة: في هذه الظروف الصعبة لا بُدَّ من طرح فكرة وحدة المقاومة، أو التنسيق بين كلّ فصائل المقاومة: المقاومة المؤمنة التي تنطلق في خطّ الإيمان، والمقاومة الإسلامية التي تنطلق في خطّ الإسلام، والمقاومة الوطنية التي تخلص للوطن.
إنَّنا ندعو إلى التنسيق إن لم يمكن التوحيد، حتى تكون البندقية التي تحارب "إسرائيل" بندقية لا تحارب نفسها، بندقية تنطلق من خطّة واضحة مشتركة، بندقية تستطيع أن تحلّ الخلافات الموجودة بين من يحملوها (هذا إذا توفر الإخلاص).
إنَّنا نقول: إنَّ المرحلة تحتاج إلى وحدة فصائل المقاومة، بشرط واحد: وهو أن تكون المقاومة من أجل مواجهة "إسرائيل" لا أن تكون نقطة في ساحة الصراع الحزبي والسياسي الموجود في البلد أو المنطقة، أن ننطلق في الاستراتيجية التي تعمل من أجل إزالة "إسرائيل"، وأن يكون التكتيك متحركاً ومنسقاً ومتكاملاً بكلّ ما لهذه الكلمة من معنى.
لهذا فإنَّنا نرى أنّه: إذا توفرت الثقة والخطّ المخلص والخطة المدروسة، فسوف نستطيع محاصرة "إسرائيل" في مواقعها الاستراتيجية، نستطيع محاصرتها كما حاصرناها سابقاً، ونستطيع أن ننزل بها خسائر فادحة كما أنزلنا سابقاً.
المعركة في عمق "إسرائيل":
إنَّني أركّز دائماً على هذه النقطة، لأنّ من أسرار انتصاراتنا في الجولة السابقة، هو أننا استطعنا أن ننقل المعركة في داخل الجنوب إلى معركة سياسية في داخل "إسرائيل". والآن لو بقيت "إسرائيل" عشرين عاماً في الحزام الأمني من دون أن تنتقل المعركة إلى داخلها أمنياً وسياسياً فإنّها لن تحرّك ساكناً.
لعلّكم قرأتم قبل أيام تقريراً نشر في جريدة النهار لمراسل وكالة أجنبية يقول فيه: إنَّ الإسرائيليين يقولون: إذا هدأت في الجنوب، فلماذا ننسحب؟ وإذا لم تهدأ فلماذا ننسحب؟ ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّهم لا يحسّون الآن بوجود مشكلة تتناول وجودهم وأمنهم السياسي والعسكري في العمق. إنَّ "إسرائيل" لا يمكن أن تتراجع تحت ضغط دوليٍ استعراضي. إنَّ "إسرائيل" تتراجع إذا استطعت أن تضغط عليها في العمق، لتفرض من خلال ذلك ضغطاً داخلياً على حكومتها يتلاقى مع الضغط الخارجي إذا كان هناك من ضغط خارجي.
الوقت ليس وقت التراشق بالكلمات، أو الإعلان عن الخطط أو المكان الذي نريد أن نحارب فيه "إسرائيل". هل نحاربها من المناطق المحررة أو غيرها؟ هل نضرب عمق "إسرائيل" أو لا؟ كيف نفعل؟
هذا كلام لا يُقال في الخطابات، حتى لو كنت تريد أن تفعل، ليس من الضروري أن تعطي "إسرائيل" ورقةً. حينما تريد أن تخطط، لا تجعل خطتك موضوع خطابة أو حماس. لنقلل من الحديث عن خصوصيات المقاومة، ولنكثر من التشاور في خطة المقاومة، لأن المرحلة التي نعيش فيها الآن هي مرحلة نملك فيها قدراً من الحرية. الواقع الدولي والإقليمي والمحلي يسمح لنا بالتحرك بشكل جيد. قد يأتي وقت تضيق فيه الساحة المحلية والإقليمية الدولية، إنّها فرصة لأن نضرب ضربتنا بطريقة أقوى، وأن نعبّئ طاقاتنا بشكل أفضل، وأن نوحد قوانا بطريقة أكثر فاعلية. حتى نستطيع في الظروف الصعبة أن نقف في موقف الدفاع عن أنفسنا كمقاومين.
المقاومة إسلامية... لماذا؟؟
أمام حركة الواقع، لا بُدَّ أن نثير سؤالاً، نستطيع من خلاله:
1 ـ أن نواكب السياسة التي تحكم الساحة، وتحاول أن توجهها باتجاهات محددة.
2 ـ أن نواجه السلبية المطلقة التي تحاول فرض الأمر الواقع أمام كلّ الأحداث والمستجدات.
3 ـ أن ندرس الخلفية الفكرية التي بدأت تظهر معالمها من خلال المواجهة الحاصلة في الجنوب، ثم الآفاق التي تسعى لتحقيقها.
إنَّنا نثير التساؤل لأننا نؤمن أن الحركة لا يمكن أن تحافظ على وجودها وسلامتها، إلا عندما تحدد الإجابات الواضحة والصريحة على كلّ التساؤلات التي تختصّ بانطلاقتها وبكلّ مرحلة من مراحلها. ولعلّ مشكلتنا تكمن في أنّنا نقلّل أو نتهرّب من كثير من علامات الاستفهام التي قد تتعبنا، لأننا ننشد التقدم دون جهد أو معاناة، الساحات المفتوحة هي كلّ همّنا، وليس من المشكلة أن نعرف من يفتح تلك الساحات، فالمهمّ أن لا نجد عقبةً، لأن العقبات تثقل كثيراً من أجواء الاسترخاء التي نتطلبها.
على هذا الأساس، إذا أردنا أن نفكّر في الواقع على مستوى المستقبل، وأن نركز أقدامنا من أجل الغد، علينا أن نثير باستمرار هذا السؤال: "لماذا المقاومة؟".. حتى نبقى مرتبطين بالهدف فلا تهزمنا التحديات التي تعمل على إثارة الشكوك وعرقلة المسيرة.
كيف واجه الآخرون هذا السؤال؟
لماذا المقاومة؟...
بعض النّاس في هذا البلد كان يثير هذا السؤال، وبالأخص الفريق الذي حكم ويحكم الآن، والجيل الذي تربّى على يديه، فماذا كان يهدف من وراء هذه الإثارة؟.
1 ـ أراد أن يوحي لنا بأنَّنا نتحرّك بجهد ضائع، بأنَّنا نناطح الجبال ونسير في طريق لا نبلغ به أيّ هدف، وإنما قد يغرقنا في أوحال ومتاهات لا نجاة منها.
2 ـ أراد أن يوحي أيضاً أنّ كلّ الأمور لا تحلّ إلاَّ بالتسويات.
3 ـ وأخيراً أراد أن ينذر بأنّ الدمار سيلحق بكلّ شيء إذا ما لاحت في الأفق بوادر تُشكِّل خطراً على مصالحه أو وجوده.
كان هذا الفريق يفكر أنَّ قوّة لبنان في ضعفه، وعلى اللبناني أن لا يناطح الصخرة ويصادم التيار، ولكن من هو هذا اللبناني؟
هل هذا الخطاب موجه إلى كلّ لبناني بعيداً عن طائفته أو انتمائه؟ أم أنّه موجّه إلى فريق خاص؟
لا، إنّه موجّه إلى اللبناني المسلم، اللبناني الذي عليه أن يعرف أنّ كلّ تحدٍ يواجهه هو صخرةٌ يمكن أن تكسر رأسه، لذا نراهم يتحدثون معه إشفاقاً، عليك أن لا تكسر رأسك، والسلامة هي في أن تخفضه.
ونراهم أيضاً يقولون له: لا مجال للتغيير، فالنظام كالإله سرمديّ، وأيّ مساسٍ به هو مساس بالمقدسات.. هناك حساسيات لبنانية تاريخية عليك أن تراعيها، إيّاك أن تتحدث عنها. هناك وضع خاص ومميز للبنان يختلف به عن سائر دول العالم.
إنّها أوهامٌ زرعوها في الوعي حتى خُيِّل للنّاس أنّها حقائق، ولهذا كفّوا عن ممارسة عملية التغيير حتى بقي الواقع كما هو، وتعمّق هذا النظام المهترىء الذي استعار بعضاً من شكله وهيكليته من بلاد غيّرت نظامها عشرات المرات. بقي هذا الواقع بشكلٍ أصبح يوحي لنفسه بالقداسة من دون أيّ شيء يوحي بذلك إلا الامتيازات، ومن هنا كان هذا الفريق يعمل على جعل السياسة اللبنانية تلهث وراء محاور دولية وإقليمية من أجل الاستفادة من تناقض تلك المحاور وصراعها آخذاً دور الذكي، معتقداً أنّه يستطيع أن يلعب على العالم، ولكنّه كان كالنعامة تفكّر أنَّ الآخرين لا يرونها حين تخبّئ رأسها بالتراب.
وهكذا أفقدوا لبنان أيّ تماسك، حيثُ أصبحت سياسته معلّقةً في الهواء، فليس هناك من خطٍ واضح يشعر الإنسان من خلاله أنّ الأرض ثابتةٌ تحته، كلّ ذلك من أجل إسكات أيّ صوتٍ يمكن له أن يفكر بالإنسانية التي ينبغي أن يعيشها، إنسانيته على مستوى الفكر أو الحياة، فأرادوا أن لا يعيش اللبناني المسلم تطلعاته حتى منعوا عنه أحلامه للحياة، أرادوا أن لا يتحرّك سياسياً وأن لا يمتدّ، بل أن يتعلّب في ذاته فيعود إلى القمقم.
المقاومة في رأي السياسيين التقليديين:
هذا الواقع أفرز جيلاً من السياسيين التقليديين، جيلاً يخجل من كلّ معاني المقاومة، جيلاً يتقن كلّ الأساليب الدبلوماسية والتسويات في الداخل، حتى الكلمات التي تتحدى لتحاور من موقع القوّة والوعي فممنوعة في قاموسهم السياسي لأنّها تثير الحساسيات.
لبنان الحضارة، لبنان الفكر، لبنان الإشعاع ممنوع أن يتنفس فيه الفكر بحريّةٍ في الهواء الطّلق، لأنّ هذا الهواء يمكن أن لا يتوافق مع الحساسيات، وبذلك منعونا أن نكون مقاومين، أن نحمل في أفكارنا إرادة التغيير والتجديد.
وجاء الخطر من القوات..
ونشأت المقاومة اللبنانية أو القوات اللبنانية من دون أن تأبه لكلّ تلك الحساسيات. جاءت لصنع القوّة من خلال الفريق الخاص، الفريق الذي يسعى لمقاومة كلّ إرادة تغييرية يبديها الفريق الآخر من أجل أن يعيش إنسانيته. جاءت لتمارس الإرهاب من جديد مستخدمة لذلك لغةً جديدة: كلّ دعوة للتغيير هي أجواءٌ غريبة. كلّ دعوة للحوار من موقع التساوي هي حديث غرباء. أنتم لا تخلصون للبنانيتكم.
وانطلت الحيلة، وصدّقها كثيرون، وخاف منها آخرون، وهرعوا إلى هؤلاء يؤكدون لهم لبنانيتهم، وكيف؟ لا تفكير بمستقبل هذا البلد إلا من خلالهم. اعتراف بالأمر الواقع وتأييده وتوكيده.
المقاومة كانت في عقيدتهم أداة لحفظ امتيازات الطائفة وعزّتها وكرامتها، لا عزّة ولا كرامة ولا اهتمام ولا دور للإنسان الآخر. عليه أن يصمت ويخضع وإلا فلا سبيل إلا الرحيل.
كيف واجهنا الخطر آنذاك؟
كانوا يفكرون من موقع الخطة المحكمة، أمّا نحن فكنّا نعيش في وادٍ آخر، إنساننا انطلق مع الرياح العاصفة تتجاذبه هنا وهناك. في كلّ يوم تُحرّك ريح فيلهث وراءها أو يطير معها. فريقٌ يبحث عن هدف دون خطةٍ سياسية متكاملة، وفريق يدخل الحرب من خلال الخطابات الحماسية الفضفاضة، وفريق يقف على خطوط التماس ليحارب من دون خطةٍ ترنوا إلى هدف سياسي واضح.
وهكذا استنزف الإنسان طاقاته في هذه الأجواء، حتى كفر بالمواجهة، وتحطمت عنده الآمال، وانتزعت من نفسه كلّ إمكانية للتغيير. أدخلوه في معركة صنعوها هم، وفرضوا أجواءها السياسية والعسكرية ليكسروا في داخله قوّة المواجهة، وليرجع صاغراً ذليلاً إلى لبنانهم ويردّد: خلِّصونا وافعلوا ما شئتم كلّ ذلك حدث في وقت كان الداخل عندنا يهتزّ بالصراعات الحزبية الداخلية دون أن تحكمه ضوابط أمنية وخلقية، مما يعكس واقعاً ممزقاً.
ودخلت "إسرائيل":
والإنسان عندنا يعيش الهزيمة الروحية والسياسية التي جعلته يستسلم لكلّ شيء حتى لـ "إسرائيل" التي تصوّرها ـ بادئ ذي بدء ـ خشبة إنقاذ وخلاص. الإنسان عندنا كان إنساناً متعباً ومستهلكاً، وكان لدى "إسرائيل" الكثير من الحبوب المهدّئة والمنوِّمة التي توحي للمتعبين بالراحة، وللمستهلكين بالأمان، ولكنّها سرعان ما بدأت تنهش في أجسامهم، وتظهر وجهها الحقيقي الذي أخفته في البداية.
طرق التحرير عندهم:
وبدأت بعض التحرّكات في الجنوب، وشعر الآخرون بالخطر في الداخل قبل الخارج:
ـ في الداخل خافوا أن ينطلق المارد من القمقم بعد أن ظنّوا أنّهم قضوا عليه.
ـ وفي الخارج كان التفكير ينطلق على أساس مصالحهم واستراتيجيتهم من خلال النفس الطويل، في محاولة لاستيعاب هذا المارد الخارج من القمقم لإدخاله في قمقمٍ جديد. كانوا يفكرون بقدرتهم على تدجينه أو عزله.
وبمنطق الهزيمة بدأت التحليلات السياسية تركّز على أن لا فائدة من مواجهة هذه القوة العاتية التي عجزت عن ردّها الدول العربية مجتمعةً ومتفرقةً، فوراءها، دول كبرى لا تقاوم، وعندها أسلحةٌ متطورة لا تقهر، فما الحلّ؟
الحلّ هو الدبلوماسية، التفاوض. تعالوا لنتحدث مع "إسرائيل" بلغة الدبلوماسية، ونطلب من أمريكا إقناع "إسرائيل" بقبول التفاوض من أجل التحرير، وبدأت كلّ الأجهزة تتحرّك من موقع الحرص على الأمان والسلام، حتى الذين عارضوا اتفاق السابع عشر من أيار، عارضوه في تلك الفترة بحياءٍ وخجل، كانوا يقولون: ما البديل؟ ظناً بأنّهم سوف يحشرونك في الزاوية، أن يسكتوك ويقنعوك بمنطق يغاير مسيرة التاريخ، إنّهم جهلوا أنّ حرية الشعوب لا تنال بالمفاوضات التي يقدم عليها الضعيف الذي لا يملك أيّة ورقة، إن لم يكن هو الذي يهيّئ للعدوّ استقراره وأمنه.
التفكير في المقاومة:
من أجل الإنسان نقبل الأرض والوطن، لأنَّه لا قيمة لأرضٍ يكون الإنسان عليها ذليلاً مستعبداً، ولا قيمة لوطنٍ يكون الإنسان فيه منهزماً لكلّ الأعداء الذين يعششون في داخل نفسيته.
الخوف كان على الإنسان في تلك المرحلة، الخوف من أن ينسحق فيظلّ مهزوماً، وبالأخص في ذلك الوقت الذي كان الكثيرون يشاركون في تأكيد هزيمته، الخوف من أن يستمرّ ذلك الشعور الذي كان يوحي بأنّه لا يمكن هدم حجر في "إسرائيل"، الشعور الذي زرع في نفسه عبر أجيال الهزيمة المتلاحقة والمتساقطين في الطريق من طلاب الثورة.
كانت المقاومة من أجل أن يشعر الإنسان بإنسانيته فقط وكانت المقاومة حتى يشعر الإنسان بدويّ الحركة في داخل روحه وقلبه ليتحرّك. أن تقاوم حتى تشعر أنّك حيّ. إنّك تتحرّك وتشعر باليقظة تملأ كيانك. أنت لست كمية مهملة يتلاعب بها الأعداء، أنت قوة وإرادة. أنت لست أذناً صاغية تسترخي لكلّ هذا اللغو السياسي الذي يشارك في الإجهاز على آخر أمل للأمّة في تحقيق أمانيها.
وهكذا كنا نريد أن نجرّب قوّتنا، تماماً كالإنسان الذي يحمل فأساً ليجرّب إزالة الصخور وهو لا يعرف سرّ قوتها، وهكذا كنّا، لـم تكن لنا تجربةٌ مع "إسرائيل"، وجرّب أول مقاوم، ثـمّ آخر ثـمّ آخر وشعرنا أنَّ الإسرائيلي يمكن أن يموت، يهرب، يعيش الضعف، وفوجئ النّاس به وهو يتحرّك كالفئران المذعورة، كلّ هذا أعطى المقاومة حماساً وقوة، فاندفع يُوقِع الضربات تلو الضربات التي أفقدت العدوّ رشده.
ثم بدأت المرأة تشعر بالقوّة، تلك المرأة التي كانت تولّول عندما ترى جندياً يشهر سلاحه في وجهها، وتصرخ عندما ترى جريحاً أمامها. هذه المرأة بدأت تتحدى وتقاوم لأنّ الوهم سقط من وجدانها. الجندي الذي لا يُقهَر أصبح الآن يُقتل في عبوةٍ ناسفةٍ هنا، وفي رصاصةٍ موجهةٍ هناك، وشعر الإنسان بالقوة كلّها، القوة التي تستطيع أن تتحرّك بأساليب جديدة مبتكرة.
واكتشف إنسان الجنوب قوّته، شعر أنّه لا يستطيع أن يتحرّك بالأساليب التقليدية للقتال، لأنه لا يملك أدواتها، ولكن يستطيع أن يواجه من خلال القوة الصغيرة وحرب العصابات التي تربك العدوّ فتبطل مفعول دباباته وطائراته، وبالفعل فقد واجهه في كلّ مكان، وبأكثر من أسلوب حتى استطاع أن يهزمه وكلّ قوى البغي والطغيان.
ويعود إنساننا ليؤكد الجواب للسؤال: لماذا المقاومة؟
الجواب هنا لا يتحرّك في أعمدة التحليلات السياسية والنظرية التي تملأ الصحف، الجواب يتحرّك في الأرض ليعود الإنسان ليكمل تاريخه العريق، يتحرّك من وحي مبادئه السامية على كلّ صعيد، الطفل والشيخ والمرأة كلٌّ يعطي من أجل المستقبل.
على هذا الأساس أكّدت المقاومة نفسها من خلال الواقع لا من خلال الشعارات الفضفاضة التي استهلكت وخدّرت النّاس. المقاومة فرضت نفسها على الواقع ليكون هو شعارها الذي لا ينطق بالكلمة، وإنما بالرصاصة وبالخطوات الثابتة القوية التي تشعر بحركتها على الأرض.
لماذا المقاومة إسلامية؟
هل نريد من خلال هذه التسمية أن نحدّ من شمولية المقاومة وامتدادها؟
ثم لماذا نُصّر على المقاومة الإسلامية؟
في الواقع إننا لا نفكر طائفياً، لأن الطائفية ليست ديناً بل هي عشائرية على مستوى أوسع. الطائفي إنسان لا يفكر باللّه، بل يفكّر بالحقد والامتيازات، بينما المتدين إنسان يتحرّك ليلتقي مع الآخرين من موقع الفكر، يفكّر بمسؤوليته في الحياة عن الآخرين.
بناءً على هذا فنحن لا نفكّر طائفياً، ولا نريد للإسلام أن يتحرّك طائفياً، فالإسلام دين لم يتجمد في إطار ذاته، وإنما انفتح على الآخرين من خلال مَواطِن اللقاء، وأراد للآخرين أن يفكّروا معه في مَواطِن الاختلاف، الإسلام ليس دين طقوس وعبادات يتحرّك فيه الكهنة ليوزّعوا البخور وقطع الجنة على النّاس، ويعيشوا حالة استرخاء في أحلام كاذبة يتخدّرون بها في الغيب بعيداً عن الواقع. الإسلام فكر كما هو الفكر، وهو وحي اللّه تعالى ولكنّه وحي أعطى الفكر للحياة فقال: لا إيمان سليمٌ إلا من خلال العقل، لا تقليد في الإيمان. ثم إنَّ الإسلام أراد للإنسان أن يعيش جنّة مصغرة في الأرض من خلال قيمه وأفكاره، قبل أن يصعد إلى جنة السماء، والإسلام أراد للحياة أن تسير بأسبابها الطبيعية، وإن كان للغيب مجالٌ فهو محدودٌ ضمن أطر محددة.
والإسلام الذي نقصده ليس إسلام عصور التخلف، بل إسلام عصور الازدهار، حيث طرح تجربته في صنع الحضارة التي كان لها آفاقها، وعلينا نحن أن نصنع تجربتنا للإسلام لا أن نصنع إسلاماً جديداً يغاير في مفاهيمه ما هو موجود في القرآن، علينا أن نحرّك فكر الإسلام وأدواته في حركة الواقع حتى نعطي هذا الفكر دوره لا من موقع الصراع بل من موقع الحوار، فحين نطرح فكرنا في الساحة لا نفكّر بقتال المسيحية أو ممارسة الشتائم معها، ولكن نفكّر بفكر الإسلام الذي يقول للمسيحيين: تعالوا نتحاور لنتخلص من كلّ الأحقاد التي زرعوها فينا، ولنبدأ رحلة الفكر مع الإسلام ولنقول للملحدين: تعالوا نتحاور من موقع الفكر المتجرد عن كلّ تزمّتٍ أو تعقيد من أجل الوصول إلى الحقيقة المطلقة.
عندما نطرح الإسلام فإنّا نطرح الفكر الذي يتنفّس في الهواء الطلق. الإسلام الذي لا يحبسك عن الآخرين لأنّه لا يخاف منهم ومن فكرهم، ولا يتعقد من أيّ طرحٍ أو شكٍ أو أيّ شيءٍ آخر، بل بالعكس إنّه يعتبر أنّ من حقّك أن تشكّ، ولكن ليس من حقّك أن تتجمد أمام حالات الشك، وإنما تجعل من الشك خطوةً متقدمة نحو الحوار والمعرفة، فتبحث وتناقش من أجل الوصول إلى الحقيقة، وذلك انطلاقاً من التوجه القرآني الذي يقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24].
هذا هو الإسلام...
الذي نطرحه هو فكرٌ يتحرّك كبقية الأفكار، فكرٌ لا يعيش في زاوية المسجد ليعلِّب الإنسان في إطاره، وممنوعٌ عليه الخروج إلى الواقع ليسمع ويرى، إنّه الفكر المتحرك الذي يصنع شخصيةً متكاملةً لها جذورٌ في العقيدة، والذي يمتد إلى كلّ مجالات الحياة ليعطي حكماً لكلّ شيء بحيث لا يترك فراغاً بحاجة إلى أن يملأه الآخرون.
ونحن عندما نطرح الإسلام، لا نعتبر المقولات التي طرحت في أوروبا وعصر الثورة الفرنسية وبعدها، أمثال: الدّين يُصادم العلم، والدّين أفيون الشعوب، والدّين يتحرّك على عتبات السلاطين، ورجال الدّين هم شرعية الحكام. إنَّ هذه المقولات لا تمسّ الإسلام بمفاهيمه ومبادئه، بل كانت تمسّ بعض التجارب الدينية التي عاشها الأوروبي في القرون الوسطى وما بعدها.
لهذا كنّا نقول ونردد لكلّ الجيل الصاعد: نحن نرفض أن تؤمنوا بالإسلام على غير أساس علمي ومنطقي. إقرؤا الإسلام جيداً، افتحوا قلوبكم على كلّ قضاياه، ناقشوه، تطلعوا إلى حلوله لمشاكلكم.. ثم بعد ذلك أحكموا له أو عليه. احكموا لا من منطق "الحرتقات السياسية" بل من موقع الفكر الذي يُتقَن ويُثبَت على أساس الحُجّة والبرهان، لأنَّ التشويه مقصود من أجل أن تهيّئ للأفكار المعلّبة والجاهزة الأجواء كي تكون بديلاً حيث لا يوجد بديل.
كيف تكون المقاومة بالإسلام؟
لهذا أردنا أن نقول: "المقاومة إسلامية" لنِبَرِز حقيقة هذا الدّين، وأنَّه ليس كما يقول عنه الآخرون. أردنا أن نحرك الإسلام في نفوس المسلمين فنقول للفلّاح في القرية، والعامل في المصنع، والطالب في المدرسة، وكلّ الفعاليات. إنَّ الإسلام لا يجمّدكم في المساجد، ولا يعدكم الجنة على أساس أن تسكتوا عن الظلم أو تعبروا عليه... الإسلام ـ كما نفهمه ـ هو الذي يقاوم في كلّ زاويةٍ من زوايا الجنوب، يقاوم فيه من وحي صلاته، لأن الصلاة خطوةٌ متقدمة نحو الجهاد، لم نقلها نحن، ولكن قالها القرآن الكريم:{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت:45].
فالظلم منكر، والاستعمار منكر، والصهيونية منكر، وكلّها تسيء إلى الحياة بكلّ ما تمثّله من قيم الحرية والإنسانية لهذا كانت الصلاة حركة في الحياة، إذ خرجت عن كونها روتيناً تبدأ باللّه أكبر، بل تشعرك أنَّ كلّ القوى مهما عظمت تتصاغر وتتضاءل أمام قوّة اللّه وعظمته، وما دمت ـ أيّها الإنسان ـ مع اللّه فأنت ترتبط بمصدر القوة، فتشعر بها من موقع الحقيقة، وأنَّ كلَّ قوّة الآخرين هي مثل قوّتك: {إن الذين تدعون من دون اللّه عباد أمثالكم} [الأعراف:194].
إنَّهم مثلك، لك نقاط ضعف، ولهم نقاط ضعف أيضاً، وأنت قادر ـ إن لم تضعف ـ أن تأخذ بأسباب القوّة، وتقف بوجههم من موقع ارتباطك باللّه تعالى، لذلك لا يشعر المؤمن بأيّة قوّةٍ عظيمةٍ سوى قوّة اللّه تعالى، كلّ القوى محدودةٌ بحدودها، إذ يمكن أن تهزمها من خلال الظروف الموضوعية.
وهكذا نرى أنّ عبادة اللّه تعالى تعلّمنا كيف نعيش أحراراً أمام كلّ شيء ما عدا اللّه تعالى، فالصلاة عندما نعيشها حرةً حيّةً تعيش في قلوبنا ووجداننا، فإنّها تجعلنا أقوياء أحراراً ولا نضعف أمام مختلف ألوان الضغوط.
لهذا فإنَّنا عندما نقول: المقاومة إسلامية، نقولها حتى ينطلق الإنسان من مواقع الإسلام الحقيقية التي لا تعتبر المقاومة حالةً طارئةً لتغطية وضعٍ سياسيٍّ معينٍ يمكن أن يزول، ولكنها تمثّل حالةً ممتدةً ومستمرةً تبقى ما دامت أهدافها باقيةً حالةً لا تَهِنُ ولا تضعف مهما كانت الظروف والضغوط حالةً تنطلق من خلال الهدف لذلك كان الموت بالنسبة للمقاوم المسلم لا يمثل مأساةً، أو حالةً نفسيةً منفعلةً، الموت بالنسبة له هو حالةٌ محسوبةٌ جيداً لا تتحرّك على أساس الانفعال، لماذا؟ لأنه يعيش للأهداف، والهدف باق لا يموت.
بعض النّاس كانوا يفلسفون بعض العمليات الانتحارية التي حدثت في بيروت والجنوب وغيرها فيقولون: إنَّ هؤلاء كانوا يعيشون في أجواء لا شعورية، ويخضعون لعملية غسل دماغ، ويفكرون في الأحلام الوردية التي يبتعدون فيها عن الفكر، فيفكرون خارج ذواتهم، ويشعرون أنَّهم معلّقون في الهواء في الجنّة السحرية التي تعيش في اللاوعي.
وهؤلاء لا ينطلقون في تفسيراتهم من خلال معطيات علم النفس، ولكن مشكلة علم النفس أنه يتحرّك في دراسة الظاهرة من خلال المفردات المادية والنتائج المخبرية، ولكنَّهم لا يعلمون أنّ هناك أشياء لا نستطيع فهمها إلا من خلال معاناتها. من لا يفهم العبودية لا يفهم معنى الحرية، ومن لا يفهم الجوع في حياته لا يفهم صرخات الجائعين. ألم تسمعوا عن ملكة فرنسا عندما تظاهر الجائعون أمام منزلها يطالبون بالخبز، سألت وزيرها ماذا يريدون؟. قال: إنَّهم يريدون الخبز، قالت: إذا لم يكن هناك خبز، فلماذا لا يأكلون البسكويت؟ البسكويت يمكن أن يكون عوضاً عن الخبز.
لماذا تقول ذلك؟ تقول ذلك لأنَّها لا تفهم معنى أن يفقد الإنسان القوت، لأنّها لم تعش هذه التجربة، كلّ شيء موفّر لها، وإذا ما صادف أن فقدت شيئاً فذلك لا يكون ناتجاً عن حالة حرمان، وإنما من خلال الظروف الخاصة، لذلك فإنّها لم تفهم معنى أنّهم يريدون الخبز لأنّهم جائعون.
لهذا فإنّ بعض علماء النفس يرصدون الظاهرة من خلال ما بأيديهم من حالات الصرع ومن الحالات العصبية، ومن التجارب المحدودة، أما كيف يمكن أن ينطلق الإنسان من خلال قضيّةٍ تملأ قلبه ووجدانه وإيمانه، فهذه لا يفهمونها، ونحاول نحن أن نفهّمهم إياها.
كيف نفسّر ظاهرة المقاوم الاستشهادي؟..
أيّ فرق بين أن تنطلق إلى الحرب لتقاتل وأنت تعرف أنّك ستموت بعد أن تقتل عشرةً، وبين أن تنطلق إلى الساحة لتقتل عشرة وأنت لا تعرف أنّك ستموت عندما تقتلهم. لماذا تكون هذه حالة في اللاوعي وتلك حالة في الوعي؟ القضية هي أنّ هذه الحالة مألوفة في أساليبنا، وتلك ليست مألوفةٌ، والإلفة لا تمثل شيئاً خارج المعقول أو خارج نطاق الواقع فليس هناك فرق بين الحالتين.
قد نتحفظ نحن في أن تكون كلّ مواقفنا للجهاد بهذا الأسلوب، ولكننا في الوقت نفسه لا نعتبرها ناشئةً من عملية غسل دماغ، أو من عمليات استقطاب اللاشعور أو ما إلى ذلك، مما أرادت أجهزة المخابرات المتخصصة علمياً أن توحي به إلى العالم، لأنّها لا تريد أن تقدّم إلى العالم نموذج الإنسان الذي يريد أن يموت من أجل حريته من موقع الفعل لا من موقع ردّ الفعل، لا تريد للعالم أن يحترم هذا الإنسان المقاوم، لأنّ الرأي العام إذا احترمه فسيشكّل ذلك مشكلةً لكل الإدارات الاستعمارية في بلادها ومناطق نفوذها.
لهذا عندما كنّا نفكر في هذا الاتجاه، كنا نريد أن ينطلق هذا الإنسان من موقع القاعدة الفكرية الإيمانية الروحية التي تجعله يموت من موقع إرادة الموت، يموت على أساس أنّ الموت يكون خطوةً في طريق الوصول إلى قضيته، لذلك فقد كان الإنسان المقاوم يعيش الفرح الروحي وهو يموت، لا كما تصوره أجهزة الإعلام.
إنّ هذا الإنسان الضاحك المنتحر، لا يضحك بلسانه أو شفتيه أو وجهه، وإنّما يضحك بقلبه، لا من أجل الأحلام الوردية التي يعيشها ويتمثّلها، بل من أجل القضية التي آمن بها والتي يستطيع أن يطلقها خطوة متقدمة إلى الأمام.
هذا الواقع هو ما نريد أن نؤكّده في حياتنا ويبقى في داخل نفوسنا، أن تبقى القوة الواعية الفاعلة التي تغرينا بأن نستمرّ ولا نتجمد أمام حالة طارئة.
ولهذا أردنا أن نؤكّد "المقاومة الإسلامية" من أجل أن تتحرّك المقاومة من الداخل لا من خلال قرارٍ يأتي من الخارج، وهذا لا يعني أن لا تتحرّك من خلال تخطيطٍ مدروسٍ محكم، ولكن أن لا يكون التخطيط مجرد تعليمات، بل أن يتحرّك من خلال المشاعر والأفكار، أن يخطّط لك ما أنت تشعر به، أن ينظم لك ما تفكّر فيه، أن يخطط لك ما تشعر به حتى تتحرّك مشاعرك ضمن خطةٍ، كما تتحرّك أفكارك ضمن خطةٍ، وهذا ما نريده: أن تعيش الثورة في الشعب، لتكون ثورةً شعبيةً حقيقيةً، أن لا تكون ثورة نخبة تتحرّك من خلال طبقيّتها، حتى لو كانت تتحدّث عن الطبقات المحرومة في المجتمع، لأنّ السياسة تخلق طبقاتٍ، طبقاتٍ تلعب على آلام الطبقات الأخرى بدعوى قيادتها وانطلاقتها.
من أهداف المقاومة الإسلامية:
إننا نعمل من خلال المقاومة الإسلامية لتثوير الشعب، تثويره بكلّ بساطة، كيف؟
الإسلام يقول: الخمر حرام، الزنا حرام، السرقة حرام، ويقول أيضاً: التعامل مع "إسرائيل" حرام، وببساطة نقول: للإنسان من موقع الفقه: إنَّ غصبك لعلبة سجاير من إنسان، أو احتلالك لبيت إنسان بدون حقّ، هو غصب والغصب حرام، لأنّه لا يجوز التصرف في مال الغير بدون إذنه ورضاه، نريد أن يفهم حتى في السياسة أن غصب الوطن حرام. إذا كان غصب قطعة أرض من مالكها حراماً، لا يجوز للمؤمن أن يقرّها بأيّة وسيلة، فكيف يجوز أن تسمح له أن يقرّ بأنّ غصب بلاد بكاملها حلال، كيف يجوز ذلك؟
ولهذا فنحن كمسلمين، إذا أردنا أن ننسجم مع إيماننا، لا نستطيع أن نقرّ ولو للحظة واحدة شرعية وجود "إسرائيل"، تماماً كما لا نستطيع أن نقر شرعية الخمر أو الزنا. نحن لسنا بحاجة أن نغرق في التحليلات والفلسفات والنظريات السياسية والوطنية، وبكلّ بساطة: غصب الأرض حرام وغصب الوطن حرام، وسرقة المال حرام وسرقة الوطن حرام، لهذا لا نعتبر أنفسنا مسلمين ـ كما يريد الإسلام ـ إذا اعترفنا بشرعية وجود "إسرائيل".
نحن لا نريد للقضية أن تعيش في إطار النظريات السياسية المطروحة في الساحة تتحرّك في شجب "إسرائيل" على أساس أنّها نظام استعماري فقط، فلو أنّها تحولت إلى نظام غير استعماري، (يتحالف مع فريق آخر غير أمريكا) فهم مستعدون للقول بشرعيتها، وبأنّ من يحاربها يمكن أن يدخل في قائمة الرجعيين المتخلفين الاستعماريين الذين يعملون لمصلحة أمريكا، لأنَّ "إسرائيل" متحالفة مع غير أمريكا. بعض النّاس يفكرون هكذا في "إسرائيل"، يفكّرون من موقع نظام "إسرائيل"، وعلاقاتها السياسية.
ونحن لا نفكّر كذلك: لتكن "إسرائيل" إسلامية، فإننا لا نؤمن بها ولا نقرّ بشرعيتها إذا منعت أهل فلسطين من الرجوع إلى بلادهم، تماماً كما نحن الآن في رؤيتنا إلى واقع بعض البلاد الإسلامية التي تسمى في المصطلح السياسي إسلامية ويحكمها ملوك وأمراء مسلمون بالمعنى المصطلح للإسلام، نحن لا نعترف لهم بأيّة شرعية لأنهم سرقوا أموال المسلمين وميزانية الأمّة ومستقبل الأمّة.
ليست القضية أن يكون على رأس النظام مسلم، وليست القضية أن تطبّق حدود الإسلام ـ كما يحاول بعض الحكام العرب ـ في عملية استعراضية، إنّهم يجبرون السارق على السرقة، بممارساتهم ونظمهم، ثم يقطعون يده، ويجبرون الزاني على الزنا ويرجمونه. إنهم يتاجرون بالإسلام من أجل أن يحصلوا على موقعٍ في نفوس المسلمين. إنَّ ما يقومون به وما يمثلونه يمثل صرعةً إسلاميةً لا نظاماً إسلامياً، لأنَّ النظام الإسلامي يفكر بالحلول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تقضي على دوافع السرقة والزنا، وبعدها يلجأ إلى تطبيق الحدود، وهذا ما لا نلمسه في النظم التي تدّعي الالتزام بدين الإسلام.
وخلاصة القول: نحن لا نعترف بـ "إسرائيل" التي تُخرج أهل فلسطين من ديارهم وتأتي بأناس آخرين لتسكنهم هذه الديار، نحن لا نعترف بشرعيتها حتى لو تحوّل اليهود كلهم إلى مسلمين مع إصرارهم على هذا الواقع، لأن ديننا لا يسمح لنا بذلك.
ومن هنا نفهم أن القضية الفلسطينية عندما تتحرّك في الاتجاه الإسلامي ـ لا في اتجاه الملوك والأمراء والحلف الإسلامي والمؤتمر الإسلامي وكل ما استحدثوه ـ تستطيع أن تؤكد قضية الجهاد في عمق كل إنسان مسلم، تماماً كما يمارس صلاته وصومه، فكما لا يجوز لك أن تصلي في اللباس المغصوب والمكان المغصوب، لا يجوز لك أيضاً أن تعترف للإنسان الغاصب بشرعية غصبه أو ترضى بغصبه.
لماذا رفضنا اتفاق 17 أيار؟
ولهذا فنحن عندما رفضنا اتفاق السابع عشر من أيار، رفضناه من موقع الإسلام، لأنّ "إسرائيل" التي لا تملك شرعية كيف يمكن أن نعطي لأمنها شرعيةً.. هكذا نفكّر الآن وفي المستقبل. فكلمة الترتيبات الأمنية الغامضة نلهث الآن وراءها سياسياً قبل أن نعرف مضمونها، وقبل أن نعرف ماذا نريد ويريدون.
نسأل: الترتيبات الأمنية كيف؟
إنّهم يجيبون: عند المفاوضات نفهم كيف يمكن أن نتفاوض حول أمنها الشرعي ونحن لا نعتبر وجودها شرعياً؟
كيف يمكن أن نكون نحن مسؤولين عن حفظ هذا الأمن؟
إنّنا نفكّر بهذا الاتجاه، ومن خلال هذا التفكير ينطلق بعض النّاس ليقولوا: إنّكم تفكرون بالمثاليات، والواقع هو غير المثال.
إننا نقول لهم: يمكن أن نكون كذلك، ولكن عندما نفكّر في الحاضر قد نكون مثاليين، ولكن عندما نفكر في المستقبل علينا أن نجعل الحاضر خطوةً متقدمةً نحو المستقبل، وهنا يتحوّل تفكيرك إلى واقع بكل ما للواقعية من معنى.
وأبرز شاهد على ذلك "إسرائيل"، كيف فكّرت؟ قبل مائة سنة كانت تتحرّك من أسطورة فلسطين: أرض الميعاد، قبل ألفين أو ثلاثة آلاف سنة كانوا في فلسطين، وهذا يمثل قانونية رجوعهم إليها، أيُّ منطق في القانون أو السياسة يحترم مثل هذا. كان خرافةً، ولكنّهم فكروا في المستقبل الذي تحوّل فيه الأمر المثالي أو الخرافي إلى واقع وحقيقة.
ونحن لماذا لا نفكّر في المستقبل؟ لماذا نظلّ مشدودين إلى اللحظة التي نعيش فيها؟
إننا نفكّر على مستوى اللحظة اجتماعيا وسياسياً واقتصادياً، واللحظة لا تمسكها حتى يهرب منك المستقبل الذي يمثّل أفقك. هل تريدون الحياة كما هي الحياة؟ فكّروا.
هل القضية هي أن تأكلوا وتشربوا؟ أو القضية أن تحيوا حياةً حرةً عزيزةً؟
لا نريد أن نلعب على الكلمات، القضية هي أن تملك إرادتك، أن تُعدّ نفسك لمواجهة التحدي، أن تنطح الصخرة الآن ليتعلم رأسك أن يواجه الصخور غداً، ربما تتألـم، تجرح، ولكنّك في المرة الثانية يكتسب رأسك مناعة، ألستم تمارسون هواية حمل الأثقال؟ منكم من يحمل المائة والمائتين، ولكن هل حصل هذا دفعة واحدة؟.. العشرة تعطيك قوة العشرين، والعشرون قوة الثلاثين، وهكذا حتى تصل إلى الرقم النهائي المطلوب. المهم أن لا تتجمد أمام حالة العجز الأولى، لأنَّ الأهداف الكبيرة تبدأ بالخطوات الصغيرة، المهم أن نتحرّك ولا نقف.
آفاق المقاومة وتطلعاتها:
عندما نفكّر في آفاق المقاومة وتطلّعاتها، لا نفكّر في الجنوب وحسب، إنّنا نفكّر بأن نُثوّر العالـم الإسلامي. المقاومة الإسلامية نجحت أمام الجيل الإسرائيلي، ونجحت جزئياً أمام الجيل الأميركي الاستعماري، من خلال هذا النجاح نستطيع أن نقول للعالـم الإسلامي: لقد جرّبنا بعض الشيء ونجحنا ببعض طاقاتنا، وأنتم تملكون طاقات أكثر ومواقع حركة أعظم، فجربوا ولا تتجمدوا أمام تصورات الفشل.
أن نعرف مسبقاً ونعترف بكلّ واقعيةٍ أننا لا نملك كلّ الإمكانيات لهزيمة "إسرائيل"، نملك أن نتعبها كما أتعبناها، ونملك أن نجعلها تصرخ كما صرخت، ونملك أن نربكها في الداخل كما أربكناها، ونملك أن نقهر نفسيّة جنودها كما قهرناها، ونملك أن نخربط بعض خططها وأوضاعها وترتيباتها، نملك ذلك كلّه كما يملك الأطفال القدرة على تخريب البيت دون أن يستطيعوا أن يهدموه. نحن نعرف كلّ ذلك، ولكن لا نريد أن نتعلّب في الجنوب، نريد أن نكون مقاومةً إسلاميةً تبدأ من هنا لتنطلق إلى كلّ العالم الإسلامي من أجل أن يتحرّر من خلال التجربة والتطلعات، ولهذا نرفض أن تكون المقاومة جنوبية تتعلّب في الجنوب، نريدها أن تكون جزءاً من حركة الحرية في العالم الإسلامي، وجزءاً من حركة الحرية في عالم المستضعفين غير المسلمين.
نحن نعمل من خلال تجربة المقاومة في الجنوب على تحرير الإنسان مهما كان انتماؤه، تحرير الإنسان غير المسلم والمستضعف بنفس القوة التي نعمل بها على تحرير الإنسان المسلم المستضعف. ونحن ننطلق أيضاً مع حركات التحرر في العالم الإسلامي وغير الإسلامي، لأننا نعرف أنّ قضية الحرية لا تتجزأ، وأنّها عندما تنتصر في مكانٍ، فإنّها يمكن أن تنتصر في الأمكنة الأخرى، وعلى العكس عندما تضعف في مكانٍ، فإنها يمكن أن تضعف في الأمكنة الأخرى، لهذا فإننا نشعر بواقع الشعوب الصغيرة التي لا تستطيع أن تحلّ المشاكل الكبيرة، أو تواجه التحديات الخطيرة، ولكننا من خلال المقاومة في الجنوب نستطيع أن نعلِّمها أنّ القوى الصغيرة المنطلقة من عمقٍ إيمانيٍّ تستطيع أن تشاغل القوى الكبيرة، تشاغلها ريثما تستعد القوى الأخرى لتلتحق بالركب.
ثم إنّ أيّة مواجهة لا بُدَّ من أن يرافقها صعوبات وعقبات، فقد يسقط الكثير أثناء الطريق، وقد تواجه بقوى جبارةٍ، وقد تصاب بنكسات، قد تضعف وقد تهدأ، ولكنّها لن تموت ما دامت المواجهة مرتكزة على قاعدة إيمانية مخلصة، ما دام الإسلام يحركها ويغذّيها وينمّيها.
نحن لا نريد أن نكون استعراضيين عنتريين لنستهلك كلمات الاستعراض، فقوتنا محدودةٌ ولكنّها مخلصة، ولا بُدَّ لها من أن تنطلق لتبقى متحركةً حيث لا يكون هناك "إسرائيل" أو استعمار أو طغيانٌ من الداخل، أو هيمنةٌ واستبدادٌ في الخارج.. لنستخدم كلّ الأساليب التي يمكن أن توصلنا إلى الهدف، ليس ضرورياً أن تكون كلّ الأساليب عسكريّة، وبالأخص في الصراعات الداخلية، فهناك أساليب متعددة ومتنوعةٌ، المهمّ هو أن تبقى القضية المصيرية حيّةً في النفوس، أن نتحرّك ونعمل على أساس النَفَس الطويل الذي لا يستعجل الربح. لا بُدَّ لنا من أن نخطّط لعشرين سنة أو ثلاثين أو أكثر، وأن نفكّر كما فكّر ذلك الفلاح العجوز حين قال: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون. ربما لا نستطيع أن نجني من ثمر الشجرة التي نغرسها الآن، ولكنّها ثمار نزرعها لأولادنا وأحفادنا الذين قد يأكلون منها بعد ذلك، وهذا ما نستوحيه من الكلمة المأثورة: "اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً".
عندما تفكّر في المسؤولية، فكّر في الآخرة، ليكن تفكيرك هذا يمثل لك المناعة ضدّ الانحراف، وعندما تفكّر في الامتداد والعمق، فكّر أنّك لا تموت لتستطيع أن تكثّف من طاقاتك في سبيل صنع الحياة، هكذا علينا أن نفكر حتى تكون خطواتنا مدروسة ومواقفنا ثابتة.
لنحلم الآن من أجل المستقبل:
لا نريد أن نعيش مع الأحلام، مع العلم أننا قد نحتاج في الحالات الصعبة إلى بعض الأحلام الواقعية لنخرج من هذا الطوق الذي يُحكِمونه على فكرنا وشعورنا وحياتنا. حاول أن تحلم في بعض الحالات، ثمّ ابحث عن مواقع الأحلام كيف تتحرّك في الأرض، فإنك ستجد أنّ كثيراً من أحلامك يمكن أن تكون واقعية في المستقبل.
لا أريد أن أتحدّث لكم عن فلسفة الحلم، لكن أقول: من خلال التجربة لكل منّا أحلامنا الصغيرة العاطفية والدراسية والاجتماعية والاقتصادية.. وتفكيرنا في المستقبل هو تفكيرٌ في الحلم، ألا تجدون أنّ بعض أحلامكم قد تحققت في القضايا الصغيرة، إذن يمكن لها أن تتحقق في القضايا الكبيرة. لكننا تعلّمنا غالباً أن تكون أحلامنا دائماً في دائرة الحس ولا تكون في دائرة المعنى والقيم، لنتعلم أنّ القيم تغني إحساسنا كما تغني روحنا، وبعد ذلك وقبل ذلك يبقى المسلم يشعر بالأمل الكبير جداً الذي لا يُخّدره بل يطلق طاقاته، الأمل باللّه تعالى العالم بكلّ شيء والقادر على كلّ شيء، اللّه الرحمن الرحيم الذي يرعى تجربتك وآلامك، اللّه الذي يتحدث معك بكلّ رأفة وعطف: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]
اللّه الذي يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]
اللّه تعالى يقول لك: لماذا تبتعد عني، اقترب مني، إني قريبٌ منك، قريبٌ لروحك وقلبك، قريبٌ لأحلامك وآلامك، قريبٌ من كلّ شؤون حياتك، أنا أقرب إليك من حبل الوريد، أنا الذي خلقتك وأنعمت عليك، لماذا تبتعد عني؟
اللّه الرحيم، اللّه الذي جعل الحياة كلَّها بين يديك، لأنَّ الحياة كلَّها بين يديه. أسمع آيات القرآن الكريم وهي تصوغ الروح المتفائلة المرتبطة باللّه تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
لا يأس ولا قنوط مع اللّه، لا يأس في القضايا السياسية والعسكرية والاجتماعية والشخصية، لا يأس أبداً، وإنما الأمل الكبير والحلم الكبير هو الذي يتحرّك من خلال قوتك، لينطلق من خلال قوة اللّه.
لنفكّر بعقولنا لا بعقول الآخرين..
ما أريد أن أعالجه في الختام، هو أن نظلَّ نفكِّر ونتأمَّل، نفكر بكلّ شيء، نطرح كلّ علامات الاستفهام. أقول لكم من موقع المسؤولية: لا تتعقّدوا أمام أيّة علامة استفهام تطرأ في ذهنكم، لا تهربوا منها، كلّ شيء يواجهكم حاولوا أن تلاحقوه لتعرفوا جوابه، لا تعطوا عقولكم لأحد، لا تعيروها لأحد، فالعقول لا توهب، لا تقولوا للآخرين فكّروا لنا، بل قولوا لهم فكّروا معنا، العقل والإرادة هما سرُّ شخصيتنا، فعلينا أن لا نعطي عقولنا للآخرين ونتحرك بعقولهم، ولا نعطي إرادتنا للآخرين ونتحرك من دون إرادة، إرادتنا مع إرادة الآخرين، وعقولنا مع عقولهم وتجربتنا مع تجربتهم. القيادة لا تلغي قاعدتها وإنما تؤكدها، لا نريد أن نكون الشعب الذي يرفع أصابعه دائماً بالقبول، بل الشعب الذي يرفعها كثيراً بالاعتراض، حتى نستطيع أن نوقف المنحرف عند انحرافه.
المقاومة الإسلامية آفاقٌ وتطلعاتٌ بحجم الحياة وحجم العالم، من أجل أن ينطلق العالم في التجربة الرائدة التي حدثنا اللّه عنها عندما حدثنا عن المستقبل: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5].
المقاومة في وجدان الأمّة
المقاومة مشروع حركة:
عندما بدأت المقاومة ضدّ "إسرائيل"، والمقاومة الإسلامية بالذات، كان التفكير أنّها ليست مشروع حركة تواجه الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وينتهي كلّ شيء. التفكير كان: أن تصبح هذه المقاومة مشروع حركة تواجه "إسرائيل" والاستعمار كمشروع في المنطقة والعالـم، أن تصبح مقاومة تمثّل الامتداد في فكر الإنسان وروحه وحياته، فلا تختنق في داخل مرحلة معينة، بل تحاول أن تتحرّك عبر الأجيال، لينقلها جيل إلى جيل حتى تتكامل الحركة في العالمين الإسلامي والمستضعف، ولتستطيع في نهاية المطاف إسقاط "إسرائيل" والاستعمار كمشروع.
تلك كانت الفكرة، فكرة لا يعيش فيها الإنسان على مستوى الخيال والأحلام، بل تنطلق من حيث انطلقت الرسالة، وانطلق الرسول (ص)، كان فرداً، وكان الكفر يشمل معظم العالم، وكان الرسول (ص) يفكر أن يحتوي الإسلام العالم، ربّما لم يحتوِ الإسلام العالم كلّه، ولكنّه فرض نفسه على واقع الفكر والحركة في العالم.. لهذا نقول: ليس خيالاً ما يفكّر به المصلحون والثائرون في امتداد المستقبل.
التحرّك من خلال آفاق الأمّة لا الفئة:
القضية الأساسية هي أن يتحرّك المصلحون والمقاومون والثائرون من خلال آفاق الأمّة، لا من خلال آفاق الفئة. إيّاكم أن تكونوا فئة تُشعرون أنفسكم أنّ لكم إطاراً يفصلكم عن أيِّ إطار في الأمّة أو عن الأمّة. فكّروا أن تكونوا حركة الأمّة في العمق والامتداد، لأنَّ الذي يفكّر بعقلية الفئة سوف يختنق في داخل أحقاد وحساسيات الفئة، ويتحول إلى مجرد كتلة في زاوية صغيرة من زوايا الساحة، لا أن يكون الساحة كلّها.
لهذا فإنَّ مشروع أن تغيّر العالم من خلال المقاومة، ومشروع أن تطلق المقاومة كحركةٍ وكمشروع يُسقط المشروع الإسرائيلي والاستعماري، إنّ هذا يفرض عليك أن تفتح قلبك للحياة وللأمّة كلّها، وأن تفتح عملك للحاضر والمستقبل كلّه.
إنّنا نريد أن نعيش الانفتاح على كلّ النّاس الذين يقاومون، حتى ولو كنّا نحمل في أنفسنا فكراً يختلف مع أفكار الآخرين. في مرحلة المقاومة علينا أن نحتوي في الطريق كلّ الذين يقاومون "إسرائيل" والمشروع الاستعماري في المنطقة، نحتويهم لا لنذوب فيهم ونترك كلّ أفكارنا وقناعاتنا وقواعدنا. في كلّ مرحلة من مراحل الطريق، لنحاول أن نجمع كلّ النّاس الذين يتحرّكون معنا في الاتجاه ذاته، فنثوِّر الأمّة، ومن خلال هذه الثورة نستطيع أن نطرح فكرنا في حركة الأمّة أمام الواقع الذي نعيشه والمستقبل الذي ننتظره.
هذا ما نريد أن نفكّر فيه، أن لا نختنق في شعاراتنا، بل أن نجعلها شعارات الأمّة المفتوحة على كل الساحة، فلا نتعقّد من أيّة حركة تلتقي بحركتنا في هدف مرحليّ، أو في أيّ هدف يتخطّى أكثر من مرحلة. نحن لا نؤمن بالميوعة في العلاقات السياسية والمواجهة العسكرية، بل بالواقعية التي تجمع أكثر من فئة على صعيد واحد.
عليكم أن تفكّروا في حجم الأمّة لتستطيعوا أن تنطلقوا مع كلّ فئاتها على أساس أهدافكم وقضاياكم، والواقع الذي ينتظر خطواتكم. وأن تفكّروا في حجم المستقبل حتى لا يحاصركم الحاضر ولا تخنقكم سلبياته، على هذا الأساس نريد أن نفكّر، ونقيّم الواقع الذي عشناه حتى الآن، إنّه واقع استطعنا أن ننتصر فيه عدّة انتصارات على مستوى الواقع السياسي والعسكري، لا أريد أن أتحدّث عن قضية ماذا ربحنا، وماذا ربح واستفاد الآخرون، ولكننا نريد أن نواجه القصة من جانب آخر، جانب يتعلق بعملية تثوير المشاعر والأمّة لتكون المقاومة حركة الأمّة، ولتكون قضية المقاومة الإسلامية قضية الأمّة كلّها لا قضية فئة أو جماعة معينة، أو قضية قرار يصدر من هذه الجهة أو تلك ليبعث عدداً من الأشخاص ليقاتلوا "إسرائيل". القضية هي أننا حتى الآن لـم نستطع ولـم تستطع كلّ التيارات السياسية في الداخل أن تحوّل قضية المقاومة ضدّ "إسرائيل" والمشروع الاستعماري إلى حالة للأمّة، بحيث تكون المقاومة همّ الأمّة بصغيرها وكبيرها، همّ الأمّة التي تعيش حالة طوارئ في هذا الإطار.
المقاومة هي قصة الجهاد في الإسلام:
لا بُدَّ للأمّة من أن تعيش الحالة الفكرية التي تستطيع من خلالها أن تجعل من قناعاتها في الجهاد قناعات كما هي الصلاة، وكما هو الصوم والحج، كيف تتحرّك الأمّة في حالات الصلاة عندما يؤذن المؤذن، علينا أن نصل إلى مرحلة تتحرّك الأمّة التحرّك ذاته عندما ينادي المنادي حيّ على الجهاد، عند ذلك من خلال وعي الأمّة السياسي، ومن خلال الفكر المقاوِم والسياسة المقاومة والبندقية المقاومة، نستطيع أن نصل إلى المشروع الذي يقاوم كلّ حرب تنطلق على أساس مذهبي أو طائفي، ونستطيع أن نواجه كلّ مشروع يريد أن يوظف الحساسيات من أجل أن تثير المشاكل في داخل المجتمع والصف الواحد.
لا نزال نعيش قيم التخلّف:
لماذا نتحرّك حزبياً وطائفياً بشكل مجنون ومتوتّر ومدّمر؟
ـ لماذا نعطي كلّ أنفسنا لطائفياتنا وحزبياتنا ولإقليمياتنا الضيعوية والقروية؟ لماذا؟ السبب هو أننا لا نزال نعيش قيم التخلف ـ إن كان للتخلف من قيم ـ ولا نعيش روح المقاومة. إنَّ روح المقاومة لا تبصر سوى الساحة الحقيقية، الساحة التي تجتمع فيها كل البنادق والمواقف والمواقع للتخلص من الخطر الكبير، للتفرّغ بعد ذلك إلى ما نعتبره بالخطر الصغير.
لهذا إذا أردتم أن تعالجوا الحالات الطائفية والحزبية، والحالات المتخلفة في علاقات المجتمع. فإنَّ ذلك لن يكون إلا إذا استطعنا أن نحقق في داخل الأمّة ـ على مستوى القيادات والقاعدة ـ الفكر المقاوم والعقل المقاوم والروح المقاومة، الرجل المقاوم الذي يعرف كيف يقاوم، ويعرف ساحة المقاومة وخطوطها.
لهذا نحن نعتبر أنَّ من الصعب جداً أن يكون للبنان حلٌّ، لأنّ الإنسان الذي ـ إلا القليل ـ ابتعد عن فهم الساحة التي يجب أن يقاوم فيها لقد هيّأت له ساحات للمقاومة من خلال الخطوط الصغيرة، وهو في الوقت ذاته لا يستطيع أن يواجه المعركة الكبيرة، لا لأنّه لا يملك البندقية الكبيرة، بل لأنّه لا يملك الروح المقاومة، والفكر الكبير الذي يستطيع أن يواجه به.
لهذا نحن بحاجة إلى أن نتحرّك لنكون الأمّة التي تقاوم، الأمّة التي تواجه سلبياتها بشجاعة، كما تواجه إيجابياتها بشجاعة، الأمّة التي لا يفصلها عن بعضها وجود مشاكل فكرية فيما بين بعضها، الأمّة التي لا يفرّقها عن بعضها وجود اختلافات في بعض أساليب العمل، أو وجود وجهات نظر متعددة في بعض مناهج الفكر أو العمل السياسي. الأمّة التي يمكن أن تلتقي على القضايا الكبرى ثم من خلالها تكتشف كيف يمكن أن تتوحد وتحلّ القضايا الصغيرة.
أمامنا معركتان:
ـ المعركة الأولى التي يجب أن تتحرّك فيها المقاومة هي: معركة إخراج "إسرائيل" من جنوب لبنان ـ أو بالأحرى من لبنان ـ. هذه معركة بدأت ولا بُدَّ أن تستمرّ لتصل إلى نهاية سعيدة كما وصلت معاركنا السابقة. لا بُدَّ أن نعرف أنَّ علينا أن نعاني الكثير، لأنَّ المشروع الإسرائيلي الآن في الشريط الحدودي هو أخطر منه في صيدا وصور والنبطية، إنّه يريد أن يعزل المنطقة الحدودية عن داخل لبنان ليطبّعها اقتصادياً وأمنياً وسياسياً بالتدريج، ليستطيع بعد ذلك أن يضمّها أو يواجه ما يشبه الضمّ في المستقبل، وعندما تفكّر "إسرائيل" أن تضمّ أرضاً إلى أرضها، فإنّها تعمل على أن تهجِّر النّاس عن أرضهم، بعد أن تخنق في داخلهم الروح المقاومة التي تواجه عدوانها.
لهذا كان لا بُدَّ لنا في هذه المرحلة أن نستنفر كلّ طاقاتنا السياسية وعبقرياتنا الأمنية ونوظفها في اتجاه التفكير بمقاومة "إسرائيل" في ساحة الشريط الحدودي، لا في زوايا بيروت الصغيرة ومخيماتها، وهذا يحتّم علينا أن نواجه القضايا الاقتصادية والعسكرية وغيرها.
على هذا الأساس نشعر أنَّ طبيعة المرحلة والمعركة تفرض علينا أن نخنق كلّ الأصوات التي تريد أن تخلق لنا معارك صغيرة هنا وهناك، وأن نعمل على أن لا يرتفع صوت فوق صوت المعركة الحقيقية، ليس معركة إخراج "إسرائيل" من داخل الشريط الحدودي فحسب، بل من لبنان كلّه.
ـ المعركة الثانية التي نخوضها هي معركة أن يبقى الشعار التالي حياً في النفوس والضمائر: مشروع "إسرائيل" غير شرعي وقانوني في المنطقة، مشروع "إسرائيل" خطر على المنطقة وغيرها. لماذا هذا الشعار؟
لأنَّ الساحة السياسية الآن، في كلّ العالم السياسي الذي يتحرّك في اللعبة، هي أنّ التفكير بأن "إسرائيل" وجود غير شرعي وغير قانوني هو تفكير متطرف على مستوى الفكر السياسي. هذه الحكمة لا يقولها: "ريغان"(1) فقط، ولكن يقولها الجانب الآخر، إنَّ "غروميكو" وزير خارجية الاتحاد السوفياتي يعتبر أنَّ التطرف السياسي في الساحة العربية هو أن يفكّر مفكّر بأنَّ "إسرائيل" كيان يجب أن يبقى، وكيف لا يبقى؟!! وقد كانت دولته المشاركة الأولى في ولادة "إسرائيل" تماماً كما الولايات المتحدة وأوروبا.
وهكذا تأتي الولايات المتحدة الآن لتقول للعرب: إنَّ "إسرائيل" لـم تعد تمثّل الخطر على المصالح العربية، ولكنّ إيران هي التي أصبحت تمثّل هذا الخطر، وعلى هذا الأساس فإن المنطق الأمريكي يقول للعرب: إنَّ عليكم أن تدبروا أمركم مع "إسرائيل" وتعطوها ما تريد، وهي ستعطيكم بعض ما تريدون، وعند ذلك يمكن أن تتفرّغوا لهذا التيار الذي يريد أن يصدّر الثورة إلى ساحة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو وما إلى ذلك.
هذا هو الخطر، وفي الساحة العربية أصبحت القصة الآن هي: إنَّ على "إسرائيل" أن تنسحب إلى حدود 1967، هذا التوجه أصبح قناعةً عند أكثر النّاس ثورية. الكثيرون الكثيرون لا يملكون فكرةً لما يطرحونه على "إسرائيل" من مشروع، حتى موضوع الحكم الذاتي ليس له صورة واضحة في خطب السياسيين المعتدلين وغير المعتدلين في الساحة العربية.
الوحدة في مواجهة الواقع:
أيُّها الأخوة، أيُّها الشباب، إنَّ المسألة تحتاج إلى تكتل طاقات الأمّة وقواها في سبيل مواجهة كلّ الواقع الموجود في المنطقة والعالم، مواجهةً موضوعية واقعية لا تعتمد الحماس والانفعال، ولكنّها تدرس المواقع التي تستطيع فيها أن توجِّه ضربة إلى العدوّ هنا وهناك، أن تربك المعادلات التي تحاول أن تستسلم للأمر الواقع وأن توظف الأمر الواقع لضرب أية حركةٍ تغييرية في المجتمع غداً.
إنّ علينا أن نواجه الواقع بوعي، نواجهه من خلال بناء أنفسنا على أساس الوعي الإسلامي والسياسي ومحاولة احتواء الأمّة. إنَّ علينا أن نكون الأمّة حقيقةً لا اسماً يعيش في الحياة، حتى نستطيع أن نثوّر الأمّة، لنحاول ـ بعد ذلك ـ أن نبحث عن كلّ موقع مرحلي للثورة، حتى لو كان هذا الموقع لا يمتد معنا في امتداد المستقبل. إنَّ علينا أن نفتش عن كل المواقع التي تتحرّك فيها الثورة هنا وهناك، لنحاول الاستفادة منها، ونستطيع أن نصل إلى واقعٍ سياسي في العالم يعطي لهذا الشعار مكانه السياسي وحركته الواقعية. إنّ علينا أن لا نبقي هذا الشعار في أفواهنا، بل نجسده في واقعنا، ونعرف كيف ندير التحرّك السياسي، ونواجه كلّ القضايا التي نريد أن نتحرّك بها أو نحرّكها من موقع المسؤولية.
إنَّ عليكم أن لا تنظروا إلى دخان النّار كيف ينتشر، بل إلى طبيعة النّاس كيف تتحرّك. إنَّ الذين يرتاحون للدخان فقط ويظلّون يحدّقون بالدخان الذي ينطلق من النار التي يوقدونها سوف يشعرون أنّ النار قد تحرقهم من قريب أو بعيد.
لنعِش الإسلام المنفتح المتحرّك:
ما نريده هو أن نعيـش الإسلام هماً منفتحـاً على الساحة كلّها لا هماً منغلقاً على الذات. أن نعيـش الإسلام فكراً متحرّكـاً مع كلّ حركـة في السـاحة، لا فكراً يتحرّك في زاوية في الساحة.
إنَّنا نستطيع بذلك أن نتمرّد على كلّ حصار، وكلّ الأوضاع التي تحاول الإمبريالية العالمية أن تحاصرنا بها أو تفرضها علينا.
القضية هي أن يكون عندنا انفتاح على كلّ الأمّة، لا تختنقوا في دوائركم الإقليمية الضيقة، وقضاياكم الصغيرة، بل انفتحوا على العالم كلّه، لأنكّم إذا فقدتم الذين يحملون فكركم وشعاراتكم في دوائركم الخاصة، فستجدون في الآفاق العالمية أكثر من أفق يمكن أن يحترم ويحتضن قضاياكم.
فكّروا في حجم العالمين الإسلامي والمستضعف، وعندما تفكّرون في ذلك لا تبتعدوا عن قضاياكم، انظروا إليها من خلال العقل المنفتح.
علينا أن نكون الفكر المقاوم:
علينا أن نكون الفكر المقاوم الذي يريد أن يقاوم أيّ فكر يريد أن يفرض على الأمّة، أيّ واقع سيّئ يريد أن يحجب عن الأمّة وضوح الرؤية.
إنَّ علينا أن نكون الروح المقاومة والسياسة المقاومة، والبندقية المقاومة. في هذا الانفتاح يمكن لنا أن نبلغ الهدف. إن لم نبلغه في جيلنا، فعلينا أن نسلّم رسالة الهدف إلى الجيل القادم، ونوصيه أن يسلم رسالة الإسلام إلى الجيل الذي بعده حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها، {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5].
سنظلّ نزحف بوعي وإرادة وتركيز، وسنظلّ نزحف لا لنصل إلى القدس فقط، بل لننطلق بالإسلام إلى كلّ العالم ليكون قوّةً في الحكم والسياسة وفي جميع جوانب الحياة، لننطلق بالإسلام الذي يحتوي على المسلمين بعاطفته وحلوله، كما يحتوي المسلمون مع الإسلام اللاطائفي، ولننطلق بالإسلام الفكر والشريعة والمنهج والحياة.
المسلمون واليهود:
صراع وجود عبر التاريخ(*)
يقول اللّه سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ*هَا أَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 118-120]
اليهود والرسول في مجتمع المدينة:
في بداية عهد المسلمين، كان مجتمع المدينة يضمّ المسلمين واليهود، وكان المسلمون فيه ينفتحون بكلّ محبة على اليهود، لأنَّهم أهل كتاب، لوجود قواسم مشتركة بينهم باعتبارهم آنذاك، باعتبار أنّ اليهود يؤمنون بموسى وبالتوراة كما يؤمن بذلك المسلمون على أساس ما علّمهم اللّه في كتابه، وقد حدّثهم اللّه عن موسى في أكثر من سورة في القرآن الكريم. لذلك لـم يعش المسلمون العقدة تجاه اليهود، وكانوا يتصورون أنَّهم يبادلونهم الحبّ بالحبّ، لأنَّ اليهود قبل مجيء النبيّ (ص) إلى المدينـة، كانوا يحدّثون المشركين هناك بأنَّه سيأتي نبيّ وسنكون نحن جماعتـه وأصحابه وأتباعه، كانوا يستفتحون به على الذين كفروا باعتـبار أنَّهم يؤمنون باللّه والرسل، ولكنَّهم اتخذوا موقفـاً مغايراً عندما جاء رسول اللّه (ص).
اليهود يسعون للإيقاع بالمسلمين:
وقد انطلق المسلمون مع اليهود على مستوى الثقة، حتى أنَّهم كانوا يفتحون لهم قلوبهم وصدورهم، باعتبار أنَّهم يشتركون معهم في أشياء كثيرة وأهمها الإيمان باللّه الواحد، وكانوا يعطونهم بعض أسرارهم مع ما يمكن أن يؤدّيه ذلك من ضرر على المسلمين، وهذا ما حصل عندما تحولت العلاقة المفتوحة عليهم من قبل المسلمين والمغلقة من قبلهم عن المسلمين، إلى علاقة استغلال للإضرار بالمسلمين، لأنَّ اليهود كانوا في كثير من الحالات يتحرّكون كعنصر تشكيك وإقلاق للواقع الإسلامي، فيطلبون من بعض جماعتهم أن يأتي في الصباح ليُعلن إسلامه للنبيّ (ص)، ثمَّ عندما يأتي المساء يُعلن ارتداده عن الإسلام، حتى يتساءل النّاس: إنَّ هذا من أهل الكتاب، فلماذا آمن في وجه النهار وكفر في آخره؟ لا بُدَّ أنَّه اطّلع على بعض الحقائق من خلال علمه بالكتاب واتّضح له أنَّ الإسلام ليس ديناً صحيحاً، وإلاّ لماذا أسلم صباحاً وكفر مساءً؟ فكان ذلك يبعث على الشك في المسلمين، وكانوا في كثير من الحالات يتحالفون بشكل خفيّ مع المشركين ضدّ المسلمين ودينهم، كما حدث ذلك فيما حدّثنا اللّه عنه في وقعة الأحزاب، لهذا أنزل اللّه هذه الآيات على رسوله ليحذّر المسلمين من هؤلاء، وليفتح عقولهم على وعي الواقع، حتى لا يستسلموا من خلال طيبتهم أو طهارة قلوبهم أو سذاجة تجربتهم، بل لا بُدَّ من أن يدرسوا الواقع كما هو من خلال عمق خلفياته وطبيعة مواقعه.
القرآن يحذّر من اتخاذ اليهود بطانة:
والآن سنتناول الآيات بشكل دقيق، ونتعرّف على معانيها، ثمَّ نحاول أن نستوحي منـها لواقعنا المعاصر. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} [آلعمران: 118]، بطانة الرّجل: خاصته، وهي مأخوذة من بطانة الثوب، باعتبار أنَّها قطعة قماش تكون في داخل الثوب، والآية تعني ألاّ تتخذوا الذين يغايرونكم بالعقيدة بطانة، أي تجعلوا علاقاتكم معهم علاقات خاصة، بحيث تعطونهم أسراركم، وتنفتحون عليهم في كلّ قضاياكم. ولذلك نلاحظ أنَّ اللّه سبحانه وتعالى لم يحذّر المسلمين من النصارى كما حذرهم من اليهود، بل إنَّه فرّق في طبيعة العلاقات التعايشية والاجتماعية والعملية، بين المسلمين واليهود والمشركين وبين النصارى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82].
اليهود والممارسة اليهودية:
ليست المسألة مسألة اختلاف ديني بين المسلمين واليهود فقط، لأنَّ الإسلام دعا ـ في القرآن ـ أهل الكتاب جميعاً إلى كلمة سواء، ولكن السبب في ذلك يعود إلى الممارسة وطبيعة الواقع الذي كان يعيشه اليهود، وما كانوا يبيّتون من خطط ضدّ الإسلام والمسلمين. لم تطرح القضية من جانب اليهودية في مقابل الإسلام، بالرغم من وجود خلاف بين اليهودية والإسلام في أصول العقيدة والشريعة، لأنّ الاختلاف الفكري مع فريق آخر من النّاس لا يمنع من الانفتاح عليه في بعض المواقع، والتنسيق معه إذا كان في موقع الثقة والأمن الذي تستطيع أن تأمن فيه على نفسك معه، ولكنَّ المسألة هي أنَّك عندما تعيش مع إنسان تفتح كلّ قلبك له، ويُغلق كلّ قلبه عنك، وتتحرّك معه في مجالات التعايش والتعاون والتنسيق، ثمَّ يعمل ويخطط لإلغائك أو لتعقيد حياتك، أو لإرباك كلّ أوضاعك، فيجب أن تكون في هذه الحال حذراً وواعياً ومفتوح العينين.
المحبة أساس العلاقة مع الآخرين:
لقد دعانا اللّه سبحانه وتعالى لأن نحبّ النّاس الذين يتّفقون معنا في الرأي لنتعاون معهم في ما اتفقنا عليه، وأن نحبّ النّاس الذين نختلف معهم في الرأي لتكون مشاعر الحبّ أساساً لهدايتهم لما نؤمن به، لأنَّك إذا لم تحبّ إنساناً فإنَّك لا تستطيع أن تُدخل الهداية إلى قلبه، التي ربَّما دخلت من خلال العقل أو القلب، عندما تفتح قلبك لإنسان فإنَّك تستطيع أن تنفذ من خلال خفقات قلبك إلى خفقات قلبه، وعند ذلك يمكن أن تنفذ إلى ثنايا عقله.
لهذا لاحظنا أنَّ اللّه يركّز على اليهود ويرفض بشدة اعتبارهم خاصتنا ومستودع أسرارنا، وأن نعيش معهم بشكل طبيعي، على أساس ما يعيشونه في داخل شخصياتهم من واقع ضدّنا، ومن خلال ما يحكم حركتهم في الواقع الخارجي من تآمر علينا. وهذا ما عبّرت عنه الآيات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} ـ العنت يعني المشقة ـ فهم يعيشون معكم ولكنَّهم يتمنّون ويودون أن تتعبوا وتعانوا المشقات والصعوبات والعقبات.
{قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} يعني تسمعون بين وقت وآخر ما يهمسون به من كلمات أو من خلال ما يظهر في مجال التحديات والصراعات والخلافات، فتجدون أنَّ كلماتهم هي كلمات حاقدة وعدائيّة، تعبّر عن الحقد الكامن داخل نفوسهم {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118] ولو أنَّكم نفذتم إلى داخل صدورهم واطّلعتم على مكامن أسرارهم لرأيتم أنَّ ما يظهر منهم من هذه العداوة المتمثّلة بكلماتهم، أقلّ بكثير ممّا تخفي صدورهم من العداوة والبغضاء، لأنَّهم يريدون إلغاء وجودكم، وتدمير رسالتكم وحركتكم في خطّ الدعوة إلى اللّه.
علاقة المسلمين باليهود في القرآن:
{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ} يعني، أيُّها المؤمنون قد بيّنّا لكم العلامات التي تدلّكم على الطريق المستقيم في إدارة علاقاتكم معهم، لأنَّ اللّه لم يترك المؤمن لغفلته وسذاجته، بل بيّن له الآيات التي إذا عقلَها ووعاها وحرّك عقله في إدارتها في كلّ مواقع حياته فإنَّه يستطيع أن ينفتح على الحياة من موقع وعي يجنّبه الخطأ، ومن موقع بصيرة يجنّبه الانهيار والانحراف، وبالتالي يعرف من هم النّاس الذين يتّخذهم بطانة.
ويتابع القرآن الكريم هذه الآيات: {هَا أَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ} أنتم أيُّها المؤمنون، قلوبكم طاهرة وسريرتكم نقيّة، تحبّون كلّ النّاس من حولكم، لا سيما النّاس الذين تلتقون معهم في بعض العقيدة، أو في بعض حركة الحياة، لأنَّ نبيّكم (ص) لـم يعلّمكم الحقد أو البغضاء، بل علّمكم المحبة والرحمة والعفو والتسامح، إلاّ على الذين يسحقون بأقدامهم المحبة والرحمة والعفو والتسامح ليُسقطوا الحياة كلّها من حولكم، لذلك فأنتم تحبّونهم ولا يحبّونكم، لأنَّهم عنصريون، ويعتبرون أنفسهم شعب اللّه المختار، وفي الموقع المميز من الإنسانية، فيقرّرون أنَّ الإنسانية تتمثّل فيهم أمّا الآخرون فهم خدمٌ لهم.
{وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} والفرق بينكم وبينهم أنَّكم تؤمنون بالكتاب كلّه، تؤمنون بصحف إبراهيم وبتوراة موسى وإنجيل عيسى وبزبور داود وقرآن محمَّد، وإن كانت لكم بعض التحفظات على بعض نصوص هذه الكتب، ولكنَّ المبدأ هو أنَّكم كمسلمين تؤمنون بكلّ الرسل والرسالات، والكتب التي أنزلها اللّه على رسله، ولذا فليس لديكم أيّة عقدة من أيّ كتاب، لأنَّكم تعتبرون أنَّ كتاب اللّه واحد، وأنَّ الكتب تختلف في ما يرسله اللّه للنّاس من شؤونهم على مراحل، فإذا انتهت مرحلة في حركة كتاب، جاء كتاب آخر ليُكمل المرحلة حتى تتكامل الحياة من خلال الكتب كلّها {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا} [آل عمران:119] وإذا لقوكم في المجالات الاجتماعية فإنَّهم يقولون إنّا معكم مؤمنون، { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}.
عندما يتحدّثون فيما بينهم فإنَّهم يتحدّثون بغيظ وانفعال وحقد وعداوة، ويعضّون أناملهم تعبيراً عن ذلك، لأنَّه يغيظهم انتصاراتكم على المشركين وأن يروا النّاس يدخلون في دين اللّه أفواجاً، ويغيظهم أن يروكم تنشئون المجتمع الإسلامي الجديد الذي يتحول إلى دولة إسلامية. ولذلك يحاولون أن يكتشفوا المواقع التي يستطيعون من خلالها أن يخربطوا كلّ مشاريعكم.
{قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} لـم يدع اللّه لهؤلاء النّاس فرصة يستطيعون من خلالها أن ينفّسوا عن حقدهم وغيظهم، {إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} فاللّه يعلم ما في نفوسكم، ويخرجه ويعرّفه للمسلمين ولرسوله، وبذلك يستطيعون أن يتخفّفوا من مؤامراتكم وضغوطكم، ثَّم بعد ذلك {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} إذا صار لكم نصرٌ متقدّمٌ وحدثت لكم سعة في أوضاعكم تسؤهم، {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} إذا صارت هناك هزيمة أو مشكلة أو خلاف في الوسط الإسلامي {يَفْرَحُواْ بِهَا}.
اللّه يوصي المسلمين بالصبر على مكائد اليهود:
يقول اللّه بعد ذلك: {وَإِن تَصْبِرُواْ} على دينكم وعلى كلّ التزاماته ومسؤولياته، صبر أصحاب الرسالات، وصبر الأقوياء الذين لا يسقطون أمام حالات الضعف، بل يعملون على تحويل نقاط الضعف إلى نقاط للقوة، أن تصبروا في البأساء والضرّاء، فلا تسقطكم البأساء ولا تنحرف بكم الضرّاء، {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ} صبر الأتقياء الذين ينفتحون على اللّه ليعرفوا أوامره من نواهيه، ليتمكّنوا من التحرّك في مواقع الصبر من خلال ثباتهم في مواقع أمر اللّه ونهيه، {لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120] فلن ينال منكم الآخرون شيئاً بسوء، لأنَّ الذين يمكن أن ينال الآخرون منهم هم الذين يبتعدون عن تقوى اللّه فلا يعرفون طبيعة الطريق، فتختلط عليهم الأشياء، ويسقطون أمام حالات الضعف المختلفة.
القرآن وتجدّد الزمن:
{إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } بحيث يعلم اللّه بما يحيط بهم ويطلع على كلّ أسرارهم، وكما يذكر المفسرون أنَّ هذه الآيات الكريمة قد نزلت للتحدّث عن الأجواء التي كان يتحرّك فيها المسلمون مع اليهود، ولكن كما حدّثنا أئمة أهل البيت (ع) ومنهم الإمام الباقر (ع): "أنَّ القرآن يجري مجرى الليل والنهار والشمس والقمر إذا نزل في قوم لا يتجمد فيهم وإلاّ لمات القرآن"، مع هؤلاء النّاس، وعندما ننفتح على القرآن نقول: إنَّ هذا الكتاب يتحدّث عن التاريخ وقد مضى التاريخ مع الزمن، وسيقضي القرآن معه.
أمّا عندما ينطلق القرآن كما يقول الإمام الباقر (ع)، فإنَّه إذا ذهبت ليلة فستولد ليلة ثانية، وإذا غاب نهار سيطلع نهار جديد، وإذا غابت الشمس فستشرق من جديد، وهكذا إذا غاب النّاس الذين انطلق القرآن في حياتهم فسيشرق في حياة أناس آخرين، وسيطلع مع القرآن نهار جديد يضيء ليالي الحياة.
المواقف من الكلمات المعسولة:
ولذلك لا تنحصر هذه القضية في إطار اليهود مع المسلمين، أو مع أولئك اليهود أنفسهم، وإنَّما تتحرّك في الإطار العام، لأنَّ اللّه يريد أن يقول للمسلمين ومن خلالهم لكلّ المستضعفين، ألاّ تتحرّكوا في حياتكم من خلال الكلمات المعسولة التي تسمعونها، ومن خلال تلك المواقف المتقاربة التي يحاول الآخرون أن يؤكّدوها لكم من خلال شعاراتهم، لأنَّه ونحن نعيش في هذا الواقع، قد نواجه النّاس الذين يطرحون الكلمات التي تجتذب مشاعرنا وتحرّك عواطفنا، كما في الأحاديث عن وحدة الجبهة والتحالف والسلام، ومن منّا لا يحبّ الوحدة في أيّ موقع من المواقع التي يتكامل فيها مع الآخرين، ومن منّا لا يحبّ أن يتحالف أو يدخل في جبهة موحّدة مع من يشتركون معه في موقع من مواقع الصراع، أو تلتقي مواقفهم معه عند نقطة محددة، ومن منّا لا يحبّ السلام حيث يعيش النّاس دون حرب، بعيداً عن الظلم والحقد والعداوة، بأن يعيش الإنسان السلام على صعيد الفرد أو الجماعة أو الأمّة أو السلام العالمي، لأنَّ السلام يغني التجربة الإنسانية، ويفتح آفاقها علـى التقدم والنموّ، ولكنَّ الكلمات وحدها لا تعبّر عن حقائق الأشياء في الواقع، لأنَّ الكلمات تنطلق من أفواه المتكلمين ومن شفاههم، وكم من كلمة حقّ أريد بها باطل؟ وكم من شعار خير أريد به شر؟ وكم من كلمة محبة كانت تُخفي في داخلها لدى من يتكلمها خنجراً يريد أن يضرب به هذا الإنسان أو ذاك؟
دراسة الواقع من خلال ما يحمل من أوضاع:
لذلك دعاكم اللّه، أيُّها النّاس، لأن تدرسوا كيف يتحرّك الواقع في حياة النّاس قبل أن تنظروا إلى العيون التي تلمع، وقبل أن تستمعوا للكلمات التي تحلو، وقبل أن تستسلموا للعناق الذي يضمّكم في صورة محبة. قد يعانقك إنسان ويده تمسك الخنجر ليغرسه في ظهرك، لأنَّ العناق قد يكون طريقة من أقرب الطرق إلى أن تُطعن من الخلف، وقد تكون الكلمات الحلوة وسيلة من وسائل استغفالك لتقع في الواقع المرّ.
لذا وما دامت الحياة تُخفي في داخلها الكثير من الخبث والمكر والبغضاء والتلوّن في المواقف، لا تعتبر الحياة كلّها وروداً، والنّاس كلّهم ملائكة، والدنيا كلّها نهاراً، فهناك ليلٌ مع النهار، وشوكٌ مع الورد، وشياطين يلبسون ثياب الملائكة. لذلك تأمّل في شيطنة النّاس، فلعلّ بعض النّاس الذين يصوَّرون بصورة الملائكة يكونون قد لبسوا قناع الملائكة على جسد وقلب شيطان، ادرس الواقع كما هو لا كما يظهر لك، ولكن من خلال ما يحمل في أعماقه من أوضاع.
دراسة الواقع بحذر:
عندما نواجه كلّ الواقع وفي أكثر من موقع، يقول اللّه لنا: أيُّها المؤمنون، راقبوا الواقع السياسي والاجتماعي والديني، راقبوا النّاس الذين يتحرّكون في هذا الواقع، فربَّما تكتشفون من خلال خطواتهم العملية أنَّهم يودّون ما عنتّم، وقد تكتشفون من خلال إعلامهم المرئيّ والمسموع والمقروء أنَّهم يتحرّكون بالعداوة { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}، إذا أردتم أن تدرسوا الإعلام عليكم أن تدرسوه كلّه، فلا تستمعوا إلى إذاعة واحدة، بل قارنوا مع الإذاعات الأخرى، لا تستمعوا إلى تصريح سياسي واحد من خلال هذا المعسكر أو ذاك، ولكن اجمعوا كلّ التصريحات وفي مختلف المراحل، لأنَّهم ربَّما يصرّحون اليوم بشيء وغداً بشيء آخر، من أجل إضاعة الآثار.
ولذا عليك أن تأخذ جانب الحيطة والحذر من كلّ من يضمر لك العداوة والحقد والبغضاء، لأنَّه يرى دائماً أنَّ مصالحه لم تتحقّق عندما تتحقّق مصالحك، وأنَّ وجوده لن يكبر عندما يكبر وجودك، فأنت تؤمن بالسلام كلّه، ولكنَّهم يؤمنون بسلامهم الخاص، ويُنكرون على الآخرين السلام، وأنت تحبّ النّاس كلّهم ولا عقدة عندك من أحد، وإنَّما العقدة هي عند أولئك المستكبرين الصغار والكبار على حدّ سواء.
الاستكبار يزرع ساحاتنا بالألغام:
ولذلك علينا عندما نواجه الاستكبار العالمي وفي مقدمته أمريكا ثمَّ أوروبا ثمَّ روسيا، أن ندرس كلّ خطط هؤلاء السياسية والثقافية والأمنية، حيث نرى أنَّهم يحاولون زرع الألغام ـ لا الأشواك فقط ـ في كلّ ساحاتنا، بحيث لا تخلو ساحة من ألغام اقتصادية تعطّل اقتصادنا، وألغامٍ سياسية وثقافية تسقط سياستنا وثقافتنا، وألغاماً أمنية تفجر كلّ الفتن من أجل إسقاط الأمن في حياتنا.
الاستكبار يعتمد سياسة "فرّق تسد":
ولذلك إذا حاولنا استعراض التاريخ الذي عشناه مع الاستكبار العالمي، لرأيناه قد حرّك كلّ آلية الحروب وأوجد لها السياسات المناسبة وأطلق كلمة: "فرّق تسد" التي حاصر فيها كلّ واقعنا، ودخل من خلالها فيما بيننا ليمنع وحدتنا وثقافتنا، الأمر الذي جعلنا نعيش حالة من التخلّف اختصرنا فيها خلافاتنا بالحروب التي نثيرها. ونحن نراقب كلّ الندوات الأمريكية والأوروبية التي تعقد حول ما يمكن أن يجلبه الإسلام من أخطار ومشاكل على كلّ مصالح الاستكبار العالمي، ولذلك نجد أنَّهم يخطّطون دائماً لكي يُتعبوا المسلمين ويرهقونهم في كلّ مكان من العالم حتى لا يستكملوا وحدتهم وخطتهم ويمنعونهم من التكامل فيما بينهم.
الاستكبار يوظّف عملاءه لملاحقة المسلمين:
ونحن نلاحظ أنَّ الاستكبار العالمي قد وظّف رؤساء وملوكاً وأمراء في مختلف المواقع في البلاد الإسلامية والعربية ليحاصروا المسلمين باسم الإسلام، وقد عملت تلك الأنظمة على حشد كلّ قوى الأمن فيها لملاحقة المسلمين الواعين والحركيين(1) الذين يريدون أن يفتحوا الحياة على الإسلام، وقد وصل الأمر حدّاً أصبح الإنسان المتديّن متّهماً، حتى ولو كان متديناً عادياً لا حركياً، وهذا ما دفع بالكثيرين من المؤمنين والحجّاج بألاّ يسمحوا لبناتهم بأن يتحجّبن ولا لأولادهم بالذهاب إلى المسجد.
الاستكبار لا يفرّق بين المسلم المتطرف والمسلم المعتدل:
وعلى هذا الأساس انطلقت مقولة أنَّ هناك مسلمين متطرفين ومسلمين معتدلين، فالمسلم المتطرف هو الذي يلتزم بالإسلام، ويطالب بالحرّية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والاستقلال عن الاستكبار العالمي، وبعودة فلسطين إلى أهلها، أمّا المسلم المعتدل فهو الذي يسبّح بحمد الملوك والأمراء والرؤساء صباحاً ومساءً، ويدعو للتنسيق مع أمريكا لأنَّها تريد أن تطبّق الديمقراطية، كما أنَّه يعمل لإيجاد المبررات للظالمين. فإنَّك إذا كنت مسلماً ملتزماً بتعاليم الدّين، ومنفتحاً على القرآن، يعني أنَّك مسلم متطرف ومتشدد، لأنَّ التطرف هو الزيادة عن الحدّ، كالوسواسي مثلاً هو مسلم متطرف، أمّا المسلم المعتدل فهو الذي يمشي على خطّ الاستقامة بشكل طبيعي.
الحكام العرب يعيشون حالة التناقض:
فمثلاً الآن، الصلاة ممنوعة في الجامعات على أساس أنَّ الجامعات ليست معابد، والإسلام يقول: إنَّ الدنيا كلّها معبد، كما نلاحظ إنَّ معظم البلدان الإسلامية تناقض نفسها في ما تنادي به من الحريّة الشخصية، في وقت تمنع فيه على الفتاة المسلمة أن ترتدي الحجاب في الجامعة أو في الدائرة، أمّا في حال جاءت فتاة "بالمايوه" إلى الجامعة فإنَّهم يمنعونها ويقولون بأنَّ عليها أن تلبس لباساً محتشماً، ولكنَّ اللباس المحتشم عند المسلمة الملتزمة هو أن تغطي كلّ جسدها، إنَّ هؤلاء يتكلّمون عن الحريّة، ويمنعون ذلك، وبذلك يثبّتون بأنَّهم يعيشون الرعب من الصلاة والحجاب وما إلى ذلك.
الغرب يضطهد حريّتنا:
لدينا الآن فتيات يرتدين الحجاب الكامل في جامعات لندن وباريس(1) وأمريكا ولا يقول أحدٌ لهنّ شيئاً، ولكنَّ حجاب الفتاة يُحدِث في الجامعات العربية مشكلة سياسية، فما تفسير ذلك؟ إنَّهم يحافظون على الحريّة في بلادهم ويضطهدون حريّتنا باسم الحريّة في بلادنا، إنَّهم يريدون أن يعيشوا الراحة. ونحن نعيش التعب من خلال التعليمات التي يقدّمونها للحكام.
إذاً لماذا يُلاحَق الإسلاميون في الجزائر ويحاكم زعماء جبهة الإنقاذ والجزائر كلّه بلد مسلم؟ لقد حقّق الإسلاميون نجاحات باهرة في الانتخابات حيث يمتلكون قاعدة جماهيرية واسعة أيّدتهم في الانتخابات، ولكنَّ المشكلة هو أنَّه ليس مسموحاً للإسلام بأن يصل إلى الحكم حتى عن طريق الديمقراطية، لأنَّهم يتّهمونه بالعنف، فإذا وصل إلى الحكم بطريقة سلمية ستسقط الحجة ويفرضون على النّاس العنف فيخنقون حريّاتهم ويحاصرونهم حصاراً كاملاً، ونجد هذه المقولة منتشرة في كثير من البلدان الإسلامية حيث يتحدّثون عن العنف والتطرف ولا يتحدّثون عن أسبابه.
خنق الحريّات هو الذي يتسبّب بالعنف، فعندما تُسَدّ المنافذ من جميع الجهات فلا يبقى إلاّ أن يواجه العنف بالعنف، إنَّ الإسلام يقول: إنَّه إذا أمكن الرفق فلا يجوز العدول عنه إلى العنف، "وإنَّ اللّه رفيق يحبّ الرفق، وأنَّه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"(1)، ولكن أريد لهم أن يجتذبوا العنف لتبقى بلادنا مهتّزة.
نحن أيضاً نستوحي من هذه الآية بألاّ نتّخذ بطانة من قوى الاستكبار العالمي وكلّ الذين يتحرّكون في هذا الخطّ بأن ندخل معهم في تحالفات ونقيم معهم جبهات، لأنَّهم لا يحبّوننا ويريدون لنا الهلاك والمشقّة، ويعملون على أساس تحطيم كلّ أوضاعنا في الواقع.
لذلك يجب ألاّ نُخدع بالكلمات المعسولة التي يتفوّه بها هؤلاء من خلال أحاديثهم عن السلام وعن حقوق الشعوب في الحياة الحرة الكريمة، بحيث تكشف الممارسة زيف هذا الادعاء، فلو قمنا بجولة حول العالم لرأينا أنَّ أمريكا تقف مع الشعوب في كلّ بلد تحكمه حكومات تخالف السياسة الأمريكية وتقف مع الحكومات ضدّ الشعوب في كلّ بلد تحكمه حكومات موالية لها.
أمريكا وحقّ تقرير المصير:
وأمريكا التي تدّعي بأنَّها بلد الحريّات، وتعترف بقانون الأمم المتحدة الذي يكفل حريّة الشعوب ويعتبر الاستعمار جريمة، تقف موقفاً عدائياً من الشعب الفلسطيني الذي يعيش أبشع ألوان الاضطهاد، حيث لا حقّ له في أن يقرِّر مصيره، لأنَّ من ثوابت السياسة الأمريكية عدم الموافقة على إقامة دولة فلسطينية، في حين أنَّها تقرّ بأنَّ من حقّ الشعوب تقرير مصيرها في الدول الصغيرة التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي وحاولت الانفصال عنه، وبالفعل أيّدت هذه الدول فتحوّلت يوغوسلافيا إلى أربع دول، وتشيكوسلوفاكيا إلى دولتين وهكذا.
فلماذا ليس للشعب الفلسطيني الحقّ في تقرير مصيره؟ لأنَّ "إسرائيل" لا يوافقها ذلك، وأمريكا لا تريد أن تزعج "إسرائيل" في هذا المجال، لماذا تخوض أمريكا حرباً ضدّ النظام العراقي(1)؟ لأنَّه احتلّ الكويت، وهي ليست مستعدّة أن تزعج "إسرائيل" بكلمة واحدة لبقاء احتلالها للأرض الفلسطينية. أمريكا كانت تعمل على أساس أن تضغط على الاتحاد السوفياتي لأنَّه يمنع هجرة اليهود، ولكنَّ أمريكا لا تضغط على اليهود لأنَّهم يمنعون عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم.
لنصنع واقعنا السياسي:
من هنا يجب أن نعيش وعي واقعنا السياسي أمام الاستكبار العالمي، قد يقول البعض بأنَّ واقعنا عادي لا يملك شيئاً أو قوّة، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ لديه طاقة لو انضمت إلى طاقات غيره لأصبحت قوّة، كما أنَّ كلّ شعوب العالم تتحمّل مسؤوليتها تجاه مصيرها وقضاياها وأوضاعها، وأول شرط من شروط تحمّل المسؤولية هو أن نكون واعين للواقع الذي نعيش فيه ولما يُفرض علينا من ظروف، كما هو عليه الحال في مسألة طرح السلام بين العرب و "إسرائيل"، السلام الذي يمكّن "إسرائيل" من أكثر المناطق العربية والفلسطينية بحيث إنَّها تسيطر على كلّ هذه المناطق ولا تُعطي، وإذا أعطت فإنّها لا تعطي إلاّ القليل
"العمل" و "الليكود" وجهان لعملة واحدة:
قد يقول البعض بأنَّ سياسة "إسرائيل" تختلف بين حزب العمل وتكتّل الليكود، والحقيقة غير ذلك. إنَّ حزب العمل هو حزب الحروب الإسرائيلية ضدّ العرب منذ سنة 1948 وحتى السبعينيّات، فحزب العمل لا يختلف عن حزب الليكود في الاستراتيجية، فالكلّ يعمل على إقامة "إسرائيل" كبرى، ولكنَّهما يختلفان في الأسلوب، فأسلوب الليكود ليس مرناً، بينما حزب العمل استفاد من بعض المتغيرات والأوضاع السياسية فأصبح أكثر مرونة في أسلوبه. إذاً فالفرق بين حزب العمل والليكود لا يتّصل بالعلاقات العربية ـ الإسرائيلية، وإنَّما يتّصل بالعلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية.
وأمّا الذي حدث الآن فهو أنَّ السياسة الأمريكية قد انتصرت في الواقع الإسرائيلي والواقع اليهودي، ولكنَّ المسألة لا تزال على حالها، فلا بُدَّ من أن تبقى المستوطنات في الجولان ووادي الأردن وتبقى القرى إسرائيلية، وأن تدرس أوضاع المستوطنات السياسية الموجودة في الضفة الغربية وغزّة قبل أن يُعطى الفلسطينيون الحكم الذاتي، بحيث يكون لهم الحقّ في إدارة شؤونهم البلدية وبعض شؤونهم الاقتصادية، ولكن ليس لهم الحقّ بأن يتدخّلوا في قضايا الدفاع والأمن والخارجية، ومعنى هذا أنَّهم أعطوا حقوق أقليات قومية تعيش داخل دولة إسرائيلية.
عندما نريد أن ندرس أيّ خط سياسي لأية دولة، علينا أن ندرس استراتيجية الدولة لا تكتيكها، ولذلك نجد أنَّ الفرق بين الحزبين هو في التكتيك وبعض المفردات الصغيرة لا في الاستراتيجية، ولذلك نحن مع الذين يقولون بأنَّهما وجهان لعملة واحدة. وقد لاحظنا ذلك من خلال أوّل انتصار حقّقه حزب العمل، فهدّد رئيسه الانتفاضة في الضفة الغربية وغزّة بأنَّ على الفلسطينيين أن يعرفوا بأنَّ حزب العمل لن يكون أقلّ تشدداً من الليكود في قمع الانتفاضة وقهرها.
والمشكلة التي نواجهها الآن هي أنَّ أمريكا ستنفتح على "إسرائيل" أكثر، وستزداد المساعدات الأمريكية لـ "إسرائيل"، لأنَّ أمريكا تحسب أيضاً حساب الانتخابات الأمريكية القادمة التي قد تستفيد "إسرائيل" منها، أمّا العرب والفلسطينيون فلهم الابتسامات والتصريحات الأمريكية الخجولة أحياناً وغير الخجولة أحياناً أخرى.
الفرق بين العرب و "إسرائيل" في الممارسات السياسية:
والفرق بين العرب واليهود هو أنَّ اليهود يعيشون في الواقع ليصنعوا من خلال أطماعهم لكلّ يوم واقعاً جديداً، أمّا العرب فإنَّهم يعيشون مع الخيال، لذلك فالسلام الذي يطرحونه أمامنا هو سلامهم وليس سلامنا، والتطورات التي حدثت في "إسرائيل"، هي تطورات السياسة الأمريكية ـ الإسرائيلية، لا تطورات السياسة العربية ـ الإسرائيلية، لذلك لا بُدَّ لنا من أن نبقى مع حقّنا وقضايانا لأجل أن ننفتح على المستقبل من موقع الأمّة التي مهما واجهها الآخرون بالتفرقة فهي تعمل على أساس الوحدة، وعلى أساس التصميم على بلوغ الأهداف الكبرى في المستقبل.
المقاومة تصنع عزّة الأمّة(*)
إنَّ العدوّ يريد أن يسقط فينا روح المقاومة، فيوحي لنا بأنَّنا الضعفاء والمهزومون دائماً، لا نستطيع أن نقف بوجه قوته، ولذلك فإنَّ معركتنا هي معركة مزدوجة، تنطلق من مكونات الجانب الروحي لشخصية الأمّة، والمجاهدون هم الذين يثبتون له بأنَّنا المنتصرون ولو في موقع صغير يمكن أن يهيئ لموقع كبير، وأنَّنا الأقوياء ولسنا الضعفاء، نحمل قوة الروح التي تجعلنا نهزأ بالموت، وإذا أصابنا فلا نموت كيفما كان.
المجاهدون لا يقاتلون حبّاً بالقتال:
المجاهدون يقاتلون لا حبّاً بالقتال ولا رغبة في الإرهاب، وإنَّما دفاعاً عن الأرض وعن الإنسان وعن الحالة وعن الحاضر والمستقبل، وهذا أمر تكفله كلّ الديانات وكلّ الحضارات وكلّ قوانين حقوق الإنسان.
يتحدثون بأنَّه قتل عشرة أشخاص من اليهود فيهتز العالم كلّه، أمّا نحن! فلا أحد يسأل عن قتلانا ـ من فلسطينيين ولبنانيين ـ الذين قضوا على أيدي اليهود وغير اليهود، لأنَّهم كما يعتقدون بأنَّنا شعب لا يستحقّ الحياة إلاَّ على طريقتهم.
الاستكبار أمام الهمجية الإسرائيلية:
بعض الدوائر الغربية من أمريكية أو أوروبية تتحدث عن حركة العنف في المجازر الصهيونية، وكأنَّ "إسرائيل" قامت بردة فعل على أعمال عنف حدثت، ولذلك نراهم يتحدّثون عن الإرهاب وعن القتلة، وعن الوحشية، ولا يريدون للعالـم أن يستفيق على إرهاب "إسرائيل"، ومجازرها التي ارتكبتها بحقّ المدنيين في دير ياسين وحولا، سنة 1948م، وفي نفس الأرض التي انطلق منها المجاهدون.
ولذلك علينا كأمّة تحترم نفسها، وجيل يحترم حاضره ومستقبله، ألاّ تسقطه هذه الكلمات: إرهابيون، مجرمون، متعصبون، قتلة، لقد قالوها ـ من قبل ـ للرسول (ص) ولم يفقد يومها الرسول (ص) ثقته بنفسه.
لنتعلّم من الشباب كيف نصنع الغد والمستقبل:
من هنا نحن دائماً بحاجة إلى أن نثق بأنفسنا، وأن نتعلّم من هؤلاء الشباب المجاهدين كيف نصنع الغد والمستقبل، لنتعلّم كيف نكون أبطالاً نعيش المسؤولية ونتحملها، لنثبت على الخط نجاهد ونضحي في سبيل اللّه.
الاستكبار لن يكون صديقاً للشعوب المستضعفة:
ومن خلال ردود الفعل التي نسمعها من دوائر الاستكبار العالمي التي تسكت عن جرائم "إسرائيل"، وتتحدث في مناسبة، أو غير مناسبة، بأنَّها تلتزم أمنها، علينا أن ندرك أنَّ الاستكبار لن يكون في يوم من الأيام صديقاً للشعوب الإسلامية أو الشعوب المستضعفة، إنَّما هو يعيش الصداقة لمصالحه... قد نحتاج لأن نتعايش أو نتعامل معهم، لكن علينا أن نأخذ جانب الحيطة والحذر منهم، لأنَّ الواقع الذي ينطلقون منه ويعيشون فيه يختلف عن واقعنا. وقد حدّثنا اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ عن بعض النّاس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } [آلعمران:118].
ولذلك يجب ألاّ نأخذ بالمعسول من الكلام بعيداً عن المواقف، وهو ما كان عليه وضع عالمنا العربي طيلة الفترة الماضية، الأمر الذي جعلنا نعيش الخوف منها. من هنا كان النداء القرآني لنا بأن نراقب دقائق الموقف وخلفياته، ولكن مراقبة لا تعيش الخوف وروح الهزيمة، لا ننطلق فيها بفوضى انفعالية، ولكن بتخطيط دقيق، وبحذر محسوب ومصداقية ، لأنَّ الخوف يهدم مشاريعنا السياسية والجهادية، وبالخوف تحلّ بنا الهزيمة قبل أن ندخل المعركة.
مجلس الأمن لافتة لمجلس الأمن القومي الأمريكي:
بناءً على ما تقدّم يمكننا مناقشة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، والتي تتحرّك في ساحة المستضعفين، فنجد أنَّ القرارات التي تقف في مواجهة الدول المستكبرة توضع في براد مجلس الأمن، وفي براد الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، أمّا ما يخدم منها مصالح الاستكبار فتوضع على نار حامية في موقد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما حصل بالنسبة للقرارات التي أصْدِرت ضدّ ليبيا والتي نريد من خلالها أن نناقش الطريقة التي تتحرّك فيها قرارات مجلس الأمن، إنَّ هذه القرارات ليست قرارات مجلس الأمن من موقع قناعة أعضائه واختيارهم، وإنَّما هي قرارات مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي يحمل لافتة مجلس الأمن الدولي، لأنَّه يسبغ شرعية دولية على هذه القرارات، الأمر الذي جعل أمريكا تتحمّس لكلّ قرار يصدره مجلس الأمن في هذا الموقع. ولكنَّها لـم تكن مستعدة بمثل هذا الحماس عندما يتعلّق الأمر بـ "إسرائيل"، تطالبها باحترام الشرعية الدولية، سواء في تعاملها مع الفلسطينيين في الداخل أو في الخارج، أو تعاملها مع أيّ موقع من المواقع في هذه المنطقة.
أمريكا تقف بكلّ ثقلها إلى جانب "إسرائيل"(1):
أمريكا لـم تسارع ولو لمرة واحدة ومنذ تأسيس "إسرائيل" لإدانة عدوانها، بل لـم تسمح لأحد بأن يُدينَها بالرغم من أنَّ الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت تصدر قراراتها بالأغلبية، حيث كانت تمارس حقّ النقض ـ الفيتو ـ، بل كانت تقف بكلّ ثقلها وتمارس ضغوطها على الدول من أجل أن تمنع الجمعية العامة للأمم المتحدة من التصويت على قرار يعتبر أنَّ الصهيونية حركة عنصرية.
من يحمي اللبنانيين والفلسطينيين من الإرهاب الإسرائيلي؟
تتداول بعض الأوساط الحديث بأنَّ مجلس الأمن يريد أن يحمي العالم من الإرهاب ولكن من الذي يحمي الفلسطينيين واللبنانيين من الإرهاب الإسرائيلي؟ هؤلاء مسلمون وعرب، ولذلك ليس لهم الحقّ بأن يعيشوا وأن يرجعوا إلى فلسطين، وأن يستثمروا المياه من الآبار في الضفة الغربية وغزة، بل الحقّ لليهود أن يسكنوا فلسطين، ويصادروا المياه في الضفة الغربية لحساب الاقتصاد الإسرائيلي، يمنع على العربي صاحب الأرض وصاحب الماء أن ينتفع بمائه، وهي أرض محتلة ـ كما في القانون الدولي؛ ولكنَّ مجلس الأمن لم يحرّك ساكناً إزاء كلّ هذه الممارسات، حتى أنَّه لم ينّفذ قراراته الصادرة عنه، بحماية الشعب الفلسطيني والضفة الغربية وغزة من التعسف الإسرائيلي.
أمريكا تمنع سوريا من التسلح:
كما أنَّنا نلاحظ أنَّه في الوقت الذي تقوم به الولايات المتحدة بمنع سوريا من أن تتسلح للدفاع عن نفسها، لتمنع على أيّ بلد عربي اقتناء السلاح، تسعى أمريكا وبالتعاون مع "إسرائيل" لتطوير الصواريخ الإسرائيلية التي ستوجّه إلى صدورنا إن آجلاً أو عاجلاً، كما أنَّها تزوّد "إسرائيل" بأحدث التقنيات، وتقدّم لها المساعدات السنوية بمليارات الدولارات.
ولذلك نعجب من السذاجة العربية التي تحاول أن تستقوي بأمريكا على "إسرائيل". قد يكون هناك خلافات تكتيكية بين أمريكا و "إسرائيل"، ولكن في الحقيقة، العلاقة الأمريكية الإسرائيلية مبنية على أسس استراتيجية اقتصادية وعسكرية وأمنية متينة، لذلك ينبغي لنا أن نفكّر كيف نستعيد شخصيتنا، بوعي وتخطيط لنصر مستقبلي وقوّة مستقبلية، وإزاحة أمريكا التي ربَّما يُقال إنَّها دخلت كلّ مفاصل حياتنا.
بالقوة نحمي إسلامنا:
وقد حدّثنا اللّه عن المؤمنين الذين كتب لهم الفلاح وأخرجهم من منطق الخسارة، {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1ـ3]، والحقّ هو كلّ الإسلام في عقيدته وشريعته، والحقّ هو كلّ واقعنا، في قضايا الحرية والعدالة في كلّ ساحات العالـم الإسلامي، وبأن يوصي ويذّكر بعضنا البعض الآخر بأنَّ عليه أن يحمي إسلامه من خلال {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ليتذّكر أنَّ اللّه قال: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} [النساء:76]، فلا تقاتل في سبيل الطاغوت أيّاً كانت صفة الطاغوت وأيّاً كانت قوته.
{الشيطان الأكبر} مصطلح قرآني استوحاه الإمام الخميني (قده) من القرآن:
قد يستهزأ البعض من الكلمة التي أثارها الإمام الخميني (قده) عندما وصف أمريكا بالشيطان الأكبر، وتناسوا أنَّ اللّه سبحانه وتعالى يقول في سورة النّاس: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [النّاس:5ـ6]، ويقول في آية أخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام:112]، يعني شياطين الإنس والجن الذي يحرّض بعضهم البعض لنهب ثروات الآخرين، والسيطرة على بلدانهم، هذا الشيطان الموجود داخل مجتمعاتنا، وفي كلّ دول العالـم، قد حدّد اللّه سبحانه وتعالى دوره بأنَّه {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} [النساء:120] {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] وهذا ما تدعو إليه أمريكا وغيرها من الدول، إنَّه مصطلح قرآني استوحاه الإمام الخميني من القرآن.
لنتواص بالحقّ والصبر على الشدائد:
لذلك لا بُدَّ أن نختزن {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، لأنَّ سلوك الطريق مكلف {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة:155ـ157] ومعنى أن تتواصى بالصبر، هو أن لا تضعف، ولا تجزع، كن القوي والمتماسك، من هنا علينا أن نتدبر القرآن لا أن نقرأه قراءة سطحية {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:82].
وعندما يقول اللّه سبحانه وتعالى: {إنَّ الإنسان لفي خسر} [العصر:2]، نحن لا نحبّ أن نكون خاسرين، فكيف يمكن أن نكون الرابحين؟ بأن تكون مؤمناً يجب أن تفهم معنى الإيمان والعمل الصالح، والتواصي بالحقّ والصبر.
لنتواص بالابتعاد عن الشيطان:
لذلك فإنَّ ما نحن بأمس الحاجة إليه هو أن يوصي بعضنا بعضاً بالحقّ والصبر، أن نوصي الأجيال القادمة ونربي أولادنا على الإسلام والحرية والعدالة، على معرفة الأصدقاء من الأعداء، لكي لا تقع في حبائل الشيطان {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 60-61] وكما في قوله: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6] أن تعيش الصراط المستقيم هو أن تعبد اللّه على ألاّ تشرك به شيئاً، لتتوحّد الأمّة في ثقافتها وفي روحيتها على أساس الإسلام الذي يقوى بها وتقوى به.
ليكن الحوار الإسلام ـ المسيحي على أساس الكلمة السواء:
هذا الإسلام الرسالي لا الطائفي، الإسلام المنفتح على القضايا الكبرى، ومن هنا كانت استجابتنا للدعوات الحوارية التي أطلقتها بعض القيادات المسيحية في لبنان والعالـم، ليكون حواراً إسلامياً ـ مسيحياً، هذا الحوار الذي دعونا له من قبل لينطلق على أساس الدعوة إلى التعاون الإسلامي ـ المسيحي على قاعدة القضايا المشتركة، وليس لكونه شعاراً سياسياً لأنَّ اللّه علّمنا بأن ننطلق من الكلمة السواء {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64].
لنربي أنفسنا على قيم الإسلام وروحيته:
ولذلك لو عاش المسلمون القيم الروحية والأخلاقية في الإسلام وفي سياستهم واقتصادهم وأمنهم وفي حروبهم وسلمهم، فإنَّ الرحمة ستحل بالشعوب، وهذا ما عبّر عنه أحد مؤرخي أو فلاسفة الغرب وهو غوستاف لوبون الذي قال: "ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب ـ ويقصد المسلمين ـ الذين انطلقوا بالفتوحات، لأنَّ الإنسان المسلم انطلق في حركة فتوحاته من ضوابط أخلاقية وأحكام شرعية محددة.
من هنا، يجب أن نربّي أنفسنا على قيم الإسلام وروحيته وعزته وكرامته، أن نتعاون مع الآخرين تعاون الأقوياء، ومن موقع الأمّة التي تعيش روحانيتها وأخلاقياتها، لذلك كنّا نقول ولا نزال في لقاءاتنا وأحاديثنا الحوارية للمسيحيين من مواطنينا: كونوا مسيحيين من خلال أخلاق السيِّد المسيح (ع) وقيمه، ولنكن مسلمين من خلال قيم النبيّ (ص) وأخلاقه وعند ذلك لن نختلف.
نفكر طائفياً في قتالنا في لبنان:
إنَّنا عندما نتقاتل لبنانياً باسم المسيحية والإسلام، فإنَّنا لا نتقاتل كمسلمين وكمسيحيين، لأنَّ المسلم لا يفكر إسلامياً في قتاله، والمسيحي لا يفكر مسيحياً ـ بالمعاني الروحية للإسلام والمسيحية وإنَّما يفكر طائفياً، فالسيِّد المسيح يقول: "أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم" فهل تعني حاصروهم؟ والإسلام أيضاً يقول: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53] يعني ألا يسبوا ولا يشتموا، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [فصلت:34]، {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ و} [النحل:125].
عدوانية اليهود تجاه المسلمين(1)
قد بيّن اللّه تعالى في كتابه الكريم حال اليهود حين قال فيهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة:82]، علينا أن نعي حقيقة التحالف الذي وقع بين المشركين واليهود في وقعة الأحزاب، لأنَّ هذه حقيقة قرآنية وسياسية على مستوى الزمن كلّه، وعليه لا بُدَّ لنا أن نستوحي مفاهيمنا السياسية في علاقاتنا بكلّ المحاور الموجودة في العالم من الحقائق القرآنية، والقرآن عندما يحدّثنا عن اليهود، يحدّثنا عن تجربة منذ زمن موسى إلى زمن النبيّ (ص)، أي عن حاصل التجارب في التاريخ، مما يجعلنا نرتكز على قاعدة مفادها، أنَّ حالة العنصرية والعدوانية متجذرة في الشخصية اليهودية.
موقفنا من اليهود:
إزاء هذا الواقع علينا أن نزرع في نفوس أولادنا، أنَّ اليهود يشكّلون خطراً حقيقياً على الإسلام وعلى المسلمين في كلّ قضاياهم، لأنَّه إذا قدّر للعبة الدولية أن تحقّق أهدافها من خلال عملية الصلح بين العرب و "إسرائيل"، ممّا تخطّط له أمريكا لدخول "إسرائيل" كلّ الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمالي والأمني من خلال المفاوضات المتعددة الجنسيات، أو من خلال المفاوضات الثنائية، فإنَّ على الشعوب الإسلامية في البلاد العربية وغيرها، أن تمتنع عن الانفتاح على اليهود عندما يريدون أن يدخلوا إلى بلادنا تحت عنوان السلم.
هذه المسألة هي برسم كلّ المسلمين في العالم، فمثلاً إذا كنت ملتزماً إسلامياً هل تشتري الخمر لتشربه؟ هل تأكل لحم الخنزير؟ هل تأكل لحم الميتة؟
إنَّك تقول لا يمكن ذلك، إنَّ التعامل مع "إسرائيل" وإيجاد حالة تطبيعية معها كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وكشرب الخمر، لذلك نقول حتى للنّاس الذين يعيشون في المناطق التي تستولي عليها "إسرائيل"، أو النّاس الذين تدفعهم أطماعهم إلى أن يهرّبوا البضائع الإسرائيلية إنَّ ذلك حرام، وأنَّ المال الذي تأكلونه من ذلك سُحت. وبما أنَّ المسألة لا تقتصر على الجانب السياسي فحسب، فإنَّنا نكون بذلك قد عملنا على تقوية "إسرائيل" من الناحية الاقتصادية، وهذا يعني أنَّنا نمدّها بالقوة اللازمة، لتهزم قوتنا، ولتقتل أهلنا.
ما هي قضية كلّ هؤلاء الذين يتجندون لـ "إسرائيل" والذين يتعاملون معها؟
قصتهم أنَّهم يعطون "إسرائيل" قوّة من طاقتهم العسكرية أو الأمنية، أو الاقتصادية ليمكّنوها من أن تقتل أهلهم وأطفالهم ونساءهم وشيوخهم، وهذا يمثّل أخبث ما يمكن أن يعيشه إنسان.
القلة والكثرة ليست معياراً للقوّة:
عندما نستذكر معركة الخندق، نرى أنَّ المشركين كانوا في موقع الكثرة وقد حاصروا المسلمين الذين كانوا أقلّ عدداً وعدة، ومع ذلك فإنَّ اللّه هزم الكثرة، وأعزّ القلّة، شرّد المحاصِرين وأعزّ المحاصَرين، ما نقرأه دائماً في التعقيب: "لا إله إلاّ اللّه وحده وحده وحده أنجز وعْده ونصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده" ومن خلال هذه الصورة علينا أن نفهم أنَّ قوة الأعداء ليس من الضروري أن تمثّل لنا الهزيمة، وإذا أخذنا بأسباب القوة فيما نريد أن نحقق لأنفسنا القوّة. قد نستطيع أن نهزمهم بطريقة وبأخرى، فإذا استطعنا أن نهزمهم في المواقع الصغيرة، فإنَّ ذلك يعني أنَّنا إذا طوّرنا قوتنا نستطيع أن نهزمهم في المواقع الكبيرة.
علينا أن نفكر كأمّة:
إنَّ علينا دائماً أن نفكر كأمّة، ولا نفكر كأفراد، لأنَّنا إذا فكرنا كأفراد فسيتسرب إلينا الضعف والوهن، أمّا إذا فكرنا كأمّة فسنشعر بالقوّة، وعلينا أن لا نفكّر فقط بالجانب المادي من حياتنا بل علينا أن نفكر بالجانب الروحي أيضاً الذي يربطنا باللّه سبحانه وتعالى.
على هذا ينبغي أن ننطلق، وعلى هذا الأساس ينبغي أن يكون لدينا الوعي السياسي الذي يحيط بخلفيات الأمور، وعمق القضايا والأشخاص، علينا أن لا نفكّر لحظة واحدة أنَّ الذين يسيطرون على الواقع العربي، وعلى كثير من الواقع الإسلامي يمثلون الضمانة للعرب وللمسلمين في قضايا الحرية والعزة والكرامة والعدالة، لأنَّ الكثيرين منهم موظفون لدى الاستكبار العالمي بحيث لا يعتبرون "إسرائيل" خطراً عليهم، ولأنَّ الكثيرين منهم إنَّما يجدون الخطر كلّ الخطر في الإسلام الذي ينادون باسمه، إذا تحرّك من أجل أن يؤكّد مفاهيمه وشريعته.
علينا أن نراقب الواقع العربي:
هناك بعض الأحاديث، تفيد بأنَّ بعض العرب وعدوا "إسرائيل" بتقديم المليارات من الدولارات لها إذا وافقت على السلام، إنَّنا لا نملك كلّ المعطيات التي تؤكّد صحة هذا الحديث، ولكن من غير المستغرب على بعض الدول التي تقدّم المليارات للدول الكبرى دعماً لاقتصادها، فيما هي غير مستعدة أن تقدّم الملايين للشعوب الإسلامية والعربية المنكوبة لإيقاف حالة الانهيار في اقتصادها.
هناك بعض الواقع العربي الذي يستعجل الصلح مع "إسرائيل"، لأنَّه يريد أن يتخلّص من ضريبة القضية الفلسطينية، الأمر الذي يدفعنا لأن نفهم حركة كلّ هؤلاء ونراقب خططهم، وندرس حجم المشكلة التي نعيشها من خلالهم، ومن خلال واقعنا الإسلامي.
إنَّنا عندما نراقب هذا الواقع العربي، ونتعرّف على أسباب الهزيمة التي تلحق به، فإنَّنا نجد العرب يتحرّكون في المفاوضات نحو اللاشيء، لأنَّ "إسرائيل" وكما جاء على لسان رئيس حكومتها(1): إنَّنا لسنا مستعدّين أن نتنازل للعرب عن أيِّ شيء من الأرض، وأنَّ المفاوضين يعرفون ذلك، فعليهم ألاّ يعيشوا في الأوهام. هذا حال من يوصفون بالصقور(2) وهم لا يختلفون كثيراً عمَّن يوصفون بالحمائم في السياسة الإسرائيلية. يقول أحد هؤلاء: ليس من الضروري إذا أردنا الصلح مع سوريا أن نتنازل عن الجولان، ولكن قد نستطيع أن ندخل في حلّ نتمكّن من خلاله أن نستأجر الجولان، فالفكرة واحدة، ولكنَّ الفرق في عملية الإخراج، حيث يتكلّم فريق بعمق القرار الإسرائيلي، وآخر يدور من حوله.
المشروع اليهودي لا يتحقق إلاّ بإضعاف العرب:
ولهذا فإنَّ العرب عندما يذهبون إلى المفاوضات فإنَّهم يعيشون وهماً، ويعيش الفلسطينيون وهماً أكبر، لأنَّ أمريكا راعية المؤتمر ليست مستعدّة أن تزعج طفلها المدلل فيه "إسرائيل" وتقدّم شيئاً لكلّ هؤلاء العرب الذين لا يقدّمون ولا يؤخّرون شيئاً في حساباتها الإستراتيجية.
قلت في حديث سابق إنَّ "إسرائيل" هي مشروع أمريكي وأوروبي صنعته السياسات الأمريكية والأوروبية لتحقيق الأهداف الخاصة بها.
ولذلك فإنَّهم غير مستعدّين أن يضعفوا مشروعهم، بل على العكس فإنَّ هذا المشروع لا يتحقّق إلاَّ إذا أضعف العرب في الحاضر والمستقبل، كما أضعفوا سابقاً، لا سيما بعد أن أمسك هؤلاء بأزمة كلّ مواقع الاقتصاد العربي البترولي وغير البترولي، وفوق ذلك فإنَّ أميركا تعمل الآن على محاصرة العالم العربي والإسلامي بحجة أو بأخرى.
دور الشعب والمجاهدين في إسقاط
اتفاق17 أيار(1)
في السابع عشر من أيار(2) كاد لبنان أن يدخل في صلح منفرد مع "إسرائيل"، يعطيها حقّ السيطرة الكاملة على سيادة لبنان بما يفرّغ هذا البلد من استقلاله الحقيقي والفعلي وكلّ ذلك كاد أن يتمّ بمشاركة ورعاية أمريكا. الشعب اللبناني والمسلمون المجاهدون أسقطوا هذا الاتفاق فأخرجوا أمريكا والقوى المتعددة الجنـسيات من قوى حلف الأطلسي من لبنان كما أخرجوا "إسرائيل" من جنوبه.
ومن الملاحظ أنَّ الأكثرية في المجلس النيابي قد صوَّتت لصالح الاتفاق قبل التعيين، وهي نفسها صوتَّت بعد ذلك على إسقاطه، لأنَّ حركة السياسة اللبنانية هي كما يقول ذلك الشاعر عن بعض هذه النماذج الإنسانية: يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرماً، ولكن على أساس ما يطلب له أن يعطي وما يطلب له أن يمنع.
الاستكبار العالمي يعمل على إنتاج اتفاق 17 أيار عربي:
ولم تنته مشاريع الاستكبار وخططه الهادفة إلى إسقاط المنطقة نهائياً تحت قبضتها، فهيّأت لإنتاج اتفاق 17 أيار عربي، و17 أيار لبناني، ولذلك يجب على كلّ الذين يفكّرون بالإنسان وحريته وكرامته أن يعملوا على تعطيل إنتاج أيّ اتفاق شبيه باتفاق 17أيار أو قريب من روحيته ومضمونه.
الشعب يكتشف وحدته أمام الجوع:
نحن في لبنان بحاجة لأن نكتشف أساس الوحدة حتى لو اختلفنا في خصوصياتنا، وأن نكتشف أساس القضايا المشتركة، حتى لو كانت هذه قضايا نفترق عليها، إنَّ المرحلة دقيقة، وعلينا أن نواجه بلا هوادة الاعتداءات الإسرائيلية.
"إسرائيل" تدّعي أنَّ المشكلة في لبنان تكمن في وجود المقاومة الإسلامية، والعلاقة مع سوريا، ولذا فإنَّ علينا أن نعمل على إسقاط هذين معاً من أجل أن نسهّل سير المفاوضات، ومقصوده سير المفاوضات لحساب مصالح "إسرائيل" وأطماعها على حساب مصالح العرب. نحن عندما نسمع من رئيس وزراء العدو هذه الكلمة، بحيث تعتبر "إسرائيل" أنَّ المقاومة الإسلامية والعلاقة مع سوريا، يشكلان مشكلة أساسية لها، فتحاول إسقاط المقاومة والقضاء عليها، وقطع العلاقة بين لبنان وسوريا؛ علينا أن نفهم أنَّ "إسرائيل" تخطط من أجل إرباك كلّ أوضاع السياسة الداخلية لحساب سياستها الخارجية، ولذلك نحذر من حركة "إسرائيل" على مستوى الواقع السياسي والأمني والعسكري في المواقع التي تملكها "إسرائيل" في هذا البلد.
الإمام الحسين (ع)
من حج البيت إلى حج الجهاد(1)
نستوحي من خروج الإمام الحسين (ع) من الحج إلى كربلاء من أجل أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أنَّه انطلق من موقع الحج وشعائره الخاصة إلى حج آخر، وهو حج الجهاد، حج المجاهدين الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، وذلك كان دأب المسلمين عندما كانوا في بداية الدعوة، كانوا ينطلقون من خلال أجواء الحج إلى أجواء الدعوة إلى اللّه، ومن أجواء الحج إلى أجواء الجهاد في سبيل اللّه، لأنَّ مضمون الحج يعطي الإنسان شعوراً بالمسؤولية أمام اللّه، وبذلك يتحرّك المؤمن على هذا الأساس في كلّ موقع من مواقع المسؤولية.
لنطف حول قضايا المسلمين:
ونحن في الواقع الذي نعيش فيه، في عالمنا الإسلامي، لا بُدَّ من أن نطلّ على كلّ المواقع التي نحتاج أن نطوف حولها من قضايا المسلمين، أو الدروب التي يجب أن نسعى فيها وإليها من دروب المسلمين، لأنَّ ذلك هو حجّنا إلى اللّه في مسؤولياتنا الكبيرة بعد حجّنا إلى اللّه في هذه المسؤولية العبادية، لأنَّ الفكرة واحدة، ولأنَّ الروح واحدة، وكما أوجب اللّه الحج، كذلك أوجب الجهاد، وكما أوجب اللّه الحج، كذلك أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوجب الدعوة إلى الخير وإلى اللّه في كلّ مجالات العمل.
المشركون اليهود أشدّ النّاس عداوة للإسلام:
إنَّنا عندما نواجه الواقع الذي نعيشه مقارناً بالواقع الذي عاشه النبيّ (ص) والمسلمون معه، فإنَّنا نرى أنَّ الإسلام في بداياته خاض المعركة مع المشركين كأقسى ما يكون، ولم يكن الإسلام يملك قوّة في العدد ولا في العدّة، وخاض المعركة مع اليهود وأخرجهم من المدينة من خلال وعي النبيّ (ص) فيما علّمه اللّه، أنَّ الشرك يمثّل كما اليهود الخطر الأكبر على الإسلام. ومن هنا جمع اللّه بين المشركين واليهود باعتبارهم أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة:82].
أرادنا اللّه أقوياء في مواجهة الواقع:
ولما كانت ساحة التحديات مفتوحة أمام المسلمين في عهد الدولة الأول، وفي العهود اللاحقة، فإنَّ ساحة التحديات مفتوحة في الواقع الذي نعيش فيه، فهناك معسكر الشرك، وهناك معسكر اليهود، وهناك الواقع الإسلامي، الذي يعمل المشركون واليهود والسائرون في دربهم على إضعاف المسلمين سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، واجتماعياً، وعسكرياً، وأمنياً، وهناك الكثيرون من المسلمين على مستوى القيادات، والفعاليات، وعلى مستوى الواقع الشعبي من يتحدّث عن الضعف أو الاستسلام، كخيارات وحيدة لنا، وعن أنَّ كلّ ما نملكه هو الهزيمة، لأنَّ الآخرين يملكون القوّة، ونحن نعيش حالة الضعف، ولأنَّ الآخرين يملكون السلطة، ونحن نعيش بعيداً عنها.
هكذا يعيش الكثيرون من المسلمين، ومن المستضعفين من غير المسلمين هذا الجوّ، ولكنَّ اللّه أرادنا ألاّ نكون كذلك، لقد أرادنا اللّه أن نكون أقوياء، وقال لنا: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} [البقرة:165]، وأرادنا اللّه أن نكون الأعزة، وقال لنا: {فإنَّ العزة للّه جميعاً} [النساء:139]، وأراد لنا أن لا نضعف ولا نحزن وقال لنا: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، وقال لنا عندما نتألـم: {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ} [النساء:104]، فَلِمَ يصبرون هم على ألمهم في مواجهتكم ولا تصبرون على ألمكم في مواجهتهم، {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} [آل عمران:140].
من هنا لا بُدَّ للإنسان المؤمن أن يعيش الألم الصغير من أجل أن يتفادى الألم الكبير، أن تجرح في جسدك حتى تتفادى الجرح في عزتك، وحريتك وكرامتك وإيمانك ومستقبلك، لأنَّ اللّه يبغض العبد الضعيف الذي يملك القوة ولا يستعملها، أو الذي يوحي لنفسه بالضعف دائماً، لهذا نحن في مرحلة يُراد لنا أن نسقط فيها، لنقدّم كلّ ثرواتنا للمستكبرين، وكلّ سياستنا واقتصادنا لليهود، لنعيش على هامش الواقع كلّه وعلى هامش الحياة كلّها.
البحث عن عناصر القّوة:
ونحن مهما أوحى الآخرون لنا بالضعف، ومهما أوحى الآخرون لنا بالهزيمة، لا نزال نشعر بأنَّنا نملك الكثير من القوة، ولكنَّها قوة مبعثرة بسبب خلافاتنا، وتمزقاتنا، نحن نملك الكثير من القوة، ولكنّنا لا نستعملها، كمن يسلّم نفسه لمن يهجم عليه والسلاح بين يديه. يجب أن نفّتش عن عناصر قوتنا لنجمّعها، وعن مواقع قوتنا لنثبتها، وننطلق في كلّ ما نملكه من القوة حتى نستطيع أن نكون في مواقع القوة على مستوى الحياة كلّها، وعلى مستوى الهدف كلّه.
باستطاعة المجاهدين إلحاق الهزيمة بالعدو:
إنَّنا من خلال هذه التجربة التي قدّمها لنا مجاهدونا في لبنان، في جبل عامل والبقاع الغربي، وفي فلسطين وفي الضفة الغربية وغزة، نستطيع أن نخرج بنتيجة هي أنَّ المجاهدين يستطيعون أن ينزلوا بالعدو الهزيمة ولو في موقع معين، وأن يواجهوا كلّ ترسانته العسكرية بأسلحة متواضعة لينطلقوا حتى يهزموه في هذا الموقع أو ذاك، أو يقتلوا منه عنصراً هنا أو عنصراً هناك، أمّا العدو فهو لا يتحدى المجاهدين وجهاً لوجه، ولكنَّه يقتل النساء والأطفال، ويقصف المدنيين بمدافعه وطائراته، ويشرّد القرى الآمنة التي لم تشارك في أيّ عمل عسكري، بشكل مباشر؟
إنَّ العدو يعمل على أن يهزمنا من خلال آلام النّاس من المدنيين فيما يحاول أن يثيره من المشاكل بالتهجير والتشريد وما إلى ذلك، لأنَّه عجز عن أن يهزم روحنا وإرادتنا، التي يجسدها مجاهدونا أفضل تجسيد.
الاستكبار العالمي يضغط لنزع سلاح المقاومة:
الذي يحدث الآن هو أنَّ الاستكبار العالمي المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، قد التزم بتفوّق "إسرائيل" العسكري على جميع العرب، كما التزم بحمايتها سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً. ولذلك تتدخّل الولايات المتحدة دائماً لدى الحكومة اللبنانية، عبر رسائل سياسية إلى سوريا من أجل الضغط على حرية السلاح لدى المقاومين، ومن أجل الضغط على المقاومين في أن لا يضاعفوا من مقاومتهم.
في منطق الاستكبار: الضحية والمجرم واحد:
وهكذا رأينا أنَّ الكثيرين من المستكبرين في العالم نهجوا نهج أمريكا، حتى الأوروبيين فعلوا ذلك بالرغم من وجود مسافة بين سياستهم وسياسة أمريكا، إلاَّ أنَّهم يتحدّثون عن الضحية والمجرم بطريقة واحدة! ولذا ينصح الجميع ألا يثيروا العنف بداعي القلق من أعمال العنف. لو كنّا في ذلك الوقت، في الحرب العالمية الثانية، والنازي يعمل على اجتياح الغرب، لو كنا وقفنا نحن وقلنا: إنَّنا قلقون من هذا العنف بين النازي وبين الحلفاء، فما هو رأي الفرنسيين أو البريطانيين أو الأمريكيين في أقوالنا؟! ألا يقولون: إنَّ الحلفاء يعملون من أجل قضية الحرية، لأنَّ النازي يريد أن يستعبد الشعوب، لماذا كانت المقاومة في فرنسا ضدّ المحتلّ النازي مشروعة، والمقاومة ضدّ المحتلّ الإسرائيلي ليست مشروعة؟ لماذا يكون العنف البريطاني في مواجهة هتلر عملية حركة من أجل الحرية، ولا يكون العنف الجهادي في مواجهة "إسرائيل" حركة من أجل الحرية؟ لماذا تتحدّث أمريكا عن تطبيق اتفاقية الطائف(1)بنزع سلاح المقاومة الإسلامية على أساس أنَّ اتفاق الطائف يفرض نزع سلاح كلّ الميليشيات، ولا تتحدّث بالمنطق نفسه عن نزع سلاح ما يسمى "بجيش لبنان الجنوبي"(2) بهذه الطريقة؟ الحكومة اللبنانية معنية من وجهة النظر الأمريكية بأن تنزع سلاح المقاومة باعتبارها ميليشيا، ولكنَّ الحكومة اللبنانية عليها أن لا تحرّك ساكناً مع جيش لبنان الجنوبي الذي يتحرّك من أجل أن يثبّت أقدام "إسرائيل" في احتلال لبنان، إن كانت هذه ميليشيا فتلك ميليشيا، لماذا تفرّقون في وجهة نظركم، بين هذه الميليشيا وتلك، على أنَّ اتفاق الطائف الذي تطلبون تنفيذه، أيُّها الأمريكيون، لحظ أنَّ للبنانيين الحقّ في تحرير الأرض بكلّ الوسائل، ومن هذه الوسائل المقاومة ضدّ المحتل، وهذا يعني أنَّ المقاومة ليست ميليشيا كما تدّعون.
أمريكا لا تحرّك ساكناً جَرَّاء القتل المنظّم لنا:
أمّا عندما تكون القضية قضية القتل المنظّم الذي تمارسه "إسرائيل" يومياً ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وضدّ اللبنانيين في الجنوب والبقاع الغربي، فإنَّ أمريكا لا تحرّك ساكناً، عندما يقتل الأطفال في دردغيا، وعندما يقتل الأطفال في جبشيت، وعندما يقتل كلّ هؤلاء الأبرياء ويحرجون وتدمِّر بيوتهم هنا وهناك، فإنَّ المسألة لا تستحقّ أيّ استنكار من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أو من جانب أوروبا، أو من جانب روسيا التي أصبحت الآن تزايد على أمريكا في دعمها لليهود.
آلاف البرقيات تنهال على العدوّ لمجرّد جرح طفل يهودي:
في السابق كان إذا جرح طفل يهودي فإنَّ الغرب يرسل برقيات احتجاج وأسف، ويستنكر هذه الأعمال الوحشية وما إلى ذلك، ولكنَّنا في كلّ يوم نقتل من قبل المحتل لأرضنا من الضفة الغربية وغزة، إلى جنوب لبنان والبقاع الغربي. ومع ذلك يُقال: إيّاكم أيُّها النّاس أن تقاوموا الاحتلال، وعليكم أن تنتظروا القرار 425 هنا، والقرار 242 و 338 هناك، ولكنّي لن أضغط على "إسرائيل" أبداً، لتنفيذ القرار 425 ولن أضغط عليها لتنفيذ القرار 338 و 242، هذا ما تقوله أمريكا، وإذا مارس المجاهدون ضغطاً عليها تصفه بالعنف وبالإرهاب.
بالوحدة نحمي حرياتنا وسياستنا:
نحن نحترم الشعوب كلّها، ونحبّ أن نعيش بصداقة مع كلّ شعوب العالم حتى وإن لم يكونوا مسلمين، لكن علينا أن لا نحترم حكومات الدول الظالمة ، قد لا نستطيع مواجهتها بالقوّة ولكن علينا أن نواجهها بكلّ ما نستطيع، بأن نتوحّد، وأن نحمي مصالحنا من مصالحها، وأن نحمي حريتنا من استعبادها، وأن نحمي سياستنا من سياستها، لأنَّ المسألة لا تقتصر على مدة سنة أو سنتين، وإنَّما على قضية المستقبل كلّه، لذلك علينا أن نختار: إمّا أن نكون في الموقع الذي نحترم فيه عزّتنا وحريتنا، وإمّا أن نكون في الموقع الذي نتحول فيه إلى مجرّد حشرات تحت أقدام الغزاة والمستكبرين.
لهذا عندما نواجه الواقع الذي نعيش فيه ولا نجد هناك أيّ صدى وأيّ ردّ فعل بالمستوى الذي يمكن أن يتناسب مع حجم الجرائم الإسرائيلية المنسّقة تنسيقاً إسرائيلياً أمريكياً بطريقة أو بأخرى، فإنَّ علينا أن ننسّق مع كلّ الأحرار في العالم، وننطلق لنثير المسألة بكلّ ما أوتينا من قوّة، فإذا لم نستطع أن نحقّق شيئاً اليوم فسنحقّقه غداً، وإذا لم نستطع أن نحقّق شيئاً غداً فإنَّنا من خلال روح الحرية وروح العزّة والكرامة نستطيع أن نحقّق الكثير في هذا وفي ذلك كلّه.
نخشى من عدم جدّية الدولة اللبنانية في التحرير:
غالباً ما تنطلق الكلمات في لبنان من أنَّه لا بُدَّ للمقاومة من أن تنسّق أعمالها مع الدولة(1)، إنَّنا نريد أن نقول لهؤلاء: ليست القضية هي كيف تنسّق المقاومة أعمالها مع سياسة الدولة، أو كيف تنسّق الدولة مع سياسة المقاومة؟ نريد أن نفهم من الدولة هل هي جادة في تحرير أرضها، وحريصة على استقلال لبنان؟
وهل هي جادة في الحفاظ على عزّة اللبنانيين أو أنَّ أمريكا هي التي تمنحها الأفكار في ذلك كلّه؟ ليقولوا لنا إنَّهم جادون في التحرير وعند ذلك ليست مشكلة أن تنسق المقاومة مع سياستهم أو ينسّقوا هم مع خطوات المقاومة، لكنّنا نخشى ألا تكون هناك جدّية في دعوات التحرير، كما نخشى من أن يكون هناك خطّ سياسي في البلد يعتبر أنَّ المقاومة هي مقاومة اللبنانيين لبعضهم البعض، وأنَّ المقاومة هي مقاومة العرب والمسلمين في المنطقة.
بعض النّاس يجد مصلحة في انتصار "إسرائيل":
أمّا حين يتعلّق الأمر بالموقف من "إسرائيل"، فإنَّ علينا أن ننحني لها، كما نلاحظ ذلك في كثير من وسائل الإعلام اللبنانية على مستوى الصحف، وعلى مستوى المحطات الإذاعية والتلفزيونية(1)، كما نلاحظ أنَّه قد أصبح هناك أكثر من صوت لـ "إسرائيل" في صحفنا وإذاعاتنا وتلفزيوناتنا بطريقة وبأخرى، حتى تكاد تشعر بأنَّ هناك فرحاً كبيراً من كلّ عدوان إسرائيلي على المدنيين والأطفال، وفي المقابل نتعرّض للألـم في كلّ شيء يصيب "إسرائيل".
حتّى يجد بعض النّاس أنَّ مصلحتهم هي في انتصار "إسرائيل" على المستضعفين في جنوب لبنان وفي البقاع الغربي، ويجدون أنَّ قوّة "إسرائيل" هي قوّة لهم، وأنَّ قوّة العرب والمسلمين حالة تحدٍّ لضعفهم، ولذا فإنَّ الواقع الذي نريده في هذا البلد هو أن يكون هذا البلد مع نفسه، مع قوته، ومستقبله، ومع أهدافه الكبيرة.
أبطال الحرية هم الذين يرابطون على الثغور:
عندما تتحدّثون عن الحريّة فكروا من هم أبطال الحريّة، ليس أبطال الحريّة هم هؤلاء الذي يتسكّعون على هذا الموقع أو ذاك الموقع للآخرين، ولكنَّ أبطال الحرية هم الذين يقفون على الثغور، يصبرون ويصابرون ويرابطون ويَقتلون ويُقتلون في سبيل اللّه، هؤلاء هم أبطال الحريّة، هؤلاء هم الذين يمثّلون الأمّة كلّها، إنَّ علينا أن نعرف أنَّ التحدي كبيرٌ كبيرٌ في هذا المجال.
العدوّ يقرع جرس الخطر من الأصولية:
قرأنا ـ وشرّ البلية ما يضحك ـ لرئيس دولة العدوّ(2) وهو يتحدّث في بعض زياراته في العالـم عن خطر ما يسميه الأصولية الإسلامية، من أنَّ خطرها يتجاوز خطر أسلحة الدمار الشامل، ويتحدّث أنَّ هناك توسعاً للأصولية الإسلامية في أنحاء العالـم، ولا سيّما في الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق. من هنا علينا أن نسعى لمواجهة هذا الخطر أكثر مما نواجه أيّ خطر آخر، يتحدّث رئيس دولة العدو عن التطرّف والخطر وأنَّه يخاف أن تملك بعض الجمهوريات الإسلامية المستقلة أسلحة نووية، ولكن أين الأسلحة النووية التي تملكها "إسرائيل"؟ إنَّه يتحدّث عن خطر المسلمين الذين يريدون للإسلام أن ينفتح على العالـم، ولكن يرى من الطبيعي أن تكون "إسرائيل" الدولة العنصرية اليهودية التي تقتل النّاس وتدمرهم بلا حساب؟.
"إسرائيل" وبعض الحكام العرب يمثّلون واجهة العالـم المستكبر في المنطقة:
إنَّ علينا أن نفهم أنَّ النغمة واحدة في العالـم المستكبر، و "إسرائيل" تمثّل واجهة العالـم المستكبر في المنطقة، كما يمثّل واجهة المستكبر في العالـم أولئك الحكام الذين فُرِضوا علينا، لقد لاحظت أمراً في كلام هذا العدو إنَّه يقول: إنَّ الدول العربية تتحدّث عن فلسطين، ولكنَّهم في العمق لا يريدون، أو يتعقدون، أو يجدون هناك خطورة في دولة فلسطينية، كأنَّه يقول إنَّهم معنا.
مواقع المجاهدين هي مواقع كربلاء:
إذا كنتم أيُّها النّاس تعظّمون ذكرى الإمام الحسين (ع)، لأنَّه وقف وحيداً، ووقف مع هذه الثلة من النّاس فعاشوراء قريبة منكم، وإذا كنتم تعتبرون أنَّ موقف الإمام الحسين (ع) مع هذه الثلة الطيبة، مع أصحابه، هو موقف لا بُدَّ لنا أن نعظّمه على مدى الزمن، هو موقف نأخذ منه شرعية المواجهة للعدو مهما كان كثير العدد، ونشعر فيه أنَّه رضا اللّه، إذا كنتم ترون ذلك، وهذا هو مبرر الاحتفال بعاشوراء، عليكم أن تعرفوا إنَّ مواقع المجاهدين هي مواقع كربلاء، وأنَّ مراحل الجهاد هي مراحل عاشوراء، هؤلاء أبناء الحسين (ع) وهؤلاء هم أصحاب الحسين (ع)، وهؤلاء هم السّائرون في درب الحسين (ع)، إذا كنتم تقفون ضدّ هؤلاء النّاس الذين يجاهدون، فما معنى احتفالكم بعاشوراء، لأنَّ القضية هي قضية فئة كبيرة وفئة صغيرة، هذه هي القضية، علينا أن ننطلق لنعرف أنَّ اللّه يريدنا أن نكون الأقوياء، الأعزاء، الأحرار، الذين يعرفون ما يريدون، ويخطّطون جيّداً لينطلقوا في سبيل اللّه.
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40].
الاستكبار يحرّك الأزمات
في العالم العربي والإسلامي(1)
لقد صنعت الأجهزة الاستكبارية كثيراً من المسؤولين الذين حوّلتهم مسؤولين عن الإنسان العربي والإنسان المسلم في البلاد العربية والإسلامية، وذلك بهدف تحقيق غايات، منها: إثارة الخلافات المذهبية بين السنّة والشيعة، أو تحويل الخلافات الدينية إلى نزاعات بين المسلمين والمسيحيين إذا احتاج الموقف الإسرائيلي أو الاستبكاري إلى ذلك، أو ليثيروا الفتن السياسية إذا احتاج الاستكبار إلى صراع بين اليمين واليسار وما إلى ذلك من الأمور المشابهة.
وهذا ما كان عليه وضع العرب الذين لـم يرضوا أن تكون القضية الفلسطينية قضية إسلامية، فانعكست المسألة سلباً على كلّ الواقع العربي، ومن ورائه على كلّ الواقع الإسلامي.
العرب يثيرون المشاكل ضدّ الثورة الإسلامية في إيران:
ولذلك نجد أنَّ العرب يثيرون المشاكل في وجه أيّ قوّة إسلامية ناهضة، وهذا ما واجهته الثورة الإسلامية التي أطلقها الإمام الخميني (رضوان اللّه عليه) في إيران ليصنع من المسلمين والمستضعفين قوّة من موقع الأصالة، حيث قال للنّاس كلّهم: "إنَّ "إسرائيل" غدة سرطانية ولا بُدَّ من القضاء عليها"، لأنَّنا إذا لـم نقضِ عليها فسوف تتحول إلى حالة سرطانية في المنطقة تقضي على كلّ الخلايا التي تمدّ النّاس بالحياة، حيث لا يمكن إيقاف هذا الداء إلاّ بالاتحاد، فأطلق نداءه للمسلمين والمستضعفين، أيُّها المسلمون اتحدوا، أيُّها المستضعفون اتحدوا، فلا تكونوا شرقيين يخضعون للشرق عندما كان الشرق قوّة، ولا تكونوا غربيين تخضعون للغرب، بل قفوا في الخطّ الوسط، كونوا المسلمين، كونوا الأحرار، كونوا الأقوياء.
وحيث لا يريدون لنا كمسلمين أن نكون في موقع الأصالة والاستقلال، بل يريدون إسلاماً يزحف ليقبِّل أقدام المستكبرين، أثاروا في وجه الثورة المسائل المذهبية، والمسائل الطائفية، وأثاروا الكثير من المسائل التي شوّهت صورتها عند بقية المسلمين، والمستضعفين، وفرضوا عليها الحرب التي دمّرت أكثر بنيتها التحتية، وكثير من أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
في حرب الخليج الثانية:
أمريكا انطلقت على أنَّها المنتصرة على كلّ الواقع السياسي في العالـم:
وهكذا رأينا عندما انطلقت الفتنة في الخليج، حيث قام النظام العراقي باحتلال الكويت، باتجاه الفتنة التي انطلقت لتحرق النظام العراقي، ولتحرر - كما يقولون -"الكويت"، ولكنَّها عندما انطلقت فإنَّها انطلقت لتشمل كلّ العالـم العربي، والعالـم الإسلامي، لتنطلق أمريكا بعنوان أنَّها المنتصرة ليس في حرب الخليج، إنَّما على كلّ الواقع السياسي في العالـم، لا سيما بعد أن سقط الاتحاد السوفياتي، إذاً لقد انطلقت من موقع، ولكنَّها أصابت كلّ الذين يرتبطون بهذا الموقع باعتبار أنَّهم استسلموا لهذا الضعف الجديد وحاولوا أن يثيروا في داخل أوضاعهم الخاصة ضعفاً جديداً. ومن هنا شعرنا أنَّ الواقع العربي تحوّل إلى حالة انعدام وزن من الناحية السياسية، ومن الناحية الاقتصادية، وأنَّ الواقع الإسلامي انجرّ إلى ذلك فأصبح يعيش حالة انعدام الوزن.
أمريكا تنهي كلّ مقاومة سياسية عربية وتفرض المفاوضات العربية ـ الإسرائيلية:
وبذلك تمكّنت أمريكا من فرض المفاوضات العربية - الإسرائيلية على العرب، على أساس أنَّها الفرصة المناسبة التي يُمكن فيها القضاء على كلّ مقاومة سياسية عربية، وإبعاد العرب بشكل مطلق عن التفكير بأية فرصة يمكن أن يواجهوا فيها "إسرائيل"، ولإجبار العرب على تقديـم المزيد من التنازلات، وخاصة الفلسطينيين، على أساس أنَّه لا يمكن للضعيف أو المهزوم أن يطالب بحقّه.
المفاوضات: دور العرب يقتصر على تقديم التنازلات:
لقد وجدنا بكلّ مراحل المفاوضات، أنَّ دور العرب فيها يقتصر على تقديـم التنازلات، وإذا استطاعوا أن يحصلوا على موقع قوّة في المفاوضات، فإنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تتحرّك من أجل أن تضعف هذا الموقع، لتعطي لـ "إسرائيل" قوّة جديدة، وهذا ما لاحظناه عندما أعطيت "إسرائيل" ضمانات القروض بمستوى عشرة مليارات دولار(1)، والمزيد من السلاح المتقدّم على مستوى الطائرات والخبرة التي تجعل "إسرائيل" تملك كلّ المعلومات التي تقدّمها الأقمار الصناعية الأمريكية، على أساس أن تقدّم لها تقارير أمنّية وعسكرية عن كلّ واقع السلاح والتحرّك العربي في أيّ حرب يمكن أن تحدث أو في أيّة أزمة يمكن أن تنطلق.
أمريكا تسعى لإضعاف حلفائها من العرب:
إنَّ المسألة هي: أنَّ الولايات المتحدة تعمل على أن تضعف حتى حلفاءها من العرب، والصحيح أنَّ لها عملاء أعطوها كلّ شيء، أعطوها قراراتهم السياسية، وسلموها مفاتيح كلّ خزائن ثرواتهم، وهيّئوا لها كلّ الأجواء من أجل أن تكون أرضهم أرضها، ولتكون بلادهم قواعد استراتيجية لها، وفوق ذلك اشتروا منها السلاح لا ليستخدموه! ولكن لتستخدمهم هي لتأديب كلّ بلد يمكن أن يستعصي عليها، أو يتمرّد عليها، أو يسيء إلى مصالحها.
أمريكا وراء إثارة مسألة الجزر في الخليج:
إنَّ أمريكا لا تريد لأيّ قوّة عربية أو إسلامية أن تنهض، وهي وراء كلّ الخلافات والمشاكل في المنطقة، وهذا ما نلاحظه من خلال ما أثارته السياسة الأمريكية ولا نقول السياسة الخليجية، لأنَّ أكثر المحللين السياسيين، يعرفون أنَّ أمريكا أثارت مسألة جزيرة أبو موسى أو الجزر الأخرى(1)، لأنَّ المسألة كانت تتحرّك من خلال اتفاقات معينة ومن خلال معاهدات معينة، ولقد أثيرت هذه المسألة، على مستوى مجلس التعاون الخليجي، وعلى مستوى الجامعة العربية، واعتبرت من القضايا القومية التي يُراد للعرب أن يتحرّكوا فيها لمواجهة إيران، التي شبّهها بعضهم بـ "إسرائيل"، فكما أنَّ "إسرائيل" تحتلّ فلسـطين، فإنَّ إيران تحتلّ هذه الجزر الثلاث. وكأنَّ المسألة أصبحت تتّصل بالعنـفوان العربي والعزّة العربية في مواجهة إيران.
الاستكبار يخلّف وراءه قنابل موقوتة في الواقع العربي والإسلامي:
إنَّنا نفهم بقطع النظر عن طبيعة الأمور ونحن لسنا في مقام الحديث عن الوثائق لإثبات هوية هذه الجزر، لأنَّ هذا الأمر يمكن أن يتحدّث فيه المفاوضون بتقديـم كلّ واحد منهم الوثائق التي تؤكد صحة دعواه وما إلى ذلك، ولكنَّنا نتحدّث عن الموضوع باعتباره صنيعة الاستعمار، وكما قال ذلك الشاعر:
لو جُمِعتْ لـم تَكُ أوطانُنَا دويلـةً فكـيفَ صـارتْ دولْ
لو أنَّنا جمَّعنا كلّ هذه الأوطان لما صارت دويلة، فكيف تحوّلت إلى دول؟ وقد اعتمد الاستكبار سياسة "فرّق تسد"، وأنَّه عندما يخرج من أيّ دولة يُبقِي وراءه مشاكل بمثابة قنابل موقوتة، كأن يبقي على مشاكل حدود، أو مشاكل أراضي، حتّى تتمكّن من هزَّ الاستقرار في أيّ دولة من هذه الدول ليبتزّها أكثر، وليبيعها السلاح الذي تقاتل فيه بعضها البعض، كما حصل عندما انسحب الإنكليز من منطقة الخليج فتركوا المنطقة دون أن يرسموا الحدود فيها بشكل واضح.
الاستعمار يخلّف مشاكل الحدود بين دول الخليج:
وهكذا نجد مشاكل الحدود قائمة بين قطر والبحرين، وبين قطر والسعودية، وبين الإمارات والسعودية، وبين الإمارات وعُمان، وبين عُمان واليمن، وبين اليمن والسعودية، وبين العراق والكويت، وبين الكويت والسعودية. كانت هذه كلّها مستعمرات بريطانية وكانت أرضاً واحدة، وبلاداً واحدة.
وهكذا نلاحظ أنَّ الاستعمار أبقى كلّ هذه الخلافات حول الأرض، وحول الحدود، كقنابل موقوتة، حتى يستطيع أن يحرّكها في أيّ وقت يريد، كتلك التي حدثت بين العراق والكويت التي بدأت كمشاكل حدود.
لماذا إثارة أزمة الجزر؟
لماذا إثارة المشاكل في وجه إيران؟ ولماذا يتبنّاها الذين يلتزمون بالسياسة الأمريكية في المنطقة؟
أولاً: لأنَّ هناك تنازلات ينتظر أن يقدّمها العرب في فلسطين، ولا بُدَّ لأجل ذلك من ممارسة ضغوطات كبيرة لفتح حرب مع إيران، لأنَّها التزمت القضية الفلسطينية في استراتيجيتها، ولـم تقبل بأيّ حلّ لقضية فلسطين إلاّ على أساس التحرير.
ثانياً: وحتى يكوّن هذا ضغطاً أمريكياً على إيران، لتقدم إيران تنازلات في مواقفها لمصلحة السياسة الأمريكية. وفي الوقت نفسه حتى تعقّد علاقات إيران بالعرب، بعد أن تطورت العلاقات الإيرانية العربية، ثمَّ يُراد في الوقت نفسه ابتزاز دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية الدول العربية الخليجية، ليشتروا سلاحاً أكثر ممّا قد لا يعرفون استخدامه، وحتى يدخلوا في معاهدات عسكرية أكثر على طريقة المعاهدات التي حصلت في الكويت، والتي حصلت في السعودية.
المسألة هي أنَّ المشكلة لـم تقتصر على الخلاف بين إيران والإمارات، بل تعددت أطرافها، وكذلك انطلقت على مستوى حركة عسكرية بين قطر والسعودية، لماذا ذلك كلّه؟ من أجل ألا تتمكن أيّ دولة عربية من امتلاك اقتصاد قوي. يُراد استنزاف الاقتصاد الخليجي حتى لا يكون قوّة يمكن أن تبني دولة قوية في المستقبل، وتتمكن من مساعدة البلاد العربية الأخرى، كما لا يُراد لإيران أن ترتاح سياسياً واقتصادياً وإنَّما يُراد إثارة المشاكل بهذه الطريقة، ومن قِبَل العرب أنفسهم.
ولذلك نتساءل: لماذا أثيرت كلّ هذه الضوضاء ضدّ إيران ولـم تثر هذه الضوضاء أمام "إسرائيل" التي احتلّت فلسطين كلّها، وهي غير مستعدة بأيّة حالة أن ترجع الضفة الغربية وغزة إلى الفلسطينيين ليقيموا عليها دولتهم المستقلة، هل أنَّ إيران تشكّل خطراً على الواقع العربي كما هو الحال بالنسبة لـ "إسرائيل"؟ إذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا السكوت على "إسرائيل"؟
الواقع العربي يفقد توازنه:
هذا في الوقت الذي يتبادل فيه العرب موضوع الانتفاضة والمقاومة، فيعتبرون المقاومين متطرفين ويربكون الواقع العربي، حيث يكون السلاح والتشويه والحملات الظالمة وعدم الحوار وعدم اللقاء، هو الأساس في الخلافات عندما تُثار المشاكل في الواقع العربي والإسلامي، أمّا عندما تكون المسألة مسألة خلاف مع "إسرائيل"، أو أمريكا، أو الغرب، فعلينا أن نتحدّث عن الحوار وعن السلام، وعن حلّ المشاكل بطريقة واقعية.
أمام أعدائنا الحقيقيين لا بُدَّ من أن يكون الحلّ واقعياً، وأمام أصدقائنا وأشقائنا لا بُدَّ من أن يكون الحلّ عسكرياً، ويكون الحلّ أمنياً، ولا معنى لهذا إلاَّ أنَّنا فقدنا توازننا، وفقدنا شخصيتنا، كلّ ما عند السياسة العربية هي أنَّها كيف يمكن أن تسقط الانتفاضة وتسقط المقاومة.
أحاديث الساحة السياسية اللبنانية: نزع سلاح المقاومة:
إنَّ الحديث في لبنان، على الساحة السياسية اللبنانية، والذي يلتقي مع بعض الساحات العربية، هو كيف ينزع سلاح المقاومة تمهيداً لتجميدها أو إلغائها.
إنَّ أمريكا تطالب بنزع سلاح المقاومة الإسلامية في لبنان، يصرّح المسؤولين الأمريكيين دائماً: بأنَّ "إسرائيل" لا يمكن أن تنسحب من لبنان إلاّ إذا نُزع سلاح المقاومة وجُمّدت، ولكنَّ أمريكا لا تتحدث عن معنى وجود "إسرائيل" في لبنان، بل تتحدّث على ألسنة مسؤوليها: أنَّ على لبنان وسوريا كدولتين، أن يوقفا المقاومة عن الاعتداء على الجيش الإسرائيلي في الجنوب، أيّة وقاحة هي هذه الوقاحة؟ وأيُ عُهر هو هذا العُهر بتحميل الحكومة اللبنانية التي تحتلّ "إسرائيل" أرضها مسؤولية أن تمنع المقاومين من أن يقاوموا الاحتلال، ومن أن يحرّروا بلدها، وتريد من سوريا أن تمنع المقاومين أن يحرّروا بلدهم، ما معنى هذا الكلام؟ ونحن لا يمكننا إلاّ أن نحترم الكلام عن الحضارة الإنسانية، ولكنَّ المسألة هي أنَّ كلّ شيء إسرائيلي هو أمر حضاري حتى العدوان والوحشية والهمجية، فهي حضارة ويتقبلها الرأي العام الأوروبي، والرأي العام الأمريكي، أمّا إنسانيتنا، أمّا حريتنا، أمّا عدالتنا، أمّا سعينا لأن نحرر أرضنا وشأننا فذلك يعتبر حالة من حالات التطرف، والإرهاب واللاواقعية وما إلى ذلك.
لا نحترم إلاّ حريتنا وعزتنا:
نحن مع كلّ طلاب الحرية، مع كلّ المسلمين والإسلاميين، مع كلّ المجاهدين في أمتنا، مع كلّ الذين يتحرّكون في داخل الانتفاضة وفي داخل المقاومة، شيء واحد نحترمه هو حريتنا، استقلالنا، عزتنا، وعندما ننطلق في مواقع العّزة وفي مواقع الحريّة فإنَّنا لن نستمع إلى كلّ الذين ينظِّرون لنا عن حقوق الإنسان، لأنَّ حقوق الإنسان عندهم هي حقوق الإنسان اليهودي، لا الإنسان العربي، الإنسان الأوروبي الغربي، لا الإنسان المسلم، لذلك لن نحترم ذلك، الذين نحترمهم هم الذين يقدِّمون لنا في كلّ يوم حركة ترفع مستوى عزتنا وكرامتنا، نحترم الذين يتمرّدون على الواقع السيّئ، الذين يقدّمون الشهداء في فلسطين، وفي البقاع الغربي وفي جبل عامل، ننحني لهؤلاء تعظيماً وإجلالاً، لأنَّهم استطاعوا أن يصيبوا "إسرائيل" بمواقع الألـم في عنفوانها، لأنَّ المجاهدين يقتحمونها في العمق، فيواجهونها وجهاً لوجه، سلاحاً بسلاح، وموقفاً بموقف.
أين دُعاة حقوق الإنسان من المجازر الإسرائيلية بحقّ شعبنا:
ولا تجد هناك صوتاً يرتفع من أمريكا وأوروبا ومن كلّ دعاة ومنظمات حقوق الإنسان، لينتصر للمدنيين في لبنان من قصف "إسرائيل"، فلو قصف المجاهدون العمق اليهودي في فلسطين المحتلة، وقتلوا مدنياً واحداً، أو طفلاً واحداً، أو امرأة واحدة، فإنَّ كلّ وسائل الإعلام في العالـم تستنفر كلّ أجهزتها من أجل أن تتحدّث عن "وحشية هؤلاء المتطرفين" وعن عدم إنسانيتهم، لأنَّهم قتلوا طفلاً يهودياً، شيخاً يهودياً، أمّا أن يُقتل في كلّ يوم لنا أطفال وشيوخ ونساء ومدنيون، وتخرّب لنا بيوتنا، فإنَّ العالـم لا يتحرّك، وإذا أراد أن يتصدق علينا، فإنَّهم يتصدقون بتصريح يتحدّث فيه المسؤولون الأمريكيون فيقولون: إنَّنا ضدّ العنف، وأنَّ البلد لا بُدَّ أن يتحرّك في نطاق معين من أجل السلام، وما إلى ذلك، ويقدّمون لنا المواعظ والنصائح والتحذيرات والرسائل السياسية من وراء الكواليس لتخويف هذه الدولة أو تلك، ولكنَّهم يقّدمون لـ "إسرائيل" في كلّ يوم سلاحاً متقدماً، فنحن نُقتل بالسلاح الأمريكي، أطفالنا وشيوخنا ونساؤنا تقتلهم أمريكا بيد "إسرائيل"، لأنَّها قرّرت أن تعطي "إسرائيل" كلّ الحرية في أن تقتلنا وأن تدمّرنا وأن تقصفنا، فكيف يمكن لنا أن نحترمها، أو ننطلق لنتحالف معها وهي التي تعيش التحالف المطلق والاستراتيجي مع العدوّ، ولا تعطينا شيئاً واحداً في هذا المجال.
على المقيمين في المنطقة الحدودية مساعدة المجاهدين في عملية التحرير:
نحن نريد لأهلنا المقيمين في المنطقة الحدودية، من لبنان، الذين يعيشون ظروف المجاهدين أن يعملوا في حجم ظروفهم وفي حجم قدراتهم على مساعدة المجاهدين، ليمتلك المجاهدون فرصة أكبر في التحرير، لأنَّ النّاس الذين يعيشون داخل الاحتلال إذا كانوا يتعاونون مع النّاس الذين يجاهدون ضدّه فإنَّ ذلك يساعد على تقريب فرصة التحرير بإذن اللّه.
الحرية لا تعني أن تنعزل عن محيطك:
إنَّ بعض النّاس في لبنان يفهم مسألة حرية لبنان انحناءً لأمريكا، وبعضهم يفهمها انحناءً لأوروبا، والبعض الآخر يفهمها انحناءً لـ "إسرائيل"، وآخرون يفهمونها عناداً للعرب وما إلى ذلك.
أيُّها اللبنانيون: عندما تفكّرون بالحرية فكّروا بأن تكون لكم الحرية التي تنفتح على صداقاتكم في ما يمكن أن يرفع مستوى البلد ويحلّ مشكلته. عليكم ألا تساووا بين العدوّ والصديق، وألا تساووا العدوّ بالشقيق، كما أنَّنا نرفض أن نكون في حالة انحناء في علاقاتنا مع كلّ العالـم، الذي ينطلق فيه القوي ليفرض إرادته على الضعيف. ولكنَّ الحرية لا تعني أن تنعزل عن محيطك، عن أصدقائك، عن أشقائك، وهناك فرقٌ بين أن تكون حراً تتكامل مع الآخرين، وبين أن تكون حراً تنحني للآخرين.
ولذا فإنَّ الحرية هي التكامل الواقعي مع كلّ محيط الإنسان، ومع كلّ الأفق الذي يرفع مستوى البلد. من هنا ندعو اللبنانيين إلى أن يتّحدوا، وأن لا يرفعوا الشعارات بانفعال، كما ندعو كلّ المقامات السياسية والدينية، والإعلامية إلى أن يختصروا كلّ هذا الحماس وكلّ هذا الانفعال لأنَّ البلد لا يزال يعيش في حالة اهتزاز، وحالة الخوف من الانهيار.
التحرّك في المتاهات السياسية لا يبني بلداً:
لقد سمعنا الكثير من الأقوال والكلمات التي تتحدّث عن التقسيم، وتتحدّث عن العقدة ضدّ الآخر، فنقول للجميع:
أيُّها اللبنانيون: حاولوا أن تنطلقوا من خلال وحدة البلد ثـمَّ بعد ذلك تحاوروا في كيف يمكن أن ترتبوه، لأنَّ الصراخ والمقاطعة والسلبية واللامبالاة والتحرّك في المتاهات السياسية لا يمكن أن يبنيَ بلداً، ولا يمكن أن يثبت واقعاً.
أمريكا تصنع المشاكل
وتُمارس استكبارها(1)
عندما تعيّن أميركا سفيراً لها في لبنان، يُهلّل الوسط السياسي والوسط الإعلامي: لقد نزلت البركة على لبنان، وهذا دليلٌ على أنَّ لبنان بدأ يتعافى لأنَّ السفير الأمريكي جاء إليه، يستقبل السفير الأمريكي في لبنان استقبالاً مميزاً حتى عن بقية السفراء، سواء في مقابلاته للمسؤولين، أو في مقابلاته المتنوعة الصحفية، النّاس عندما يتحدّثون مع السفير الأمريكي يتحدّثون حتى يعرفوا منه، هل يتفاءلون أم يتشاءمون؟، لأنَّه يحمل السرّ وكلمة السرّ، ونحن نشعر عندما ندرس طريقة الاستقبالات التي يُستقبل بها السفير الأمريكي، فنتصور بأنّ المسؤولين في لبنان يستقبلونه كما لو كان المندوب السامي، وكما لو كان حاكم لبنان غير الرسمي، هذا واقع ما نراه، كما نلاحظ أنّه هو الذي يوزّع إمكانات التفاؤل والتشاؤم بالمستقبل الآتي.
وعندما تقرّر الحكومة(2) اللبنانية دخول الجيش إلى الجنوب، لا تستطيع الحكومة أن تفعل ذلك، ولـم تستطع حتى الآن أن تنفّذ دخول الجيش للجنوب إلا بعد أن تتعرف على آراء الدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة، يعني أمريكا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، والصين؟ باعتبار أنَّ هؤلاء يملكون أن يضغطوا على "إسرائيل" لتوافق على دخول الجيش إلى إقليم التفاح(3)، أو إلى الجنوب كلّه، حتى تتمكّن الحكومة اللبنانية أن تقرّر ذلك. أي أنَّنا لا نستطيع أن ندخل الجيش للجنوب إلا إذا وافقت "إسرائيل"، وإلاَّ إذا ضغطت الدول الكبرى على "إسرائيل"، أيّ سلطة هي هذه السلطة في لبنان التي لا تستطيع بسط سلطتها على كامل التراب اللبناني؟! إلاَّ بعد أن تحوز على موافقة "إسرائيل"، نحن نحتفل بعيد الاستقلال في كلّ سنة، استقلال مَن؟ واستقلال لمن؟
ماذا نفعل لنصبح أقوياء؟
المسألة التي نواجهها هي أنّ القضايا التي نتحرّك لأجلها سياسياً، من الصعب جداً أن يستقل القرار فيها لبنانياً، بل لا بُدَّ أن يأتي القرار من الخارج، ولهذا لا بُدَّ أن نفهم المواقف جيّداً، ونفهم طبيعة اللعبة. قد يقول بعض النّاس أنّنا ضعفاء لا نملك سلاحاً، ولا نملك جيشاً مدرّباً كما هي الجيوش الموجودة في مواقع أخرى، صحيح ذلك، ولكن لماذا نصرّ دائماً أن نبقى ضعفاء؟ لماذا نعمل دائماً على أن نكون أقوياء على بعضنا البعض؟ لماذا تنشغل الدولة بكلّ الحرتقات السياسية الاستفزازية على مستوى حصة هذه الطائفة وتلك الطائفة، وتوازن القوى لهذه الطائفة، أو لتلك الطائفة، و "إسرائيل" تقصفنا في كلّ يوم، "إسرائيل" تقصف البقاع الغربي، تقصفه قصفاً وحشياً بحيث إنَّها ترسل قذائفها إلى المناطق السكنية، البعيدة عن المناطق الأمنية للمقاومة، ومع ذلك، ليس في الأمر مشكلة عند الوسط السياسي، سوى بعض التصريحات التي يتصدّقون بها على الضحايا، وليس هناك تحرّك رسمي جدّي سوى الأسف لهذا العنف المتبادل، و "إسرائيل" تأخذ حريتها في أن تقصف اللبنانيين، وتقصف الفلسطينيين، وتقتل وتدمّر وتجرح، ونحن مشغولون بالجدل حول من يدخل هذا الوزارة، ومن لا يدخل تلك الوزارة؟ وكيف يمكن أن نحقّق المصالحة وغير ذلك(1)؟
أمريكا تصنع المشاكل ولا تحلّها:
ونحن نواجه المشاكل في لبنان، نعرف أنَّ الفتنة قد بدأت من أمريكا، فقد خطط لها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر"، خطط للفتنة اللبنانية بكلّ مفرداتها، ولا يزال يطرح أفكاره في أزمة الخليج الذي سقط خلالها العدد الكبير من الضحايا، وأمريكا تتحمّل المسؤولية عن ذلك لأنَّها كانت تلعب أكثر من لعبة مزدوجة في كلّ الواقع الذي عشناه، علينا ألا ننسى ذلك، وعلى الذين يفكّرون بأنَّ أمريكا هي التي يمكن أن تحلّ لهم مشاكلهم سواء على مستوى المصالحات التي يبرمجها السفير الأمريكي(2)، أو على مستوى الحلول التي أوحت بها أمريكا لقمة الدار البيضاء والتي أنجبت اتفاق الطائف وما بعده، إنَّ أمريكا لن تحلّ المشكلة إلا على طريقتها، وقد عوّدتنا أنّها عندما تحاول أن تنزع ألغاماً من أيّ أرضٍ فإنَّها تزرع ألغاماً أخرى في جانب آخر من الأرض، لأنَّها تتعامل في سيطرتها على كلّ الواقع مع كلّ الألغام التي تزرعها، سواء كانت ألغاماً سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو ما إلى ذلك. لذلك نقول للذين يعتبرون أنَّ أمريكا سوف تحلّ الأزمة اللبنانية ويوسطونها لذلك: لقد كان الأمريكيون في حرب السنتين(3) يأتون إلى المعارضة في لبنان ليتحدّثوا حديثاً، ثمَّ يذهبون إلى المنطقة الشرقية ليتحدثوا حديثاً آخر، وهم يسعون للصلح بينهم كانوا يعقّدون المسألة أكثر. أمريكا تصنع المشاكل لا تحلّ المشاكل.
أمريكا تمارس أخطر أنواع الاستعمار:
إنَّ عالمنا المستضعف وعالمنا الإسلامي وعالمنا العربي، لا يستطيع أن يثق بأمريكا، صحيح أنَّ أميركا لا تستعمر بلادنا كما استعمرتها بريطانيا وفرنسا، ولكنَّ الاستعمار الأمريكي غير المباشر أخطر من ذلك. هي تستعمر بلادنا من خلال مَن جعلتهم حكّاماً علينا، لا تكلّف نفسها أن تقاتلنا، بل تكلّف بالنيابة عنها من يقتل الشعوب باسم الأمن، وباسم حالة الطوارئ. المسألة هي هذه. ونحن نريد أن نقول لكلّ هؤلاء الذين يريدون أن يحكموا باسم أمريكا في العالـم العربي والإسلامي، إننا نقول لهم: إنَّكم تمثّلون رموز الحكم في بلادكم، نطلب منكم إجراء استفتاء حرّ، ولتسألوا النّاس ما هو موقفهم من أمريكا؟، هل يؤيدون السياسة الأمريكية التي ينتهجونها، هل يؤيدون التحالف الأمريكي الذي تنطلقون فيه وتتحالفون فيه معها؟. لن تجدوا عشرة بالمائة من الشعوب العربية والإسلامية، وكلّ شعوب العالـم الثالث، مَن يقول لكم: إنَّنا نؤيّد أمريكا. ستجدون أنَّ أغلب شعوبكم ترفض سياستكم، وأنَّ أغلب شعوبكم ترفض أمريكا في العمق.
لسنا معقدين من شعوب الغرب، سواء كانت الشعوب أوروبية، أم أمريكية، لكنّنا معقّدون من الإدارات التي تصنع لنا المشكلة، وتصنع لنا الأزمة، وتصنع لنا الفتنة، وتحاول أن تجعلنا نُخرِب بيوتنا بأيدينا من خلال مَن جعلتهم حرّاساً غير أمناء علينا.
السياسة الأمريكية في المنطقة(1)
ما لاحظناه في كلّ اللعبة السياسية العربية والدولية في مسألة المقاومة في جنوب لبنان والبقاع الغربي والانتفاضة في داخل فلسطين، أنَّ هناك عملاً يتحرّك على مستويات سياسية وأمنية وإعلامية وشعبية وربَّما دينية، بهدف الانتهاء من كلّ أعمال المقاومة ضدّ "إسرائيل"، سواء كانت هذه الأعمال في داخل فلسطين أو في خارجها، لأنَّ السياسة العليا التي ينطلق فيها الشيطان الأكبر أمريكا، تريد إلغاء كلّ واقع التحدي للوجود الصهيوني في المنطقة باسم السلام وباسم الأمن، ونحن نعرف أنّ أمريكا قد تفكّر بحلّ المسألة الفلسطينية، ولكن بشرط ألا يكون هناك مقاوم، لا في فلسطين ولا في خارجها، يمكن أن يقول لا لأيِّ حلٍّ من الحلول التي تريدها أمريكا للمسألة الفلسطينية، المسألة هي أنّهم يريدون أن يسقطوا كلّ التحدي وكلّ مقاومة لـ "إسرائيل" حتى تستطيع أن تبقى حيث تريدها أمريكا، أقوى قوّة عسكرية وسياسية في المنطقة.
لذلك نجد أمريكا لا تحرّك ساكناً في أيّ موقع يمكن أن يحرَج فيه المشروع الإسرائيلي، قد ترى أمريكا في بعض الحالات، بعض أساليب الإدانة الإسرائيلية، لكنّها ليست مستعدة أن تضغط على "إسرائيل" لتنفّذ ما يتطلبه منها السلام. لأنَّها تريد لـ "إسرائيل" المتحالفة معها استراتيجياً، ألا يضايقها شيء، وأن تنفّذ مشاريعها من دون إزعاج، لقد احتلّت "إسرائيل" الضفة الغربية وغزة، التي هي بحسب قرارات مجلس الأمن خارجة عن نطاق دولة "إسرائيل"، ولـم تحرّك أمريكا ساكناً منذ العام 67، واحتلّت "إسرائيل" الجولان ولـم تحرّك أمريكا ساكناً، واحتلت "إسرائيل" جنوب لبنان ولـم تحرّك أمريكا ساكناً، ما معنى ذلك؟ معناه أن أمريكا تعمل على أساس أن نكون كعرب وكمسلمين، في الموقع الأسفل، وأن تكون "إسرائيل" في الموقع الأعلى.
هذه هي مجمل السياسة الأميركية. ومن الطبيعي، أنّنا كمسلمين، لا يجوز لنا أن نقبل بذلك، على الأقلّ إذا لـم تستطع أن تغيِّر المنكر بيدك وبلسانك ارفض بقلبك ما تخافه، ارفض أن تصل المسألة في العالـم العربي وفي العالـم الإسلامي إلى ما وصلت إليه لدى حكام العرب والمسلمين. لقد اعتبروا أنَّ "إسرائيل" أصبحت أمراً واقعاً وعلينا أن نقبل بها، وبدأ وزير خارجية أمريكا "بيكر" يفكّر أنّه لا بُدَّ أن تقوم أمريكا والمجتمع الدولي بإيجاد نظامٍ إقليميٍ أمني للمنطقة تشارك فيه دول المنطقة بما فيها "إسرائيل"، بمعنى أنّه سيكون نظام أمني تدخل فيه "إسرائيل" مع الدول العربية لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، التي تحاول أمريكا أن تعطيها اسم الشعوب المستضعفة، هذا يعني أنَّ أمريكا الآن يمكن لها أن تدعو إلى وحدة عربية تشارك فيها "إسرائيل" هكذا تبدو لنا صورة المستقبل.
أمريكا تريدنا كالهنود الحمر:
وما أريد قوله هنا، هو أنَّه عندما نحاول أن نستسلم لهذا الواقع وأن نسبِّح بحمد أمريكا ونقدس باسمها بدلاً عن التسبيح بحمد اللّه وتقديسه، فكيف يكون المستقبل؟ هل نرضى أن نكون مثل الهنود الحمر في أمريكا. أمريكا أبادت الهنود الحمر ونحن سنكون هكذا نشرَّد من مكان إلى مكان. أمريكا مهتمة كيف تدفع المال وكيف تصنع الميزانيات، كي تمكِّن "إسرائيل" من احتواء اليهود السوفيات، أو اليهود الحبشيين الفلاشة، وكيف ترتب لهم أماكن شيطانية، وفي الوقت نفسه يهجّر الفلسطينيون من فلسطين، وأمريكا لا تعتبر أنّ حقوق الإنسان الفلسطيني قد أسيء إليه.
أمريكا من خلال سياستها الداعمة لـ "إسرائيل"، ومن خلال سياستها الهادفة إلى صنع الفتنة اللبنانية، تنظر إلينا كحيوانات، ولذا نرى أنَّه إذا سقط إسرائيليٌّ واحد، في عملية للانتفاضة أو للمقاومة، رأساً يتحرّك رئيس الولايات المتحدة، ويرسل برقية تعزية للرئيس الإسرائيلي، ولكن أن يقتل العشرات والمئات بعد الألوف من أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني، فإنّ أكثر ما يمكن أن يصدر عن أمريكا هو: بيان يأسف للعنف المتبادل.
كلّ العالـم بدأ يلهج بالحديث عن بدء العصر الأمريكي، وأخذت أمريكا تصوَّر على أنّها إله الأرض، وبالتالي فما على النّاس والدول إلا أن تنصاع لرغباتها، وأن تخضع لمطالبها السياسية والاقتصادية والأمنية..
يُراد لنا الخضوع للعصر الأمريكي:
يُراد لنا أن نعتقد أنّ العصر الأمريكي قد بدأ بإيجاد مناخ إحباط نفسي يمنع أيّ حركة رفض أو مواجهة في هذا المجال. وهذا ما نلاحظه من خلال حركة أمريكا في الخليج، حيث قادت العالـم كلّه إلى أن يقف معها في أزمة الخليج تحت عنوان تطبيق قرارات الأمم المتحدة، واشترطت على الجميع عدم الربط بين مسألة الخليج والمسألة الفلسطينية، لماذا لا يتمّ الربط بين هاتين الأزمتين؟ بالرغم من أنَّ لكلتيهما وجهاً إنسانيّاً، واضحاً وجليّاً، هذه أزمة فيها جانب إنساني وتلك أزمة فيها جانب إنساني أيضاً.
إننا عندما نعيش مشكلة صعبة ونشعر أنّ العالـم محتاج إلينا في هذه المشكلة، لا بُدَّ أن نربط كلّ قضايانا بهذه المشكلة حتى نشكل عنصر ضغط، لكن مع الأسف، هناك كثير من الدول العربية والإسلامية تقول: ليس من المفروض أن نربط بين الأزمتين، لماذا تكون قرارات مجلس الأمن مقدسة عندما تكون في أزمة الخليج، ولا تكون مقدّسة عندما تكون في الأزمة اللبنانية أو الأزمة الفلسطينية، لماذا؟ كنت أسمع رئيس الولايات المتحدة يتحدّث عن الإنسانية التي يعيشها الشعب الكويتي، وعن الفظائع التي يقوم بها النظام العراقي في الكويت، وكيف أنَّ أميركا تقف ضدّ هذه المظالـم وضدّ صنع الآلام للإنسان في الكويت، لكنَّ الفظائع التي تقوم بها "إسرائيل" في الضفة الغربية وغزة والفظائع التي تقوم بها "إسرائيل" في لبنان عندما تقتل الأطفال، كلّ هذه الممارسات اللاإنسانية مؤلمة وفظيعة. ومع ذلك لـم تهتزّ الأريحية العاطفية للرئيس الأميركي بل ذكر أنَّ أمريكا تطلق عنوانها وممارستها بحسب مصالحها، وهي لو لـم يكن لديها مصلحة في انسحاب العراق من الكويت لما قامت بما قامت به. ولأنَّه ليس لها مصلحة في انسحاب أو زوال "إسرائيل" من الأراضي الفلسطينية فهي لا تحرك ساكناً، وكذلك فيما يخص جنوب لبنان، من تجميد لدخول الجيش إلى الجنوب ـ الذي حصل من خلال التنسيق الأمريكي الإسرائيلي على ألاَّ يتغيّر الوضع في جنوب لبنان، بحيث تبسط الدولة سلطتها على الجنوب لتقول لـ "إسرائيل" انسحبي على أساس قرار 425، المسألة هي أنَّ الوقت لـم يحن حتى الآن، ولذلك فإنّ من مهمة النشاط الأمريكي في لبنان ألاّ تكون هناك أيّة مشاريع سياسية أو أمنية تملك القوّة التي تفرض على "إسرائيل" الانسحاب بمقتضى قرارات الأمم المتحدة، ولذلك فإنَّ مثل هذه الأمور حتى لو حدثت فإنَّه لن يسمح للجيش اللبناني بأن يكون قوياً، ولن يسمح للاقتصاد اللبناني أن يكون قوياً، لأنّ المطلوب إبقاء اللبنانيين مشدودين فقط إلى العالـم في كلّ هذه اللعبة... لعبة الأطفال الكبار.
تكامل الجيش مع المقاومة:
لا بُدَّ أن نطلّ على مسألة الجنوب وعلى الجدل الدائر حول مسألتي المقاومة والجيش، إنَّنا نطمح أن يتكامل الجيش مع المقاومة، ونحن نعرف أنَّ للجيش ظروفه السياسية وظروفه الأمنية في هذا البلد، حيث يعيش الجيش في جوّ سياسي معقد، وكذلك فإنَّنا ندعو إلى وقف الأحاديث الإعلامية التي تحاول أن تُربك أوضاع الجيش سياسياً، ولكنَّنا نقول: إنَّ واجب الجيش في العمق هو أن يحرر بلده، كما هو واجب المقاومة في العمق أن تحرّر بلدها.
إنَّ مهمة الجيش لا تنحصر في أمن الداخل فحسب، بل من مهماته أن يحفظ الأمن في الخارج والداخل على حدّ سواء. ونحن نعرف إمكانات الجيش والمشاكل الداخلية التي يعيشها، كما أنّنا نعرف إمكانات الدولة والتعقيدات التي تعترضها، ولكنّنا نرفض أن يتحدث أيّ مسؤول في الدولة بطريقة سلبية عن المقاومة، أو بأيّ طريقة فيها أيّ نوع من أنواع التحدي لها.
المقاومة أربكت واقع العدو:
المقاومة هي التي استطاعت أن تربك كلّ مواقع العدوّ في لبنان، ولولا المشاكل التي عاشتها ـ فيما فرض عليها من فتنة الداخل ـ لأصبح ما يُعرف بـ "جيش لبنان الجنوبي" في خبر كان، وهذا ما حصل بالفعل عندما كانت المقاومة تنطلق في عملياتها من مواقع القوّة بشكل مدروس، مما جعل ما يُسمى بـ "جيش لبنان الجنوبي" الذي يمثّل الدرع الوقائي لـ "إسرائيل" في لبنان يتفتت، ولكن هذا الجيش شرب حليب السباع عندما وصلت الفتنة إلى ساحة المقاومة، حيث وَجِّه السلاح الذي كان يجب أن يُوَجّه إلى "إسرائيل" إلى صدور المقاومين.
مقاومة الاحتلال حقّ مشروع تقرّه الأنظمة الحضارية في العالـم:
إنَّ على الدولة اللبنانية أن تعرف أنَّ كلّ الأنظمة الحضارية في العالـم تبرّر لأيِّ شعب ولأيِّ دولة ولأيِّ جيش أن يدافع عن بلده، وأن يقاتل دفاعاً عن حرية بلده، وبلدنا مُحتلٌ من قِبَل "إسرائيل"، ومياهنا مسلوبة من قِبَل "إسرائيل".
إنَّنا نقول لبعض المسؤولين الذين يستهلكون التصريحات بدون دراسة للأبعاد السياسية التي تنطلق منها: "قليلاً من الحياء"، لأن المسؤول لا بُدَّ أن يتحدّث بقوّة وبانفتاح على الذين يريدون أن يحرّروا بلدهم، والذين يريدون أن يكونوا القوّة التي تواجه العدو، لتتكامل مع قوّة الجيش، ولتتآخى مع جنود الجيش، ولتنسّق دون إعلام عن هذا التنسيق.
إنَّ على كلّ هؤلاء أن يكونوا في مستوى مسؤولياتهم، في مستوى معنى الحرية، وليتحدّثوا عن المجاهدين بالاعتزاز بدلاً من أن يتحدّثوا عنهم بأيّ شيء إلاَّ الاعتزاز.
المشكلة في التربية لهذا الجيل من السياسيين:
المشكلة هي في التربية السياسية التي رُبّيَ عليها هذا الجيل من السياسيين في لبنان، التربية التي تقول للّبنانيين: قتالكم مع بعضكم ليست فيه مشكلة، أمّا أن تقاتلوا أمريكا أو "إسرائيل"، تلك هي كلّ المشكلة!! أصحيحٌ أنَّ هذه هي المشكلة؟ إنَّهم هم المشكلة!
لا شرعية للإرهاب اليهودي(1)
في غفلة من الزمن جاء اليهود واستغلوا ضعف المسلمين وأسّسوا دولة. وإذا ما طالب الشعب الفلسطيني بحريته وحقوقه المشروعة نُعت بالإرهاب، وعندما يقتحم اليهود الأرض التي كانت أرضه توصف عملياته بالإرهاب، وهكذا أصبح هذا الشعب مشرداً خارج أرضه، ومضطهداً في داخل أرضه، ومعدّاً للتشريد بعد ذلك من أرضه، عندما نلاحظ هذا الواقع، علينا أن نواجهه بمسؤولية، وفي الحدّ الأدنى علينا أن نُبقي عقولنا وأفكارنا مفتوحة على قضايا المسلمين، وأن لا نُدخل إلى عقولنا فكرة أنّ الاحتلال الإسرائيلي هو وجود شرعي في فلسطين، لأنَّ الأمر الواقع مهما فرض بقوّة فإنَّه لا يُعطي الشرعية، فالشرعية لا تُفرض بالقوّة العسكرية، وإنَّما تُفرض فقط بقوّة الحقّ والعدالة.
منح العدو أيّ شرعية اعترافٌ بجرائمه:
هذا في جانب، وفي جانب آخر، فإنَّنا إذا ما منحنا العدو الصهيوني الشرعية التي يبحث عنها، أي إذا ما اعترفنا به وأقرينا له بحقّه بالوجود فيما بيننا، ماذا نكون قد عملنا؟ نكون بكلّ بساطة قد منحناه براءة على الأعمال العدوانية التي قام بها لاغتصاب الأراضي الفلسطينية وغير الفلسطينية، ونكون قد أقرينا بحقّه في هذه الأراضي على حساب الإسلام والمسلمين عموماً، وعلى حساب الفلسطينيين خصوصاً، كما نكون في الوقت نفسه قد أقفلنا الطريق أمام تبيان الصورة الحقيقية للعدو الصهيوني الذي يُقدَّم على أنَّه المعتدَى عليه في نظر الشرعية الدولية والنظام الدولي.
أعقد قلبك على رفض المنكر، وعدم الاعتراف به، ولا تعترف بكلّ المفهوم الاقتصادي والسياسي الذي يعتبر ثروات الشعوب ملكاً للمستكبرين، قد لا نستطيع في فترة من الفترات أن نعمل شيئاً، لكن عندما تكون الإرادة موجودة في العقل وفي القلب وفي القرار فإن من الممكن أن يأتي الظرف الذي تستطيع من خلاله أن تحرّك ما تريد في هذا الاتجاه، المهم ألاّ يغلب الوهن على أفكارنا، وعقولنا، وقناعاتنا، كي نبقى قادرين على الحركة بالاتجاه الصحيح.
السكوت عن المنكر يجعل الظلم مستشرياً:
وثمة نقطة مهمة هنا ألا وهي، أنّ السكوت عن المنكر يجعل الظالـم والمعتدي يتمادى في غيّه وظلمه وعدوانه.. انظروا مثلاً ماذا حدث عندما احتل اليهود فلسطين ولـم يؤخذ على أيديهم، كان أن وسّعوا من أطماعهم حتى شملت سوريا ولبنان والأردن ومصر.. الخ.
وهكذا.. يمكن أن يتوسعوا أكثر نتيجة السكوت عنهم، فعندما يغتصب أحدٌ دار جارك ولا تحرّك ساكناً، عندها عليك أنّ تتوقع أن دورك سيأتي لاحقاً، مثلما قال الشاعر:
من حُلِقـتْ لحيةُ جارٍ لَهُ فَلْيسكبِ الماء على لحيَتِهْ
أي إذا ما حُلقِت لحية جارك فاسكب الماء على لحيتك استعداداً لحلقها، لأنَّ دورك آتٍ بعده، وكما أنَّ هناك حلاقة شعر، فإنَّ هناك أيضاً حلاقة أوطان، وحلاقة قضايا، وحلاقة مبادئ.. وهذا شيء علينا أن نفهمه كقضية إنسانية في الحياة كلّها.
لهذا نلاحظ أنَّ الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، شعب الانتفاضة يعاني الوحشية الإسرائيلية كأبشع ما تكون الوحشية، وبالرغم من كلّ ذلك لا نجد هناك أيّ حديث أمريكي وأوروبي في أيّ مكان في العالـم عن معاناة هذا الشعب الذي أصبح منذ حرب الخليج مسجوناً في وطنه، ولا يزال يسقط في كلّ يوم شهداء، وينسف كلّ يوم منازل للمجاهدين أو لأهلهم. والعالـم بالرغم من كلّ ذلك غير مبالٍ ولا يهتزّ له جفن أو يتحرّك فيه شعور.
رئيس الولايات المتحدة(1) يقدم عرضاً لـ "إسرائيل" بقيمة أربعمائة مليون دولار حتى تستعين به على إسكان اليهود السوفييت الذين جاءوا إلى "إسرائيل" ليسكنوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذه هي العدالة الأمريكية، هذه هي إنسانية البيت الأبيض.. هذه هي الإدارة الأمريكية بكلّ قوتها ووحشيتها، هذه هي أمريكا. وهذا ما يجب أن ينطبع في عقولنا عنها.
لا تخلقوا المبرر الموضوعي لسيطرة أمريكا:
يمكن أن تدّعي الإدارة الأمريكية بأنها ستسعى للحلّ، لأنَّ أمريكا تريد أن تجعل "إسرائيل" شريكة في النظام الدولي في المنطقة كلّها، هنا قد يتساءل البعض قائلاً: من المسؤول المباشر عن هذا المأزق العربي الجديد؟ ومن الذي مهّد الطريق وخلق الظروف الموضوعية لكلّ هذه الأجواء الجديدة سواء تلك المتعلقة بالتسوية أم برفع مركز "إسرائيل" في إطار النظام الدولي الجديد؟ أليس صدام باجتياحه للكويت هو المسؤول المباشر؟ أليس هو الذي أعطى الولايات المتحدة المبرر الموضوعي لكي يحشد كلّ هذا الحشد العسكري الدولي(1)، وبالتالي لتضع المنطقة برمتها في قبضتها العسكرية المباشرة، أو ليس صدام هو الذي أمعن أكثر فأكثر في تمزيق وشرذمة الوضع العربي الممزّق والمشرذم أصلاً؟ نحن نقول: كلّ هذا صحيح، والشطر الثاني الذي يجب ألا يتجاهل أو يتغافل عن رؤيته هو: أنَّ واشنطن كان بإمكانها معالجة القضية بغير هذا الأسلوب، وكان بإمكانها ألا تقطع حبل المصالحات السلمية وممارسة الضغوطات المباشرة وغير المباشرة، ولكنّها آثرت هذا الطريق لأنّه الأسرع والأفضل لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
ما نريد تأكيده هنا هو ألا نغفل عن طبيعة الخطر الأمريكي، خطر الأطماع الأمريكية على مصالح أمتنا في المنطقة.
معركتنا مع أمريكا معركة الحاضر والمستقبل:
فكلّنا يعلم مدى الأهمية الاستراتيجية الجغرافية و "الثرواتية" لهذه المنطقة من العالـم في حسابات المصالح الأمريكية، من هنا علينا ألاّ نتعاطى مع أمريكا وكأنّها قضاء وقدر، بل علينا أن نعمل على إضعاف وجودها، وأن نعتبر معركتنا معها معركة أجيال وبالتالي علينا ألاّ نجعله مستقبلاً لأجيالنا بحجة أنَّ أوضاعنا سيئة، بل علينا أن نعيد تنظيم صفوفنا، وتنظيم قوانا وقدراتنا وإدراجها بالطريقة التي تسمح لنا بالاستفادة من كلّ ما لها من القوّة والطاقة والقدرة، لكي نتمكن ـ ليس بالضرورة اليوم بل في المستقبل ـ من تحرير بلادنا من الاحتلال الأمريكي.
لقد أرادت الأنظمة العربية أن تدرأ الاحتلال العراقي للكويت، أن تواجه وحشية النظام العراق، لكنَّها بدلاً من أن تتوحد وتتعاون فيما بينها وتستعين بالقوانين الدولية للتصدي لهذا العدوان استعانت بمن هو أشدّ عدوانية ووحشية وأشدّ مقدرة على العبث وعلى نهب مقدرات بلادنا. وهكذا وقعت مناطقنا أكثر فأكثر في قبضة الاستعمار الأمريكي الأبشع في كلّ مشاريع الشعوب.
المقاومة مشروع أمّة(1)
إنَّ كلمة المقاومة وإن استخدمها النّاس في الجوانب الداخلية، لكنّ المقاومة بحسب المصطلح السياسي، مسألة تتصل بالجانب الخارجي، يعني تتصل بعملية تحرير البلد أو الأمّة، لأنَّها قد تكون على مستوى الوطن أو على مستوى الأمّة إذا تناولت القضايا التي تتصل بحياة الأمّة.
انتهى عهد الميليشيات في لبنان، هذا أمر مفهوم، لأنَّ هناك دولة ستتحمل مسؤوليتها وهي تجربة نريد أن نواكبها ونرجو لها النجاح، ولكن هل انتهى عهد المقاومات(2). لا نريد أن ندخل في جدل حول المقاومات؟ سنتحدث عن مقاومة "إسرائيل" بالذات. ينتهي عهد المقاومة في أيّ بلد عندما يتحرر البلد، وعند ذلك يُمنع أيّ مسلح من حمل السلاح خارج نطاق النظام العام في البلد، لأنَّ السلاح عندما ينتشر بين أيدي النّاس يخلق بشكل مباشر أو غير مباشر الفوضى، أمّا عندما يكون البلد محتلاً ومعه جيوش تخدم الاحتلال فإنَّ ذلك يصبح غير ممكن، كما هي حالنا في لبنان، لا نريد أن نتكلّم عن حالنا في الأمّة العربية والأمّة الإسلامية والقضية الفلسطينية وعلاقة القضية الفلسطينية بكلّ الواقع العربي والإسلامي، فهذا كلام إذا أثرناه وجدنا من يعترض علينا فيه، باعتبار أن لا شأن لنا كلبنانيين بغيرنا.
من يحرر الأرض؛ المقاومة المسلحة أم السياسة؟
لذا سنكتفي بالحديث عن لبنان الذي تحتل "إسرائيل" جزءاً من أرضه بشكل مباشر وهي المنطقة الحدودية، وتسيطر بشكل غير مباشر على الجزء الآخر منه، على الأقلّ في الجنوب والبقاع الغربي، فطيرانها يقصف في أيّ وقت، وسفنها تجول البحر بحريّة ودورياتها لولا المقاومة لجالت في كلّ مكان، أليس هذا واقعاً؟ يُقال: إنَّ الجيش موجود، ولكن هل يملك الجيش القوّة والقدرة الذاتية على مقاومة "إسرائيل" في إخراجها من المنطقة الحدودية ومنعها من العدوان اليومي على مواقع اللبنانيين والفلسطينيين؟ إذا كان الجيش يملك هذه القوّة، فلا ضرورة للمقاومة.. وطنية كانت أو إسلامية، لكن الواقع أنَّ جهوزية الجيش باعتراف الدولة اللبنانية غير مكتملة لا من ناحية التدريب ولا من ناحية السلاح، ونخشى أن نقول إنَّها غير مكتملة أيضاً من ناحية الوحدة بين أفراده نظراً للمشاكل التي أدخلته فيها معارك البلد السياسية أو الطائفية.
ثـمَّ إنّ السياسة الموضوعة للجيش - على الأقل في المرحلة الحاضرة - هي ألاّ يقاتل هذا الجيش "إسرائيل" لأنَّه غير قادر على القتال في هذه المرحلة، ونحن نتحفظ على هذا القول ونتساءل: ما البديل إذا طلبنا انتهاء عهد المقاومة؟ يقولون إنَّنا نريد أن نحرّر لبنان بالسياسة وليس بالعنف، لكنَّنا نعلم أنَّ هذا الكلام غير واقعي، لبنان احتُلّ واحتُلّت أجزاء من المناطق العربية المحيطة بفلسطين منذ سنة 1967 أو 1978 و 1982، لماذا لـم تستطع السياسة أن تحرّر لبنان في ذلك الوقت؟ ومن أخرج اليهود من داخل الجنوب، السياسة أو المقاومة؟ وأنّ مقاومة الشعب كلّه في ذلك الوقت مقاومة الزيت المغلي، والحجارة مع مقاومة المجاهدين هي التي حوّلت احتلال الإسرائيليين داخل لبنان إلى جحيم لا يُطاق، وأجبرتهم على الخروج منه، حتى إنَّ أحد الجنود الإسرائيليين عبّر لأحد الصحفيين عن كونه في الجنّة لمجرّد خروجه من لبنان الذي اعتبر التواجد فيه ناراً.
وإضافة إلى الاحتلال المباشر وغير المباشر، يوجد في لبنان جيش صنعته "إسرائيل" وفرضته على النّاس في المنطقة الحدودية، وسمتَّه "جيش لبنان الجنوبي"، وهو جيش يدافع عن "إسرائيل" وأمنها وسلامها، ويشكّل حزاماً أمنياً لحماية المستوطنات الإسرائيلية. ألـم يحن عهد فكّ هذا الحزام من الجنود الذي تتحزم به "إسرائيل"! وهل تستطيع الحكومة اللبنانية أن تحلّ ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي"، وكيف؟ لا بُدَّ أنَّ سبيلها إلى ذلك أن تتكلم مع أمريكا كي تضغط أمريكا على "إسرائيل"، هل يصدق عربي يحترم نفسه أنّ أمريكا يمكن أن تضغط على "إسرائيل" لمصلحة أيّ بلد عربي، لا سيما إذا كان ذلك البلد هو الأضعف بينها؟ ما هي مصلحتها في ذلك؟ وما هي أوراق الضغط التي يملكها كلّ العرب في أمريكا؟ المقاومة في لبنان والانتفاضة في فلسطين هما الورقتان الوحيدتان اللتان يمكن الضغط من خلالهما على أمريكا وعلى "إسرائيل"، لأنهما يؤثّران بشكل سلبي على المؤامرات والدسائس الأميركية التي تحاول أمريكا تغطيتها تحت شعارات "حقوق الإنسان"، وإذا سقطت هاتان الورقتان فماذا يبقى للعرب ليضغطوا من خلاله في سبيل تحقيق مطالبهم؟ يبقى فقط انتظار الصدقات الأميركية، وليس لدى واشنطن صدقات بل مطالبة دائمة للعرب بمزيد من التنازلات، إنّها تريد أن تنزع منهم حتى ورقة التوت، وأشكّ أن تبقى حتى هذه الورقة التي تستر بها السياسة العربية وضعها.
المقاومة ورقة ضغط رابحة:
سمعت عن أحد رؤساء العرب أنّه قال لبعض السياسيين في بلده: إنَّنا نطالب بالمؤتمر الدولي، ولكنّي أتساءل؟ لو حضرنا المؤتمر الدولي فما هي الإمكانات التي نملك من خلالها الضغط باتجاه أن يكون المؤتمر لمصلحتنا لا لمصلحة "إسرائيل"، ونحن نعرف أنّ أمريكا حاربت العراق من أجل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وقرارات الأمم المتحدة لا بُدَّ أن تنفّذ إذا كانت قرارات أمريكية، أمّا إذا كانت قرارات عربية فلا، خاصة إذا ما تعلّق الأمر بـ "إسرائيل".
أمريكا لا تفرض حلاً على "إسرائيل":
لقد صرّحت أمريكا بأنّها لن تضغط على الأطراف، وهي تعني أنَّها لن تضغط على "إسرائيل"، فالعرب يعرفون أنَّهم لا يمكن أن يكونوا موضوعاً لعدم الضغط الأمريكي هذا، وهي أعلنت أنّها لن تفرض أيّ حلّ بمعنى أنَّها لن تبعث أيّة قوّة أمريكية لإخراج اليهود من الضفة الغربية وغزة ولبنان ومن الجولان، أمريكا تدعو العرب والفلسطينيين إلى تقديـم التنازلات لـ "إسرائيل"، وهي تقبل ببقاء العرب تحت سلطتها في نطاق حكم ذاتي في الضفة الغربية وغزة بشرط أن تكون الأرض لها، هذا كلّ ما تقبل به "إسرائيل".
المقاومة هي التي تفرض حلاً على "إسرائيل":
ولا يزال اتفاق 17 أيار حياً في الذاكرة الإسرائيلية وهي لن تقبل بأقلّ منه، وهو يعطي لـ "إسرائيل" الحقّ في أن تشرف على كلّ أمن المنطقة الجنوبية، والحقّ في أن تمنع الطيران اللبناني عسكرياً كان أو مدنيا من التحليق في الجنوب إلا بموافقة "إسرائيل". لذا نريد أن نقول للدولة وللجمهورية الثانية(1): إنَّ المقاومة هي التي تستطيع أن تحقق لكم ما تريدون تحقيقه بالسياسة باعتبارها ورقة ضغط إذا شئنا أن نتكلم بهذه اللغة، أمّا أن تحارب الدولة المقاومة وأن تدخل في صراع معها لتشعر "إسرائيل" بالطمأنينة على حدودها، فإنَّ هذا التوجه لن يؤدّي إلى نتائج إيجابية لمصلحة الدولة، و"إسرائيل" ستطالب بالمزيد، وإلاّ ما معنى ألا توافق قوات الاحتلال على انتشار قوات الطوارئ الدولية إلى الحدود، وما معنى الحؤول الصهيوني دون أن يكون لهذه القوات فعالية؟ الجواب واضح، إنَّها لا تريد الحلّ لأنَّ لها أطماعاً بمياهنا وأراضينا وسياستنا ولن ترضى بالحلّ قبل الاعتراف لها بالأطماع.
إنَّ الأسلوب الذي تتّبعه الدولة في مواجهة الاحتلال لا يؤدّي إلا إلى تسليم كلّ الأوراق للإسرائيلي من دون أيّ ضمان في الحصول على مقابل معقول، وأمريكا في هذا المجال لا تشكل ضماناً لأنّها دولة لا مبادئ لها وتُريد أن تفرض الأمر الواقع لسياستها، وهي تلعب الآن وبشكل سياسي مع الدولة ومعارضيها في آن، وعندما تريد تعقيد الأمور تعمل على التعقيد، وعندما تريد تسهيلها لمصلحة ما تعمل على التسهيل.
المقاومة والجيش: التقاء لا انفصال:
عندما احتلّ النازيون قسماً من فرنسا كان الجيش الفرنسي والمقاومة الشعبية الفرنسية يسيران جنباً إلى جنب، وفي لبنان نحن نعلم أنَّ الجيش يواجه بعض الإحراجات على مستوى تحرّكاته أو مواقعه، ونقول: لا بُدَّ من إيجاد تكامل أو تنسيق بين الجيش وبين المقاومة، وعلى الجيش أن ينسّق مع المقاومة ولو بشكل غير رسمي، وعلى المقاومة أن تراعي ظروف الجيش وتحترمه، فنحن لا ندعو إلى نشر الفوضى في الجنوب لأنَّ المقاومة لا بُدَّ أن تعمل على مواجهة العدوّ من جهة وإضعاف عملائه في المنطقة الحدودية من جهة ثانية، وألا تُسيء إلى صمود أهل الجنوب، وما حققه تواجد الجيش بينهم من نتائج إيجابية على مستوى إيجاد الأمن ومنع التقاتل. نحن عندما نتكلّم عن المقاومة نتكلّم عن مقاومة مسؤولة تواجه الأهداف بشكل عاقل وتحسب حساب كلّ الأشياء، ولا نتكلّم عن مقاومة غوغائية أو فوضوية، هذه نقطة لا بُدَّ لنا أن نواجهها بمسؤولية حتى لا نعيش بالطريقة الاستهلاكية التي يُراد من خلالها تشويه صورة أقدس حركة عاشت في لبنان منذ تأسست، وهي حركة المقاومة سواء كانت إسلامية أو وطنية.
يوم القدس.. يوم الرفض للاستسلام(1)
إنَّ مسألة استيلاء اليهود على فلسطين وعلى بيت المقدس بالذات أمرٌ ذو دلالة، فـ "إسرائيل" تصرّ على أنّ تكون القدس عاصمة "إسرائيل" الأبدية، وهي تعتبر أنّ استيلائها على المنطقة يرتبط بالجانب الروحي الذي تمثّله اليهودية، مقابل الجانب الروحي الذي يمثّله الإسلام.
لذلك لم يُرِد الإمام الخميني (قده) - من دعوته المسلمين إلى التعبير في آخر جمعة من شهر رمضان عن تعاطفهم مع القدس ـ التعاطف مع القدس كبلد، ولكن كمنطقة تعتبر قاعدة لحرية المسلمين والمستضعفين، في مقابل ما تمثّله "إسرائيل" وكلّ القوى التي تدعمها - وفي مقدمتها أمريكا - من عقلية استكبارية تعمل على مصادرة حرية وثروات الشعوب، بما فيها حرية وثروات الشعوب الإسلامية. أراد الإمام للنّاس ألا ينسوا هذا الموقع الذي تتأثر به كلّ مواقعهم في العالـم، وكلّ مستقبلهم القريب والبعيد، لأنَّ "إسرائيل" إذا استقرّت في هذه المنطقة فسوف تعمل على احتواء كلّ المنطقة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً إذا لـم تستطع احتواءها جغرافياً، وهي تخطط لأن يأتي كلّ يهود العالـم إلى فلسطين وما حولها من أجل أن تتحول منطقتنا الإسلامية إلى قاعدة لليهودية في كلّ العالـم وهي تضغط كي لا تشكّل قاعدة إسلامية حتى في مناطقنا. إنَّها تعمل على هذا الأساس وتنسّق مع أمريكا لأجل ذلك.
ولذلك فإنّ الإمام الخميني (قده) لاحظ أنّ المسار السياسي كان يتحرّك على أساس إبعاد المسألة الفلسطينية عن كلّ المواقع الأساسية في حركة الشعوب وحياتها. كان ـ ولا يزال ـ يُراد للعرب وللمسلمين أن يفكّروا بأنّ "إسرائيل" أمرٌ واقع، وأنّ على كلّ فريق من الدول المحيطة بفلسطين أو بغيرها أن يفكّر بمشاكله الخاصة، لأنّ مسألة "إسرائيل" أصبحت مسألةً لا مجال للحديث عنها.
وعلى هذا الأساس بدأت السياسة العربية الرسمية تتحدث عن أنّ المسألة بين العرب وبين اليهود ليست مسألة صراع، وإنَّما هي مسألة نزاع.. تماماً كما يتنازع بلدٌ مع بلد.. وعملت أمريكا على محاصرة كلّ الساحات العربية بالفتن، وبالحروب، وبكلّ المشاكل الاقتصادية والأمنية، وبكلّ المنازعات الطائفية والمذهبية حتى لا تستقرّ المنطقة المحيطة بفلسطين.
أمريكا تعمل دائماً على إضعاف كلّ مواقع القوة المناهضة لـ "إسرائيل":
وعندما انطلقت الجمهورية الإسلامية وكان القدس عنواناً لسياستها، وتحدّثت عن الإسلام المنفتح على كلّ قضايا الحرية في العالـم، حاولوا أن يحاصروها بالحرب التي فُرضَت عليها لسنوات، وحاولوا أن يشوهوا صورتها، ولا يزالون يحاولون الفصل بينها وبين بقية البلدان الإسلامية بإثارة مسألة الشيعية والسنّية، ولا يزال عمل أمريكا على إضعاف كلّ المواقع المحيطة بفلسطين مستمراً، حتى ولو كانت هذه المواقع قريبة منها سياسياً، ولكنّ أمريكا تحسب بذلك حساب المستقبل، فهي ترى أنّ أيّ موقع للقوّة في المنطقة حتى ولو كان معها، يمكن أن يشكّل خطراً على "إسرائيل" في المستقبل عندما تتبدّل الظروف.
وهكذا رأينا أنَّ أزمة الخليج وحرب الخليج كانا من بين التخطيطات الأمريكية لإسقاط العراق كقوّة، بالرغم من أنّ السياسة العراقية قبل أزمة الخليج كانت من أقرب السياسات إلى أمريكا، وربما ازداد تحرّكها أكثر من أمريكا بعد الحرب لو بقي النظام الحالي فيها، ولكن كان يُقال: إنّ العراق أصبح قوّة لا لزوم لها، أو قوّة خطرة.. لأنّ قوّة العراق ضرورية لمواجهة إيران، أما بعد انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، أصبح من الطبيعي أن يفكّر العراقيون أو أن يفكّر العرب من خلال العراق بأن توجّه هذه القوة ضدّ "إسرائيل"، وهذا ما لا تريده أمريكا.
تدمير قوّة العراق:
ولذا أُسقطت قوّة العراق. وفي قرار وقف إطلاق النار أُريد للعراق ألا يقوم من سقوطه ولو بعد عشرات السنين، حتى عندما يأتي نظام عراقي آخر، يُمكن أن يحمل بعض الشعارات أو بعض الأفكار التي تتحدّث عن الحريّة، فإنّه يكون عراقاً ضعيفاً لا حول له ولا قوّة، مكبلاً بالقيود الاقتصادية ومدمّراً في كلّ مواقع السلاح عنده.
لذلك كان هدف أمريكا في علاقاتها الاستراتيجية مع "إسرائيل" هو ألاّ يبقى قويٌّ في المنطقة.. لاحظوا كم تحدّثت أمريكا قبل أزمة الخليج عن الأسلحة الكيماوية العراقية؟ وعن الأسلحة البيولوجية؟ وحاولت أن تصوّر وجود أسلحة ذريّة هي غير موجودة عند العراق؟ وحتى أنّهم تحدّثوا عن وجود صواريخ "سكود" عند سوريا! ولكنَّهم لـم يتحدثوا ـ ولو بكلمة واحدة ـ عن تدمير السلاح الكيميائي والبيولوجي والذرّي عند "إسرائيل"، لأنَّ تدمير أيّ سلاح إسرائيلي هو عمل ممنوع! أمّا تدمير كلّ أسلحة الدول العربية فأمر مطلوب ولا مشكلة فيه.
يجب أن تبقى القدس في البال:
الهدف ألا تشكّل الدول العربية خطراً على "إسرائيل"، أمّا أن تشكل "إسرائيل" خطراً على الدول العربية والإسلامية فهذا ليس فيه مشكلة. وهذا ما أدركه الإمام الخميني (قده)، فألزم المسلمين في حال أنساهم الواقع السياسي القدس، وهي الرمز المطلّ على كلّ التطلعات الروحية التي يستهدفها الإسلام في العالـم، بالتظاهر، لتبقى القدس والقضية الفلسطينية في البال، وكي تبقى كلّ القضايا المتصلة بالمسألة الفلسطينية في كلّ حركة المستضعفين ضدّ المستكبرين أيضاً في البال.
لن تضغط أمريكا على "إسرائيل":
هذا الواقع كان على هذه الصورة ولا يزال، بعد حرب الخليج أعطت أمريكا وعوداً بأن تحلّ مسألة الصراع العربي - الإسرائيلي، ولكن كيف؟ طرح الرئيس الأميركي "بوش" فكرة الأرض مقابل السلام، ولكنَّه قال إنه لن يضغط على "إسرائيل" من أجل ذلك، وعندما لا تضغط أمريكا على "إسرائيل" ضغطاً اقتصادياً فهل يمكن أن تتطوّع "إسرائيل" لتقبل بتقديـم الأرض مقابل السلام؟ وما حاجتها إلى السلام؟ وهي تعيش السلام بكلّ عمقه باعتبار أنَّ الدول العربية حولها أصبحت ضعيفة كلّها، فهي لا تملك أن تدخل حرباً مع "إسرائيل"، وليس عندها أيّ قرار بالدخول في حربٍ مع "إسرائيل" مهما كانت الظروف والنتائج.
الدول العربية أصبحت تفكّر- في المسألة الإسرائيلية - بعقلية دفاعية وليس بعقلية هجومية، فهي تفكّر فقط بكيفية الدفاع عن نفسها أمام هجوم إسرائيلي مرتقب هنا وهناك- لو حدث ذلك-.
لذلك نلاحظ أنّ جولات الرسميين الأمريكيين، ولا سيما وزير الخارجية الأمريكي، كانت تسعى لامتصاص النقمة بعد القهر الذي عاشته المنطقة والأمّة من خلال حرب الخليج ضدّ أمريكا من جهة، ولتطويع ما لـم يطّوع من مواقف العرب سابقاً لإسقاط كلّ المواقف أمام "إسرائيل" من جهة أخرى.
لا موافقة على إقامة دولة فلسطينية:
ما زال الجدل قائماً حول تفسير القرارات الدولية، موضوع التفسيرات هو: هل الانسحاب من الأراضي المحتلة، أو من أرضٍ احتُلّت، يرجّح لـ "إسرائيل" أن تحدّد مساحتها! إذاً لا دولة فلسطينية، والانسحاب غير معلوم. وفي الدائرة الفلسطينية لا مفاوضات مع منظمة التحرير، أمّا بخصوص الفلسطينيين الذين يتفاوضون مع "إسرائيل" بعد ثلاث سنوات من الحكم الذاتي، فقد أعلنت "إسرائيل" أنّها هي التي ستختارهم، ولن تقبل بفلسطينيين مفاوضين من القدس أو من المبعدين.
في ظلّ هذه الأجواء سعى وزير الخارجية الأمريكية "بيكر" لتسويق مؤتمر إقليمي تحضره الدول العربية و "إسرائيل" دون قيد أو شرط، ودون أن يُسمح للفلسطينيين أن يحضروا كشعب مستقل(1)، لأنَّ "إسرائيل" لا تقبل أن يُمثّلوا كشعب مستقلّ كما لو كانوا شعباً في دولة مستقلّة، فالمسموح فقط مشاركتهم ضمن بعض وفود الدول العربية الأخرى.
مستقبل أرض فلسطين لمن؟
ثمَّ تبدأ الحفلة الأولى من المؤتمر الإقليمي، مفاوضات ثنائية بين كلّ دولة عربية و "إسرائيل" لترتيب العلاقات بين "إسرائيل" والأردن! وبين "إسرائيل" ولبنان أو سوريا أو مصر أو أيّ دولة أخرى، دون أن يجري طرح موضوع المشكلة الفلسطينية في هذه المفاوضات التي تستهدف ترتيب العلاقات الثنائية، لكن متى يجري طرح هذه القضية التي تمثّل جوهر الصراع مع "إسرائيل"؟ والجواب عند الأمريكيين، هو بعد ثلاث سنوات، ولكن بين الفلسطينيين الذين تختارهم "إسرائيل"، وبين "إسرائيل"، وتتمحور هذه المفاوضات حول مستقبل الأرض، فليس محسوماً مستقبلها، والأسئلة القائمة في هذا المجال هي من قبيل هل تبقى "إسرائيل" محتفظة بالأرض؟ أو يمكن أن تعطيها للفلسطينيين ليكون لهم حكم ذاتي فيما تُبقِي السيطرة لها؟
إنَّ كلّ ما تقدّم يظهر أنّ الاتجاه العام هو لتمييع القضية الفلسطينية، هذا هو المسار الأمريكي الذي يخترق الصفوف ويمارس لعبة الإغراء والضغط حسبما يقتضي الموقف، ونحن نعرف أنَّ أكثر حكام الدول العربية موظفون لدى الاستخبارات المركزية الأمريكية، الأمر الذي يجعلهم عاجزين عن أن يقولوا ما يزعج واشنطن وتل أبيب، ورغم ذلك فهم يوحون بأنّهم مستقلّون بطريقة وبأخرى حتى تنجح التمثيلية!..
سقوط فلسطين بالمفاوضات:
ومع هذا الضعف العربي والإسلامي، الضعف في الإرادة والقرار والسلاح، وفي ظلّ الانسحاق أمام ما يسمّى بالواقع الأمريكي الجديد، تتجه الخطة لتسلّم كلّ فلسطين للقبضة الصهيونية دون أن يُسمح للفلسطينيين أن يعودوا إلى بلادهم، بينما يُسمح لكلّ يهودي بالهجرة إلى فلسطين واحتلال بيوت أهلها. وإذا سقطت فلسطين بالمفاوضات، وانتهت المسألة الفلسطينية، فإن معنى ذلك أنّ البلاد العربية والإسلامية يتهددها الكثير من المشاكل، لأنّ "إسرائيل" وبالتآمر مع أمريكا لن تسمح في المستقبل باستقرار المنطقة العربية، أو المنطقة الشرق أوسطية، لأن ذلك هو سبيلها إلى السيطرة على المقدّرات الاقتصادية التي سوف تُدمّر نتيجة الحروب المتحركة والمتنقّلة.
مفاوضات الذئب والحمل:
لذلك نحن - كمسلمين، كعرب، كمستضعفين، نعتقد بأنّه لا وجود لأيّ أمل بأيّ استقرار في المنطقة يخدم حرية شعوبها واقتصادها، إنّهم يحاولون إسقاط ما بأيدينا من قوّة، ويريدون إسقاط الانتفاضة باللعبة السياسية ـ بالإضافة إلى الهجمة العسكرية الإسرائيلية الشرسة - ويُريدون إسقاط المقاومة باسم المحافظة على ترتيب الوضع اللبناني كي تطمئن "إسرائيل" لنا، وكي تطمئن "إسرائيل" لأمنها، وبعد ذلك نذهب إلى "إسرائيل" طلباً للتفاوض معها.. من يضمن حقوقنا لو مشينا بهذا الاتجاه؟
أسقطوا الانتفاضة حتى يشعر العالـم أنَّ العرب معتدلون وليسوا متحرّكين من موقع العنف.
أسقطوا المقاومة حتى يعرفوا أنّ الدولة اللبنانية تسيطر على كلّ أراضيها. ثـمَّ بعد ذلك تفاوضكم "إسرائيل"، تفاوضكم وأنتم بدون أظافر وبدون أنياب، و"إسرائيل" تملك أنياباً ذرّية، وتملك أظافر من دبابات، من مدافع ومن صواريخ وما إلى ذلك.. أنت الذي تتحرّك دون قوّة ضغط السلاح، الذي سيُدمَّر أو سيُشغَل بالحروب الداخلية أو يقيّد استعماله بشروط، كيف يمكن لك أن تكون مفاوضاً تفرض شرطاً واحداً من شروطك؟ إنَّهم يريدون مفاوضة بين الذئب والحمل. وأنتم تعرفون أنه عندما يجلس الذئب والحمل في جلسة مفاوضات يفكّر الذئب في معدته ورغبتها في اللحم الطري وكيفية سنّ أسنانه كي يسهل عليه مضغ ذاك اللحم وبعد ذلك يدخل الحمل بكامله في جوف الذئب.
لذلك إنَّ السياسة التي تطرح في كلّ الواقع العربي، في ظلّ التخطيط الأمريكي هي سياسة لا تحمل أيّ معنى للسلام الذي يحفظ حرية الشعوب، وإنَّما تمثّل السياسة التي تحمل معنى الاستسلام لـ "إسرائيل"، والاستسلام لأمريكا.
ويبقى للعرب، كما بقي للفلسطينيين- الفلسطينيون تقول لهم "إسرائيل" في الضفة الغربية وغزة: خذوا حكماً ذاتياً إدارياً، والأرض لي، وأمريكا تقول للعرب: خذوا استقلالاً صُوَرياً، وأمناً إقليمياً صورياً، والنفط لي، واقتصادكم لي، وكلّ قراراتكم السياسية لي.
يوم القدس يوم الرفض:
نظام دولي جديد فيه كلمة واحدة: أمريكا سيِّدة العالـم، وعلى العالـم أن يخضع لها، وهذا ما يُراد للمنطقة أن تعيشه.. لذلك "يوم القدس"، يوم الرفض، نرفض فيه بألسنتنا إذا لـم نستطع الرفض بأيدينا، نرفض فيه بألسنتنا لينتقل الرفض من جيلنا إلى جيل أبنائنا وأحفادنا، لتنتقل قضية القدس كموقف سياسي إسلامي، أو كموقف للمستضعفين كلّهم مع الأجيال كلّها، وسيأتي جيلٌ ندخل معه المسجد كما دخلنا من قبل، ولا بُدَّ من أنّ نفكّر - ولو بعد عشرات السنين- أن نخرجهـم منهـا، لأنه لا مجال للتعايش بين يهودية عنصرية تسعى لاستعباد النّاس وتشريدهم من أرضهم، وبين الإسلام.
لذلك نقول للمسلمين، في يوم القدس ما قاله لهم الإمام الخميني (قده): "يا أيُّها المسلمون اتّحدوا" لأنَّ في اتحادكم القوّة التي تستطيع أن تطرد كلّ مواقع الاستكبار في العالـم. ونقول للمستضعفين ما قاله الإمام الخميني (قده): "يا مستضعفي العالـم اتّحدوا" لأنَّكم بذلك تستطيعون إخضاع المستكبرين ولن تخسروا إلا قيودكم، ولن تخسروا إلاَّ ضعفكم، ولن تخسروا إلاَّ ذُلّكم..
إنّ "يوم القدس" هو يوم الإسلام، فلننطلق مع يوم الإسلام لنأخذ القوّة من جديد، وليقول كلّ واحدٍ لصاحبه {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] عندما نكون معه.
"إسرائيل" تسعى إلى تطبيع المنطقة الحدودية(1)
تجري في المنطقة الحدودية في البقاع الغربي وجبل عامل حركة تجنيد إجباري من قبل "إسرائيل" تحت اسم "جيش لبنان الجنوبي"، لأنّ هناك خطة سياسية إسرائيلية نشعر من خلالها أنَّها لا تُريد أن تحرّك الحلّ الذي يعتبره الوسط السياسي حلاً ولا نعتبره نحن كذلك، وإلاَّ فما هي الحاجة إلى تجنيد أكبر عدد ممكن من النّاس هناك إذا كان تنفيذ القرار 425 سيحصل كما نسمع من كلّ شخصيات الدولة. وإذا كانت "إسرائيل" ستنسحب وسيتحول "جيش لبنان الجنوبي" إلى ميليشيا فلا بُدَّ من أن تحلّ نفسها وتسلّم سلاحها، فما هي الحاجة إلى التجنيد الإجباري هناك؟
"إسرائيل" تضغط بكلّ ما عندها من طاقة في سبيل فرض التجنيد الإجباري في الشريط الحدودي المحتل. إنَّنا نحبّ أن نقول لكلّ أهلنا في المنطقة الحدودية من موقعنا الشرعي، وحتى من موقع تمثيلنا للمرجعية الدينية العليا: يحرم على كلّ إنسان هناك أن يتجنّد في هذا الجيش ويحرم على كلّ إنسان أن يساهم بأيّة وسيلة في تسهيل هذا التجنيد، لأنَّ الخطّة الإسرائيلية تسعى إلى تطبيع المنطقة الحدودية تطبيعاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً بالمستوى الذي يدمجها في الكيان الصهيوني، بحيثُ لو أُريد إرجاعها إلى لبنان في المستقبل لكان إرجاعها أمراً صعباً، تماماً كما تفعل "إسرائيل" في الضفة الغربية وغزّة بطريقة وأخرى لربط حركة الاستيطان بالدورة الاقتصادية للضفة الغربية وغزّة.
نحن نقول: إنَّ الاستسلام للواقع بهذه الطريقة ليس مبرراً، نحن لا ندعو إلى فوضى في المواجهة، ولكن ندعو إلى أن تكون لنا روحية الرفض، وأن تكون لنا خطّة المواجهة ولو في المستقبل حتى لا نتحول إلى إسرائيليين في بلدنا ونستسلم بذلك للعبة الإسرائيلية الخبيثة.
نُريد أن نتحدث مع الدولة عن مسألة المقاومة، إنَّ الدولة تقول إنّها تريد أن تبسط سيادتها على كامل التراب اللبناني، ونحن نقول للدولة: إنَّنا نوافق على ذلك ولكن ليس على قاعدة اعتبار المقاومة هي المشكلة، فالمشكلة كانت دائماً في الممارسات الإسرائيلية من عدوان واحتلال، والمقاومة كانت دائماً إرادة الدفاع عن الوطن ضدّ عدوان الصهاينة واحتلالهم، لذا نقول: على الدولة ألا تضيّع البوصلة، ويجب أن تتعاون مع المقاومة أو يتعاونا معاً لتحرير المنطقة الحدودية المحتلة من الصهاينة، وعند ذلك فإنَّ على الدولة أن تعمل من أجل التكامل مع شعب الجنوب بغية تعويض الحرمان الذي عانوه طيلة وجود الاحتلال على أرضهم وفي مناطقهم.
من هنا نؤكد، أنَّه لا يجوز بأيّ حال من الأحوال الحديث عن المقاومة بطريقة سلبية وبالطريقة التي يتحدّث فيها عن الميليشيات، إنَّنا نقول: إذا كانت الميليشيات تمنع الدولة من بسط سيادتها في داخل لبنان، فإنَّ المقاومة تعمل لتؤكّد بسط سيادة الدولة على مناطق تواجد المقاومة، وعندما تنجح المقاومة في إتعاب "إسرائيل" وإزعاجها وصولاً إلى هزيمتها تبعاً لظروف المقاومة، فإنَّ النصر الأخير والفائدة في النهاية ستكون لكلّ الوطن اللبناني، وليس لمنطقة دون أخرى أو لفئة دون أخرى، فلتكفّ الدولة عن الحديث بسلبية عن المقاومة، ولتبادر إلى دعمها وتشجيعها، لأنَّها السبيل الأوحد المنظور لتحرير الوطن والإنسان.
الصراع السياسي في عملية التحرير(1)
إنَّ القيادات والأنظمة السياسية الموجودة في العالـم العربي (وأكثر رؤسائها كانوا موظفين لدى المخابرات الأميركية كما نعرف، وهم بالتالي محكومون لتلك المخابرات)، عرفت كيف تخدّر شعبها وتسقط إرادته. لذلك علينا أن ننظر إلى الهزائم التي مُنينا بها، ليس باعتبارها نتيجة لقوّة العدو، بل باعتبارها نتيجة لعدم أخذنا بأسباب القوّة. فقد كان لدى العرب على سبيل المثال سنة 1947 سبع دول مستقلة على الأقل، في حين لـم يكن لدى اليهود أيّ قوّة، ولكنَّ الجيش المصري عندما دخل القتال دخله بأسلحة فاسدة.
من هنا، فإنَّنا عندما ندرس أسباب الهزيمة، علينا أن ندرس العوامل التي أثارت عناصر الضعف فيها، وأسقطت عناصر القوّة التي نملك، عند ذلك يمكننا أن نفهم أنَّنا لـم نهزم نتيجة ضعف، بل لأنَّنا أسقطنا قوّتنا ولـم نتقن سياسة الحرب، ولا سياسة السلم.
لذلك فإنَّ من يستنكر عمل مجاهدي الانتفاضة أو مجاهدي المقاومة أن يحرروا فلسطين، لأنَّ الجيوش العربية لـم تستطع فعل شيء أمام "إسرائيل" هو مخطئ، لأنَّ من يستطيع انتزاع اللقمة من فمّ الأسد فهو بطل، وانتزاع اللقمة انتصار فعليّ للمقاومة، كذلك فإنَّ قتل ولو جندي واحد، وهزيمة "إسرائيل" ولو في موقع واحد، يُعدّ انتصاراً ولو جزئياً على "إسرائيل"، وهو انتصار يمكن تدعيمه وتقويته بحيث يتحول إلى انتصار كامل عليها.
لهذا نحن نقول: إنَّ أهمية الانتفاضة في فلسطين، وأهمية المقاومة في لبنان، وأهمية المجاهدين في أيّ بلد يسيطر عليه الظلم والطغيان، هو: في أنَّ هؤلاء يعيدون للأمّة روحيتها وثقتها بنفسها. فالنّاس الذين كانوا يحاربون الإسرائيليين أيام الاحتلال بالزيت المغلي والحجارة، والأطفال الذين كانوا يخوفونهم بالطائرات الورقية وما إلى ذلك، استطاعوا أن يُحدثوا صدمة نفسية لجنود العدو، واستطاعوا فرض الهزيمة عليهم، وأجبروهم على الانسحاب من عمق الجنوب.
أمن "إسرائيل" مطلب أمريكي:
هناك هجمة إعلامية واسعة تحاول تهديد شعوب العالـم الثالث بالعصر الأمريكي الذي بدأ، وتحاول فرض الانكفاء عليها أمام ذاك العصر، على أساس ألا فائدة من المقاومة علينا على الأقلّ رفض ذلك بقلوبنا، ونحن قادرون على رفضه بألسنتنا. سمعت بعض القياديين الإسلاميين الكبار يقول: نحن ربَّما لن نستطيع بحسب ما نملك من قوّة ذاتّية الوقوف وقفة عسكرية ضدّ أمريكا، لكن لا بُدَّ لنا من الوقوف بوجهها سياسياً، وخوض حرب سياسية ضدّها وملاحقتها في كلّ مكان في العالـم لإسقاطها سياسياً بحسب ما نملك من إمكانات، المهمّ ألا نترك لقوّتها العسكرية ولقوّتها الاقتصادية أن تجعلنا نتنازل عمّا نملك من إمكانات المواجهة سياسياً، فالصراع السياسي هو ما نحتاج إلى خوضه؛ على الأقلّ لتحرير أنفسنا من الخضوع لهذا الخطّ الإعلامي، فأمريكا حاربت عسكرياً في الخليج بنسبة 25 % أو أقلّ، ولكنَّها أخضعت العالـم لقوّتها بنسبة أكثر من 75% عبر الأجهزة الإعلامية الأمريكية التي فرضت نفسها على كلّ أجهزة الإعلام في العالـم، وشدّت العالـم إلى برامج وكالاتها 24 ساعة، واستطاعت بذلك أن تخدِّر كلّ الذهنيات بالقوّة الأمريكية، وإلاَّ فإنَّ حرب الخليج لـم تكن حرباً؛ بل رماية، حسب ما ورد في تصريح لمسؤول صهيوني، لأنَّه لا معنى لحرب يسقط فيها من الحلفاء مائة ويسقط فيها من الجيش العراقي عشرون أو ثلاثون ألف.
وقد ضخّمت أمريكا شخصية صدام وقوة الجيش العراقي، وضخّمت طبيعة المشكلة كي يكون نصرها في ضخامة هذا الموقع وإلاَّ فإنَّ الموقع، ليس على هذه الصورة، على هذا النحو يُراد لنا أن نسقط روحياً، وأن نسقط إعلامياً، وعلينا نحن أن نواجه ذلك وقد قلنا مراراً: إنَّنا لسنا ضدّ الشعوب الأمريكية والأوروبية وغيرها، حتى لو كان أغلب الشعب الأمريكي مسيحيين ويهود. في لبنان وكلّ البلاد العربية يوجد مسيحيون ويهود نعيش معهم، نحن ضدّ الإدارة السياسية الأمريكية التي تحاول فرض سيطرتها على الشعوب الإسلامية وشعوب العالـم الثالث، وضدّ محاولة تركيز قوّتها في هذا الاتجاه، ولذلك نحتاج دائماً إلى رصد الخطط الأمريكية؛ خاصة وأنَّنا نعرف أنَّها متّحدة بالمصالح الإسرائيلية، فهي تعمل على حفظ أمن "إسرائيل" وتضعه فوق كلّ أمن، وهي من أجل ذلك تسعى لأن تمنع الدول العربية من امتلاك أيّ سلاح يمكن أن يهدّد "إسرائيل"، لأنَّ أمن "إسرائيل" محترم عند أمريكا، ولكنَّها ـ أي أمريكا ـ لا تطلب من "إسرائيل" أن لا تملك سلاحاً يهدّد أمن البلاد العربية والشعوب العربية. وهذا ما يبرر لـ "إسرائيل" امتلاك السلاح الذي يهدّد المنطقة والعكس غير صحيح؛ لأنَّ "إسرائيل" تخاف من امتلاك أيّ بلد عربي للسلاح.
أمريكا وأمن "إسرائيل":
نحن في لبنان نعاني من هذه المشكلة، فالطرح الأمريكي على الدولة اللبنانية، يقول: إنَّ ما احتلّته "إسرائيل" من أراضٍ لبنانية في الجنوب وفي البقاع؛ الغرض منه حفظ حدودها من الاعتداءات الفلسطينية أو اللبنانية، لذلك لا بُدَّ من إسقاط السلاح الفلسطيني وإسقاط المقاومة كي تشعر "إسرائيل" بالأمن، وكي يصبح الحديث عن تطبيق القرار 425 القاضي بانسحابها أمراً ممكناً، أيْ إنَّ لبنان ملزم بإشعار "إسرائيل" بالأمن مائة بالمائة، يجب ألا يبقى سكّينة ولا بندقية عند لبناني أو فلسطيني، وأيضاً على الجيش اللبناني ألا يقاتل "إسرائيل" حتى تأمن "إسرائيل" وكي لا نقول لها ارحلي عنّا، أمريكا تطلب أن تشعر "إسرائيل" بالأمن من جهة لبنان، لكنَّها لا تتطرق ولو بكلمة واحدة لإشعار اللبنانيين والفلسطينيين المقيمين في لبنان بالأمن من قِبَل "إسرائيل"، ولكن؛ فلنفترض أنَّ جمع السلاح الفلسطيني واللبناني تـمّ، هل أنَّ أمريكا مستعدة للضغط على "إسرائيل" كي لا تهدّد أمننا وكي لا تقصفنا؟ أمريكا تقول: إنَّها لا تضغط على أحد، والمقصود بأحد هنا، "إسرائيل"، لأنَّها تضغط على كلّ النّاس لحساب "إسرائيل"، هل أنَّ أمريكا مستعدة للضغط على "إسرائيل" لمصلحة الشعب الفلسطيني؟ وللحيلولة دون استيلائها على أراضي الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وغزة، والحيلولة دون بناء المستوطنات في تلك الأراضي التي يسكنها فلسطينيون ويحملون سندات ملكية ترقى إلى العهد العثماني، علماً أنَّ أمريكا الآن لا تعتبر أنَّ الضفة الغربية وغزة أرضاً محتلة.
مليارات أمريكا لبناء المستوطنات:
صرّح بوش(1) أنَّ أمريكا ضدّ بناء المستوطنات، ولكن هذا الأمر لا علاقة له بتسهيل قرض لـ "إسرائيل" بمقدار عشر مليارات دولار(2) من أجل إسكان المهاجرين اليهود المستجلبين إلى "إسرائيل"، أي إنَّنا نحتجّ بالكلام ونعطي بالمقابل "إسرائيل" المليارات كي تُسكن اليهود في مناطق الضفة الغربية وغزة بحيث لا يبقى مكان للفلسطينيين، فيما يصبح الاحتلال الإسرائيلي أمراً مفروضاً تلقائياً.
نحن ضدّ أمريكا لأنَّها تعمل على إذلالنا، فهي عندما تتحدّث عن السلام، تقصد السلام الإسرائيلي على حساب سلامنا، وعندما تتحدّث عن الأمن الإقليمي تتحدّث عن الأمن الإقليمي، الذي يمكن أن يحقق لـ "إسرائيل" القوّة ويجعلها من أقوى أعضاء النادي السياسي في المنطقة، وهي لهذا الهدف تلاحق سوريا لتمنع أيّ بلد من بيعها السلاح لأنَّها لا تريد أن تملك سوريا سلاحاً تدافع عن نفسها قبالة "إسرائيل".
محاولات لصياغة لبنان صياغة أمريكية:
صحيح أنَّنا رحبّنا بالسلام في لبنان وقلنا إنَّ الحرب الداخلية لـم تفد أحداً ولن تفيد أحداً، فنحن لـم نجنِ من الحروب سواء حروب المسلمين مع المسيحيين، أو حروب المسيحيين مع بعضهم، أو حروب المسلمين مع بعضهم، أو حروب الشيعة مع بعضهم إلاَّ الدماء والدمار، لـم نستطع جني شيء من كلّ تلك الحروب، ولذلك فإنَّ السلام في الدائرة الداخلية يعتبر مطلباً ندعمه ونؤيده، لأنَّه من الممكن ممارسة الصراع السياسي بالطرق السلمية الحضارية، لكن يجب أن نفهم أنَّ لبنان يُصاغ صياغة أمريكية، فأمريكا تستغلّ حاجة النّاس إلى السلام لترتب الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي في لبنان على طريقتها الخاصة، ومن مصالحها الخاصة؛ بحيث لا يعترضها أحد، وكلّ من يعترضها يتّهم بتخريب البلد والسلام؛ لقد أصبح السلام "فزاعة" يستغلون رغبة النّاس به ليفرضوا باسمه على لبنان كلّ ما يريدونه، ولذلك نعتقد أنَّ ما يتحرّك في لبنان يتحرّك بأيدٍ لبنانية ولكن على أساس خطّة أمريكية، قد تعكس في بعض الحالات رغبة النّاس أو شيء آخر لسنا في مقام الدخول في تفاصيله، لكن ما أريد قوله: أنَّ رغبتنا بالسلام يجب ألا تكون مبرراً لعدم فهم خلفيات الموقف وطبيعة الواقع الذي يعيش فيه البلد، فالسياسة الأمريكية في لبنان تسعى لانتزاع أيّ شيء فيه يشكل خطراً على "إسرائيل"، وهي تدفع كلّ الواقع السياسي بهذا الاتجاه، وتحرّك اللعبة السياسية كلّها انطلاقاً منه، وهذا ما يجب أن نفكّر فيه كي نستطيع تفادي ما يمكن أن يحصل في المستقبل من تطورات لا تنعكس سلباً على واقعنا في لبنان فحسب، بل على واقع المنطقة بأسرها، هذا أمرٌ يجب علينا التفكير فيه ومواجهته.
لا لقتال الفلسطينيين:
نحن قلنا: إنَّنا مع كلّ الخطوات التي تفرض أمناً عادلاً وموحداً لكلّ اللبنانيين، ولا نسمح بالفوضى في حياة النّاس، سواء كانت فوضى سياسية أو أمنية، ولكن للمسائل حساسيات معينة، وارتباط بأكثر من وضع في المنطقة، لا بُدَّ للأمن أن يتركز بعيداً عن الألغام، بعيداً عن التعقيدات السياسية التي يمكن أن تدخلنا في العُقد بشكل أو بآخر. إنَّنا في كلّ الواقع الذي نعيشه كنّا دائماً مع الشعب الفلسطيني، كما كنّا مع كلّ الشعوب المستضعفة في المنطقة، ولا نقول إنَّ الشعب الفلسطيني شعب معصوم، كما لا نقول إنَّ الشعب اللبناني شعب معصوم، أو أنَّ شعوب المنطقة شعوب معصومة، لكلّ شعب أخطاؤه وصواباته، لكلّ شعب مخلصوه وخونته، هذا أمر معروف، لكنَّنا نرى دائماً أنَّ هذا الشعب كان ضحية الاستكبار العالمي، كما أنَّنا في لبنان ضحية الاستكبار العالمي.
الشعب الفلسطيني ضحية، والشعب اللبناني ضحية، كما كان الشعب العراقي ضحية والشعب الكويتي ضحية، وكثير من الشعوب ضحايا، يتلاعب بها الاستكبار العالمي كما يتلاعب بقطع الشطرنج، لذلك نحن نرى دائماً أنَّ الاستكبار العالمي يعمل على أن تحارب الشعوب المستضعفة بعضها بعضاً، أن يحارب الشعب اللبناني الشعب الفلسطيني، وأن يحارب الشعب الفلسطيني الشعب اللبناني انطلاقاً من وجود بعض العقد عند هذا الشعب أو ذاك، كما أنَّ الاستكبار صنع الفتنة التي عشناها وجعل المستضعفين من اللبنانيين مسيحيين ومسلمين يتقاتلون، وكما أنَّه لا مصلحة لنا في أن نتقاتل مع بعضنا البعض في لبنان لأنَّ ذلك سوف يخدم مصالح الاستكبار العالمي، كذلك لا مصلحة في أن يتقاتل الشعب اللبناني والشعب الفلسطيني، وإذا كان لدى الشعب الفلسطيني قيادات سيئة؛ كنّا نعارضها ولا نزال، وإذا كان في لبنان أيضاً قيادات سيئة، فإنَّ ذلك لا يبّرر اتخاذ موقف سلبي من الشعب الفلسطيني.
الفلسطينيون ليسوا غرباء:
لقد سمعنا من بعض المسؤولين اللبنانيين أنَّ الفلسطينيين غرباء، وهي كلمة لا نريد أن نسمعها من أحد بهذه الطريقة، صحيح أنَّهم ليسوا لبنانيين بالمعنى الدستوري اللبناني لكنَّهم أخوة للبنانيين، لأنَّ لبنان بلد عربي الانتماء، هذا ما يقوله اتفاق الطائف، والعرب فيه لا يمكن أن يكونوا غرباء إلاَّ بالمعنى الدستوري، ثمَّ إنَّ الشعب الفلسطيني لـم يختر لنفسه التواجد في لبنان، وإنَّما فُرض عليه ذلك. ولا يجب أن يكون هناك فرقٌ في الحقوق المدنية ـ حقّ العمل وما إلى ذلك ـ بين أجانب قدموا إلى لبنان ليسكنوا سنة أو سنتين أو ثلاثة وهم يحتاجون في سبيل ذلك إلى رخصة عمل، وبين الشعب الفلسطيني الذي أمضى في لبنان أكثر من أربعين سنة ولا ندري كم ستزيد، فهذا الشعب لا نستطيع إخراجه أو حرمانه من الحقوق المدنية والحقوق الاجتماعية وما إلى ذلك، أنتم تعرفون أنَّ في العام 1982 كان كلّ بلدٍ عربي يخرج للفلسطينيين على أساس أنَّ لبنان فقط معنيٌّ بحلّ مشكلتهم، لهذا أقول إنَّ القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء كان حكيماً(1)، لأنَّه لا معنى لحرمان شعب يعيش مئات الألوف أو عشرات الألوف منه في بلد أربعين سنة أو خمسين سنة من الحقوق المدنية، إنَّ ذلك خلاف طبيعة الأشياء.
نحن لا نُريد للبنان أن يعيش أيّ شكل من أشكال الفوضى، سواء كان مصدرها اللبنانيين أو الفلسطينيين أو أيّ جهة أخرى، لأنَّ الفوضى لا تخدم أحداً، هذا شيء أساسي في الخطّ السياسي العام وحتى الإسلامي أيضاً، صحيح أنَّ الخطّ السياسي الإسلامي يرفض الكثير من الأنظمة لكنَّه لا يشجع الفوضى كبديل عن النظام، للإمام عليّ (ع) كلمة يقول فيها: "كلمة حقّ يُراد بها باطل ـ نعم إنه لا حكم إلاَّ للّه، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلاّ للّه، وإنّه لا بُدَّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر يعمل في أمرته المؤمن"(1). لذلك ونحن في أجواء الإعلام، نُريد أن نقف عن الكلام الدائر عن الفلسطينيين كغرباء، صحيح أنَّ هناك ممارسات سيئة من قِبَل الفلسطيني وأنَّ القيادة قد قامت ببعض الخطوات التي تصل إلى حدّ الخيانة، ولكن لنترك الحالة الغرائزية في الحكم على الأشياء، لقد عشنا هذه الحالة مدّة طويلة وفصلنا بين مسيحي ومسلم وبين سني وشيعي وبين لبناني وفلسطيني، هذه الحالة لا تخدم أحداً، بل تشعل المشاكل بين جميع الأطراف بعيداً عن مبادئهم.
الخوف والخوف المضاد:
فمشكلة لبنان هي إثارة الخوف والخوف المضاد، المسيحيون خائفون من المسلمين، والمسلمون خائفون من المسيحيين، وهناك عمل على أن تعيش خوفاً جديداً، اللبنانيون يخافون من الفلسطينيين والفلسطينيون يخافون من اللبنانيين(2) وهذا أمر لا يمكن تدبيره. ما دام الطرفان يعيشان في بلد واحد وما دمنا ملتزمين بالقضية الفلسطينية، ربَّما عاش السلاح الفلسطيني فوضى وكذلك السلاح اللبناني، ربَّما ارتكب الوضع السياسي الفلسطيني أخطاء وكذلك الحال للوضع السياسي اللبناني، لكن هناك شعب مستضعف قد تكون قيادته جيّدة أو غير جيّدة، لا يجوز أن نحمّله وزر قيادته، سواء على مستوى لبنان أو على مستوى فلسطين، أو على أيّ مستوى آخر، لذلك نحن نسمع عن بعض الممارسات السيئة ونريد للدولة إذا لـم تكن مشاركة فيها، أن تدقّق في هذه الممارسات لأنَّ الاعتقالات العشوائية لا تنسجم مع كلّ مبادئنا وتطلعاتنا مع كلّ القِيَم التي نؤمن بها.
نرفض تقاتل الجيش والفلسطينيين:
نرفض تقاتل الجيش اللبناني والفلسطينيين، ونريد ألا يعود ذاك التقاتل، ونرجو أن تكون الاتفاقات ثابتة، لأنَّ القتال بين الجيش اللبناني والفلسطينيين ليس في مصلحة لبنان ولا في مصلحة فلسطين، لذلك نريد للجميع أن يدخلوا في حوار موضوعي هادئ يضع الخطوط التي تحفظ إنسانيّة كلّ من يعيشون في لبنان، سواء أكانوا لبنانيين أو فلسطينيين أو غير ذلك، لأنَّ ذلك ما يمكن أن يثبت الأرض ويعيد الثقة ويدفع الجميع للاتجاه إلى أداء الاستحقاق الكبير في إخراج العدوّ الصهيوني من لبنان، وتحرير فلسطين، إنَّ ذلك الاستحقاق لا يتحقق بالتقاتل داخل لبنان، ولهذا فنحن ندعو إلى وقف للنار ثابت، وندعو إلى حوار موضوعي دقيق وعميق.
كما أنَّنا نحبّ أن نُشِيد كما أشدنا دائماً بالعمليات النوعية وبالخطوات الجريئة التي تقوم بها المقاومة الإسلامية ضدّ العدو، ونريد لكلّ الوسط السياسي ألا يدخل في جدل حول مسألة المقاومة، لأنَّ المقاومة فوق الجدل، ولأنَّ المقاومة هي شرف كلّ الأمّة، وهي شرف كلّ الواقع السياسي، وعلى الجميع أن ينحنوا لأبطال المقاومة الذين يبذلون نفوسهم في سبيل اللّه، لأنَّهم هم الذين يرفعون رأس الأمّة ويعطون للأمّة عنفوانها.
الأمم المتحدة منحازة للاستكبار(1)
إنَّ الجمهورية الإسلامية بخطّها الإسلامي، مسؤولية المسلمين جميعاً. إنَّ الصحوة الإسلامية في كلّ مواقعها، مسؤولية المسلمين جميعاً، إنَّ الانتفاضة الإسلامية في فلسطين هي مسؤولية المسلمين جميعاً، إنَّ المقاومة الإسلامية ضدّ اليهود مسؤولية المسلمين جميعاً.
التفكير بالإسلام عالمياً:
إنَّ هناك ساحة مفتوحة على مستوى العالـم كلّه. فـ "إسرائيل" لـم تعد مجرّد دولة تريد الحفاظ على من سكن داخل فلسطين من يهود، فقد صرّح رئيس وزراء العدو أنَّ "إسرائيل" تعتبر نفسها مسؤولة عن كلّ يهود العالـم، بمعنى أنَّ اليهود في أمريكا يقعون ضمن المسؤولية الإسرائيلية، واليهود في الاتحاد السوفياتي يقعون ضمن المسؤولية الإسرائيلية، واليهود في البلاد العربية وفي الهند وفي أفريقيا وفي أيّ مكان في العالـم يقعون ضمن المسؤولية الإسرائيلية.
إنَّ "إسرائيل" تريد أن تكون واجهة لليهود في العالـم وتريد أن تأتي بهم جميعاً إلى "إسرائيل"، فهي لا تستقدم يهود الحبشة ويهود الاتحاد السوفياتي فقط، بل كلّ يهود العالـم، أنَّ "إسرائيل" تعمل على اجتذاب اليهود الهنود إلى فلسطين، كما تعمل على استقدام اليهود اليوغوسلاف من يوغوسلافيا، وهي تريد أن تجمع كلّ يهود العالـم داخل فلسطين المحتلة، ولكن هل تتسع فلسطين ليهود العالـم كلّهم؟ وهل يمكن أن تكون الموارد الاقتصادية داخل فلسطين كافية لهم، إنَّ الاعتقاد بكفاية تلك الموارد أمر غير واقعي، لذا فإنَّ "إسرائيل" تُعد نفسها لدور "إسرائيل" الكبرى التي تتوسع حدودها حسب مرمى مدافعها وتتوسّع أبعادها مع مصالحها، إنَّ هذا المشروع الإسرائيلي يشكل تحدياً كبيراً لنا كمسلمين، وهذا ما يجب أن نخطط لمواجهته في العالـم كلّه.
إذا كانت "إسرائيل" تعمل على جمع يهود العالـم في فلسطين، وهي بلد إسلامي كان فيه بعض اليهود وبعض النصارى، فإنَّ علينا كمسلمين أن نطلّ على مستقبلنا من النافذة الإسلامية الواسعة، لا أتحدّث عن إسلام متعصب ولكنّي أتحدّث عن إسلام منفتح على الحياة من مواقع إعطائه الحريّة لكلّ النّاس في خطّ اللّه سبحانه وتعالى.
إنَّ علينا ألا نفكر في قرية أو دولة ننغلق فيها على أنفسنا، إذا ما كانت "إسرائيل" تفكّر باليهود على مستوى العالـم، فكيف نفكّر نحن بالإسلام على مستوى بيت أو قرية تفصلنا عن بعضنا البعض ما دام التحدي لن يكون في حجم الأفراد بل سيكون في حجم الأمّة كلّها؟
قد يرى البعض في حديثي تطرفاً ولا واقعية، لكن إذا لـم نفكّر في المستقبل فسيسقط الحاضر الذي نعيش فيه تحت أقدام الغزاة، وعند ذلك لن يكون لنا مستقبل.
إنَّهم يعملون الآن على جعل مستقبل كلّ شعوبنا الإسلامية مستقبلاً أمريكياً صهيونياً، إنَّهم يعملون على ألا يكون لنا من الأمر شيء النفط نفط المستكبرين، والمواقع الاستراتيجية مواقع المستكبرين، وساحات بلادنا ساحات المستكبرين، ومصالحنا على هامش مصالح المستكبرين، يعملون على ألا نكون شيئاً مذكوراً في الساحة السياسية والاقتصادية. هل أنَّ النبيّ (ص) الذي أرسله اللّه للنّاس كافةً بشيراً ونذيراً وأرسله اللّه رحمة للعالمين، لو كان موجوداً، هل سيفكّر كما نفكّر طائفياً أو مذهبياً أو عرقياً أو إقليمياً؟ أم أنَّه سيفكّر إنسانياً وعالمياً على أساس أنَّ رسالة اللّه للنّاس كافة، وعلى أساس أن يكون النّاس كلّهم أحراراً، وأن يكون المؤمنون أعزّة في أنفسهم وفي كلّ مواقعهم.
لا تفكّروا في القضايا الكبرى من مواقعكم الفردية أو العائلية، ولا من مواقعكم الصغيرة، إقليمية كانت أم قومية، فكّروا في القضايا من الموقع الذي أراد اللّه لكم أن تكونوا فيه، موقع الأمّة التي أخرجت للنّاس لتكون خير أمّة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كان النبيّ والمسلمون ضعفاء في مكة فصاروا أقوياء في المدينة، لأنَّهم أخذوا بأسباب القوّة وتحرّكوا من إرادة القوّة، فلماذا لا نكون نحن الأقوياء في كلّ مواقع حياتنا؟
دور الأمم المتحدة؟!
إنَّ هذا الظلام الأمريكي الذي يلّف المنطقة كلّها ويحاول إخضاعها لمؤامراته يتّخذ منحىً خطيراً، فهناك على هذا المستوى وفاقٌ أمريكيٌّ سوفياتيٌّ قد يطلّ في بعض الحالات على وفاق أوروبي يعمل على إخضاع كلّ القوى التي تفكّر بحرية شعوبها واحترام إنسانيتهم وعلى الضغط أكثر على العرب، ليقدّموا التنازلات في سبيل ما يسمونه السلام مع "إسرائيل"، لكنَّ الضغط على "إسرائيل" أمرٌ لا يدخل في الحسابات الأمريكية، على الرغم من قدرتها على ذلك، فهي لا تُمارس ضغوطها إلاَّ على العرب.
إنَّ هناك سلاماً إسرائيلياً- أمريكياً يُراد فرضه على العرب، أمريكا وغير أمريكا يحاولون الإيحاء بأنَّ المشكلة هي مشكلة سوريا وليست مشكلة "إسرائيل"، دون أن يذكروا ذلك بشكل علني، كما كانت حالنا في أزمة الخليج التي عشناها، فقد كنّا نسمع أنَّه لا بُدَّ من احترام قرارات الأمم المتحدة، ألـم تخض أمريكا والدول المتحالفة معها حرب الخليج احتراماً لقرارات الأمم المتحدة، وتحت هذا العنوان، وعلى أساس أنَّ من لـم يخضع لقرارات الأمم المتحدة لا بُدَّ من أن تفرض عليه قراراتها بالقوّة، ولكن كم هناك من قرارات للأمم المتحدة متصّلة بالقضية الفلسطينية أو بالقضية اللبنانية، هناك القرار 242 والقرار 338 والقرار 425، هناك قرارات مضى عليها عشر سنوات وقرارات قضي عليها ولـم تنفّذ، وكانت أمريكا تمنع أيّة دولة من المطالبة بتنفيذها بقوّة الفيتو الذي تملكه، فالفيتو الأمريكي يحاول منع أيّ قرار لمجلس الأمن ضدّ "إسرائيل"، حتى إنَّ أمريكا تتعاطف الآن مع رفض "إسرائيل" لوجود دور للأمم المتحدة في محادثات السلام بين العرب وبين "إسرائيل"، إذا كانت الأمم المتحدة هي التي أصدرت قراراً بإجراء محادثات السلام وكان من المطلوب أن يؤسَس السلام على قرارات الأمم المتحدة، فكيف لا يسمح للأمم المتحدة أن يكون لها دورٌ في مسألة السلام، مَن أولى منها بالإشراف على تنفيذ القرار الذي هي صاحبته، لماذا لا توافق "إسرائيل" على ذلك؟ ولماذا لا توافق أمريكا إذا لـم توافق "إسرائيل"؟ وإذا كانت أمريكا تتحدّث بلغة دبلوماسية لا تضغط من خلالها على "إسرائيل"، إذاً كيف ضغطتم هناك من أجل الأمم المتحدة؟ وكيف تسعون هنا إلى إقناع سوريا بأن تسحب طلبها الذي تشترط فيه أن يكون للأمم المتحدة دورٌ في محادثات السلام كي تدخلها؟
الأمم المتحدة والموازين المختلّة:
لماذا كانت الأمم المتحدة ذات احترام عالمي ودولي في مسألة الخليج وهي ليست كذلك في المسألة الفلسطينية؟ لماذا؟ لسبب واحد هو: أنَّ أمريكا تعمل على تقوية الأمم المتحدة إذا ما كان ذلك يخدم مصالحها ومصالح "إسرائيل"، وتعمل بالمقابل على إضعافها إذا ما كانت قراراتها ضدّ مصالحها أو ضدّ مصالح "إسرائيل"، "إسرائيل" صرّحت علناً بأنَّها لا تقبل وجود دور للأمم المتحدة لأنَّها أصدرت قرارات لصالح العرب أو لصالح الفلسطينيين، وهي تعتبر أنَّ كلّ القرارات التي تصدر لصالح العرب وصالح الفلسطينيين هي قرارات عدوانية، وعلى هذا الأساس فهي لا تقبلها، وكذلك أمريكا، وروسيا لا تمانع ألا يكون للأمم المتحدة دور، فلا مانع لديها يحول دون أن يكون هناك صيف وشتاء فوق سطح واحد.
لا نحترم خطوط السياسة الدولية المنحازة:
وإن كنّا لا نملك كثيراً من القدرات العملية في الوقت الحاضر لتعطيل خطط الاستكبار العالمي، لكن من أجل التوعية نقول: إنَّ علينا ألا نحترم خطوط السياسة الدولية التي تحركها القوى الاستكبارية، ولا سيما أمريكا التي تعمل على جعل العالـم كلّه في خدمتها، وفي خدمة "إسرائيل"، أمّا أن يكون هناك احترام متبادل بين الشعوب والدول، وأن تدرس القضايا على أساس العدالة الإنسانية وحقوق الإنسان، فأمور إنسانيتنا لا توافق عليها أمريكا، نحن كمسلمين قلنا منذ البداية إنَّنا لا نطلب من العالـم إلاَّ أن يحترم حريّتنا إذا كان يريد لنا أن نحترم حريّته، وأن يحترم أمننا إذا كان يريدنا أن نحترم أمنه، وأن يتفاعل مع مصالحنا إيجابياً إذا أردنا أن نتفاعل مع مصالحه إيجابياً، نحن نفهم أنَّ للعالـم مصالح عندنا ونحن لنا مصالح عند العالـم، العالـم يحتاج إلى بعض ما عندنا ونحن نحتاج إلى بعض ما عنده، فلتكن العلاقة مستندة على الاحترام المتبادل للحقوق وللواجبات وللثروات.
لسنا إرهابيين:
نحن لسنا ضدّ العالـم، ولا نريد أن ندمره ولا نريد أن نكون إرهابيين فيه، نحن نريد أن نشعر بإنسانيتنا كما يشعر الآخرون بإنسانيتهم، نحن نقول إنَّ اللبناني والفلسطيني والعراقي والخليجي والإيراني والباكستاني والأفغاني إنسان من حقّه الإحساس بإنسانيته، فلا تحرموه إنسانيته تلك، الإنسان هو الأمريكي أو الأوروبي أو اليهودي فقط، هناك إنسان يعيش في العالـم الثالث لماذا تريدون إسقاط إنسانيتنا؟ كيف تريدون منّا أن نحترمكم إذا كنتم لا تحترموننا؟ كيف تريدون أن نحافظ على مصالحكم إذا كنتم لا تحافظون على مصالحنا، الحياة أخذٌ وعطاء، أعطوا كي تأخذوا، فإنَّ كلّ ساحاتنا مفتوحة، لنتبادل الأخذ والعطاء، أمّا أن تأخذوا ثرواتنا ومواقعنا واقتصادنا وتصادروا سياستنا وتلعبوا بثقافتنا ثـمَّ تدعونا للتحدّث عن حقوق الإنسان، أيّ حقوق للإنسان هذه التي تتحدثون عنها؟ نحن من موقعنا كمسلمين، ننطلق في حياتنا على أساس الحوار مع العالـم كلّه، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} ـ وقد نزلت منذ أكثر من أربعة عشرة قرناً، سواء أكنتم في الشرق أو الغرب ـ {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} [آل عمران:64]، أن تكون لنا الحرية جميعاً ألا يكون هناك ربٌّ لي وربٌّ لك، وعلى هذا الأساس نحن ننفتح على العالـم وننفتح على كلّ قضاياه ونتفاعل مع كلّ حضارات العالـم ومع كلّ شعوبه.
إنَّنا لسنا عدوانيين ضدّ النّاس أيّاً كان انتماؤهم، لسنا عدوانيين ضدّ النصارى، لسنا عدوانيين ضدّ اليهود، وإن كنّا نرفض "إسرائيل" فلأنَّنا نرفض وجودها العدواني الاغتصابي، أمّا اليهود الذين يعيشون كما يعيش النصارى معنا، فإنَّنا مستعدون للعيش معهم بأمان وسلام، كما كنّا نعيش معهم سابقاً. موقفنا من "إسرائيل" شيء ومن اليهودي الذي لا يخطط لوجود "إسرائيل" شيء آخر. لسنا عدوانيين تجاه العالـم، لا ضدّ أوروبا كشعب ولا ضدّ أمريكا كشعب، نحن ننطلق من كلمة اللّه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:208] {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [الأنفال:61]، ولكنَّنا في الوقت نفسه نقول: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] وإذا كان العفو أقرب للتقوى، فإنَّ ذلك لا ينطبق على المستكبرين الظالمين والطاغين.
لا شرعية للصهيونية في بلاد المسلمين
المؤتمرات لا تمنح "إسرائيل" شرعية(1)
علينا ألا نعيش اللامبالاة أمام كلّ ما يحدث في بلاد المسلمين، ولا سيّما البلاد التي نعيش فيها نحن الآن بشكلٍ ضاغط ومعقَّد ومتحرّك في مسألة "إسرائيل" والصهيونية العالمية في كلِّ مواقعها، وقد عاشت هذه المشكلة معنا منذ أن تحوّل اليهود إلى دولة في فلسطين، ولـم تقتصر المسألة على فلسطين بل امتدّت إلى كلّ بلدٍ عربي أو إسلامي بطريقة أو بأخرى، إذا لـم تكن من ناحية الجغرافيا فمن ناحية السياسة والأمن والاقتصاد.
اليهود حالة عدائية للإسلام:
"إسرائيل" دولة انطلقت في قلب هذه الأمّة لتعيد إنتاج الشخصية اليهودية الحاكمة التي تعيش العنصرية فيما تُمثّله من عقلية شعب اللّه المختار. ليست اليهودية مجرّد حالة سياسية ولكنَّها حالة تريد أن تواجه الإسلام كلّه والمسلمين كلّهم في كلِّ مجالات الحياة العامة والخاصة، لذلك لن نستطيع أن نكون حياديين على مستوى كلّ الواقع اليهودي في العالـم وفي فلسطين والمنطقة.
بعض النّاس يحبّون أن يأخذوا دور النعامة فيدسون رأسهم في الرمال وظنّهم أنَّهم بذلك لا يرون شيئاً، ولكنّ الشيء يفرض نفسه و "إسرائيل" تنبّهنا دائماً أنَّها موجودة بكلِّ عدوانها المتكرر المتحرِّك، أمريكا قد التزمت "إسرائيل" وأمنها واقتصادها وسياستها التزاماً مطلقاً، حتى خيُل إلينا أنَّه ليست هناك سياسة أمريكية في المنطقة، بل هناك سياسة إسرائيلية تلتزمها أمريكا.
لا شرعية للوجود الصهيوني في بلادنا حتى مع السلام:
وهنا نحبّ أن نؤكّد أنَّ كلّ مؤتمرات السلام مهما كانت نتائجها السياسية، سواءً أكانت على طريقة المفاوضات المباشرة أو تحت مظلة الأمم المتحدة، لا يمكن أن تمنح الوجود الإسرائيلي شرعيةً من وجهة نظر الإسلام والمسلمين مهما كانت الظروف والنتائج، لأنَّ وجود اليهود ليس وجوداً شرعياً حتى في المنطق الدولي والإنساني والحضاري، لأنَّ بإمكان أيّ شعبٍ أن يصنع دولته في البلد التي يملكها، أمّا أن تُصنع دولة على أنقاضِ شعبٍ يُشرّد من أرضه، فهذا أمرٌ لا يمكن أن يُدرج تحت أيّ بندٍ من بنود شرعة حقوق الإنسان إلاَّ أن يكون على الطريقة الاستكبارية في العالـم التي تفرض حقوق الإنسان لمصالحها الخاصة حتى إذا رأت أنَّ حقوق الإنسان تصطدم مع مصالحها سحقت حقوق الإنسان بأموالها.
لذلك نحن كمسلمين وكإسلاميين لا نشعر بأنَّ أيّ مؤتمر للسلام يمكن أن يعطي "إسرائيل" شرعية الوجود السياسي كدولة في هذه المنطقة. لقد قال رسول اللّه (ص) للمسلمين أن يخرجوا اليهود من جزيرة العرب، لأنَّه كان يعرف حتى في زمانه خطورة اليهود على الإسلام والمسلمين وعلى العرب كلّهم، ونحن لا نريد لليهودية السياسية التي هي الصهيونية أن تبقى في بلاد العرب التي هي بلاد الإسلام. هل نستطيع ذلك أو لا نستطيع؟ قد لا نستطيعه في الحاضر، ولكن علينا أن نخطّط له في المستقبل، علينا أن نفكّر بعقلية الأمّة التي ترصد المستقبل وترصد كلّ إمكانيات المستقبل إذا لـم تدعمها إمكانات الحاضر.
أميركا تعتبر المسألة الفلسطينية مجرّد مسألة ثنائية بين الفلسطينيين و "إسرائيل" وهي تريد أن تحلّ مشكلة الفلسطينيين ولا تريد أن تُحلّ المشكلة الفلسطينية، ولهذا رأينا أنَّ الكونغرس الأمريكي صوّت على اعتبار أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لـ "إسرائيل"، فكيف يمكن أن تلتزم أمريكا بذلك وفي الوقت نفسه تعمل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة القاضية بانسحاب "إسرائيل" من الأراضي المحتلة، لعلّها بذلك تتبنّى التفسير الإسرائيلي القائل بانسحابات من أراضٍ احتُلّت في زمن 67، وهي تقول: لقد انسحبنا من سيناء وهذا يكفي، أمّا الضفة الغربية والقدس فليست داخلةً في القرار.
إنَّنا نعرف أنَّ أمريكا تلعب لعبتها من أجل أن تضغط على الأطراف العربية وإن كانت تقول إنَّها لا تضغط على أحد. نحن نعرف أنَّ أمريكا مارست قبل عاصفة الصحراء وبعدها ضغوطاً فوق العادة على أكثر من دولةٍ عربية، وعلى أكثر من حاكم عربي من أجل أن يسهِّل مهمة الرئيس الأمريكي ومن أجل تقديـم التنازلات. ولذلك، فإنَّنا نتصور أنَّ أمريكا سوف لن تضغط على "إسرائيل"، بل ستحاول أن تجعل السلام الذي تريد تحقيقه سلاماً إسرائيلياً بنسبة 90% إذا لـم يكن بنسبة مائة في المائة.
ولعلّ الذي يقرأ الرسائل المتبادلة بين رئيس الولايات المتحدة وبين رئيس حكومة العدوّ الصهيوني، يعرف ما هي الخطّة الأمريكية في إدارة المفاوضات العربية والإسرائيلية، وما هي أهدافها بالجملة. أهداف الخطّة أن تكون لـ "إسرائيل" كلّ القوّة، وألا يكون للعرب أيّ قوّة. لذلك لا تستسلموا للكلمات الفضفاضة التي تطلق في الأجواء السياسية، ولكن راقبوا طبيعة اللعبة الأمريكية المتحالفة مع اللعبة الإسرائيلية، فلعلّنا نستطيع من خلال الرصد أو من خلال الملاحظة الدائمة أن نكتشف كلّ المطبّات الإسرائيلية والأمريكية التي ستوضع في الطريق، علينا أن نكون أمّة تعي حركة الواقع إذا لـم تستطع في مرحلتها الحاضرة أن تغيّر الكثير من هذا الواقع.
اغتصاب الوطن اغتصاب لعرض الأمّة:
إنَّ العدوان الإسرائيلي المتكرر المكثّف على الجنوب اللبناني وبقاعه الغربي وعلى مختلف الصعد. هذا العدوان الذي يتحرّك بطريقة وحشية من دون أيّ استنكار أمريكي أو أوروبي هو غير مبرّر وغير مقبول، ربَّما يقولون: إنَّ المقاومة هي المسؤولة عن العدوان الإسرائيلي، كما يتحدّث النّاس الطيبون الذين فرضت عليهم الضغوط كثيراً من الأوضاع الصعبة، بعض المسؤولين في لبنان قد يحاولون الإيحاء بذلك، عندما يقولون: إنَّ "إسرائيل" معذورة في قصفها وتدميرها وكلّ ما تقوم به، لأنَّ "إسرائيل" تدافع عن نفسها وعن أمنها. طبعاً هذا المنطق منطق انهزامي مرفوض ومنطق سياسي مشبوه، لكن على أساس هذا المنطق، ماذا تريد "إسرائيل"؟ تريد أن تحفظ أمن الجليل؛ أليس هذا هو المبرر المستمرّ لعدوانها المتواصل على الجنوب؟ لكن نتساءل؟ هل العمليات البطولية الجريئة التي يقوم بها مجاهدو المقاومة الإسلامية هي داخل فلسطين المحتلة حتى تقول إنَّ المقاومة قد اعتدت على أمن "إسرائيل" وعلى حدود "إسرائيل"، هل هي داخل المنطقة الحدودية حتى يُقال إنَّ إطلاق الصواريخ هو الذي يؤدي إلى مثل هكذا ردود أفعـال؟
أن تقتل عدوّك في بلدك، وأن تواجه المحتلّ في بلدك، لتقول له: لا مكان لك في بلدنا، هي جريمة سياسية تهدّد أمن البلد! وهل هذه مسألة سياسية أمنية يمكن أن تعطِّل رجوع جزّين إلى البلد؟ أيّ حكم هو هذا؟ أو أيّة ذهنية هي هذه؟ أن يُقتل إسرائيليون بيد مجاهدين وتأخذ "إسرائيل" حريتها في قصف كلّ النّاس وكلّ المناطق، وإطلاق الرصاص على السيارات المدنية، ثمَّ نقول: الحقّ على المجاهدين وليس على الإسرائيليين؟ لو فرضنا أنَّه دخل أحدٌ إلى بيتك ليعتدي على زوجتك وبناتك أو أولادك وقاومته وقام بردٍّ صعب، هل يمكن أن نقول لك لماذا قاومته؟ عرض الوطن أكبر من عرض المرأة، عرض الوطن اغتصاب للأمّة. لو أنَّ شخصاً دخل بيتكم للاعتداء على أعراضكم وعلى أموالكم وواجهتموه من أجل الدفاع عن بيتكم وأعراضكم، وقام بقصف جيرانكم والمحلّة التي أنتم فيها، هل تقولون الحقّ على الذي دافع عن عرضه وبلده، وليس الحقّ على هذا المعتدي المغتصب الغاصب؟ إذا كنتم لا تقبلون هذا المنطق لبيوتكم فكيف تقبلونه لمن يدافع عن عرض الأمّة وشرف الأمّة وأرض الأمّة، كيف يمكن أن يفكّر حكمٌ يحترم نفسه بهذه الطريقة، وكيف يمكن أن يفكّر شعبٌ يحترم مستقبله بهذه الطريقة؟
من حقّنا أن ندافع عن أرضنا:
احتلّت "إسرائيل" بلدنا بغير إذننا وبقيت في بلادنا وكلّ بلاد المسلمين، وهي عندما تخرج لا تستأذننا بذلك، وهي عندما تعتدي أو عندما تحاول أن تغرقنا في الأحلام: أنَّه إذا سكتت المقاومة فإنَّ من الممكن لها أن تنسحب، لن تنسحب "إسرائيل" من مكان إلاَّ بما يتوافق مع سياستها وشروطها وكلّ ما تفكّر فيه. لذلك، من حقّنا الإسلامي والوطني والقومي والحضاري والإنساني، من حقّنا أن ندافع عن أرضنا، إنَّنا لا نريد أن نكون مجرّد حشرات تحت أقدام الغزاة. إنَّ الذين يجاهدون ويقاومون يقولون لنا من خلال بنادقهم: إنَّ الذي يستطيع أن يقتل ضباطاً إسرائيليين في عملية محددة قادرٌ على أن يقتل الأكثر في المستقبل، و "إسرائيل" تعاني الكثير من فقدان جنودها، لماذا يقتلون أولادنا ونساءنا؟ هل هذه الأهداف المدنية التي يقصفها عملاء "إسرائيل" أو القوات الإسرائيلية، هل هي عسكرية؟ يقتلوننا ولا يريدون منّا أن نثور لكراماتنا.
لنحترم أنفسنا، لأنَّنا إذا لـم نحترم أنفسنا ولـم نحترم أرضنا ولا حريتنا، فإنَّ العالـم لن يحترمنا. العالـم قد يشتمك عندما تكون مجاهداً، ولكنَّه في الوقت الذي يشتمك هو يحترمك. ولكن عندما تكون عميلاً قد يمدحك ولكنَّه في الوقت نفسه يحتقرك. نحن نريد أن نكون محترمين عند ربّنا وعند أنفسنا وعند العالـم. لذلك، إنَّ المجاهدين هم شرفنا، هم عاشوراؤنا وكربلاؤنا، لأنَّهم وحدهم الذين كانوا حسينيين، لا الذين يعتصرون عيونهم لتنزل لهم دمعة ذليلة ثمَّ يقفون ليتحدّثوا عن المجاهدين بطريقة سلبية.
ونحن نريد أن نقول للجميع: لا ينبغي أن يخوض أحدٌ الجدلَ حول المقاومة، لأنَّ المقاومة هي التي تحفظ للبلد سيادته وحريته، فمن لا يحترم المقاومة ولا يدعمها فهو يفرّط بسيادة البلد.
أيُّها العرب والمسلمون
أسقطوا مؤتمر الاستسلام(1)
إنَّ المشكلة بيننا وبين الغرب ليست مشكلة أنَّ المسلمين يرفضون الانفتاح على شعوب العالـم، لأنَّهم منغلقون ومنعزلون، فالإسلام يطلب من المسلمين الانفتاح على كلّ النّاس، ويدعوهم إلى طلب العلم في كلّ مكان ولو في الصين، ففي زمن النبيّ (ص) كان لا يوجد مسلمون في الصين، "الحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث وجده(2)، لا وجود للطائفية في العلم، وفي ذلك ما يدلّل على أنَّ الإسلام لا يمكن أن يكون ضدّ أيّ شعب من شعوب العالـم، نحن لسنا ضدّ شعوب الغرب ولسنا ضدّ أيّ شعب من الشعوب، نحن نختلف معهم في الدين، في الخطّ الفكري، في الخطّ السياسي، كما نختلف مع بعضنا في الشرق في ذلك أيضاً، نحن لا نتعقّد من الشعوب، ولكنَّنا نرتاب من الإدارات التي تحكمها، الإدارة الأمريكية التزمت أمن وسياسة "إسرائيل"، التزاماً يكاد أن يكون أكبر من التزامها بأمن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وذلك على حساب أمن العرب كلّهم وأمن المسلمين كلّهم، لذا كانت عقدتنا من أمريكا في بعض المواقع السياسية، مصدرها التزامها المطلق بـ "إسرائيل"، ونحن نعرف أنَّ صديق عدوّك عدوّك. ورد في كلمة للإمام عليّ (ع) وهي كلمة عالمية: "أصدقاؤك ثلاثة، وأعدؤك ثلاثة؛ فأصدقاؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدوُّ عدوّك. وأعداؤك؛ عدوّك، وعدوّ صديقك، وصديق عدوّك"(3).
من هنا فإنَّ صديق عدونا الذي ينسّق مع "إسرائيل" ويتحالف معها ويعطيها كلّ ما يمكنه إعطاؤها هو الإدارة الأمريكية. فهي عدوّة المسلمين لأنَّها صديقة عدوّهم، فهي تخطّط لأن تكون "إسرائيل" الأقوى، ولأن تُمارس أكثر الأساليب وحشية ضدّ المستضعفين اللبنانيين والفلسطينيين. يقولون نحن نقصف لأنَّ المقاومة تتعرض للقوّة الإسرائيلية في المنطقة الحدودية، ويتحدّث الوسط السياسي عن نزع الذرائع من "إسرائيل"، لكن أيّ منطق هذا؟ بغض النظر عن كون "إسرائيل" احتلّت فلسطين وهي حقّ إسلامي، سنتكلّم كلبنانيين، نحن كلبنانيين نريد أن نسأل: ما هو مبرر مجيء الإسرائيلي إلى بنت جبيل وإلى مرجعيون، بنت جبيل ومرجعيون من بلدي، كلبناني من حقّي أن أطرد كلّ إنسان يدخل إلى بلدي بدون حقّ. لذلك فإنَّ المقاومة عندما تهاجم اليهود فإنَّها حتى من وجهة نظر وطنية تقوم بعمل دفاعي وكذلك من الوجهة القومية العربية والوجهة الإسلامية في النظر إلى الموضوع، خاصة وإنَّنا كمسلمين نعتبر الإسلام أساس كلّ منطلقاتنا الجهادية.
وعندما يكون الحديث عن سيادة لبنان نقول: لبنان بلدنا ونحن نعمل على تحريره من مغتصبيه، بالتالي فإنَّ مواجهة ذلك المغتصب بشكل مسلح من حقّي، ولا حقّ له في مطالبتي بعدم التعرّض له، فالنّاس تخلط بسبب الإعلام الغبي والموجه توجيهاً سيئاً بين حقّي المشروع ذاك وحقّ الإسرائيليين في الأمن، فيتساءلون: لماذا يقصفون جيش لبنان الجنوبي التابع لهم؟ علماً أنَّ المقاومة لـم تقصفهم في فلسطين كي يُقال: قُصِفوا في "إسرائيل"، بل تقصفهم في مرجعيون والبقاع الغربي وبنت جبيل؛ أيْ في بلدي حتى يخرجوا منه، ولكن أمريكا لا تقبل هذا المنطق لأنَّ الحقّ الإسرائيلي بنظرها هو الحقّ حتى لو كان خطأً، وهذا هو سرّ موقفنا ضدّ أمريكا لأنَّنا ضدّ "إسرائيل" حتى لو صار العالـم العربي بكلّ أنظمته مع أمريكا.
الضغط العربي لأجل حكم ذاتي:
إنَّنا كشعوب مستضعفة عربية أو إسلامية في العالـم الثالث: نعتبر أنَّ أمريكا تقف ضدّ الشعوب، ونحن حتى لو أطبقت علينا بقوّتها لن نعترف لها بشرعية تلك القوّة في العالـم، أمريكا نسّقت مع "إسرائيل"، وللأسف نسّق أكثر العرب معها أيضاً حتى ألغوا شخصية فلسطين السياسية فأصبح تمثيلها يُختصَر على فلسطين الضفة الغربية وغزة ما عدا القدس، أمّا الشعب الفلسطيني المشرّد فأمر لا دخل له بالمؤتمر، لا حقوق للفلسطينيين في دولة، بل مجرّد حكم ذاتي على غرار الحكم الذاتي المطروح للأكراد في العراق، والوضع العربي يضغط على الفلسطينيين في هذا الاتجاه تحت شعار الحرص على مسيرة السلام.
إنَّنا نقول: للفلسطينيين كلّ الفلسطينيين، بغض النظر عن رأينا السلبي من بعض الخطوط والتنظيمات السياسية الموجودة لديهم، نقول من موقعنا الإسلامي وبلغة الشعوب التي نتكلمها، لا لغة الأنظمة، إنَّ "بيكر" وزير خارجية أمريكا قال لكم إنَّكم ستكونون الخاسر الأكبر إذا لـم ينعقد مؤتمر السلام(1)، ونحن نقول لكم إذا دخلتم مؤتمر السلام بهذه الشروط الأمريكية والإسرائيلية فإنَّ خسارتكم ستكون أكبر من خسارتكم فيما لو لـم تدخلوا في مؤتمر السلام.
أيُّها الفلسطينيون، أيُّها المسلمون في العالـم، أيُّها العرب، إذا أراد مؤتمر السلام أن يتحرّك ضدّ قضية الشعب الفلسطيني أسقطوا مؤتمر السلام، لأنَّه سيكون مؤتمر الخيانة، نحن لسنا ضدّ السلام ولكنَّنا ضدّ الاستسلام وما يُراد للعرب أن يفعلوه هو الاستسلام.
إنَّنا نقول للفلسطينيين ما قلناه دائماً: إنَّ بيدكم ورقة الطابو، وما دامت هذه ورقة بأيديكم فلن تأخذ "إسرائيل" شرعية امتلاك الأرض ولو اغتصبت كلّ فلسطين، حتى لو اغتصبها كلّ العالـم حافظوا على ورقة الطابو لأجيالكم المقبلة التي تريد أن تتحرّك بعزّة وكرامة.
الرهائن والمخطوفون(1):
من النقاط التي نحتاج إلى إثارتها هي انشغال العالـم بقضية الرهائن، أجهزة الإعلام مستنفرة في كلّ المواقع للحصول على معلومات وتصريحات في هذا الشأن، العالـم كلّه مشغول بالمخطوفين الغربيين، ونحن قلنا في أكثر من مرة أنَّنا مع حلّ قضية المخطوفين منذ بدأت، وإنَّنا لا نرى أنَّ الخطف هو السبيل الأفضل لحلّ قضية سياسية بأسلوب الضغط، لأنَّ الاستكبار العالمي قد يستفيد من مثل هذا الأسلوب كما هي الحال الآن، أكثر مما يستفيد منه مستخدموه.
قلنا ذلك وكنّا من دعاة إغلاق هذا الملف نهائياً(2)، ولكن ما يلفت نظرنا هو أنَّ هناك حديثاً عن تحريك قضية الجنود الإسرائيليين وإنقاذهم، وعن تجميد كلّ قضايا الأسرى والمعتقلين والمخطوفين من الفلسطينيين واللبنانيين من أجل الأسرى الإسرائيليين، حتى إنَّ رئيس الولايات المتحدة عبّر عن تفهمه لامتناع "إسرائيل" عن إطلاق المعتقلين والمخطوفين بهدف إرجاع جنودها، وهو أمرٌ لا نستغربه، لأنَّ كلّ رؤساء الولايات المتحدة يعملون على أساس مصالحهم الانتخابية، ويقدّمون لـ "إسرائيل" العطف بمناسبة وغير مناسبة دون أن يشعروا بأيّ نوع من العطف على الضحايا الذين لا تزال آلة الحرب تقصفهم وتدمّرهم حتى هذه الأيام.
عندما تطلق "إسرائيل" مدافعها على المدنيين في قرى جبل عامل والبقاع الغربي لا تصدر عن رئيس الولايات المتحدة أو أيّ مسؤول من المسؤولين الغربيين أيّ كلمة تعاطف، ولكن عند خطف إسرائيلي واحد يمتلئ العالـم كلّه ببرقيات الأسف والشجب والاستنكار لكلّ هذا العنف.
إنَّنا نريد أن نتحدّث بعقل بارد على طريقة حقوق الإنسان، اللبنانيون والفلسطينيون الذين اعتقلتهم "إسرائيل" في لبنان أو في فلسطين، أو اختطفتهم الدولة التي تعترف بها الولايات المتحدة كالشيخ عبد الكريـم عبيد وسواه، هؤلاء كانوا يدافعون عن أرضهم وعن حريّتهم وكانوا يريدون طرد المحتلّ من أرضهم، وهم بذلك كانوا منسجمين مع شرعة حقوق الإنسان التي تقول: إنَّه لا يجوز لأيّة دولة أن تحتلّ أراضي دولة أخرى، ولا يجوز لأيّ شعب أن يطرد شعباً آخر، فالفلسطينيون يريدون طرد المحتلّ من أرضهم، وهم يقولون لليهود القادمين من سائر أنحاء العالـم بأيّ حقّ احتللتم أرضنا وسكنتم بيوتنا، اخرجوا من بيوتنا أرجعوها لنا، واللبنانيون الذين حاربوا "إسرائيل" في لبنان يقولون للإسرائيليين: على أيّ أساس احتللتم أرضنا وسيطرتـم على مقدراتنا، إنَّ هؤلاء يتحدّثون بلغة العدالة والحرية والحضارة الإنسانية كأيّ شعب يطالب بحقّه، ولكن نريد أن نسأل السيِّد "بوش"(1) ما هو شغل الجنود الإسرائيليين الذين دخلوا عنوة إلى لبنان، علماً أنَّ "إسرائيل" تقول بأنَّها لا تطمع في أرضه، وأنتم تقولون بأنَّكم حريصون على استقلال لبنان وسيادته؟ وما حكم جنود الاحتلال الذين يؤسرون ويقتلون في لبنان، هل هم ضحايا أم أبطال تحرير؟ كيف تقابلون بين المعتقلين في فلسطين وفي سجون الخيام وبين الجنود الإسرائيليين، هذا الطيَّار الإسرائيلي(2) الذي يتحدّث عنه العالـم من خلال حديث "إسرائيل" عنه، هل جاء في نزهة سياحية ليطلّع على جمال لبنان، أم جاء من أجل قتل الطفولة والإنسان ومن أجل تدمير العمران ومن أجل قصف المستضعفين الذين يعيشون في المخيمات في أسوأ حالات العيش، وليقصف اللبنانيين الذين كانوا يعيشون في ذلك المحيط.
إنَّنا لا نحدّثكم باسم العروبة، باسم الإسلام، كي تقولوا: إنَّ هذا تطرّف أصولي، تطرّف قومي، إنَّنا نحدّثكم باسم الإنسانية التي عملتم على إسقاطها عندما ضغطتم على الاتحاد السوفياتي باسم حقوق الإنسان من أجل إفساح المجال أمام اليهود لترك بلادهم، وطرد الإنسان المستضعف من فلسطين واحتلال أرضه ومسكنه، لذلك اسمح لنا يا "سيِّد" أن نقول بأنَّنا لا نستطيع الاعتراف بأنَّ أمريكا تفهم معنى الإنسانية، اسمح لنا أن نقول لك: إنَّ تمثال الحرية عندكم يمثّل تاريخاً نسيتموه لأنَّكم نسيتم كيف كانت بريطانيا تستعمر الشعب الأمريكي، الحريّة عندكم تاريخ وليست حاضراً ولا مستقبلاً، الحرية عندكم عنصرية لأنَّها تعمل على اضطهاد النّاس في العالـم لتحفظ حرية الإنسان الأمريكي والغربي فقط.
إذا لـم تحترموا حريتنا فكيف تريدوننا أن نحترم حريتكم؟ أنتم لا تتحدّثون إلاَّ عن السياسة الواقعية البرغماتية التي تعمل وفق مبدأ أن تُعطي وتأخذ لا أن تأخذ باستمرار إلى أن ينفذ ما لدى الآخرين.
نحن لسنا إرهابيين، إنَّنا أصدقاء كلّ العالـم الذي يحترم صداقته للشعوب الأخرى بشرط أن يحترم حريّتها، إذاً فإنّا لن نصدّق أنَّكم تريدون السلام، بل تريدون أن تحكموا قبضتكم على المنطقة من خلال "إسرائيل" تارة، ومن خلال قواكم المنتشرة في الخليج وغيره تارة أخرى.
إنَّ أميركا لا تمارس أيَّ ضغط على "إسرائيل" لإرغامها على إطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين لديها، لأنَّ أمريكا التي عطلّت إطلاق الرهائن بطريقتها السياسية الملتوية سابقاً قد تحتاج إلى هذه الورقة في المستقبل، لذلك نقول لكلّ الباحثين عن النهايات السعيدة أو غير السعيدة لهذه القضية، راقبوا الموقف الأمريكي فإنَّ هناك خاطِفين في المسألة، الأول: من خطف الرهائن والثاني: أمريكا التي أبقت الرهائن في مواقعهم لأنَّها تريد لقضيتهم أن لا تحلّ إلاَّ على طريقتها الخاصة. ونحن في الوقت الذي نتحدّث فيه عن المخطوفين الأجانب، نريد القول أن لا بُدَّ من معرفة مصير المخطوفين اللبنانيين داخل لبنان أيضاً، ولا بُدَّ لكلّ الذين يتحرّكون في المواقع السياسية من الدولة أو من غير الدولة أن يعلنوا لأهالي المخطوفين مصير هؤلاء، هل هم أحياء أم أموات؟ كيف هو وضعهم وحالهم؟ ومن بين هؤلاء المخطوفون الإيرانيّون من الدبلوماسيين(1)، لأنَّه لا يجوز لهذه القضية أن تبقى في دائرة الغموض باعتبار أنَّ الواقع الذي يعيشه أهالي المخطوفين في الداخل يشبه واقع أهالي المخطوفين في الخارج، لذلك لا بُدَّ من وجود اهتمام بهذه المسألة بشكل كبير وجدي.
قضية المخطوفين اللبنانيين والعدالة المفقودة(1)
علينا دائماً أن نكون الواعين، كي لا تسقط قضايانا، وإذا حاول إسقاطها الآخرون؛ علينا ألا نسقطها في أنفسنا، علينا أن نبقي هذه القضايا حيّة في داخل وعينا، وأفكارنا حتى نستطيع ولو في اللحظة المناسبة أن نستعيدها حيّة في كلّ مواقعنا الصغيرة والكبيرة.
إنَّ هناك كثيراً من الدول يعتبرون أنَّ "إسرائيل" عندما تقوم بإطلاق المعتقلين لديها، فإنَّها تقوم بمبادرة إنسانية لتسهيل مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة، لكنَّنا نريد أن نقول لكلّ العالـم إنَّنا كنّا ننتظر منه أن يدين "إسرائيل" في اعتقالها للبنانيين المجاهدين في سجون لبنان وفي سجون فلسطين، كنّا نريد للعالـم الذي يتحسّس حقوق الإنسان ويتحدّث عن حريات الشعوب، أن يطلق كلمة حاسمة قوية في أنَّ "إسرائيل" أسقطت حقوق الإنسان، وفي أنَّ "إسرائيل" تصرّفت تصرّفاً غير إنساني وغير حضاري، ولكنَّنا لـم نسمع تلك الكلمة، كلّ الكلمات كانت عن الرهائن الغربيين، كلّ حقوق الإنسان تتحرّك في هذه الدائرة، كلّ مسائل الحريّات الإنسانية تتحرّك في هذا الإطار، ولكن أن يعتقل عشرات الألوف من الفلسطينيين ومن اللبنانيين، فقط لأنَّهم يريدون أن يعيشوا في أرضهم أحراراً، ويستردّوا أرضهم، وأراضي المسلمين والعرب، إنَّ هذه المسألة لا تلقى أيّ اهتمام من أيّ موقع سياسي في العالـم المستقل.
إنَّ الكثير من النّاس حتى في داخل البلاد العربية، يتحمّسون للمسألة هناك بما لا يتحمّسون به للمسألة هنا، كأنَّ القضية هي قضية أن يكون الإنسان الغربي حراً في كلّ مكان في العالـم، وألا يكون الإنسان العربي أو الإنسان المسلم حراً حتى في بلده، أن تضطهد حرية الإنسان العربي، أو حرية الإنسان المسلم في بلده هذا أمرٌ لا بُدَّ من التحدّث فيه بطريقة سياسية واقعية عملية، أمّا أن يُضطهَد أيّ إنسان غربي في أيّ مكان في العالـم، فهذه مشكلة عالمية يجب أن يقف بإزائها كلّ العالـم ليدافع عن قضية حقوق الإنسان.
إنَّ الغربيين عندما تحدّثهم عن معتقل عندهم يقولون بأنَّنا نراعي قوانيننا، نحن اعتقلنا هؤلاء وأولئك وحاكمناهم، وهذه مسألة قانونية، والسلطة القضائية عندنا مفصولة عن السلطة السياسية، نحن في المقابل نقول: القانون لا بُدَّ أن يحترم هنا. إذا اعتقلت إيران أو أيّ بلد عربي.. العراق.. سوريا.. لبنان، إذا اعتقلوا شخصاً بريطانياً أو اعتقلوا شخصاً أمريكياً، أو اعتقلوا أيّ أوروبي، أو أيّ شخص آخر ممّن يملك مظلّة دولية، فإنَّ المسألة تتحرّك في الإعلام لتروّج على أنَّ هذا الاعتقال ليس له مبرراته، وأنَّ هذا الاعتقال لا أساس له، وتبدأ المفاوضات طولاً وعرضاً لإنقاذ هذا المعتقل البريطاني، أو الأمريكي، أو الأوروبي وما إلى ذلك. لماذا عندما تصدر بلادكم أحكاماً على جماعة من النّاس تعتبرون هذه الأحكام مقدسة؟ وعندما تصدر بلداننا العربية والإسلامية، أو بلدان العالـم الثالث أحكاماً على أناس عندكم لا تكون هذه الأحكام محترمة؟ المسألة هي إمّا أن نلتزم جميعاً كشعوب في كلّ العالـم بحقوق الإنسان، سواء كان إنساناً غربياً أو شرقياً، وإمّا إذا أردنا ألا نلتزم بحقوق الإنسان الشرقي، فعلى أيّ أساس يجب أن نلتزم بحقوق الإنسان الغربي.
إنَّنا نريد للعالـم أن يعيش في أجهزته الإعلامية والسياسية، المسؤولية الإنسانية والحضارية، وإلاَّ كيف يمكن أن تقنع النّاس الذين يعيشون كلّ هذا الاضطهاد وكلّ هذه الضغوط أن يكونوا أناساً مهذبين في مسألة حقوق الإنسان، ففي كثير من الحالات ربَّما يفقد الإنسان كثيراً من مرتكزاته السياسية وحتى الدينية أمام الواقع الصعب الذي يضغط عليه في هذا الموقع أو ذاك.
إنَّنا قلنا مراراً، ولا نزال نقول: إنَّنا نرفض أن يضطهد أيّ إنسان بريء في العالـم، ولكن لا نريد أن يميّز بين إنسان وآخر، وعلى هذا الأساس فإنَّنا نعتقد أنَّ ما فعلته "إسرائيل" في هذا المجال هو استدراك لعدوانها بالنسبة إلى هؤلاء المعتقلين الذين عرفنا من بعضهم طبيعة المعاملة الوحشية للمعتقلين في سجون العدوّ، وهو أبشع ما عرفته البشرية من همجية.
إنَّنا نتساءل مع العالـم كلّه الذي يتحدّث عن المخطوفين: ما هو مصير الشيخ عبد الكريم عبيد، ألـم يخطف من بيته من قِبَل دولة تعترفون بها كعضو في الأمم المتحدة؟ لماذا لـم ينطلق الصوت عالياً في هذه المسألة كما انطلق الصوت عالياً في المسائل الأخرى؟
إنَّ علينا أن نواجه كلّ قضايانا، وكلّ مسائلنا المصيرية بمسؤولية كما أوصانا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله): "من رأى منكم منكراً" - منكراً في الالتزامات الدينية - "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لـم يستطع فبلسانه، فإن لـم يستطع فبقلبه إنَّ ذلك أضعف الإيمان(1)، إنَّ اللّه يريدنا أن نقاتل في سبيله صفاً كأنَّنا بنيان مرصوص. فليجيبنا العالـم أجمع على هذا السؤال وليرينا أين الحقيقة في هذا الموضوع؟!!
نؤيّد القوى الفلسطينية الرافضة لمؤتمر السلام(1)
لاحظت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنَّه لا فرق بين سياسة جنوب أفريقيا العنصرية وبين سياسة "إسرائيل" العنصرية، باعتبار أنَّ سياسة جنوب أفريقيا كانت تقوم فيما سبق على مبدأ ألاّ حرية للأكثرية السوداء أصحاب البلاد، بل الحرية هي للأقليّة البيضاء.
"إسرائيل" انطلقت أولاً، فشرّدت الفلسطينيين من فلسطين، ونحن نعرف أنَّ جنوب أفريقيا أو حكومة جنوب أفريقيا لـم تخرج الأفارقة السود من جنوب القارة، فهي أكثر إنسانية من "إسرائيل" في هذا الموضوع، ثـمَّ بعد ذلك لـم تعطِ للفلسطينيين أيّ حقّ حتى في إدارة شؤونهم وفي تقرير مصيرهم، بل عملت على أن يكون الفلسطينيون مواطنين من الدرجة الخامسة أو السادسة، وعملت على مصادرة أراضيهم واعتقالهم بدون حقّ، ولا تزال مستمرة في هذه الأعمال الإجرامية. لقد أدركت شعوب العالـم في الجمعية العامّة للأمم المتحدة، التي لا تملك فيها أمريكا حقّ الفيتو، أنَّ الصهيونية حركة عنصرية، وجاء الرئيس "بوش" ليطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تُلغي هذا القرار، لماذا؟ لأنَّ الصهيونية ليست حركة سياسية ولكنَّها حركة إنسانية جهادية جاءت من أجل تسهيل عودة الشعب اليهودي إلى وطنه؟ نحن لا نستطيع أن نحدّد مراد الرئيس "بوش" من كلمة الوطن، هل أنَّ قوانين الحضارة وحتى القوانين الأمريكية الآن، ترى أنَّ الوطن هو البلد الذي كان يسكن فيه الأجداد قبل 2000 سنة، أو الوطن هو الذي يسكنه النّاس من عقود وعقود وقرونٍ وقرون، نحن لا نعتقد أنَّ الرئيس "بوش" يفكّر بهذه الطريقة، ولكنَّ مشكلته هي مشكلة كلّ الرُّؤساء الأميركيين السابقين؛ الانتخابات الأمريكية القادمة، ومشكلته هي اللوبي اليهودي الذي يسيطر على الكونغرس الأمريكي.
إنَّنا نعرف جميعاً أنَّ فلسطين هي وطن، سكانّها فلسطينيون عرب، مسلمون بأكثريتهم، ونحن لا مشكلة عندنا في أن يبقى اليهود الذين كانوا يسكنون فلسطين قبل احتلالها وأن يرجع كلّ الفلسطينيين إلى أرضهم.
ونقول: إنَّ سياسة جنوب أفريقيا الآن هي أكثر تقدّماً، وأكثر إنسانية من سياسة أمريكا، لأنَّ سياسة حكومة جنوب أفريقيا أعطت السود حقّ المشاركة في الحكم، وربَّما تتحوّل حكومة جنوب أفريقيا إلى حكومة سوداء(2)، باعتبار أنَّ السود يمثّلون الأكثرية في هذه الحكومة، ولكنَّ أمريكا لا توافق، ولا تدعو، ولا تضغط، ولا تقوم بأيّ جهد لعودة الفلسطينيين الذين شرّدوا من فلسطين إلى وطنهم، وهي تعمل وتموّل، وتضغط وتحدّد علاقاتها بكلّ العالـم من خلال هجرة اليهود إلى فلسطين.
إنَّ الصهيونية حركة عنصرية ولذلك، فالسياسة الأمريكية هي أيضاً عنصرية، لأنَّها تعمل على تمكين "إسرائيل" من اضطهاد الشعب الفلسطيني حتى لو تسترت بالسلام الذي تدعو إليه، لأنَّ السلام الذي تريده هو سلام الشخصية اليهودية لا الشخصية الفلسطينية، وهذا ما لاحظناه في طريقتها في إدارة المسألة الفلسطينية.
نحن نعرف وكلّكم تقرؤونه أنَّ الوفد الفلسطيني الذي كان يفاوض أمريكا لـم يستطع أن يحصل من أمريكا على وعدٍ بحقّ الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، بل كلّ ما هنالك، كما تتحدّث وسائل الإعلام، أنَّ الفلسطينيين يمكن أن يحضروا ضمن وفد أردني، ويمكن لهم أن يتحدّثوا، لكن من دون أن يتمتّع الوفد الفلسطيني بهويّة فلسطينية واضحة، فلسطين التي كانت في الماضي حقيقةً سياسية تعيش تحت الاستعمار البريطاني، يُراد لها أن تلغى من قاموس القانون الدولي، إنَّ أمريكا تمارس التمييز العنصري بين العرب وبين اليهود، فتعطي لليهود كلّ شيء، ولا تعطي العرب أيّ شيء.
إنَّنا نتساءل، أمريكا تدفع في كلّ سنة ما يُقارب الأربعة مليارات دولار لـ "إسرائيل"، كقروض ومساعدات وما إلى ذلك، حتى إِنَّ بعض الأمريكيين كتب في بعض الصحف الأمريكية يقترح أن تكون "إسرائيل" ولاية أمريكية تضاف إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى لا تحمّل دافع الضرائب الأمريكي العبء الذي يتحمّله الآن، لأنَّه لو صارت ولاية أمريكية لصرفت عليها حكومة الولايات أقلّ ما تصرفه عليها وهي دولة مستقلّة الآن.
إنّي أتساءل، ماذا أعطت أمريكا من المساعدات المادية للفلسطينيين في داخل فلسطين؟ ماذا أعطتهم؟ لـم تعطهم أيّ شيء، حتى على مستوى المؤسسات الخيرية. وهكذا نجدها تضغط على الفلسطينيين بكلّ قوّة. نحن نعرف الآن أنَّ أمريكا تضغط على الفلسطينيين بشكل مباشر، وتضغط على الفلسطينيين بشكل غير مباشر من خلال أكثر من دولة عربية من أجل أن يدخلوا لعبة المفاوضات، لأنَّهم إذا رفضوا أن يدخلوا مؤتمر السلام، ورفضوا أن يشاركوا، فإنَّ الحديث على أنَّ العرب سيواصلون حضور هذا المؤتمر؛ ليس حقيقياً، لأنَّ العرب لا يستطيعون أن يدخلوا مؤتمر سلامٍ بدون فلسطين.
لذلك، نحن قلنا للفلسطينيين، إنَّ فرصتكم الوحيدة الآن هي في أن ترفضوا دخول المفاوضات، لأنَّكم إذا رفضتم فستأخذون شروطاً أكثر(1)، وستحرجون العرب، وستحرجون أمريكا. ليس صحيحاً أنَّكم لا تملكون قوّةً في مواقفكم، وأنَّ "بيكر"(1) ينذركم أنَّكم ستكونون الخاسر الأكبر، إنَّكم تملكون ورقة الطابو كما قلنا لكم سابقاً، ومن يملك ورقة الطابو، فلن تستطيع أيّة دائرة من دوائر الدولة أن تضعف موقفه.
نضمّ صوتنا إلى قوى التحرر:
لذلك إنَّنا نضمّ صوتنا إلى قوى التحرر الفلسطينية الرافضة، سواءً كانت من القوى الإسلامية، كحركة الجهاد في فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، أو القوى التحررية كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية القيادة العامة، وكلّ القوى الرافضة التي طلبت من عرفات أن يقول لا، لأنَّ لا في هذا الوقت تمثّل قوّة الموقف الفلسطيني الذي يستطيع أن يفرض الكثير من شروطه، أمّا نعم، فإنَّ معناها أن يُقاد الجميع إلى المذبح، وألا يبقى هناك شيء اسمه فلسطين، وأن تتحرّك المسألة وفق ما يقوله شارون من أنَّ فلسطينكم هي الأردن، فعن أيّ فلسطين تتحدّثون، تصرّفوا في الوفد كأردنيين.
إنَّنا نقول للفلسطينيين الرافضين أن يضغطوا أكثر، ونقول للفلسطينيين المؤيدين أن يتحفظوا في تأييدهم أكثر، وألا يعطوا كلّ أوراقهم، لأنَّ من يعطي كلّ أوراقه في لعبة المراهنات فسوف يكون الخاسر الأكبر في اللعبة. الاحتفاظ بالورقة هو الذي يعطيكم إمكانات الربح، أمّا إعطاء الأوراق كلّها فلن يعطيكم شيئاً.
على خطّ آخر، هناك وفد لبناني على أعلى المستويات ذهب إلى أمريكا ليخطب في كلّ وفود العالـم(2)، في ما هو الحقّ اللبناني في قضيته العادلة، وهي قضية انسحاب "إسرائيل" من الجنوب، والمطالبة بتنفيذ القرار 425، والحديث مع أمريكا بأن تعطف على هذا اللبنان اليتيم الفقير الصغير الذي يحتاج إلى وصيٍّ يرعى أموره، ويُراد لأمريكا أن تكون الوصيّ الذي يرعى شؤون هذا اليتيم. إنَّنا نلاحظ، أنَّ الوفد اللبناني لن يستطيع أن يأخذ شيئاً، وإذا قيل لكم بأنَّه استطاع أن يأخذ ضمانات لتنفيذ القرار 425 بدون قيدٍ أو شرط وبعيداً عن مؤتمر السلام، فإنَّنا على الأقلّ نشكك في ذلك، ونتصوّر أنَّ تصريحات المسؤولين اللبنانيين الكبار هي تصريحات للاستهلاك الداخلي، ولذرّ الرماد في العيون، لأنَّ المسألة هي أنَّ أمريكا لا توافق على تنفيذ القرار 425 إلاَّ على أساس المفاوضات بين لبنان وبين "إسرائيل"، لأنَّ القرار 426 يحدّد آلية تنفيذ القرار 425، هذه نقطة. النقطة الثانية إنَّكم تسمعون من كلّ السياسيين اللبنانيين أنَّ القرار 425 هو قرار ملزم لا بُدَّ من تنفيذه، ولكن دراستنا للقرار 425، هو أنَّ هذا القرار وضع تحت بند الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتحدّث عن هذا القرار بحيث يطبّق سلمياً وبالتراضي بين الأطراف. لـم يكن القرار 425 داخلاً في بنود الفصل السابع الذي يلزم الأمم المتحدة ويلزم العالـم بتطبيقه، ولكنَّه داخل في بند الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعتبر هذه القرارات قراراتٍ لا بُدَّ أن تطبّق سلمياً بالتراضي بين لبنان وبين "إسرائيل"، لذلك حتى القرار لا يلزم "إسرائيل" بشكل ضاغط، ولكنَّه يطلب منها أن تقوم بمفاوضاتٍ مع لبنان بغية الوصول إلى حلّ في هذا المجال.
نحن نعرف أنَّ أمريكا لا تزال تضغط على لبنان من أجل أن يعدّ نفسه للاعتراف بـ "إسرائيل" ولتقاسم المياه مع "إسرائيل"، حتى إنَّ البعض يقول إنَّ اجتياح "إسرائيل" للبنان في سنة 82 كان من أهدافه السيطرة على المياه اللبنانية حتى يمكن لـ "إسرائيل" أن تضغط من خلال هذا الاحتلال، للسيطرة على المياه. لهذا فإنَّ المستقبل الذي نقبل عليه هو مستقبل تريد أمريكا من خلاله أن تعطي "إسرائيل" كلّ ما تريد من لبنان، وعندما تنسحب "إسرائيل" من لبنان، فإنَّها تكون قد أخذت قسماً كبيراً من المياه. وقد استطاعت أن تفرض وضعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي عليه، وعندها هل يتحوّل لبنان إلى لبنان إسرائيلي يأخذ اسم لبنان ويبقى علم لبنان، فيما السياسة اللبنانية تسير في اتجاه آخر؟ إنَّ هذه الذهنية السياسية، لن تستطيع أن تُعطي اللبناني عنفوان المستقبل في ما هي العزّة والحرية والكرامة، لأنَّنا نلاحظ أنَّ الكثيرين لا يفهمون ما معنى العزّة والحريّة والكرامة، بل يفهمون معنى التجارة التي تضخّم ثرواتهم ولو على حساب الشعوب وأراضيها وكراماتها.
دخول الفلسطينيين مؤتمر السلام
انتحار للقضية الفلسطينيين(1)
إنَّنا إذا كنّا لا نملك القوّة التي نستطيع معها أن نواجه أعداءنا، فعلينا أن نعمل على صنع القوّة من الداخل حتى نستطيع أن نقول حسبنا اللّه ونعم الوكيل.
منظمة التحرير والشروط الإسرائيلية:
حول هذا الموضوع هناك عدّة نقاط:
النقطة الأولى: وتتعلّق بقرارات المجلس الفلسطيني، باعتبار أنَّ هذه الدورة للمجلس الفلسطيني عُقِدت من أجل التشاور في مسألة دخول الفلسطينيين في ما يُسمَى بمؤتمر السلام(2)، وعدم دخولهم، حيث انقسم الفلسطينيون داخل المجلس إلى أصوات معارضة وأخرى مؤيدة لها، ربَّما قيل عنها: إنَّها معقولة وواقعية، والمهمّ أنَّها أعطت في النتيجة التفويض للمجلس الوطني، وهو بدوره يفوّض الأمر إلى قيادة منظمة التحرير لتقرير ذلك، وقيل إنَّ هذه القيادة ركّزت على نقاط ثلاث لقبولها الدخول إلى مؤتمر السلام:
1 ـ وقف الاستيطان الإسرائيلي قبل بدء المفاوضات.
2 ـ أن يكون التمثيل الفلسطيني من الداخل بما فيه القدس ومن الخارج.
3 ـ أن تُعطى ضمانات للفلسطينيين بأن يكون لهم حقّ تقرير المصير، وأن يكون الانسحاب الإسرائيلي على مراحل، وحلّ النزاع العربي الإسرائيلي بشكل متكامل.
لقد فرضت هذه الشروط مع علمنا أنَّها لا تحقّق أيّ نتيجة تُذكر، لأنَّ "إسرائيل" لـم توقف الاستيطان في الضفة الغربية وغزة، ويتضّح ذلك من خلال التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الأمريكيون الذين يرفضون وجود أيّ علاقة بين إيقاف الاستيطان وبدء مؤتمر السلام، ولـم يكن هذا موقف أمريكا فحسب، بل كان موقف الدولة العربية الأقوى مصر، وإن احتجت على الاستيطان بدايةً ولكنَّها ما لبثت أن رضخت للتعنّت الإسرائيلي الأمريكي.
النقطة الثانية: قضية تمثيل الفلسطينيين في الداخل والخارج، فالظاهر أنَّه أمرٌ ترفضه "إسرائيل"، ومن ورائها أمريكا، لا سيّما فيما يتعلّق بالقدس التي صوّت الكونغرس الأمريكي على أنَّها عاصمة أبدية لـ "إسرائيل".
النقطة الثالثة: نسأل هل يكون هناك ضمانات لحقّ تقرير المصير والانسحاب الإسرائيلي، هذا أمرٌ لا تفي به أمريكا، ولـم تقدّمه حتى في الرسالة التي بعثت بها إلى منظمة التحرير. لقد فرضت هذه الشروط في دورة المجلس الوطني الفلسطيني، ولكنَّ منظمة التحرير تسعى الآن وتتصرف كما لو كانت تحضّر لمؤتمر السلام، حتى لو لـم تحقّق فيه أيّ بند من هذه البنود(1)، ومعنى ذلك أنَّ دخولها المفاوضات سيكون ضعيفاً، ولذلك نعتبر أنَّ دخول الفلسطينيين في مؤتمر السلام ـ بقطع النظر عن رأينا وعن رفضنا له - يعتبر انتحاراً سياسياً وعملاً لبيع القضية الفلسطينية بالكامل وتسجيل التوقيع الفلسطيني على ذلك.
قد يقول بعض النّاس لماذا أنتم متطرفون؟ تقولون إمّا أن نأخذ كلّ شيء أو لا نأخذ شيئاً، عليكم أن تكونوا واقعيين وتحضروا مؤتمر السلام، فإن لـم تحضروا؛ فإنَّكم لن تحصلوا على شيء، ولكنَّ القضية ليست كذلك! لأنَّ أيّ مؤتمر لا بُدَّ أن يُعقد بين فريقين من النّاس، حيث تكون هناك واقعية في النتائج الإيجابية التي يمكن أن يفكر بها الفريق المعتدَى عليه، ونحن ندرك تماماً أنَّه لا يمكن لـ "إسرائيل" ولو بنسبة ضئيلة جداً أن تنسحب من شبر واحد من كلّ الأراضي المحتلة إلاَّ من خلال الجهاد والمواجهة المسلحة، أو إذا كان هناك ضغطٌ دوليٌّ في مستوى الضغط الذي قام به التحالف الدولي بقيادة أمريكا في مسألة احتلال العراق للكويت.
إنَّ المفاوضات سوف تحشر الفلسطينيين في الزاوية لأنَّهم لا يملكون أيّ وسيلة من وسائل الضغط أو أيّ موقع من مواقع القوّة، فلو لـم يحضروا المؤتمر لجعلوا العالـم يلهث وراءهم ليعطيهم بعض مواقع القوّة التي قد يستطيعون من خلالها أن يواجهوا كلّ الغطرسة الإسرائيلية، وكلّ مواقع القوّة الإسرائيلية. ومعنى ذلك أنَّ مؤتمر السلام سيكون انتحاراً سياسياً بفضل الضغوط التي ستمارسها الغالبية من العرب الذين يسيرون في الخطّ الأمريكي، ومن خلال الضغوط الدولية حيث لا ينال الفلسطينيون أكثر من الحكم الذاتي الذي جاءت به اتفاقية كامب ديفيد في هذا المجال.
"إسرائيل" والقرارات الدولية:
بماذا يتسلح لبنان لدخول المفاوضات يقول: إنَّ بأيدينا القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن كحُكم مُبرم لا بُدَّ من تنفيذه، وهو ينص على انسحاب "إسرائيل" بدون قيد أو شرط، وكذا الادعاء بأنَّهم استطاعوا أن يحصلوا من أمريكا على قرار بالفصل بين تنفيذ القرار 425 وبين مؤتمر السلام، ويعتبرون ذلك نصراً كبيراً بشّر به الرؤساء الثلاثة الشعب اللبناني(1). وإذا فحصنا جيّداً في المسألة نجد أنَّ الكثيرين يتصرفون على أساس أنَّ النّاس لا يفكرون ولا يعقلون، وبما أنَّ بعض النّاس يطربون للألحان التي يسمعونها من دون أن يشغلوا عقولهم فإنَّ حالهم سيكون كمن هو في حفلة راقصة، تنطلق الموسيقى فيرقصون، ولكنَّهم لا يفهمون كلّ النتائج.
وعود أمريكية كاذبة إلى لبنان مقابل إلغاء المقاومة:
وما يلفت الانتباه أنَّ هذا الوعد الأمريكي لـم يكن الأوّل، إنَّما سبق ذلك فيضٌ من الاعترافات على لسان المسؤولين الأمريكيين طيلة عهد الفتنة، بأنَّهم يعترفون بسيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه فضلاً عن تطبيق القرار 425 الذي جاء بناءً على الاقتراح الأمريكي سنة 1987، وتحفظ الاتحاد السوفياتي حينها على هذا القرار. أمّا اليوم فيقولون: إنَّ هذا القرار لا علاقة له بمؤتمر السلام، لأنَّ طبيعة القرار فيه انسحاب بدون قيد أو شرط، ولا يمكن ربطه بمؤتمر السلام، تحدّثت أمريكا عن تنفيذ القرار، ولكنَّها الدولة المعروفة بأنَّها لـم تفِ بأيّ التزام، وإن التزمت بشيء مع الدول الضعيفة فهي تلعب لعبة مزدوجة، ولذلك فإنَّهم لن يأتوا بشيء جديد، إلاَّ بوعود مطّاطة دون تحديد مدّة زمنية، وحتى دون وضع آلية للتنفيذ، إذاً هناك تعهد أمريكي في هذا المجال ولكن بشرط؛ أن توقفوا أعمال المقاومة وتنزعوا سلاحها، وأن تبتعد عن الحدود الإسرائيلية التي يقوم بحمايتها قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني، وطلب ضمانات من جهات أخرى، فعند ذلك، بعد تجربة سنة من تاريخه، إذا أثبتم قدرتكم؛ نفكّر بطريقة نضغط بها على "إسرائيل" لأجل أن تنسحب.
إنَّ المقاومة لا زالت القوّة الوحيدة التي تزعج "إسرائيل"، ولا بُدَّ أن تُترك لها حرية الحركة في المنطقة لتهزم الذين يتعاملون مع "إسرائيل" نفسياً في بعض الأوضاع، وبالعمليات العسكرية الناجحة في معظم الحالات، فإذا سقطت المقاومة فما هي الضمانات لانسحاب إسرائيلي، إنَّ "إسرائيل" تحاول أن تعقّد الوضع اللبناني، وعلينا نحن أن نضغط على المحتلّ حتى ينسحب من البلد، لا أن نضغط على الذين يحاربون المحتلّ حتى يطردوه.
إنَّ أمريكا التي تقف ضدّ المقاومة اليوم هي ذاتها كانت قد وقفت إلى جانب المجاهدين الأفغان أثناء الحرب الباردة التي كانت تخوضها ضدّ الاتحاد السوفياتي، إذاً لماذا كانت أمريكا تشجع المقاومة ضدّ الاحتلال في أفغانستان فيما تطلب إنهاء المقاومة ضدّ الاحتلال في لبنان. إنَّ أمريكا تحاول إدراج المقاومة تحت عنوان الميليشيات، مع أنَّ اتفاق الطائف الذي تحوّل إلى دستور لبناني؛ يؤكّد على مسألة المقاومة ودعم الدولة لها حتى زوال الاحتلال، ولكنَّ هاجس أمريكا الوحيد هو ألاّ يقوم أحدٌ بإزعاج "إسرائيل"، أو ممارسة الضغط عليها، هذا، وإذا عقد مؤتمر السلام وكما هو معروف ستشكّل لجان كلجنة إسرائيلية لبنانية، أو أخرى سورية إسرائيلية، نحن نسأل: عن ماذا سيتحدّث المفاوض اللبناني مع "إسرائيل"؟ سيتحدّث عن الاحتلال و"إسرائيل" عندما تبدأ المفاوضات سوف تتحدّث عن الفلسطينيين الموجودين في لبنان، هذا ما سيتحدّث به الوفد الفلسطيني، وأمّا الاحتلال فسيتحدّث عن شروطه ليسقط القرار 425 بحيث يبحث في المفاوضات الشروط الإسرائيلية لانسحابها من لبنان.
ومن المعلوم أنَّ "إسرائيل" ستركّز على مسألة المياه مستندة إلى ما بحث في اتفاق 17 أيار، خاصة وأنَّ الظروف وأوضاع المنطقة أشدّ تعقيداً مما كانت عليه في المرحلة السابقة وإذا كان يوجد آنذاك نوع من التوازن في الواقع السياسي العربي فهو غير موجود الآن.
محاولات إسرائيلية جديدة لفرض 17 أيار آخر:
ونتيجة للخلل الواضح وفقدان التوازن الدولي تحاول "إسرائيل" أن تفرض شروطها على لبنان، كأن يكون لها الحقّ في القيام بدوريات داخل لبنان في الوقت الذي لا يحقّ له أن يحلّق بطيرانه في الجنوب إلاَّ بموافقتها كما جاء في اتفاق 17 أيار. من الأمور التي طالبت فيها أمريكا الوفد اللبناني أنَّه يجب تنفيذ القرار 525 الذي يركّز على تزامن عملية الانسحاب بين "إسرائيل" وسوريا من لبنان مع بقية الفلسطينيين والإيرانيين كما يقولون، هذا مع العلم أنَّ تواجد الجيش السوري ناتج عن أوضاع أمنية تحتاجها الدولة اللبنانية.
وبالنتيجة، فإنَّ التفاوض بين لبنان و"إسرائيل" هو أشبه بالتفاوض بين الحمل والذئب، وذلك ما حصل مع الوفد اللبناني في عملية 17 أيار، حيث أخذته العزّة اللبنانية، وحاول أن يشمخ بالأرض ويشرب حليب السِّباع، ويطلب من "إسرائيل" تحقيق بعض المطالب، فكان جواب المفاوض الإسرائيلي للمفاوض اللبناني بأيّ لغة تتحدث، ومن أيّ موقع؟ لأنَّهم: أيّ الإسرائيليين، كانوا عملياً يمثّلون لبنان وحريته لأنَّهم كانوا يمسكون بزمام القوّة على الأرض.
من هنا نجد أنَّ المحتلّ هو الذي يفرض الشروط وليس العكس، وبما أنَّ الأوضاع تحمل خطراً جدياً؛ فإنَّ على الحكم أن يكشف عن الحقائق للرأي العام اللبناني، لأنَّنا نعتقد أنَّ كلّ ما يدور من أحاديث حول ضغوطات تُمارَس على الحكم لأجل الدخول في المفاوضات، فهي من قبيل التلاعب على الكلمات من خلال فلسفة القضية، كما لو أنَّها حقّقت انتصاراً كبيراً على المستوى السياسي.
من هنا فإنَّه لا قيمة للكلمة وحدها إن لـم تعضدها القوّة، ونحن نعتقد أنَّ الفلسطينيين عندما انطلقوا بحركتهم السياسية نحو المشاركة في مؤتمر السلام لـم يتحرّكوا على أساس المصلحة الوطنية الفلسطينية وكذا فعل المعنيّون في لبنان.
قد جهدت المخابرات المركزية الأمريكية وغالبية الأجهزة الإعلامية في استصراح أعداد من السياسيين اللبنانيين، وعلى أكثر من مستوى حول مؤتمر السلام وكيف أنَّه يمثّل الطريقة الواقعية للوصول إلى الأهداف التي نرى أنَّها لن تحقق مصالح الشعب اللبناني، لا من قريب ولا من بعيد.
وهذا ليس رأينا فحسب، بل هو رأي بعض سفراء الدول العربية التي نصحت لبنان بعدم الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع "إسرائيل"؛ كما نقل إليَّ أحد القياديين، لأنَّه لن يحصل على شيء، وما عليه إلاَّ أن يوقّع ما تريده "إسرائيل" دون أن يكون لديه حدٌ أدنى من الممانعة.
أمريكا تضغط على العرب بالعرب(1)
مشكلة الجنوب عند كلّ الحكومات اللبنانية والدول العربية والمواقع الدولية، هو ما فُرض عليه من حرمان مستمرّ فيما أُريد له من نسيان مطبق شامل، وفيما أُريد له من تعسّف متنقّل بالفتنة هنا وهناك، مشكلة الجنوب أنَّ الجميع يريدون تأديبه، لماذا؟ لأنَّه يقف بقوّةٍ ضدّ "إسرائيل" في الوقت الذي سقطت فيه كلّ الحدود الأخرى لفلسطين تحت تأثير اللعبة الدولية والعربية والمحلية.
لماذا يبقى الجنوب وحده مقاومة، وفوق ذلك لا بُدَّ من أن يؤدّب أوّلاً ويؤدّب ثانياً، يؤدّب بالحرمان من حقوقه الوطنية ويؤدّب بالقصف الإسرائيلي المستمر، ويؤدّب بالاجتياح الإسرائيلي وبموافقة أمريكا ومباركتها، وترحيب الكثيرين من الذين يعيشون داخل لبنان بانفتاحهم المنحرف على هذه المسألة، فهؤلاء لا يفتأون يحرّضون الشعب الجنوبي على المقاومة، منطقهم هو: اطردوا المجاهدين، وهذا مطلب أمريكا، اطردوا المقاومين، وهذا مطلب العرب، اطردوا كلّ من يفكّر بالحرية، وهذا هو مطلب السياسة اللبنانية الداخلية، مطلب الكثيرين من الذين يتحرّكون في داخل لبنان بطريقةٍ سياسية خرقاء يطلقون عليها اسم المقاومة. هذه المقاومة التي يريدونها هي مقاومة لا يمكن أن تجرأ على قتال "إسرائيل"، مقاومة مستعدّة لأن تقاتل كلّ العرب عندما يكون لهم دور في لبنان، مقاومة مستعدة أن تقاتل سوريا في كلّ مكان من لبنان، مقاومة تتحدّث عن المجاهدين الحقيقيين في مقاومتهم لـ "إسرائيل" بطريقةٍ سلبية، وتحاول أن تثير الحكومة اللبنانية ضدّ المجاهدين.
هذا ما يسمّى في الداخل بالمقاومة اللبنانية فيما تتحرّك به من أساليب ومن كلمات ومن تحليلات ومن مواقف. إنَّهم يتحدّثون دائماً أنَّ "إسرائيل" قوّة كبيرة فما الفائدة من مقاومتها، ولكنَّنا نقول لكم سوريا قوّة كبيرة، فلماذا قاومتموها؟ أو أنَّ المسألة أنَّكم متحالفون مع "إسرائيل" ومع الذين يدعمون "إسرائيل"، ضدّ سوريا وضدّ كلّ المنطقة العربية.
لماذا حصل اجتياح 82؟
لذلك فإنَّ علينا أن نفهم المسألة على أساس قِيَمِنا الكبيرة، بعض النّاس يقولون وما أكثر النّاس الذين يقولون، بأنَّ مشكلة الجنوب هي في وجود المقاومة، وأنَّه لو توقفت المقاومة لتوقفت "إسرائيل" عن اعتداءاتها، أنا أسأل - وعلينا دائماً أن ندرس التاريخ - أكثركم عاش اجتياح سنة 1982، في سنة 1982لـم تكن المشكلة مشكلة المقاومة، لـم تكن هناك مقاومة إسلامية آنذاك، ولـم تكن هناك مقاومة وطنية بالمعنى الواضح وحتى مقاومة فلسطينية تجتذب اجتياحاً في حجم اجتياح 1982، لماذا اجتاحت "إسرائيل" لبنان في سنة 1982 ووصلت إلى بيروت؟ هل أنَّ ذلك كان بسبب عمليات المقاومة. إنَّ حجة "إسرائيل" للاجتياح هي أنَّ السفير الإسرائيلي في لندن تعرّض إلى محاولة اغتيال(1)، وهي اجتاحت لبنان ردّاً على هذه المحاولة، نحن نسأل أيّ مناسبة بين هذه وتلك، وهكذا لو أردنا أن ندرس كلّ ضخامة العدوان الإسرائيلي نرى أنَّه دائماً كان ينطلق من موقع الفعل العدواني، والتخطيط للعدوان، وهي تتخذ الساحة اللبنانية مختبراً لمشاريعها السياسية.
عندما تريد أمريكا أن تضغط على الواقع العربي فإنَّها تتفق مع "إسرائيل" على اجتياح لبنان أو قصفه، كلّ العدوان الإسرائيلي على لبنان سواءً كان عدواناً على القرى اللبنانية في الجنوب والبقاع، أو كان عدواناً على المخيمات الفلسطينية، كان منطلقاً من خطّ سياسي إسرائيلي أمريكي، يحاول أن يرتّب الوضع السياسي الداخلي والعربي بما يتوافق مع أوضاعه ومصالحه.
المسألة هي أن تُعطى لهذه الخطط السياسية بعض العناوين التي تجعلها بمثابة ردّة الفعل، والمسألة ليست ردّة فعل؛ لأنَّ "إسرائيل" لو لـم يقصفها أحد من المقاومة، لأوحت إلى بعض عملائها أن يقصفوها من بعض المواقع حتى تنفّذ خططها، هذا أمرٌ ليس بعيداً عن النهج الإسرائيلي.
الردّ الإسرائيلي: ردّ فعل أم خطّة سياسية لترتيب وضع ما؟
فالمسألة ليست مسألة حالات طارئة، حتى إِنَّ القصف الإسرائيلي المجنون بالشكل العنيف الذي كان يقطع طرقات القرى المتاخمة للمنطقة الحدودية كـ (برعشيت) وكـ (عيتا) وكـ (حدّاثا)، أو يُحاصر هذه القرى كـ (يحمر) و(أرنون)، أو يقصف هذه القرى كـ (قبريخا) و (المجدل) و (حاريص) وما إلى ذلك و(النبطية) و(كفررمان)(2) وإقليم التفاح بكلّ هذا القصف، هل نفكّر بطريقة ساذجة كما يفكّر كثير من الخطباء الذين يلقون الكلام بشكل غير دقيق، أو المحلّلين السياسيين أو غيرهم، هل المسألة أن نفكّر بطريقة ساذجة؛ أنَّ هذا القصف كلّه كان ردّاً على عمليات المقاومة؟ صحيح أنَّ عمليات المقاومة الإسلامية كانت موجعة ولكنَّنا نعرف أنَّ "إسرائيل" عندما لا تكون لها خطّة سياسية فإنَّها لا تقوم بردّ فعلٍ بمثل هذا.
"إسرائيل" تقصف لبنان لأنَّها تريد أن ترتّب بعض أوضاع المؤتمر الذي يسمّى بمؤتمر السلام، "إسرائيل" بالاتفاق مع أمريكا تريد أن تهدّد الجنوب حتى يهرع النّاس إلى أمريكا، وهكذا تقوم أمريكا بالإيحاء أنَّها ستضغط على "إسرائيل" إذا ضغط الطرف الآخر على المقاومة.
والحكومة اللبنانية يبدو أنَّها على استعداد لممارسة مثل هذه الضغوط. لو أردنا أن نماشي منطقهم ـ وهو منطق مرفوض جملةً وتفصيلاً ـ فمَن الذين يضمن الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، هل أمريكا هي التي تضمن ذلك. أتعلمون أنَّ القرار 425 كان اقتراحاً أمريكياً. أمريكا هي التي قدّمت اقتراحاً بالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب بدون قيد أو شرط. أمريكا قدّمت هذا الاقتراح، وهي التي ضغطت على مجلس الأمن حتى وافق عليه، وقد تحفّظ الاتحاد السوفياتي آنذاك على هذا الاقتراح، وأمريكا هي نفسها مَن ضغط لعدم تنفيذ القرار علماً أنَّها كانت تستطيع أن تضغط بالاتجاه المعاكس، أو على الأقلّ تمتنع عن ممارسة الضغوط المعيقة لتنفيذه.
أمريكا أرادت أن تربط لبنان بقرارٍ يُهيِّئ المجال للمفاوضات اللبنانية التي تؤدّي إلى صلحٍ لبناني إسرائيلي، وتؤدّي إلى معاهدةٍ حول المياه، ومعاهدة حول الأمن بالشكل المختص الذي تمّ في اتفاق 17 أيار. لذلك نرى أنَّ هناك تحالفاً أمريكياً إسرائيلياً حول هذه المسألة، علينا ألا نخطئ فنحمّل المقاومة مسؤولية ما يحدث وننسى "إسرائيل" بعض النّاس عندما يتحدّثون تظنّ بأنَّهم يتحدّثون عن "إسرائيل" كما لو كانت بريئة تدافع عن نفسها.
الصهاينة يتحدّثون عن أمن " شمال إسرائيل" أي: أمن "إسرائيل" في حدودها الشمالية كما يعبّرون عن ذلك بأنَّه غير قابل للجدل، وحتى لو أنَّ أمريكا ضغطت؛ فلن نقبل بهذا الضغط.
المشكلة في وجود "إسرائيل" لا المقاومة:
إنَّ نفس احتلال دولةٍ ما لأراضي دولة أخرى بدون وجه حقّ، هو اعتداء وعدوان، معنى ذلك أنَّ الإسرائيلي مُعتدِ على لبنان لمجرّد وجوده في قلعة الشقيف، أو لمجرّد وجوده في مرجعيون، أو مجرّد وجوده في الخيام أو في أيّ بلد آخر من بلدان المنطقة الحدودية.
أنَّ المشكلة ليست في وجود المقاومة، المشكلة إنَّما هي في وجود "إسرائيل" كدولة لا شرعية على حدود لبنان، ما دامت "إسرائيل" موجودة؛ فعلينا أن ننتظر مشاكل أمنية بطريقة وبأخرى تعنف وتقوى تبعاً للمصالح السياسية الإسرائيلية، وإذا كنّا نريد أن ندرس المقاومة بعقلٍ واعٍ منفتح ذكيّ، فإنَّنا نفهم أنَّ المقاومة هي التي عطلّت كثيراً من المشاريع الإسرائيلية في تطبيع الواقع الجنوبي لمصلحة "إسرائيل"، وعلى خلاف المصلحة اللبنانية. المقاومة في لبنان والانتفاضة في فلسطين هما اللتان أبقتا لنا شيئاً من ماء الوجه وأبقتا لنا شيئاً من التماسك أمام "إسرائيل".
عندما ندرس صورة المؤتمر الذي عقد في مدريد، وما بعد المؤتمر، نلاحظ أنَّ هناك دولاً عربية ليست لها علاقة مباشرة بالصراع العربي الإسرائيلي وهي بعض دول الخليج، التي مُثّلت من خلال أمين عام مجلس التعاون الخليجي، وسفير السعودية في واشنطن، لأجل ممارسة ضغوط أكبر على سوريا والأطراف العصيّة على الانصياع للرغبة الأمريكية في التسوية.
بعض العرب عملوا على إضعاف سوريا في مدريد:
هؤلاء كانوا يعملون بكلّ ما عندهم من طاقة في سبيل إيجاد نوع من التوافق بين الوفد السوري والوفد الإسرائيلي. دول مجلس التعاون دخلت كوسيط بين الإسرائيليين والعرب، تماماً كما لو كانت دولاً غير عربية، المفروض أنَّ وجودهم في المؤتمر ينبغي أن يكون وجوداً قوياً مقوياً للوفود العربية، لكن كانوا يتحرّكون من خلال التعليمات الأمريكية ولكي يُضغط على العرب بالعرب.
نُلاحظ مثلاً أنَّ أمين عام مجلس التعاون الخليجي بادر إلى مصافحة مسؤول صهيوني، ودخل في حديث طويل معه كما لو كانوا أصدقاء، فيما المعلن أنَّه لـم يحصل أيّ شيء بين العرب و "إسرائيل" مما يستدعي ذلك ويوحي بأنَّهم كانوا يحلمون أن يلتقوا بالإسرائيليين وأن ينسّقوا معهم وأن يصافحوهم وأن يبتسموا في وجوههم حتى يحصلوا على البركة الإسرائيلية التي تمنحهم مزيداً من البركة الأمريكية.
كنّا نقرأ في الصحف أنَّ مراحل مؤتمر مدريد للسلام ـ كما يسمونه ـ سيكون أو سيتمّ على مراحل، مرحلة أولى: حفلة خطابية. والمرحلة الثانية: مفاوضات بين كلّ وفد عربي على حدة ووفد إسرائيلي لبحث موضوع الانسحابات. والمرحلة الثالثة: الوفد المشترك، عندما تجتمع الوفود العربية مع الوفد الإسرائيلي من أجل دراسة مسألة المياه، وسيبحث بكيفية تقسيم المياه وما ستكون عليه العلاقات الاقتصادية بين الدولة العبرية وبين الدول العربية، وكيف يمكن أن يتحقق التطبيع السياسي والأمني.
كان الاقتراح السوري في هذا المجال بأن تؤخّر المرحلة الثالثة، ريثما يكون هناك نتائج عملية للانسحابات الإسرائيلية من كلّ الأراضي المحتلّة، سواءً من الجولان أو من لبنان أو من الضفة الغربية أو غزة، بحيث يتمّ الانتقال للمرحلة الثانية لبحث قضايا المياه من جهة التطبيع الاقتصادي والأمني والسياسي وما إلى ذلك.
المطلوب من العرب التنازل من دون مكتسبات:
الملك حسين مستعجل، يقترح أنّه ليس من الضروري تأخير المرحلة الثالثة، بمعنى أن نبحث قضية الانسحابات مع مسألة التطبيع الاقتصادي والأمني والسياسي وما إلى ذلك، وهذا يعني أن يتنازل العرب عن كامل أوراقهم، في وقت واحد دون الحصول على أيّ مكسب يُعتدّ به. فلو افترضنا أنَّه لـم يحصل شيء على مستوى الانسحابات وهي القضية الأساسية، فلماذا إذاً كلّ هذه العلاقات بين "إسرائيل" والعرب.
نحن نجد في معظم الساحات العربية أنَّ هناك نوعاً من أنواع انعدام الوزن، بحيث لا يستطيع العرب أن يقفوا على أقدامهم أمام "إسرائيل"، لذلك نحن نعتبر أنَّ الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في لبنان هما العنصران الأساسيان الوحيدان في كلّ الساحة العربية اللذان يحفظان للأمّة شيئاً من روحيتها وتوازنها وقوّتها، وإذا كنّا نتألـم فاللّه يقول: {إن تكونوا تألمون فإنَّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون} [النساء:104].
لا بُدَّ أن نفكّر ونحن نعرف الآلام التي يعيشها أهلنا وشعبنا، لكن ثقوا أنَّ المشكلة ليست في المقاومة بل إنَّ المقاومة، هي التي استطاعت أن تحمي الجنوب من اعتداءات "إسرائيل" المشكلة هي دائماً في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي، وإذا استمرّت الأنظمة في نسج خطوط سياسية مرتبطة بخطوط السياسة الأمريكية، فعلينا أن نتوقّع المزيد من الضرباب.
انعقاد مجلس الأمن حقُّ لبناني، لماذا لا نمارسه؟
لذلك ينبغي أن ندعو دائماً إلى امتلاك وعي سياسي يمكنّنا من فهم القضايا لا من خلال ظواهرها، وإنَّما من خلال عمقها، بحيث نتفحص خلفيات الحركة الأمنية والسياسية حتى نعرف عندما نتحرّك كيف نتحرّك وعندما نقف كيف نقف. "إسرائيل" تقصف قرى وبلدات الجنوب والبقاع الغربي دائماً، وتقف الحكومة اللبنانية عاجزة حتى عن تقديـم شكوى إلى مجلس الأمن، نحن نعرف أنَّ أمريكا في حال تقديـم شكوى ضدّ "إسرائيل" ستبادر إلى استعمال حقّ الفيتو لنقد القرار، لكنَّ المسألة أنَّ الحكومة اللبنانية واقعة تحت ضغط أمريكا بحيث لا تحتاج إلى ضغوط جديدة عليها، هي تفهم الضغط الأمريكي لتنضبط قبل أن تطلب منها أمريكا ذلك.
أمريكا ولبنان وبسط السلطة:
"إسرائيل" وخلال المحادثات قامت ببناء مستوطنة في الجولان وتريد أن تبني مستوطنات أخرى، أمريكا تأسف ولا تمنع، لأنَّ "إسرائيل" بالنسبة إلى أمريكا الولد المدلّل، ولهذا لا تقبل أن تظهر "إسرائيل" أمام مجلس الأمن كمعتدية. المسألة هي أنَّ وزير الخارجية الأمريكي والسفير الأمريكي الذي جاء من مدريد يتحدّث أنَّه لا بُدَّ من إيقاف المقاومة، ولا بُدَّ من أن تبسط الدولة سلطتها على كلّ الأراضي اللبنانية، نحن نوافق أن تتجمّد المقاومة مؤقتاً بشرط أن تبسط الدولة سلطتها على جميع الأراضي اللبنانية، وذلك بأن تشمل سلطة الدولة اللبنانية كلّ الأراضي اللبنانية إلى حدود فلسطين، فلتعاون أمريكا الدولة اللبنانية على أن تبسط سلطتها إلى حدودها، وتضغط على "إسرائيل" للانسحاب، وتضغط على ميليشيا جيش لبنان الجنوبي، كما يُراد الضغط على المقاومة الإسلامية من أجل ذلك.
يجب دعم أبناء الجنوب بكلّ قوّة:
لماذا تتحدّث الدولة بنَفَسٍ سلبي بارز عن المقاومة الإسلامية، ولا تتحدّث بنفس الحرارة وبنفس السلبية عن جماعة لحد، لماذا؟ لأنَّ هؤلاء ينطلقون من أجل أن يحرّروا البلد، وأولئك ينطلقون من أجل أن يركّزوا احتلال "إسرائيل" للبلد، هذا نظام يحترم المحتلّين أكثر مما يحترم المحرّرين ولا أدري كيف تتمّ المعادلة عندنا في لبنان بهذه الطريقة؟
إنَّنا نشعر بأنَّ المشكلة في الجنوب هي مشكلة معقّدة وطويلة، ونقول للجميع: إنَّ علينا جميعاً أن ندعم الصمود الجنوبي بكلّ ما عندنا من طاقة على كلّ المستويات، حتى يستطيع الجنوبي أن يصمد في أرضه، لأنَّنا لا نستطيع أن نتحدّث مع الجنوبي عن الصمود من دون أن ندعم صموده ونهيّئ له مقتضيات صموده.
أمريكا لا تعترف بإنسانيّة إنساننا(1)
العالـم هلّل وصفّق بتحفّظ لمسألة إطلاق الرهائن الغربيين(2)، ونحن مراراً كنّا نقول بأنَّه يجب أن يغلق هذا الملف، ويبدو أنَّه أغلق، ولكنَّنا نتساءل أمام الرأي العام العالمي وأمام المسؤولين اللبنانيين، أولاً: هناك رهائن أو مخطوفون إيرانيون لا يعرف مصيرهم حتى الآن، لماذا لـم يتحدّث أحد عنهم بطريقةٍ مسؤولة، هناك معتقلون هم مخطوفون بالعمق ومخطوفون بشكلٍ رسمي مثل الشيخ عبد الكريـم عبيد، الذي خطف بطريقة رسمية ومن دولة معترف بها من الأمم المتحدة. لماذا لا يطالب (السيِّد) بوش بإطلاق الشيخ عبد الكريـم عبيد؟
الشيخ عبد الكريـم عبيد مخطوف بطريقة رسمية، ولا نجد أيّ اهتمام دولي بهذه القضية لا من أوروبا ولا من أمريكا ولا من روسيا ولا من أحد: لماذا لا نقول يجب إطلاق الشيخ عبد الكريـم عبيد بدون قيد أو شرط، لماذا؟ لأنَّ أمريكا لا تعترف بإنسانية إنساننا.
قلنا مراراً: إنَّ أمريكا هي حليفة "إسرائيل"، ولذلك فإنَّ الشيخ عبد الكريـم عبيد عندما يكون مخطوفاً من قِبَل الإسرائيليين فإنَّنا نعتبر أنَّه مخطوف من قِبَل الأمريكيين أيضاً، "لأنَّ الراضي بفعل قومٍ كالداخل فيه معهم". أمريكا رَضَت ولـم تضغط لثني "إسرائيل" عن اختطافه، لبنان الآن أصبح دولة، والشيخ عبد الكريـم عبيد مواطن لبناني وهو مخطوف، لـم نسمع أيّ كلام لبناني رسمي ولـم نجد أيّ تحرّك رسمي لا من خلال رئاسة الجمهورية ولا من خلال رئاسة الوزراء، ولا من خلال رئاسة المجلس النيابي، ولا من خلال وزارة الخارجية. لـم نسمع أيّ مسؤولٍ يتحدّث عن خطف الشيخ عبد الكريـم عبيد أو يتحرّك في هذا الاتجاه لإطلاقه، مع أنَّ المخطوفين الغربيين - بقطع النظر عن ظروف خطفهم وعن تقويـم مسألة خطفهم في ما يختلف النّاس فيه - قد عاش كلّ بلدٍ ينتمي إليه مخطوف حالة طوارئ، ابتداءً من رئيس الجمهورية إلى المجالس النيابية فالحكومة إلى كلّ المواقع الرسمية الأخرى في سبيل إطلاق مواطنيهم لأيّ دولة انتموا، مواطن أمريكي أو مواطن فرنسي، أو مواطن بريطاني، أو مواطن ألماني، واستنفرت هذه الدول كلّ طاقاتها من أجل إطلاق هذا المواطن الأوروبي أو ذاك.
لقد تحدّثنا عن قضية الشيخ عبد الكريـم عبيد لأنَّه يعتبر مخطوفاً من الناحية الرسمية، ولكن، نحن نعتبر أنَّ كلّ الموجودين في معتقل الخيام هم مخطوفون، لأنَّ "إسرائيل" اعتقلتهم من بيوتهم، خطفتهم من بيوتهم، كلّ المعتقلين في السجون الموجودة في داخل فلسطين المحتلة سواءً كانوا لبنانيين أو فلسطينيين هم مخطوفون بالنسبة إلينا. هؤلاء مخطوفون لبنانيون، وإذا كانت الحكومة تقول بأنَّ هؤلاء واجهوا "إسرائيل" فنحن نقول: هؤلاء دافعوا عن أرضهم ورفضوا المحتلّ، وهناك فرق، إذا كنّا نريد أن نسعى من أجل مخطوف بدون مناسبة سياسية، فيجب أن نسعى من أجل هؤلاء بشكل أكبر، لأنَّ هؤلاء خُطِفوا من موقع أنَّهم يدافعون عن شرف البلد وعن حرية البلد وعن الموقع الأساسي في البلد. لماذا لـم يتحرّك اللبنانيون بكلّ مواقعهم الرسمية والدينية ليطالبوا بمناسبة وبغير مناسبة إطلاق الرهائن؟ ولكنَّنا لـم نجد ولو بنسبة 10% من هذا الاهتمام في مسألة إطلاق رهائننا، رهائن الشعب اللبناني.
وللعرب أيضاً نقول - العرب بما فيهم مصر التي تعقد علاقات رسمية وطبيعية مع "إسرائيل"-: إنَّكم لـم تطالبوا بإطلاق سراح حتى الفلسطينيين المخطوفين. إنَّ هذه القضية لا بُدَّ من أن تبلغ مستوى كبيراً من الاهتمام حتى يشعر العالـم بأنَّنا نهتّم بإنساننا كما نهتّم بإنسان الآخرين.
لا تعتمدوا على أمريكا:
علينا أن نعرف أنَّ أمريكا لن تكون ضماناً لأحد، وقد عرفنا أنَّ أمريكا التي حدّدت موعد المفاوضات في المرحلة الثانية أحنت رأسها لـ "إسرائيل" ولـم تُمارس عليها أيّ ضغط. والعرب كانوا يتراكضون حتى يثبتوا للعالـم أنَّهم دعاة سلام ليتجمّدوا أمام المقعد الفارغ، لأنَّ "إسرائيل" تريد أن توحي لهم بأنَّ المشروع ـ مشروع السلام ـ سيبقى المشروع الفارغ على طريقة المقعد الفارغ، وأنَّ أمريكا لن تضغط لتملأ المشروع، مشروع السلام أو الأرض في مقابل السلام، كما لـم تضغط لملء المقعد الفارغ هناك في واشنطن، وقد عبّرت "إسرائيل" أنَّ موقفها لتفهم العرب أنَّكم إذا كنتم تعتمدون على أمريكا في الضغط علينا فإنَّنا نعطيكم الدليل، أمريكا لـم تضغط علينا في مسألة حضورنا في الموعد المحدّد للمؤتمر، مع أنَّها هي التي حدّدته، فكيف تضغط في القضايا الكبرى؟
هذه رسالة إسرائيلية، وقد قابلتها رسالة أمريكية تؤكّد ذلك، ما الذي حدث؟ أمريكا أرسلت إلى الأمم المتحدة مشروعاً دُرس في السابع من كانون الثاني 1991، على أساس إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي يعتبر الصهيونية حركة عنصرية مع العلم أنَّ الدول التي أقرت ذلك أقرّته بناءً على دراسة أمريكية، هي تضغط على الأمم المتحدة وعلى كلّ دول العالـم من أجل أن ترفع عن "إسرائيل" تهمة العنصرية لتبدو أنَّها دولة إنسانية، وليقف العالـم أمامها من أجل أن يقدّم اعتذاره وندمه من خلال قرار جديد يعترف فيه بخطئه باستصدار القرار القديـم، ولتستغلّ "إسرائيل" ذلك أبشع استغلال، ومن الطريف أنَّ بعض الدول العربية تنسّق مع أمريكا في سبيل إقناع الأطراف الذين صوّتوا لمصلحة ذلك القرار لكي يتنازلوا عنه.
وهناك أكثر من موقف سوف تقفه أمريكا التي يراهن العرب على وجود فجوة بينها وبين "إسرائيل"، ونحن نقول بأنَّه كلّما تقدّمت الأمور أكثر كلّما ازدادت اللحمة بين أمريكا و "إسرائيل" أكثر. لذلك علينا أن نفهم الموقف الأمريكي، وما معنى التحالف الإسرائيلي الأمريكي ، وكيف نواجه الموقف بالإرادة القوية وبالانفتاح على المستقبل وبالتخطيط للمستقبل وبالعمل بكلّ ما عندنا لإسقاط هذا المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي لن يكون في مصلحتنا ولا في مصلحة أجيالنا المستقبلية على كلّ حال.
الأمم المتحدة تنهي قرار الصهيونية العنصرية(1):
نحن لسنا ضدّ الشعب الأمريكي، ولكنَّنا ضدّ الإرادة الأمريكية في إدارتها للعالـم، وقيادته له.
نحن نعرف أنَّ الأمم المتحدة ـ وخصوصاً الجمعية العامة ـ لـم تكن تحت سيطرة أمريكا عندما أصدرت هذا القرار. كانت أمريكا ترفض ذلك ولكنَّها لـم تستطع أن تمارس حقّ الفيتو في الجمعية العامة للأمم المتحدة لأنَّها لا تملك حقّ - الفيتو- في الجمعية العامة فهي تملك هذا الحقّ الفيتو في مجلس الأمن. في ذلك الوقت كانت أكثرية دول العالـم تتحدّث عن أنَّ الصهيونية حركة عنصرية. صوَّتت الجمعية العامة إلى جانب هذا القرار لأنَّه تبين لها بالدليل القاطع أنَّ الصهيونية كحركة سياسية جاءت، وشرّدت شعباً كاملاً من أرضه، وأقامت على أنقاض هذا الشعب وفي بلاد هذا الشعب دولة "إسرائيل"، واستجلبت يهود العالـم من أجل أن يسكنوا مكان الشعب الفلسطيني، واستطاعت أن تُمارس كلّ أساليب الإرهاب بطريقة فردية وجماعية، فيما مارسته من المجازر التي قامت بها في داخل فلسطين وفي خارجها بشكل فردي، أو جماعي، وبهذا صوّتت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يومها على أنَّ الصهيونية حركة عنصرية، لأنَّها تميّز بين الإنسان اليهودي، فتجعل له كلّ الحقوق، وبين الإنسان غير اليهودي، لا سيما إذا كان عربياً، أو مسلماً، فإنَّها لا ترى له أيّ حقّ في مقابل حقّ الإنسان اليهودي.
ثـمَّ بعد ذلك تغيّرت الأوضاع الدولية وسقط من سقط من القوى(2)، وارتفع من ارتفع، وكان كلّ همّ أمريكا، كلّ همّ الإدارة الأمريكية ومعها الدول الأوروبية أن تزيل هذه الوصمة عن "إسرائيل" الدولة، وعن الصهيونية، الحركة. لماذا؟ لأنَّ اعتبار الصهيونية حركة عنصرية يمثّل إدانة لكلّ الدول التي ساهمت في إنشاء "إسرائيل"، وساهمت في الاعتراف بها.
نحن نشعر أنَّ أمريكا أرادت أن تؤكد هذا التراجع، لأنَّها أيضاً دولة عنصرية تفرّق بين إنسان العالـم الثالث، لا سيّما إذا كان مسلماً، وبين الإنسان الأمريكي أو الأوروبي. ونتساءل ما هي العنصرية؟ لماذا يُقال عن جنوب أفريقيا بأنَّها عنصرية؟ يُقال ذلك لأنَّها تفرّق بين الأبيض والأسود، فتجعل هناك امتيازات للأبيض ولا تعطي للأسود أيّ حقوق. نحن كعالـم ثالث، ما هي قيمتنا عند أمريكا، ليس لنا أيُّ قيمة، يعتقل من شعبنا الكثيرون، ما أكثر المعتقلين من اللبنانيين والفلسطينيين عند "إسرائيل"، وهناك أيضاً مخطوف بالمعنى الرسمي للخطف كما قلنا- الشيخ عبد الكريـم عبيد -، وأمريكا لـم تحرّك ساكناً، ولـم تتحدّث مع "إسرائيل" عن حقوق الإنسان في بلداننا، كانت تتحدّث عن حقوق الإنسان بالنسبة للمخطوفين الأمريكيين والأوروبيين، أمّا أن يتحدّث عن حقوق الإنسان في المخطوف اللبناني أو الفلسطيني فهذه تفاصيل.. هؤلاء حشرات.
في تصريح رئيس الولايات المتحدة أنَّ قضية المخطوفين تنتهي عندما يطلق سراح الألمانيين وعندما يفرج عن الجثتين الأمريكيتين(1)، ويعتبر أنَّه عند ذلك تنتهي قضية المخطوفين، ولكن أن يبقى الشيخ عبد الكريـم عبيد مخطوفاً، فهذا خارج قضية المخطوفين في العالـم، فالمقصود هم المخطوفون من الدرجة الأولى، أمّا الذين هم من الدرجة الرابعة والخامسة فهؤلاء لا يُفكَّر فيهم كبشر لكي يعتبروا مخطوفين.
سقوط الأمم المتحدة:
نسجل على الجمعية العامة للأمم المتحدة أنَّها سقطت تحت تأثير الولايات المتحدة، أصبح بإمكان أمريكا أن تضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تضغط على مجلس الأمن، ولكن بدون فيتو، ولهذا سقطت الجمعية العامة كمنبرٍ للشعوب، ولو منبراً إعلامياً، لأنَّها أصبحت منبراً للولايات المتحدة، ولهذا كان قرار الأمم المتحدة إدانة لـ "إسرائيل"، كما هو إدانة للدول الكبرى، ولا سيما أوروبا وأمريكا التي ساهمت في إنشاء هذه الدولة وتقويتها بالطريقة التي أصبحت تشكل حالة عدوانية على المنطقة كلّها، ولذلك كانوا يسعون في سبيل أن تتراجع الأمم المتحدة عن قرارها، وجاءت الفرصة عندما بدأت أمريكا تضغط بكلّ ما عندها من قوّة على كثير من دول العالـم الثالث، وكان من بين رسائل الإقناع التي مارستها أمريكا هي: أنَّ الدولة العربية الكبرى اعترفت بـ "إسرائيل"، وأقامت علاقات دبلوماسية معها، وأنَّ الدول العربية الأخرى، تعمل من أجل أن تصالح "إسرائيل" من خلال المفاوضات، فلماذا تقفون أنتم وتحملون "السلم بالعرض"، وربَّما كانت بعض الدول العربية، تُمارس هذا النوع من الضغط بشكل أخف، وهكذا استطاعت أمريكا أن تجمع حول إلغاء القرار، أكثرية الدول المتمثّلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولمّا كان القرار يحتاج إلى شيء عربي، يشعر معه الذين صوّتوا على هذا القرار أنَّهم لـم يذهبوا بعيداً حول الموضوع، وأنَّهم لـم يتنكّروا لقرارهم الذي أصدروه سابقاً من دون أساس، لاحظنا أنَّ بعض الدول العربية لـم تتجرأ أمام شعوبها، أو كانت تريد أن تحافظ على بعض ماء الوجه، فلا تريد أن تصوّت مع القرار، ولا تريد أن تسجل على نفسها أنَّها حضرت ولـم تصوّت، أو امتنعت عن الحضور، حتى لا يضعف الموقف الأمريكي، ومن هذه الدول مصر العاصمة الإسلامية الكبيرة، والتي تعتبر نفسها قاعدة للإسلام في العالـم، والمغرب الذي يعتبر مليكه رئيساً للجنة القدس.
مصر التي اعترفت بـ "إسرائيل"، فكيف توافق على أنَّ الصهيونية حركة عنصرية؟! وهي تعمل الآن من أجل أن تقود العرب كلّهم إلى "إسرائيل"، أمّا المغرب، فإنَّ مليكه كان له الدور الكبير في قضية كامب ديفيد، كما أنَّه كان يستقبل المسؤولين الإسرائيليين عنده في المغرب.
وقد لاحظنا أنَّ وزير خارجية "إسرائيل" مغربي، أي هناك قرابة بين الحكومة الإسرائيلية وبين المغرب، أمّا بقية الدول الأخرى فهي تفاصيل، لأنَّها لا تملك من أمرها شيئاً.
إنّ مسألة المفاوضات بين العرب و"إسرائيل" في واشنطن، والتي كانت تراهن فيها الوفود العربية على موقفها المنسجم مع الموقف الأمريكي، كان الطعم الذي خدّر به زعماء العرب شعوبهم. ونحن لاحظنا أنَّ رئيس الولايات المتحدة في خطابه الذي ألقاه في مؤتمر مدريد، لـم يأتِ على ذكر الأرض مقابل السلام كقاعدة للمفاوضات، نسي الموضوع، وأراد للنّاس أن ينسوه.
"إسرائيل" لا تريد الاعتراف بالشعب الفلسطيني:
"إسرائيل" حققت ما تريد، بعد ذلك هل يجلس الوفد الفلسطيني في مواجهة الوفد الإسرائيلي منفرداً(1)، أو مع الوفد الأردني.. "إسرائيل" ترفض أن يجلس الوفد الفلسطيني منفرداً معها. لأنَّ هذا اعتراف منها بأنَّ الشعب الفلسطيني يمثّل حالة سياسية، وهذا الاعتراف بالهوية السياسية للشعب الفلسطيني، لا بُدَّ بأن يؤدي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهي لا تريد ذلك، وإنَّما تريد أن يبقى الشعب الفلسطيني جزءاً من الحالة الأردنية فقط، ولذلك كان الوفد الفلسطيني يجلس في الأروقة ولا يدخل إلى الداخل، لأنَّ الداخل هو للوفد الإسرائيلي، والوفد الأردني الفلسطيني المشترك.
هناك عملية إذلال للعرب، العرب يقولون نحن انتظرنا، لماذا؟ لأنَّ "إسرائيل" تضع الكرة في ملعبنا ونحن نضع الكرة في ملعبها، ولكن ليس المهم أن تبقى الكرة في ملعبها، المهمّ أن نحصل على هدف. العالـم لا يفهم السلام إلاَّ عن طريق القوّة، هذا هو الواقع، ولو كانت المسألة مسألة الحقّ والباطل في حركة الرأي العام الدولي، أو في حركة الأنظمة الدولية، لو كانت المسألة بهذا الشكل؛ لما تراجعت الأمم المتحدة عن قرارها في هذا المجال.
لذلك نحن قلنا للفلسطينيين أنَّ عليهم أن ينسحبوا من المفاوضات، وإذا فعلوا سوف يُربِكون كلّ واقع المفاوضات الأمريكية والإسرائيلية والعربية، لأنَّه لا يمكن أن يتفاوض العرب بعيداً عن الفلسطينيين، ولكن ماذا نصنع؟ الجميع يعيشون تحت سقف الخوف الذي انسحقوا بفعله أمام أمريكا وجبروتها. إنَّنا نريد للعالـم الإسلامي أن ينتبه إلى هذه اللعبة.
نحن لا نريد أن نتحدّث بطريقة عنترية لنقول بأنَّنا سوف نواجه أمريكا، من الطبيعي أنَّ أمريكا تملك قوّة كبرى، ولكن هناك فرق بين أن تسحق نفسك فتعتبر أنَّ الطاغوت يمثّل العدل، وأنَّ الذلّ يمثّل الفقر، وبين أن تبقى مع حقّك حتى وإن هزمك الباطل في مواقعك. القضية هي ألا يغلبنا الباطل على إيماننا بحقّنا ورفضنا له لأنَّنا إذا غلبنا على عقولنا وعلى مبادئنا، فلن يبقى عندنا شيء. الهزيمة ليست في أن تهتزّ مواقعك في الحرب، ولكنَّ الهزيمة هي في أن تُهزَم قناعاتك وإرادتك وأن يُهزَم موقفك.
المفاوضات مع "إسرائيل" غير شرعية(1)
إذا أردنا أن ندرس السلام في الإسلام من خلال الآيات القرآنية الكريمة التي تقول: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال:61] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:208]، وربَّما قد يتحرّك بعض النّاس في المنطقة ممن يروجون لمؤتمر السلام، بين العرب و"إسرائيل" ليقول: إذا كان القتال محرّماً في الشهر الحرام، فعلينا كمسلمين في لبنان وفي فلسطين أن نمسك في هذا الشهر وفي الأشهر القادمة عن قتال "إسرائيل"، لأنَّه ليس علينا أن نبدأ اليهود بالقتال، فنطلب من المقاومة الإسلامية في لبنان، ومن الانتفاضة الإسلامية في فلسطين، أن تلقيا سلاحهما، ونطلب من العالـم الإسلامي كلّه أن يدخل في السّلم مع "إسرائيل" لأنَّهم جنحوا للسّلم.
العلماء الرسميون يقدّمون للأنظمة ما تحتاجه من فتاوى:
يفكّر بعض النّاس بهذه الطريقة، وهذا ما لاحظناه من خلال حركة كثير من العلماء المسلمين الرسميين الذين يعطون الأنظمة، ما تحتاجه من فتاوى، فإذا احتاجت إلى فتوى بالحرب تحدّثوا عن الجهاد، وإذا احتاجت إلى فتوى للسلم، للتسوية، تحدّثوا عن السلام، وإذا احتاجت إلى أجواء معينة من التصالح والتطبيع في العلاقات، تحدّثوا عن الحوار بين الديانات، ومما لاحظناه في هذا المجال لقاء المفتي الأكبر في مصر قبل مدّة بوزير الديانات اليهودي الإسرائيلي ليقوم بعملية تطبيع بين المسلمين واليهود على مستوى الدّين الإسلامي.
المقاومة والانتفاضة ليستا البادئتين بالقتال:
وإذا انطلقنا في تفسير المسألة، فإنَّ الاعتداء مرهون بطبيعة الأمور، ومن هنا فإنَّ قتال المقاومة الإسلامية في لبنان والانتفاضة الإسلامية في فلسطين في الأشهر الحرم أو في غيرها من الشهور، ليس قتالاً ابتدائياً حتى لو كانوا هم الذين يطلقون الرصاص أو الحجارة على اليهود، لأنَّهم بذلك يتحرّكون لردّ العدوان، لأنَّ اعتداء الآخرين عليك على قسمين: تارة يُعتدَى عليك بالسلاح، وأخرى: يُعتدى عليك بأن يُحتلّ بيتك وُتصادر أرضك وتُهدّد بإخراجك من بيتك وأرضك، هذا اعتداء يتخذ شكلاً سلمياً باعتبار أنَّ العدوّ لـم يطلق رصاصاً في هذا المجال!!! إنَّ مواجهة العدوّ لإخراجه من الأرض أو العودة إلى البيت هو موقف ردّ عدوان، وهذا ما لاحظناه في الآية الشريفة التي برَّر اللّه سبحانه وتعالى فيها حرب المسلمين على قريش عندما حاولت قتالهم في الشهر الحرام.
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} أي يُسمح لنا بالقتال فيه مع فرض حرمته {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} ثـمَّ بيَّن المفردات {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} باعتبار أنَّهم منعوا النّاس من الدخول في دين اللّه {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ} بردّ مسألة القتال في الأشهر الحرم لأنَّ هذا الاعتداء مستمر ـ وهو أنَّهم أخرجوا أهل المسجد الحرام وأهل الشهر الحرام من ديارهم وهذا أكبر عند اللّه {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:217].
والمسألة المطروحة هي أنَّ اليهود اعتدوا على أهل فلسطين في فلسطين فأخرجوهم من أرضهم، وهدّدوا الآخرين بإخراجهم من أرضهم وصادروا، ولا يزالون يصادرون أرضهم ويمنعونهم من استغلال الماء الذي يجري أو ينبع من أرضهم. إنَّ المقاومة عندما تقاتل اليهود حتى في الأشهر الحرم فإنَّها تقاتل ردّاً للعدوان المستمر، ولذلك لا معنى للحديث بأن يمسك اللبنانيون عن قتال "إسرائيل" بحجة أنَّها لا تريد أن تدخل معهم في قتال، إذا كانت ـ حقيقة ـ لا تريد أن تدخل معنا في قتال فلتخرج من أرضنا، ولتكفّ عن العدوان لأنَّ من حقّنا أن نُخرج المحتلّ من أرضنا، وهذا حقّ كفلته الشرائع السماوية، وكلّ شرائع حقوق الإنسان في العالـم، مسألة الحريّة والتحرّر من المحتلّ هي من القضايا التي تقدّسها كلّ القوانين وكلّ الشعوب، وليست مجرّد مسألة دينية بحتة.
جهاد المقاومة والانتفاضة منسجم مع الشريعة والقانون:
وهكذا يكون جهاد المقاومة الإسلامية في لبنان، والانتفاضة الإسلامية في فلسطين، عملاً منسجماً مع خط الشرائع الإلهية والقوانين الحضارية الإنسانية، ويكون رداً للعدوان لا عدواناً.
نحن نستغرب التصريحات الصادرة عن مسؤولين أوروبيين وأمريكيين وعن مسؤولين في بعض مواقع العالـم الثالث، والتي تتحدّث عن ضرورة امتناع المجاهدين في لبنان وفلسطين عن المواجهة باعتبار أنَّها أعمال عنف تجتذب أعمال عنف، وكأنَّهم يقولون: إنَّكم إذا قاتلتم الإسرائيليين فسوف يقاتلونكم، وإذا هجمتم عليهم بالرصاص والحجارة فسوف يهاجمونكم، ليبرروا للإسرائيليين اعتداءاتهم، ويقولون إنَّها حالة من العنف قد تكون دفاعاً عن النفس، وهذا هو الذي يشجع "إسرائيل" على أن تتحدّث في إعلامها عن مسألة إبعاد من تريد إبعادهم من الفلسطينيين، من منطلق أنَّها تقف ضدّ الإرهاب، وأنَّها تحاول أن تواجه الإرهابيين بهذه الخطوات.
احتلال الضفة وغزّة ليس قانونياً:
هذا في الوقت الذي يرى فيه العالـم كلّه أنَّ احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية وغزة ليس قانونياً، وكذلك بالنسبة لمنطقة الحدود في لبنان، ومع ذلك يتحدّثون عن إيقاف حركة العنف ضدّ المحتلّ في هذه المنطقة، ولا يتحدّثون عن العنف الذي يمارسه العدو في المنطقة المحتلة.
لـم يختلف الأداء الأمريكي والأوروبي عمّا هو عليه بالنسبة للقضايا السياسية والأمنية، وهذا ما لاحظناه من خلال إثارتهم العالـم عندما أقدم العراق على احتلال الكويت، وقد تجنبّنا نحن هذا الاحتلال.
السلام لمصلحة "إسرائيل":
ولكنَّهم عندما يتحدّثون عن السلام، فإنَّهم يتحدّثون عنه لمصلحة "إسرائيل" في احتلال فلسطين كلّها والجولان والمنطقة الحدودية في لبنان.
وهذا ما جعلنا نعيش الحيرة في هذا الواقع، فإذا كانوا قد تحرّكوا في الخليج من أجل تنفيذ قرارات مجلس الأمن، فلماذا لا يتحرّكون لتنفيذ قرارات مجلس الأمن في فلسطين ولبنان وسوريا؟ ما هو الفرق بين هذا الموقع وذاك؟
الفرق بسيط، وهو: أنَّ "إسرائيل" تمثّل الولد المدلّل للأوروبيين والأمريكيين، وتقع على خطّ نظامهم واستراتيجيتهم في المنطقة، وليس الأمر كما يدّعون، بأنَّهم يتحرّكون من أجل حقوق الإنسان أو من أجل إنسانية الواقع السياسي.
لنفكّر في قضايانا من خلال شرعنا الإسلامي:
وهذا ما يجعلنا ندرك أنَّ المقاومين والمنتفضين يقومون بردّ العدوان ولا يبتدئون بالعدوان، ليقل العالـم ما يقول، وليعلن ما يعلن، المهمّ أنَّنا عندما نتحرّك لنعطي حركتنا شرعيتها، علينا أن نفكّر من خلال شرعيتنا الإسلامية في القضايا السياسية والعسكرية، لأنَّ المهمّ عندنا هو أن يرضى اللّه عنّا، لا أن ترضى عنّا أمريكا أو أوروبا أو روسيا أو أيّ جهة من هذه الجهات التي تمثّل حركة شيطانية ولا تمثّل بأيّ حال من الأحوال حركة رحمانية أو إنسانية.
لا مشكلة في علاقاتنا مع أهل الكتاب:
كما نحاول أن نقف عند مسألة الدخول في السّلم كافة كذلك يحاول أن يقول البعض لقد جنح اليهود للسّلم فاجنحوا لها. لقد سبق وذكرنا في أحاديثنا أنَّه لا مشكلة في علاقاتنا مع أهل الكتاب عندما لا يتحرّكون مع خط الظلم {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم} [العنكبوت:46] بحيث يحاول الكثير من النّاس ألا يلتفتوا لهذه الكلمة.
تعايشنا مع أهل الكتاب أربعة عشر قرناً:
نحن مستعدون أن نتعايش مع اليهود في العالـم، كما نتعايش مع النصارى في العالـم، كما تعايشنا مع اليهود في مدى أربعة عشر قرناً، وهم موجودون في طول العالـم الإسلامي وعرضه جنباً إلى جنب مع المسلمين، وتعايشنا مع النصارى في مدى الأربعة عشر قرن، لأنَّ النصارى موجودون في طول العالـم الإسلامي وعرضه جنباً إلى جنب مع المسلمين، من دون أن يضطهد المسلمون وجودهم أو حريّتهم، وإن كانت قد حدثت بعض المشاكل بين المسلمين والنصارى، أو بين المسلمين واليهود، فهي ليست بأقسى من المشاكل التي حدثت بين النصارى والنصارى في أوروبا وبين اليهود والنصارى في أوروبا، وبين المسلمين والمسلمين في المنطقة العربية أو المنطقة الإسلامية، لأجل أمورٍ فرضتها طبيعة التعقيدات السياسية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات عادة.
لكنَّ التعايش مع اليهود شيء، والتعايش مع "إسرائيل" شيء آخر، فـ "إسرائيل" تمثّل وضعاً سياسياً وقانونياً انطلق من موقع الظلم كلّه، حيث كان المسلمون في أيام الانتداب البريطاني يشكّلون الأكثرية، ويشكّل كلّ من النصارى واليهود أقلية.
"إسرائيل" دولة وُلدتْ من موقع الظلم:
إذاً من الناحية البشرية والسياسية والواقعية ليس لليهود حقّ في أن يحتلّوا البلد كلّه، وإنَّما لهم حقّ العيش في المناطق التي كانوا يعيشون فيها جنباً إلى جنب مع المسلمين والنصارى. ولكنَّ اليهود أخرجوا أهل فلسطين من مسلمين ومسيحيين منها، وجاؤوا بيهود سائر العالـم وأسكنوهم في أماكنهم، وسيطروا على البلد، ومنعوا الفلسطينيين من أن يقرروا مصيرهم. هذا الأمر جعل من "إسرائيل" دولة وُلدتْ من موقع الظلم، حيث طردت الفلسطينيين من أرضهم، وسيطرت على الجولان وعلى المنطقة الحدودية من لبنان.
لذلك ليست المسألة مسألة صلح بين متقاتلين، نحن مستعدون أن نعود للسلام مع اليهود في العالـم بشرط أن يرفعوا أيديهم عن فلسطين، فليس معنى السلام بيني وبينك أن أخضع وأقرّ لك في ظلمك لي.
نتائج المفاوضات غير شرعية:
ولذا نحن نعتبر أنَّ أية نتيجة يصل إليها المتفاوضون(1) هي نتيجة غير شرعية، لأنَّ المتفاوضين يتحدّثون الآن عن الضفة الغربية وغزة، وكيفية احتواء المهاجرين الذين يأتون إلى فلسطين، ونحن نتحدّث عن يافا وحيفا وصفد، وعن كيفية رجوع أهل فلسطين إلى مناطقهم، بحيث يرجع الإنسان الفلسطيني إلى بيته في حيفا ويافا وتل أبيب وصفد.
نحن لا نرفض السلام مع اليهود إذا لـم يظلمونا، ولكنَّنا نرفض السلام مع "إسرائيل"، التي ليس لوجودها أي شرعية إنسانية، أو دينية.
ولذلك يجب على المسلمين أن يفكروا في هذه القضية بعمق حتى لا يأخذوا بالعناوين السياسية الطارئة، لأنَّنا إذا أقرّينا لـ "إسرائيل" باحتلالها لفلسطين كأمرٍ واقع، سيُقال في القانون أنَّ الدعاوى تقاوم الزمن بعد عشرين سنة ويسقط الحق. ولكنَّنا نقول في القضايا الوطنية السياسية: إنَّ الدعاوى تقاوم الزمن ولا تُسقِط الحقّ.
لهذا أقول لكم: إذا كنتم تحترمون انتماءكم الإسلامي، فعليكم أن تفكروا سياسياً بطريقة إسلامية، لأنَّ الإسلام يرفض الظلم كلّه، وقد تحدث القرآن عن ذلك وأشار إلى أنَّ من حقّ المسلمين الذين أخرجوا من مكة من قِبَل المشركين بغير حقّ أن يعودوا إلى ديارهم بالحقّ.
وكما أخرِج الفلسطينيون من فلسطين بغير حقّ فقد أخرِج أيضاً كثيرٌ من اللبنانيين في الجنوب والبقاع من أرضهم.
السلام: توقيع على الاحتلال اليهودي لفلسطين:
يجب أن نرفض السلام الذي ينطلق من الإقرار لليهود باحتلالهم للأرض، لأنَّه أمر يرفضه الإسلام، وكلّ إقرار بحقّ اليهود في فلسطين فهو انحراف عن الحكم الإسلامي الشرعي، كما هو انحراف عن مفهوم الإسلام في قضايا العزّة، إنَّ ثمة فرقاً بين أن يحتلّ العدوّ أرضك، ولا تستطيع أن تسترجعها، وبين أن توقّع له على ملكية الأرض التي احتلّها، نحن قلنا للفلسطينيين ونقول لكلّ العرب المتفاوضين إنَّ عليكم ألا توقّعوا على احتلال اليهود لفلسطين.
الفلسطينيون لا يملكون حقّ التفريط بالأرض:
قال لي بعض الصحفيين العالميين: لماذا تريدون أن تكونوا ملكيين أكثر من الملك؟ الفلسطينيون مستعدون للمفاوضات، ولكن أنتم كلبنانيين وسوريين وعراقيين وإيرانيين ما دخلكم بالموضوع، على أيّ أساس ترفضون؟ قلت له: لو خُلّي الفلسطينيون وأنفسهم، ولـم تضغط عليهم الدول الكبرى والدول العربية وأعطيت لهم الحرية في أن يطالبوا بكلّ أرضهم، لوجدتـم بأنَّهم يريدون كلّ فلسطين، وغير مستعدين لأن يفاوضوا عن قطعة أرض واحدة، حتى لو قبل قادة الفلسطينيين بهذا، ولكن بما أنَّهم لا يملكون حقّ تقرير مصير أرض فيها للإسلام والأجيال القادمة حصة، أنت تستطيع أن تتنازل عن حصتك، أمّا أن تتنازل عن حصة الإسلام في فلسطين، فلا، وحتى عندما يُتحدث عن العروبة في فلسطين وعن الأجيال الفلسطينية القادمة، فإنَّ للإنسان الحقّ في أن يبيع ملكه، ولكن ليس من حقّه بأن يبيع وطنه، أو مصيره في وطنّه، لأنَّ القضية تتصل بالخطوط العامة لعزّة الأمّة وحريّتها.
إنَّ هناك فرقاً بين الأداء السياسي الإسرائيلي والأداء السياسي العربي، فعندما تتحرّك "إسرائيل" باتجاه تحقيق أهدافها، فإنَّها لا تحترم ما يسمّى بالشرعية الدولية، ولهذا رفضت كلّ قرارات الأمم المتحدة في الماضي وفي الحاضر.
تنسيق أمريكي - إسرائيلي لصنع واقع جديد على حساب العرب:
أمّا الأداء السياسي العربي فإنَّه ينطلق من خلال الأقوال، حيث يلاحق ما تقوله النّاس والعالـم بعيداً عن أهدافه، ولكنَّ "إسرائيل" تتحرّك في أدائها السياسي من أجل أن تصنع واقعاً، ولا تسمح للآخرين بأن يصنعوا واقعاً على حسابها، وإنَّما تتعاون معهم على أن يصنعوا واقعاً لحسابها على حساب الآخرين، كما نلاحظ ذلك في التنسيق الإسرائيلي الأمريكي من أجل صنع واقع جديد لحساب "إسرائيل" في الواقع العربي، وإذا كانت "إسرائيل" تشكو من أمريكا في بعض الحالات، وتطلب منها أن تكون حيادية بينها وبين العرب، فإنَّما هذه محاولة لجعل العرب يتنازلون لأمريكا أكثر، باعتبار أنَّ "إسرائيل" (زعلانة) من أمريكا وعليهم أن يعطوها أكثر حتى تتمكن من الضغط عليها، ونحن نعلم أنَّ أمريكا لن تضغط على "إسرائيل".
أمريكا وراء امتلاك "إسرائيل" للأسلحة النووية:
وخير دليل على ذلك هو ما تقوم به أمريكا ضدّ كلّ منطقة في العالـم تملك سلاحاً نووياً، ولكنَّها في المقابل ليست مستعدة أن تنطق، أن تنبس ببنت شفة، في الحديث عن أنَّ "إسرائيل" تملك سلاحاً نووياً، لأنَّها تريد أن يكون امتلاك هذا السلاح حكراً على "إسرائيل"، وأقول أكثر: أمريكا لا تمنع امتلاك السلاح النووي عن العرب وحدهم، بل هي تلاحق كلّ المسلمين في العالـم لكي لا يملكوا القنبلة النووية.
إنَّ أمريكا لـم تعترض على السلاح النووي في الهند، ولكنَّها تعتبر أنَّ هناك مشكلة في امتلاك الباكستان للسلاح النووي، لأنَّ المسلمين بحسب رأيها يجب أن لا يملكوا سلاحاً نووياً.
لا تتخذوا الشيطان صديقاً:
على ضوء هذا يجب أن نختزن في أنفسنا ما معنى أمريكا في مستقبلنا الإسلامي العربي؟ ونحن لا نريد أن نتحدّث بطريقة عنترية أو عنفوانية، ولكن نقول في هذه المسألة كما قال اللّه سبحانه وتعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6]، أي تعاملوا معه كما تتعاملون مع العدوّ، وقد لا تستطيعون أن تهزموا عدوّكم، ولكن عليكم ألا تغفلوا وتعتبروا العدوّ صديقاً لكم، فهناك فرق بين أن يُجمّد صراعك مع عدوّك لأنَّ لا طاقة لك به، أو لأنَّ الظروف الموضوعية التي تحيط بك لا تتحمل، وبين أن تتخذه صديقاً، ومعنى هذا أنَّك تسمح للعدوّ أن يأخذك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك باسم الصداقة، بحيث يحاول أن يخدعك عبر احتضانه لك، انسجاماً مع قول: "ومن الحبّ ما قتل". وهذا ما يحصل في بعض الحالات عندما نُعطِي عدوّنا الصداقة، ولكن من دون أن ندرس مترتباتها فيخنقنا من خلالها.
واقعنا العربي يتحرّك من مواقع الضعف:
ولذلك فإنَّنا نحتاج في عالمنا العربي، والإسلامي إلى وعي كامل بهذه القضايا، لأنَّ المشكلة المتجذرة في واقعنا العربي هي أنَّ كلّ فريق يجبّن الآخر، ويحاول أن يوحي له بالضعف، وبدلاً من التواصي بالحقّ يتحرّك ويتواصى بالباطل، لأنَّ الباطل هو حركة الحياة عندنا، وبدلاً من التواصي بالصبر يتواصى بالسقوط أو الجزع.
المرحلة الثالثة من المفاوضات:
أ ـ حلٌ للمأزق الإسرائيلي:
إنَّ هناك حماساً عربياً للمرحلة الثالثة من المفاوضات، وهي المرحلة التي يراد فيها إنتاج حل للمأزق الإسرائيلي الاقتصادي والأمني في المنطقة ولو على حساب العرب. تبحث هذه المرحلة عن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين "إسرائيل" والدول العربية ودول المنطقة، فيُبحَث في أمر المياه، وكذلك تُبحَث قضية التطبيع، وتحديداً في المسائل الأمنية بين دول المنطقة بما فيها "إسرائيل"، والدور الإسرائيلي في أزمة المنطقة.
ب ـ المأزق العربي:
إنَّ أيّ اتفاق في المرحلة الثالثة، سيضغط على المفاوضات العربية في المرحلة التالية، ممّا يُضعِف الموقف العربي لمصلحة الموقف الإسرائيلي، لأنَّ "إسرائيل" عندما تنفتح على بلاد النفط، وتنفتح بعلاقاتها على أكثر من دولة عربية ويتمّ التوصّل إلى اتفاق على قضايا المياه والنفط والأمن وعلى كلّ شيء، لا يعود هناك أيّ شيء للمفاوض العربي كي يتحدّث به.
سوريا والممانعة:
ولهذا فإنَّنا نعتبر أنَّ الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تتوازن في هذا الموضوع، ورفضت الدخول في المرحلة الثالثة قبل أن تقوّم المفاوضات في المرحلة الثانية هي: سوريا، أمّا باقي الدول العربية فكانت مشتاقة للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع "إسرائيل"، وقد تحرّكت في هذا المجال لنيل رضى راعية "إسرائيل"، أمريكا.
وقد ذكرنا أنَّ موقفنا الإسلامي يتجسّد في رفض المفاوضات، لأنَّ لا شرعية للوجود الإسرائيلي في فلسطين، ولكنَّ المشكلة التي تفرض نفسها حتى في هذه الأجواء هي: أنَّ هناك عملاً عربياً لإضعاف الموقف العربي بشكل عام، والموقفين السوري والفلسطيني بشكل خاص. إنَّهم يستعجلون لأنَّه يُراد لهم أن يستعجلوا، ونحن عندما نطلق نذير الخطر في هذه الأمور، فلأنَّنا ندرك حجم الكارثة التي ستحدث من خلال هذا النوع من الأداء السياسي العربي، وهذا التمزّق العربي.
الواقع اللبناني:
وعلى اللبناني ألا يستعجل النتائج، وألا يخضع للابتزاز الإسرائيلي الذي يترافق مع ضغط أمريكي القصد منه إخراج لبنان من الساحة العامة في القضية العربية الكبرى، وهي قضية فلسطين، ليتمكّن من إضعاف الواقع أكثر مما هو ضعيف، لأنَّ هذه اللعبة الخطرة لن تكون في مصلحة لبنان، ولا في مصلحة المنطقة كلّها.
نقول للبنانيين: إنَّ الاستكبار العالمي والإرادة الدولية تحاول أن تُبقِي كلّ هذه الاهتزازات في لبنان، ونستشعر ذلك من خلال الإبقاء على طبيعة الرموز السياسية التي لا تعيش الأفق الواسع، والقضايا المصيرية التي يُراد للبنان أن ينطلق فيها.
صراعنا مع "إسرائيل"
صراع حضاري متعدد الأبعاد(1)
إنَّ التربية الروحية التي أرساها رسول اللّه (ص) هي التي استطاعت أن تجعل المسلمين ينتصرون على نوازع الضعف التي كانوا يعيشونها في شخصياتهم فيما سلف، كما نعيش الآن نوازع الضعف أمام "إسرائيل" والاستكبار العالمي، فنتفادى المعارك ونبتعد عن ساحة الصراع.
حدّثنا اللّه سبحانه وتعالى عن المجتمع الذي انطلق في بدر: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال:5] {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ [الأنفال: 6] وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال:7] إمّا القافلة والغنيمة وإمّا الحرب {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال:7] يعني أن يتخلوا عنه عند الحرب ويحصلون على الغنيمة {وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال:7] يعني: أنَّ المسلمين في زمن النبيّ (ص) كانوا أيضاً يعيشون نقاط الضعف، كما نعيش نحن نقاط الضعف اليوم، يخافون من الموت، ويحاولون تفادي الحرب ضدّ العدو، ولكنَّ القوّة الروحية التي انطلق بها النبيّ (ص) في كلّ مواعظه ونصائحه ومواقفه هي التي أعطتهم هذه القوّة، وبذلك انتصروا في بدر وفي الجولة الأولى من أُحد، وفي حنين والأحزاب وغيرها.
إذا انطلقنا في حياتنا من خلال ثوابت أخلاقية وبناءات روحية واجتماعية في خطّ الاستقامة العملية نكون الأقوياء أمام الآخرين ونتلافى السقوط أمام الهزائم، لنستمع إلى قول اللّه سبحانه وتعالى: {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء:104] {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فلا نسقط أمام حالات الضعف وقوّة الخصم.
وهكذا نعود من جديد لمواجهة الموقف، حيث يريد اللّه كما النبيّ (ص) للمسلمين أن يكونوا أقوياء من خلال تعزيزه سبحانه وتعالى للفكرة الإيمانية في وعي الإنسان المؤمن {فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} [النساء:139] {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} [البقرة:165] يعني أن يعقد الإنسان قلبه وروحه على أنَّ اللّه هو الأقوى والمعزّ والمهيمن على الأمر كلّه.
إنَّنا نواجه عدّة قضايا على مستوى العالـم الإسلامي التي نحاول أن ننفتح عليها بالطريقة التي نستطيع فيها أن نتفهّم كلّ واقعنا بشكل أساسي، ومن هذه القضايا قضية الصراع بين العرب و"إسرائيل" التي تفرض نفسها على كلّ واقعنا وعلى جزء كبير من تاريخنا صحيح أنَّها بدأت بشكل مباشر منذ ما يقارب الخمسين سنة؛ ولكنَّها بالفعل بدأت قبل أن يحتلّ اليهود فلسطين، ولذلك فإنَّنا نعتبر هذه القضية لا تمثّل مجرّد نزاع على الحدود بين دولة وأخرى، وإنَّما تمثّل نوعاً من الصراع على المستويات كافة، من حضارية ودينية وسياسية واقتصادية، لأنَّ النتائج التي تترتب من خلالها تشكل خطراً على كلّ مستقبلنا على المستويين العربي والإسلامي.
ومما نلاحظه أنَّ الطريقة التي تحركت فيها مفاوضات واشنطن بين العرب و "إسرائيل" أوحت بأنَّ "إسرائيل" تعمل على إذلال الموقف العربي كما لو كانت تسخر منه، فهي عندما تتحدّث مع الفلسطينيين فإنَّها تتحدّث على أساس أنَّ الحكم الذاتي يمثّل نوعاً من الحكم البلدي لا يملك فيه الفلسطينيون الأرض، فلا يمكنهم أن يستغلوا مياههم الموجودة في الضفة الغربية وغزة، كما لا يمكنهم أن يواجهوا المستوطنين الذين تزرع "إسرائيل" مستوطناتهم في كلّ مناطق الضفة الغربية وغزّة.
إنَّها تحاول أن تقول للفلسطينيين: إنَّنا نعطيكم خبزكم كفاف يومكم... لكم الحرية في أن تجمعوا كلّ زبالة الضفة الغربية وغزة، لكم الحرية في أن تقوموا بالكثير من الأعمال، لكن ليس لكم الحرية في أن تتدخلوا في المسائل السياسية والاقتصادية خاصة فيما يتعلّق بالحدود.
"إسرائيل" تسخر من القرار 425:
وعندما تتحدّث مع لبنان فإنَّها تسخر من القرار 425 الذي جعله اللبنانيون عروس شعرهم، وتتحدّث عن ضرورة عقد معاهدة سلام معها تطلب فيها إلى لبنان أن يُخرِج سوريا من أراضيه، وبعد ذلك تفكر بالانسحاب الذي لـم يكن وارداً في الحسابات الإسرائيلية على الإطلاق إلاّ إذا كان أداة من أدوات الضغط على لبنان في بنود المعاهدة التي تطلب "إسرائيل" عقدها مع لبنان، يعني: بدلاً من أن يكون لبنان في موقع القوّة للمطالبة بالانسحاب تريد "إسرائيل" أن تجعل من احتلالها للبنان وسيلة من وسائل الضغط على نوعية المعاهدة المعقودة معه.
وهكذا عندما تتحدّث مع سوريا فإنَّها لا تتحدّث معها عن انسحابها من الجولان وإنَّما تتحدّث عن قضايا هامشية أخرى، لتوحيَ للعرب بأنَّها الأقوى، خاصة وأنَّ العرب يفكّرون بالطريقة التي يتكلّمون فيها مع أمريكا وروسيا، في وقت أصبحت فيه الأخيرة مجرد هامش أمريكي في المفاوضات للضغط على "إسرائيل"، وتسعى للمواقف المرنة التي تتلافى من خلالها الوصول إلى الحائط المسدود، وهذا يعني: أنَّ الجدار مسدود، معناه أنَّ "إسرائيل" تريد أن تلعب كما تريد بالواقع العربي، وأن تعمل على إذلال النفسية العربية.
المفاوضات سوف تطول، ومن الصعب أن يحدث تقدّم جوهري لصالح العرب، لأنَّ المفاوضات بذاتها هي مطلب أمريكي بقطع النظر عن نتائجها، لأنَّ المطلوب أمريكياً تطبيع الذهنية العربية على القبول بـ "إسرائيل"، ومن الطبيعي أنَّ استمرار المفاوضات تجعل النّاس تستفيق كلّ صباح، لتسأل: ماذا قال الوفد الإسرائيلي لهذا الوفد العربي، وماذا قال الوفد العربي لهذا الوفد الإسرائيلي؟ حتى تتطبّع النّاس وتستغرق في كلّ أسلوب الإذلال الإسرائيلي للعرب "إسرائيل" تملك كلّ الأوراق فيما يخصّ القضية الفلسطينية وباقي الدول العربية، في حين أصبح بعض العرب يتضايقون من المفاوضين ويستعجلونهم التنازلات، خاصة عرب النفط الذين يعملون بكلّ ما يملكون من طاقة في سبيل أن يصالحوا "إسرائيل"، وربَّما يفكّرون بعقد معاهدات معها أكثر ممّا يفكّرون بعقد معاهدات مع العرب في هذا المجال.
المفاوضات لن تؤتي ثمارها:
إنَّنا نعتبر أنَّ المفاوضات لن تؤتي ثمارها، وإنَّما يتحرّك المتفاوضون في الوقت الضائع، حيث لا يمكن للعرب أن يمارسوا ضغوطاتهم على أمريكا، ولكنَّ الفرق بين العرب و "إسرائيل" في كلّ الخطّ السياسي البياني الذي يتحرّك في الساحة هو: أنَّ أصدقاء أمريكا من العرب يعملون على أن يحولوا كلّ مواقعهم السياسية والاقتصادية والإعلامية والأمنية والاجتماعية لمصلحة أمريكا في الواقعين العربي والإسلامي، بينما "إسرائيل" تفكر في أن تجعل من أمريكا مواقع لنفوذها وهكذا بالنسبة لأوروبا، وتستخدم الثروات الإسرائيلية والصهيونية من أجل السيطرة على كلّ الإعلام العالمي: تلفزيونات، إذاعات، صحف، وكالات الأنباء لتسخّره لمصلحتها. بينما الإعلام العربي عندما يشتري صحيفة أو يصدرها يحوّل هذه الصحيفة إلى صحيفة تؤكّد النفوذ الأمريكي، وتعتبره تقدّماً في حركة الحضارة العربية وما إلى ذلك.
العرب لا ينتقدون أمريكا:
نحن نفكّر بأنَّ أمريكا هي الحلّ والمنقذ، بينما يفكّر الإسرائيليون بغير هذه الطريقة، ولذلك نجد من الصعوبة بمكان توجيه أيّ انتقادات إلى أمريكا من قبَل أصدقاء أمريكا أو عملائها، وإذا وجّهوا الانتقاد إليها فإنَّه يكون نقداً ضعيفاً لطيفاً طيباً حتى لا ينزعج (العم سام) كما يقولون، أمّا "إسرائيل" فإنَّها تقف من أمريكا موقفاً صلباً، وهذا ما نجده من ردّة الفعل الإسرائيلية على التصريحات التي أطلقها وزير خارجية أمريكا حول مسألة الضمانات وربطها بمسألة إيقاف الاستيطان.
إنَّ اليهود يتحرّكون بشكل واسع ويريدون أن يجعلوا من العالـم مواقع لنفوذهم اليهودي؛ وذلك من خلال المطالبة بأيّ يهودي موجود في أيّ مكان في العالـم، وأصدقاء أمريكا يعملون على اضطهاد أيّ مسلم موجود في أيّ مكان في العالـم واضطهاد أيّ عربي حرّ في هذا المجال، هم يلاحقون أيّ يهودي في العالـم ليطالبوا بحقوقه، ونحن نلاحق أيّ مسلم في العالـم لنضطهده ونضيّق عليه، ولذلك تتعاون أجهزة المخابرات العربية في البلاد الإسلامية من أجل مضايقة ما يسمّونه بالمسلمين "الأصوليين" أو الذين يفكّرون بقضية الحريّة في العالـم.
أمريكا لا تريد امتلاك العرب سلاحاً قوياً:
المطلوب أمريكياً هو إسقاط كلّ قوة عربية يمكن أن تكون قوة موازنة لـ "إسرائيل" ومن الثوابت في السياسة الأمريكية هي مسألة المحافظة على التفوّق النوعيّ والكميّ لـ "إسرائيل" في المنطقة. ولهذا نجد أنَّ أمريكا عملت بكلّ ما تملك من طاقة لإبطال صفقة صواريخ السكود التي اشترتها سوريا من كوريا، أو من أيّ بلد آخر، باعتبار أنَّ هذا - حسب الزعم الأمريكي- يشكل خطراً على "إسرائيل"، هذا في الوقت الذي تملك فيه "إسرائيل" القنبلة الذرية التي تشكّل خطراً على كلّ المنطقة. بالإضافة إلى ما تملكه من صواريخ متطورة قدّمتها لها أمريكا.
حدّدوا وطنيتكم:
لقد عبّر النّاس عن أصالة موقفهم ضدّ "إسرائيل" من عملية اغتيال العلامة المجاهد السيِّد عباس الموسوي (رض)(1)، من خلال هذا المدّ الجماهيري الذي شاهدناه في بيروت وفي البقاع وفي كلّ موقع من مواقع العالـم الإسلامي.
وإنَّنا ندعو الشعب اللبناني بكلّ طوائفه وبكلّ منظماته وبكلّ أحزابه ومن خلال ما عاناه من مشاكل وما عاشه من الفتن، أن يجد وحدته الوطنية في نقطتين:
النقطة الأولى: مواجهة العدوان الإسرائيلي، لأنَّنا لا نفهم أن يكون هناك لبناني مخلص لوطنه يقبل باحتلال "إسرائيل" وعدوانها على أهل الأرض. إنَّ على المقاومة لكي تكون لبنانية أن تعمل على مواجهة الإسرائيلي بكلّ قوّة.
النقطة الثانية: أن يتوحّد اللبنانيون وطنياً في مواجهة مشكلة الجوع، وفي مواجهة مشكلة الانهيار الاقتصادي، لأنَّ الجوع لا هُويّة طائفية أو مذهبية له، فليس هناك جوع إسلامي أو مسيحي، ليس هناك جوع سني أو شيعي أو درزي أو ماروني أو ما أشبه ذلك، الجوع هو إنساني، بمعنى أنَّ كلّ إنسان يعيش الجوع بكلّ كيانه لا بُدَّ من أن يتكامل مع كلّ الجائعين، لأنَّ مشكلة الجوع لا يمكن أن تحلّ إفرادياً، بل لا بُدَّ من أن تحلّ جماعياً.
أمريكا تمنع العرب من تعزيز
قدراتهم الدفاعية(1)
تسعى أمريكا جاهدة لمنع أيّ دولة عربية أو إسلامية من تعزيز قدراتها الدفاعية، وبالأخص سوريا التي تُدرِك أنَّها لا تزال مهددة من قِبَل الجانب الإسرائيلي، لأنَّ المطلوب حسب الرؤية الأمريكية هو أن تبقى القوّة الإسرائيلية متفوقة على كلّ الدول العربية مجتمعة، وليس هذا فحسب، بل حتى على صعيد المفاوضات نجد انحيازاً في أسلوب التمييع الإسرائيلي لقضية المفاوضات، محاولة بذلك إذلال العرب، مستفيدة من حالة التروي في الواقع العربي.
ومما يلاحظ في هذا الجانب، أنَّ أمريكا لـم تحرّك ساكناً تجاه التهديدات التي أطلقها الوفد الإسرائيلي للوفد اللبناني، بأنَّ الإسرائيليين سيتصرفون بكلّ حرية في الجنوب، تحت ستار المحافظة على أمنهم.
وقد بلغت الوقاحة بالمفاوض الإسرائيلي حدّاً جعله يتحدّث عن احتلال سوري للبنان، هذا في الوقت الذي تحتلّ فيه "إسرائيل" جنوب لبنان وبقاعه الغربي احتلالاً فعلياً دون أن يعتبر ذلك أكثر من إجراء من قبلها لحماية حدودها!!!
أمريكا تحاول إقناع العالـم بأنَّ العرب إرهابيون:
إنَّ أمريكا بالرغم من الزحف باتجاهها، تبقى منحازة وبشكل سافر إلى جانب "إسرائيل"، لا بل إنَّها ترصد الواقع العربي برمته، فإذا ما رأت إمكانية للتحرّك في مكان ما أسقطته. وهذا ما نلمسه من خلال القضايا التي أثارتها لجعلها مادة إعلامية تروّجها على الصعيد الدولي، كالحديث عن الإرهاب العربي، فأثارت قضية الطائرة الأمريكية(2)، واتهمت ليبيا بتدميرها محاولة إقناع الواقع الدولي من خلالها بأنَّ العرب إرهابيون، وهذا ما يساهم في تشويه صورة العرب المسلمين في هذا المجال.
إنَّ "إسرائيل" بارتكابها الجرائم الوحشية، وممارساتها لأشدّ أنواع القتل والتدمير، من قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البيوت، وإتلاف المزارع، وقصفها لكلّ الساحات والأماكن، لا نجد له من أمريكا سوى اللامبالاة وغضّ الطرف، ولكنَّنا نراها في المقابل تجند كلّ طاقاتها لملاحقة المواقع الإسلامية، وإثارة المشاكل والحروب فيها.
نتطلع لليوم الذي نمتلك فيه وعياً سياسياً:
إنَّنا نتطلع لليوم الذي نمتلك فيه وعياً سياسياً على مستوى الأمّة كلّها، وموقفاً موحّداً من قضية الصراع مع الاستكبار، لنتمكن من مقاومته، أو على الأقلّ نخفف من ضغوطاته، وإلاَّ فإنَّنا سوف نبقى على هذا المقدار من الهشاشة في الموقف وعرضة لسحق الغزاة لنا.
إنَّنا نلاحظ أنَّ اليهود يقفون في وجه أمريكا موقف الندّ للنّد، فإذا ما حاولت أن تضغط عليهم ألّـبوا العالـم ضدّها، وألّبوا الشعب الأمريكي ضدّ حكومته، في محاولة منهم للتخلص من هذه الضغوط، بعكس ما نجده من المسلمين الذين يفوقونهم بالعدد، حيث لا يمارس هؤلاء أيّ عملية ضغط على الموقف الأمريكي.
إنَّ اليهود مجتمعين في العالـم قد لا يتجاوز عددهم سكان أمريكا من المسلمين، ولكنَّنا نجد أنَّهم يمارسون ضغوطاً يحققون من خلالها أهدافهم، في حين أنَّ المسلمين لا يشكلون أيّة قوّة سياسية بالرغم من أعدادهم الهائلة، ولعلّ السبب في ذلك ينطلق من أنَّ كلّ فئة إسلامية منكمشة داخل بلدها، بل ربَّما في داخل طائفتها، وأوضاعها الخاصة، مما يفقدنا نعمة رحابة الإسلام، التي تشدنا إلى بعضنا البعض، والتي يجب أن نربّي عليها أنفسنا وأولادنا لنتمكن من المحافظة على قضايانا الأساسية في المستقبل.
لا نريد للإسلام أن يكون قوّة عدوانية:
عندما نتحدّث بهذه الطريقة فهذا ليس معناه، أنَّنا نريد للقوّة الإسلامية أن تكون عدوانية ضدّ غير المسلمين، لأنَّه عندما نكون أقوياء باستطاعتنا أن نتحالف ونتعاون مع الآخرين من موقع الندّ للنّد، لا تعاون وتحالف الضعيف مع القوي، ونكون بذلك سنداً وقوّة للمستضعفين حتى من غير المسلمين، ولكنَّنا إذا كنّا الضعفاء، فسوف يأكلنا الأقوياء.
المجاهدون في لبنان يواجهون الهمجية الإسرائيلية(1):
المسلمون في لبنان في جنوبه وفي بقاعه، يواجهون يومياً كلّ ألوان الهمجية والوحشية من "إسرائيل" ومن عملائها.
ونحن عندما نواجه الهجمات الإسرائيلية الشرسة على أهلنا في جبل عامل وفي البقاع الغربي، فإنَّنا نتحدّث باحترام وتقدير عن شبابنا المجاهدين الذين يقفون على ثغور المسلمين، مدافعين عن عزّتهم وحرّيتهم وكرامتهم، حتى لا يسقط الكيان كلّه وحتى لا يسقط الواقع كلّه.
أمريكا تطلق يد "إسرائيل" في الشؤون الفلسطينية(1):
طلب الفلسطينيون الحماية من مجلس الأمن الذي يعتبر الضفة الغربية وغزة أرضاً محتلة، فاعترضت أمريكا بـ "الفيتو" على هذا الطلب، لتكن لـ "إسرائيل" الحرية في أن تقتل وتدمر ما تشاء باسم فرض القانون باعتبارها دولة انتداب، لأنَّ خطتها هي تهيئة الظروف الملائمة لـ "إسرائيل"، لتستولي على الضفة الغربية وغزة فيعترف العالـم بشرعية ذلك، بعد أن استولت على فلسطين ما قبل 67.
ويتزايد التناقض في الموقف الأمريكي عندما نصل إلى القرار 425، وقد درسناه بالعمق، ونحن غير موافقين عليه، وحيث ولد هذا القرار سنة 1978، ولـم ينفّذ، في حين نرى أنَّ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن إبّان حرب الخليج، كانت تنفّذ بسرعة فائقة، لـم تحرّك أمريكا ساكناً لتنفيذ هذا القرار، ولـم تضغط على "إسرائيل"، بل كانت تحمي "إسرائيل" من أيّ عمل جهادي يجبر "إسرائيل" على أن تنسحب بموجب هذا القرار.
أمريكا تعطّل دور الأمم المتحدة:
لقد عطّلت أمريكا دور الأمم المتحدة، من خلال منع قيام قوات الطوارئ الدولية بدورها، حيث كان مقرراً أن تصل قوات الطوارئ إلى الحدود مع فلسطين، وذلك لأنَّها لـم تضغط على "إسرائيل" في ذلك لتنفيذ القرار 242 والقرار 383 الذي تقوم عليها المفاوضات. أليست هذه القرارات صادرة عن الأمم المتحدة، ولكن عندما تكون القرارات لمصلحة "إسرائيل"، ولمصلحة الاستكبار العالمي، ساعتئذٍ تتحدّث أمريكا عن الأمم المتحدة، وضرورة احترام قراراتها، ولكن عندما تكون لمصلحة العرب والمسلمين والشعوب المحرومة المستضعفة تنسى أمريكا عند ذلك كلّ القرارات، وتنسى كلّ الأمم المتحدة.
تغييب دور الأمم المتحدة في المفاوضات العربية - الإسرائيلية:
ومن الملاحظ أنَّ الأمم المتحدة التي انطلقت من خلال قراراتها في المفاوضات العربية - الإسرائيلية، لـم يُسمَح لها أن تكون عضواً مشاركاً وفعالاً في المفاوضات بل أعطي لها دور المراقب، مما دفع بأمينها العام لأن يشرب حليب السباع، ويصرّح بأنَّه لن يحضر المفاوضات ثأراً لكرامة الأمم المتحدة، إذا لـم يكن بصفة مشارك.
"إسرائيل" تتنصل من قرارات الأمم المتحدة:
وفي مقابل ذلك نجد أنَّ "إسرائيل" تحاول التنصّل من قرارات الأمم المتحدة، وقد صرّح أحد مسؤوليها، وهو منسّق الأنشطة الإسرائيلية ـ اللبنانية: أنَّ أيّة حكومة إسرائيلية سواء كانت حكومة عمل، أو حكومة ليكود، أو حكومة وطنية، لا يمكن أن تعترف بالقرار 425، ولا يمكن أن تعتبره أساساً للمفاوضات. ليقول بذلك للبنانيين: إنَّ التفاوض يكون على أساس الصلح المنفرد.
وفي هذا الصدد لو انقلبت المعادلة وأدلى أحد الحكام العرب بتصريح يرفض فيه ما يتعلّق بتطبيق أحد قرارات الأمم المتحدة، ألا يشجب الأمريكي مثل هذا التصريح؟!
أمريكا تمارس سياسة عدوانية ضدّ العرب والمسلمين:
هذه هي مشكلتنا مع أمريكا، حيث تقدم كافة أنواع الدعم والقوّة لـ "إسرائيل"، وفي المقابل تلاحق كلّ موقع للقوّة لدى الشعوب العربية والإسلامية، كيف يمكن تفسير هذا الموقف، ونظرتها لقضايا حقوق الإنسان، وقضايا الحريّة، وقضية هذه الشعارات التي تحملها أمريكا.
عندما تكون القضية قضية الشعب الفلسطيني أو قضية الشعب اللبناني، لا مشكلة هنا أن يدمر، أن يقتل، أن يجرح، أن يشرد كلّه، ولكن عندما تكون المسألة مسألة "إسرائيل" في أيّ مكان من العالـم بقطع النظر عن ظروفه، وعن طبيعته، بذلك تكون أمريكا معنية بكلّ المسألة، وتتحمل كلّ المسؤوليات في هذا المجال، بينما بالنسبة إلى ما يحدث للنّاس المستضعفين فإنَّ أمريكا لا تكترث لهذه القضايا.
لترفع أمريكا سياستها العدوانية ضدّ شعوب المنطقة، وضدّ شعوب العالـم الثالث، وضدّ المسلمين في العالـم، لتتوازن، لتنطلق بموقف حضاري، وبموقف متوازن، ولا مشكلة لنا مع أمريكا، إنَّما المشكلة هي أنَّ أمريكا تمارس سياسة عدوانية ضدّنا، وما يحصل في ليبيا والعراق - ونحن لا نؤيّد الحكّام فيها- وهي تستخدم كلّ أساليب الضغط ضدّهما، في حين أنَّها لـم تكن تثير ولو كلمة واحدة ضدّ جرائم "إسرائيل"، وضدّ وحشية "إسرائيل"، في اجتياحها للبنان سنة 1978، واجتياحها له سنة 1982.
ومن هذا المنطلق فإنَّ على العرب ألا يراهنوا على وجود بعض الثغرات بين أمريكا و "إسرائيل"، لأنَّ العلاقة بينهما وصلت إلى نقطة اللارجوع، بل إنَّها تتحرّك في التسويات التي قد تحقق لـ "إسرائيل" ما تريد، ولكن بطريقة أخرى أو بشكل آخر.
تحية للمجاهدين:
ولذلك علينا أن نحترم ونقدر موقف المجاهدين في الضفة الغربية وغزة، لأنَّ هذا الشعب قد دلّ على أصالته، وأنَّه كلّما ازداد العدو وحشية، ازداد هذا الشعب صلابة. إنَّه شعب تربّى على الإسلام، فكان الأصل في فكره وعاطفته وحركته.
وهكذا نشعر بالاحترام والتقدير تجاه شباب المقاومة الإسلامية، والمقاومة الوطنية الذين يقفون في مواجهة الاحتلال، وفي مواجهة الغطرسة الصهيونية، ويؤكّدون في كلّ يوم أنَّهم الذين يحترمون الأمّة في قيمها، وفي رسالتها، وفي تاريخها، وفي حاضرها، ومستقبلها، لا هؤلاء الذين يتحرّكون وراء الكواليس أو في الأروقة الغربية ليبحثوا عن حلّ، وأيّ حل. لقد عبّرت "إسرائيل" دائماً أنَّها تأخذ ما تريده بالقوّة، وأنَّها لا تحترم أيّ قرار للأمم المتحدة، ولا تؤمن بأسلوب المفاوضات إلاّ إذا كان لحسابها، فتحية لهؤلاء الشباب المجاهدين في فلسطين وفي لبنان وفي كلّ مكان في العالـم، الذين يفكّرون بأنَّ الحقّ لا يمكن أن يؤخذ إلاّ بالقوّة، عندما تكون الأمّة قوية في حقّها، وقوية في موقعها، وقوية في موقفها، فإنَّها لا بُدَّ من أن تُخضِع الأقوياء الآخرين، ولا بُدَّ من أن تصل إلى النتائج الكبيرة، بالرغم من كلّ الجراح، والآلام، والأخطار، وبالرغم من كلّ التحديات.
لمجابهة التحديات لا بُدَّ من قراءة القرآن جيّداً:
إنَّ هؤلاء الشباب سواء في فلسطين أو في لبنان هم الذين يقرأون القرآن جيّداً، لا الذين يستعجلون قراءته، ولا يفهمون منه شيئاً، هؤلاء قرأوا قول اللّه: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] وهؤلاء قرأوا جيّداً قول اللّه سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ} [التوبة:111] هؤلاء الذين قرأوا القرآن جيّداً، وقرأوا الموقف جيداً، وقرأوا المستقبل جيداً، وانطلقوا من خلال خطّ القرآن، لينطلقوا في خطّ المستقبل، ليكون المستقبل كما يريده اللّه، مستقبل العزّة والحريّة والكرامة للمؤمنين وللمستضعفين.
قدس الأنبياء (ع)(1)
القدس هي الأرض المقدسة التي باركها اللّه، وبارك من حولها وما حولها، القدس التي دخلت كلّ تاريخنا الإسلامي من بابه الواسع، حيث لا تلتقي نبياً من أنبياء اللّه ممن تحدّث عنهم القرآن إلاَّ وكان له دورٌ فاعلٌ، وترى أنَّ القدس كانت هي المكان الطبيعي الذي تحرك فيه وتعبّد للّه فيه، كإبراهيم وموسى (ع) الذي أراد اللّه له أن يدخل الأرض المقدسة، ومريـم (ع) التي عملت في خدمة بيت اللّه، وفي هذه الأجواء عاش عيسى وموسى (ع).
وهكذا حتى شرّف اللّه القدس بأن أرسل إليها نبيّه في الإسراء، ولذلك فنحن لا نستطيع أن نفرّق في وعينا الديني والروحي بين مكة والقدس، تلك قبلتنا الأولى وهذه قبلتنا الثانية، فيها ولد محمَّد وحركته، وفي تلك كان مسرى محمَّد ومعراجه (ص).
القدس تختزن في أعماقنا القيم الروحية وقضايا الحرية:
ولذا فإنَّ القدس تختزن في ذاكرتنا وعقولنا وقلوبنا، الكثير من المعاني الروحية، والقيم المتصلة بقضايا الحريّة والعزّة والكرامة.
لقد كانت القدس من البداية هدفاً للاستكبار العالمي بكافة أشكاله، فعاشت الاحتلال الصليبي، والاستعمار البريطاني، وتعيش اليوم مشكلة معقّدة من خلال الاحتلال اليهودي الذي يرمي لجعلها عاصمة أبدية لـ "إسرائيل"، وقد بارك الكونغرس الأمريكي هذه الخطوة.
ولكي لا تحرج الإدارة الأمريكية نفسها لـم تُعلن ذلك صراحة في سياستها، بل تركت أمر مصيرها- على حدّ زعمها - إلى المفاوضات، وهي التي التزمت في عمق سياستها أمن "إسرائيل" في السياسة والاقتصاد والعسكر.
الإمام الخميني (رض) وعى أهمية القدس (فأطلق اليوم العالمي):
إذاً كانت القدس وما زالت مدار تجاذب بين أن تكون خاضعة للآخرين، وبين أن تكون ضمن الدائرة العربية والإسلامية، وهذا ما وعاه الإمام الخميني (رضوان اللّه عليه)، عندما أصدر أمره من موقع الولاية الإسلامية للمسلمين بأن يشاركوا في يوم القدس اجتماعاً أو تظاهراً أو شعاراً أو حركة في آخر جمعة من شهر رمضان، أراد أن يدخل القدس في الدائرة السياسية التي تتحرّك فيها القضية الفلسطينية، وأراد للمسلمين أن يلتزموا بالقدس الرمز، كما يلتزمون بمكة الرمز، لتبقى القدس في وعيهم وفي وجدانهم، وليتحول الوعي إلى مسؤولية، والوجدان إلى حركة في طريق تحرير القدس، فإنَّ الإمام قال للمسلمين: عليكم أن تصنعوا الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية لتحريرها، ولو بعد مائة سنة، كما صنع المسلمون من قبل الظروف لفتح مكة، لأنَّ قضايا الأمم في حركتها لا تُعدّ بالسنوات.
الأمّة التي تقدم التنازلات هي أمّة هزائم:
إنَّ الأمّة التي تعوَّدت أن تقدّم التنازلات من أرضها وثرواتها ومواقفها السياسية تحت تأثير قوّة ضاغطة هنا، وقوّة ضاغطة هناك، وتنسى كلّ ما تنازلت عنه هي أمّة سوف يكون سجل تاريخها الهزائم، لأنَّ قضية الهزيمة ليست قضية واقع، ولكنَّها قضية روح وإرادة.
لذلك نجد أنَّ الإعلام الاستكباري يسخّر كلّ طاقاته للإيحاء بأنَّنا ضعفاء، لا يمكننا أن نتوحّد، الإيحاء بأنَّ السيطرة على العالـم معقودة للقوّة الكبرى، ولا نستطيع إزاء ذلك أن نقف بوجهها، وما علينا إلاّ أن نستسلم للضعف والهزيمة، لكي لا نفكّر بأيّ خطّة نحرر من خلالها أنفسنا في المستقبل.
أمريكا تلتزم التفوّق النوعي لـ "إسرائيل":
وما تحاول تحقيقه الدول المستكبرة وفي مقدمتها الولايات المتحدة في هذه المرحلة في كلّ الواقع العربي والإسلامي، هو ألا ينطلق المسلمون بخطّة يستعدّون من خلالها لمواجهة التحديات من خلال صنع القوّة، ممنوع عليهم ذلك.
ولذلك ليست القدس مجرّد بلد عادي، يختزن في داخله قيماً روحية، بل يتجاوزها إلى تحويل ذلك الوعي الروحي إلى وعي سياسي تحمله الأجيال معها، لأنَّ القدس رمزٌ لكلّ بلد إسلامي محتلّ ومستباح، فهي تمثّل كلّ فلسطين، وكلّ المناطق المحتلة في لبنان والجولان والقدس، وكلّ موقع في العالـم يسيطر فيه المستكبرون على المسلمين.
لأجيالنا عيد تحرير الأمّة:
لقد تربّى أطفالنا على مناسبات وأعياد كثيرة تحمل معاني وقيماً إنسانية، كعيد الأم والمعلم والعمال، ولكن يجب علينا أن نغذّيهم بالوعي، فنجعل لهم عيداً يتحمّلون فيه المسؤولية عندما يصبحون كباراً، وهو عيد تحرير الأمّة من خلال تحرير الأرض التي تمثّل عزّة الأمّة وعنفوانها وكبريائها.
وإذا أردنا أن نكون بمستوى المسؤولية على المستوى العالمي علينا ألا ندع اليأس والضعف والحزن يسري إلى قلوبنا، فإذا كنا المغلوبين اليوم وتمكننا من صنع القوّة، ربَّما نكون الغالبين غداً {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، لأنَّ اللّه {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء} [آل عمران:26].
لنأخذ جانب الحيطة والحذر من مؤامرات العدو:
دائماً أدعو المواطنين والمؤمنين لأخذ الحيطة والحذر، لأنَّ العدوّ الإسرائيلي أعلن أكثر من مرة بأنَّه سيخوض معارك دامية ضدّ المؤمنين، وكلّ الرافضين للاحتلال، والذين لـم يعترفوا بشرعية وجوده، ولذلك فهو يخطط دائماً للقيام بالأعمال الأمنية التي يحاول من خلالها أن يزهق الأرواح ويدمّر الممتلكات وما إلى ذلك.
ليكن كلّ واحد منكم حارساً وخفيراً، راقبوا كلّ حركة تتصل بالعدوّ وعملائه لكي لا نسمح لمخابراتها من تحقيق أهدافها في ضربنا وقتلنا.
حذار من الاسترخاء، حذار من اللامبالاة، لأنَّ ما تخطّط له "إسرائيل" من عمليات مخابراتية: من تدميرٍ وقتلٍ وانفجارات، لا يقتصر على شخص دون آخر، أو جماعة دون أخرى، إنَّما يطال بذلك الأمّة كلّها، فهي لا تفرّق بين طفل وامرأة وشيخ، كونوا عيوناً وحراساً للنّاس وللمنطقة شكّلوا لجاناً أمنية في كلّ محلة، لأنَّ ذلك وحده هو الذي يُفشل المخططات الإسرائيلية والاستكبارية {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].
أمريكا: لتبرئة "إسرائيل: من عنصريتها(1)
يقوم المنطق الأمريكي على ضرورة امتناع المقاومة عن مقارعة "إسرائيل" مقدمة لإرغامها على الانسحاب، أو تطبيق القرار 425، والسؤال الذي يقدّم نفسه هو، لماذا لـم تُقنِع أمريكا "إسرائيل" حتى الآن بالانسحاب على أساس تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، خصوصاً وأنَّ المقاومة لـم تكن قد بلغت مستوى متقدماً بعد. نحن نرى أنَّ أمريكا لـم تسعَ بهذا الاتجاه، لأنَّ الوضع السياسي الأمريكي كان لا يسمح لأحد بأن يتعرض لـ "إسرائيل" بسوء، بل كانت أمريكا تدعم "إسرائيل" بمختلف الوسائل، فتمنع من إدانتها وإصدار القرارات ضدّها، باعتبارها الأداة التي تحرّكها بوجه الاتحاد السوفياتي وكلّ حلفائه في المنطقة.
أمريكا تسعى لرفع صفة العنصرية عن "إسرائيل":
ولـم يختلف تعامل اليوم عن الأمس، بحيث مارست أمريكا ما يمكن ممارسته من ضغوط؛ لترفع عن "إسرائيل" صفة الاحتلال، وأزالت هذه الصفة عن كلّ قوانين وأحكام الأمم المتحدة.
ومن الطرفة بمكان أنَّ "إسرائيل" لا تعتبر وجودها في جنوب لبنان احتلالاً، ليقوم هؤلاء بتحرير أرضهم، ولذا أقامت حزاماً أمنياً بحجة الدفاع عن حدودها.
وهذا المنطق يخالف الأسس التي قامت عليها الدول، إذ لو اعتُمِدَت هذه السياسة من قبل كلّ دولة، فلن يبقّى هناك دولة مستقلة في العالـم، ولكنَّه المنطق الإسرائيلي، المدعوم بالمنطق الأمريكي.
إنَّه منطق مقلوب، يدفع بالقتيل لأن يتحمَّل المسؤولية عن قاتله، لأنَّه يدافع عن أرضه وشعبه، وحاضره ومستقبله، ويعطي المجرم لنفسه صفة الضحية، والحقيقة هي عكس ذلك تماماً.
الواقع العربي في 1967 أشغل النّاس بالشعارات:
في الخامس من حزيران لعام 1967 وقعت الهزيمة العربية على يد "إسرائيل"، حيث كان الواقع السياسي العربي: الرسمي والشعبي يعيش حالة من الإرباك والانفعال الذي أشغل النّاس بالشعارات، بدل أن يخطط للمعركة، وفي ظلّ واقع دولي داعم لـ "إسرائيل"، وآخر حليف للعرب آنذاك، وكانت القوّة الحليفة تعمل على تحذير العرب لكي لا يعتمدوا على القوّة في صراعهم، مستفيدين بذلك من أجواء الضياع والانفعال والتوتّر.
الهزيمة تحوّلت إلى نصر:
ومن الطريف أنَّ الهزيمة في عرف الدول العربية قد تحوّلت إلى نصر، وتحوَّل صانعوها لدى النّاس إلى أبطال، وهذه هي مشكلة العرب. أنَّهم لا يسمحون للمهزوم أن يتنحّى، بل يريدونه أن يبقى بطلاً مدى الحياة، نائباً، وزيراً، رئيساً وما إلى ذلك.
من نتائج حرب 1967 الانحناءات العربية السياسية:
لقد خلخلت هزيمة العام 1967 كلّ الواقع العربي، وفتحت المجال نحو انحنائه أمام الواقع اليهودي بطريقة وبأخرى، ولذلك نجد أنَّ ما اعتبر فتحاً عربياً في معركة تشرين أو معركة رمضان في 1973 لـم يكن نصراً في خطّ يمتد نحو النهاية، ولكنَّه كان نصراً في موقع محدّد سمح للعبة السياسية الدولية والإسرائيلية أن تلتفّ على هذا النصر؛ فتحوّل إلى حالة ضغط على العرب، يدفع نحو الصلح الذي وقّعته مصر مع "إسرائيل" وهكذا بدأت الانحناءات العربية السياسية، وفقد العرب خصوصاً بعد خروج مصر إرادة القتال، وبقيت "إسرائيل" وحدها من يملك هذه الإرادة التي لـم تكتفِ بالتخطيط له، بل عملت وتحرّكت في كلّ الاتجاهات والأماكن، وسعت إلى ملاحقة الفلسطينيين، وملاحقة أهدافهم في العالـم كلّه، دون أن يستنكر أحدٌ ذلك.
اجتياح 82 كان اجتياحاً للذهنية العربية:
وهكذا كان اجتياح العام 1978 ثـمَّ في العام 1982، وقد أرادت "إسرائيل" أن تعاقب الشعب اللبناني والشعب الفلسطيني كلّه، على إثر تعرض السفير الإسرائيلي لمحاولة اغتيال في لندن، فكان اجتياح 82 اجتياحاً سياسياً وعسكرياً للذهنية العربية والواقع العربي.
ومن الملاحظ أنَّ الشعب هو الذي أمسك بزمام المبادرة هذه المرة، لأنَّه عندما كانت بأيدي الأنظمة انتصرت "إسرائيل"، وحتى عندما انتصرت بعض الأنظمة في بعض المواقع التفّت "إسرائيل" على الانتصار وحولتّه إلى هزيمة.
شعب يعيش الحرية بوعيه:
قامت "إسرائيل" باجتياح عام 1982 تحت عنوان "سلامة الجليل"، فاجتاحت الجنوب والبقاع، ودخلت إلى بيروت لتكون بذلك أول عاصمة عربية تحتلّها "إسرائيل"، وحصلت من خلال ذلك على صلح منفرد مع لبنان عرف باتفاق 17 أيار الذي حاصر استقلال لبنان بفرض علاقات مفتعلة مع "إسرائيل".
وانبرى شعبنا في جبل عامل والبقاع الغربي لمحاربة العدوّ، بأطفاله ونسائه اللاتي حاربن بالزيت المغلي، وشبابه الذين تحوّلوا إلى ما يشبه الأشباح المتحرّكة التي تحاصر الجندي الإسرائيلي، في النّور والظلام على حدٍّ سواء، فعاش شعبنا الحرية بوعيه بعد أن عاش مرحلة الغيبوبة في بدايات الاجتياح الإسرائيلي، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201].
شعبنا يدفع بالجنود الإسرائيليين إلى المصحات النفسية والعقلية:
لقد مارس شعبنا على الجنود الإسرائيليين ضغطاً نفسياً دفع بالعديد منهم إلى دخول المصحّات النفسية أو العقلية، وإنَّ البعض منهم تصوّر أنَّه يعيش في الجحيم، وممّا يُذكَر في هذا المجال، أنَّ جندياً ذهب بإجازة أو بغير إجازة إلى فلسطين، فسُئِل كيف تتصوّر نفسك؟ فكان ردّه أنَّه يتصوّر نفسه في الجنّة، لأنَّه كان في الجحيم الذي صنعه الشعب الطيّب الذي استطاع أن يحاصر اليهود هنا، عندما كانوا في خلدة(1)، وبعد ذلك في جبل عامل(2).
النظام اللبناني يخطط لإنجاح اتفاق 17 أيار:
وبينما كان شعبنا يقوم بكلّ هذه الأعمال ويقدّم التضحيات، كان النظام اللبناني يخطّط لإنجاح اتفاق 17 أيار، فصوّت أغلب نواب المجلس النيابي (آنذاك) لمصلحته، فكان انطلاق التحرّك من المسجد(3)، حيث استشهد أحد الأخوة(4) من الشباب المعارضين للاتفاق، وتابع شعبنا تحرّكاته لإسقاط هذا الاتفاق، ومنهم من اعتصم بهذا المسجد، من علماء السنّة وعلماء الشيعة انطلاقاً من قاعدة الوحدة الإسلامية في مواجهة العدوّ المشترك.
المقاومون يتقدّمون إلى الموت وهم مبتسمون:
وطوّر المجاهدون أساليب مواجهاتهم مع العدوّ، وانطلقت العمليات الاستشهادية التي أربكت العدوّ وجعلته يعيش مشكلة سياسية وأمنية ونفسية، يصعب التعامل معها، وقد عبّر عن هذه الأزمة أحد قادة العدوّ، بأنَّه درجنا على أن نخوّف النّاس بالموت، ولكن لا ندري ماذا نفعل مع أناس يتقدّمون إلى الموت وهم مبتسمون، لأنَّ "إسرائيل" دأبت كلّ تاريخها على سياسة تخويف النّاس من قواتها بالقتل، والقتل هو بالنسبة لهؤلاء النّاس الذين تقاتلهم اليوم "إسرائيل" هدف نبيل وغاية سامية.
المقاومة الإسلامية اخترقت حاجز الخوف وأعادت العنفوان للأمّة:
أصبحت سياسة التعب والخوف هي السياسة التي تحكم الواقع العربي على كلّ المستويات، ولكنَّ المقاومة ولا سيما المقاومة الإسلامية استطاعت بصمودها أن تخترق حاجز الخوف، وتبثّ في النّاس روحيّة جديدة، بإيمانها ومواقفها، وأعادت العنفوان للأمّة بعد أن كاد يسقط أمام قوّة "إسرائيل".
إنَّ مستقبل الشعوب لا يُختَزل بالحسابات المادية، مع عدم التقليل من أهميتها، لكن علينا أن نحترم أنفسنا وأولادنا ومستقبلنا، لأنَّنا إذا سقطنا تحت وطأة القوّة الإسرائيلية فسيُرمى أولادنا كحشرات تحت أقدام المحتلّ، لذلك عندما نحرّك القوّة قد لا نحقّق نتائج كبيرة في المدى المنظور، ولكنَّنا بالتأكيد نرسم لحركتنا ملامح المستقبل.
ولذا تحاول "إسرائيل" دائماً أن تغرز ترسانتها العسكرية، وتتحدّث مع العرب، وحتى المسلمين، بمنطق القوّة، خاصة في هذه المرحلة التي يشهد فيها العالـم قيام جمهوريات إسلامية مستقلة في آسيا، إضافة إلى الجمهوريات الأخرى.
لـم تحقّق المفاوضات إلاّ إذلالاً للعرب:
وفي مقابل ذلك يعلّق البعض آمالاً كبيرة على المفاوضات لتحرير لبنان، ولكنّنا نجد أنَّ كلّ الجلسات التي عُقدَت في المفاوضات الثنائية والمتعددة، لـم تحقّق إلاّ إذلالاً للعرب، ودعوات للصبر والتعقل والرزانة والاتزان أمام استعراض عضلات القوّة الإسرائيلية، التي تقصف بيوتنا وتدمرها وتقتل أطفالنا وتتقدم للمفاوضات بشروطها.
كلّ هذا يحصل وأمريكا بعيدة عن ممارسة أيّ ضغط عليها، ولكنّ العرب - وهم أصحاب القضية - تراهم لـم يتحرّك فيهم الحسّ العربي ولو بمقدار ذرّة، على الأقلّ للمطالبة بتجميد المفاوضات؛ بحُجّة تفويت الفرصة على "إسرائيل"، وفوق ذلك تتهم "إسرائيل"، العرب بأنَّهم يسعون لتخريبها، وأمريكا تضغط على لبنان وتخيّره بين الميليشيات والشرعية. والمقصود بالميليشيات المقاومة الإسلامية أو المقاومة بشكل عام. وفي الوقت نفسه لا يطالبونه ببسط سلطته على الأرض التي يحتلّها ما يسمّى بجيش لبنان الجنوبي، و"إسرائيل" تتحرّك فوق سلطة الدولة، في البحر والبرّ والجوّ بكلّ شراسة ووحشية.
لنكن الشعب الواعي الذي لا تنطلي عليه الحيل الإعلامية والسياسية:
أمام هذا الواقع لا نريد أن نستخدم أسلوب الحماس والانفعال، كما أنّنا لا نريد أن نستذكر هزائمنا لنبكي عليها، كما أنَّنا عندما نوجّه ملاحظاتنا وشجبنا للمنطق الأمريكي، أو لأيّ منطق يساند "إسرائيل"، حتى في بعض الجانب العربي لا نريد أن نثير ذلك، حتى نقنعهم بأنَّنا على الحقّ، لأنَّهم لا يتقبّلون أيّ فكرة تقول بأنَّنا على حقّ، أو لا يريدون أن يقتنعوا بذلك {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6].
إنَّنا نتحدّث عن ذلك لنختزنه في عقلنا ووعينا، حتى نكون الشعب الذي لا تنطلي عليه كلّ الحيل الإعلامية والسياسية التي يحاولون من خلالها أن يربكوا أوضاعنا، حتى نربك قضية الجهاد في حياتنا، والقوّة فينا. نحن علينا دائماً أن نشير إلى الظلم والوحشية في المنطق الأمريكي، والمنطق الإسرائيلي، وكذلك بعض المنطق الدولي الآخر، وبعض المنطق العربي، وإلى مواقع الضعف هنا أو هناك، وحتى نكون الشعب الذي يعطّل على كلّ أهداف الاجتياح الإسرائيلي.
المجاهدون يوقظون الشعب الفلسطيني من سباته:
لقد مضى حتى الآن عشر سنوات ولـم تحقّق "إسرائيل" أمناً لحدودها بفضل ثبات المجاهدين ووعيهم في لبنان، فأيقظوا الشعب الفلسطيني من سباته في الضفة الغربية وغزة، وحتى في فلسطين 1948، فانطلقت الانتفاضة التي استطاعت أن تربك كلّ خطط "إسرائيل" داخل فلسطين المحتلة.
عندما تسلم الشعب القضية أمكنه أن يحقّق الكثير، فأسقط اتفاق 17 أيار، ومنع "إسرائيل" من تحقيق أهدافها في لبنان وفي داخل فلسطين، ولو كانت لشعوبنا قوّة أكثر لاستطاعت أن تصنع نتائج أعظم، ولكنَّ المشكلة هي أنَّ أمريكا و "إسرائيل" وكلّ هذا العالـم المستكبر نصّب علينا مسؤولين، مهمتهم الحفاظ على مصالحهم وإبقاء الذلّ في حياتنا.
ولهذا أذكّر بالكلمات التي طالما ردَّدتها، وقد قالها الصحابي الجليل عمّار بن ياسر، عندما كانت تسري موجة من الشك بين بعض أصحاب الإمام عليّ (ع) قال: "لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، (القطيف والاحساء هناك) لعلمنا أنّا على الحقّ وأنَّهم على الباطل"(1).
ولذا إذا وجدت بعض حالات الضعف الطارئ أو التعقيدات في واقعنا السياسي والاجتماعي فذلك لا يعني أنَّنا على باطل بل نحن على حقّ بموجب قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة:82].
وأراد اللّه لنا أن نجاهد وأن ننطلق في خط الجهاد بقوله: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
وقال لنا: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].
نحن من منطق القرآن ننطلق ونتحرّك لتكون كلمة اللّه هي العليا، وكلمة الشيطان هي السفلى.
{وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105].
أمريكا تسعى لإسقاط لبنان أمام "إسرائيل"(1)
أمريكا تعمل لإسقاط كلّ قضايا المجاهدين في لبنان الذين انطلقوا ليواجهوا الاحتلال الإسرائيلي، ومعلوم أنَّ مسألة الحرية والتحرّر من الاحتلال هي من المسائل التي أقرّتها كلّ الأنظمة الدولية والحضارات الإنسانية. ولذلك حاولت أن تضغط على لبنان وسوريا وإيران، وعلى كلّ الدول التي لها علاقة بالمجاهدين في لبنان، لكي ينزعوا سلاح المجاهدين، لأنَّها لا تريد لأيّ مجاهد أن يواجه "إسرائيل"، وفي الوقت نفسه لا تضغط على "إسرائيل" لكي تنسحب من لبنان، أو أن تمتنع عن تدمير البيوت وقصف المدنيين في أرضه.
لذلك فمن الطبيعي أن ننظر لهذا الاستكبار العالمي، المتمثّل بالولايات المتحدة، على أنَّه استكبار شيطاني، باعتبار أنَّه يعيش من خلال الشعور بالعلوّ والكبرياء والغطرسة والسيطرة على العالـم كلّه.
أمريكا تحاول إثارة القلاقل في لبنان:
يطلق المسؤولون الأمريكيون في لبنان وخارجه بعض الأحاديث التي نسمعها من وقت لآخر، وتتحدّث بأنَّ الوضع في لبنان يدعو إلى القلق، ليوجدوا بذلك حالة من الخوف والتهويل التي يحاولون من خلالها أن يسقطوا النّاس، كما يُبتغَى من ذلك إيجاد مشاكل سياسية في داخل البلد عندما ينقسم النّاس بين مؤيّد ورافض للمقاومة، من قبيل القول أنَّ هناك حدثاً كبيراً وأنَّ هناك اجتياحاً سيحصل، ومن الممكن أن يتردّى الوضع أكثر مما هو عليه الآن.
في ساحة الصراع رسائل متبادلة بين المقاومة والعدوّ:
ولذلك نلاحظ دائماً وجود حملات سياسية منظمة تقودها الولايات المتحدة، ويتحرّك على أساس أفكارها وإيحاءاتها الكثيرون من النّاس الذين يعيشون في الداخل، هذا من جهة، وأيضاً، نسمع كلاماً صادراً عن العدوّ، يتضمن رسائل إلى المجاهدين في لبنان "المخربين" بحسب المنطق الإسرائيلي، وكذلك رسائل إلى دول أخرى، ودائماً تفيد هذه الرسائل بأنّ عليهم أن يمتنعوا عن القيام بالعمليات، والاعتداء على "إسرائيل"، أو "جيش لبنان الجنوبي".
ولكنَّ المجاهدين أيضاً من خلال العمليات البطولية هنا وهناك، يرسلون الرسائل إلى "إسرائيل"، بأن تنسحب من لبنان، ولا بُدَّ من أن تكون هذه الرسائل قد وصلت، ولذا فإنَّنا نعتقد أنَّ ساحة الصراع في مواجهة قضايا الاحتلال هي ساحة متبادلة، فكما يقول اللّه: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111]، فهم أيضاً حسب قوله تعالى: { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ} [النساء:104].
العدوّ يخشى مواجهة المجاهدين وجهاً لوجه:
إنَّنا نواجه وحشية العدوّ وجبنه، الذي يقصف المدنيين والأبرياء ويواجه القرى الآمنة، حيث لا يستطيع، أو لا يريد أن يقف وجهاً لوجه أمام المجاهدين، لأنَّه يعرف أنَّ وقوفه وجهاً لوجه في ساحة المعركة مع المجاهدين، سوف يكلّفه كثيراً.
المقاومة الإسلامية تمنع العدوّ من القيام بعملية عسكرية في لبنان:
ولذلك نقول للذين يهوِّلون دائماً بالاجتياح الإسرائيلي للجنوب في كثير من كلماتهم السياسية وأبواقهم الإعلامية: إنَّ المداخلات الدبلوماسية والاتصالات السياسية لا تمنع العدوّ من أن يقوم بعملية كبيرة كعملية الاجتياح في لبنان، بل وكما يعرف العدوّ أنَّ القتال في اجتياح جديد سيختلف كثيراً عن القتال الذي حصل في عام 1982، وقد ينتصر في المعركة انتصاراً معيناً، ولكن بعد أن يخسر الكثير من جنوده ومن قواه، لأنَّ المجاهدين لا يقاتلون ليسجّلوا نقطةً لحساب هذا أو ذاك، أو من أجل تكتيك محور سياسي. يُراد للمقاومة أن تتحرّك ليُسجل هذا المحور السياسي الإقليمي أو العربي نقطة ضدّ محور آخر، إنَّما يقاتلون في سبيل اللّه، لتكون كلمة اللّه هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى، ومن يُقاتل في سبيل اللّه فإنَّه يتحوّل إلى قوّة مضاعفة، كما قال اللّه للذين انطلقوا في بدر، حيث أرادهم أن يكون الواحد منهم في مقابل عشرة وبعد أن لمس فيهم ضعفاً، أراد أن يكون الواحد في مقابل اثنين، لأنَّ الإنسان الذي يُقاتل على أساس قضية الإيمان فهو إنسانٌ لا بُدَّ له من أن يتقدّم وينتصر ويحقّق الفتح في نهاية المطاف.
في مفاوضات السلام لن تعطي "إسرائيل" للعرب شيئاً:
إنَّنا نريد أن نقول للعرب الذين يُفاوضون، ويُراهنون على أمريكا، لتعطيهم "إسرائيل" شيئاً، وقد بلغت حدود المراهنة على هؤلاء بأن أصبحت المعركة الانتخابية الإسرائيلية كما المعركة الانتخابية الأمريكية، كأنَّها معركتهم، فهذا مع حزب العمل وذاك مع الرئيس الأمريكي وما إلى ذلك.
إنَّنا نلاحظ أنَّ الإسرائيليين في كلّ مواقعهم ليسوا مستعدين أن يُعطوا العرب أيّ شيء، بل إنَّهم يقولون بلغةٍ صريحةٍ من خلال بعض مواقعهم، وبلغةٍ مبطنةٍ من خلال مواقع أخرى، إنَّهم مستعدون أن يُعطوا الفلسطينيين حكماً ذاتياً لا يمنحهم حتى الاستقلال الداخلي في أراضيهم، وهم يتحرّكون على أساس أن تبقى مسألة المستوطنات مستمرة، بحيث لا تزال المستوطنات التي أنشأت في أمكنتها، وبذلك لن يبقى للفلسطينيين ـ لو أُريد لهم أن تبقى لهم بعض الأرض ـ إلاّ الشيء اليسير.
إنَّ المسألة هي أنَّ الإسرائيليين ليسوا مستعدين ـ والأرض والقوّة في أيديهم ـ لأن يُعطوا للعرب أيّ شيء إلاّ ما يُسمُّونه بالسلام، هذا هو نداء بعض مسؤوليهم ونداء المسؤولين الآخرين في هذا المجال، ونحن نعرف أنَّ "إسرائيل" لا تزال مستمرة في بناء المستوطنات، وماذا يبقى للعرب من أرض بعد استكمال المستوطنات حتى يفاوضوا عليها، وأمريكا لا تحرّك ساكناً، ولـم تضغط سياسياً واقتصادياً في هذا المجال.
الغموض في القرارين (242) و (338):
إنَّ العرب يرتاحون دائماً لكلّ رسائل الولايات المتحدة حول تطبيق القرارين (242) و (338) على أساس الأرض في مقابل السلام، ولكنَّنا نحبّ أن نسأل الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحدّث عن الأرض في مقابل السلام؛ ما هو مفهومها لكلمة الأرض؟
إنَّ هناك خلافاً لا يزال يفرض نفسه، بين المفهوم العربي والمفهوم الإسرائيلي للقرار (242)، إنَّ هناك نسختين: إنكليزية وفرنسية. نسخة تقول: إنَّ على "إسرائيل" الانسحاب من أراضٍ احتلّت، وستقول "إسرائيل" حينها: لقد انسحبنا من سيناء، وعند ذلك لا يبقى ما ننسحب منه. وهناك نسخة تقول: الانسحاب من الأراضي المحتلّة، إنَّنا لا ندري أنَّ أمريكا عندما تتحدّث عن الأرض مقابل السلام، هل تتحدّث عن كلّ الأرض التي احتلّتها "إسرائيل" في سنة 1967؟ أو أنَّها تتحدّث عن بعض الأرض؟
حتى الآن لـم تحدّد أمريكا مفهومها للقرار (242)، ومفهومها لكلمة الأرض مقابل السلام، أيُّ أرضٍ هي التي يُراد إعطاؤها للفلسطينيين؟ وأيُّ سلام هذا الذي يُراد إعطاؤه للعرب؟
أمّا بالنسبة للموقف الأمريكي فهو مستمرّ على حالته الضبابية، الأمر الذي يجعل منه موقفاً منسجماً مع الموقف الإسرائيلي، وفي مبدأ الأرض في مقابل السلام، ربَّما يُعطي للفلسطينيين بعض الأرض التي يُقيمون عليها، من دون أن يُعطي لهم أيَّ وضعٍ سياسي يمكّنهم من أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، لذلك ليس هناك أيُّ رهانٍ على الموقف الأمريكي، كما أنَّه ليس هناك أملٌ في الموقف الإسرائيلي.
المقاومة والانتفاضة يتكاتفان: العرب يملكون الكثير من عناصر القوّة:
إنَّ ما يجري من أحاديث تقول: "إنَّ العرب لا يملكون أيّ قوّة أو أيّ ورقة ضاغطة، فإنَّ ما يؤكّد عكس ذلك انطلاقة الانتفاضة في فلسطين، والمقاومة في لبنان، حيث ترسلان رسائل دائمة للعرب جميعاً، بأنَّكم لا تزالون تملكون الكثير من عناصر القوّة، وأنَّ أيّة مفاوضات ـ لو قلنا بشرعيتها، ونحن لا نقول بها ـ لا يملك المفاوض فيها أيّة ضغوط وأيّة عناصر قوّة، سوف تكون مفاوضات لحساب الذي يملك القوّة، ويملك السلطة على الأرض.
لذلك نحن نخشى أن تتحرّك هذه المفاوضات في الاتجاه الذي تعطي فيه لـ "إسرائيل" ما تريد، وتصل إلى حدّ الاعتراف العربي والرسمي، ولا يحصل العرب والفلسطينيون على شيء، بل تعمل أمريكا على أن تكون "إسرائيل" عضواً فاعلاً في كلّ الواقع العربي على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية كافة.
مشكلة لبنان هي "إسرائيل":
مشكلة لبنان الحقيقية هي "إسرائيل" والاستكبار العالمي الذي يعمل على أن يضغط على كلّ الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني، من أجل أن يجعل لبنان ساحة لكلّ خططه وتجاربه السياسية في المنطقة.
لذلك فإنَّنا نقول للبنانيين جميعاً - من مسلمين ومسيحيين- لقد آن الأوان لأن تنفتحوا على الواقع جيّداً، لتفهموا بأنَّ المجاهدين والمقاومة لا يشكلان خطراً على لبنان، بل "إسرائيل" هي الخطر، لأنَّها تريد أن تجعل من لبنان ساحة لكلّ مؤامراتها وأحابيلها السياسية والاقتصادية والثقافية، وبتعبير أوضح تريد أن تستحوذ على دور لبنان كلّه.
التشيّع ليس عصبية شيعة عليّ (ع) .. مقاومة(1)
لن يكون من شيعة عليّ (ع) من يقف إلى جانب الظالمين أو يساندهم في أيّ موقع كان: يتجسس، يحارب، يبرّر ظلمهم. إنَّما شيعة عليّ (ع) هم من يقفون في موقع المقاومة، كما كان الإمام في السابق، ضدّ مرحب وأهل خيبر وبني النضير وبني قريظة، وهدم كلّ مواقع الظلم أينما كان، ولو قُدّر لعليّ (ع) أن يكون في هذا العصر؛ لكان في موقع المقاومة ضدّ الاحتلال، ضدّ الظلم، ومع الحقّ، حيث لا حقّ لليهود في فلسطين ولبنان والجولان وغيرها من المناطق.
إنَّ التشيّع ليس عاطفة تقدّمها لعليّ (ع) أو تعصباً يستغرق في ذاته بعيداً عن نهج ومبادئ عليّ، لقد كان أهل الكوفة محبين لعليّ (ع)، حتى إنَّ بعضهم كان يبكي وهو يسلب إحدى بنات الحسين (ع) حليّها، كما بكى عمر بن سعد، عندما سمع زينب (ع) تنادي أخاها، فكانت قلوبهم معه وسيوفهم عليه، ولذا ما قيمة أن يكون قلبك مع عليّ (ع)، وسيفك ضدّ نهج عليّ (ع)، وضدّ الذين يلتزمون عليّاً في مقاومة الظلم والاستكبار كلّه، فهؤلاء ليسوا شيعة بالمعنى العميق للتشيّع، لأنَّ نهج التشيّع هو نهج الإسلام، فلا قرآن غير قرآن الإسلام، ولا قيادة له غير قيادة نبيّ الإسلام، الذي أرادنا أن نتحرّك في خطّ إرادته.
عليّ (ع) نهج تجسّد في شخص:
فعليّ (ع) ليس مجرّد شخص، وإنَّما هو نهج تجسّد في شخص، وخطّ تجسّد في مسيرة. هو الإنسان الذي باع نفسه للّه، وشعر بالفوز الكبير عندما ضُرب وهو في محراب اللّه، في محراب الصلاة، فقال: "اللّه أكبر، فزت وربّ الكعبة"(2).
ربَّما تعب النّاس مع قيادة عليّ (ع)، لأنَّه لـم يتولاها ليقدم السمن والعسل لأتباعه، ولكنَّه جاء ليشقّ طريق الجهاد في سبيل اللّه، والدعوة إلى اللّه لكلّ من يسير معه، وهذا ما كان عليه النّاس مع الأنبياء، الذين عملوا لأن تكون الراحة لهم في مواقع الحقّ، لا في مواقع الباطل.
من نهج عليّ (ع) ونهج الخميني (قده):
وفي العصر الذي نعيش، يتحدّث بعض النّاس عن محبته لعليّ (ع)، ولو قُدِّر له أن يكون موجوداً معنا الآن، لـم يكن حاله بأحسن مما هي عليه الحال عند الإمام الخميني (قده)، حيث يُقال بأنَّه: خلق المشاكل للنّاس وأثار الحروب بين النّاس، لأنَّ النّاس بطبيعتهم ميّالون إلى الراحة، ويريدون للإسلام أن يكون على شاكلتهم وقياسهم ومصالحهم وأمنهم ولذاتهم وشهواتهم، ولذلك نراهم يقفون في وجه كلّ مجاهد، ويشوهون صورة كلّ عامل في سبيل اللّه.
الحرب ضدّ الكفر والانحراف لـم تنته فصولها:
إنَّ الحرب والجهاد مع الكفر والاستكبار لـم تنته فصولها بوفاة رسول اللّه (ص) {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144]، بل حملت لوائه قيادة شرعية تمثلّت بالأئمة والعلماء والمجاهدين.
إنَّ الحرب ضدّ الانحراف داخل الأمّة لـم تتوقف بغياب عليّ أو الحسين (ع)، لأنَّ الرسول (ص) والأئمة (ع)، وكلّ الذين ساروا في هذا الخطّ، انطلقوا من العناوين الكبرى للإسلام، لا من خصوصياتهم، لا نقول إنّ خصوصياتهم فرضت عليهم ذلك.
إنَّ اللّه لـم يغلق باب الجهاد، ولا باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في أيّ زمن أو موقع، ما دام كلٌّ منهما مستوفياً للشروط الطبيعية ويصبّ في خطّ الشريعة. ولذلك فإنَّنا عندما نلتزم شخصاً في حجم عليّ (ع)، علينا أن نلتزمه كلّه، لا أن نلتزم بعضه ونترك بعضه، لا أن نلتزمه في التاريخ وننكر عليه دوره في الواقع.
المحبّة موقف والولاية نهج:
ففي التاريخ كان أهل الكوفة يوالون عليّاً (ع)، ولكن عندما كان يدعوهم إلى القتال ضدّ معاوية، كانوا يتنصّلون من دعوته ما بين الحرّ والقرّ، حتى قال لهم: "أفسدتـم عليّ رأيي(1)، ولا أعتقد أنَّ الموقف سيكون أحسن فيما لو أراد عليّ (ع) أن يقود المقاومة في أيامنا هذه؟
وخلاصة القول: المحبة موقف، والولاية نهج، وليست مجرَّدَ عاطفةٍ وتعصّب.
في مواجهة الاستكبار:
ونحن اليوم عندما نقف لنواجه الاستكبار بكافة أشكاله، من أمريكي ويهودي، محلّي وإقليمي، نجد أنَّ الكثيرين مِنّا يقفون على الحياد بين معسكري المستكبرين والمستضعفين، والبعض الآخر يهاجم المستضعفين مخافة أن يضغط عليهم الاستكبار من خلال هذه المواجهة.
وهذا ما يحصل عندما تقصف "إسرائيل" مدننا وقرانا، تهدم بيوتنا، وتقتل أهلنا من أطفال ونساء وشيوخ، وتهدم المراكز الدينية، كما حدث عندما هدّمت الحسينية في أرنون(1)، قد استعظم بعض النّاس تهديـم الحسينية، وفي الواقع نحن نستعظم هذا الأمر، لأنَّه أحد العناوين التي نعظّمها، وفي الحقيقة أنَّ حرمة الإنسان في الإسلام، أعظم من حرمة المسجد، وقتل الإنسان البريء أو المسلم، أعظم عند اللّه من تهديـم الحسينية والمسجد، وهذا ما أشار إليه الإمام جعفر الصادق (ع) عندما كان جالساً إلى جانب الكعبة والتفت إلى بعض أصحابه وقال له: "أترى هذه البنية؟ أي الكعبة، قال: نعم، قال له: إنَّ المؤمن أعظم حرمة من الكعبة"(2).
"حماة الإسلام" يبررون لليهود ممارساتهم الإرهابية:
ترتكب "إسرائيل" المجازر بحقّ شعبنا وأمتنا والعالـم الإسلام، خاصة أولئك الذين يعطون لأنفسهم صفة حماة الإسلام، ويتحرّكون بطريقة أو بأخرى ليبرروا لليهود ما يرتكبونه من مجازر وما يمارسونه من مظالـم، باعتبار أنَّ إيران ومن معها في الجنوب يقاتلون "إسرائيل"، فيفسحون المجال أمام "إسرائيل"، لتقتل أبناء الجنوب وتشردهم، وبذلك تكون إيران والمجاهدون هم السبب في كلّ المآسي التي ألّمت بهم.
وتنسحب هذه الحالة على القضايا السياسية، ومعنى ذلك أنَّ ذهنية الأمّة ستتحوّل إلى ذهنية تختزن الظلم لتبرّر للظالـم ظلمه، ولتلقي على المظلوم عبء المواجهة.
وهذا ما لاحظناه عندما كانت ثُثار قضية المخطوفين في الواقع السياسي الدولي أو العربي أو المحلي، هذه القضية التي يشعر معها الجميع بثقل الضمائر لما تمثّله من وحشية وتخلّف، والتي تتجاوز خطف إنسان أوروبي أو أمريكي لما تحمله من سلبيات إنسانية وسياسية، ولذا نحن لـم نشجّع هذا الخطّ، ولكنَّنا نقول للآخرين إنَّ عليكم أن تفهموا مقدمات الخلفيات وأسبابها التي أدّت إلى النتائج السلبية، إلى الأسباب التي أنتجت هذه الظاهرة، ونحن سعداء بأن أغلقِ ملف المخطوفين(3) الغربيين في لبنان الذي كان يثير كثيراً من السلبيات السياسية في واقعنا الإسلامي بنفس المستوى.
أمريكا تعتبر الخطف قانوناً:
لقد انطلقت أمريكا مؤخراً ببدعة القانون الذي أصدرته بعض المحاكم الأمريكية، ويقضي بأنَّ لأمريكا الحقّ في أن تخطف أيّ شخص من أيّ دولة في العالـم اتهمته بالقيام بأيّة جريمة أو اعتداء يستحقّ المحاكمة بحسب القوانين الأمريكية، ودون أن تستأذن هذه الدولة، وأن تلتزم بقانون تبادل المجرمين، وهذا يعني أنَّ أمريكا اعتبرت الخطف قانوناً، تتعقّد من جماعة أو حزب، يعتبر الخطف جائزاً حسب قوانينها، فإذا كانت المسألة لا تتنافى مع حقوق الإنسان، وقوانين الحضارة، فإذن ينبغي أن يكون من حقّ كلّ دولة في العالـم أن تُصدر قانوناً يبرّر لها أن تخطف أيَّ إنسان، تحت تأثير أيّ تهمة أو أيّ جريمة، ولكنَّ أمريكا لا توافق على أن يتحرّك العالـم في هذا الاتجاه، لأنَّها ترى نفسها سيِّدة العالـم، يجوز لها ما لا يجوز للعالـم كلّه، أن يكون الإنسان أمريكياً هذا أمر يدعو إلى الاحترام، وإلى أن تستنفر كلّ مؤسسات حقوق الإنسان لحمايته، لكن أن يكون الإنسان عربياً أو مسلماً، فهذا أمرٌ يدعو إلى الاضطهاد والتشريد والتنكيل والقتل.
لـم تحرّك أوروبا وأمريكا ساكناً إزاء ممارسات "إسرائيل" التعسفية:
لـم تحرّك أمريكا أو أوروبا ساكناً إزاء ما تمارسه "إسرائيل" من أعمال تعسفية ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وقد وصل الأمر إلى منعهم من العمل، وكذلك فيما يتعرّض له اللبنانيون من حملة للتهجير في القرى الحدودية، كعقاب لهم لعدم تعاون أولادهم مع ما يُسمى بـ "جيش لبنان الجنوبي"، والمنطق السائد هو أن يُمارس هؤلاء عملية ضبط للنفس والأعصاب ولكن على أساس أن تبقي "إسرائيل" على احتلالها.
نحبّ أن نكون أصدقاء للعالـم، ولكنَّ المشكلة هي أنَّ البعض لا يحترمنا، ولا يحترم حقوقنا، وحريتنا وثرواتنا، بل يحاول أن يمنعنا من بناء قوّتنا والاعتماد على ذاتنا، ويمارس علينا العدوان. نحن لا نريد أن نعتديَ على أحد، ولكن من حقّنا أن نكون أقوياء لردع أيّ عدوان يهدف إلى إسقاط قوّتنا وعزّتنا، وهذا ما أكّده القرآن الكريـم: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194].
أمريكا شرطي عالمي و "إسرائيل" شرطي إقليمي:
إنَّنا نجد هناك تناغماً بين المنطقين: الأمريكي والإسرائيلي، ففي الوقت الذي تنصّب فيه أمريكا نفسها كأنَّها شرطي عالمي، تنصّب "إسرائيل" نفسها كأنَّها شرطي إقليمي، وتتحدّث بكلّ صلافة بأنَّها مستعدة لقصف إيران وسوريا وليبيا وحتى باكستان، لمجرّد أن تشعر بأنَّها بدأت في صنع القنبلة الذرية، وممنوع على كلّ الدول العربية والإسلامية أن تقتني هذا السلاح، لكي لا تتمكن من مواجهة القوّة النووية الإسرائيلية.
أمّا أمريكا فإنَّها تقوم بجولة سياسية وأمنية حول العالـم، تحاول من خلالها أن تمنع هذا البلد الإسلامي أو العربي أو العالـم الثالث من الإعداد لصنع قنبلة نووية، بينما نلاحظ أنَّها لـم تتحدّث ولو مرة واحدة، عن الترسانة النووية الإسرائيلية التي هي خارج المراقبة الدولية لأنَّ "إسرائيل" لـم توقّع معاهدة ضبط الأسلحة النووية وتحريـم انتشارها، بل حاولت أمريكا وتحاول دائماً أن توحي بأنَّ "إسرائيل" هي الضحية أنّها تتعرّض للعدوان من جانب العرب والمسلمين، ولا بُدَّ من أن تكون "إسرائيل" هي الأقوى حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها ضدّ العرب والمسلمين، وتنسحب السياسة الأمريكية على العرب والمسلمين على كافة أنواع القوّة والسلاح، وإذا حاول بلد عربي أو إسلامي أن يمتلك سلاحاً، فإنَّ أمريكا تثير حول ذلك ضجة عالمية، وهذا ما حصل عندما أثارت أزمة الأسلحة في العراق وسوريا، على أساس امتلاكها لصواريخ بعيدة المدى. ونحن بطبيعة الحال ضدّ النظام العراقي، لأنَّنا نريد أن تتحقق العدالة للشعب العراقي، ولكنَّ أمريكا تخاف من أن يتحول النظام العراقي ولو من خلال حكم آخر إلى قوّة تواجه "إسرائيل" أو الإمبريالية في المنطقة.
إزاء ما نواجهه من تحديات في حركة الواقع، يجب علينا أن نعي واقعنا وعياً صحيحاً، ولنفهم أبعاد القضايا والمواقع والخطوط السياسية، بألا ننظر إلى الأمور كما هي في ظواهرها، لكي لا نخذل المجاهدين والمصلحين الذين يواجهون الاستكبار كلّه والظلم كلّه، لننطلق في فهمنا للقضايا كما هي في حجم المستقبل، لنكون الإيمان كلّه في مواجهة الشرك كلّه وفي مواجهة الاستكبار كلّه.
العرب يخافون أن يضبطوا متلبسين بالقوّة(1)
لا نعترف بأيّ مفاوضات مع "إسرائيل":
إنَّنا كمسلمين ملتزمين بالخط الفقهي الإسلامي بعيداً عن الشعارات السياسية، لا نعترف بأيّ مفاوضات، ولا نلتزم بأيّ معاهدات أو أيّ صلح يعقده أيّ فريق عربي أو إسلامي مع "إسرائيل"، لأنَّه صلح ليس فيه إلاَّ إسقاط الحقّ.
العرب لـم يدخلوا الصلح مع "إسرائيل" من موقع القناعة:
ولذلك إذا حاولنا أن ندرس واقع الخطاب العربي الذي يدعو إلى الصلح، فإنَّنا نجد أنَّ العرب لا يصالحون "إسرائيل" من موقع القناعة بأنَّ لها الحقّ، ولكنَّهم يسعون إلى الصلح على أساس موقع القوّة التي تتميز به "إسرائيل" ذاتياً ودولياً في مقابل موقع الضعف الذي يتَّسم به العرب ذاتياً ودولياً. ولكنَّنا نجد أنَّ القضية في الواقع ليست كذلك، إنَّ العرب يملكون الكثير من مواقع القوّة، ولكنَّهم لا يستعملونها. ويملكون الكثير من فرص الضغط على أكثر من موقع في العالـم لو صبروا وعاشوا قضيتهم على مستوى الأمّة والمستقبل، ولكنَّ العرب مثلهم كمن يحمل السيف ليقتل به أهله، ويغمده عندما تكون القضية مع أعدائه، كما هو الحال لدى بعض الشعوب العربية التي تحمل السيف أو المسدس من قبيل عرض العضلات، فعندما تحصل المعركة لن تقوى يده على حمل السيف أو المسدس، وقد خاطب الشاعر أولئك النّاس بقوله:
فما تصنعُ بالسيفِ إذا لم تَكُ قَتَّالا
فصُغ ما كنت حَلّيتَ به سيفك خَلخالا
نعيش واقعاً متخلفاً:
وهذا هو واقع العديد من الدول العربية، وخصوصاً تلك الدول التي لا تتوفر لها الإمكانيات لكي تستأجر الجيوش لتقاتل بها، أو أنَّها لا تملك جيوشاً مدرّبة على الأسلحة المتطورة التي يحسن الجيش حلّ رموزها لاستخدامها، ولذلك فإمّا أن تستخدمها القوى الكبرى بأموالها، أو تشتريها لعرض العضلات.
وأريد أن أنقل لكم قصة حصلت، ونقلها لي بعض الأصدقاء، تبين مدى ما عليه بعض العرب من جهل وتخلّف، وهي أنَّ بعض الأركان الغربية أقامت معرضاً للطيران في بعض دول الخليج، بعد انتهاء حرب الخليج، وكان أحد المشايخ ممّن هم في موقع مسؤول، يقوم بجولة على المعرض فجاءت إحدى الشخصيات المشرفة على الشركة وبدأت تشرح مواصفات الطائرات وخصائصها، ولكن ما إن انتهى ذلك الشخص من عرضه حتى بادره المسؤول الخليجي، بأنَّه يريد خمس حبات من هذه وخمس حبات من هذه! وهكذا، وكأنَّه يشتري مشمشاً أو خوخاً أو ما إلى ذلك.
نحن نفتقد الروحية:
نحن نملك القوّة، ولكنَّنا لا نملك الروحية التي نستعمل بها قوّتنا، لأنَّ هناك الكثير من النّاس الذين يخافون أن يضبطهم العالـم المستكبر وهم متلبسون بالشعور بالقوّة، فيخافون من أن يصبحوا أقوياء. ألـم يكن عندنا في لبنان من كان يقول: "إنَّ قوّة لبنان في ضعفه"، وما لا أستطيع أن أفهمه هو: أنَّه كيف يكون الإنسان قوياً في ضعفه؟
لهذا نلاحظ أنَّ العديد من شعوب العالـم الثالث في أحيان كثيرة، تقف ضدّ مجاهديها أكثر مما يقف العدوّ ضدّ الذين يجاهدون، باعتبار أنَّ هذه الدول تخاف من نتائج قوّة المجاهدين، فترى من منظارها أنَّ الضعف أحسن، وأسهل أن نأكل خبزنا كفاف يومنا، حتى لو كان مغموساً بالعار.
في الحكم الذاتي تصفية للقضية الفلسطينية:
إنَّ الحكم الذاتي الفلسطيني طرح أساساً منذ أيام السادات، وفي كامب دايفيد، لكي يبعد الحقّ الفلسطيني والهوية السياسية الفلسطينية، والدولة الفلسطينية عن الواجهة الإعلامية والسياسية في العالـم، لأنَّه عندما نتحدث من ناحية قانونية عن الحكم الذاتي، فهذا يعني أنَّه حكم كحكم الأقليات، لهم الحقّ في أن يحكموا أنفسهم في شؤونهم الخاصة دون أن يكون لهم حقّ ملكية الأرض، ومن دون أن يكون لهم الحقّ في ممارسة السياسة الخارجية الاقتصادية أو الدفاع، وهو بالتالي مجرد حكم أشبه بحكم البلديات، لأنَّ العالـم عندما يعتاد على نغمة الحكم الذاتي الفلسطيني، ينسى العالـم أن يكون للفلسطينيين دولة، فتتحرّك الأجهزة الإعلامية بهدف إيجاد تعبئة نفسية سياسية مضادة لفكرة الدولة الفلسطينية.
لـم يحصل الاعتراف بـ "إسرائيل" من قبلنا، وهذا هو حالنا في وقت نعجز عن تحقيق الدولة الفلسطينية، مع أنَّنا نمتلك الكثير من عناصر الضغط، ولكن كيف سيكون عليه الوضع إذا ما صالح العرب "إسرائيل"، وفقدوا كلّ عناصر الضغط التي يمكن أن يمارسوها؟
ولذلك فإنَّنا نتصور أنَّ الفلسطينيين يتحرّكون من موقع اليأس أو الرغبة في تحقيق أيّ شيء بقطع النظر عن النتائج، وهذا ما يظهر جلياً من خلال حركة المفاوضات نفسها التي منعت على الفلسطينيين أن يتمثّلوا بوفد مستقل، وكأنَّهم يقولون: أيُّها الفلسطينيون لا تنتظروا قيام دولة فلسطينية، إنَّما هو حكم ذاتي فلسطيني دون فلسطين.
"إسرائيل" تعمل لإسقاط الانتفاضة:
وعلى أساس ذلك تعمل "إسرائيل" لإسقاط الانتفاضة سياسياً، فتمارس عليها الضغوطات من خلال المفاوضات، وإسقاطها عسكرياً من خلال ما تقوم به فرق الموت التي تقتل الفلسطينيين بالجملة، أو بالاغتيال، أو بما تراه مناسباً من طرق أخرى.
إنَّ "إسرائيل" تتباهى أمام الدول العربية بأنَّها لا تحكم بالإعدام على المتهمين لديها، وهذا صحيح، بأنَّها لا تصدر حكم الإعدام في محاكمها، ولكنَّها تمارس الإعدام، سواء أثناء إجراء عمليات التحقيق أو عبر وسائل التعذيب، أو عبر إطلاق الرصاص بشكل عشوائي ضدّ المتظاهرين، هذه الحضارة اليهودية يرتاح لها العالـم في هذا المجال!! إزاء ما يحصل من قضايا علينا ألا نستخدم تاريخنا الإسلامي كوسيلة من وسائل الضغط على واقعنا السياسي لكي لا ننحرف عن أهدافنا السياسية.
مشكلتنا أنَّنا لا نمتلك أسباب القوة(1):
مشكلتنا أنَّنا لا نمتلك الروح التي تجعل منّا الأقوياء في أنفسنا، حتى لو كنّا ضعفاء في طاقاتنا ومواردنا، لنأخذ بأسباب القوّة، قوّة الفكر، وقوّة الروح، وقوّة المواجهة، وقوّة السلاح، ونحن على علم أنَّ عملية صنع القوّة ليست نزهة، أو رحلة، ولكنَّها قد تكلّفنا الكثير من الضحايا، والكثير من الجهود لكي نصل إلى النتيجة في نهاية المطاف.
الصهيونية تحرّك كلّ طاقاتها لتقوية "إسرائيل":
لهذا نحتاج إلى أن نصبر على قضايانا، فلا نسقطها أمام آلامنا الصغيرة، ولنجعل من عدونا أمثولة، حيث استطاعت الصهيونية عندما ركّزت في وعي كلّ يهودي، أنَّ عليه أن يعمل على تحريك كلّ طاقاته لتقوية "إسرائيل"، فتحرك كلّ يهود العالـم وقاموا بممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية على كلّ المواقع السياسية في العالـم، حتى أصبحت أيّة انتخابات في العالـم تدرس مسألة الناخب اليهودي، وتنزل على هذا الأساس عند مطالبهم، لأنَّ العناصر اليهودية التزمت مسألة تقوية اليهودية العالمية، وتقوية "إسرائيل"، فانطلقت علاقتها بالواقع السياسي في العالـم من خلال علاقة الواقع السياسي بـ "إسرائيل".
الإخطبوط اليهودي يمسك بمفاصل الدول الكبرى:
ولهذا نلاحظ أنَّ أمريكا وأوروبا واليابان، وحتى الاتحاد السوفياتي وغيرها من الدول، تحاول أن تسترضي "إسرائيل"، لأنَّ الإخطبوط اليهودي يمسك بمفاصل هذه الدول، مع العلم أنَّ اليهود لا يشكّلون أكثر من عشرين مليون نسمة في كلّ أصقاع الأرض، هذا في الوقت الذي نجد فيه المسلمين لا يكترثون بمواجهة الموقف بما يمتلكون من طاقة في العالـم من أجل قوّة المسلمين ومن ورائها قوّة العرب.
أمريكا تطالب العرب أن يقدّموا المزيد من التنازلات:
وفي مقابل كلّ ما تقدّمه أمريكا لـ "إسرائيل"، تطالب العرب بأن يقدّموا المزيد من التنازلات لـ "إسرائيل"، التي لـم تقدّم شيئاً حتى الآن سوى الوعود بتحريك المفاوضات، في الوقت الذي ما تزال فيه قضية المستوطنات من المسائل التي يختلف عليها الأفرقاء، ومن الطبيعي أن تأخذ أمريكا جانب "إسرائيل" في هذه المسألة، وهذا ما عبّر عنه الرئيس الأمريكي عندما قال بأنَّه يتفهم اهتمامات "إسرائيل" بالمستوطنات الأمنية، لأنَّه ليس باستطاعة "إسرائيل" أن تقدّم لبوش في انتخاباته، أكثر من صرعة سياسية بحكم ذاتي لا يسمن ولا يغني من جوع.
اختلال في الموازين الأمريكية لصالح "إسرائيل":
إزاء ما تقوم به أمريكا، فهل يبقى هناك من معنى للصداقة الأمريكية - العربية التي يتغنى بها بعض الملوك أو رؤساء العرب؟ ما معنى الديمقراطية الأمريكية؟ ما معنى مبادئ حقوق الإنسان الأمريكية، إنَّها تعني أنَّ أمريكا تلتزم بقضايا "إسرائيل" التزاماً مطلقاً، ولا تلتزم بأيّ قضية عربية إلاّ بما يتفق مع مصلحة "إسرائيل".
وعلى هذا الأساس، نشعر أنَّه لا بُدَّ لنا كمسلمين في كلّ العالـم، وكعرب، أن نختزن في أنفسنا أنَّ أمريكا عدوّة للعرب وللمسلمين، لا نقولها من موقع الشعار، أو من موقع الحماس، ولا من موقع العقدة من أمريكا، كما يفكّر بعض النّاس. وإنَّما من منطلق أنَّ أمريكا لـم تترك لنا شيئاً إلاّ ودمرته.
السياسة الأمريكية وراء التعقيدات اللبنانية:
إنَّ كلّ التعقيدات اللبنانية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، أو كانت أمنية، هي تعقيدات أمريكية، أمريكا كيسنجر هي التي صنعت الفتنة اللبنانية، وأمريكا الآن هي من يعمل على أن يبقى الواقع اللبناني مهتزاً سياسياً واقتصادياً، حتى يرضخ للنفوذ الأمريكي بالكامل.
إذن تحاول أمريكا أن تفرض سياستها على لبنان، من خلال ممارسة ضغوطات على الدولة اللبنانية التي لا زالت بأمر منها لا تسمح بذلك، هادفة من وراء ذلك إلى تحقيق عدّة أمور تطلبها "إسرائيل"، من جملتها نزع سلاح المقاومة ومنعها من حريّة الحركة، وزجّ الجيش اللبناني في معركة عبثية مع المقاومة.
وقد جاء على لسان مسؤوليها، أنَّه لا بُدَّ من إيقاف المقاومة، ونزع العمود الفقري لها، والمقصود بذلك المقاومة الإسلامية.
"السكود" سوري والطائرات السعودية ضدّ عملية السلام:
أمريكا روّجت في وسائل الإعلام، أنَّ سوريا تملك صواريخ سكود، وهذا يشكّل خطراً على السلام. كما أنَّ "إسرائيل" تعتبر بيع أمريكا للسعودية طائرات متقدمة، هو ضدّ عملية السلام.
أمّا أن تملك "إسرائيل" مائة قنبلة نووية، وأحدث الطائرات والصواريخ مع ما تقدّمه لها أمريكا الآن، بالإضافة إلى ضمانات القروض من طائرات عسكرية على شكل هبات مجانية من فائض السلاح الأمريكي، فهذا أمرٌ لا يضرّ السلام المزعوم، لأنَّ "إسرائيل" حملٌ وديعٌ يريد أن يدافع عن نفسه، والعرب ذئاب ووحوش كاسرة، ولذلك لا بُدَّ أن نقتلع كلّ أنيابهم وأسنانهم وأظافرهم.
يقول الإمام عليّ (ع): "أصدقاؤك ثلاثة، وأعداؤك ثلاثة؛ فأصدقاؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدوُّ عدوّك. وأعداؤك؛ عدوّك، وعدوّ صديقك، وصديق عدوّك"(1).
أين نضع أمريكا في هذا المجال، صديق عدوّك هو عدوّنا، لأنَّه هو عدوّ كلّ قضايا الحريّة في العالـم. يعني أنَّ هناك أشياء ثلاثة: عدوّنا صديق عدوّنا، وعدو صديقنا هو عدوّ إيران وعدوّ كلّ الإسلاميين، أمريكا جمعت العداوة، من كلّ أطرافها.
قد لا نملك إمكانات المواجهة، ولكن علينا أن نختزن هذا في عقولنا، أن نربِّي أولادنا، أن نربيّ أنفسنا، حتى لا نتصوّر العدوّ صديقاً، والصديق عدواً.
من هنا لا بُدَّ لنا أن نصبر على كلّ مواقع صنع المستقبل، لنواجه هذه المسألة من موقع إيماننا بحقّنا، ونحن دائماً نستذكر كلمة عمّار بن ياسر عندما يحدّثنا النّاس عن الهزائم: "واللّه لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على الحقّ، وأنَّهم على الباطل"(1).
التوطين مشروع فتنة(1)
قال الإمام الحسين (ع): "النّاس عبيد الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون"(2).
قال أمير المؤمنين عليّ (ع) في هذا المجال: "ألا وإنَّ لكلّ مأموم إماماً، يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقرصيه. إلا وإنَّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد"(3).
وهناك آية تقول: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13- 14].
ففي بيان النتائج الإيجابية للمستقيمين، والنتائج السلبية للمنحرفين، لا بُدَّ لنا ونحن نطلب الجنّة أن نكون الواعين لكلّ حركاتنا وعلاقاتنا وتأييدنا ورفضنا، هل نحن في خطّ الاستقامة نسير؟ {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} لذلك لا بُدَّ للإنسان ألا يكون غافلاً عن أحكامه الشرعية، لأنَّها تتحدّث عن كلّ التزاماتنا حتى ولو كانت صغيرة.
ونحن عندما نتحدّث عن خطّ الاستقامة على أساس حركة الواقع، فإنَّنا عندما نرصد العالـم الإسلامي في حركته من خلال بعض أنظمته، فإنَّنا نجد أنَّ هذه الأنظمة التي وضعت في دستورها أنَّ الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، فإنَّها تنحرف عن الإسلام فيما عدا الأعياد الرسمية والجمعة، أمّا ما عدا ذلك فليس هناك إسلامٌ، نلاحظ أنَّ بعض الأنظمة العربية التي تتخذ الإسلام كواجهة لها، تعمل بكلّ ما تملك من طاقات مالية واقتصادية وأمنية وإعلامية لمواجهة الإسلام عندما انطلق وتحول إلى دولة، جعلت شريعتها الإسلام، وخطّت سياستها من خلال نهج وخطّ الإسلام.
نلاحظ أنَّ هناك سخاءً وكرماً من حكام هذه الدول للنّاس الذين يظلموننا، لذلك نراهم يتبرعون بالأموال الطائلة لكي تستمرّ حدائق الحيوانات مفتوحة في لندن أو في غيرها، بينما نجدهم لا يتبرعون لحدائق "الإنسان"، التي يتضوّر فيها النّاس جوعاً، كما في الصومال والبوسنة والهرسك وأفغانستان وغيرها من المناطق، لأنَّ هناك نوعاً من أنواع السكوت على ظلم المستكبرين في هذا المجال.
كما أنَّ هناك حرباً شعواء تخاض ضدّ المسلمين في مصر وتونس والجزائر والمغرب، لا لشيء إلاّ لأنَّهم مواطنون صالحون طالبوا بحرياتهم.
ونحن نعرف أنَّ أمريكا تقتلنا بيد المسلمين الذين يضعون أنفسهم حراساً لمصالح المستكبرين، كما علينا أن نفهم أنَّه لا يمكن أن يأتي قرشٌ واحد من أية دولة بترولية لأيّ بلد عربي أو إسلامي إذا لـم يرافقه التوقيع الأمريكي للإذن بالعطاء، إنَّ المستكبرين يعتبرون ثرواتنا الطبيعية في أيدينا كأمانة لحسابهم لا يجوز لنا أن نتصرّف بها إلاّ من خلال إرادتهم.
إنَّنا نرفض هذا التسلط الاستكباري، كما نرفض الواقع السياسي الذي يتحرّك فيه الكثيرون من المسلمين في خطّ الاستكبار العالمي، وبعضهم أصبح مشكلة للدول العربية التي دخلت في المفاوضات مع "إسرائيل"، وذلك عبر ممارساتهم للضغوطات الاقتصادية والسياسية لكي يجبروها على استعجال التوقيع على الصلح مع "إسرائيل" كيفما كان. ولذلك فإنَّ بعض الدول العربية لا تعاني من مشكلة الضغط الأمريكي فقط، بل من مشكلة الضغط العربي أيضاً.
فمثلاً: الفلسطينيون يعانون في المفاوضات من الضغوطات الأمريكية والأوروبية، وحتى العربية، للاستعجال في تقديـم التنازلات لـ "إسرائيل" التي تقدم نفسها للعالـم من خلال خطابها السياسي والإعلامي بأنَّها الحكومة الوحيدة القادرة التي تستطيع أن تحقق نتائج باهرة على مستوى القضية الفلسطينية، على خلاف الحكومة السابقة، لكنَّ الواقع أنَّ "إسرائيل" في حكومتها هذه تبيع العرب والعالـم كلاماً، لأنَّها لـم تتراجع ولو خطوة واحدة عن مجمل مطاليبها، ومشكلة المفاوضين العرب هي أنَّ أمريكا تريد أن تجعل المفاوضات ورقة انتخابية بيدها، مبتغاها في ذلك الوصول إلى حلّ تقدّمه إلى الناخب الأمريكي من خلال "بوش"، لأنَّه استطاع أن يصنع السلام في المنطقة، وإلاَّ فإنَّ "إسرائيل" إذا كانت مستعدة لتقديـم ورقة تدعم الحكم العربي فعلى العرب أن يقدموا الورقة التي تقدّم التنازلات لـ "إسرائيل".
وقد رأينا أنَّ المفاوض الإسرائيلي يقف ليسخر من المفاوض اللبناني، فلا يتحدّث معه بمسألة الانسحاب من الأراضي اللبنانية وقضايا الأمن، إنَّما يتحدّث معه في القضايا الإنسانية لتأمين حاجات سكان المنطقة الحدودية. وقد قلنا إنَّ "إسرائيل" لن تسمح بتطبيق قرار 425، ولذلك نعتبر أنَّ دخول لبنان في المفاوضات لا معنى له، وكنّا نقدّر بأنَّ هذا يمثّل فرصة للبنان للانسحاب من المفاوضات كلياً، وفرصة لتضامن الدول العربية مع لبنان حتى تحفظ حقوقه، ولكنّنا استضعفنا أنفسنا فاستضعفنا الآخرون من خلال السياسة التي كانت تقول: إنَّ قوّة لبنان في ضعفه، ونحن نعرف أنَّ الضعف لا يمكن أن يمنح صاحبه القوّة، فلذلك لا بُدَّ من مواجهة قضايانا على أساس الخطّ المستقيم الذي يقول بعدم إعطاء الشرعية لـ "إسرائيل"، وأن نظلّ في خطّ الحرية والعدالة حتى ولو انطلق النّاس في خطّ العبودية.
أمريكا تسعى لنزع سلاح المقاومة(1)
كيف يمكن أن نثق بأمريكا، ونأمن فيها على مستقبلنا؟ وهي تعمل على أن تلعب بالمنطقة كلّها، وبكلّ قضايانا، وهي تتحدّث بمناسبة وبغير مناسبة، عن نزع سلاح المقاومة الإسلامية، ولا تتحدّث عن نزع سلاح "جيش لبنان الجنوبي".
لقد تحدّثنا أكثر من مرة في هذا الموضوع، حتى يبقى هذا الموضوع في الذاكرة والحاضر، إنَّ المقاومة الإسلامية حملت سلاحها لتحرر أرضها، لتحرر البلد.
ونحن لا ندري كيف يقدّم المفاوض اللبناني خلال المفاوضات اللبنانية -الإسرائيلية معلومات لـ "إسرائيل" عن الطيار الإسرائيلي الأسير في لبنان، وأيضاً كيف اندفع الإعلام في سبيل المزيد من المعلومات عن هذا الطيار الإسرائيلي، وتحميل لبنان مسؤولية الطيار الإسرائيلي، وكأنَّ هذا الطيار جاء إلى لبنان في نزهة سياحية!!، في وقت يعلم العالـم كلّه أنَّه جاء ليقصف المواقع الفلسطينية والمواقع اللبنانية وليقتل النّاس، صغاراً وكباراً.
هذا في الوقت الذي لـم يتحدّث فيه المفاوض اللبناني، والحكومة اللبنانية، وربَّما حتى وسائل الإعلام اللبنانية عن مئات المعتقلين من اللبنانيين في سجون "إسرائيل"، سواء كانوا في داخل فلسطين، أو في بلدة الخيام، ولـم يسأل المفاوض اللبناني "إسرائيل" ويطلب منها معلومات حول الظروف التي يعيش فيها هؤلاء المعتقلون اللبنانيون؟! على الأقلّ أيُّها المفاوض اللبناني عندما تقدّم معلومات لكي تسهّل موضوع المفاوضات عن الطيار الإسرائيلي لماذا لا تطلب في مقابل ذلك معلومات عن المعتقلين اللبنانيين؟! الذين يفتقرون إلى أبسط شروط الاعتقال التي يفرضها العالـم المتحضر.
المعتقلون يعيشون ظروفاً سيِّئة في سجون الاحتلال:
جاء في تقرير لجنة حقوق الإنسان عن ظروف المعتقلين اللبنانيين من نساء ورجال في سجن الخيام وفي سجون "إسرائيل"، بأنَّهم يُعذّبون بالكهرباء، ويُمارس معهم أقسى أنواع الوحشية في التعذيب من دون أيّ مراعاة للشريعة الإنسانية، وقد تحدّث عن الظروف التي يعيشها كثير من المعتقلين ممّن خرجوا من هذه المعتقلات، ومع ذلك لـم يطالب الحكم اللبناني، ولا الحكومة اللبنانية بهم، حتى إنَّ الأجهزة الإعلامية اللبنانية لـم تُبدِ اهتماماً بظروف المعتقلين اللبنانيين كما أبدت اهتماماً بظروف الأسرى الإسرائيليين، وكما كانت تتحدّث عن ظروف المخطوفين الأوروبيين والأمريكيين في السابق.
لا قيمة للإنسان عندنا:
نحن نحتاج لأن يعرف العالـم بأنَّنا نحترم إنساننا، ففي الوقت الذي تحترم فيه "إسرائيل" إنسانها، وأمريكا تحترم إنسانها، وأوروبا تحترم إنسانها، نجد أنَّنا لا نحترم إنساننا. لقد اعتُقِل الطيار الإسرائيلي وهو يعتدي على النّاس الأبرياء في لبنان، واعتُقِل الأسرى اللبنانيون وهم يدافعون عن حرية أرضهم وكرامة أهلهم، ولكنَّ العالـم لا يعيرنا اهتمامه، لأنَّنا أشعرنا العالـم أنَّ الإنسان عندنا لا قيمة له.
ولذا أقول ربَّما يتحمل الجميع مسؤولية أسرانا. نحن مع الأسف نسينا أسرانا، سواء كانوا في سجن الخيام أو في سجون فلسطين المحتلة، ولذلك لا بُدَّ من إثارة هذه القضية في كلّ مناسبة، وفي كلّ موقع من المواقع في العالـم حتى نثقل ضمير العالـم بمآسي هؤلاء، لنتمكن من أن نواجه المسألة من الموقع المتقدم في هذا المجال.
الظروف غير مؤاتية للتوطين:
كما إنَّني أحبّ أن أثير نقطة حول هذا الموضوع، هي:
إنَّنا نلاحظ كثرة الحديث عن التوطين(1)، ونحن نعتقد أنَّ المرحلة ليست مرحلة مؤاتية للحديث عن التوطين، لأنَّ الحديث عن التوطين يترافق مع الحديث عن حلّ مشكلة الشرق الأوسط أو المشكلة الفلسطينية، وكلّنا يعرف أنَّ هذا الملف لـم يُفتَح في المفاوضات ولا يزال هناك وقتٌ طويل كي يُفتَح، لأنَّ المسألة تتمحور حول ملكية الفلسطينيين لأرضهم في الضفة الغربية وغزة، وهذا ما لـم يُحسَم حتى الآن.
التوطين مشروع لإثارة المشاكل بين اللبنانيين:
ولكنَّنا نلاحظ في لبنان، أنَّ هذه المسألة تُثار في كلّ وقت من الأوقات التي يُراد فيها إثارة مشكلة بين اللبنانيين، لكي تندلع الفتنة، كانت تُثار مسألة التوطين في الجنوب من أجل إثارة اللبنانيين على الفلسطينيون، حتى يُقال لأهل الجنوب أنَّ الفلسطينيين سيحتلّون أرضكم، وعليكم أن تطردوهم، لأنَّ هؤلاء توطنوا، كما كانت تُثار في بعض المناطق أيضاً لإثارة المشاكل، كما في طرابلس أو في أماكن أخرى. يجب أن نعلم أنَّ مسألة التوطين تُثار دائماً من أجل خلق مشكلة مستديمة في لبنان.
لذلك نحن ندعو إلى التقليل من طرح هذه المسألة ومن التعليقات حولها، لأنَّها شبعت تعليقات من كلّ اللبنانيين، ومن كلّ الفلسطينيين. لا أظنّ أنَّ هناك أحداً لـم يصرِّح في هذه القضية من اللبنانيين أو الفلسطينيين، سواء كانوا من رجال السياسة أو الدين أو الاجتماع أو الثقافة، بحيث لـم يبقَ فيها أيّ جديد كليّة، وقد انطلق الصوت العالي من قِبَل كلّ الفعاليات اللبنانية والفلسطينية، أنَّ التوطين مرفوض فلسطينياً، لأنَّه يمنع الفلسطينيين من العودة، ومرفوض لبنانياً، لأنَّه يخلّ بالتوازن أو بأشياء أخرى، لماذا نتحدّث بهذا الموضوع؟ ونحن لسنا مستعدين لخلق مشكلة جديدة وتعقيدات جديدة في العلاقات اللبنانية والفلسطينية.
ليطرح التوطين في الدائرة العامة:
لذلك نحن نقترح بأن تُطرَح هذه المسألة في دائرة القضية الفلسطينية الكبرى، وألاّ تطرح في الدائرة اللبنانية، لأنَّها عندما تُطرَح على أساس الوضع المعقّد في الساحة اللبنانية والذي لا يمكن أن يحلّ هذه القضية سلباً أو إيجاباً، وإذا كان لا بُدَّ من أن تُطرَح في الدائرة العامة، وأن تكون هناك لجنة فلسطينية لبنانية تطرحُ رفض التوطين، حتى لا تُستخَدم هذه المسألة لتعقيد العلاقات بين الفلسطينيين واللبنانيين، وأنا أطرح هذه المسألة حتى لا تُستخدَم استخداماً سيئاً، في وقت نعيش ثقل المشاكل التي تطبق علينا من كلّ جانب.
الحوار طريق إلى حلّ المشاكل:
إنَّنا نطلب من الفلسطينيين ما طلبناه من اللبنانيين دائماً، وهو أن تُحلِّ المشاكل السياسية فيما بينهم بالحوار، لأنَّ عمليات الاغتيال، وعمليات الفتنة، لا يمكن أن تخدم أيّة قضية، بل سوف تُسقِط كلّ القضايا.
كما أنَّنا نتحدّث عن المشكلة الفلسطينية، ومشكلة الجنوب والبقاع الغربي، نحبّ أن نؤكد أنَّه على الأمّة كلّها، وعلى العالـم الإسلامي والعالـم العربي أن يتحمّل مسؤوليته في دعم المقاومة، ولا سيّما المقاومة الإسلامية التي هي العمود الفقري للمقاومة، والتي تقدّم ما بين يوم وآخر شهداء في مواجهة جبروت العدوّ الإسرائيلي، كما في دعم الانتفاضة التي يُراد إسقاطها، لأنَّهما كما قلنا أكثر من مرة، الشعلتان المضيئتان الوحيدتان اللتان تشيران إلى أنَّ هناك شيئاً اسمه الحريّة في العالـم العربي والإسلامي، وإلى أنَّ هناك شيئاً اسمه العزّة والكرامة في هذا العالـم.
وإذا أسقطت هاتان الشعلتان المضيئتان بفعل المخابرات، فإنَّ معنى ذلك: أنَّه لن يبقى هناك في هذا العالـم أو ذاك العالـم أيّ أساس للعزّة والكرامة.
تقويـم للمفاوضات الإسرائيلية ـ العربية(1)
لعلّ الجانب العاطفي هو من بين نقاط الضعف الأساسية التي تفتك بمسيرتنا، لأنَّنا ننظر إلى القضايا من موقع واحد، وهذا ما نلاحظه من خلال تعاطينا مع كلّ التحديات الكبرى التي نواجهها في الواقع، ومنها الذي نعيشه في هذه المنطقة، وهو واقع "إسرائيل" التي لـم تعد مجرّد مشكلة للفلسطينيين، وإنَّما أصبحت مشكلة المنطقة كلّها، التي تتهددها أمنياً وسياسياً واقتصادياً، حيث تسيطر بالتحالف مع أمريكا على معظم المواقع والشعوب العربية والإسلامية بما تُحِيكُه من خطط بالتحالف مع أمريكا والاستكبار العالمي.
"إسرائيل" مشكلة المنطقة كلّها:
وما نواجهه من مشاكل على مستوى الشعوب وعلى مستوى الحكومات، هو أنَّ "إسرائيل" انطلقت في المنطقة، لتمنع العرب من أن يتوحدوا، ولتمنع المسلمين من أن يتكلموا مع بعضهم البعض، ولتربك اقتصاد المنطقة، بحيث لا تستطيع المنطقة من تحقيق الاكتفاء الذاتي في اقتصادها، من خلال تطوير زراعاتها وصناعاتها في حركة الاقتصاد، ولهذا لـم تستطع أيّة دولة عربية، حتى تلك التي تملك البترول ـ من أن تحقّق لنفسها استقراراً اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً، لأنَّ الاهتزاز موجود في كلّ بلد من بلدان المنطقة، ولقد أصبح المهمّ عند النّاس هو أن يرتاحوا من المشاكل التي تثيرها "إسرائيل" في أمنهم الجزئي، مما دفع بالنّاس لأن يفكّروا على مستوى قرية صغيرة، فهذه القرية الصغيرة لا يصيبها القصف وتلك يصيبها. أو أن يفكّر على مستوى المنطقة، حيث يتحدّث النّاس في بعض الحالات، عن المشاكل بطريقة أنَّ هذه مشكلة بيروتية، أو شمالية، لا يفكّر أحدٌ بأنَّها مشكلة كلّ لبنان، كما هي مشكلة الجنوب، وخير دليل على ذلك هو الواقع الذي عاشه لبنان خلال سبعة عشر سنة من الحروب الجائرة والدامية.
دعوات لإلقاء السلاح العربي:
إنَّ الفكرة المطروحة الآن في الساحة العربية هي دعوة النّاس لأن يفكّروا بالسلام ولا يفكّروا بالحرب، واتخذت معظم الدول العربية قرارها في هذا الإطار، مع بعض التحفظات، على أساس أن لا حرب مع "إسرائيل" وبهذا أصبحت الدول التي لا تلغِي الحرب مع الكيان الصهيوني من حساباتها محل تحذير وقمع الأنظمة والأجهزة الأمنية، وكذلك بات أيّ تحرّك تقوم به أيّ حركة في الشارع العربي حتى على المستوى السياسي ضدّ "إسرائيل"، كأن تخرج فيها مظاهرة ضدّ "إسرائيل"، أو مظاهرة لتأييد المقاومة.
بينما نجد أنَّ "إسرائيل" تتحدّث عن السلام، ولكنهَّا في ذات الوقت تحاول أن تطوّر أسلحتها إلى أبعد مدى، وهي التي تطلق بين الفينة والأخرى أحاديث عن استعداداتها للحرب، لأنَّه لا يُعقَل لأيّ دولة من الدول تعيش حالة العداوة مع دولة أخرى أن تُلقِي سلاحها قبل أن تنتهي القضايا لهذه النتائج. يجب أن نطرح كلّ الأسلحة، ولا ندع أحداً يقاوم أو يقاتل بانتظار السلام!! إنَّما يمكنك أن تحصل على السلام إذا كان عندك أوراق وإمكانات قوّة تستطيع أن تلعبها، وأمّا إذا كنت ضعيفاً؛ فسيتحول السلام إلى استسـلام. هذه مشكلـة من ناحية الواقع العربي.
الانتفاضة والمقاومة والمفاوضات:
تتناول وسائل الإعلام أحاديث الكواليس عن المقاومة في لبنان والانتفاضة في فلسطين، والتي تتحوّل بفعل فلسفة الكثير من المعلّقين السياسيين إلى أحاديث عن الاعتدال والواقعية وما إلى ذلك، عندما نتحدّث عن المقاومة، وجدوى قيامها بعملية تحرير لبنان والانتفاضة، وعن قدرتها على القيام بعملية تحرير فلسطين، يصبح الحديث عن إخماد المقاومة أو الانتفاضة كلاماً مشبوهاً وأكثر من ذلك.
من المفارقات أنَّ العرب يصرّون على حصول المفاوضات في واشنطن، لكي تقوم أمريكا بالضغط على "إسرائيل"، ولكن العكس هو الصحيح، لأنَّه لو حصلت المفاوضات في واشنطن فستضغط أمريكا على العرب وليس "إسرائيل".
تقويـم للمفاوضات العربية - الصهيونية:
أ ـ المفاوضات:
في الذكرى السنوية الأولى للمفاوضات التي انطلقت من مدريد وبعيداً عن المقاومة والانتفاضة، ترى ماذا حقّق العرب في هذه الجولات السبع في المفاوضات، وبالمقابل ماذا صنعت "إسرائيل"؟
أولاً: حصلت "إسرائيل" على اعتراف عربي واقعي، بأنَّ لها الحقّ كدولة في ما عدا الضفة الغربية وغزة، وجلس العرب مع "إسرائيل" على طاولة المفاوضات، وهم الذين كانوا يقولون لا مفاوضات.
ثانياً ـ الصلح:
وخسر العرب الشعار الثاني وهو لا صلحّ لأنَّهم يتحرّكون نحو الصلح ويلهثون وراءه و "إسرائيل" هي التي تعطّل الصلح، فيما بدت أمام العالـم وكأنَّها دولة تريد السلام، كما حققت نتائج هامة أثناء عملية التحضير لمؤتمر مدريد، حيث تدخلت الولايات المتحدة واستطاعت أن تبطل قرار الأمم المتحدة الذي يقضي بأنَّ الصهيونية حركة عنصرية.
المطالبة بإلغاء المقاطعة الاقتصادية:
أصبحت "إسرائيل" تتكلم بصوت عال: أنَّه لا بُدَّ للعرب من أن يلغوا المقاطعة الاقتصادية، كما أنَّها لـم تكتفِ بالمفاوضات الثنائية بل طالبت بإجراء مفاوضات متعددة الأطراف لتتحول من خلال ذلك من مشاكلها مع الدول العربية إلى المنطقة كلّها، وربَّما إلى أوسع من المنطقة لتبحث في المسائل المائية والاقتصادية والأمنية والسياسية وما إلى ذلك، هذا مع العلم بأنَّ المنطقة ليست بحاجة لأن تبحث في مثل هذه القضايا، لأنَّ هذه البحوث هي حاجة إسرائيلية بحتة، ولأنَّ المفاوضات المتعددة هي لمصلحة "إسرائيل"، لا لمصلحة العرب، لأنَّ العرب ليس عندهم مشكلة اسمها ترتيب قضية المياه.
ب ـ تقزيـم الحالة العربية:
لقد نجحت "إسرائيل" في تقزيـم الحالة العربية فعملت على ألا تتفاوض مع العرب، وإنَّما تتفاوض مع فلسطينيين، بل هناك أردنيون، كما أنَّه لا وجود لوفد فلسطيني، بل هناك وفدٌ فلسطيني أردني، سوري ولبناني، ومصري وخليجي، مما يعني أنَّها نجحت في ألا تحاور العرب مجتمعين، وإنَّما تحاورهم كلاً على حدة لتتمكن من السيطرة عليهم عبر استغلالها لنقاط الضعف في كلّ دولة عربية في هذا المجال.
إرباك العلاقات العربية:
ولهذا كانت تعمل على إرباك العلاقات العربية، فتوحي أحياناً بأنَّه سيجري اتفاق فلسطيني - إسرائيلي بعيداً عن بقية الدول العربية، وأوحت بعد ذلك أنَّه سيحصل اتفاق سوري- إسرائيلي على حساب بقية الدول العربية، وتتكلم عن إمكانية حصول اتفاق إسرائيلي - فلسطيني على حساب بقية الدول ككلّ، وهكذا فقد حقّقت "إسرائيل" نجاحاً كبيراً على كلّ المستويات ولـم تتقدّم خطوة واحدة تجاه العرب.
لقد عمّت حالة من الفرح العربي عندما قالت "إسرائيل" كلمة "انسحاب"، لأنَّهم لـم يكونوا ينتظرون أن يسمعوا منها هذه الكلمة، لأنَّ "إسرائيل" عندما تقول بالانسحاب فإنَّها تقولها على طريقتها الخاصة، فقد تكون انسحاباً من عشرة أمتار مثلاً!!
لـم يحصل العرب - على الأقلّ بعد سنة من المفاوضات - إلاَّ على خيبة الأمل، فلم تعترف "إسرائيل" بالفلسطينيين، ولا بالضفة الغربية وقطاع غزة، كما أنَّها لـم تعترف لسوريا بالجولان، ولـم تطبق القرار 425، ولا تزال تصرّ على أنَّ مضمون القرار 242 لا يتعدّى الانسحاب من أراضٍ احتلّت، لا من الأراضي المحتلة.
سكوت على المجازر الإسرائيلية:
إنَّ البندقية العربية قد سقطت، ومن الصعب أن تقوم من جديد، وسقطت المواقف العربية من دون أن تحقّق ما يمكن أن يكون بديلاً لها وسقط ماء الوجه العربي فلم يبقَ فيه أيّ بلل. كلّ ذلك لحساب "إسرائيل"، وبدلاً من ذلك أصبحت "إسرائيل" تعرض عضلاتها على الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وعلى اللبنانيين في جبل عامل والبقاع الغربي، من دون أن يرتفع صوت عربي واحد في هذا المجال.
وعندما تنطلق المقاومة لتقوم بعملية يسقط فيها بعض القتلى من اليهود نجد أنَّ ردود الفعل العالمية من أمريكية وفرنسية ودول أخرى من عربية ومحلية، تطلق الصوت عالياً احتجاجاً على (الاعتداءات) التي قامت بها المقاومة الإسلامية ضدّ اليهود. كما أنَّ هناك بعض الإيحاءات الداخلية من خلال الصحف اللبنانية التي تداولت بعض التصريحات والتحليلات للسياسيين التي يقولون فيها: إنَّما قامت المقاومة الإسلامية بهذه العملية بهدف إرباك الواقع، أو أنَّها قامت بها بناءً لتعليمات صادرة من سوريا لكي تستفيد منها في ساحة المفاوضات، أو أنَّ إيران أصدرت إليها تعليمات، أو أنَّها تريد أن تخلط أوراق الواقع المحلي.
أمريكا تلتزم أمن "إسرائيل":
كلام قيل في الخارج، وكلام قيل في الداخل، ولنا كلام مع الخارج، كما لنا كلام مع الداخل، فمع الخارج كلامنا مفهوم، فلا كلام لنا مع أمريكا لأنَّها التزمت أمن "إسرائيل" على حساب كلّ الأمن العربي، التزمت أمن كلّ طفل إسرائيلي حتى لو قتل كلّ أطفال العرب، والتزمت أمن أيّة امرأة إسرائيلية حتى لو قتلت كلّ نساء العرب، وأمن كلّ شيخ أو شاب إسرائيلي حتى لو قتل كلّ شيوخ العرب وشبابهم، لأنَّه لا قيمة للعربي في الذهنية الأمريكية، فتنظر إلينا على أنَّنا حشرات نحتاج إلى مبيدات، تُزودَ بها "إسرائيل"، دائماً على شكل طائرات ومدافع وصواريخ وما إلى ذلك.
الموقف الفرنسي:
أمّا فرنسا، وهي الدولة التي انطلقت منها شعارات حقوق الإنسان وتعاطفت أحياناً مع الحقوق العربية، نراها عندما يقتل اليهود تحتجّ بلهجة شديدة، وتذكر بالاسم، أمّا عندما يقتل يومياً عشرات الفلسطينيين واللبنانيين، فإنَّها تتحدّث عن العنف، خشية أن تُضبَط متلبسة باحتجاجها على "إسرائيل"، الأمر الذي يؤدّي إلى تمييع القضية من قبلها.
بالمنطق الفرنسي نحتجّ على مقاومي النازية في فرنسا:
ومن هنا نتساءل، أين قتل اليهود؟ قتلوا في أرض لبنانية. لو أردنا أن نعمل بهذا المنطق لأمكننا أن نقول لفرنسا: إنَّ الذين كانوا يقاومون المحتلّ النّازي الذي احتلّ جزءاً عزيزاً من فرنسا كانوا من الإرهابيين، ويجب أن نحتجّ على قتل النازيين في فرنسا.
الإسرائيليون حتى لو لـم يطلقوا رصاصة واحدة في لبنان هم معتدون، لأنَّهم احتلوا أرضنا، لأنَّ العدوان الإسرائيلي ليس فيما تطلقه "إسرائيل" من قذائف، إنَّما عدوانها في أصل احتلال أرضنا. لكنَّ المشكلة كما قلنا إنَّ هؤلاء المستكبرين الذين اعتادوا على الاستعمار لا يحترموننا ولا يحترمون حريتنا. إنَّهم يحترمون اليهود، لأنَّ اليهود يحملون عقلية أمريكية وأوروبية، وهي في النهاية عقلية الاستعمار، كما أنَّهم ينفّذون مصالح أوروبا وأمريكا.
دور المقاومة والانتفاضة في إحياء الروح المعنوية العربية:
لذلك نحن نُكبر عمل المقاومة الإسلامية والانتفاضة، ونرجو ألا تبقى المقاومة الإسلامية وحدها في لبنان، نقولها لكلّ الذين يتحدّثون عن المقاومة دون أن يتحرّكوا خطوة واحدة إلى الأمام، ومن هنا فإنَّ قيمة عمليات المقاومة والانتفاضة أنَّهما تقولان لكلّ العرب ولكلّ المسلمين، أنَّه ممكن لعربي يؤمن باللّه وبرسوله وبالجهاد في خطّ اللّه ورسوله أن يقف بشجاعة ليواجه "إسرائيل" وجهاً لوجه ليقتل بعض جنودها، وليبرهن أنَّ الجندي الإسرائيلي ليس هو الجندي الذي لا يقهر.
أيُّها العرب؛ ليست "إسرائيل" هي القوية بل أنتم المهزومون، لأنَّه استطاع بعض هؤلاء النّاس الذين باعوا أنفسهم للّه أن ينزلوا الهزيمة في كلّ يوم بالعنفوان الإسرائيلي هنا وهناك. إنَّهم يمنعون "إسرائيل" من أن ترتاح... قد لا تستطيع المقاومة أن تحرر جنوب لبنان، ولكن من المؤكّد أنَّها تساهم في تحرير المناطق الجنوبية المحتلّة، وتمنع تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وتعطي أهلنا في المنطقة الحدودية قوّة معنويّة، قد لا يستطيعون أن يصرّحوا بها ولكنَّهم يعيشونها.
لمنتقدي إطلاق الكاتيوشا:
أ ـ المقاومة تدافع عن شعبها:
يحاول بعض النّاس أن يقدم مواعظ للمقاومة، من خلال قوله بأنَّ المقاومة ليست بأسلوب إطلاق صواريخ الكاتيوشا، نقول لهؤلاء: اعقلوا القضايا جيداً، وعليكم أن تعرفوا لماذا أطلقت المقاومة صواريخ الكاتيوشا على الأرض المحتلة؟ إنَّ المقاومة لـم تقم بعمليات إطلاق الصواريخ إلاّ بعد أن تمادت "إسرائيل" في قصف مناطقنا الآمنة بالقذائف، وأخذت حريّتها في أن تقتل أطفالنا ونساءنا وشيوخنا وشبابنا.
إنَّ أطفالنا أعزاء علينا، ونحن نحبّ أطفالنا ولذلك نحن نتألـم عندما يسقط لنا طفل بصواريخ إسرائيلية، ومن هنا كان لا بُدَّ لـ "إسرائيل" من أن تشعر بأنَّه إذا سقط المدنيون عندنا بـ صواريخهم، فسيسقط لهم مدنيّون بصواريخنا.
نحن لا نريد أن نقتل النساء والمدنيين هناك، ولكنَّنا نعلم أنَّه لا يمكن أن يرفعوا عنّا هذا الجنون من قصفهم إلاّ إذا قمنا بردّ خجول، مقابل آلاف القنابل والصواريخ التي سقطت على أكثر القرى في الجنوب والبقاع والغربي.
ب ـ إطلاق الكاتيوشا ليس أسلوباً:
إنَّ المقاومة لا تؤمن بأنَّ أسلوب الصراع مع "إسرائيل" هو بإطلاق صواريخ الكاتيوشيا لأنَّ المقاومة تنطلق وجهاً لوجه مع العدوّ، ولكن عندما تطلق آلاف الصواريخ؛ فإنَّ من حقّنا ـ حضارياً وإنسانياً ووطنياً وقومياً وإسلامياً ـ أن ندافع ببعض السلاح عن أنفسنا. وهذا ما دفع ببعض الذين يحتجّون على قصف المدنيين عندهم أن يعبّروا عن استنكارهم وشجبهم، أمّا المدنيون عندنا الذين يقصفون في كلّ يوم فلا ذكر لهم.
نحن نقول لـ "إسرائيل": الحرب هي الحرب، المجاهدون يقاتلون جنودك، فلتكن المواجهة مع المجاهدين.
يحدّثنا التاريخ أنَّه عندما هجم جيش ابن سعد على عيال الحسين (ع) قال الإمام الحسين (ع): "يا شيعة آل أبي سفيان إن لـم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً فناداه شمر فقال: ما تقول يا بن فاطمة قال: أقول أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح"(1).
إنَّ أغلب القتلى الذين سقطوا في الجنوب والبقاع هم أطفال ونساء وشيوخ، فهؤلاء ليسوا مدنيين ويحبّهم أهلهم وذووهم؟!!
من هنا نريد أن نقول لكلّ الذين يتبّرعون بالمواعظ للمقاومة، أياً كانت صفتهم، أن يوفروا هذه المواعظ لأنفسهم، أمّا الذين يتحدّثون بأنَّ المقاومة تنطلق في عملياتها من تعليمات من هذه الدولة أو تلك، أو بهدف إرباك هذه الحكومة أو تلك، مشكلتهم أنَّهم جاؤوا على أساس المثل: "رمتني بدائها وانسلت" أو على قول المتنبي:
إذا ساءَ فعلُ المرءِ ساءَتْ ظنونُهُ وَصَدَّقَ مـا يعتـادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ
لأنَّ بعض النّاس يقاتلون على أساس (الحرطقات) السياسية الداخلية ويقاومون لأنَّ أمراً صدر من هذه الدولة أو تلك.
الجهاد كالصلاة:
إنَّنا نريد أن نقول لهم إنَّكم لا تفهمون المجاهدين جيداً، إنَّ المجاهدين يجاهدون كما يصلّون، لا يصلّون لتعليمات جاءتهم من هذه الدولة أو تلك الدولة. هل يصومون لأنَّهم يريدون بصيامهم أن يشاغبوا على هذه الحكومة أو تلك الحكومة؟ أو أنَّهم يصلّون لأنَّ اللّه أمرهم بالصلاة.
انهزم العرب فاستضعفهم الاستكبار(1)
يتساءل البعض عن سرّ الاهتمام المميَّز بـ "إسرائيل" من قبل أمريكا وأوروبا، وحتى من قبل بلدان الشرق الأقصى، مقابل عدم اهتمامهم بالمنطقة العربية. المسألة هي كما يتحدّث البعض أنَّ "إسرائيل" دولة على صورة النظام السياسي الأوروبي، وأنَّ اليهود أناسٌ تحركوا في مفاهيمهم وثقافتهم على الطريقة الأوروبية، ولذلك تحظى "إسرائيل" بكلّ هذا الاهتمام، أمّا العرب فهم شرقيون، ويختلفون عن الأوروبيين والغربيين، وربَّما تحدّث البعض أنَّ العرب بأغلبيتهم من المسلمين، وهناك عقدة أوروبية - أمريكية من المسلمين. لكن في الواقع لا حساب لكلّ هذه الأمور في المسائل السياسية، لسبب، بسيط جداً. العقدة الغربية ضدّ اليهودية -باعتبار الخلفية المسيحية - أشدّ من تلك الموجودة ضدّ الإسلام بحسب الخلفيات العقيدية، كما أنَّ كثيراً من العرب أصبحوا غربيين أكثر من الغرب، حتى إنَّ بعضهم يزايد على الغربيين في أزيائهم وأوضاعهم وعاداتهم.
"إسرائيل" استعارت أساليب ملتوية من السياسات الغربية:
إذاً ليست المسألة كذلك، صحيح أنَّ خلفيات سياسية غربية هي التي ساعدت "إسرائيل" على أن توجد، ولكنَّ "إسرائيل" عندما انطلقت في المنطقة كدولة؛ لـم تحسب حساباً لأن تخضع لأية دولة غربية، ولكنَّها كانت تفكّر في أن تستفيد بأساليب ملتوية من علاقاتها بأوروبا، لا أن تسخّر كلّ ما تملك من معطيات القوّة في سبيل أن تجتذب المصالح الأوروبية لتكون المصالح الإسرائيلية مصالح أوروبية.
العرب يعملون بعاطفية، اليهود فكروا بيهوديتهم:
وهكذا لـم تفكّر "إسرائيل"، لا على مستوى شعب، ولا على مستوى قادتها، بأن تكون أمريكية، أو أن تكون سياستها خاضعة للسياسة الأمريكية. فكّرت "إسرائيل" بأن تستفيد من أمريكا فتستغلّ عناصر قوّتها هناك، من أجل أن تكون قريبة من موقع القوّة في أمريكا. لذلك نحن لـم نلاحظ أيّ حركة عاطفية في واقع المجتمع اليهودي تجاه أمريكا التي أعطت كلّ شيء لـ "إسرائيل"، بعكس ما هي عليه بعض بلداننا العربية التي انطلقت من حالة عاطفية، وتحرّك بعض قيادتها لتحمل صوراً للقادة الأمريكيين في بيوتهم وعلى سيّاراتهم وعلى صدورهم.
إنَّ اليهود يؤمنون بيهوديتهم أكثر من أيّ شيء في العالـم. ويعملون على أن يستفيدوا من كلّ مواقع القوّة، ليكونوا في المستقبل في حالة صراع مع القوى الأخرى على المستوى الاقتصادي، ومن خلال هذا التفكير تحرّكت وفرضت نفسها على الواقع الأوروبي والأمريكي، حيث استطاعت أن تجعل من نفسها حاجة لهما، كما أنَّها استطاعت أن تربط بطريقة وبأخرى بين مصالحهم ومصالحها، وهذا لأنَّ واقع الدولة هنا يتحرّك من خلال شعب يفكّر بمصلحته في مقابل الدول الأخرى.
العرب لـم يفكّروا كأمّة:
أمّا العرب، كما نلاحظ: فإنَّ مشكلتهم في أغلب الأحيان أنَّهم لـم يفكّروا بمستقبلهم كأمّة، وإنَّما يفكّرون في مستقبل حكمهم في حجم السلطات فقط. وبذلك غُيِّبَتْ الأمّة العربية عن ساحة اتخاذ القرار، وهذا ما نلحظه من خلال نِسَب فوز الزعماء في الانتخابات في أغلب البلدان، فأيّ بلد عربي تجري فيه الانتخابات ترى أنَّ الرئيس يفوز فيها بنسبة 99،99، وربَّما حاولوا من خلال بعض الشكليات أن ينزلوا النسبة إلى التسعين وما إلى ذلك، كما أنَّ حكام العرب يفكّرون في علاقاتهم بالدول الأخرى من خلال مصالحهم لا من خلال مصالح شعوبهم، لأنَّه لا قيمة لشعوبهم، إلاَّ بمقدار ما يهيئون لهم من مواقع ومراكز.
العرب يعيشون واقع الهزيمة فاستضعفهم الآخرون:
إنَّ الذهنية التي أصبحت تطبع الواقع العربي هي ذهنية الهزيمة، إنَّ العرب مهزومون أمام "إسرائيل" في الحروب التي خاضوها ضدّها، ومهزومون في حرب الخليج، حتى الذين اعتبروا أنفسهم منتصرين في هذه الحرب، ولذلك فإنَّهم سلّموا لأنفسهم بأنَّهم مهزومون واستضعفوا أنفسهم ولـم يحاولوا أن يستفيدوا من مواقع قوّتهم، وقد زادهم الواقع السياسي استضعافاً، وعلى هذا تعامل المستكبرون معهم، ودخلت "إسرائيل" المفاوضات.
ولذلك وجدنا أنَّهم كانوا يلهثون جميعاً وراء أمريكا كي تتدخل لتضغط على "إسرائيل"، لأنَّهم لا يملكون أيّة ورقة للضغط عليها.
العرب يتحمسون للانتخابات الأمريكية أكثر من الأمريكيين:
إنَّ المشكلة التي تتحرّك في الواقع العربي هي أنَّ العرب يتحمّسون للانتخابات الأمريكية أكثر مما يتحمّسون لحريتهم، وأكثر ممّا يتحمّسون لمواقع القوّة عندهم، إنَّهم يخافون من هذا الرئيس أن ينجح أو من ذاك الرئيس أن يسقط، لأنَّهم يخافون على مستقبلهم من خلال ذلك، ولو كانوا يملكون قوّة حقيقية كما هي القوّة، لما خافوا من هذا أو ذاك، لأنَّ قوّتهم هي التي تخدم سياستهم وتنطلق في كلّ مواقع حياتهم وفي كلّ أوضاعهم الخاصة والعامة.
العرب يعيشون حالة انعدام الوزن:
عندما عاش العرب ذهنية الهزيمة والضعف والتضحية بكلّ شيء في سبيل مصالحهم، كان من الطبيعي أن يستضعفهم الآخرون، وأن يعيشوا حالة انعدام الوزن في هذا المجال، فعندما تكون قوياً فإنَّ كلّ الأقوياء يحسبون حسابك، أمّا عندما تكون ضعيفاً فلن يحسب حسابك حتى الضعفاء، لأنَّك لا تستطيع أن تغني عنهم شيئاً، ولذلك {إنَّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} [الرعد:11].
ندفع أثمان الذلّ باسم السلام:
القضية ليست بسيطة، وإنَّنا عندما نواجه واقع المتغيرات الدولية، تلك التي سوف تزحف إلى المنطقة، وواقع السيطرة الصهيونية، فإنَّ ذلك يفرض علينا أن نفكّر بطريقة أخرى، بألا نفكّر بأن نحصل على السلام بأيّ ثمن، لأنَّ معنى ذلك هو الحصول على الذلّ بكلّ ما نملكه من أثمان، إنَّنا ندفع أثمان الذل باسم السلام.
العرب من منظار التهديد لأمن "إسرائيل":
ماذا نلاحظ في برنامج(1) الرئيس الأمريكي عن الشرق الأوسط، إنَّه لا يذكر العرب ولو بكلمة واحدة إلاّ في نطاق الحديث عن أنَّهم يهددون "إسرائيل"، إنَّهم يشنّون على "إسرائيل" حرباً اقتصادية، بل يسهب في حديثه عن الشرق الأوسط وعن "إسرائيل"، لأنَّ "إسرائيل" بنظره هي الدولة الوحيدة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وهي الدولة المهَّددة من قبل جيرانها، ولذلك فلا بُدَّ من أن نعطيها أكبر قدر من السلاح النوعي ولا بُدَّ لنا من أن نخزّن السلاح الأمريكي فيها لتستخدمه عند الحاجة. إنّ لـ "إسرائيل" الفضل في قصف المفاعل النووي، لأنَّها لو لـم تقصفه لأمكن للعراق أن يملك القوّة النووية، وعند ذلك سوف تكون الحرب معه أشدّ خطورة.
إشفاق أمريكي على المهاجرين اليهود:
كما أنَّه يتحدّث بإشفاق وبإنسانية عن مئات الألوف من المهاجرين اليهود من النساء والأطفال والشيوخ، الذين لا بُدَّ من دعمهم، ولا بُدَّ من العمل على ألا يكونوا ضحايا لأيّ عراك سياسي، ولا يجري البحث بكلمة واحدة عن ملايين الفلسطينيين المشردين في أنحاء العالـم.
إنَّه يفكّر بأنَّ علينا ألا نتهاون في قوّة "إسرائيل"، لكي لا تتنازل للعرب في المفاوضات، ولكن لا مانع من أن تكون كلّ الضغوط على العرب ليقدّموا التنازلات لـ "إسرائيل".
لا نفرّق بين رئيس أمريكي وآخر:
نحن لا نفرّق بين رئيس أمريكي وآخر، لأنَّنا نعتقد أنَّ هذا الرئيس الذي سقط أعطى لـ "إسرائيل" ما لـم يعطها أمريكي قبله، وربَّما يعطي هذا ما لـم يعطه الرئيس السابق، إنَّهم يزايدون على بعضهم في دعم "إسرائيل"، ويزايدون على بعضهم في إذلالنا، وفي إضعافنا، لذلك لن نخسر شيئاً إذا أخذنا بأسباب القوّة، وإذا قلنا كلمة قويّة مدوّية.
ربَّما كانت اللاءات العربية سابقاً لاءات خفيفة ضعيفة، لأنَّها كانت تتحرّك من موقع الشعار وبدون خطّة، ونحن اليوم بأمسّ الحاجة لـ (اللا) العربية في هذه المرحلة كأقوى ما يحتاجه العرب، وينبغي أن تكون منطلقة من رفض الشعوب لكلّ هذا الأسلوب في الإذلال والإضعاف، وتقديـم التنازلات لحساب "إسرائيل".
أصبحنا نتعاطى السياسة كملهاة:
إنَّ مشكلتنا هي أنَّنا أصبحنا نتعاطى السياسة كملهاة في حياتنا، ولهذا جاءت كلمة "اللعبة السياسية"، والسياسة كما رأينا ليست ملهاة ولا هي لعبة، لأنَّ حركة الخطوط السياسية هي التي تحدّد لنا مواقع حريتنا، وخطوات عزّتنا، ومواقع عدالتنا.
إنَّ طبيعة الإدارة للسياسة الداخلية والخارجية في هذه المرحلة، هي التي ستحدّد مستقبل أبنائنا، لأنَّنا نحن من يجعلهم أحراراً وأعزاء، أو عبيداً وأذلاء، لذلك فإنَّنا نتحمّل مسؤولية كلّ كلمة نقولها، سواء كانت كلمة رفض، أو كلمة تأييد، ولهذا يحاولون أن يُشغلونا بالقضايا الصغيرة عن الآلام الكبيرة.
أمريكا وأوروبا يتعاملان معنا كميدان لاستهلاك الأسلحة:
ذلك نجد أنَّ السياسة الأمريكية والسياسة الأوروبية تعملان بكلّ ما تملكان من طاقة للإبقاء على العالـم العربي والعالـم الإسلامي، وكلّ مواقع العالـم الثالث المستضعف؛ مجرّد أرض تنتج الثروات الطبيعية للغرب، ومجرّد ساحة للتجارب الحيّة للأسلحة الجديدة التي تنتجها مصانعه، وهي التي تعطي الفكرة عن قدرة هذا السلاح أو ذاك، لذلك فإنَّهم يبيعوننا أسلحتهم لنقتل بعضنا بعضاً، ولنثير الحروب فيما بيننا، ولنقدّم لهم ثرواتنا من خلال حروبنا ومواقفنا ونزاعاتنا، وفي هذه السياسة يكمن كلّ الخطر الذي نواجهه في المستقبل.
القضية البوسنية: أمريكا وأوروبا تلهوان بالمسلمين:
انظروا كيف تواجه أوروبا وأمريكا معها المسلمين في البوسنة والهرسك، والذين يُقتَلون ويُشرَّدون ويُضغَط على كلّ مواقعهم بلا حساب، وتفرض الأمم المتحدة الحظر على السلاح لكي لا يصل إلى أيدي المسلمين، ولكنَّها تغضُّ النظر عن السلاح الذي يأتي إلى الصرب. إنَّها تتصدّق على المسلمين عندما يتحولون إلى لاجئين أو محاصرين، ولكنَّها لا تتحرّك خطوة واحدة في الطريق الذي يرفع الحصار ويبعد التشرد عنهم. الحقيقة أنَّ أوروبا وأمريكا معها تلهوان بالمسلمين، فيتحدّثون عنهم بطريقة عاطفية، وهم يعرفون بأننا نسقط أمام الكلمات العاطفية.
مفارقة عربية في التعامل بين المسلمين واليهود:
وهناك مفارقة عربية، حيث لا يمثّل الفلسطينيون شيئاً للعرب، وهكذا كلّ المسلمين إذا ما قُتِلوا وشُرِدوا في كلّ يوم، لأنَّ إنساننا ليس محترماً عندهم، أمّا أن يُتوَفى يهودي واحد أو يُقتَل خمس راهبات أمريكيات في ليبيريا فتلك قضية تقلق كلّ ضمائر الغرب.
نحن لا ندعو إلى فوضى، أو إلى استعراضات عنترية في قوّتنا، لكن علينا أن نرتبط بالواقع، أن نعرف ماذا نريد، الحريّة أم العبودية؟ العزّة أم الذل؟ هل نريد العدل أم الظلم؟ إذا عرفنا إنَّنا نريد الحريّة والعزّة والعدل لأنفسنا ولأولادنا؛ فيجب أن تكون طريقة تفكيرنا وإدارة علاقاتنا وأوضاعنا منطلقة من هذا الهدف. إنَّنا لا بُدَّ من خلال كلّ التجارب التي عشناها، ومن خلال كلّ الأوضاع الصعبة التي واجهناها أن نعرف أنَّنا لن نخسر شيئاً عندما نْصِرُّ على مواقفنا، فلن يصيبنا أكثر ممّا أصابنا من هزائم وكوارث، لأنَّ كلّ حركة في اتجاه الأهداف الكبرى هي حركة قوّة جديدة نأخذها، وكلّ حركة بعيداً عن الأهداف الكبرى هي حركة ضعف نضيفها إلى ضعفنا.
إنَّ الشعوب تستنفر كلّ طاقاتها من أجل أن تُقَوِّي مواقعها، وعلينا أن نفعل ذلك، واللّه تعالى قال لنا، ولكلّ المتألمين، ولكلّ المنكوبين، ولكلّ المجروحين، ولكلّ الذين يعيشون مشاكل الصراع ومشاكل المواجهة: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } [آل عمران : 140] {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ } [النساء:104].
لا تستهلكوا أنفسكم في خصوصياتكم:
أنا لا أتكلم للاستهلاك، وإنَّما أتكلم من خلال نظرتي للمستقبل التي أرى من خلالها أخطاراً كبيرة تحيط بنا وتواجهنا، نظرة ترصد الحاضر فتجد أن كلّ مواقعه تعمل لتجعلنا المهزومين، ولذلك لا تستهلكوا أنفسكم في خصوصياتكم، ادخلوا جيداً في المسألة السياسية، ولكن ليس على أساس أن تلعبوا اللعبة السياسية أو أن تعيشوا حرطقاتـها، وإنَّما على أسـاس أن تواجهوا في المستقبل سياسة الحريّة والعزّة والكرامة في حجم الأمّة.
من هنا يجب ألا تستغرقوا في الأشخاص وتعبدوهم. إنَّ الشعب عندما يملك ويعرف طريقه ويخطط لمستقبله فإنَّه سوف يفرض قضاياه على الأشخاص، ولذلك فإنَّنا عندما نتكلم بالسياسة على المستويين الداخلي والخارجي علينا أن نمتلك الوعي الذي يجعلنا أمّة تقف في مصافِ الأمم، لقد أرادنا اللّه أن نكون خير أمّة أخرجت للنّاس، وأن نكون الأعلين {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، ونحن قادرون على أن نكون الأعلين، وخير أمّة إذا تحلّينا بمزيد من الصبر، ومن الوحدة ومن الوعي، وبمزيد من دراسة كلّ ما حولنا وكلّ من حولنا، فاليهود ليسوا أقوى منّا، ولكنَّهم اكتشفوا ما عندهم من قوّة وحرّكوها وعملوا على تنميتها وصنعوها. ولكنَّنا كنّا نملك قوّة، فلم نعمل على تنميتها، فضاعت هباءً منثوراً.
أمريكا صنعت مأساة لبنان:
نريد أن نقول للبنانيين الذين لا يزالون يعيشون خارج نطاق الواقع، إنَّهم لا يزالون يفكّرون ويحرّكون أحلامهم في المجهول، ويفكّرون أنَّ الانتخابات الأمريكية سوف تغيّر موازين القوى في لبنان، وسوف تُوكَّل بعض الجهات لتكون الناطقة باسمها في لبنان. إنَّ أمريكا في زمن الديمقراطيين والجمهوريين هي التي صنعت مأساة لبنان، ولا تزال مستمرة في صنعها حتى الآن، لا تكونوا أطفالاً أو مراهقين ولا تفكّروا بأنَّ أمريكا سوف تسخّر سياستها لحساب هذا السياسي اللبناني أو ذاك، أو لحساب هذه الطائفة اللبنانية أو تلك، لقد مزّقت السياسة الأمريكية كلّ الطوائف في لبنان، وعبثت بكلّ الواقع السياسي، وهي لا تفكّر لبنانياً أو عربياً أو إسلامياً إلاَّ بمصالحها.
لا حاجة للاستقواء برئيس أمريكي ضدّ الآخر:
لذلك فلا حاجة لأن يستقوي أحد منكم بأمريكا، لأنَّه عندما تنتهي الانتخابات سيتوحد الرؤساء الأمريكيون ويهتفون باسم أمريكا الواحدة، على أساس أن يسقط الجميع أمام أمريكا. لماذا لا تتعلمون منهم كيف تتوحدون باسم لبنان الواحد، وألا تكون الخلافات السياسية أساساً لإسقاط الوطن والبلد كلّه، لماذا لا نعمل على أن ينطلق لبنان من خلال برنامج سقط وبرنامج أتى، لا على أساس أنَّ شخصاً جاء وشخصاً ذهب، اللبنانيون لا يزالون يعيشون في القرون الوسطى، وكثيراً منهم لا يزالون يعيشون في الأوهام الطائفية والسياسية، ويجب عليهم أن يعيشوا يقظة الواقع، لأنَّ يقظة الواقع هي يقظة كلّ جراحنا، وكلّ آلامنا، وكلّ مشاكلنا.
"إسرائيل" هي مشكلة لبنان في الماضي والحاضر والمستقبل:
أيُّها اللبنانيون؛ لقد كانت أمريكا وما تزال هي مشكلتكم التي تحاولون أن تزعموا لأنفسكم أنَّها ستكون الحلّ، إنَّ "إسرائيل" كانت مشكلة لبنان في السابق، كما لا تزال مشكلته في الحاضر، وستكون مشكلة لبنان في المستقبل، كما هي مشكلة المنطقة كلّها.
أيُّها اللبنانيون؛ عليكم أن تفهموا أنَّ أحداً منكم لا يستطيع أن ينتصر على الآخر عندما يتحرّك على أساس قوّة دولية أو ما إلى ذلك، إنَّكم جميعاً المهزومون أمام مصالح الآخرين، إنَّ انتصاراتكم هي في أن تنطلقوا جميعاً لتتعاونوا، بالرغم من خلافاتكم والمشاكل التي تحكم أوضاعكم.
إنَّ انتصاركم الكبير هو أن تنطلقوا جميعاً في مقاومة شاملة لتُخرجوا المحتلّ من أرضكم، ولتواجهوا "إسرائيل" من موقع واحد، ولتقولوا لكلّ الدول الكبرى والدول الصغرى: صحيح أنَّنا شعب ضعيف، وأنَّنا دولة صغيرة، ولكنَّنا "واللّه لا نعطيكم بأيدينا إعطاء الذليل ولا نقرّ لكم إقرار العبيد(1)، إنَّنا ننطلق على أساس أنَّنا نحبّ اللّه، وأنَّنا بذلك الأحرار أمام العالـم كلّه، فمن أراد أن يتعاون معنا من موقع استعبادنا وإذلالنا فإنَّا سنقف ضدّه لنقاتله ولو بالحجارة، لأنَّ اللّه لـم يُرِد لنا أن نذلّ أنفسنا، بل أرادنا أن نكون الأعزاء والأحرار في كلّ قضايانا.
"إسرائيل" تريد سلاماً يشرّع أمامها الأبواب العربية(1)
إنَّ من دخل بيوت المسلمين وأخرجهم من ديارهم كما يفعل اليهود في فلسطين وغيرها فإنَّ الإسلام يعتبر هؤلاء النّاس أعداءً وقد جعل اللّه مبرراً لقتالهم {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [الحج:39]،{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] حيث برّر الإسلام محاربة مَن أخرجك من دارك، أو أخرج أخاك من داره، وهذا مفهوم شرعي، فلو تغيّرت الدنيا وتبدّلت؛ يبقى هذا الحكم الشرعي قائماً. وقد قلنا لبعض الصحفيين الغربيين: لو دخل اليهود المقيمون في فلسطين والذين جاؤوا واحتلوا بيوت الفلسطينيين في الإسلام لقلنا لهم: اخرجوا من هذه الأرض، لأنَّ هذه الأرض ليست لكم ولا يجوز التصرّف في أرض إنسان مسلم إلاّ بإذنه.
السياسة تدخل في كلّ مفاصل الحياة:
ولذلك يخطئ من يقول: لا دخل لنا في السياسة، لأنَّ السياسة قد تتّجه لتدمير حياة النّاس، فقد تخرجك من بيتك، أو تبقيك فيه. السياسة توجد جماعة مستكبرة وأخرى مستضعفة، السياسة قد تأتي بحكم عادل أو حكم ظالـم، وتأتي بقانون عادل أو ظالـم، السياسة تتدخل باقتصادك وأمنك وبكلّ حياتك.
اليهود يعتبرون أنفسهم أولياء اللّه:
إنَّ ظلم اليهود هو كلّ القضية، فاليهود يعتبرون أنفسهم أولياء اللّه من دون النّاس {إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجمعة:6]، {نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: 18]، يعتبرون أنَّهم عنصر فوق النّاس.
لقد حذرنا اللّه من اليهود لأنَّهم ظلموا، ولذلك كان علينا أن نواجه اليهود، لا بصفتهم أهل كتاب، لأنَّ اللّه يدعوني أن أكون واليهودي الذي في أرضي ولا يعتدي عليّ ولا يظلمني إلى الكلمة السواء ، كما هو حال النصراني الذي لا يخرجني من أرضي ولا يعتدي عليّ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64]، أمّا إذا كان اليهودي ظالماً لي ـ كما هو حال اليهود اليوم ـ فهذا يصبح مسألة ظلم وعدل، كما لو أتى إنسان وأخرجك من بيتك غصباً عنك، وكان هو من عشيرة ثانية أو من نفس البلد، ودعوك إلى المصالحة، فكيف يمكن لك أن تصالح هذا المعتدي وهو يغتصب حقّك؟
المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية: إلحاق الظلم بالفلسطينيين:
في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، تطرح "إسرائيل" الحكم الذاتي على الفلسطينيين، فتقول: نحن نشرف على هذه المستوطنات، ولتكن لكم أيُّها الفلسطينيون الأراضي التي هي بين المستوطنات، ولكن يجب أن تكون إدارتها مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ ليس للفلسطينيين إلاّ الحكم البلدي في الأمكنة التي يتولّون حكمها.
وتعمل "إسرائيل" بعد أن احتلت الأرض على إسقاط القضية ونزع الهوية الفلسطينية، حيث إنَّ "إسرائيل" ليست مستعدة لأن تفاوض منظمة التحرير(1)، باعتبار أنَّ لديها ملاحظات سياسية عليها، بل لأنَّ عنوان منظمة التحرير هو الشعب الفلسطيني في الخارج والداخل، وهي لا تريد أن تعترف بأنَّ هناك شعباً فلسطينياً يحقّ له العودة إلى فلسطين من الخارج، ولا تريد أن تعترف بمنظمة تعمل من أجل دولة فلسطينية، لأنَّها تريد إلغاء الشخصية الفلسطينية بالكامل.
سعي "إسرائيل" إلى سلام يشرّع الأبواب العربية:
كما أنَّ "إسرائيل" تحاول أن تفرض على العرب ما تريد من خلال المفاوضات، لذا هي تطالب بإقامة علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية قبل الانسحاب، وتهدف من خلال ذلك الدخول إلى كلّ مفاصل الجسم العربي.
من هنا كانت المشكلة بين المفاوض الإسرائيلي والمفاوض السوري، حيث تريد "إسرائيل" سلاماً يفتح لها كلّ الأبواب العربية، و "إسرائيل" هذه تُخفي الكثير من الخطط التي تحاول أن تُخرجها بالتقسيط حسب طبيعة المتغيرات والظروف الدولية، ولذلك بعد أن تحصل على ما تريد تفكّر ما إذا كانت ستنسحب أو لا تنسحب من الأرض، أو أنَّها تنسحب من أجزاء منها.
عند البعض: لماذا المقاومة؟
يتحدّث بعض النّاس بالقول: لماذا المقاومة ما دام هناك مفاوضات؟ نريد أن نوفِّر دماء الشهداء، ونوفِّر على المجاهدين؛ لأنَّهم يجاهدون من أجل تحرير الأرض، فنقول لهم: اجلسوا في بيوتكم، ونحن نحررها من خلال المفاوضات ولكن حتى لو سلّمنا بهذا القول، من يضمن الانسحاب الإسرائيلي؟ وهذا ما يظهر من خلال عدم التجاوب مع لبنان الذي يُبدي أنَّه على استعداد لأن يتفاهم مع المقاومة على أساس أن تجمّد عملياتها، وعلى أن تقدّم "إسرائيل" برنامجاً زمنياً للانسحاب، ولكنَّ "إسرائيل" ليست مستعدّة أن تقدّم مثل هذا البرنامج، لأنَّها تراقب حركة المتغيرات الدولية التي يمكن أن تفتح لها آفاقاً سياسية كانت مغلقة، أو أن تغلق مبادرة كانت مفتوحة لصالح العرب، لاعتقاد "إسرائيل" أنَّ كلّ عناصر القوّة بيدها، بينما لا يملك العرب شيئاً من ذلك.
قيمة المقاومة والانتفاضة باستعادة العنفوان العربي والإسلامي:
قيمة المقاومة في لبنان والانتفاضة في فلسطين أنَّهما تجعلان الإنسان العربي المسلم يحترم نفسه، بحيث يشعر أنَّه لـم يسقط أمام عنفوان الاستكبار الإسرائيلي، فلم يعطِ بيده إعطاء الذليل، وأنَّه يستطيع أن ينزل خسائر بهؤلاء الذين يعملون مع أمريكا على أن يكونوا أقوى قوّة في المنطقة. يقول المجاهدون: إنَّنا استطعنا أن نرعب بشكل أو بآخر أقوى قوّة في المنطقة، نجعلهم يخافون وينزلون إلى الملاجئ، وقد لا يكون لهذا مردود مادي على مستوى تسريع الانسحاب، ولكن له مردود معنوي على أساس إبقاء روح الأمّة متّقدة نحو المستقبل.
لنفكّر كأمّة:
يجب علينا أن نفكّر كأمّة لا كأفراد، لأنَّ الفرد لا يستطيع أن يحقق لنفسه الحماية والاكتفاء إلاّ من خلال ما تحقّقه الأمّة: من أمن واكتفاء ذاتي على مستوى الاقتصاد.
لقد فكر اليهود كأمّة، وعلينا نحن أن نفكّر كأمّة إسلامية، وإذا أراد المسيحيون أن يشاركونا في مواجهة "إسرائيل"، فنقول: علينا أن نفكّر كأمّة إسلامية ـ مسيحية، كأمّة رسالية تنطلق من نقطتين أساسيتين: {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} [آل عمران:64]، وكما قلنا في ندائنا للفاتيكان: "تعالوا إلى كلمة سواء، أن نعمل في مواجهة المستكبرينَ في الأرض الذين يحاربون الإيمان باللّه وعيسى ومحمَّد (عليهما الصلاة والسلام) فلننطلق معاً في مواجهة الاستكبار والكفر والشرك.
الشعوب لا تعترف بالصلح بين العرب و "إسرائيل":
لذلك نريد أن نقول لكلّ إخواننا ولكلّ أهلنا ولكلّ المؤمنين والمؤمنات في كلّ العالـم الإسلامي، أنَّه يجب علينا أن نعيش كأمّة حتى ولو حدث صلح بين الحكومات العربية و"إسرائيل"، ولا نقول بين العرب و "إسرائيل"، لأنَّ الشعوب لا تعترف بهذا الصلح، انطلاقاً من التزامها بدينها.
علينا أن نختزن من الآن كلّ رصاصة إسرائيلية تقتل لنا طفلاً، ولكلّ عدوان إسرائيلي يقتل لنا امرأة أو شيخاً، ونعتبر أنَّ هذه الاعتداءات من شأنها أن تمنع في المستقبل من التطبيع مع "إسرائيل"، فعندما نتذكّر كيف قتلوا أطفالنا وشردوا أهلنا ودمّروا بيوتنا، وعاثوا فساداً في أوضاعنا السياسية والاقتصادية فلن نقبل بأن يعيش اليهود بيننا وكأنَّ شيئاً لـم يكن.
أقول لكم من موقع إسلامي شرعي: عليكم أن تنقطعوا عن الثارات على مستوى العشائر وتفكّروا بالثأر على مستوى الأمم، لأنَّ الأمم التي لا تثأر لكرامتها فسوف تسحق كرامتها تحت كلّ أحذية الفاتحين.
في مواجهة الإسلاميين: انسجام بين الأنظمة واليهود(1)
إنَّ هناك توافقاً بين خطابي العدوّ والعرب في مواجهاتهم للإسلاميين، وطريقة شنّ الحرب عليهم، ومن قبيل ذلك، ما نشرته بعض صحف العدوّ وتحدّث عنه بعض السياسيين، مثلاً: نريد أن نغلق جمعياتهم الخيرية، وجامعاتهم ومدارسهم التربوية، ونواديهم الثقافية، وأعمالهم الاجتماعية، لنسف جسور التواصل بينهم وبين النّاس.
لقد أصبح المنطق الإسرائيلي منسجماً مع المنطق العربي في مسألة مواجهة الإسلاميين، فهم إرهابيون، لأنَّهم يطالبون بالعدل، وإرهابيون، لأنَّهم يطالبون بالحريّة، والحريّة والعدل غير مقبولين، إذا لـم يكونا على الطريقة الأمريكية.
ومن هنا، فإنَّ علينا كشعوب عربية وإسلامية، وشعوب مستضعفة، أن ندرك الأخطار التي تحيط بنا في الحاضر والمستقبل، وأن ندرك ما يخططه هؤلاء ليحوّلونا إلى هنود حمر، لكي نكون مجرّد أسواق استهلاكية لمنتجاتهم، لأنَّه من غير المسموح أن يعمل للوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي.
"إسرائيل" الخطر الأكبر على المنطقة:
إنَّ "إسرائيل" تمثّل الخطر الأكبر في المنطقة، ومشكلتنا هي أنَّ هناك الكثيرين في المنطقة ممّن هم في مواقع المسؤولية يتحرّكون لإقامة علاقات في الكواليس مع "إسرائيل"، لخلق أوضاع جديدة وواقع جديد، ولا يقتصر الخطر الإسرائيلي على هذه الأعمال، ولكنَّه يمتّد إلى ساحة المفاوضات، حيث تحاول أن تُبقِي سيطرتها على أكبر قدر ممكن من الأرض، وإخراج أكبر عدد من الفلسطينيين، لتبلغ الدرجة القصوى في عملية تحقيق المكاسب.
أمريكا تطالب العرب بإلغاء المقاطعة الاقتصادية لـ "إسرائيل":
أمّا أمريكا، فليست مستعدة لأن تمارس أيّ نوع من الضغط على "إسرائيل" لحساب العرب، ولكنَّها مستعدة أن تضغط على العرب لحساب "إسرائيل"، حيث تطالب أمريكا وبعض القوى الأخرى كأوروبا واليابان العرب بأن يلغوا المقاطعة الاقتصادية لـ "إسرائيل"، مقاطعة الشركات التي تقوم بعلاقات مع "إسرائيل"، ولكنَّهم لا يطالبون "إسرائيل" أن تُلغي المستوطنات أو أيّ شيء آخر، لأنَّ العرب هم الضعفاء وأولئك هم الأقوياء.
من هنا، علينا كمسلمين أن نفكّر كأمّة في كلّ امتدادات التفكير، وأن نعمل ما بوسعنا لنتجاوز الكثير من خلافاتنا، وكثير من اهتزازاتنا، لأنَّ السياسة الاستكبارية في العالـم لا تريد أن تقوم للمسلمين قائمة.
نريد للفاتيكان أن تنطلق في سياستها من قِيَم السيِّد المسيح (ع)(1):
إنَّنا نريد من الفاتيكان(2) أن يكون موقفه من "إسرائيل" لا موقف السياسي الذي يراعي التوازنات السياسية والذي يحاول أن يدرس المتغيّرات الدولية، لكنَّنا نقول للفاتيكان لو كان السيِّد المسيح (ع) موجوداً الآن فهل يعترف بـ "إسرائيل" إذا اعترف بها الفلسطينيون؟ إنَّه سوف يرجم الفلسطينيين إذا تخلّوا عن حقّهم وإذا أذلوا أنفسهم.
إنَّنا نتصور أنَّ الفاتيكان يحمل رسالة السيِّد المسيح من ناحيـة رسمية - على الأقلّ - ولذلك إنَّنا ندعوه إلى عمل رسالي لا يراعي الأمر الواقع، بل يراعي حقائق الأمور من حيث القيمة الروحية، ومن حيث القيمة الإنسانية.
في مواجهة اغتصاب فلسطين نخوض معركة الحرية(1)
عندما نعيش في ساحة الظالمين والطاغين والمستكبرين فإنَّ المسألة تحتاج إلى صبر، صبر في التخطيط للطريقة الفضلى التي نستطيع من خلالها إسقاط خططهم وظلمهم وطغيانهم وكبريائهم، نصبر على انفعالاتنا فلا نتحرّك إلاَّ بعد أن تتحقق عناصر الخطّة المرسومة التي توصلنا إلى الهدف، لا نستعجل الهدف إذا كان الهدف يحتاج إلى وقت، ويحتاج إلى ظروف معينة، لأنَّ كثيراً من الأهداف الكبرى في الحياة قد تحتاج إلى شروط ليست متوفرة في مرحلة من مراحل الحياة. ولذلك فإنَّنا نحتاج إلى الصبر على كلّ الانفعالات لتوفير الشروط المطلوبة لتحقيق الهدف، والعمل على تقوية نقاط القوّة عندك، فإذا كنت ضعيفاً اليوم فإنَّ عليك أن تعمل لتكون قويّاً غداً، وإذا هزمت في موقع أو في مرحلة، فإنَّ عليك ألا تسقط أمام الهزيمة، لتعتبرها نهاية العالـم، إنَّما عليك أن تعمل بشكل مدروس لتستفيد من تجارب الهزيمة وتعرف أسبابها لتتلافى الأخطاء في الخطط الجديدة من أجل أن تحقّق أسباب النصر وظروفه.
لقد وجدت الحياة دائماً في حالة صراع دائم بين الحقّ والباطل، بين الكفر والإيمان، بين العدل والظلم، بين المستكبرين والمستضعفين، بحيث يحقق بالصبر ما يصبو إليه من الحقّ والعدل، ويحافظ الإنسان على كرامته في أرضه وأمته.
خوض معركة الحرية:
وكما يخوض الإنسان معاركه من أجل رزقه ممّا أراد اللّه له أن يخوض معركة الحريّة، "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حراً(2)، ومعركة العزّة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقين:8]، معركة العدالة: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90]، هناك العديد من المعارك التي يجب أن نخوضها ضدّ من يستعبدنا، ومن يذلنا ويظلمنا، لأنَّ اللّه يرفض ذلك، فأرادنا أن نكون الأحرار والأعزاء والأقوياء أمام العالـم، وأن نكون العبيد والأذلاء والضعفاء أمام اللّه وحده. لذلك فإنَّ الشرك باللّه ليس في عبادة الصنم؛ ولكنَّ الشرك باللّه في الخضوع لغير اللّه على حساب طاعتنا له.
في مواجهة المسؤولية كأمّة:
على هذا الأساس لا بُدَّ لنا من أن نواجه مسؤوليتنا كأمّة، فهل نحن مجرّد أفراد لا يربطها ببعضها رابط، أم نحن جماعة واحدة كلّ واحد منّا جزء لا يتجزأ منها، أنت جزء من بلد وجزء من وطن ومن أمّة، وأنت جزء من الإنسانية، ولا يتصوّر أحدٌ في الدنيا أنَّه يستطيع أن يعيش وحده، لأنَّ الإنسان اجتماعي بالطبع، ولا يتصوّر أحدٌ أنَّه يستطيع أن يكون حراً بمفرده أو عزيزاً بمفرده، لأنَّ قضية الحريّة لا سيما في التعقيدات السياسية والأمنية والاقتصادية لا تجعل من الممكن للإنسان أن يعيش مرتبة السياسة بمفرده في بلده وحراً أمام القوى الغاشمة، وعزيزاً في قراراته وفي حركته، حيث لا بُدَّ أن تكون الأمّة معه تؤازره، وبتعبير آخر، نحن لا نستطيع أن نملك حريتّنا وعزّتنا وكرامتنا بأنفسنا بل لا بُدَّ من أن نملكها مع الآخرين. إذاً نحن جزءٌ من أمّة، جزءٌ من شعب لبناني في لبنان، وشعب عراقي في العراق، أو في سوريا أو في مصر، ونحن أمّة عربية إن شئت أن تتحدّث عن قوميتك، وأمّة إسلامية إن شئت أن تتحدّث عن دينك. نحن أمّة والعالـم الآخر لا يتعامل معنا كما تتعامل الأمّة مع الأمّة، الغرب يتعامل مع المسلمين في العالـم على أساس أن يسيطر عليهم ليملي عليهم قراراته، حيث لا قرارات للمسلمين، ليتملّك ثرواتهم من خلال سيطرته على اقتصادهم.
ولذلك نجد أنَّ العالـم المستكبر يتحدّث باستمرار عن خطر الإسلام، لا خطر الإسلام في الكتب، ولكن خطر الإسلام في وعي الأمّة المسلمة، وقد قام لأجل درء هذا الخطر بمحاصرة كلّ المواقع الاقتصادية للمسلمين، سواء كانت طرقاً بحريّة أو برية أو جوية، تؤدّي إلى ثروات المسلمين، كما نجد أنَّ هناك عملاً لاحتواء حرية القرار عند المسلمين، بحيث تفرض الضغوط على هذا البلد أو ذاك البلد أو على هذا القائد أو ذاك القائد الإسلامي وما إلى ذلك.
وهكذا ينبغي لنا أن ندرك بأنَّنا لا نستطيع أن نحصل على اقتصاد متطوّر إذا لـم تكن أمتنا في الموقع الاقتصادي المتقدّم، ولن نستطيع أن نحصل على موقع سياسي متقدّم إذا لـم تكن أمتنا في هذا الموقع، فالعلاقات الشخصية لا يمكن أن تعطي الإنسان قوة. من كانت أمته ضعيفة فمن الطبيعي أن يكون هو ضعيفاً، حتى لو كان قوياً في الشكل.
الاتفاق الإسرائيلي ـ الفلسطيني:
أ ـ الاعتراف بشرعية الوجود الإسرائيلي في فلسطين:
الاتفاق الإسرائيلي - الفلسطيني(1) الذي تعهدت فيه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بالاعتراف بشرعية الوجود الإسرائيلي على فلسطين ما قبل 1967 يعني ذلك أنَّ الفلسطينيين اعترفوا بأنَّ احتلال اليهود لـ "يافا"، و "حيفا"، والقسم الغربي من القدس على الأقلّ، والجليل وما إلى ذلك، هي أرض يهودية ولليهود الحقّ في السيطرة عليها.
ومعنى ذلك أنَّ لا حقّ لأيّ فلسطيني وأيّ عربي وأيّ مسلم أو مسيحي بأن يقوم بأيّ عمل ضدّ الوجود الصهيوني في هذه المنطقة من فلسطين، فيعتبر إذا قام بأيّ عملية، أنَّه يعتدي على الشرعية الإسرائيلية، فهو بهذا المعنى معتدٍ وإرهابي بحسب المنطق الفلسطيني الجديد!!
ب ـ تجميد أعمال العنف:
ثـمَّ هناك التزام في هذا الاتفاق بتجميد كلّ أعمال العنف ـ كما يسميه القرار ـ في الضفة الغربية وغزة، وليس من حقّ الفلسطينيين أن يرموا جندياً إسرائيلياً بالحجارة، وأن يتعرضوا لأيّ مستوطن، وبمعنى أدّق: أن تتوقف الانتفاضة، وأن ينتظر الفلسطينيون خمس سنوات حتى يتحقّقوا من إمكانية بقاء الضفة الغربية وغزة أرضاً فلسطينية يملك الفلسطينيون إدارتها وأمنها وسياستها واقتصادها بشكل مستقلّ، أمّا باقي الموضوعات، كموضوع القدس والضفة الغربية، فليس هناك إلاّ حكمٌ ذاتي في غزة وأريحا كمنطقتين منفصلتين عن بعضهما البعض، إذ لا طريق بينهما، حتى الطريق الذي يسلكه الفلسطيني لا يملك حريّة التنقّل عليه إلاّ بإذن "إسرائيل"،حيث تبقى شؤون الأمن الداخلي والخارجي والسياسة الخارجية بيد "إسرائيل"، بينما يتولى الفلسطينيون شؤون الصحة والتربية والبلديات وما إلى ذلك، ومعنى ذلك أنَّ "إسرائيل" أرادت من خلال هذا الاتفاق أن تُقِيم حزاماً أمنياً فلسطينياً يحمي مستوطناتها، من أيّ عملية عنف فلسطينية، تماماً كما أقامت الحزام الأمني في لبنان لحماية مستوطناتها، كلّ الاتفاق يتلخّص في حزام أمني إسرائيلي يقف فيه الفلسطينيون السائرون في نهج منظمة التحرير من أجل حماية الإسرائيليين من المجاهدين الفلسطينيين، وحماية المستوطنات الإسرائيلية المزروعة في الضفة الغربية وغزة من المسلمين "المتطرفين" بالتعاون مع الأمن الإسرائيلي، وبذلك يتحوّل الفلسطينيون إلى شرطي يضرب الرافضين لـ "إسرائيل" في غزة وأريحا، كما قال بعض الإسرائيليين: أنَّه يمكن للفلسطينيين أن يضبطوا الأمن الإسرائيلي في غزة وأريحا أكثر مما يستطيع الإسرائيليون ضبطه.
دواعي موافقة "إسرائيل" على الاتفاق:
إنَّ الإسرائيليين وافقوا على هذا الاتفاق، لأنَّ الانتفاضة أتعبتهم وأثقلتهم، وشوّهت ما يزعم اليهود إظهاره من صورة حضارية في العالـم، باعتبار أنَّهم يقتلون الأطفال والنساء ويهدمون البيوت في كلّ يوم بما لا يتناسب مع الذهنية الحضارية لحقوق الإنسان في العالـم. ولذلك عندما رأت "إسرائيل" أنَّ قيادة منظمة التحرير مستعدة أن تعترف بشرعيتها وأن تحفظ لها أمنها وأن تخلّصها من ورطة الانتفاضة، هذا في الوقت الذي يبقى فيه الجيش الإسرائيلي محيطاً بغزة وبأريحا ومتمسكاً بالطريق بينهما، يبقى متواجداً على الجسور... حتى الجسر الفاصل بين الضفة الغربية وبين الأردن، ماذا تريد "إسرائيل" أفضل من ذلك؟ وأن يُعطى الفلسطينيون حكماً ذاتياً محدوداً حسب التعبير الإسرائيلي من دون أيّة سيادة ومن دون أيّة حريّة في العمل السياسي وفي الأمن العام.
اعتراف فلسطيني بشرعية الاغتصاب اليهودي:
وقد حاول رابين بأقواله أن ينفي حاجة اعتراف الفلسطيني بالاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين، زاعماً أنَّه ليس مستعداً لذلك، لأنَّ الإسرائيليين موجودون بقوّة، والواقع أنَّهم كانوا بأمسّ الحاجة إلى الاعتراف الفلسطيني، لأنَّه مع الاغتصاب لا يشعر بأنَّه ملك ما اغتصبه إلاَّ إذا صادق صاحب الأرض المغتصبة على ورقة الطابو، وقد أعطت قيادة منظمة التحرير هذه الورقة لليهود، وهذا الأمر يمنع على الفلسطينيين مستقبلاً المطالبة بحيفا ويافا وصفد وما إلى ذلك، تماماً كما لا يستطيع الإنسان الذي يُعطِي أرضه لشخص هبة أو بيعاً ويوقّع له، أن يطالب بذلك.
لقد حصلت "إسرائيل" على كلّ شيء، ولـم يحصل الفلسطينيون على أرضهم، لأنَّ أرض الضفة الغربية وغزة لا تزال من وجهة النظر الإسرائيلية القانونية أرضاً متنازعاً عليها، لا أرضاً محتلّة، وقد أيّدت أمريكا الأخيرة من خلال تعبيراتها السياسية لهذا الطرح بقوّة، فأصبحت بذلك أرضاً يتنازع عليها ضاربة بذلك عرض الحائط قرارات مجلس الأمن التي تقول بأنَّها الأرض المحتلّة في ظلّ عدم اعتراف إسرائيلي بذلك.
لذلك نقول بعيداً عن لغة "العنتريات" والانفعال، ودون تشنج، إنَّ جعل هذا الاتفاق كالمثل الذي أسوقه لكم: لو جاءك إنسان واغتصب بيتك المؤلف من سبع أو ثمان غرف، ثـمَّ قال لك تعال نتفاهم، اعترف لي بملكيتي لست غرف مع كلّ مرافق البيت وأسمح لك بأن تأخذ حريتك في غرفة منها، وبعد ذلك نتفاهم أنَّ الغرفة لي، وأن تبقى فيها تمارس شؤونك أو لا نتفاهم، وهذا ما يمثّل نفس الأمر(1)، فلسطين أرض فلسطينية، احتلّها اليهود بكاملها، وقالوا للفلسطينيين مارسوا حريّتكم في إدارة أموركم الذاتية في غزة وأريحا من دون أن نعترف لكم بملكيتكم على الأرض، لكن ابقوا فيها، مارسوا حريّتكم في دائرة الأمن الإسرائيلي والسيطرة الإسرائيلية والسياسة الإسرائيلية وما إلى ذلك، هل يكون هذا اتفاقاً مشرّفاً لك؟ أتقبل بذلك؟
الإسلاميون واعون لمخاطر نشوب حرب أهلية:
إنَّ هناك خوفاً حقيقياً من خلال ما تثيره أجهزة المخابرات من دولية وإسرائيلية، وربَّما عربية، من وجود تعقيدات ربَّما تفضي إلى قتال فلسطيني - فلسطيني، بالرغم من معرفتنا بأنَّ الإسلاميين الذين يطلق عليهم اسم "المتطرفين الأصوليين" يدخلوا في حرب أهلية هناك، لأنَّهم يدركون أنَّ الرابح الوحيد من هذه الحرب الأهلية هم اليهود، كما أنَّ هذا المنطق يمثّل خطاً استراتيجياً للإسلاميين الفلسطينيين، وهم يريدون أن يقاتلوا الإسرائيليين، ولكن نخشى من أن تحشرهم السلطة الفلسطينية الجديدة في الزاوية، ولا تمكنّهم من الاستمرار في الانتفاضة وتحجز حرياتهم، فتقودهم إلى هذه الكأس المرّة حتى لو لـم يريدوا ذلك، كما حصل في لبنان، حيث كان اللبنانيون لا يرغبون في التقاتل ولكنَّ المخططات المخابراتية الداخلية والخارجية دفعت بالكثير من اللبنانيين إلى الدخول في أتون الفتنة الداخلية.
الاستكبار يهلّل للاتفاق: إجهاز على الواقع في المنطقة:
لقد هلّل العالـم المستكبر وبعض الدول العربية لهذا الاتفاق، لكن هل لأنَّهم يحبّون السلام؟ لو كانوا يحبّون السلام لما أعطوا "إسرائيل" كلّ هذه القوّة لتدمّر سلام المنطقة بالكامل، وقد هيّئوا لها كلّ الظروف السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية لتكون دولة قوية في المنطقة، سواءً كان بالاعتراف الروسي الذي كان أوّل من اعترف بهذه الدولة المعتدية، ثمَّ بعد ذلك أمريكا التي ما زالت تقدّم لها كافة أنواع الدعم، بالإضافة إلى أوروبا التي احتضنتها قبل ذلك وسهلت لها كلّ الأمور عبر ضغطها على الواقع العربي وتهيئتها لكلّ أجواء الاحتلال.
إنَّ أمريكا وأوروبا تشعر الآن بأنَّها نجحت في مشروعها، لأنَّها بلغت نهاية المطاف في اعتراف الفلسطينيين ـ أصحاب الأرض ـ بهذه الدولة التي صنعوها في منطقتنا لتدمّر كلّ الواقع السياسي والاقتصادي في المنطقة، أمّا بعض الدول العربية التي هلّلت لذلك فلأنَّها سبقت الفلسطينيين في هذا الاعتراف، ولذلك فإنَّها تشعر بأنَّ العرب سوف يتحدّثون عن بطولتها في الصلح، باعتبار أنَّها أوّل من شقّ الطريق وأوّل من أغلق باب الحرب بين العرب و "إسرائيل".
نرفض الاستسلام لهذا الواقع:
إنَّ موقفنا نحن كشعوب عربية وإسلامية، يتجلّى بالرفض لهذا الواقع، لا من جهة أنَّنا نحبّ الرفض كما يقول بعض النّاس وينعتنا بالسلبية، ولكن نرفض ذلك من خلال نظرتنا إلى المستقبل.
إذاً لقد نجح اليهود في طردنا من قسم من أرضنا، وأنشأوا عليها دولة بفعل ما قدّمته القوى الكبرى، ولعلّ هذه المسألة يمكن أن تتكرّر، بحيث يأتي شعب آخر، ويحتلّ أرضنا ليفرض علينا واقعاً يثير فيه الحروب، وبعد ذلك يتدخل الاستكبار ويدعونا إلى "السلام"، ويقول: أعطوا هذه الأرض للمحتل الجديد لتعيشوا أنتم على البعض الآخر منها، ما الضمانة في ذلك؟ إذا كان هذا المنطق الذي يسود في أوساط الأمّة في كلّ مرحلة من مراحلها، وتستسلم للآخر والواقع، فذلك يعني أن نستسلم لكلّ من يملك أن يفرض علينا أمراً واقعاً اقتصادياً وسياسياً أو أمنياً، فهل تقبلون هذا المنطق؟
استعجال بعض العرب إقامة علاقات مع "إسرائيل":
إنَّنا نجد أنَّ بعض العرب يستعجلون إقامة العلاقات مع "إسرائيل"، لأنَّهم ضاقوا بالعرب الآخرين، ويريدون أن يجرّبوا حظّهم بالعلاقة الجديدة معها. وربَّما يتحالف بعض العرب من الضعاف الذين لا همّ لهم إلاّ المحافظة على مواقعهم الرسمية مع "إسرائيل" ضدّ بعض العرب الآخرين، وهذا ما تعمل له أمريكا وأوروبا الآن من أجل أن تتوسّط لدى دول الخليج كي تدعم هذا الاتفاق بالمال، ولو أنصفت وكالات الأنباء لقالت: إنَّهم يأمرونهم أن يعطوا مالاً، لأنَّ العلاقات بين الدول الكبرى وبين هذه الدول ليست علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، ولكنَّها علاقة العبد بالسيِّد، ولذلك فهم يعطون عندما يُقال لهم: أعطوا، ويمنعون عندما يُقال لهم: امنعوا.
الواقع العربي والتزام الأوامر الإسرائيلية:
لماذا هذا التحفظ في تقديـم ما قرّره مؤتمر وزراء الخارجية العرب من مساعدات للبنان؟ لماذا يُحتَاج إلى جولة لبنانية على الدول العربية لجمع المال؟ لأنَّ هناك تحفظات أمريكية على هذا الموضوع، والجماعة ينتظرون الأوامر ولا ينتظرون المباحثات، ونحن نخشى أن يتحوّل الواقع العربي في المستقبل إلى جماعة ينتظرون الأوامر من "إسرائيل" أولاً ثـمَّ من أمريكا ثانياً، واللّه يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8].
نحن ضدّ الذلّ والهوان:
نحن نحبّ السلام؛ ولكن ليس السلام الذي يُقال لي فيه اخرج من بيتك أعطه لمن يغتصبه، هل يقبل أحد أن يكون سلامه مع الآخرين في قريته بهذه الطريقة؟! إمّا أن تخرج من بيتك وإمّا أن أحاربك، تريد السلام؛ اخرج من بيتك واعطني بيتك وسجّله بالطابو، أجعلك في راحة؟ ليس من أحد يحبّ أن يعيش في حالة من الفتن والحرب والتدمير ولكنَّهم يفرضون علينا من خلال هذا السلام ذلاً وهواناً واستسلاماً للأمر الواقع، وهذا أمر له ما بعده في ذهنية الأمّة، وفي حركة الأمّة بكلّ مجالاتها، في كلّ قضاياها الخاصة والعامة.
كلينتون: "إسرائيل" جازفت من أجل السلام:
لقد لفت نظري آنذاك، الاتصال التلفوني الذي جرى بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كلينتون ورئيس وزراء العدوّ رابين، حيث قال له كلينتون تعليقاً على الاتفاق: "إنَّ "إسرائيل" جازفت من أجل السلام، أي عندما سمحت للفلسطينيين بالحكم الذاتي في بلادهم، ثـمَّ يقول له: "إنّي ما أزال أعمل لكي أخفّف من هذه المجازفات إنّي لا أريد أن أجعلكم تجازفون أكثر فتقدّمون تنازلات أكثر، لو أنَّ "إسرائيل" أرادت أن تتنازل للفلسطينيين أكثر فإنَّ الولايات المتحدة تقول لـ "إسرائيل" من خلال رئيسها ليس لكم أن تتنازلوا لأنَّ هذا يخالف سيادتكم وقوّتكم، هذا الراعي يريد أن يحمي "إسرائيل" من نفسها، ألاّ تقدّم للعرب والفلسطينيين تنازلات أكثر، فإذا تصلّب الفلسطينيون فإنَّ أمريكا تقول لـ "إسرائيل" لا تتنازلي لأنّني أنا سأضغط عليهم، والفلسطينيون يحبّون أن تعترف بهم أمريكا ولو على حساب فلسطين والقدس.
موقف الأمريكي تجاه المنطقة والعرب:
وبهذا نعرف ما تبيّته أمريكا لنا عندما يتعلّق الأمر بالعرب و "إسرائيل"، وهذا يكشف لنا مدى ما تمارسه أمريكا من ضغوطات على البلاد العربية كلّها، ولا سيما البلاد العربية التي تملك موقعاً متقدّماً وقوياً من أجل تقديـم التنازلات للإسرائيليين. إنَّ أمريكا كانت تعترف بأنَّ الضفة الغربية وغزة أرضاً محتلّة ومن ضمنها القدس الشرقية، فكيف يكون التنازل عن بعض من سلطات "إسرائيل" في بعض هذه البلدان مجازفة في النظرة الأمريكية، لهذا نحن لا ننطلق عندما نتحدّث عن أمريكا من عقدة ذاتية ضدّها كما يقول بعض النّاس، ولكنَّنا ننطلق في مواجهة كلّ هذا التعسّف الأمريكي في جعل "إسرائيل" تأخذ كلّ حريتها في اضطهاد كلّ الواقع العربي وإسقاطه.
الاتفاق وتأثيراته السلبية على الواقع العربي:
إنَّ هذا الاتفاق قد أضعف الموقف العربي كلّه، وسوف يترك تأثيراته السلبية على المفاوضين العرب الآخرين لا سيما سوريا ولبنان، لأنَّ غاية ما تريد "إسرائيل" تحقيقه، ومعها أمريكا، هو النيّل من القضية الفلسطينية، ولذلك نرى أنَّ الفلسطينيين باتفاقهم المنفرد مع "إسرائيل" أفقدوا حتى الذين يسيرون مع المفاوضات قوّة كانوا يملكونها، لأنَّهم شطروا الموقف العربي، وأفقدوه الوحدة التي لو وجدت لأمكنها أن تخاف ولو قليلاً من الضغط الأمريكي الإسرائيلي، ولكنَّ الذي حصل كان خلاف ما نريد، حيث يواجه العرب الآخرون الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية.
دعوة الشعب الفلسطيني للاستمرار في الانتفاضة:
ولذلك نقول لشعبنا الفلسطيني في فلسطين: إنَّ عليه أن يستمرّ في انتفاضته، وإنَّ على المجاهدين في لبنان أن يستمروا في مقاومتهم، وإنَّ على كلّ الذين يتحرّكون في الساحة السياسية الوطنية أو القومية، أن يتحرّكوا من جديد من أجل مواجهة هذا الواقع؛ لا من خلال الشعارات والمظاهرات والأساليب الانفعالية العاطفية، بل من خلال رسم خطّة جديدة لبداية عهد جديد للمواجهة يتحرّك من أجل أن يفرّغ هذا الاتفاق وأيّ صلح قادم من مضمونه. المشكلة عند الكثيرين من الرافضين في الدائرة الفلسطينية أو في غيرها، أنَّهم لـم يقدّموا طيلة سنوات المواجهة أيّ مشروع يتحوّل فيه الرفض إلى خطّة سياسية.
لذلك نحن نعتقد أنَّ خطورة "إسرائيل" على الواقع العربي والواقع الإسلامي الآن وفي المستقبل، تفرض توافقاً بين مختلف الجهات التي لا تزال تؤمن بالقضية الفلسطينية، وذلك من خلال خطّة جديدة، لأنَّ المستقبل لا يمكن أن يُبنَى بالشعارات وبالمواقف العاطفية الانفعالية.
التوطين خيانة للقضية الفلسطينية:
لقد أعِيد إنتاج خطاب التوطين من خلال الاتفاق، وقد أثارها بعض النّاس في لبنان من زاوية أنَّ توطين الفلسطينيين في لبنان مرفوض، باعتبار أنَّه يُسيء إلى التوازن الطائفي، ولذلك طُرحت مسألة التوطين في البازار السياسي، وربَّما الديني على هذا الأساس، ونحن نريد أن نقول: إنَّ مسألة التوطين مرفوضة منّا ومن كلّ الأحرار، ومن كلّ الفلسطينيين المخلصين لبلدهم ولقضيتهم، مرفوضة على أساس الإخلاص للقضية الفلسطينية، نرفض التوطين لأنَّه يحقق لـ "إسرائيل" مكسباً كبيراً في إبعاد فلسطينيي الخارج عن أرضهم، ونحن نريد أن يعود كلّ الفلسطينيين إلى أرضهم، ويكون هذا شرط أيّ وضع سياسي جديد. ولذلك نعتبر التوطين خيانة للقضية الفلسطينية، وليست المسألة مسألة توازن في التركيبة اللبنانية، إنَّنا نحبّ أن نقول للذين يتحدّثون بهذه الطريقة ممن يعتبرون أمريكا صاحبهم: لا تتّخذوا من القضايا السياسية الكبرى أساساً لإرباك الواقع الداخلي في لبنان، عندما تريدون أن تتحدّثوا عن التوطين قولوا لأمريكا: إنَّنا نرفض التوطين ولكن لا تثيروها مشكلة إسلامية مسيحية تربك الواقع اللبناني الذي استطاع أن يقف في وحدة وطنية شاملة أمام العدوان الإسرائيلي، حاولوا أن تحافظوا على هذه الوحدة الوطنية وأنتم تمارسون كلّ قضاياكم السياسية، مارسوها بعقلية منفتحة لا بعقلية ضيّقة، لأنَّ لبنان سقط من خلال كلّ هذه العقليات الضيّقة المختنقة في ذاتياتها وفي طوائفياتها.
الحيادية مرفوضة في صالح قضايا العزّة والحرية(1)
لا يجوز للعالـم الإسلامي أن يكون حيادياً أمام الذين يريدون إسقاط الإسلام والمسلمين في مواقع عزّتهم وحريتّهم وكرامتهم وفي ثرواتهم وقراراتهم وأوضاعهم، لأنَّنا أمّة واحدة واللّه يريد ذلك يريدنا "كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائره بالسهر والحمى"(2)، لا أن نخلص للصفات الطارئة من وطنية وقومية وعرقية، حيث جعلت هذه الصفات حواجز بين موقع وآخر.
لعلّ سبب ذلك يعود إلى التربية السياسية التي أفسدت انتماءنا الإسلامي، على ألاّ يُفهَم إنَّنا نقول: إنَّ على المسلم أن يتنكّر لوطنه ولقومه، ولكنَّنا نقول له: إنَّ الوطنية تتحرّك ولكنَّها تتوقف عندما نقترب من القِيَم الإسلامية، وهكذا بالنسبة للقومية، والإسلام هو الذي يتقدّم. هو الذي يحكم وظيفتنا وقوميتنا وكلّ حياتنا.
الصلح بين العرب و "إسرائيل":
من خلال ذلك نواجه الحدث الذي تحرّك، حتى كاد أن يُحدث الزلزال في كلّ مواقعنا العربية والإسلامية، وهو مسألة الصلح بين العرب و "إسرائيل"، الذي بدأت تتحرّك بخطوات واسعة، كما حصل للكثيرين في كلّ أنحاء العالـم العربي والإسلامي الذين يتّهمون الذين يرفضونه بأنَّهم أعداء السلام باعتبار أنَّهم يريدون أن تستمرّ الحرب، وربَّما اندفع الكثيرون من المسلمين والمستضعفين المتعبين من حركة هذا الصراع العربي - الإسرائيلي، لكي يهلّلوا ويفرحوا ويرقصوا في الشوارع تأييداً لذلك.
السلام ينطلق على مستوى الأمّة:
هل هناك شخص يحبّ الحياة ويحترم نفسه يمكن أن يتنكّر للإسلام ويحبّ الحرب من خلال عقدة ذاتية ضدّ السلام؟
لا أظنّ أنَّ هناك إنساناً يفكّر بهذه الطريقة، فالسلام مسالة تنطلق من إرادة ذاتية شعبية على مستوى الأمّة في دراسة موضوعية للنتائج الكبرى التي يمكن أن تحصل عليها الأمّة في هذا المجال، أمّا إذا كانت المسألة كما حدث بأن يأتي شعب ليطرد شعباً آخر من أرضه، وأنت تدعمه في احتلاله وتؤيّده وتكسبه الشرعية في وجوده ليُمارس أنواع الحروب والتدمير بوحشية وتعسّف أمام كلّ دول العالـم الكبرى، ابتداءً بأوروبا وأمريكا ووصولاً إلى الاتحاد السوفياتي وغيره من الدول، ثـمَّ يُقال للشعب المشرّد تعال إلى السلام، تعال ووقع أنَّ الشعب الذي طردك من أرضك هو صاحب الحقّ، وأنّ إعطاءك شيئاً يُعتبَر إحساناً منه، فهل تقبلون مثل هذا السلام؟!
احتفال جنائزي:
إنَّني لا أتحدّث عن سلام الأمّة، ولكنَّني أتحدّث عن سلام الفرد، فإذا أردتـم أن تفهموا القضايا السياسية في حسابات الأمّة حاولوا أن تُنزِلوها إلى واقع كلّ واحد فيكم، وقد ذكرت مراراً وأقول: إنَّني أدعوكم لنفكّر سوية، وإنَّني أحدثكّم عن قضاياكم انطلاقاً من مسؤوليتي أمام اللّه، فكّروا في هذا الكلام، ولا تعطوا عقولكم إجازة، لا تكن عقولكم في آذانكم ممّا تسمعون أو ترون، بل اجعلوا الأذن ممراً للكلمة إلى العقل {فَبَشِّرْ عِبَادِ*الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}.[الزمر: 17-18]
هذا الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي الذي تُوِّج بالاحتفال "العرس في البيت الأبيض" كما يسميه البعض، أسميه الاحتفال "الجنائزي"، لأنَّه احتفال بجنازة القضية الفلسطينية، والعالـم العربي سياسياً.
رئيس وزراء العدوّ: الحديث عن آلام الشعب اليهودي:
هذا الاحتفال الذي استعرض فيه رئيس وزراء العدوّ كلّ التاريخ اليهودي منذ آلاف السنين، وبيّن فيه الآلام والمذابح التي ارتكبت بحقّهم، في فلسطين، ومعاناتهم داخل فلسطين وخارجها، وكأنَّه بذلك يقول للفلسطينيين: أن تتنازلوا الآن ونعطيكم غزة وأريحا صدقة، وكأنَّه يتكلم بلغة قومية. وكأنَّه يريد أن يقول للعالـم: نحن اليهود المظلومون وأنَّ العرب هم الذين ظلمونا، وأنَّ الفلسطينيين هم الذين كانوا يحتلّون أرضنا، ودورنا هو تحرير أرضنا من الفلسطينيين، ونحن نعمل من أجل عودة اليهود من المنفى. وأنَّ حقّهم أن يعودوا إلى فلسطين، وقد تحدّث بلغة ومنطق اليهود ليركز في الأذهان: أنَّ يهوديته هي أساس كلّ دولته وسياسته ومواقعه.
وقد كان حديث رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لا يتعدى ذلك، كان يتحدّث أيضاً عن آلام الشعب اليهودي وعن ضرورة إعطاء الأمن له.
الوفد الفلسطيني: انهزامية كلّها مجاملة:
وعندما جاء دور ممثّل منظمة التحرير الفلسطينية لـم يذكر العرب بكلمة، ولا الإسلام بكلمة، كما أنَّه لـم يتحدّث عن معاناة الشعب الفلسطيني من قِبَل اليهود، وما يلاقيه من المنفى ولو بكلمة. بل تحدّث بعبارات انهزامية كلّها مجاملة، عبارات الذي يمدّ يده لينتظر أن يصافحه الآخر، فلا يمدّ الآخر يده إلاّ بعد أن يأتي الأمريكي ليشجعه على ذلك، وكأنَّه يقول له: صافح ولك عندي التعويض الكبير.
أمريكا وراء كلّ حالات الضعف العربي:
فكروا بطريقة مجرّدة، لا تنساقوا وراء الإعلام. فهل أنَّ ما تقوم به أمريكا و"إسرائيل" مقبولٌ عند أمّة تحترم نفسها؟ وهل أنَّ من يرفض هذه الأجواء هو متطرّف ومن أعداء السلام؟!
إنَّ سلاماً يزرع في مثل هذه الساحات، هو سلام مملوء بالكثير من الألغام التي سوف تحوّله في المستقبل إلى حروب شرسة لا يعلم إلاّ اللّه ماذا يحدث فيها، سلام تُمارَس فيه الضغوط وعمليات القهر والمحاصرة لكلّ الواقع العربي، وبالإضافة إلى ما يقومون به؛ يريدون منّا أن نتحدّث بإيجابية عن الولايات المتحدة الأمريكية، بأنَّها راعية السلام.
إنَّنا نعتبر أنَّ حالة الإذلال والقهر والضعف العربي منطلقة من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد بدأت بوادر الضعف هذه بتنازل السادات، وهذا ما تـمّ مع "هنري كيسنجر" الذي علّق على الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي في آخر تصريح له: إنَّ السبب في نجاح هذا الاتفاق هو أنَّ منظمة التحرير وصلت إلى مرحلة من أدنى مراحل الضعف، ومعنى ذلك أنَّ التوصل إلى اتفاق كان نتيجة الضعف واتفاق القوي مع الضعيف.
امتنان أمريكي لـ "إسرائيل" لقبولها مصالحة الفلسطينيين:
ومن الملاحظ أنَّ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أراد أن يُظهر امتنانه لـ "إسرائيل" لقبولها مصالحة الفلسطينيين ولمدّها يد المصافحة إلى عرفات، وهو يتحدّث الآن عن ضرورة أن تشعر "إسرائيل" بالأمن والاطمئنان، وهذا يستدعي أن يقدّم إلى "إسرائيل" أسلحة متطورة على جميع المستويات.
ملاحقة سوريا وإيران لمنعهما شراء السلاح:
ومن هنا نتساءل إذا كانت "إسرائيل" تريد أن تتحوّل إلى دولة مسالمة محبة للسلام فلماذا كلّ هذه الأسلحة لـ "إسرائيل"؟ إنَّ أمريكا: سواء كانت الإدارة السابقة أو الإدارة الحالية تلاحق سوريا وإيران لمنعهما من شراء السلاح من أيّ بلد، وتهدد الدول التي تبيعهما السلاح: كالصين وكوريا بفرض العقوبات عليهما إذا ما باعا سلاحاً لإيران أو لسوريا، لماذا؟ لأنَّ هذا السلاح ـ كما تدّعي أمريكا ـ إذا امتلكته سوريا أو إيران، فإنَّه يخلّ بالسلام، سلام المنطقة. لكن أن تملك "إسرائيل" القنابل الذرية، وأفضل أنواع الأسلحة، وتعبث في المنطقة وتقتل وتدمّر فإنَّ سلاحها يقوّي فرص السلام؟ لأنَّ السلام الأمريكي هو سلام الذي يفرض عليك القوّة المطلقة؛ لترفع العلم الأبيض الذي يُوحِي بالسلام من خلال انسحاقك أمام القوّة العظمى.
نرفض هذا السلام لأنَّه منكر:
لذلك نحن نعتبر أنَّ رفضنا لهذا النوع من السلام والسياسة الأمريكية ينطلق من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنَّه ليس هناك من منكر أكبر من أن تسلّم أرض العرب وأرض المسلمين إلى اليهود على أساس أنَّهم أصحابها تحت ضغط القوّة، ما الذي يؤمّننا غداً بأن يأتي شعب آخر يدّعي أنَّ لبنان له؟ قد يأتي فينيقيون ليدّعوا أنَّ لبنان لهم، وقد يساعد الأمر الواقع على طردنا من لبنان، وهكذا إذا كان الأمر الواقع هو الذي يبرّر عناوين السياسة، إنَّ الذين يملكون قوّة الأمر الواقع سوف يلاحقون كلّ شعب وكلّ حرّ، ليفرضوا عليه هذا الأمر الواقع، وليقولوا له كن مع قضايا السلام في هذا المجال.
اختراق الحوار العربي إسرائيلياً:
سياسات الحسن الثاني تزاوج المال العربي بالعقل اليهودي:
وهكذا بدأت حالات الاختراق، وإذا برئيس وزراء العدو(1) يخترق الجدار العربي علناً عبر زيارته للمغرب، وقد اخترقه سابقاً، أتعرفون ما هو لقب ملك المغرب، الملك الحسن "أمير المؤمنين"، هو بالإضافة إلى ذلك رئيسٌ للجنة القدس، وقد زاره ليوقّع له على القدس، وهو الذي حضر من قبل لـ "كامب دايفيد" وعاش مع اليهود في المغرب، وعاش السقوط أمامهم، وهو صاحب الكلمة التي تقول: إنَّنا نريد أن نزاوج بين العقل اليهودي والمال العربي، والمقصود بذلك أنَّكم أنتم أيُّها العرب أصحاب مال بلا عقل! واليهود أصحاب عقل بلا مال! ولكي يكون هناك توازن، زوّجوا العقل اليهودي بالمال العربي.
إنَّ شخصاً يدعى "أمير المؤمنين"، وهو يطعن المؤمنين في قلوبهم ويحتقر أمنهم، ويعتبر أنَّه لا عقل لهم، لا يمكن أن يكون أميناً على قضاياهم، ونحن نعرف أنَّ كثيراً من هؤلاء الملوك والأمراء والرؤساء تربّوا في دوائر المخابرات المركزية الأمريكية، وجعلوا من أنفسهم موظفين لخدمتها.
وهكذا بدأت سلسلة التراجعات العلنية من قبل العرب، فهؤلاء سفراء بعض دول الخليج يقول: إنَّ بلاده مستعجلة للسلام مع "إسرائيل"، وسيذهب وفد "إسرائيل" إلى تونس، وسيهرع العرب جميعاً إلى القدس ليبايعوا "إسرائيل" على أنَّها سيِّدة المنطقة، بناءً على الرغبة الأمريكية.
نرفض هذا الصلح: الأرض للأمّة:
أمام حالة الانحناء العربي هذه لـ "إسرائيل"، نقول ليصالح العرب كلّهم، لتصالح كلّ الأنظمة، أمّا نحن فنرى أنَّ هذا الصلح لا يرتكز على أيّ أساس شرعي. إنَّ من يصالح يمثّل نفسه، ولا يمثّل أمته. تبقى الأرض أرض الأمّة، إذا لـم تستطع أن تأخذ حقّها وتحررها الآن، فإنَّها تستطيع أن تستعيد هذا الحقّ، ولو بعد حين.
العمل لاستعادة الحقّ:
"من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لـم يستطع فبلسانه، فإن لـم يستطع فبقلبه إنَّ ذلك أضعف الإيمان(1)، المهمّ أن تبقى إرادة الرفض فينا، في العقل وفي القلب، في العقل على طريقة عمّار بن ياسر (رضوان اللّه عليه) عندما قال: "واللّه لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على الحقّ وأنَّهم على الباطل"(2).
فالهزيمة لا تعني أنَّك على باطل، لأنَّ الهزيمة كما النصر تنطلق من خلال ظروف وعناصر وقوى قد تكون مسؤولاً عنها، وقد لا تكون مسؤولاً عنها، واللّه قال لنا دائماً: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:139ـ140]، ألا تقولون في المثل: "الدنيا دولاب"، ونعرف أنَّ الدولاب لا يتوقف، فلنتعلّم لعبة الدواليب في حركة القضايا المصيرية حتى لا نتجمّد، فالذي يكون في الأسفل يصعد إلى الأعلى، ثـمَّ لا يبقى في الأعلى، بل ينزل مجدَّداً، {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، لذلك فالهزيمة ليست خالدة، كما أنّ النصر ليس خالداً، ولكن احترموا أنفسكم، احترموا إيمانكم، احترموا حريتكم، احترموا مستقبلكم، إذا غُلبتم على أرضكم فلا تُغلبوا على إنسانيتكم، وإذا غُلبتم على أجسادكم فلا تُغلبوا على عقولكم، لا تجعلوا عقولكم تتحرّك من خلال ما يهيّئونه لكم، بل ابقوا على بذرة الحريّة تتحرّك في عقولكم لتنموَ في المستقبل، لأنَّه إذا بقيت بذرة العبودية في العقل والقلب فلا يمكن لشجرة الحرية أن تنطلق في المستقبل.
الحفاظ على بذرة الحرية:
ولذلك حافظوا على بذور الحرية وأبقوها في أعماق إنسانيتكم وإيمانكم، لأنَّ البذور كما تعلمون، تبقى في الأرض سنيناً {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5]، فلماذا نقتل بذور الحريّة في عقولنا وقلوبنا، لماذا يفكّر اليهود بحريّتهم ولا نفكّر بحريّتنا؟ لماذا يفكّر اليهود بيهوديتهم ولا نفكّر بإسلامنا؟ لماذا يهرب الكثيرون من إسلامهم ويقف اليهودي أمام العالـم ليعلن: أنا يهودي ويحني العالـم رأسه لليهودية!!! أمّا المسلمون فقد أقنعوا الكثيرين منّا أنَّ هناك إسلاماً أصولياً متطرفاً ومتعصباً، كلّ مسلم يرفع رأسه أو يقف في خطّ الحريّة فهو أصولي ومتطرّف، إذاً أيّ مسلم تريدون! المسلم الذي يكون موظفاً في بلاطات أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة، ليصدر لهم في كلّ يوم فتوى تبرّر ظلمهم. الذي يقف أمام الاستكبار العالمي ليحني رأسه هو إسلام واقعي معتدل مهذب، ويدعو المسلمين لكي ينسوا آيات الجهاد والقتل ضدّ الأعداء والمشركين، ليقولوا: اللّهم ارزقنا خبزنا كفاف يومنا ونجّنا من الأشرار.
خطوات ضرب معارضي السياسة الأمريكية:
دعوة لبنان الرسمي إسقاط رفض الشعب:
تحاول السياسة الاستكبارية أن تحقّق أهدافها بضرب المعارضين لسياستها عبر وسائل متعددة، فمنها الدعوة للبنان الرسمي الذي يسير في خطّ الصلح بخطوات سريعة، اثبت إخلاصك، وأسقط رفض الشعب، سواء عبر مجاهديه وتخويفهم وبالفعل سمعت الأوامر، وحاول الحكم والحكومة تنفيذها ولكنَّها لـم تنجح، لأنَّ هناك أوضاعاً إقليمية كانت تعطّل حركة الحكومة التي كانت تسرّ بشيء يخالف ظاهرها على طريقة أولئك الذين وصفهم القرآن {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة:14]، في هذه السفارة أو تلك، أو في هذا الاتصال التلفوني أو ذاك {قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14].
منع التظاهر وقتل النّاس في 13 أيلول:
ومن المحاولات التي قام بها الحكم لإسقاط حالة الرفض، أنَّه أصدر أمراً يمنع التظاهر وقيل له إنَّ هذا لا يكفي، بل عليكم في الحكم أن تثبتوا أنَّكم تستطيعون أن تقتلوا المتظاهرين دون أن يرفَّ لكم جفن.
وقد أقدمت الحكومة بالفعل على قتل النّاس تحت شعار تطبيق القانون(1)، وإعادة تثبيت هيبة الدولة، على أولئك الذين يريدون أن يحرروا بلدهم، ليتحرّك في خطّ الحريّة، ولكنَّنا لـم نجدها تفرض "جيشها على جيش لبنان الجنوبي"، وعلى الضباط الذين أقدموا على خيانة الوطن، فضلاً عن ذلك كانت الدولة تدفع رواتب هؤلاء الضباط، إنَّ الدولة لا تريد أن تفرض هيبتها على أولئك لأنَّهم يسيرون في تلك السياسة الإسرائيلية - الأمريكية، ويملكون غطاءً في تحرّكهم منها، باعتبار أنَّ أمن "إسرائيل" يهمّ أمريكا، وهم يتحرّكون في الأمن الإسرائيلي ويحوّلون من أنفسهم حواجز بشرية تحمي المواطنين الإسرائيليين، المهمّ أن يقتل العربي بيد العربي بشرط أن يسلم الإسرائيلي، وهذه مقولة ما يسمى "بجيش لبنان الجنوبي" وسياسته.
فرض هيبة الدولة: قتل المواطنين:
وكما يقول بعض المسؤولين: إمّا أن يكون هناك هيبة ونظام أو لا يكون، نحن مع هيبة الدولة، ولكن هل من شرط هيبة الدولة أن تقتل مواطنيها؟ أو أنَّ هيبتها تتأثر بخروج مظاهرة محدودة رافضة لما ترفضه الدولة؟ ونحن لا نريد أن ندخل في جدل مع الدولة، التي تحاول من خلال صحفها ومسؤوليها أن تتحدّث عن الخطأ أو الصواب في خروج المظاهرات، إذا كانت التظاهرة خطأً فهل يعني أنَّ تفريق مظاهرة شعبية غير مسلحة يكون بأن نطلق الرصاص على الرؤوس والصدور؟
أساليب قمع المظاهرات في العالـم المتحضر:
نحن نعرف أنَّه يُعمد في قمع المظاهرات في العالـم المتحضر - ولبنان يعتبر نفسه من هذا العالـم - إلى تكليف شرطة مكافحة الشغب، التي تستخدم وسائل مثل: خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والعصي والهراوات.
وإذا قوبلت الشرطة بطريقة مسلّحة وخافت على نفسها فإنَّها قد تطلق الرصاص في الهواء، أو على الأرجل، وما إلى ذلك من وسائل مشابهة.
لقد خرج في "إسرائيل" خمسون ألف متظاهر وطوّقوا بيت رئيس وزراء العدو وكانت هذه المظاهرة ممنوعة، ولـم نسمع أنَّ هناك شخصاً خُدِش، وقد يدّعي البعض أنَّ لبنان يعيش وضعاً خاصاً ويُخَاف عليه من انتشار الفوضى فإذا لـم نضبط هذه الفوضى فسنعود إلى الفتنة السابقة وباعتقادي فإنَّ هذا الادعاء يعتمد على أسس واهية، لأنَّ الشعب اللبناني قد انطلق من تجربة ناجحة دلّلت على رشده السياسي، وهي تجربة العدوان الإسرائيلي، حيث قامت أكثر الأحزاب الوطنية والإسلامية بمظاهرة في بيروت، وكانت السلطات قد منعت المظاهرات ومع ذلك لـم يحدث أيّ خلل أمني.
الرصاص أطلق بعقل بارد:
والمهمّ أنَّ الرصاص قد أطلق على المظاهرة بعقل بارد جدّاً، ممّا يدلّ على أنَّ هناك تعليمات محدّدة في هذا الموضوع، لأنَّه لـم يعمد إلى تفريق المظاهرة بالطرق المعهودة، وإذا تـمّ تفريقها فأيّ حاجة بعد إلى إطلاق الرصاص؟ لقد حصل إطلاق النّار على تلك الفتاة المؤمنة عندما انفصلت عن المتظاهرين، وعلى الفتاة الأخرى التي أقدمت لمساعدتها، إذاً لقد تمّت عملية الإعدام من قبل الدولة بعقل بارد جداً، هي لـم تعدم المجرمين، بل قامت بإعدام الأحرار الذين يريدون أن يحقّقوا الحريّة لبلدهم.
المتظاهرون عزّل من السلاح:
ومن المفيد الإشارة إلى أنَّ المتظاهرين كانوا عزّلاً من السلاح، ولـم يقوموا بردات فعل انفعالية، وذلك التزاماً منهم بالسلم الأهلي والنظام العام لحياة النّاس، لأنَّه لو لـم يكن هناك التزام بمنع الفتنة، وخوف من اللّه تعالى، باعتقادي أنَّ القضية لـم تكن لتتوقف عند هذه الحدود، بل لكان المتظاهرون قاموا بردات فعل انتقامية عندما يرون إخوانهم وأخواتهم صرعى بهذا الرصاص، لأنَّه لا يمكن أن يجابه الرصاص إلاّ بالرصاص.
لجان التحقيق: تجهيل للفاعل:
يتحدّث البعض عن لجان تحقيق في هذه المجزرة، ونحن نعرف مسبقاً، أنَّ لجان التحقيق سوف تجهّل الفاعل، وتنسب الفعل إلى الطابور الخامس، الاختراقات، السلاح غير المرخص، ولكن هذا لا ينفي عملية القتل، فالذي قتل هو الذي أصدر الأوامر، وليس الذي أطلق النّار.
حركة السادس من أيار:
إنَّنا في الواقع اللبناني الذي نعيش فيه، حيث يوجد بعض الأشخاص في الحكم ممّن هم على استعداد لأن يحرقوا البلد من أجل أن يصفي حساباته مع شخص آخر(1)، و 6 أيار، نسوقه كدليل على ذلك، حيث كانت هذه الحريّة في شكلها الظاهري حركة تنادي بحقوق العمال، ولكنَّ خلفياتها كانت تتحرّك باتجاه مرجع كبير يريد إسقاط مرجع آخر، وقد سقطت الحكومة لتتحقّق المطالب، ولكن مع مجيء الحكومة الجديدة لـم يتحقّق أيّ شيء منها، لأنَّ المطلوب هو أن يزول هذا الرئيس ليأتي رئيس آخر. وكان كلّ ذلك يجري بمـوافقة مراجع عليا في الحكم(1).
خلفيات المجزرة الجريمة:
إنّ طبيعة الخلفيات التي تتعلّق بارتكاب المجزرة الجريمة، تستشف من الكواليس عند هذا الطاقم السياسي الحاكم، من أنَّ مرجعاً كبيراً يريد أن يورّط قيادياً(2)، حتى لا يتمكن من أن يرشّح نفسه لرئاسة الجمهورية في المستقبل، أو لأنَّ مرجعاً كبيراً يريد أن يورّط مرجعاً حكومياً حتى يتضعضع موقعه، ولذا فإنَّني أخشى من أن تدخل دماؤنا في ميدان التجاذب والصراع على السلطة، وغير ذلك.
وما نخشاه هو أنَّ هذا النوع من السياسيين والحاكمين، سيكون مجرَّد تفاصيل في اللعبة الإسرائيلية إذا ما تـمّ التوصل إلى صلح مع "إسرائيل"، فلا يتمكّنون من الإمساك بالأمور في بلد مختلّ التوازن.
وعلى هذا الأساس، نكاد نقول إنَّه لا يوجد في هذا البلد سياسيون يعيشون القِيم في اللعبة السياسية، بل إنَّ هناك مراهنين في السياسة، وإن كانوا في الستين أو السبعين من العمر.
ونحن نتحدّث فإنَّ القلب يدمي ويبكي على هؤلاء الشباب الذين أعرف بعضهم، ومنهم أيتام كانوا في مبرّة الإمام الخوئي (رحمه اللّه)، ومنهنّ فتيات من خيرة ما عرفت من الفتيات، في تقواهنّ وخدمتهنّ للمجتمع وانفتاحهنّ على أعمال الخير. ولذلك نخشى من هذا القتل البارد الذي ينطلق من خلال لعبة سياسية بالطريقة الاستهلاكية التي يتحدّث بها السياسيون "لفلفوها"، بسفك دماء هؤلاء الأطهار، باعتبار أنَّه يقتضي الأمر "لفلفة" القضية!!!
نحن عندما أصدرنا بياناً طالبنا فيه باستقالة الحكومة، كنّا نعرف أنَّ هناك أوضاعاً تمنع الحكومة من أن تستقيل، لكنَّنا نريد أن نطلق هذا الطلب حتى يعرف النّاس، ويعرف الشعب أنَّ هذه الحكومة حتى لو بقيت؛ فهي حكومة مستقيلة شعبياً، باعتبار أنَّها حكومة لا تحظى بتأييد وثقة شعبها التي تسفك دماءه. نحن لا نريد للحكومة أن تسقط هيبتها، ربَّما كانت هيبتها تفيد في توازن الأمن، ولكن بما أنَّ هذه الهيبة مفتقدة مع وجود حكومة لا تحترم شعبها، فإنَّه كما قيل في المثل الشعبي: "إذا أردت أن تُطاع فاطلب ما يُستطاع".
كان الأجدر بالحكومة محاورة المتظاهرين:
أيّ حكومة هي هذه التي تمنع التظاهر وتفتعل مجزرة في ظلّ أوضاع خاصة، ودون أن تعلن حالة الطوارئ، هذا في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب إلى أن يتنفس، أما كان الأجدى بالحكومة أن تدخل في حوار مع الذين يريدون أن يتظاهروا لضبط المظاهرة، وتوفّر على نفسها المواجهة، وبدل أن تنطلق في ارتكاب مجزرة مروّعة ذهب ضحيتها ثلاثة عشر شهيداً وأربعون جريحاً.
ولكنَّ مشكلة اللبنانيين في الواقع السياسي ـ اللبناني أنَّهم يحوّلون كلّ قضية من قضايا الحريّة إلى الدوائر الطائفية والحزبية، فينطلق النّاس ليضرّوا حزباً معيناً، أو طائفة معينة، ولو كان اللبنانيون يحترمون حريّتهم لعرفوا أنَّ هؤلاء كانوا شهداء لبنان، شهداء الحريّة، شهداء الدفاع عن قيم الحريّة في لبنان، شهداء قضايا الأمّة، والدفاع عن مقدساتها.
لكنَّ الذين صنعوا لبنان الطائفي، ولبنان السياسي، أرادوا ألا يكون هناك موقف لبناني موحّد حول أيّة قضية من قضايا الحريّة، فالمقاومة مسألة طائفية، وقضايا الحريّة هنا مسألة حزبية، ويعبث العابثون ويفسد المفسدون ما بين حساسيات الطوائف والأحزاب، ويبقى الشعب يسقط ويسقط وتسقط معه القضايا الكبرى.
إنَّنا نقول للبنانيين: إذا كنتم تحترمون شيئاً اسمه الحريّة في لبنان، فعليكم أن تقفوا وقفة واحدة مع قضية الحريّة في أن يملك اللبناني أن يعبّر عن فكره بمسؤولية.
اتفاق غزة ـ أريحا:
بداية سلام الأنظمة مع اليهود(1)
القضية الفلسطينية تختصر كلّ واقع المنطقة ومصيرها، إذ يوجد في المنطقة الآن اليهود والعرب من مسلمين ومن مسيحيين، والمسألة مطروحة على أساس أنَّ اليهود جاؤوا من أقاصي الأرض وطردوا العرب من هذه المنطقة، وأقاموا دولة، وتحرّكت كلّ أذرع الإخطبوط اليهودي في العالـم، وبكلّ مفاصله من أجل أن يجعل لليهودية موقعاً متقدّماً في هذه الأرض، بحيث يتحوّل إلى قوّة تفوق كلّ قوّة العرب في المنطقة، استضعفنا أنفسنا أمام أوروبا من خلال الوسائل المتخلّفة، والشخصيات المنحرفة، واستضعفتنا أمريكا بعد ذلك عندما سلّمنا لها كلّ مقاليدنا، وعشنا الرعب الذي يخوّف فيه بعضنا بعضاً من السيطرة الأمريكية على العالـم.
استخدام اليهود كلّ عناصر القوّة:
والواقع أنَّ أمريكا استطاعت أن تدخل العالـم من باب الشرق الأوسط من خلال حرب الخليج التي سَمَّتْها عاصفة الصحراء، فأقصت بذلك كلّ النفوذ الأوروبي والروسي من تلك المنطقة، استضعفنا أنفسنا فاستضعفنا الآخرون، بينما عاش اليهود كلّ ما يملكون من عناصر القوّة فبدأوا في تنمية هذه العناصر حتى وهم يعيشون كثيراً من عناصر الضعف، وعندما انطلقوا في تنمية عناصر القوّة أمام أوروبا كانوا أقوياء من خلال تحريك كلّ المواقع اليهودية الموجودة فيها، فإذا مارس الأوروبيون أيّ ضغط على "إسرائيل" فإنَّ اليهود يمارسون ضغوطهم من خلال مواقع القوة التي يمتلكونها، من مال وإعلام بعلاقاتهم السياسية مع الحكومة في فرنسا أو في بريطانيا أو في أيّ بلد حتى يرفعوا الضغط عن "إسرائيل".
وهكذا في أمريكا، عندما حاول الرئيس الأمريكي السابق(2) ولو بشكل سطحي أن يضغط على اليهود في قضية منع قرض بعشر مليارات دولار لـ "إسرائيل" فمارس عليه اليهود ضغوطاً في أمريكا من خلال الكونغرس الأمريكي حتى تراجع قبل أن يسقط.
العرب لـم يبذلوا أيّ نشاط لدعم قضاياهم:
بينما نلاحظ أنَّ عرب الولايات المتحدة غثاء كغثاء السيل، لا يبذلون أيّ نشاط لدعم القضايا العربية والقضية الفلسطينية. العرب في أوروبا ممن يحملون جنسيات أوروبية يعملون على أن يُضعِف بعضهم بعضاً ويخوّف بعضهم بعضاً إذا تكلّمنا أو إذا طالبنا بحقوقنا، أو إذا دعمنا أو إذا خذلنا هذا المرشح للنيابة أو ذاك قامت الدنيا علينا. لقد استضعفنا أنفسنا فاستضعفنا الآخرون وشعروا بالقوّة لأنفسهم ففرضوا قوتهم على الآخرين.
أمريكا تطالب العرب بتقديـم المزيد من التنازلات:
ونحن لا نزال نعيش هذا الجوّ من الاستضعاف، فأمريكا مثلاً، ومنذ أن بدأ مؤتمر مدريد، تطالب العرب بأن يقدّموا المزيد من التنازلات، في الوقت الذي لـم تطالب فيه "إسرائيل" أن تقدّم أيّ تنازل، ومن ذلك مطالبة العرب بأن يلغوا المقاطعة الاقتصادية مع "إسرائيل"، باعتبار أنَّ المقاطعة الاقتصادية العربية لـ "إسرائيل" تخسرها سنوياً 3 مليارات دولار وهو يوازي مقدار المساعدات التي تقدّمها سنوياً أمريكا لـ "إسرائيل"، وأمريكا تريد أن تتخفّف من الضغط في هذا المجال من دون مقابل، فقط عبّروا أيُّها العرب لـ "إسرائيل" عن حسن سلوككم حتى يستطيع رئيس وزراء العدوّ أن يُقنع شعبه بالصلح معكم!
أ ـ إلغاء صفة العنصرية: عيد "إسرائيل":
تمارس أمريكا في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضغوطاً على كلّ دول العالـم، لأنَّ الأمم المتحدة أصدرت منذ سنة 1948 إلى الآن عشرات أو مئات القرارات التي تُدين فيها "إسرائيل" وتصفها بالعنصرية، ووصفها بالإساءة لحقوق الإنسان، وتطلب منها الانسحاب من الجولان ومن لبنان والضفة الغربية وغزة وما إلى ذلك من القرارات المكدّسة في أرشيف الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعمل أمريكا على جعل تاريخ "إسرائيل" خالياً من كلّ القرارات السلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحيث يتدخّل رئيس الولايات المتحدة دائماً لنفي صفة العنصرية عن الحركة الصهيونية، ويُراد إزالة كلّ القرارات التي تُدين "إسرائيل" وتكريس اعتبارها دولة حضارية لـم تسيء إلى حقوق الإنسان، ولا يُطلب منها أن تنسحب من أيّ مكان وما إلى ذلك. وقد وصل الأمر إلى أن يأتي رئيس الولايات المتحدة بنفسه إلى مركز الجمعية العامة ليضغط في هذا المجال، وربَّما يطلبون من "إسرائيل" أن يبادروا لسحب هذه القرارات حتى يقولوا للنّاس إنَّكم ملكيون أكثر من الملك!! العرب سحبوا هذه القرارات فكيف لا تسحبون أنتم هذه القرارات؟!
ب ـ محاولات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول:
لـم تكتفِ أمريكا بهذه الضغوطات بل تحاول أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول كما هو الحال في الأردن التي طُلِب منها أن يُحذف من كتبها المدرسية والجامعات والثانويات والابتدائيات في مادتي التاريخ والجغرافية، كلّ ما يتّصل بالمواقف السلبية من "إسرائيل"، كلمة العدوّ، كلمة أنَّ "إسرائيل" احتلّت فلسطين، كلمة أنَّ فلسطين عربية أو إسلامية. كلّ الكلمات التي تعقِّد الطالب العربي من "إسرائيل" ينبغي حذفها من المنهاج الدراسي وهذا ما سينسحب على كلّ البلاد العربية، ويُقال إنَّه شُكلت في مصر هيئة تعمل للغاية نفسها.
ومن الملاحظ أنَّ فرنسا التي استعمرت بلادنا لـم تتدخّل لتزيل كلمات الاستعمار الفرنسي من تاريخنا اللبناني والسوري، وعندما انسحبت بريطانيا من بلادنا لـم تطلب أيضاً من العراق أو من غيره ألا يتحدّث عن فترة الاستعمار البريطاني للعراق أو لمصر أو غير ذلك.
ج ـ أمريكا تزوّد "إسرائيل" بكلّ التقنيات:
أكثر من هذا لـم تطلب بريطانيا عندما انسحبت من أمريكا - وكانت تستعمر أمريكا - أن تزيل كلّ الكلمات المعادية لبريطانيا لكنَّ أمريكا تريد التعاطي مع العرب باعتبار أنَّهم شعب مهزوم، وباعتبار أنَّ الولايات المتحدة تريد للأمّة العربية أن تنمو على أساس لا يتذكّر معه العرب كلّ تاريخ الآلام التي قام بها اليهود ضدّهم!!
هذا هو الواقع الذي تعيشه أمريكا والتي تعمل على أساسه في رعاية السلام - كما تقول.
حذار من تبدّل مفاهيمنا:
إنَّما أثير هذا الموضوع حتى لا تتبدل المفاهيم عندنا، من الممكن جداً أن تنجح أمريكا في فرض الصلح على العرب، كما نجحت في فرض الصلح على الفلسطينيين من خلال بعض رموزهم ممّن باعوا أنفسهم للشيطان، ولكـن هناك فرقٌ بين أن يعيـش الإنسان تحت تأثير القوّة الغاشمة فيعيش الواقـع الذي يضغط عليه ممّا قد لا يحتمله إنَّما يجب أن يبقى عقلنا يتحرّك بالرفض. هذا والحديث السياسي الاستهلاكي يتحرّك في خطين:
الأول: يتحدّث وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية عن التهديدات التي أطلقها ضدّ القوى التي ترفض الصلح مع "إسرائيل"، باعتبار أنَّها ترفض السلام، ويلاحظ بأنَّ هذا التعبير موجّه للقوى العربية الرافضة وليس موجّهاً للقوى اليهودية الرافضة، لأنَّه لا يجوز لأحد أن يتعرّض بسوء للقوى اليهودية الرافضة حتى وإن تظاهرت وطوّقت منزل رئيس العدو، ولكنَّ المطلوب هو تهديد القوى العربية الرافضة، والمقصود بالقوى العربية الرافضة هي القوى الإسلامية وسوريا، حتى أنَّ وزير خارجية النرويج عندما تحدّث عن سبب نجاح الصلح بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين قال، الأساس إنَّما هو قوّة التطرّف الإسلامي في العالـم العربي بحيث أصبح مصلحة يهودية فلسطينية رسمية مشتركة، لأنَّه بدأ البحث عن مسألة الصلح بين العرب و"إسرائيل" في الواقع العربي منذ انطلقت الثورة الإسلامية في إيران باعتبار أنَّها أصبحت تهدد كلّ الواقع الرسمي العربي المنفتح على أمريكا، إنَّهم يستضعفوننا ولذلك يحاولون أن يسلّطوا بعضنا على البعض الآخر باسم السلام وباسم الحريّة وباسم النظام وباسم القانون وما إلى ذلك.
فقدان العرب خطط المواجهة:
إنَّنا عندما ندرس كلّ الواقع العربي الذي يلهث نحو الصلح مع "إسرائيل"، نلاحظ أنَّ العرب لا يملكون حتى الآن أيّة خطّة يواجهون بها إمكانية الاجتياح الاقتصادي الإسرائيلي بعد الصلح، أو الاجتياح الأمني المخابراتي الذي يُربك الواقع العربي بعد الصلح، أو الاجتياح السياسي الذي يمكن أن تتسلّط به "إسرائيل" على العديد من السياسيين الذين باعوا أنفسهم لـ "إسرائيل" ممّن لا يعيشون أيّ حالة من حالات التماسك، إذاً نحن مقبلون على واقع لا يملك حتى السائرين فيه أيّة خطّة لمواجهة تحديات المستقبل، وحتى اتفاق غزة - أريحا هذا الاتفاق الذي هلّل له الكثيرون من العرب، وما زالت أمريكا تسوّقه في العالـم حتى الآن، هو اتفاق ضبابي يثير في كلّ مادة منه آلاف علامات الاستفهام التي لا جواب لها.
لقد برّر بعض النواب اليهود ممّن صوّت لرابين وكانت أحزابهم قد امتنعت عن التصويت فيقول بأنَّ رابين لـم يعطِ الفلسطينيين شيئاً ولذلك نحن لا نصوّت ضدّه، إنَّه استطاع أن يحتفظ بالقدس موحدة كعاصمة خالدة لـ "إسرائيل"، كما أنَّه استطاع كما يقول هذا - أن يعطي الفلسطينيين شيئاً يساوي اللاشيء، لأنَّه لـم يعطهم الأرض. اعترف بمنظمة التحرير ولـم يعترف رسمياً بفلسطين كأرض فلسطينية عربية، بينما اعترف عرفات بـ "إسرائيل" كدولة تملك شرعية السيطرة على الأرض وعلى النّاس، حتى على العرب الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة قبل 1967.
فقدان اتفاق غزة ـ أريحا لأيّ مضمون إيجابي:
نُقل لي عن بعض قادة العرب الذين لا يزالون في مواقع الرفض أنَّه قال لبعض زائريه إنَّ بعض النّاس كان يتحدّث بأنَّ اتفاق غزة - أريحا يثير علامات استفهام كثيرة بنسبة 80%، و بعد أن قرأته رأيت أنَّه يثير علامات استفهام مائة بالمائة بحيث لا يوجد فيه نقطة إلاّ ويثور الجدل حولها، مما يعني أنَّ هذا الاتفاق يحتاج إلى جدال طويل بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين قد يفرض التدخل الدائم للولايات المتحدة لشرحه وإيضاحه.
لنحاول صنع أمتنا:
لماذا لا نفكّر نحن كما يفكّر العدوّ؟ حيث كان يقول بأنَّ فلسطين يهودية منذ ألفي سنة. كانوا من خلال التحية الدائمة لأورشليم يربّون أولادهم بأنّه إذا التقى يهودي بيهودي آخر فإنَّ الكلمة التي يقولها: "إلى أورشليم"، حتى وصلوا إليها وسيطروا على كلّ فلسطين. لـم يتركوا ما يعتبرونه حقّاً لهم في فلسطين في مدى ألفي سنة أو أكثر، لماذا نريد أن نختصر حقّنا في أقلّ من خمسين سنة؟! كانت فلسطين طيلة تلك الأزمنة أمراً واقعاً غير يهودي فلماذا نحاول أن نفكّر الآن في أمر الواقع اليهودي، أن نبدله لنجعله يهودياً في وعينا، لنقول لقد سقطت فلسطين وانتهى الأمر، ولا فائدة من العمل، وقول اللّه أصدق من قول كلّ هؤلاء {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26].
لنستمدّ ثوابتنا السياسية من قرآننا:
لذلك علينا أن نستمدّ سياستنا المستقبلية من قرآننا {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، إذا لـم نستطع إرجاع فلسطين الآن فعلى الأقلّ لا نعترف بأنَّ فلسطين يهودية، على الأقلّ لا نُخرِج حقّنا في فلسطين من عقولنا، ألا نبتعد عن هذا الحقّ، لأنَّه إذا سلّمنا فلسطين لليهود، واعترفنا بها بعقولنا وقلوبنا باسم الواقعية، فستكون هناك فلسطين أخرى، وفلسطين ثالثة، هل نبقى نتابع الاعتراف بهزائمنا المستمرّة، ومن هزيمة إلى هزيمة؟!
انتهاء عهد الصراع بين الأنظمة واليهود:
إنَّ العرب يعتبرون أنَّ المشكلة الفلسطينية هي جوهر الصراع، هذه القضية التي يُعتبر أنَّها سقطت. من خلال ما عبّر عنه وزير خارجية العدو، وهو يوجّه كلامه إلى النواب المعارضين: "لقد ولّى عهد الصراع" يعني أنَّ العرب قد سلّموا أمرهم لـ "إسرائيل"، واعترفوا بهزيمتهم، فإذا كان عهد الصراع قد ولّى بين الأنظمة التي لا يملك الكثير منها تأييد شعوبها، وبين "إسرائيل". فهل نحن كشعب عربي وكأمّة إسلامية نريد أن نلغي هذا الصراع؟!
نريد أن نقول: ربَّما قد انتهى عهد الصراع بين الأنظمة و "إسرائيل"، انتهى منذ صالح السادات الذي أسقط الحرب بين العرب و"إسرائيل"، وتحاول الأنظمة الآن إنهاء الصراع السياسي، والحقّ لا يصبح باطلاً مع مرور الزمن والباطل لا يصبح حقّاً مع مرور الزمن.
إنَّنا نقول: لقد انتهت جولة من الصراع، ولكن لا بُدَّ أن نبدأ جولة أخرى، لأنَّ القرآن يقول: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة:82]. لذلك نريد أن نمنع هؤلاء من أن يأتوا إلينا ليقولوا: احذفوا كلّ الكلمات السلبية التي تتصل باليهود من القرآن!! ألا يمكن أن يقولوا لنا لا تقرأوا في الإذاعات ما يتصل باليهود، ولا تقرأو في حفلات التأبين ما يتّصل باليهود، لأنَّنا تصالحنا معهم. لتجدنّ أشدّ النّاس قرابة للذين آمنوا اليهود!! قد يفكّر بعض النّاس بأن يحرفوا الكلم في القرآن عن مواضعه.
محاولات الحكم تقديـم شهادة حسن سلوك لـ "إسرائيل":
إنَّ الصراع لا يزال قائماً بيننا وبين "إسرائيل"، بيننا وبين الحكم الذي يريد أن يقدِّم شهادة حسن سلوك لـ "إسرائيل"، إنَّ الحكومة اللبنانية تريد أن ينسى النّاس المجزرة التي ارتكبت عمداً في 13 أيلول ضدّ متظاهرين عزّل، والحكومة تريد أن تميّع القضية بألا ينتهي التحقيق إلى شيء. إنَّ الحكومة تبدأ حملة ضدّ كلّ من يعارضها بحُجّة أنَّ الذين يعارضونها لا يريدون دولة ولا نظاماً ولا مدارس وما إلى ذلك، لكنَّنا نحبّ أن نقول لها: لو كان هؤلاء لا يريدون النظام للنّاس لما كظموا غيظهم ولما عضّوا على جراحهم، ولرأيتم منهم الأهوال كما رأى العدوّ منهم الأهوال.
إنَّهم يريدون أن يعيش النّاس في بلد يكون فيه للنّاس نظام حياتهم، ليعيشوا في أمن وسلام. ولكنَّ المشكلة هي أنَّ هناك فرقاً بين دولة تسفك دماء شعبها بعقل بارد من أجل أن تقدّم شهادة حسن سلوك أمام دولة أخرى، وبين دولة تعمل على أن تقدّم لشعبها شهادة حسن سلوك على أدائها من خلال احترامها لدماء شعبها وحفظها للكرامة والعزّة التي صنعتها هذه الدماء.
نرفض أن يكون في لبنان متسلّطون باسم الدولة:
نحن كمستضعفين وكإسلاميين وكأحرار، لسنا ضدّ أن يكون في لبنان دولة، ولكنَّنا ضدّ أن يكون في لبنان متسلّطون باسم الدولة، وأن يكون في لبنان حاقدون باسم الدولة، وأن يكون في لبنان موظفون في مواقع أجهزة المخابرات باسم الدولة، مشكلة الكثيرين من بعض الحكام في العالـم العربي وفي لبنان بالذات أنَّهم تعوّدوا أن يقدّم لهم المتزلفون والمنافقون والمداحون، المدائح بُدون حساب. تعودّوا أن يبيعهم السياسيون المواقف السياسية بحفنة من المال، وتعودوا على إعلاميين يقدّمون لهم صحافتهم وإعلامهم مقابل حفنة مال، ولـم يتعوّدوا على أناس يرفضون المال في مقابل بيع أيّ موقف ولو كان صغيراً من مواقفهم. ولـم يتعوّدوا على أناس يصدقونهم القول في نصيحتهم، ويصدقونهم الموقف في مواجهتهم لهم. هذا عالـم لا يريد للصادقين أن يكونوا قوّة فيه، لأنَّ الصدق يثقل مواقع كثيرين يتحرّكون ويكذبون حتى يصدّقهم النّاس، ويكذبون ويكذبون حتى يصدّقوا أنفسهم.
الحكام لأمريكا:
إنَّ مشكلة الكثيرين من الحكام والسياسيين في لبنان أنَّك إذا حدّثتهم عن علاقات لبنان بمواقع عربية حدّثوك عن الاستقلال، فلا مجال لأن يقترب بلد عربي بشكل كبير من لبنان، وإذا حدّثتهم عن علاقات لبنان ببلدان إسلامية قالوا لك: إنَّنا لا نريد أن يدخل الآخرون في قضايانا أو أن نتحرّك في سياسة الآخرين، ولكن إذا حدّثتهم عن علاقات لبنان بأمريكا قالوا تعالوا لنتوسّل إلى أمريكا بأن ترعانا وأن تعاوننا وأن تهتمّ بنا.
مشكلة الواقع السياسي في لبنان أنَّهم يشكون ويشكون ويتذمرون بأنَّ أمريكا لا تعطي اهتماماً بلبنان، لأنَّ المطلوب لدى العديد من المواقع السياسية والإعلامية والروحية وما إلى ذلك هو هيمنة أمريكية على لبنان، أمّا أن تكون هناك علاقات عربية بلبنان فهي مرفوضة. كن مستقلاً أمام العربي، كن مستقلاً أمام الإسلامي، أمّا أن تكون مستقلاً أمام أمريكي فهذا لا يتناسب مع مصلحة لبنان، مصلحة لبنان أن تحيط أمريكا لبنان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله تماماً كما هو الشيطان الذي يرغب فيه الكثيرون من الشياطين.
الحكام صانعو الهزائم العربية(1)
لا يجوز لأيّ إنسان أن يدافع عن الخائن، سواء كانت خيانته خاصة، كخيانة الأمانة، أو العرض، أو كانت خيانة كخيانة الأمّة. أن تكون نصيراً أو محزَّباً لشخص أو حزب أو دولة، يجب أن تنطلق من خطّ الأمّة مصلحة الشعب والأمّة، وإلاَّ فأنت ممّن يخونون أنفسهم وأمتهم، واللّه لا يحبّ من كان خَوَّاناً أثيماً.
ربَّما قد تستطيع أن تجادل عمّن سبق من الخونة وتظهر عظمتهم ونزاهتهم وكفاءتهم في الدنيا، لكن في الآخرة لا مفرّ من قول اللّه سبحانه وتعالى: {هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء:109]، لن تستطيع أن تدافع عنهم غداً عندما يقوم النّاس لربّ العالمين: {فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} [النساء:109].
الائتمان على الدِّين:
ونفهم ممّا تقدّم أنَّنا مؤتمنون على ديننا وعلى حلاله وحرامه في أنفسنا وفي النّاس، وعلى أمتنا وأوطاننا، ففي كلام عليّ: "اتقوا اللّه في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم(2) فإنَّكم مسؤولون عن ثروات الأمّة ومستقبلها وكلّ ما يتعلّق بها من قضايا. على هذا الأساس إذا أردنا أن نحدّد مواقعنا السياسية في العالـم فعلينا أن نكون مع الأمناء ولا نكون مع الخونة، مع الأمناء على شؤون شعبنا وأمتنا وإسلامنا وديننا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
اتفاق غزة- أريحا: ومعنى الاعتـراف الفلسطيني بشرعية الوجود اليهودي:
ولذا يجب أن تكون مواقفنا السياسية أو غير السياسية بحجم خطّ الأمانة وشرعيته، فإنَّنا عندما ندرس اتفاق غزة - أريحا الذي اعترفت به منظمة التحرير الفلسطينية بسيادة الوجود اليهودي في فلسطين ما قبل ألـ 1967 على الأقلّ، ومعنى الاعتراف أنَّه ليس لأيّ فلسطيني ولا لأيّ عربيّ أو مسلم أن يطالب بأيّ شبر من هذه الأرض، كما أنَّ الأراضي التي احتلّت في سنة 1967 بقيت محلّ التفاوض، لأنَّ الاتفاق لـم يعطِ الفلسطينيين اعترافاً إسرائيلياً بشرعية أرضهم كأرض فلسطينية، ولكنَّهم اعترفوا بمنظمة التحرير كمنظمة تطوّق شعبها وتعمل على إسقاط الانتفاضة بحيث تتعامل السلطة معها كما تتعامل بعض الأنظمة العربية مع "إسرائيل".
التشريع الإسلامي: عدم الموافقة على أصل الوجود الإسرائيلي:
وإذا انطلقنا من أسس إسلامية نجد أنَّ الإسلام لا يجوّز لأيّ مسلم أن يتنازل عن أرض إسلامية ليعطيها أو ليعترف لليهودي بسلطته عليها، القرآن يقول: {وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141]، ولذلك لا يمكننا من الناحية الإسلامية الشرعية أن نوافق على أيّ شرعية للكافرين على القدس، ومن منطلق التشريع الإسلامي فإنَّنا لا نوافق على أصل الوجود الإسرائيلي سياسياً في فلسطين.
قد يقول بعض النّاس إنَّكم لا تتمكّنون من استعادة فلسطين الآن، ولن تتمكّنوا في المستقبل، ولهذا فلن يفيدكم الرفض ما دام العالـم كلّه يقف ضدّكم، نقول: ليست هذه مشكلتنا، لأنَّنا كمسلمين نلتزم بأمر اللّه ونهيه التزاماً بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، فاللّه قضى بتشريعه أن تبقى أرض المسلمين للمسلمين وأن تبقى أرض المستضعفين للمستضعفين، ولا يجوز لهم ولا لغيرهم أن يسلّمها للآخرين، ولو أنَّ النّاس غلبوا على أمرنا نبقى على مواقفنا.
وفي هذا المجال أقدّم لكم مثالاً واضحاً على ذلك، شرب الخمر حرام شرعاً، وأغلب النّاس يشربون الخمر حتى بعض المسلمين، فهل يعني ذلك أن نبدَّل مواقفنا؟ نحن مسلمون، وسنبقى نقول بأنَّ الخمر حرام، وسنبذل لأجل تحقيق ذلك جلّ جهدنا، لأنَّنا عبيد اللّه وعلينا أن نطيع اللّه في ذلك، فالمسألة لا تتصل بموازين القوى بحيث نتبّع الأقوى، فالأمر ليس كذلك، اللّه يقول: {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187] لا يؤمنون، لا يشكرون.
المطلوب: الثبات على المبادئ والمواقف:
وبما أنَّنا أصحاب عقيدة، علينا الثبات على مبادئنا ومواقفنا، والعمل لأجل تحقيق أهدافنا ولإشاعة المعروف، وهذا ما تناوله حديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لـم يستطع فبلسانه، فإن لـم يستطع فبقلبه"(1). ابق رافضاً بقلبك إن لـم تستطع أن تكون رافضاً بلسانك وبيدك، ومعنى ذلك أنَّه يجب علينا أن نبقى في خطّ الرفض لما لا يريده اللّه، لا أن ننطلق من مزاج الرفض، وشهوة المعارضة، لأنَّنا لسنا من الذين يختارون الحرب على السلم لأنَّهم يحبّون الحرب، ولكنَّنا نعارض، ما يريدنا اللّه أن نعارضه وننكر ما يريدنا اللّه أن ننكره، ونقف في المواقف التي يريد اللّه لنا أن نقفها، ولذلك هناك فرقٌ بين معارضة تنطلق من خطّ سياسي طارئ، وبين معارضة تنطلق من خطّ إسلامي ثابت، لأنَّك لا تستطيع عندما تتحرّك في خطّ سياسي إسلامي ثابت إلاّ أن تبقى مع حركة هذا الخطّ، فإذا قال لك: سالـم، فإنَّك تسالـم، وإذا قال لك: حارب تحارب، وهكذا، أن تنطلق مع ما يريده اللّه {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء:65].
مفارقات السياسة الأمريكية، وانتهاك حقوق الإنسان:
يحاول الاستكبار العالمي دائماً القضاء على أيّة مقاومة سياسية أو عسكرية، أو أمنية أو ثقافية مناهضة لخطط الاستكبار العالمي. ومن المفارقات أنَّ أمريكا التي تتحدّث عن حقوق الإنسان والتعددية وحقّ المعارضة للشعب في أيّ مشروع ينطلق في هذه الدولة أو تلك، قد شهرت هذا السلاح، وأخذت تروّج له في الإعلام السياسي لتواجه به كلّ القوى الأخرى، مثل الاتحاد السوفياتي سابقاً وبعض الدول الموجودة في العالـم الثالث لاحقاً وما إلى ذلك، ومع ذلك فإنَّ أمريكا تحاول القضاء على القوى الفلسطينية والإسلامية وحتى القومية إن وجُدِت، وذلك عبر الإغراءات التي تقدّمها لهذه الدولة العربية أو تلك، لتمارس ضغوطاتها على هذه المعارضة في داخلها أو تلك لتمنعها من إسقاط اتفاق غزة - أريحا، أو على الأقلّ إضعافه.
الحديث عن المعارضة العربية دون الإسرائيلية:
وبالمناسبة نجد أنَّها تتحدّث عن المعارضة العربية والفلسطينية، ولا تتحدّث عن المعارضة اليهودية التي تناهض الاتفاق وهي ممثّلة بالليكود الذي يصرّح زعيمه بأنَّه سيقدم على إلغاء الاتفاق إذا نجح في الوصول إلى الحكم، إنَّ أمريكا لا تتحدّث عن المعارضة اليهودية، لماذا؟ لأنَّها تحترم اليهود عندما يعارضون كما تحترمهم عندما يوالون، وهي لا تريد لـ "إسرائيل" أن تظهر في موقف الذي يضغط على المعارضة اليهودية لإسقاطها أو لحصارها، لكن إذا كانت هناك معارضة عربية فعلى الأنظمة العربية أن تضغط على المعارضة عندها، لأنَّها لا تريد عالماً عربياً يعيش الإنسان فيه حريّاته، لا تريد أن تكون صورة العالـم العربي أمام العالـم هي صورة الحكم الذي يحافظ على شعبه ويحترمه، إنَّها تريد أن تُبقىٍ على صورة الاستعباد والاضطهاد الذي يمارسه الحكام ضدّ شعوبهم في العالمين: العربي والثالث، حتى تتمكّن من ممارسة ضغوطاتها على جميع هذه الدول على اختلافها.
الاستكبار: ادّعاء بتبنّي استراتيجية السلام:
ولقد تبنّى الاستكبار استراتيجية يظهر منها أنَّ كلّ ما يقوم به هو لصالح السلام، وهذا ما نراه من خلال التصريحات التي صرّح بها رئيس وزراء العدو، إبّان حديثه عن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضدّ المجاهدين في غزة والضفة الغربية، فهو يواجههم لأنَّهم ضدّ اتفاق السلام ويقول: نحن نخدم الفلسطينيين في ذلك، ونحن نتساءل: إذا كان كلّ ما يحصل من عمليات إسرائيلية هي في صالح الفلسطينيين من تدمير بيوت النّاس الذين يعارضون الاتفاق وقتلهم وسلخهم؟ فإنَّنا في المقابل لا نجده يتعرّض للمعارضين في داخل حكمه. إنَّ القضية ليست قضية معارضة، إنَّما يُراد إبقاء السيطرة اليهودية على الواقع العربي والإسلامي برمّته.
الإصرار على إبقاء حركة الرفض للمشاريع اليهودية الأمريكية:
وبالرغم مما يتعرّض له العالـم الإسلامي والعربي من ضغط عالمي فإنَّنا نصرّ على إبقاء الرفض لكلّ المشاريع اليهودية الأمريكية، لأنَّ هذا الجيل حمل مسؤوليته بأمانة، فكان الجيل الأمين على مستقبل أمته والأجيال اللاحقة. لا نريد أن نقرّ ونوقّع إقرار وتوقيع العبيد، فقد يكفي أن نقول: "لا" في هذه المرحلة، لنؤّسس لحركة رفض قوية في المستقبل، وتنمو الحركة التي يمكن أن تُحرَّر من خلالها الأرض، وإذا لـم نتمكّن يجب أن نبقى نخطّط للتحرير، تماماً كما هي حال البذور التي تخرج إلى الحياة في فصل الربيع {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5]، وبذور الحرية هذه كبذور الورود والأزهار ننثرها في الأرض، ونترك للماء الذي يهطل ماء الإرادة والقوّة من أن يزرع ويسقي شجرة الحرية في المستقبل.
إذا لـم نستطع أن نرفض باليد وباللسان فلنرفض بعقولنا، بإرادتنا وبقلوبنا، لأنَّنا إذا قبلنا الآن بفعل الأمر الواقع بشرعية الوجود اليهودي في فلسطين فغداً قد يأتينا وجود آخر في لبنان يفرض علينا الأمر الواقع: الانسحاب من بلادنا، وقد يحصل ذلك في أيّ منطقة أو بلد عربي أو إسلامي من العالـم.
حرب تشرين: تجربة تثبت أنَّنا الأقوياء:
في حرب تشرين، وهي المرة الأولى التي يسجل فيها العرب انتصاراً على "إسرائيل"، حتى وصل الأمر بـ "غولدمائير" رئيسة وزراء العدوّ لأن تبكي عندما ابتدأت الحرب، حيث علمت أنَّ العرب يمكن أن يحركوا بدرجة عالية ما يملكونه من سلاح، ولكنَّ الدعم الأمريكي لـ "إسرائيل" مكنّها من تجنّب ضربة قوية تزلزل كيانها.
إنَّنا عندما نريد أن نستذكر هذه الحرب، نستشعر في ذواتنا القدرة على الانتصار؛ إذا قررنا أن ننتصر، وأنَّنا قادرون على أن نحرّر أرضنا لو كانت عندنا إرادة التحرير وأخذنا بأسباب القوّة وحركّنا الإرادة في هذا الاتجاه، نحن قادرون، والدليل على ذلك هو هذه التجربة، ولكنَّ المشكلة هي أنَّنا نضعف أمام القويّ حتى عندما نكون أقوياء.
كما أنَّ ما تحقّقه الانتفاضة الفلسطينية في فلسطين والمقاومة، ولا سيّما المقاومة الإسلامية في لبنان من انتصارات جريئة لهو دليل إضافي على قوّتنا وقدرتنا على الانتصار.
الحكام صانعو الهزائم العربية:
الذي صنع الهزائم العربية هم الحكام المهزومون نفسياً، الذين يفكّرون بالبقاء في مراكزهم أكثر ممّا يفكّرون في بقاء أمتهم في مواقع حريّتها وعزّتها وكرامتها، لأنَّه سواء أكان الحاكم ملكاً أو أميراً أو رئيساً فإنّه كان يلجأ إلى التوقيع على ما يُراد له عندما يشعر بأنَّه مهدّد.
ولذلك رأينا أنَّ الذي انتصر في مصر(1) أو قاد الانتصار فيها انطلق ليقول: إنَّني لا أستطيع أن أحارب أمريكا، والتقطت أمريكا هذه الكلمة واستطاعت من خلالها أن تفتح ثغرة لـ "إسرائيل" في الجدار العربي تمهيداً لفتح ثغرات أخرى في الجدار السياسي والأمني والثقافي والاجتماعي، وهذا ما أدّى لأن يفكّر العرب منذ ذلك الوقت بأنَّه يجب أن تنتهي الحرب، وأنَّ عليهم أن يفكّروا في السلام من دون أن يخطّطوا لهذا السلام، أو يعرفوا طبيعته وموازين القوى المتحكّمة به.
يُقَدَّم للعرب سلام ضبابي:
وهذا ما حصل بالفعل، العرب يُقْدمون على سلام ضبابي غائم، وإنَّني أزعم أنَّ ما يُقدّم للعرب الآن من كلمات سلام من قبَل أمريكا و "إسرائيل" وحتى من بعض الدول العربية والأوروبية هو سلام ضبابي غائم لا يعرف العرب شيئاً عن طبيعته وسلبياته وإيجابياته، وما يؤكّد ذلك هو عدم وجود أيّة خطّة عربية لما بعد ما يُسمّى بالسلام.
المشكلة هي أنَّ السياسة العربية كانت سياسة ردّ الفعل، وسياسة الارتجال والانفعال والمزايدات، مقابل سياسة العدوّ المدروسة والمخطط لها. وبدل أن نعمل لتوحيد جهودنا في مواجهة العدوّ، نجد أنَّنا انصرفنا في المرحلة السابقة لتهوين بعضنا البعض، في مرحلة، وفي أخرى يقاتل بعضنا البعض، وانطلقنا بعيداً عن فلسطين التي تختصر كلّ تاريخ المنطقة لنتوجه إلى قتال إيران الثورة، التي كانت قد قطعت علاقاتها مع "إسرائيل" وأحلّت سفارة فلسطين مكان سفارة "إسرائيل"، ولذلك كان لا بُدَّ لإيران أن تُعاقَب أمريكياً وأوروبياً وعربياً لأنَّها أعادت المسألة الفلسطينية إلى نقطة الصفر بعد أن تجاوزها الكثيرون في خطّ الاستسلام، وفي الخطّ الأمريكي في هذا المجال.
لنخطّط كيف نصنع فيها القوّة:
وما نريد أن نقوله لكلّ العرب والمسلمين ومعهم المستضعفين أنَّه لـم يُقدّر للانتصار في حرب تشرين أن يستمرّ طويلاً بفعل الكثير من الخيانات التي انطلق فيها من خانوا شعبهم وأمّتهم هناك في مصر.
فالقضيّة هي أنَّ الأمّة إذا أرادت أن تغيّر واقعها فإنَّ اللّه يغيّر لها مستقبلها {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، وإن كانت لها نعمة الحريّة والاستقلال فإنَّ اللّه لا يغيّر هذه النعم {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال:53].
على الأحرار تأليف جبهة موحدة لمقـارعة الاستكبار(1)
شروط أمريكية لإلغاء حظر السفر إلى لبنان:
أ ـ نزع سلاح المقاومة:
أميركا غير مستعدة للموافقة على سفر الأمريكيين إلى لبنان، ولإنهاء الحظر على شركة طيران الشرق الأوسط إلاّ بعد نزع سلاح المقاومة الإسلامية!! لأنَّ سلاح المقاومة الإسلامية مع سلاح الانتفاضة هو السلاح العربي الوحيد الذي يُرفع في وجه "إسرائيل"، وأمريكا لا تريد لسلاح أن يُرفع في وجه "إسرائيل".
ولذلك لـم نسمع يوماً أنَّ الرئيس الأمريكي أو وزير خارجية أمريكا طلب يوماً ولو لمرة بضرورة نزع سلاح "جيش لبنان الجنوبي" حتى يفرض لبنان سيادته على كلّ أرضه، أو طالب "إسرائيل" بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة.
أوضاعنا تحتاج إلى استنفار على كلّ المستويات:
وعلى هذا الأساس يجب أن نفكّر بواقعنا ملياً، ونقلع عن المسلسلات الأمريكية والمكسيكية التي تقوم بغسل أدمغتنا وتلهينا عن أوضاعنا، لأنَّ الأوضاع التي نواجهها تحتاج إلى استنفار فكري وعلى مختلف المستويات، لنحمي وجودنا من الهجمة الإسرائيلية التي تريد أن تجتاحنا من خلالها سلمياً بعد أن عجزت عن اجتياحنا عسكرياً، ولذلك على كلّ منّا أن يتحسّس مسؤوليته، ويفكّر كيف تربح الأمّة سياسياً واقتصادياً وأمنياً أو ما إلى ذلك.
دعوة الحكومات والشعوب للتوازن:
ولذلك نقول للمسؤولين وللشعب في آن معاً: على الإنسان أن يتوازن مع تجاربه ومعاملته، لأنَّه من حقّ أيّ إنسان أن يتعامل ويحصل على رزقه، ولكنّ مشكلتنا هي أنَّ الكثيرين من المسؤولين في العالـم العربي يدخلون في صفقات مع شركات عالمية ليفرضوا على دولهم أرقاماً عالية من أثمان هذه الصفقات، لتكون عمولتهم كبيرة، وقد يصل بهم الأمر إلى أن يشتروا سلاحاً فاسداً ليقبضوا مقابل ذلك عمولة كبيرة، ولا مشكلة لديه في أن يخسر شعبه، وهذا ما سبَّبَ هزيمة الجيش المصري في سنة 1948، وأدّت إلى انقلاب يوليو 1952.
اقتصادنا يتحرّك بذهنية رجال الأعمال:
من جهة أخرى، نحن نعيش في وضع اقتصادي يتحرّك بذهنية اقتصاد رجال الأعمال والشركات الكبرى، ولا يتحرّك بذهنية الحاجات الشعبية في حركة الاقتصاد في الواقع الشعبي.
ولذلك نحن نخشى في المستقبل أن يتحرّك رجال الأعمال من اليهود مع رجال الأعمال الذين يتاجرون على حساب شعوبهم ويأخذون المواقع المتقدمة من أجل الزيادة في مداخيلهم، من انتشار شركات لبنانية - إسرائيلية تمتصّ دماء ما بقي من الشعب اللبناني الفقير المستضعف باسم تحريك الاقتصاد اللبناني، وبوعود الانتظار إلى سنة الألفين حتى نحصّل لبنان في اقتصاده.
مشكلة لبنان ليست سياسية فقط:
من هنا قد يفكّر البعض ويقول: إنَّه لا يوّد أن يتدخّل في السياسة، أو لا يريد أن يمارس العمل السياسي، ولكن أيُّها النّاس، لقد أصبح الاقتصاد والأمن والواقع الاجتماعي مرتبطاً بالسياسة، ولذلك ليست مشكلة لبنان مشكلة اقتصادية بقدر ما هي مشكلة سياسية في العمق، فعندما تنفرج المشكلة السياسية في لبنان فإنَّ مشكلته الاقتصادية تنفرج تلقائياً، كما أنَّ الممارسات السياسية في الخارج، سواء كانت سياسية دولية، أو إقليمية، فإنَّها تنعكس سلباً أو إيجاباً على واقعنا الداخلي بكلّ جوانبه ومواقعه.
ومن هذا المنطلق فإذا لـم تمارسوا السياسة فعليكم أن تمتلكوا وعي الواقع السياسي ووعي اللعبة والخلفيات السياسية حتى لا يخدعكم الآخرون الذين يلعبون على اقتصاد البلد وسياسته وأمنه من خلال جهلكم بالخلفيات والنتائج وبالامتدادات التي تتحرّك هنا وهناك.
الأمّة تتعرّض لهجمة دولية لإخضاعها:
إنَّنا نُقبِل على مرحلة من أصعب المراحل في تاريخ أمتنا، سواء تحدّثنا عن الأمّة العربية أو عن الأمّة الإسلامية، حيث تتعرّض الأمّة لهجمة دولية على كلّ مواقعها من أجل إخضاعها.
والمشكلة في الأمر أنَّ هناك دولاً عربية تعمل في خدمة "إسرائيل" أكثر ممّا تعمل "إسرائيل" لنفسها، وهذا ما نلاحظه من خلال الدور المصري الذي قد يفوق الدور الإسرائيلي في تنفيذ الخطط الأمريكية - الإسرائيلية ضدّ الواقع العربي كلّه، بحيث يقف وزير خارجية مصر في اجتماع الدول العربية غير الرسمي في أمريكا ليطلب من الدول العربية أن تقدّم طلباً للأمم المتحدة لإلغاء كلّ القرارات التي صدرت ضدّ "إسرائيل" منذ احتلالها لفلسطين وحتى الآن، وهي قرارات صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وتدين عدوان "إسرائيل" ووحشيتها وهمجيتها وإساءتها لحقوق الإنسان.
ولذلك تُريد مصر أن تزيل من خلال تحالفاتها مع أمريكا و"إسرائيل" هذه اللطخة السياسية التاريخية عن "إسرائيل" ليبدو تاريخها وسجلّها نقياً صافياً هذا في الوقت الذي تُحرِّك فيه أمريكا الأمم المتحدة للإساءة إلى كلّ الواقع العربي والإسلامي، وتقف لتؤكّد أنَّ سوريا دولة تشجّع الإرهاب، وأنَّ كلاًّ من السودان وإيران وليبيا دول إرهابية.
إلغاء المقاطعة الاقتصادية لـ "إسرائيل":
لقد أصبحنا في وقت بلغ فيه همّ الدول العربية أن تُخلِّص "إسرائيل" من كلّ قرارات الأمم المتحدة التي تدينها حتى تظهر "إسرائيل" بمظهر الدولة الحضارية التي لا غبار عليها في الماضي والحاضر والمستقبل، كما أنَّها تسعى مع كثير من الدول الخليجية وغير الخليجية على إلغاء المقاطعة الاقتصادية لـ "إسرائيل"، من قبل العرب، في الوقت الذي لـم تقدّم "إسرائيل" حتى الآن أيّ شيء، فلم تنسحب من الجولان ومن لبنان ومن الضفة الغربية وغزة، وبدلاً من أن تعترف للفلسطينيين بحقّهم في الأرض، وفي إقامة دولة لهم، نجد أنَّها اعترفت لهم بحكم ذاتي، الذي إذا حاولنا الغوص في تفاصيله فإنَّه يشتمل على كثير من القضايا التي تنتصب أمامها علامات الاستفهام ممّا يُمكِن أن يُفشِل أو يُعطّل نتيجة هذه التعقيدات، ويطالب العرب بإقامة علامات اقتصادية مع "إسرائيل"!! وإلغاء المقاطعة الاقتصادية، والعمل لتبرئتها في الأمم المتحدة من كلّ ما قامت به ضدّ العرب والفلسطينيين، هذا في الوقت الذي تعمل فيه أمريكا على أساس إبقاء الواقع العربي والإسلامي في كثير من مظاهره على لائحة الإرهاب وتحت عنوانه.
جبهة واحدة لمقارعة الاستكبار:
ولذا نريد للعرب وللمسلمين أن يمتلكوا وعياً سياسياً ليتمكّنوا من مواجهة كلّ هذه الأخطار، كما أنَّنا ندعو كلّ حركات التحرر في العالـم العربي والإسلامي، سواء كانت حركات إسلامية أو قومية أو وطنية أو ما إلى ذلك، إذا كانوا لا يزالون جادّين في مواجهة الاستكبار والاستعمار والصهيونيـة أن يؤلّفوا جبهة واحدة تُسقط كلّ هذه الخطط التي تريد إلغاء العالـم العربي والإسلامي لمصلحة الاستكبار العالمي والاستكبار الصهيوني، ليرفع النّاس الذين يحبّون أن يعيشوا الحريّة إلى مواقع الحريّة، ولا يكتفوا بأن يتحدّثوا عن الحريّة بالكلمات وبالقصائد وما إلى ذلك.
الإسلام والمسيحية ترفضان الاعتراف بـ "إسرائيل"(1)
إنَّنا عندما نريد أن نخاطب المسيحيين، لا في لبنان فحسب، ولكن في العالـم كلّه، كلّ مسيحي يجد السيِّد المسيح (ع) في شخصيته وفي رسالته عنواناً له، نخاطبهم في القضية الفلسطينية ونسألهم: لو كان السيِّد المسيح (ع) الذي طرد اللصوص من الهيكل حاضراً الآن، فهل يسمح باغتصاب اليهود لفلسطين؟ وأن يبقى لصوص الأرض ولصوص السياسة ولصوص المال على كلّ هيكل اللّه في أرض الإنسان؟ أو أن يعترف بـ "إسرائيل" كدولة ويعطيها الشرعية المسيحية في ذلك؟ لن يعترف السيِّد المسيح (ع) بفلسطين كأرض لـ "إسرائيل"، ولن يعترف النبيّ محمَّد (ص) بفلسطين كأرض لليهود.
ولذلك فإنَّ المسلمين والمسيحيين الذين يعترفون بـ "إسرائيل"، ليسوا مسيحيين وليسوا مسلمين، لأنَّ الإسلام والمسيحية لا يوافقان على ذلك، نحن لا نريد أن نكفّر أحداً ونقول: إنَّ هذا ليس مسلماً، وهذا ليس مسيحياً، ولكنَّنا نقول إنَّ هذا القرار ليس إسلامياً وليس مسيحياً، لأنَّه قرار بإعطاء الشرعية لاغتصاب الأرض من أهلها.
ولذلك نحن لا نعتبر اعتراف الأنظمة كلّها بـ "إسرائيل" اعترافاً إسلامياً أو مسيحياً، لأنَّ الإسلام والمسيحية يرفضان ذلك من حيث المبدأ.
"إسرائيل" لـم تعترف بفلسطين الفلسطينية:
وفي المستقبل سنعرف أنَّ الآخرين وهم اليهود في العالـم كلّه ومن يتحالفون معهم من المستكبرين في العالـم وفي مقدمتهم أمريكا، سيعملون بكلّ قوّة لمتابعة معركة "إسرائيل" مع الواقع العربي بالمستوى الذي تحقق لـ "إسرائيل" كلّ أهدافها وكلّ أطماعها على حساب كلّ الواقع العربي، وهذا ما تترجمه الأقوال والأفعال، في ما نسمع من تصريحات متحركّة تعطي الفكرة عن الخطّة المستقبلية. نحن مثلاً: سمعنا تصريحاً من هنري كيسنجر الذي كان المخطط لكامب دايفيد ولا يزال يملك أكثر من ورقة ضغط على الإدارة الأمريكية من خلال الكثير من تلاميذه، يقول فيه عن اتفاق غزة - أريحا إنَّ "إسرائيل" انطلقت في الاتفاق في مقابل الوقت لا في مقابل السلام، ما معنى ذلك؟ إنَّه يريد أن يقول: إنَّ "إسرائيل" ليست في هذه المرحلة في وارد أن تقدّم الأرض للعرب أو للفلسطينيين في مقابل السلام، ولكنَّها أفسحت المجال لاتفاق غزة - أريحا من أجل كسب الوقت، لأنَّ "إسرائيل" لـم تتنازل في اتفاق غزة ـ أريحا عن الأرض ولـم تعترف بأرض للفلسطينيين بالمعنى السياسي، لـم تعترف بفلسطين فلسطينية، إنَّما اعترفت بجمعية فلسطينية وهي منظمة التحرير، وأعطت لها الحكم الذاتي في النطاق المحدود، هذا كلّ ما أعطته لتتمكّن من خلال ذلك من اختراق العالـم العربي والإسلامي.
لاحظنا الكثير من هذه الاختراقات، ولتتمكّن أيضاً من أن تجلب مئات الملايين من الدولارات على أساس المساعدات العالمية، لتحلّ مشكلتها الاقتصادية، لتخفّف من ضغوطات غزّة التي كانت تمثّل كابوساً ثقيلاً للإسرائيليين، باعتبار الضحايا التي كانت تسقط منهم من خلال ضربات المجاهدين في الانتفاضة هناك، إنَّها تريد أن تكسب الوقت وتؤخّر المفاوضات، حتى أنَّها تتأخّر في حلّ المفردات الصغيرة في اتفاق غزة ـ أريحا، ويكفي أنَّها أَخَّرت ولا تزال تؤخّر عملية الإفراج عن المعتقلين التي لا تمثّل شيئاً كلية لكسب الوقت، كما أنَّ كيسنجر يقترح في تصريحه هذا بأنَّ على "إسرائيل" عندما تريد أن تتفاوض مع سوريا ومع الأردن ومع لبنان ألا تعمل لحلّ كامل ولكن لحلول جزئية مؤقتة على طريقة الخطوة خطوة، وعلى طريقة اتفاق غزة- أريحا بحيث يكون اتفاق غزة - أريحا صورة لاتفاق سوري - إسرائيلي، ولبناني- إسرائيلي، وأردني - إسرائيلي، وهكذا.
أحاديث عن اهتزازات في المنطقة:
تمهيداً لتنازلات من جانب العرب:
هذا في الوقت الذي يُتحدّث فيه وراء كواليس السياسة الدولية بأنَّ المنطقة سوف تخضع لمتغيرات ولاهتزازات قبل التسوية الشاملة تسقط فيها رؤوس كبيرة، وتهتزّ فيها أوضاع سياسية واقتصادية في أكثر من موقع، بحيث تعيش المنطقة حالة انعدام الوزن، حتى إذا تحققت التسوية فإنَّ "إسرائيل" ستحصل على كلّ ما تريد من خلال الرعاية الأمريكية لذلك، لأنَّها لا تريد تسوية يُمكِن أن تقلّص أطماعها وأهدافها، وربَّما تعمل على حصد بعض ما تبقّى للعرب من قوّة، لتفرض عليهم المزيد من التنازلات.
الأنظمة: مواجهة المعارضين:
وهذا ما نلاحظه من خلال أحاديث الرئيس الأمريكي، بحيث يحاول دائماً أن يبرّر لـ "إسرائيل" أسلوبها في المفاوضات على الطريقة "السلحفاتية"، باعتبار أنَّ رئيس وزراء العدوّ يعيش ظروفاً صعبة في مواجهة المعارضة، ولذلك فإنَّه يحتاج إلى وقت لكي يُقنع الإسرائيليين، ولكي يُقنع المعارضين بتنازله هنا حتى يستطيع أن يتنازل في المستقبل، ولذلك على العرب أن يصبروا عليه وأن يقدّموا التنازلات، وأن يلغوا المقاطعة الاقتصادية وما إلى ذلك، حتى يسهِّلوا عليه أمره في الداخل، المطلوب أمريكياً من المنظمة أن تقمع المعارضة من الداخل. ويتحدّثون عن المقاومة الإسلامية بأنَّ من الضروري نزع سلاحها لأنَّه ضدّ السلام، وبهذه الطريقة يتحدّثون عن كلّ المعارضين من الفلسطينيين والإسلاميين وعن إيران الجمهورية الإسلامية، ومن كان ضدّ السلام، فعلى الجميع محاصرته والوقوف ضدّه، لكن أن يكون اليهود ضدّ السلام في الداخل فعلينا مراعاة شعورهم وإقناعهم والانفتاح عليهم، وأن نسهِّل لرئيسهم أموره!! وهذا يعني أنَّ الأمريكيين يقولون: إنَّ اليهودي محترم في رأيه، ومن هنا لا تملك دولته الحقّ، أن تصادر حريتّه، أمّا العربي فإنَّه لا يملك احتراماً في موقفه السياسي، فإنَّ ما يجب أن يواجهه هو العصا من خلال الأنظمة التي تشرف عليه.
العدو يحترم شعبه:
إنَّ الفرق بين كثير من الأنظمة عندنا وبين نظام العدو هو: أنَّ نظام العدوّ يحترم شعبه، ويعمل على أن يُمارس شعبه حياة سياسية، وأنَّ أكثر أنظمتنا في العالـم الثالث لا سيما في العالـم العربي تصادر شعوبها وتمنعها من أن تتحرّك في سبيل قضايا الحريّة وقضايا العدالة، ولكي تفرض بعض الأنظمة التسوية على شعوبها، نجد أنَّها تروّج وتتحدّث بأنَّها كانت مضطرة للصلح، ولكنَّنا نعرف أنَّ أكثر الأنظمة العربية كانت تستعجل الصلح ولذلك لـم تفسح المجال لشعوبها في أن تتحدّث عن رفض الصلح مع "إسرائيل"، لأنَّ الأنظمة لـم تخضع لضرورات في مواقفها، وإنَّما خضعت لاختيار سيّئ منطلقة في ذلك من السياسة التي تخضع فيها للسياسة الاستكبارية في العالـم. مشكلة القضية الفلسطينية هي مشكلة الأنظمة التي تسلّمت القضية الفلسطينية حتى تحرّر نفسها من فلسطين، لا أن تحرّر فلسطين من اليهود، وهذا ما كان عليه الحال في كلّ الواقع الذي عشناه، ولهذا فإنَّنا نعتبر أنَّ الكثيرين من رموز هذه الأنظمة الذين وُظّفوا حرّاساً للسياسة الاستكبارية هم الذين لـم يسمحوا للأمّة أن تنطلق لتحرّك خياراتها في القضايا الكبرى، ولذلك فإنَّ مهادنتها تعني: إسقاط الأمّة لكلّ خياراتها والتخلي عنها.
حالة الانهيار العربية شجّعت اليهود لفرض خططهم:
وحالة الانهيار التي تعاني منها الأنظمة العربية، دفعت باليهود إلى فرض خططهم على المنطقة، وهذا ما صرّح به رابين في آخر حديث له حيث يقول: إنَّ حدود "إسرائيل" تصل إلى نهر الأردن، وهذا يعني أنَّ الضفة الغربية هي جزء من "إسرائيل" ولن تقدِّم للفلسطينيين إلاَّ حكماً ذاتياً في بعض مدن الضفة الغربية، ولكن على أساس أن يكون في نطاق دولة "إسرائيل" كأيّ حكم ذاتي للأقليات. كما أنَّه يتحدّث بأنَّ القدس سوف تبقى موحّدة كعاصمة أبدية لـ "إسرائيل" ولن يفاوض عليها، حتى عندما يتحرّك الصلح في المسار اللبناني أو السوري أو الأردني فإنَّ المسألة سوف لن تكون بعيدة عن اتفاقات أمنية تفرض فيها "إسرائيل" أن يكون لها دور في المحافظة على الأمن بالاتفاق مع هذه الدولة أو تلك على طريقة 17 أيار. وهكذا يتحدّث الكثيرون عن أنَّ الانسحابات الإسرائيلية سوف تعقبها قوات دولية تكون القوات الأمريكية أساسية فيها، ومعنى ذلك أن يأتي الأمريكيون ليحتلّوا أرضنا باسم القوّة الدولية كما احتلّوا الصومال من قبل.
رفض ما يسيء إلى عزّتنا وكرامتنا:
إنَّ القضية في ظلّ هذا الجوّ السياسي هي غاية في الخطورة، لأنَّها تمثّل مصيرنا ومصير أولادنا وأجيالنا ومواقعنا، لذلك لا تواجهوا هذه الأمور بذهنية اللامبالاة، ومحّصوا كلّ مشروع، سواء كان صغيراً أو كبيراً، لاحقوا كلّ تصريح وكلّ القضايا لتتّخذوا منها موقفاً حاسماً، لأنَّنا مسؤولون عن أن نعبّر بالرفض عن كلّ ما يسيء إلى عزّتنا وحرّيتنا ومستقبلنا، حتى نقول للأجيال القادمة: إنَّ الشعوب العربية والإسلامية لـم تقبل الصلح وإنَّما قبلها أناسٌ نُصبّوا زوراً على رأس هذه الشعوب.
المقاومة والانتفاضة قادرتان على إسقاط الخطّ الإسرائيلي(1)
لعلّ الحيادية التي يعيشها العالـم الإسلامي في كثير من مواقعه هي السبب في كثير من المشاكل التي نعيشها في واقعنا الإسلامي، وفي العالـم الذي جعلنا نواجه الكثير من الهزائم ومن التراجعات ومن الإنسحابات المتلاحقة من مواقعنا أمام الكافرين وأمام المستكبرين، حيث لا يتدخّل أغلب العالـم الإسلامي بالمسائل السياسية والأمنية التي تهدّد واقع المسلمين فيه.
عندما تبدأ المعارك يقول الجميع: "الجلوس على التل أسلم"، وعندما تكون الغنائم يقول الجميع: "الغداء مع من يملك الغنيمة أدسم". قد تحدّث الإمام عليّ (ع) عن بعض النّاس الذين وقفوا على الحياد بينه وبين معاوية، قال: "خذلوا الحقّ ولـم ينصروا الباطل(2)، بحيث يقول الكثير من النّاس نحن لا مع هؤلاء ولا مع أولئك، وأنا قلت لبعض النّاس مرّة: أنَّه لو كان النبيّ (ص) موجوداً ودخل بمشكلة مع أناس آخرين، فسوف يقول بعض النّاس: أنا لست مع محمَّد ولا مع أبي سفيان!! أنت عندما يكون عندك التزام عليك أن تدرس موقعك وقضيتك لتنصر الذين يلتزمون، حتى تتمكّن من القيام بالمسؤولية الملقاة على عاتقك.
وعلى هذا الأساس يمكننا أن ندخل في دراسة لواقع اليهود الذين لا يمثّلون أكثر من عشرين مليوناً، أو قل على الأكثر ثلاثين مليوناً، في حين يشكل المسلمون ربع سكان العالـم، أي إِنَّه يزيد عددهم عن المليار مسلم، يشكّل العرب بينهم حوالي مائتي مليون. فلماذا انتصر اليهود على العرب والمسلمين؟ لأنَّه لـم يقف هناك يهودي في العالـم حيادياً تجاه قضايا اليهود، حيث يمتلك هؤلاء مواقع متقدّمة في المال والإعلام والسياسة والأمن، ويقدّم كلّ واحد منهم المصلحة اليهودية على مصلحة البلد الذي يعيش فيه.
يهود أمريكا يعملون لمصلحة "إسرائيل":
هنري كيسنجر: الفتنة اللبنانية:
إنَّ يهود أمريكا يعملون لمصلحة "إسرائيل" أكثر ممّا يعملون لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية التي يحملون جنسيتها!! حتى إنَّ وزير خارجية أمريكا الأسبق السيّئ الذكر "هنري كيسنجر" الذي كان وراء الفتنة اللبنانية لا يزال يُنظّر لجعل الإدارة الأمريكية لمصلحة "إسرائيل" ضدّ مصلحة العرب، ولكن عندما يواجه الواقع العربي فإنَّ الواقع العربي لـم يتحرّك في موقف واحد لدرء الخطر الإسرائيلي، بل إنَّ هذا الواقع بدأ بعضه يتخلّى عن المسؤولية عن بعضه الآخر، حتى أصبحت القضية الفلسطينية في غربة عن العرب والمسلمين، وهكذا بالنسبة لسوريا ولبنان والعراق، حيث لا يعني هذا الأمر البلدان العربية لا من قريب ولا من بعيد وخاصة من قبل عدد من دول الخليج.
"إسرائيل" والتعامل مع الواقع العربي:
سياسة الاستفراد:
لقد عرفت "إسرائيل" كيف تتعامل مع الواقع العربي، فاستطاعت أن تستفرد كلّ دولة عربية على حدة، وأشعرت أنَّ العرب لا يشكّلون أمّة واحدة فتعاملوا معها ككمٍّ ممزّقٍ متناثر الأشلاء، لا يوجد فيما بينهم أيّ حالة من الالتئام والارتباط، وقد وصل الأمر ببعض الدول العربية، حتى قبل أن يحصل الصلح أن تستقوي بـ "إسرائيل"، على دول عربية أخرى، هناك زيارات للقادة الإسرائيليين لدول عربية لـم تصالح "إسرائيل" ويوجد إمكانيات كثيرة لحصول علاقات اقتصادية وأمنية بين "إسرائيل" والدول العربية من دون أن يحصل شيء، ليس هناك قطر عربي مستعدٌ أن يتنازل لقطر عربي آخر عن عدّة كيلومترات من الصحراء التي ليس فيها شيء، ومشاكـل الحدود لا تزال موجودة بين دول الخليج وغيرها، كما هـو الحال بين اليمن والسعودية، لكنَّهم علـى أتـمّ الاستعداد أن يتنازلوا عن فلسطين كلّها لليهود.
الحكام العرب: حرب لا هوادة فيها ضدّ العرب وحوار مع "إسرائيل":
إنَّهم مستعدّون لأن يخوضوا حرباً لا هوادة فيها ضدّ العرب الآخرين في بعض القضايا التي تتصل بمواقعهم السلطوية، ولكنَّهم ليسوا مستعدّين لأن يدافعوا عن أيّ شيء تجاه الآخرين، يستعجلون حتى على منظمة التحرير التي استعجلت التسليم لـ "إسرائيل" أن تتمّ الاتفاق كيفما كان، حتى من دون أن تقدّم لهم أيّة حمايات، إنَّهم يتحرّكون كالدمى وتديرهم الولايات المتحدة من منطلق الرغبة في أن يحصلوا على بركتها، حتى على حساب قضاياهم.
أمريكا: انتزاع سلاح المقاطعة من العرب:
وفي هذا السياق تتحرّك الدوائر الأمريكية للانتزاع من العرب سلاحاً فعالاً استخدموه في الصراع مع "إسرائيل"، ويتجلّى ذلك في تصريح وزير خارجية أمريكا الذي أطلقه أمام الكونغرس الأمريكي بأنَّ على العرب إلغاء المقاطعة الاقتصادية لـ "إسرائيل"، ويقول ذلك في لهجة تهديدية: "لقد نفذ صبرنا" أي أنَّه إذا لـم تلغوا المقاطعة تعرفون ماذا يحلّ بكم، ثـمَّ يعقّب بأنَّ هناك بعض الدول العربية التي رفعت المقاطعة من دون إعلان رسمي، ثـمّ يتطرّق بقوله بأنَّه على الأمم المتحدة أن تقوم بإلغاء كلّ القرارات الصادرة من قِبَلها وتدين فيها "إسرائيل"، أي أن تقوم بإلغاء كلّ الإدانات التي صدرت من الأمم المتحدة ضدّ احتلال اليهود لفلسطين، وضدّ تعسّف اليهود على الفلسطينيين وضدّ تشريدهم، والقرارات التي طلبت من العالـم أن يعيد الفلسطينيين إلى فلسطين، وتلك التي تشجب العدوان الإسرائيلي على لبنان وسوريا وكلّ البلدان العربية، وهذا يعني أنَّ على الأمم المتحدة ألا تحترم قراراتها لسبب واحد وهو أنَّ هذه القرارات متصلة بـ "إسرائيل".
أيُّ استقلال للبنان وأرضه محتلة(1)
يحتفل لبنان بمناسبة الاستقلال عن فرنسا، أو يتحدّثون عن الاستقلال ويحضّرون لإقامة المهرجانات، حيث النظرة للاستقلال قد اختلفت عمّا كانت عليه سابقاً، لأنَّ الاستعمار كان في السابق استعماراً تقوم فيه دولة باحتلال دولة أخرى عسكرياً، وقد استطاع لبنان بطريقة وبأخرى أن يتحرّر منه، ولكنَّه أصبح في هذه الأيام استعماراً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، لا يمكّنك من أن تحرّك اقتصادك بحريّة، ولا يعطيك فرصة للاستقلال بقرارك السياسي، ويدخل أمنه ومخابراته كلّ مفاصل أمنك ومخابراتك وأوضاعك، لذلك لقد خرج الجيش الفرنسي من لبنان، وحصل لبنان على استقلاله، ولكنَّ الدول الكبرى دخلت إلى لبنان من ألف نافذة سياسية وأمنية وثقافية واقتصادية، مما جعله مرتهناً بكلّ هذه العناوين للاقتصاد الاستكباري في العالـم.
دعوة أمريكا للإشراف على الواقع:
وهؤلاء الذين يحتفلون بالاستقلال ويهيّئون له مهرجاناته واستعراضاته يطلبون صباحاً ومساءً من أمريكا أن تُشرف على الواقع اللبناني، وأن يقدّم له الغطاء الأمني والسياسي والاقتصادي وما إلى ذلك. إنَّهم يخافون من أن يكونوا أحراراً عن أمريكا وغيرها، إنَّهم يريدون للسياسة الأمريكية أن تتحرّك في خطّ سياستهم، وللأمن الأمريكي أن يتحرّك في خطّ أمنهم، وللاقتصاد الأمريكي أن يبارك اقتصادهم. وعندما ينفذ الإنسان إلى داخلهم فإنَّهم يصرخون دائماً: أمريكا إنَّنا ننتظرك بعد حصول بعض التطوّرات في المنطقة، ولولا بعض الأوضاع الإقليمية التي تضغط على بعض السياسيين في لبنان لرأينا أنَّ لبنان كان قد قام بكلّ ما يُراد له حتى قَبْل الفلسطينيين، لأنَّ السياسة اللبنانية الباطنية تتحرّك بهذا الاتجاه.
ثمَّ نحن نحتفل بالاستقلال، ولكن أيُّ استقلال هذا وأرضنا محتلة في جبل عامل وفي البقاع الغربي! إنَّنا لا نحتاج إلى استعراضات عسكرية، ولكن نحتاج إلى قوّة عسكرية، تؤكّد الاستقلال وقوّة الاستقلال.
ولكن للأسف! فإنَّ البلد لا ينتهج سياسة المواجهة العسكرية، بل على العكس، يعتمد سياسة مواجهة المعارضين حتى لو تظاهروا سلمياً، سياسة مواجهة الحريات الإعلامية والسياسية، حيث قامت هذه الحكومة بمضايقة وإرباك أكثر من صحيفة وأكثر من جهاز إعلامي أكثر من أيّة حكومة سبقتها، لأنَّ المطلوب منها هو ألا يُسمح للشعب اللبناني أن يتظاهر ليعبّر عن رأيه، حتى لو كانت المظاهرة سلمية.
الاستقلاليون الحقيقيون: الأبطال المرابطون على الثغور:
إنَّنا نحتفل بعيد الاستقلال عندما يستقلّ لبنان بخروج الجيش الإسرائيلي منه، إنَّهم يحتفلون بأبطال الاستقلال وتشاهدون في التلفزيون كيف يضعون الورود على قبر هذا وذاك، ما الذي فعله أبطال الاستقلال؟ سجنوا في قلعة راشيا وانتهت القصة(1)!! أو أُعدم عددٌ منهم في العهد التركي، أمّا الاستقلاليون الحقيقيون فهم هؤلاء الأبطال الذي يسقطون في كلّ يوم على الثغور. إنَّهم هؤلاء الذين يدافعون عن الأرض وعن المستقبل، هؤلاء هم الأبطال لأنَّهم يملكون ثقافة الحرب كما يملكون وعي السلم، هؤلاء الذين تتحوّل المقاومة عندهم إلى صلاة يتقرّبون بها إلى اللّه تماماً كما يتقرّب أحدكم بصلاته. هؤلاء الذين لا ترتاح الدولة لهم، ولذلك فإنَّ الدولة لا تتحمّس لمقاومتهم ولو استطاعت أن لا تتحدّث عنهم ببعض أجهزتها الإعلامية لفعلت ذلك. وهذا ما جرى بالفعل حيث لـم نسمع رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو أيّ وزير أنَّه قد أشاد بالعمليات البطولية التي قام ويقوم بها أبطال المقاومة الإسلامية التي استطاعت أن تهزم الخطّة العسكرية والأمنية للعدوّ في المنطقة الحدودية ، والتي دلّت على عملية الإبداع اللبناني التي تقدّمت على الخطط العسكرية للعدوّ وهزمتها وأسرت من جنودها.
دعوة الحكام لإنصاف المجاهدين وعدم التآمر عليهم:
إنَّهم يهمسون في كواليسهم مع الأمريكان، وربَّما مع الإسرائيليين؛ اعذرونا لأنَّنا لا نستطيع في هذه المرحلة أن نقمعهم، نحن لا نطلب للمجاهدين أوسمة فوسامهم من اللّه الذي رضي عنهم ورضوا عنه، ولا نطلب منكم أن تضعوا للشهداء منهم أكاليل الورود على قبورهم، لكن أيُّها الرسميون في هذا البلد المطلوب فقط منكم ألا ترجموهم بالحجارة، وألا تتعاونوا مع العدو وألا تتحدّثوا بين وقت وآخر عن نزع سلاح المقاومة الإسلامية من دون أن تجرؤوا على أن تتحدّثوا عن نزع سلاح الميليشيات العميلة اللحدية لـ "إسرائيل". أيُّ استقلال هو هذا؟ إنَّ الاستقلال يُقدّم في كلّ يوم شهداءه وأبطاله.
المجاهدون: وبطولات الحاضر:
إنَّ الذين يتحدّثون عن التأريخ هم الذين لا يملكون بطولات الحاضر، ولذا عليهم أن يحنوا رؤوسهم لهؤلاء الأبطال الذين يملكون بطولات الحاضر التي تتحدّى بطولات التاريخ لتبقى تلك البطولات مجرّد ذكريات تدرس، ولكنَّنا نواجه بطولات تُعاش.
المنطقة الحدودية:
أ ـ المجنّدون لمصلحة من؟
نقول لكلّ النّاس في المنطقة الحدودية، الذين يتجنّدون لحساب "إسرائيل"، قولوا لنا ما هي القضية التي تقاتلون من أجلها؟ ولذلك نخاطب كلّ من يحمل بندقية في المنطقة الحدودية، ويتجنّد في مخابرات العدو، أيُّها الإنسان المشوّه عقلياً وروحياً ونفسياً، أنت لـم تدافع عن المنطقة الحدودية، إنَّما تحارب من يريد أن يحرّر هذه المنطقة من الاحتلال، إنَّك تحارب أهلك!!
ب ـ المسلمون والمسيحيون خاضعون للاحتلال:
ومما يلفت النظر هو أن تتداول بعض الأوساط الحديث عن مشكلة المسيحيين في المنطقة الحدودية، بعد أن كانت تجري الأحاديث عن مشكلة المسيحيين والمسلمين، ونحن نعرف أنَّ هذه المرحلة قد انتهت، وأصبح المسيحيون والمسلمون يتحرّكون بشكل طبيعي جداً حيث لا مشاكل ولا حواجز ولا خطوط تماس، نحن ننظر إلى مشكلة المسيحيين في المنطقة الحدودية كما ننظر إلى مشكلة المسلمين، فهم جميعاً خاضعون للاحتلال من قِبَل "إسرائيل"؟
تريدكم "إسرائيل" أكياساً بشرية لحماية أمنها:
إنَّ غاية ما يريده المحتلّ منكم أن تجعلوا من أنفسكم أكياساً بشرية لحمايته، وليستخدمكم لعنوان يبرّر به احتلاله على أساس أنَّ اللبنانيين يقاتلون بعضهم البعض، وليست القضية أنَّ الإسرائيليين يقاتلون لبنانيين.
إنَّكم تمكّنون العدوّ من أن يحتلّ بلادكم تحت عنوان سياسي أنتم واجهته، ولذلك نقول لكم إنَّكم لا تدافعون عن حريّة أهلكم في المنطقة الحدودية لأنَّ من صودرت حريتّه وإرادته لا يمكنه أن يدافع حتى عن نفسه، هل يملك الإنسان هناك أن يتحرّك سياسياً واقتصادياً بحريّته، وعلى هذا الأساس نقول للمضطرين منكم: حاولوا أن تتخلّصوا من حالة الاضطرار، وللمختارين منكم أن يتوبوا إلى اللّه قبل أن ينقضي مجال للتوبة.
اتفاق غزة ـ أريحا:
جرم اقتصادي للبلاد العربية:
إنَّ العدوّ يحارب بنا. بعضاً ببعض، ويريد أن يُسقطنا في كلّ أوضاعنا، وذلك لإنجاح مخططه القاضي بإقامة "إسرائيل" الكبرى اقتصادياً وسياسياً بعد فشله في إقامة "إسرائيل" الكبرى جغرافياً، ولتحقيق ذلك جعل من اتفاق غزة - أريحا، وهو يحاول من خلال المفاوضات أن يجعل الفلسطينيين جسراً اقتصادياً يعبر من خلاله إلى الأنظمة العربية لينطلق في حركته الاقتصادية في الواقع العربي من خلال العنوان الفلسطيني. ولذلك فهو يعمل بكلّ قوّة في مفاوضاته الآن للضغط على الفلسطينيين ليكونوا واجهته الاقتصادية في البلاد العربية، بحيث تكون فلسطين الشكل و"إسرائيل" المضمون والجوهر، كما أنَّه لـم يستكمل خطته بأن يعمل على أن يستخدم في كلّ بلد جماعةً أو محوراً سياسياً أو شخصية سياسيةً أو اقتصاديةً في سبيل الوصول إلى أهدافه، و"إسرائيل" تخطّط لاحتواء المنطقة كلّها، وعلينا أن نعمل في مواجهة هذا التخطيط.
المقاومة الإسلامية والانتفاضة قادرتان على إسقاط الخطط الإسرائيلية:
ونحن نجد أنَّ حركة المقاومة الإسلامية في لبنان، وحركة الانتفاضة الإسلامية في فلسطين استطاعتا أن تثبتا للعالـم أنَّهما قادرتان على إسقاط الخطط العسكرية الإسرائيلية، وأنَّ هناك عقلاً عربياً إسلامياً يستطيع أن يتفوّق في خطته العسكرية على العقل الإسرائيلي، بخلاف ما يتوهمه البعض بأنَّ الإسرائيليين يملكون عقلاً اقتصادياً لا يملكه العرب، أو أنَّ لديهم عقلاً عسكرياً وأمنياً لا يملكه العرب.
إنَّ الذين يجاهدون في سبيل اللّه في كلّ مواقع الجهاد الأمني والسياسي والاقتصادي والعسكري استطاعوا أن يؤكدوا عنفوانهم وقوّتهم، وأثبتوا أنَّ هناك عقلاً عربياً يتوقّد من خلال الإسلام ليثبت أنَّنا أمّة تملك عقلاً، وليس مجرّد أمّة تملك مالاً كما حاول بعض ملوك(1) العرب الذين صادرتهم "إسرائيل" أن يتحدّث عن التزاوج بين العقل اليهودي والمال العربي، فكأنَّ المال العربي لا يتحرّك من خلال العقل العربي ليأتي العقل اليهودي ليسخِّره.
للبنانيين: كونوا مع أبطال الاستقلال في الجنوب والبقاع الغربي:
ونريد أن نقول لكلّ اللبنانيين: إذا كنتم تريدون بلداً مستقلاً فكونوا مع أبطال الاستقلال في الجنوب وفي البقاع الغربي، وإذا كنتم تريدون أن تكوّنوا بلداً حراً فكونوا مع كلّ الذين يدافعون عن الحريّات في معركة الحريّات ضدّ الذين يضطهدونها، لقد تساوى اللبنانيون الآن بالفقر وتساوى اللبنانيون في حالات الإرباك التي يعانون منها، لـم تعد المسألة إسلامية مسيحية حتى نختلف عليها ليطالب كلّ منّا بحصته، بألاّ تزيد حصّة الآخر على حصّته، لكن أصبحت المسألة مسألة لبنانية تتصل بتحرير أرضنا، وبتوازن اقتصادنا وسياستنا، في أن نجعلها السياسة الحرة التي لا تعطي بيدها إعطاء الذليل ولا تقرّ إقرار العبيد، السياسة التي لا تجعل لبنان ممرّاً للاستعمار ولا مقرّاً له، سواء كان استعماراً عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً، هذا هو الاستقلال بمعناه العميق الواسع، إذا أردتـم أن تحتفلوا بالاستقلال، وإلاّ فإنَّ الاستقلال ينطلق ليكون مجرّد ذكريات تموت مع الزمن عندما لا يقوم أصحابها بتجديدها من خلال بطولات جديدة وحركة حريّة جديدة.
المفاوضات مع العدو لن تحرر لبنان(1)
السينودوس: يتحدّث عن نزع سلاح المقاومة:
تحدّث بعض الداعين(2) إلى السينودس المسيحي عن المقاومة بأنّها ميليشيا، وطالب الدولة اللبنانية بنزع سلاحها كما نزعت سلاح الميليشيات، باعتبار سلاح المقاومة سلاحاً ميليشياوياً.
كذلك يعمل هذا البعض على إثارة بعض التساؤلات حول هُويّة الجنوب، فهل هو مسلم؟ أم لبناني؟ فإذا كان لبنانياً، وهو لبناني، فلماذا تكون المقاومة إسلامية؟ إنَّ المسيحيين والمسلمين مسؤولون عن المقاومة للاحتلال أو لحساب الاستقلال، كما يتحدّث من أنَّ المقاومة تعطي "إسرائيل" ذريعة لضرب أهل الجنوب.
مغالطات وقع فيها (السينودوس):
إنَّنا نقول لهذا البعض: لو كنت علمانياً لكان من الممكن أن نتحدّث معك بلغة علمانية، ولكنَّك تتحدّث دائماً كشخصية دينية عن الأسرار المقدسة وعن الشهادة، من هم الشهداء في كلّ تاريخ المسيحية وفي كلّ التاريخ؟ الشهداء هم الذين دافعوا عن أهلهم، وعن أرضهم، الذين وقفوا ضدّ إذلال أهلهم واحتلال أرضهم، الذين يقاومون "إسرائيل" لأنَّها احتلت لبنان، ولذلك نجد في الحديث الدائم عن العنفوان اللبناني وكأنَّ الجنوب ليس من لبنان، وإنَّما لبنان هو جبل لبنان، كما يُراد له أن يكون في بعض العقليات المنعزلة في لبنان، ولذلك نسأله: لو أنَّ "إسرائيل" كانت قد احتلّت كسروان فهل يكون حديثك عمّن يقاوم "إسرائيل" كحديثك عمّن يقاومها في الجنوب؟
الموقف المتخبط تجاه المقاومة: موقف متحفظ تجاه الشهادة:
لذلك نقول لك ولكلّ مجلس المطارنة وكلّ الشخصيات الدينية التي تتحدّث عن الشهادة، ولا نقول لكلّ المسلمين والمسيحيين الذين يتحفّظون في بعض الحالات عن عمليات المقاومة، إذا أردتـم أن تقفوا موقفاً متحفّظاً سلبياً من المقاومة فعليكم أن تقفوا موقفاً سلبياً من كلّ رموز الشهادة في كلّ تاريخكم الإسلامي والمسيحي لأنَّ مثل هؤلاء الشباب الذين يتحرّكون في المقاومة كما يتحرّكون في صلاتهم وصومهم هؤلاء هم الشهداء الحقيقيون الذين تنطلق شهادتهم من خلال الأسرار المقدسة المفتوحة على اللّه، والمتحرّكة في سبيله والمنطلقة من أجل الإنسان كلّه، إنَّ هؤلاء ليسوا ميليشيا بل هم مقاومة كلّ لبنان، وإذا كنت تقول: إنَّها مقاومة الجنوب اللبناني، فنحن ندعوك إلى أن تطلق الصرخة للمسيحيين بأن ينضموا إلى المسلمين في مقاومتهم للاحتلال، ونحن مستعدّون أن نحتضنهم ونقدّمهم أمامنا لكي يقاوموا.
تحرير لبنان بالمقاومة:
نحن نريد أن نتحرَّر من هذا الاحتلال، ونحن نعرف أنَّ لبنان لن يتحرّر بالدبلوماسية، وأنّ المفاوضات لن تكون طريق التحرير، نحن نرفض المفاوضات من أساسها، ولكن هذا لا يمنع المتفاوضين لو فهموا معنى الدبلوماسية بكلّ عناصرها من أن يستفيدوا من نتائج أعمال المقاومة.
إنَّنا نقول: تعالوا للمقاومة، إلى الجنوب اللبناني، ونحن لبنانيون تعالوا، وإذا أردتـم القيادة تسلموها بشرط أن تكون المقاومة حقيقية، ونحن معكم، المهمّ أن نقاوم "إسرائيل".
لبنان الموحد لا يقوم إلاّ بالمقاومة:
لا مساواة بين الجيش السوري والإسرائيلي:
إنَّنا نقول لكم: إذا أردتـم لبنان موحّداً يملك قراره وإرادته، فلينطلق اللبنانيون أولاً في مقاومة المحتلّ، وإذا كنت تتحدّث عن مساواة جيش الاحتلال بالجيش السوري فنحن نقول: مشكلة اللبنانيين أنَّهم لا يميّزون بين أعدائهم وأصدقائهم فيساوون بين العدوّ والصديق وأكاد أقول: إنَّ بعض اللبنانيين يحاولون الإيحاء بأنَّ العدوّ صديق وأنَّ الصديق عدوّ!!
الاستكبار والظلم:
إنَّنا نعتبر أنَّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والمنطقة الحدودية إنَّما يمثّل حالة مستمرّة من العدوان على الأرض والإنسان، ولذلك يصبح للمجاهدين في فلسطين وفي لبنان الحقّ في مقاتلة اليهود بشكل دائم ومستمرّ حتى تنتفي حالة الاغتصاب للأرض وللإنسان.
بعبارة أخرى يريد الإسلام للنّاس أن يعيشوا السلام، ولكن على أساس ألا يتحول السلام إلى حالة تعطي العدوان شرعية وتشجع المجرم على جريمته، وأكثر من ذلك أن تعطيه ثمرة جريمته.
إنَّ اللّه يريد السلام الذي يتحرّك من أجل مساعدة النّاس على حلّ مشاكلهم، لتكون النتائج منطلقة من هذا الجوّ الهادئ الذي يوفّره السلام الزمني للنّاس حتى يفهم النّاس معنى السلام بشكل هادئ بعيداً عن ضغط القتال والحرب، ليتمكنوا من مواجهة مشاكل الحرب بالطريقة التي ينفتحون فيها على الحلّ الذي يعطي الحياة سلاماً دائماً.
مفهومنا للسلام:
وعندما أراد اللّه لنا أن نتصالح على أساس تكريس العدل، ومحاربة الظلم {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9]، أصلحوا بالعدل، ومن خلال دراسة القضايا لتكون النتائج عدلاً للمتنازعين وللمختلفين، لأنَّ اللّه يريد للحياة أن تقوم على العدل والإحسان لحماية الإنسان من نفسه ومن الآخرين، وليثبت للحياة قوتها وصلابتها.
إنَّ مفهومنا للسلام ينطلق في هذا الخطّ، واللّه يريد للنّاس في حركة السلم أن يأخذوا به ليتخفّفوا من ضغط القتال، ولكن عندما يكون في السلم مصلحة للنّاس والحقّ والعدل، فاللّه يقول: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [الأنفال:61]، ولكنَّ اللّه سبحانه وتعالى يقول في آية أخرى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:35] إن اللّه لا يريد لنا أن ندعو إلى السلم والصلح في الوقت الذي يكون فيه السلم إسقاطاً لمواقعنا ومواقفنا، إنَّما يريد لنا أن ننطلق في السلم من حالة قوّة لا من حالة ضعف، حتى لا يكون استسلاماً وهزيمة.
لذلك لا بُدَّ لنا عندما يتحدّث النّاس عن السلام في مواقع الصراع مع الآخرين، سواءً كان صراعاً سياسياً أو عسكرياً علينا أن نفتّش على مضمون ومفردات هذا السلام، فهل يمنحنا هذا السلام القوّة أو يزيد ضعفنا ضعفاً، إنَّ اللّه يريد العزّة لنفسه ولرسوله وللمؤمنين، ويريد للنّاس أن يبقوا أحراراً، كما خلقهم أحراراً ويريد لهم أن يجاهدوا وألاّ يعطوا بأيديهم إعطاء الذليل، ألاّ يتحرّكوا في الحياة على أساس أن يكون خيارهم الاستسلام لقضايا الصراع، قد تخلق مشاكل في حاضر المتصارعين، فقد يحلّ الإنسان مشكلة الآن ليقع في المشكلة الكبرى في المستقبل.
التسامح مع الاستكبار يشجعه على الظلم:
ولذلك فإنَّنا عندما نواجه المشاكل التي نتحرّك في داخلها لنعيش آلامنا، علينا أن نفكّر بالمشاكل الكبيرة حتى لا تهزم المشاكل الصغيرة القضايا الكبيرة، فعندما تفكّر بتخفيف الآلام عن نفسك فكّر كيف تخفف هذه الآلام عن أمتّك، لأنَّه إذا كانت أمتك تعاني المشاكل والآلام فمعنى ذلك أنَّك تخفّف من ألـم صغير لتقع في ألـم كبير، وهذا ما يوجب على الإنسان أن يتوازن بين شخصيته كفرد وشخصيته كمجتمع.
إنَّ اللّه أراد لنا أن نعيش السلام في قلوبنا مع بعضنا البعض، ولذلك أراد اللّه لنا أن نعيش العفو والصبر على المشاكل وعلى الانفعالات النفسية وأن نكتم غيظنا.
لا يقبل اللّه أن نعفوَ عمّن ظلمنا طالما عفونا يقوّي ظلمه:
إنَّ اللّه يريد تركيز السلام في حياتنا ولكن ليس على حساب حركة العدل، ومع الذين يفرضون الحرب والمشاكل والآلام على النّاس، وعلى ضوء ذلك فقد تكون الحرب عملية جراحية، فالحديث في هذه الحالة عن المهدّئات والمسكّنات يكون جريمة، في السلام خيانة في بعض الحالات، ذلك كشخص يحتاج إلى عملية جراحية ويُعطَى مهدّئات ومسكّنات لآلامه وصراخه حتى ينسى مرضه، ولكنَّ العدوّ يبقى في جوّه، ويعمل على إزهاق روحه، فالحياة تحتاج إلى مبضع الجراح في كثير من الحالات، هناك حديث للإمام زين العابدين (ع) يقول: "وحقّ من ساءك أن تعفو عنه وإن علمت أنَّ العفو يضرّ انتصرت"(1)، يعني عندما نتسامح مع الاستكبار ومع المعتدين فإنَّ ذلك يشجعهم على ظلمهم، وقد يعمل الكثير من المستكبرين من منطلق أنَّك كلّما أعطيت النّاس حريّة أكثر كلّما تمردوا عليك، أكثر ولكن كلّما تعسّفت معهم أكثر كلّما كانت حركتهم منضبطة بشكل أفضل.
من هنا يصبح من واجبنا أن نقف بوجه الظالـم لكي ندفعه إلى أن يخفّف من ظلمه خوفاً على موقعه، وربَّما نتيجة لممارسة الضغوطات عليه أن يتنازل عن ظلمه، أمّا إذا سكتنا فنكون نحن من يشجّع المستكبرين على أن يتمادوا في استكبارهم، وبتعبير آخر، فإنَّ العفو في قضايا الصراع قد يكون حالة من تشجيع الطاغية للتمادي في طغيانه.
لذلك فإنَّ من يعفو ويتسامح مع الطغاة والمستكبرين إنَّما يرتكب جريمة. وعلى هذا الأساس علينا عندما نواجه قضايا السلام أن نفرّق بين القضايا الكبرى والشخصية، لأنَّه ليس لأيّ كان الحريّة أن يضحّي بأمته، ومن خلال ذلك نشعر بأنَّه يجب علينا أن نبقى في حركة جهاد مستمرّ، لأنَّ الأعداء ماضون في عدوان مستمرّ.
السلام الذي يقدّم للفلسطينيين استسلام:
وإزاء ما تقدّم نرى أنَّ جهاد المجاهدين الذين يواجهون الوحشية الصهيونية في لبنان وفلسطين إنَّما يمثّل قمة الالتزام بالإيمان، لأنَّ العدوان على الإنسان هو الذي يمثّل الجريمة الكبرى التي تصغر أمامها القضايا الأخرى، إنَّ السلام الذي يُطرح على الفلسطينيين أو على المنطقة، إنَّما هو استسلام، لأنَّ الواقع الفلسطيني والعربي هو واقعٌ يعاني الضعف في كلّ مواقعه لا لأنَّه ضعيف ولكن لأنَّ أكثر الذين يُشرفون على سياسته وعلى إدارة أموره يستضعفون أنفسهم وشعوبهم، أو يصرّون على استضعاف الشعوب، وهذا ما يجعلهم في موقع الضعف أمام العدو. إنَّهم الأقوياء على شعوبهم في فرض حكم المخابرات وقوانين الطوارئ.
إنَّ الشرط الأساس الذي تقوم عليه مفاوضات التسوية" إنَّما هو الاعتراف بشرعية الوجود والاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، وهذا ما نراه بإطلاق الفلسطينيين العنان لأوهامهم التي صوّروا لهم من خلالها أنَّ اتفاق غزة ـ أريحا يجعلهم يمارسون حريّاتهم، وتنتهي المشاكل التي يعانون منها، وقد هلّل معهم العالـم العربي إيذاناً بانتهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، ولكن كما نرى لـم يتحقّق شيء من كلّ هذه الأوهام، في ظلّ بقاء المستوطنات، وبقاء الجيش الإسرائيلي ممسكاً بمفاصل الأمن في المناطق المحتلّة، حتى إنَّه ليس من حقّ الشرطي الفلسطيني أن يقوم بتوقيف أيّ مستوطن إسرائيلي حتى ولو قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، ممّا يجعل لـ "إسرائيل" كامل الحريّة للتدخل في منطقة الحكم الذاتي تحت ذريعة الحفاظ على أمن المستوطنين، وهذا يعني أنَّ الفلسطينيين محاصرون من قِبَل الجيش الإسرائيلي، ولن يتمتّعوا بحريّة الحركة داخل بلدهم أمام عدوان الآخرين عليهم، أو بحقّ الانتقال إلى هذا البلد أو ذاك؟ فأيّ اتفاق هو هذا الاتفاق؟ و "إسرائيل" تعمل بالتنسيق مع أمريكا، لقتل الطموح الفلسطيني، ليقبل الفلسطينيون بحكم بلديّ، لتندفع البلاد العربية من خلاله للانفتاح على "إسرائيل" اقتصادياً من خلال الاتفاقات الاقتصادية التي عقدت مع الفلسطينيين، كما أنَّ "إسرائيل" تستطيع أن تسحب اعترافها بالمنظمة ساعة تشاء من دون أن يكون للمنظمة مثل هذا الحقّ.
وبعبارة أخرى، إنَّ من أهداف "إسرائيل" المتوخاة من هذا الاتفاق أن تفتح الواقع العالمي عليها، من خلال إيهامه بحلّ مشكلتها مع الفلسطينيين من دون أن يكون هناك أيّ حلٍ واقعي، فهل هذا سلامٌ يحترم فيه الشعب نفسه والوطن مصيره، عندما لا تكون المياه ولا الأمن ولا الحدود ملكاً لك فأيُّ صلحٍ يكون هذا وأيُّ سلامٍ؟ إنَّ "إسرائيل" تلعب بدقة أمام ضعف منظمة التحرير، إنَّها تعمل على إثارة الفتنة بين الفلسطينيين أنفسهم لتلعب في النهاية دور الحكم، وتتدّخل لضبط الأمن على أساس أنَّ منظمة التحرير لـم تنجح في ذلك، لذلك قلنا إنَّ هذا السلام ليس سلاماً بل استسلامٌ وتوقيعٌ للهزيمة، وهذا ما يجب أن يعرفه النّاس في كلّ ما يعيشونه ويواجهون.
إنَّنا نواجه من خلال ما يحصل واقعاً جديداً يُراد من خلاله تعميم هذا الأسلوب في العلاقات بين العدوّ الصهيوني وبين أيّ موقع عربي، مبادئ تعلن في المفاوضات وفي المواقع الاحتفالية ولكنَّها لا تحمل أيّ ملامح وعناوين واضحة، وعندما نبدأ البحث في التفاصيل نرى أنَّ التفاصيل تأكل المبادئ ولن يحصل العرب على شيء بل يكون الحلّ على حسابهم حيث استطاعت "إسرائيل" بالتنسيق مع أمريكا أن تخترق العالـم العربي والإسلامي.
الفاتيكان سيقيم علاقات كاملة مع الصهاينة:
الفاتيكان سوف ينشئ علاقات كاملة مع "إسرائيل"، وكنّا قد سمعنا أنَّ من القضايا الهامة التي تشهدها الساحة الأخبار من أنَّ الفاتيكان سوف يقيم علاقات كاملة مع "إسرائيل"، وكنّا قد سمعنا من بعض ممثلي الفاتيكان أنَّهم لن يعترفوا بـ "إسرائيل" إلاَّ بعد أن يحقّق الفاتيكان بشكل رسمي بشرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كلّها، بعض المسائل الهامة المتعلّقة بالحلّ العربي الشامل وبمستقبل القدس وما إلى ذلك، ولذلك فإنَّنا نرى أنَّ اعتراف الفاتيكان بشكل رسمي بشرعية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كلّها، إنَّما يعطي اليهود كما قال أحد حاخاماتهم قوّة معنوية كبيرة، لأنَّ الفاتيكان يمثّل مليار كاثوليكي في العالـم.
أن يعترف الفاتيكان لـ "إسرائيل" في الوقت الذي لـم تتنازل فيه عن شيء وإنَّما تنازلت عن مشكلة كانت تعيشها وهي غزة، سوف يجعل "إسرائيل" تأخذ من خلال هذه الشرعية الفاتيكانية - التي تُعبّر بحسب الموقع الرسمي عن شرعية مسيحية للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين - ما يعزّز موقف "إسرائيل" ويجعلها متعسّفة أكثر في مسألة الانسحاب من الجولان ومن لبنان والأردن.
قد يقول قائلٌ: إنَّ الفاتيكان دولة تخضع لضغوط كبرى كما خضعت الدول العربية ونحن نقول: إنَّ الفاتيكان ليست دولة بالمعنى المتعارف للدول بل هي دولة السيِّد المسيح (ع) ودولة الكنيسة، ولذلك فإنَّ عليها الانطلاق من خلال قيّم السيِّد المسيح (ع)، ومن خلال ما تمثّله الكنيسة من الانفتاح على قضايا النّاس والمستضعفين، لأنَّ عيسى (ع) كان إنساناً مستضعفاً وكان يعيش مع المستضعفين، ولو كان السيِّد المسيح (ع) موجوداً الآن ومورست عليه كلّ الضغوط فمن المؤكد أنَّه لن يعترف باغتصاب اليهود لفلسطين.
كما أنَّنا نقول: لو أنَّ الأزهر أو قُمّ أو النجف اعترفوا بشرعية الوجود الإسرائيلي لقلنا لهم إنَّكم انحرفتم عن خطّ الإسلام وعن خطّ النبيّ محمَّد (ص) الذي يريد العزّة للمؤمنين جميعاً ولا يريد تشريع الظلم أيّاً كان الظالـم وأيّاً كان المظلومون، إنَّنا نعتبر أنَّ "إسرائيل" لـم تستطع أن تحقّق الاختراق الذي أرادته في العالـم العربي، حتى لو كان بعض العالـم العربي يلهث للسير وراء "إسرائيل"، لأنَّنا نرى أنَّ جهاد المجاهدين في فلسطين وجهاد المقاومة الإسلامية وكلّ المقاومين في لبنان بمؤازرة الفئات الرافضة من فلسطينيين وغيرهم إنَّما استطاع أن يُضعف هذا الاتفاق ويُعريّه، ولذلك نقول للمجاهدين في فلسطين ولبنان ولكلّ الرافضين للاستسلام: مزيداً من المواقف، ومزيداً من الضربات، لأنَّ ذلك هو الذي يُسقط مقولة الاستسلام ويفتح المجال لقضية الحريّة والعدالة هنا وهناك.
إغفال أمريكي للقرار 425:
ما يتّصل بالسياسة اللبنانية، فإنَّنا نجد أنَّ الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت ممارسة الضغط الأمريكي أغفلت القرار 425 الذي يعتبره لبنان أساساً لدخوله في المفاوضات، كما صرّح بذلك أكثر ممثّلي الحكم اللبناني، وأنَّ الرسائل الأمريكية المتبادلة بين لبنان وأمريكا أكّدت على ذلك، ولكنَّ أمريكا لـم تحرّك ساكناً. ولو بنسبة ضئيلة لتحريك هذا القرار على أرض الواقع، على الأقلّ من أجل أن يخفّف العدوّ الصهيوني من ضغوطاته عن لبنان، سواء كانت تتعلّق بممارساتها في المناطق المحررة أو المناطق المحتلة، أو العمل لإطلاق الأسرى والمعتقلين الموجودين في الخيام أو في سجون "إسرائيل"، ولا سيما الشيخ عبد الكريـم عبيد الذي اعترفت أمريكا أنَّ خطفه كان عملية قرصنة لا مبرّر لها. إنَّها تتدّخل مع لبنان لحلّ مشكلة "إسرائيل" ولا تفعل العكس، وبالمختصر نقول: إنَّ أمريكا في كلّ قراراتها تعمل لصالح السياسة الإسرائيلية، فنحن نعتبر أنَّ معنى إلغاء القرار 425 من هذه التوصية معناه إفساح المجال لإلغائه من حركة الواقع السياسي وتجميده في مجلس الأمن، لأنَّ أمريكا الذي وافقتها بعض الدول العربية على هذا القرار انطلقت لتضغط على كلّ دول العالـم، لأنَّ "إسرائيل" تريد ألا تكون للبنان أيّة ورقة يحرّكها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لكي تتحرّك المفاوضات على أساس اتفاقات لا قاعدة، ولا مرجعية تماماً كما تحرّكت المفاوضات الفلسطينية بعيداً عن القرارين 242 و 338.
وإذا كان بعض المسؤولين يحاول أن يبرّر بأنَّ ما حصل في الجمعية العامة هو مجرّد توصية وليس قراراً، فنحن نعرف أنَّ التوصية هنا تفسح المجال لأمريكا بأن تعمل بكلّ قوّة من أجل تحريكها، وبالاتجاه الذي تريده ما دامت تصبّ في مصلحة "إسرائيل". نحن نلاحظ أنَّ الدول التي عارضت هذا القرار هي سوريا ولبنان وإيران، فقد وقفت إيران الإسلامية مع لبنان وعارضت التوصية لأنَّها أغفلت القرار 425، بينما نلاحظ أنَّه عندما عُرضَت علاقة إيران بمسألة حقوق الإنسان حيث أرادت أمريكا أن تستصدر توصية تدين فيها إيران من خلال اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان نرى أنَّ لبنان قد تغيّب عن التصويت، لأنَّ التعليمات صدرت إليه بألا ينفتح على الجمهورية الإسلامية في أيّ موقف إيجابي، وهذا أمرٌ نسجلّه على الحكم الذي يعيشه الواقع اللبناني.
التعايش مع العدو وهم(1)
نحن عندما نواجه الواقع في لبنان، فيما هي مسألة المسيحية والإسلام، فإنَّنا نقول للمسيحيين والمسلمين كما قلنا لهم دائماً ما كنّا نريد من المسيحيين أن ينطلقوا من مسيحيتهم من عمق ما تمثّله القيم الإيمانية والروحية والأخلاقية والاجتماعية في رسالة السيِّد المسيح (ع)، ليسيروا على المنهج الذي سار عليه السيِّد المسيح (ع) في كلّ مفردات العلاقات الإنسانية وفي كلّ انفتاح الإنسان على اللّه، كما نريد للمسلمين أن يكونوا مسلمين بالمعنى الفكري والروحي والأخلاقي والاجتماعي للإسلام، ليتحرّكوا في إسلامهم على أساس أن يجسّدوا القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية والإنسانية التي يرضاها اللّه للنّاس من خلال رسالة النبيّ محمَّد (ص).
ومن هنا فإنَّنا لا نريد للإسلام كما للمسيحية من أن يكون كلّ واحد منهما مجرّد لافتة تلصق على هذا المجتمع أو ذاك المجتمع، أو على هذا المحلّ، أو على هذه الجمعية أو تلك الجمعية، على هذه الطائفة، أو تلك، دون أن يعيش هؤلاء معنى الإسلام الروحي والأخلاقي في أنفسهم، ودون أن يعيش أولئك معنى المسيحية الروحية والأخلاقية والاجتماعية في أنفسهم.
إنَّنا نقول: عندما ينفتح المسلمون والمسيحيون على القيم الرسالية المشتركة فيما بينهم فإنَّه بإمكانهم أن يتفاهموا ويتكاملوا في كلّ مجتمع يعيشون فيه، هي قضية القيم التي تحكم الواقع، إذا اختلفنا في اللاهوت في طبيعة اللّه، وطبيعة المسيح (ع)، ومسألة الفداء والصلب وما إلى ذلك، فإنَّنا لا نختلف في الصدق والأمانة والعفّة والمحبة والرحمة، لأنَّ الذي يحكم وجودنا هو هذه العلاقات الاجتماعية.
لذلك نقول للمسيحيين في لبنان: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، فنحن نعيش معاً في هذا البلد، تعالوا لنتكامل في القضايا الأساسية المشتركة، ولنفكّر ببلد لا يبتعد واقعه عن الإسلام والمسيحية في عمق نظرتهما إلى الإنسان وإلى الحياة وإلى الواقع. تعالوا نتفاهم على مسألة الحريّة لنكون معاً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي فرض نفسه على الواقع وعلى حياتنا كلّها.
"إسرائيل" أرادتكم جسر عبور:
ونحن نقول للمسيحيين الذين جرّب بعضهم التحالف مع "إسرائيل"، كما حصل في قضية الجبل(1)، كما نقول للمسيحيين والمسلمين الموجودين في المنطقة الحدودية والذين يتجنّدون للدفاع عن "إسرائيل"، إنَّ "إسرائيل" لا تفكّر في مصلحتكم، بل أرادتكم لتكونوا الجسر الذي تعبر عليه لتشريع احتلالها، متاريس بشرية للدفاع عن جماعتها، عبر قتلكم لأهلكم بأيديكم حتى لا يقف العالـم أمامها ليضبطها وهي تحتلّ بلاد الآخرين.
إنَّ "إسرائيل" سوف تلفظكم كما تلفظ النواة عندما تتحرّك الأوضاع الدولية من أجل التسوية، ولذلك كونوا مع شعبكم ووطنكم قبل فوات الأوان وقبل أن يأتي وقت تفقد فيه كلّ فرصة ما أنتم عليه، إنَّكم تهدمون بيوتكم وتقتلون أهلكم بأيديكم.
دعوة لرفض الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته:
لذلك نحن نريد أن ننطلق من الصوت في وحدة إسلامية مسيحية في لبنان يهتف لا للاحتلال الإسرائيلي، نعم للمقاومة التي تريد أن تخرج المحتلّ من أرضنا. نحن لا نريد لمسلم أو لمسيحي في هذا البلد أن يتحدّث عن المقاومة بأنَّها ميليشيا وأنَّ الذين يعملون على تحرير الإنسان والأرض بأنَّهم يمثّلون حالة حزبية معينة، إنَّ هؤلاء يمثّلون الحريّة والعدالة في هذا البلد. إذا كنتم تتحدّثون عن اتفاق "الطائف" الذي تحاول الدولة من خلاله أن تبسط سيادتها على البلد كلّه، فليس ذلك مبرراً للحديث بغير وفاء عن المقاومة، لأنَّ المقاومين يريدون أن يخرجوا المحتلّ من الأرض، لأنَّ الدولة لا تستطيع أن تبسط سلطتها في المنطقة الحدودية ما لـم يتحقّق تحريرها من الاحتلال الصهيوني.
إنَّنا نريد للبنانيين ألا ينظروا إلى الزوايا بل أن ينطلقوا في الأفق الواسع، ألاّ يعيشوا في الكهوف والمغارات بل أن يعيشوا في الشمس المشرقة التي مهما أخفاها الضباب وأخفتها الغيوم فإنَّها تبقى البلاد التي تشرق فيها الشمس دائماً، شمساً تشرق في عقولنا وقلوبنا ووعينا ووجداننا.
فكرة التعايش مع العدوّ: أوهام وخيالات:
ونحن عندما نتحدّث عن هذا الواقع كلّه، نريد أن نقول للذين لا يزالون يعتبرون "إسرائيل" عنصراً يمكن التعايش أو التعاون أو التحالف معه، كما هو الحال بالنسبة للذين يتحرّكون في منظمة التحرير الفلسطينية ليوهموا شعبهم بأنَّهم ينطلقون في اتفاق غزة ـ أريحا من أجل قيام دولة فلسطينية، والعدوّ لا يسمح لهم بأن يكون لهم أيّ دور في أمنهم، ولا حتى في المعابر التي تنفتح على منطقة الحكم الذاتي، ولا يسمح لهم بأن يحاكموا المستوطنين الذين غصبوا الأرض حتى لو قتلوا فلسطينياً أو اعتدوا على فلسطيني، بينما يُسمح للإسرائيليين أن يعيثوا في الأرض فساداً لتكون "إسرائيل" هي التي تدبّر أمرهم، وهذا ما يبرهن أنَّ ما تحدّث به هؤلاء عن قيام دولة فلسطينية هو مجرّد أوهام وخيالات وأحلام لا واقع لها، لأنَّهم إذا لـم يستطيعوا الآن أن يملكوا قوّة على أن يحاكموا مستوطناً، أو أن يتسلّموا معبراً يفصل غزة عن مصر ويفصلوا أريحا عن الأردن، هذا مع العلم أنَّ العرب لم يتصالحوا بعد، ولـم يقيموا علاقات باستثناء مصر، علاقات دبلوماسية واقتصادية، فهل يستطيعون بعد أن يصالح العرب "إسرائيل" ويدخلوا معها في علاقات اقتصادية أن يتحدّثوا عن دولة وعن انسحابات إسرائيلية هنا وهناك؟
مرحلة خطرة: إمساك الاستكبار في المنطقة:
أيُّها اللبنانيون، إنَّكم تعيشون في مرحلة هي من أخطر المراحل التي تمرّ في حياة هذا البلد والمنطقة، مرحلة يحاول أن يمسك فيها الاستكبار العالمي بالمنطقة كلّها، كلّ مواقع العزّة والحريّة والعدالة في العالـم الثالث. إنَّ علينا أن نتعلّم من جراحنا وآلامنا لتدبر أوضاعنا، فإذا اختلفنا فعلينا أن ندير خلافاتنا بالطريقة التي لا تسقط فيها البلاد والعباد، وإذا اتفقنا فعلينا أن نتعاون ونلتقي فيما نتّفق عليه.
اتفاق أوسلو سجن كبير للفلسطينيين(1)
نحن من مواقعنا السياسية التي نواجه فيها قضايا العدل والظلم في العالـم، لا يمكن أن نتغيّر عندما تتغيّر موازين القوى، أو عندما تتغيّر طبيعة الظروف، لأنَّ هناك حقيقة لا تتغيّر وهي أنَّ علينا أن نكون مع المظلوم ضدّ الظالـم أيّاً كان المظلوم وأيّاً كان الظالـم.
وقد أكّد اللّه هذه الحقيقة فلم يسمح لنا أمام تغيّر موازين القوى أن نتراجع عن القضايا الأساسية "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فمن لـم يستطع فبلسانه، فإن لـم يستطع فبقلبه إنَّ ذلك أضعف الإيمان"(2).
في القضية الفلسطينية:
المبادئ لا تسمح بالاعتراف بـ "إسرائيل":
إذاً لا يتغيّر المنكر بتغيّر الظروف ليُصبح معروضاً، فلا بُدَّ من أن تكون عملية الرفض منطلقة في خطّ تغيير الواقع لا أن تنطلق من خطّ الاستسلام للأمر الواقع. ولذلك نحن عندما انطلقنا من موازين الحقّ والعدل في المسألة الفلسطينية قلنا: إنَّ مبادئنا لا تسمح لنا أن نعترف بـ "إسرائيل" كدولة شرعية في المنطقة حتى لو اعترف العالـم كلّه بها، ومن ضمنهم الفلسطينيون، لأنَّ القضية ليست قضية أناس يسكنون في أرض معينة ليرضوا بأن يأخذ الآخرون أرضهم، ولكنَّ القضية هي قضية تتحرّك فيها مثل هذه الخطوات سلباً على حاضرها ومستقبلها، ولا حقّ لأيّ قسم من الأمّة أن يتصرّف بما يسقط عزّة الأمّة وكرامتها، لأنَّك عندما تكون جزءاً من أمّة فليست لك الحريّة في أن تُمارس ذاتك بعيداً عن مصلحة الأمّة، وهذه أمور معروفة دينياً وحضارياً.
الاتفاق الفاتيكاني ـ الإسرائيلي:
لذلك نحن قلنا للفاتيكان الذي نحترمه: إنَّ السيِّد المسيح (ع) لو كان موجوداً الآن لطرد اليهود من الهيكل كما طرد اللصوص من الهيكل، لأنَّ اليهود كانوا لصوص الأرض والسياسة والأمن والمال وما إلى ذلك، وعلى أساس ذلك جاء اعتراف الفاتيكان بـ "إسرائيل" اعترافاً غير مسيحي(3)، لأنَّه لـم ينطلق من قيم السيِّد المسيح (ع) التي هي قيم الحقّ والعدل. والاعتراف بشرعية "إسرائيل" هو الاعتراف بشرعية ظلم "إسرائيل" للفلسطينيين وللعرب أجمعين.
الاعتراف لـم يندرج في نطاق الحوار والتعايش بين الديانات:
فإذا كانت مصادر الفاتيكان تعتبر أنَّ هذه القضية تندرج في نطاق الحوار والتعايش بين الديانات، فإنَّنا نقول: إنَّ هناك فرقاً بين صراع قائم على أسس دينية فيما هي اليهودية والمسيحية والإسلام، هل قتل اليهود السيِّد المسيح (ع) وصلبوه، وهل يتحمّل اليهود الآن مسؤولية دم السيِّد المسيح (ع) كما يقول المسيحيون، تلك قضية تتصل بالحوار اليهودي المسيحي في هذه الناحية، أمّا قضية الصراع العربي - الإسرائيلي فهي قضية شعب طرد شعباً آخر من أرضه، واستولى على مقدراته، ولا يزال يُمارس كلّ أنواع التعسّف والظلم بحقّه.
كما أنَّنا نلاحظ أنَّه صدرت بعض التصريحات عن الفاتيكان تقول فيها: لا للراديكالية نعم للسلام، إنَّنا نسأل: هل هذا السلام هو سلام السيِّد المسيح (ع) أم هو سلام يهوذا؟ إنَّه سلام يهوذا، لأنَّ سلام السيِّد المسيح هو سلام قائم على العدل.
أمّا سلام يهوذا فهو سلام قائم على الظلم، عندما انطلق أتباع يهوذا في اضطهادهم للسيِّد المسيح (ع) بحجة الدفاع عن السلام، فاتهموا بأنَّ السيِّد المسيح (ع) يطرح رسالته الجديدة، جاء ليفرّق بين الأب وابنه، وبين الأخ وأخيه، ولذلك فلا مشكلة في قتله واضطهاده، أو إبعاده، هل كان ذلك يحقّق السلام المزعوم؟!!
وها هي "إسرائيل" تُمارس اليوم نفس السياسة وتريد أن تبقي على تشريد الفلسطينيين خارج بلادهم، وأن تقتل المجاهدين وأن تضطهد الفلسطينيين الباقين في فلسطين تحقيقاً للسلام، هل هذا سلام السيِّد المسيح (ع)؟
تناقض في تبريرات الاتفاق:
ثـمَّ نسأل الفاتيكان: هل أنَّ الراديكالية واحدة؟ فإذا كانت كذلك لماذا وقف إلى جانب الراديكاليين في بولندا؟ وقد كان النّاس يعيشون في سلام عندما انطلقت المعارضة الراديكالية لإسقاط الحكم الشيوعي هناك؟ وليس من باب الدفاع، نقول: لماذا لا للراديكاليين عندنا عندما ينطلقون من أجل قضايا الحرية والعدل؟
إنَّ الاتفاق الفاتيكاني - الإسرائيلي يتحدّث أنَّه لا موقف للفاتيكان في النزاع على الأرض وعلى الحدود، ويعترف بسيادة "إسرائيل" على القدس ولا يحدّد موقفاً من القدس، ويشجب الاعتداء على اليهود المستوطنين، ولكنَّه لـم يشر بكلمة واحدة للاعتداء على الفلسطينيين وقتلهم وتشريدهم وقتل أطفالهم وحجز حريّتهم وما إلى ذلك!!
الفاتيكان أعطى "إسرائيل" قوّة معنوية:
لذلك نقول للفاتيكان: إنَّ موقفكم هذا لا ينطلق من أيّ خطّ مسيحي أيّاً كان الاجتهاد في فهم قيم المسيحية، بل إنَّه ينطلق من ضغوط الأمر الواقع، لأنَّ السيِّد المسيح (ع) كان حركة قوّة في مواجهة الأمر الواقع الذي يريد أن يركّز الظلم ويُسقط العدل، ويركّز الباطل ويُسقط الحقّ، لماذا لـم يُطالب الفاتيكان في مقدمات اتفاقه بانسحاب "إسرائيل" من الأراضي العربية، كما هو المصطلح في القاموس السياسي؟ السؤال يبقى بدون جواب، لأنَّه ليس هناك جواب من موقع القيم المسيحية، ونحن نعتقد أنَّ الفاتيكان بموقفه هذا أعطى "إسرائيل" قوّة معنويّة في كلّ ظلمها، وأعطى الفلسطينيين ضعفاً معنويّاً، لا سيما في الساحة التي تضغط فيها "إسرائيل" على الفلسطينيين، لتُفرغ كلّ المضمون من أيّ معنى، وهو بالأصل مضمون ذليل في نفسه.
وقد كنّا سمعنا من بعض مسؤولي الفاتيكان، أنَّ الفاتيكان لن يعترف بـ "إسرائيل" إلاّ ضمن شروط معينة وواقع معين، وإذا لـم تتحقّق الشروط، ولـم يتحقّق الواقع فلماذا ذلك؟
التزام أمريكي مطلق بأمن "إسرائيل":
كما أنَّنا لا نزال نواجه إحدى القضايا الهامة التي لا يتغيّر الزمن معها بتغيير الظروف، وهي أنَّنا نعرف أنَّ أمريكا أصبحت القوّة المادية الأكبر في هذا العالـم عندما نبحث عن مفردات القوى، ونعرف أنَّها تعمل في كلّ مكان في العالـم من أجل حماية الأنظمة التي تضطهد المستضعفين وتُسقِط حقوق الإنسان، ولو قمنا بجردة لحلفاء أمريكا في العالـم لرأينا أنَّ القاسم المشترك بينهم هو اضطهادهم لحريّة الإنسان، لا سيما في العالـم الثالث.
وهكذا رأينا أنَّ أمريكا تلتزم "إسرائيل" التزاماً مطلقاً في كلّ ما تقوم به من ظلم ووحشية وتشريد وإهدار لحقوق الإنسان، من دون أن تقدّم أيّ ملاحظة لـ "إسرائيل" أو أن تقبل أيّة ملاحظة من أيّة دولة في هذا المجال، فالباطل والظلم الإسرائيلي عند أمريكا حقّ وعدل، لأنَّ أمريكا لا تفهم معنى العدل، ومعنى الحقّ، فكيف لها أن تلتزمه أو تؤّيده؟
إنَّ أمريكا هي عدوة الشعوب وعدوة الإنسانية وعدوة قضايا الحقّ والعدل في العالـم، وهذا لا يعني أنَّنا نحمل عقدة ضدّ أمريكا الشعب، بل لأنَّ العقدة المتولدة التي تعيش عندنا هي من السياسة الأمريكية التي لـم تتغيّر في معاداتها للشعوب، وإن كانت الحريّة هي الشعار الذي انطلقت منه في بداية الأمر، ولكنَّ أمريكا نسيت الحريّة لتبقى عندها مجرّد تمثال كبقية التماثيل التي لا تعني ولا تمثّل شيئاً.
مشكلتنا مع أمريكا هي أنَّ السياسة الأمريكية التي تتحرّك في المنطقة هي سياسة إسرائيلية في كلّ ما يتصّل بشؤون العرب والمسلمين، وهذه نقطة لا بُدَّ من أن نواجهها وأن نلاحق هذه التمثيلية في قضية اتفاق غزة - أريحا، الذي لـم تعطِ "إسرائيل" للفلسطينيين المعنى الذي يؤكد لهم تقرير مصيرهم وأصالتهم في أرضهم.
الاتفاق سجن كبير للفلسطينيين:
خلاصة ما ينص عليه اتفاق غزة - أريحا هو: أنَّ غزة - أريحا سوف تتحولان من خلال الحكم الذاتي إلى سجنين للفلسطينيين ينصب اليهود حولهما أسواراً من كلّ جانب، فلا يستطيع الفلسطيني أن يدخل إلى منطقة الحكم الذاتي إلاّ بإذن إسرائيلي وموافقة إسرائيلية، لأنَّ المعابر هي من مسؤولية "إسرائيل"، كما أنَّه لا يملك الفلسطينيون أن يستقبلوا أيّ جهة إلاّ بإرادة إسرائيلية.
بعض العرب يتبنّى المنطق الإسرائيلي:
ومشكلتنا هي أنَّ بعض العرب الذين صالحوا "إسرائيل" منذ زمن يتبنّون المنطق الإسرائيلي ويحاولون أن يضغطوا على الفلسطينيين ليقدّموا التنازلات لـ "إسرائيل"، بدلاً من أن يضغطوا على "إسرائيل" لحساب العرب.
إنَّ "إسرائيل" لا يمكن أن تعطي للفلسطينيين أيّ موقع أو أن تقدّم لهم أيّ تنازل يُمكن أن يتنفّس من خلاله حلمهم بالدولة المستقلة.
وعلى هذا الأساس يمكننا أن ندرس مدى أبعاد اللعبة الإسرائيلية في التعاطي مع الفلسطينيين والعرب والفاتيكان، فإنَّ "إسرائيل" تقدّم الكثير من الكلمات البراقة والوعود الضبابية، مقابل حصولها على اعترافٍ بأن فلسطين هي أرضهم كما أنَّ الكثير من العرب يعملون للاعتراف بـ "إسرائيل" في هذا المجال، مـن دون أن تقدّم لهم شيئاً، وإذا أعطتهم كلمات ووعوداً فإنَّهم يعملون على أساس أن يدرسوا ما معنى هذه الكلمة، هل أنَّ قرار 242 يتضمن "الألف والـلام" الانسحاب من أراضي احتلّـت، أو الانسحاب من الأراضـي المحتلّة؟ هل الحـكم الذاتي في "أريحا البلد" أو في "أريحا المنطقة" أو في "أريحا اللواء"؟ والقضية الأهمّ هي أنَّ المفاوضات ستستمرّ سنين وسنين، ويقولون بأنَّه ليس هناك زمن مقدّس في هذا المجال.
المقاومة حركة جهاد مستمر:
لا بُدَّ من أن يعي اللبنانيون دقة المرحلة وألا يتحدّثوا عن المقاومة بطريقة سلبية ويعتبروا أنَّها هي التي أثارت المشاكل. إنَّ المقاومة هي حركة جهاد مستمر، ولكن للمقاومة ضوابطها التي تلتزمها لا من خلال ضغط العدو، ولكن من خلال دراستها للمصالح الحيويّة لشعبها ولأهلها.
ومن الملاحظ أنَّ المقاومة عندما واجهت عدوان العدوّ بردّ حاسم استطاعت أن تخفّف من غلوائه، وأن تُضعِف من اندفاعه في هذا المجال تمهيداً لإسقاط سياسته، على أنَّ هذه المكاسب ما كانت لتتحقق لولا أن سقط العديد من الشهداء في المواجهات البطولية الرائعة.
لوعي خطورة المرحلة: "إسرائيل" هي المعتدية:
لذلك لا بُدَّ أن تفهموا مسألة المقاومة فهماً واعياً، لأنَّ كثيراً من النّاس الذين يحرّكون الإعلام لمصلحة العدو يحاولون دائماً أن يبحثوا عن السلبيات في الواقع اللبناني وفي العدوان الإسرائيلي من خلال أداء المقاومة، لا من خلال أداء "إسرائيل".
إنَّنا نعتبر أنَّ "إسرائيل" معتدية دائماً، حتى ولو لـم تقم بعمليات القصف، فهي معتدية، لأنَّها تحتلّ أرض المسلمين، ومن هذا المنطلق نريد أن نقول لكلّ العرب، ولكلّ النّاس إنَّ المشكلة ليست في المقاومة إنَّما هي في "إسرائيل"، اطردوا "إسرائيل" وعندئذ يكون للمقاومة وجهة واتجاه آخرين، لكن أن تبقى "إسرائيل" محتّلة وهي سرّ المشكلة وأن تطلبوا نزع سلاح المقاومة استجابة لـ "إسرائيل" فهذا معناه أنَّكم تعطون بأيديكم "إسرائيل" إعطاء الذليل وتقرّون إقرار العبيد، والأحرار من المجاهدين لا يقبلون أن يعطوا بأيديهم إعطاء الذليل أو يقرّوا إقرار العبيد، لأنَّهم لا يريدون لشعبهم أو لأمّتهم أن تقف مثل هذا الموقف. بل هم يريدون لها العزّة والكرامة والحريّة كما أراد اللّه لها ذلك.
هدف العدوّ: سحب سلاح المقاوم(1)
النقطة الأولى: لقد بدأ القصف الإسرائيلي بحجة نزع سلاح المقاومة(2)، ولكن، هل يتحقّق ذلك بهذه الطريقة؟ حيث يُقصَف المدنيون، و "إسرائيل" لـم تفرّق بين مدني من "حزب اللّه" وآخر من "حركة أمل" أو بين مدني لا علاقة له بكليهما أو حتى مسيحي، كما حدث عندما قصفت تبنين، والمعروف أنَّ نزع سلاح المقاومة لا يتمّ بهذه الطريقة، إنَّما من خلال اجتياح بري يطبق على المقاومة في أماكنها، إذاً ما علاقة هذا القصف الشامل للجنوب كلّه والبقاع الغربي؟
إنَّ الذين سقطوا من المقاومين بعضهم سقط في ساحات المواجهة والبعض الآخر سقط بالقصف كما سقط بقية النّاس، وبقيت المقاومة على سلاحها وعلى مواقعها وعلى قوتّها.
تهجير المواطنين:
هذا يعني أنَّ هدف "إسرائيل" من كلّ هذا القصف ليس نزع سلام المقاومة، إنَّما الهدف كما صرّح رئيس وزراء العدو وكما قال: ليهجّر النّاس من الجنوب والبقاع الغربي ليحتجّوا على حكومتهم. ومن الملاحظ أنَّه يتحدّث من موقع القوّة، بمنطق لا يقبله أيُّ إنسان يحترم نفسه، ومع ذلك يُفرض هذا المنطق على النّاس، ونجد هذا المنطق يلاقي قبولاً في أوساط الغرب، ولا سيّما في الولايات المتحدة التي نسأل؟ هل تقبل بمنطق يقول: أريد أن أدمّر واشنطن من أجل أن يحتجّ أهل واشنطن على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل يعتبر هذا أسلوباً يحترم فيه الإنسان نفسه؟
فرض تنازلات جديدة على العرب:
النقطة الأخرى: وهو ما أشار إليه وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الذي أفصح عن حقيقة الحرب الإسرائيلية التي فرضت على لبنان، حيث لـم يرد أن يتعبنا في التحليلات السياسية، ويقول في هذا التصريح للعرب: إنَّكم إذا لـم تتقدّموا في المفاوضات فإنَّ "إسرائيل" مستعدة لحرب جديدة، وهذا معناه أنَّ الجولة العاشرة من المفاوضات أوصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، لأنَّ "إسرائيل" ليست مستعدة أن تقدّم أيّ تنازل لحساب الفلسطينيين أو أيّ تنازل لحساب سوريا. هذا في الوقت الذي قدّم فيه الفلسطينيون الحدّ الأقصى من التنازلات حتى لـم يبق لهم أيّ شيء إلاّ ورقة التوت، كما أنَّ السوريين يرفضون التنازل.
من هنا فإنَّ الجولة الحادية عشرة من المفاوضات لا معنى لها، وأنَّ "إسرائيل" ليست مستعدّة لأن تقدّم شيئاً جديداً، والعرب ليسوا مستعدّين أن يقدّموا تنازلات جديدة، فكيف تتمّ المسألة؟
إذاً لا بُدَّ من نار حارة. لا بُدَّ من العصا الأمريكية في وجه الواقع العربي، والعصا الأمريكية موجودة في فلسطين، وهي تنطلق من خلال الأسلحة الأمريكية التي أعطتها لـ "إسرائيل" والدعم السياسي الأمريكي.
ربَّما كانت بعض الإدارات الأمريكية السابقة تتعاطى بسياسة العصا والجزرة كما يقولون، ولكنَّ هذا الرّجل الذي لا يملك حتى الآن أيّة قوّة في واقعه السياسي يريد أن يفرض سياسته بالعصا، من أجل تحريك المفاوضات وذلك بشهادة كريستوفر وزير خارجية أمريكا الذي يقول: إن لـم تنجحوا في المفاوضات ولـم تتنازلوا أيُّها العرب فإنَّ "إسرائيل" حاضرة معه وقد دخلت معه في تحالف استراتيجي ينطوي على تهديد كبير، وكما قال أحد مسؤولي العدوّ الذي يتناغم معه في القول: إنَّ ما قمنا به في لبنان هو رمز، ولكن ما سيأتي أعظم.
صرف أنظار النّاس عن الجرائم الإسرائيلية:
إذاً الهدف الإسرائيلي من كلّ هذا لا يتعلّق بصواريخ الكاتيوشا ونزع سلاح المقاومة الإسلامية، وإنَّما لإنضاج الطبخة الأمريكية - الإسرائيلية في عملية التفاوض بالمستوى، الذي يمكن أن يحقّق النتائج الكبرى على الطريقة الإسرائيلية والأمريكية.
ولذلك فإنَّنا قبل أن نُطلق أيّ اتهام أو نحمّل أيّة مسؤولية أريد أن ألفت الأنظار إلى نقطة وقد ذكرت قبل مدة أنَّ المخابرات الدولية من أمريكية وسواها، والمخابرات الإسرائيلية المتواجدة بكثرة في لبنان وعالمنا العربي، والمخابرات تعمل على أن توجّه أنظار النّاس عن الجرائم الإسرائيلية إلى مواقف المجاهدين، مع ما يترتب على هذا من نتائج تسمح لـ "إسرائيل" أن تأخذ حريتّها في المستقبل حتى تُخضِع كلّ العرب لتقصف بمناسبة أو بدون مناسبة، وتحمّل من تريد أن تحمّله المسؤولية، والنّاس يقولون: إنَّ الحقّ لـ "إسرائيل" لأنَّها تريد أن تدافع عن نفسها!! من هنا عليكم أن تدرسوا طبيعة الحدث وخلفياته ونتائجه وكلّ أدواره وكلّ أبطاله قبل أن تتحدّثوا بسذاجة من أنَّ الحقّ على الذين يجاهدون.
إنَّ "إسرائيل" تريد أن تثأر من المجاهدين بهذه الطريقة، لأنَّها تتألّم للمرة الأولى بهذا الحجم، صحيح أنَّنا تهجرنا بأعداد كبيرة ولكن أقلّ الأعداد التي ذكرت عن تهجير اليهود للمنطقة الحدودية المحتلّة هي مائة وخمس وعشرون ألفاً، والذين ظلّوا في الملاجئ كثيرون، ولا نعرف حجـم الخسائر والقتلى. نحن لا نقوم بإجراء عملية توازن لأنَّ التوازن غير محقّق، ولكـن كلّ ما نريد أن نقوله هو أنَّ "إسرائيل" حضّرت لهذا المشروع وحاولت أن تجد الظرف المناسب لتبرّر به عدوانها.
حذار من الوقوع في اللعبة الإسرائيلية:
لذلك عليكم أن تحذروا اللعبة الإسرائيلية وتنتبهوا من أولئك الذين يريدون أن يلعبوا على آلامنا وجراحاتنا بهذه الطريقة ليخرج المجرم معذوراً وبريئاً من التهمة، ويدخل الضحية والمجاهد في دائرة الاتهام. ومن هنا نقول: إنَّ أمّة تحاول أن ترجم مجاهديها بالتهم وبالحجارة هي أمّة لا يمكن أن تثبت بين الأمم، وسوف تسحقها كلّ الأقدام.
وعلى هذا الأساس علينا أن نواجه الأحداث ومجريات الأمور بوعي سياسي، فنفهم من خلاله طبيعة ما يجري لنتوازن في نظرتنا للأمور، ولنتوازن في مواقفنا في كلّ المواقع.
في المعركة: القصف إسرائيلي، والمشاة أمريكيون:
لقد جاء كريستوفر(1) إلى المنطقة، بعد أن حضّر للموضوع جيداً، حيث يحصل تقدّم المشاة بعد أن يبدأ القصف. كما يقولون، القصف إسرائيلي، ولكنَّ المشاة، هذه المرة ليسوا إسرائيليين ولكنَّهم أمريكيون، وانطلق القصف ليخوّف الساحة العربية ولينذرها، لتبدأ بعد ذلك المشاة في الحرب السياسية، حرب التخويف والتهويل، والترغيب والترهيب، باعتبار أنَّ الطريق كان مسدوداً أمام المفاوضات ويُراد الآن فتح ممّر لها من خلال الحرب الإسرائيلية، ومن الطبيعي أن يكون هذا القادم قد تحدّث لهم عن المقاومة وعن نزع سلاحها، وعن تطبيق اتفاق الطائف، ولكن بإجماع كلّ اللبنانيين من رسميين وغيرهم، إنَّه لـم يتحدّث معهم عن تنفيذ القرار 425 كلّهم ربّما تحدّثوا عن تنفيذ القرار 425، ولكنَّه لا يسمع، يقولون له لتنفّذ "إسرائيل" القرار 425 ويقول لهم: نفّذوا اتفاق الطائف في بسط سيادة الدولة على كلّ لبنان وانزعوا سلاح الميليشيات، لأنَّه يعتبر أنَّ المقاومة من الميليشيات! هم يطالبونه بتنفيذ القرار 425 الذي وقّعت عليه أمريكا، وهو يطالبهم بتنفيذ اتفاق الطائف فقط في هذه النقطة لا في بقية النقاط، وهو لا يحسب في هذا المجال بأنَّ تنفيذ اتفاق الطائف يقتضي نزع سلاح "جيش لبنان الجنوبي" لأنَّ هذا يُعتبر مصلحة إسرائيلية، كما أنَّه لا يتحدّث عن انسحاب "إسرائيل" من لبنان، لأنَّ وجود "إسرائيل" من خلال النظرة الأمريكية يوازنه وجود سوريا، ولا يوازنه وجود المقاومة، لأنَّ المقاومة بنظره ملحقة بالميليشيات!
إذاً المطلوب هو أن يخاف العرب، والمطلوب من اللبنانيين أن يعرفوا كيف يتحرّكون أمريكياً من أجل إرباك المقاومة لحساب "إسرائيل" من دون ثمن. المسؤولون اللبنانيون كلّهم شربوا حليب السباع لأوّل مرة وقالوا: إنَّنا لن ننزع سلاح المقاومة، وأنَّه لا يمكن أن نضع المقاومين في السجون والبلد محتلّ، أخرجوا المحتلّ نوقف المقاومة، ولكن حتى هذا المنطق يرفضه الأمريكيون! ويريدون من اللبنانيين أن ينزعوا سلاح المقاومة وأن تبقى "إسرائيل" بكلّ قوتها، لأنَّ المطلوب أن تبقى لـ "إسرائيل" حريّة الحركة في لبنان، ويحاولون إقفال الساحة الوحيدة الباقية في المنطقة العربية التي لا تملك فيها "إسرائيل" حريّة الحركة بفضل جهاد المقاومين.
إذاً المشكلة الأساسية هي في هذا الجانب وليست في صواريخ الكاتيوشا أو غيرها، لأنَّ من غير المسموح لأحد أن يمنع "إسرائيل" من حريّة الحركة في لبنان ولا في العالـم العربي.
وهناك نقطة أحبّ أن أشير لها، وقد بدأت تتكشّف ملامحها أخيراً، وهي أنَّ "حزب العمل" الإسرائيلي بدأ قبل هذه الحرب يفقد شعبيته في داخل المجتمع اليهودي، وبدأت أسهم "حزب الليكود" ترتفع، لذلك كان المطلوب أن يقوم "العمل" بحرب يستعيد شعبيته من خلالها في داخل "إسرائيل" وهكذا حدث، بمجرّد أن أعلن الحرب أصبح تسعة من عشرة من اليهود يوافقون على الحرب، تماماً على طريقة كلينتون الذي أراد أن يحسّن من موقعه الداخلي في أمريكا، فقام بقصف المدنيين في بغداد بحجة الثأر لمحاولة اغتيال بوش. ونحن نُضرب ونقتل لكي يعزّز الأمريكي شعبيته، وهذا هو الواقع الموجود "وشر البلية ما يضحك".
علينا أن ننطلق جميعاً لمواجهة العدوان الصهيوني، لنقلع شوكنا بأظافرنا فنتكافل ونتعاون، وبهذه المناسبة أحبّ أن أوجّه تحيّة إلى كلّ الشباب اللبناني الذي انفتح على هذه القضية بوعي في هذه المرحلة كما لـم نره في المراحل السابقة، حيث وجدنا الكثير من مواطنينا المسيحيين يتحسّسون المشكلة بروح منفتحة تفهم ما معنى "إسرائيل"، وتفهم بأنَّها ليست ضدّ المسلمين فحسب ولكنَّها ضدّ المسيحيين أيضاً، وأنَّ ما حدث لـم يحدث للجنوب وللبقاع الغربي كمنطقة محدودة ولكنَّه حدث للبنان كلّه، لأنَّ لبنان هو الذي يدفع من أمنه واقتصاده وسياسته وكلّ واقعه الاجتماعي، وهو الذي يدفع ويخسر حتى لو كانت المسألة تصيب بعض أجزائه.
لنثبت بأنَّنا القادرون على حماية بلدنا:
ينبغي لنا جميعاً أن نؤكّد هذه الوحدة الوطنية التي تمنع العدوّ من تنفيذ مخططاته في إيجاد حالة اهتزاز، أن نلتفّ حول المجاهدين لنحتضنهم ولَنُشعِرهم بأنَّ البلد كلّه معهم، وأنَّهم يمثّلون عنفوان البلد وعزّته وكرامته، وأنَّ لبنان كلّه لا يسمح لأحد بأن ينال منهم ما داموا يتحركون في الخطّ الصحيح، في خطّ تحرير البلد من العدوان الإسرائيلي.
وقد كنّا نتمنّى على القمة الروحية الإسلامية - المسيحية(1)، التي رحّبنا بها كمظهر للوحدة الوطنية أن تتحدّث عن المقاومة، لأنَّ المقاومة تعني معنى الشهادة التي تعظّمها مفاهيم المسيحية كما تعظّمها مفاهيم الإسلام، فالذين يستشهدون ليسوا تاريخاً ينطلق بعيداً عن الواقع، ونعيش الشهادة الحيّة الروحية في واقعنا الذي نتحرّك، ولذا نقول: إنَّ الذين يفهمون روحية الشهادة ومعنى الجهاد في سبيل اللّه والانفتاح عليه سبحانه وتعالى هم الذين لا يتحدّثون عن الدين بالصفة الرسمية ويركزن المواقع الدينية، ومن هنا نرجو أن تكون المسألة قد سقطت سهواً من البيان ولا تكون ناشئة من تعقيدات هنا وهناك، لأنَّنا إذا كنّا نتعقّد من المجاهدين فهل معنى ذلك أنَّنا نتعقّد منهم لأنَّهم يضربون أعداء الأمّة وأعداء البلد؟
إنَّ على الذين يمثّلون كلّ القيم الكبيرة في البلد أن يواجهوا هذه القيم من موقع الينابيع المتفجّرة بكلّ الطهر وبكلّ النقاء، وأيّ ينبوع يتفجّر بالطهر وبالنقاء أفضل من ينابيع الشهادة التي تتفجّر منها الدماء أنهاراً، دماء الحريّة والعدالة والإخلاص للّه تعالى.
إنَّنا نريد للبلد أن ينطلق على أساس الانفتاح والوضوح والصراحة، ولهذا نقول للجميع، لقد تعبنا من السياسات الباطنية التي تتحرّك على أنقاضها السياسات الظاهرية، لتكن السياسة واحدة، لا تكن في الباطن شيئاً وفي الظاهر شيئاً {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14]، لا نريد أن نكون كهؤلاء، ليكن لدينا وضوح القيمة الروحية ووضوح العنوان السياسي ووضوح الحركة الجهادية حتى نستطيع أن نكون في مستوى الحدث، وفي مستوى الأمّة وفي مستوى المستقبل كلّه.
ضرورة مواجهة الاستكبار وافتراءاته(1):
إنَّ الواقع الإسلامي الذي نعيشه الآن هو واقع يقف فيه الاستكبار العالمي بكلّ ما لديه من قوّة من أجل أن يضعف المسلمين، لكي لا يكون الإسلام قوّة في العالـم. ولأجل إثارة الفرقة بين المسلمين، تحدّثوا سابقاً عن إسلام سنيّ وآخر شيعيّ، وقد وظفّوا لهذا كثيراً من الأنظمة الموجودة في العالـم الإسلامي ليكونوا حرّاساً للفتنة التي تمزّق المسلمين.
أصوليون ومتطرفون لأنَّهم يطالبون باستعادة حقوقهم:
أمّا الآن فيتحدثّون عن إسلام أصولي متطرّف وآخر معتدل واقعي، بهدف عزل حركة الإسلام في مواجهة الظلم والاستكبار والضلال، ليعزلوا الحركة الإسلامية عن المسلمين وليقولوا لبقية المسلمين: إنَّكم عقلاء ومهذبون ومعتدلون، أمّا هؤلاء فهم متطرّفون لماذا؟ لأنَّهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، يريدون أن تكون كلمة اللّه قوّة في الأرض والإسلام هو الحاكم!!
وذلك هو الكفر العظيم عند كثير من ملوك المسلمين ورؤسائهم فضلاً عن ملوك الكفر، وهذا برأيهم يمثّل ذروة التطرّف والوحشية. هل تريدوننا أن نلقي اليهود في البحر؟ نحن الواقعيين جداً، لأنَّنا نطالب من اغتصب أرضنا وبيوتنا أن يخرج منها، ... نقول: إنَّ الفلسطينيين قد أخرجوا من ديارهم بغير حقّ وإنَّ اللبنانيين قد أخرجوا من ديارهم بغير حقّ، كما الكثيرون من النّاس أخرجوا من ديارهم بغير حقّ. أيُّها النّاس، أعيدوا النّاس إلى بيوتهم وارجعوا إلى بيوتكم ويمكن أن نتفاهم عالمياً وإقليمياً وما إلى ذلك. يسمّون هذا تطرّفاً لأنَّهم يريدون للنّاس أن يستسلموا لكلّ نتائج القوّة الظالمة، لا يريدون أن يرتفع لنا صوت في مواجهة أيّ ظلم لأنَّهم يريدون أن يتحرّك الظلم العالمي والإقليمي والصهيوني بكلّ حريّة، وهذا ما يتّضح من خلال السياسة التي تُمارسها "إسرائيل" على المدنيين والمجاهدين في لبنان فتعبث في المنطقة وتتصرف بها كما تشاء، وتجمع العملاء من حولها، وليس لأحد من منظورها التعرّض لعملائها وجنودها.
ومشكلتنا الموجودة في العالـم الإسلامي هي أنَّ المستكبرين سواء كانوا مستكبرين كباراً أو صغاراً يقولون للمستضعفين لا سيما للمسلمين منهم: دوركم هو أن تسكتوا وأن تستسلموا، وألا ترجموا المصالح الغربية في بلادكم حتى لو كانت مصالح الغرب على أنقاض مصالحكم، ليس لكم أن تقفوا ضدّ حريّة الغرب في كلّ ما يريد من العبث في بلادكم!! لأنَّه ليس عليكم إلاّ الطاعة والخضوع.
الواقعية السياسية .. والتنازل عن الأرض:
إذا لـم تخضع فأنت مخرّب، وإذا جاهدت فأنت متطرّف، وإذا أردت أن تُمارس أبسط حقوقك في الإنسانية فأنت مخرّب. الفلسطينيون يطلبون أن يعودوا إلى فلسطين، ليعيشوا في أرضهم، ولكن هذا يمثّل خطّاً أحمر. لقد تنازل الفلسطينيون عن فلسطين كلّها إلاّ عن الضفة الغربية وغزة، لأنَّ الواقع الفلسطيني السياسي تنازل عن الأرض كلّها بفعل الواقعية السياسية، كما يقولون، إنَّه يريد أن يرجع إلى القدس الشرقية، يريد أن يستوطن اليهود في الضفة الغربية وغزة على الأقلّ، ولكنَّ "إسرائيل" تقول لهم: هذه الأرض ليست أرضكم، لكم أن تعيشوا فيها، أن تدبّروا أموركم في بلدياتكم، ولكن ليس لكم أن تمنعوا المستوطنات، وليس لكم أن ترجعوا لتسيطروا على القدس، ليس لكم إلاّ أن تأكلوا وأن تشربوا وأن تعيشوا وتسبّحوا بحمد "إسرائيل".
عندما يقول الفلسطينيون: نريد استعادة القدس الشرقية، أو عندما يقولون: نريد أن نعيش كدولة مستقلة ولو في الضفة الغربية وغزة فإنَّ هذا يسمى تطرّفاً، كما يسمّون من ينتفض في وجه الجيش الإسرائيلي، وهذه التسمية تلحق بالمجاهدين في لبنان الذين انطلقوا لإخراج المحتلّ من أرضهم.
الأنظمة العربية: اتهامات للمجاهدين بأنَّهم حالة إيرانية:
وهكذا نجد الكثير من الحكام في الدول العربية وغير العربية يتحدّثون عن جهاد المجاهدين بأنَّه مسألة إيرانية، إيران تريد أن تأخذ حصة في الجنوب، أو تأخذ حصة في الساحة العربية، كأنَّهم بذلك يقولون، إنَّ الجهاد ليس حالة ذاتية، إنَّما يحتاج إلى قوّة خارجية لتحرّكه، لأنَّ مشكلة هؤلاء النّاس أنَّهم لا يقاتلون إلاّ إذا صدرت لهم قرارات من الخارج، وبهذا نخرج بانطباع أنَّهم يتصوّرون أنَّ كلّ النّاس مثلهم، وفي الحقيقة فإنَّ القضية هي قضية شعب يريد أن يتحرّر، وقضـيّة مجاهدين يحاولون ردع ومنع المحتلّ من أن يأخذ راحته وحريّته في التحرّك على أرضهم.
مشكلتنا مع أمريكا و"إسرائيل" واحدة:
وعلينا أن نلتفت ونحن نتحمّل جميعاً مسؤولية الإسلام في غياب رسول اللّه (ص) لأنَّه حمّلنا هذه الأمانة، قال لنا: "من لـم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"(1)، وقال لنا: "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"(2)، إنَّ علينا أن نفهم حقيقة أساسية لا نزال نركّزها ونكرّرها ونؤكدّها وهي أنَّ مشكلتنا مع "إسرائيل" هي بنفس الوقت مشكلتنا مع أمريكا باعتبار أنَّ هناك تحالفاً بين "إسرائيل" وأمريكا على المستوى الاستراتيجي في كلّ قضايا المنطقة، مما يعني أنَّ النظرة السياسية الإسرائيلية للمنطقة هي نفسها النظرة السياسية الأمريكية للمنطقة، فإذا ضربنا إسرائيلياً فإنَّنا نضرب أمريكياً، وإذا شرّدنا إسرائيلياً فإنَّنا نشرّد أمريكياً، وعلينا أن لا نُخدع مرة بأنَّ أمريكا يمكن أن تجامل العرب على حساب "إسرائيل"، وقد تحدّث بعض المحللين السياسيين أو بعض السياسيين عن مرحلة ما بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان من أنَّ هناك تغيّراً في الموقف الأمريكي ناتج عن التنافر بين مصالح أمريكا و"إسرائيل" في المنطقة، لأنَّ الحرب امتدّت إلى مستوى لا تقبل به أمريكا، حيث صرّح رئيس وزراء العدو بأنَّ الهدف من الحملة هو تهجير عشرات الألوف من اللبنانيين ليضغطوا على حكومتهم لكي تنزع سلاح المقاومة الإسلامية، هؤلاء المحللون يقولون إنَّ أمريكا رأت نفسها أنَّها سائرة في نفس هذا المشروع التهجيري للبنانيين من أراضيهم. لذلك انطلقت أمريكا لتضغط على "إسرائيل"، لتوقف إطلاق النّار على أساس أنَّ ذلك لا يتناسب مع أخلاقية أمريكا، إنَّها تهجّر النّاس، وهذا لا يتناسب مع مصلحة السلام التي يمكن أن تتأثّر بفعل هذا الواقع.
أمريكا دولة برغماتية: الضوء الأخضر للاجتياحات الإسرائيلية للبنان:
الواقع أنَّ أمريكا دولة بلا أخلاق، لأنَّها دولة براغماتية - كما يقولون - واقعية باعتبار أنَّها تتحرّك من خلال الواقع، ونحن نعرف أنَّ أمريكا أعطت الضوء الأخضر في سنة 1982 لاجتياح لبنان، و 1993 لما يشبه الاجتياح لما حصل خلاله من تدمير، ويتضّح ذلك من خلال أحاديث كلّ المسؤولين الأمريكيين الذين كانوا يبّررون لـ "إسرائيل" هجومها على لبنان.
ونحن نعرف أنَّ هذه الحركة الإسرائيلية كانت بتنسيق مع أمريكا من أجل إنضاج طبخة التسويات وطبخة المفاوضات. ثـمَّ لاحظنا أنَّ وزير خارجية أمريكا الذي كان يريد أن يأتي إلى المنطقة من أجل متابعة قضايا المفاوضات أخّر زيارته عدّة أيام حتى تستكمل "إسرائيل" خطتها في التدمير، إنَّ هناك اختلافاً في توزيع الأدوار بين أمريكا و"إسرائيل"، لتتكامل في الخطة الموضوعية، ومشكلة العرب هي كمشكلة كلّ ضعيف، إنَّه يرتاح لكلّ كلمة حلوة، ويرتاح لكلّ مبادرة تمنحه الأقلّ، لقد كانوا يقولون: إنَّ هذا العدوان سوف يضرّ بالسلام، ولكنَّنا رأينا ونقول: إنَّ هذا العدوان كان خطوة متقدّمة نحو إزالة كلّ الحواجز من خلال المفاوضات، ولذلك عندما جاء وزير خارجية أمريكا إلى المنطقة رأى ما لـم يحلم به من الأجواء الإيجابية في مسألة المفاوضات، تماماً كما لو لـم يكن هناك عدوان إسرائيلي، ولـم يكن هناك تشريد حلّ بالشعب اللبناني، ولذلك نجد أنَّ هذه الصدمة الإسرائيلية الأمريكية قد أثّرت عربياً عندما هدّد وزير خارجية أمريكا بأنَّ المفاوضات إذا توقفت فالبديل هو الحرب، وأعطى ما حدث في لبنان كنموذج يمكن أن يحدث في المستقبل.
لذلك علينا ألا نُخدع، عندما يُتحدّث إلينا عن تنازلات أمريكية أو عن اختلافات أمريكية - إسرائيلية، إنَّ رابين قد خرج قويّاً من خلال هذه الحرب في مجتمعه اليهودي في الداخل، ولهذا يمكنه أن يقدّم تنازلات من موقع القوّة، بعكس ما كان عليه وضعه قبل حرب لبنان، ولهذا يكون قد فسح المجال لرابين أن يدمّر بيوت اللبنانيين وأن يهجرّهم وأن يقتل أطفالهم ونساءهم ليكون قوياً في الداخل، وقوياً في المفاوضات، فيقدّم التنازلات!! إنَّهم يستهزئون بعقولنا وهم يعرفون أنَّنا شعب تُسقِطه الكلمات وترفعه الكلمات. إنَّهم يتحرّكون مع "إسرائيل" من خلال المواقف ويتحرّكون معنا من خلال العواطف، ومن خلال الكلمات، وحيث إِنَّنا نخدع بالكلمات كما يقول ذلك الشاعر:
إذا رأيتَ نيوبَ الليثِ بارزةً فـلا تَظُنَّنَ أَنَّ الليثَ يبتسـمُ
من هنا علينا أن نتفهّم حقيقة العدو والصديق حتى نستطيع أن نرتّب أمورنا على هذا الأساس، لأنَّ القضية التي تواجهنا هي قضية تتّصل بكلّ الواقع الذي نعيشه في حريّتنا وفي عزّتنا وفي كرامتنا.
دخول الجيش إلى منطقة الطوارئ في الجنوب:
جهة أخرى، تُثار مسألة دخول الجيش إلى الجنوب للانتشار في مناطق الطوارئ، وحاول الكثيرون من النّاس أن يتحدّثوا عن إمكانية فتنة بين الجيش والمقاومة، كما أنَّ بعض النّاس حاولوا أن يتحدّثوا عن فتنة شعبية بين الجنوبيين أنفسهم، وكأنَّهم يريدون أن يسوّقوا إيحاءات الفتنة في الواقع.
تكامل العلاقة بين المقاومة والجيش:
إنَّنا نحبّ أن نقول: بأنَّ هؤلاء إنَّما يتحدّثون عن تمنيّاتهم ولا يتحدّثون عن الواقع، إنَّهم يحبّون أن تحصل الفتنة لأنَّهم لا يريدون أن يستقرّ البلد، وأن يتكامل الجيش والمقاومة، إنَّنا نحبّ أن نقول لهم: إنَّ الواقع الآن يختلف عن الواقع سابقاً، إنَّ الجيش يفهم جيداً دور المقاومة وضرورتها في مواجهة الاحتلال وحماية الخطّ الذي يتحرّك في واقع الجيش، الجيش يرفض من ناحية استراتيجية أن يصطدم بالمقاومة، كما أنَّ المقاومة تعرف الظروف المتحكّمة في القرار السياسي للجيش، وفيما يملكه من قوّة، وقد عاشت المقاومة تجربة ناجحة مع الجيش عندما دخل إلى مناطق المقاومة في إقليم التفاح وفي منطقة النبطية بشكل عام، فلم يحدث أن حصل هناك أيّ صراع بين المقاومة والجيش، ربَّما كانت تحدث أشياء بسيطة جداً وكانت تحلّ بأفضل الطرق، لذلك من يتحدّث بأنَّه سوف تحدث مشكلة بين الجيش والمقاومة إذا دخل الجيش إلى منطقة الطوارئ، (لأنَّ مهمته أن ينزع سلاح المقاومة)، إنَّ من يتحدّثون بهذه الطريقة فإمّا أنَّه لا يعجبهم التكامل بين الجيش والمقاومة وإمّا أنَّهم لا يفهمون الواقع الذي تتحرّك فيه الأمور السياسية في المنطقة، بحيث لا تسمح الظروف السياسية لحدوث مثل هذه الأمور، ومن هنا ننصحهم بأن يرتاحوا، لأنَّ المقاومة تملك رشداً سياسياً وعقلاً جهادياً لا يمكن أن يورّطها بالاصطدام بالجيش، كما أنَّ للجيش عقلانيته ووعيه للساحة جيداً.
النّاس تتمرّد على الفتنة:
وهكذا نقول: إنَّ النّاس استطاعوا بفعل التجارب المؤلمة التي خاضوها أن يتمرّدوا على الفتنة، ولذلك فإنَّنا نتصوّر أنَّ الظروف الموضوعية تمنع من وجود فتنة كبيرة. قد تكون هناك بعض الحساسيات التي تحدث بين فريق وفريق، تماماً كما تحدث بين عائلة وعائلة، وكما تحدث بين بلد وبلد والتي يمكن أن تحلّ بالحُسنى.
السلام ومبدأ العزّة(1)
إنَّنا نخوض صراعاً ضدّ اليهود، هؤلاء الذين ينطلقون من موقع قوّة، لفرض الاستسلام على العرب وعلى المسلمين، تساندهم في ذلك أمريكا في علاقاتها الإستراتيجية معهم، لتكون "إسرائيل" هي الأقوى: أمّا مظهر القوّة عندنا في لبنان فهو أن تحتلّ "إسرائيل" بلادنا من دون أن يرتفع أيّ صوت للاعتراض على ذلك، وأن تحتلّ بلادنا من دون أن يسمح للدولة اللبنانية أن تقول في الأمم المتحدة أو في المفاوضات بأنَّ أرضها محتلّة. إنَّ "إسرائيل" تعبّر عن المنطقة إنَّها المنطقة الأمنية أو الحزام الأمني الذي يحمي حدودها.
إرهابي من يحاول أن يمتلك القوّة!!:
وكما يستفاد من تحرّك الخطة الأمريكية والإسرائيلية التي قضت باحتلال جزء من لبنان في سنة 1978، وفي احتلال أوسع في سنة 1982، واجتياح جوّي وبحري وبرّي مدفعي وصاروخي في سنة 1993م. حيث تكون لـ "إسرائيل" الحريّة في الحركة لتحقيق المشاريع السياسية لحسابها، ولحساب أمريكا في الساحة العربية، ومن خلال لبنان من دون أن يعترض عليها أحد. إنَّها تطلب من الشعب اللبناني ومن الدولة اللبنانية كما تطلب من سوريا ومن كلّ الدول العربية أن تمنحها حريّة الحركة في أن تقصف أو تجتاح أو تحتلّ المكان الذي يعجبها، وساعة تشاء، دون أن يعترض أحدٌ على هذا الاحتلال!! ودون أن يكون لنا حريّة الحركة كعرب وكمسلمين للدفاع عن أرضنا وإخراج المحتلّ منها، وفي إفشال مخطّطات العدوّ السياسية والاقتصادية والأمنية التي يحاول العدوّ أن يمسك من خلالها بمستقبلنا.
أيُّها العرب، أيُّها المسلمون، أيُّها اللبنانيون، هذا الذي تقوله أمريكا و "إسرائيل": إنَّ عليكم أن تخضعوا وتسكتوا وتقبلوا وتصبروا إلى نهاية المفاوضات. لا يُسمح لكم أن تكونوا أقوياء، فإذا أردتـم أن تكونوا كذلك فستضعكم أمريكا على لائحة الإرهاب كما وضعت سوريا وكما وضعت إيران وكما وضعت السودان، لأنَّ هذه البلدان تحاول أن تمتلك القوّة التي تستطيع من خلالها أن تحمي نفسها من كلّ المخططات العدوانية من قبل أمريكا.
إرهابي من يحاول أن يحرّر أرضه!!:
ولذلك يقولون عن المجاهدين في لبنان تارة إنّهم إرهابيون، وأخرى متطرفون، لماذا يتحوّل مجاهدونا عند أمريكا إلى متطرفين؟ لأنَّهم أرادوا أن يحرّروا بلادهم، حتى تكون معتدلاً عند أمريكا عليك أن ترضى بالاحتلال، لكي تأتيك البركة الأمريكية في إبعادك عن أرضك بشروط المحتلّ، وبشروطها هي، وعند ذلك تكون واقعياً في سياستك، وهذه الطريقة تردّدها بعض الأبواق في داخل لبنان.
المقاومة تستجيب لنداء اللّه:
لذلك إنَّنا عندما ندرس موضوع المقاومة، ولا سيّما عمودها الفقري - المقاومة الإسلامية في لبنان ـ نجد أنَّها تستجيب لنداء اللّه {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال:60]، إنَّها تريد أن تقول: أيُّها المسلمون، أيُّها اللبنانيون، أيُّها العرب، إنَّ العدوّ يحاول أن يستعرض عضلاته ويوحي لكم بأنَّه الأقوى، تعالوا لنجرّب أن نقول له: إنَّك لست الأقوى، لأنَّنا نستطيع أن نقتل جنودك، ونستطيع أن نحتلّ مواقعك، ونستطيع أن نزعج وجودك في أرضنا، ونستطيع بالتالي أن نجبرك على أن ترحل منها كما أجبرنا القوى الكبرى أن ترحل من أرضنا من خلال شهادة الشهداء وجهاد المجاهدين.
إنَّهم يفكّرون بعقلية الأمّة وهذا ما تفكّر به القيادة، كما كان يفكّر النبيّ (ص)، وكما أراد اللّه لهم أن يفكّروا، حديث النّاس عن الآلام وعن الجراحات الآن، أشبه بحديثهم عن الآلام والجراحات بعد معركة أحد، وإن كان حجم المأساة الذي نعيشه اليوم أكبر، وإلاّ فما هي مناسبة أن يقول اللّه سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، حيث بدأ النّاس بعد انتهاء معركة أحد، يشكون ما حلّ بهم، فهذا يقول لقد قتل أبي، وذاك يقول لقد جرحت، وهذا يقول لقد فقدت سلاحي، إنَّهم كانوا يتحدّثون عن الآلام التي أصابتهم في ساحة الصراع مع العدوّ ولكنَّ اللّه قال لهم: لقد قتل العدوّ منكم وقتلتم منه، وقد جرح العدوّ منكم وقد جرحتم منه، وقد دمّر العدوّ لكم بعض مواقعكم، وقد دمرتـم له بعض مواقعه، لستم وحدكم المتألمين {ِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ } [النساء:104] {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]، ربَّما يأذن اللّه بوقوع بعض الهزائم ليأخذ النّاس منها الدروس وليحققوا النصر بعد ذلك من خلال ما درسوه، اقرأوا القرآن جيداً لأنَّ اللعبة السياسية والإعلامية في العالـم تريد أن تفقدنا روحنا، تريد أن تجعلنا شعباً يختزن الضعف في داخل شخصيته، إنَّ مسائل الشعوب لا تُقاس بالأيام ولا بالشهور ولكنَّها تُقاس بالأجيال. إنَّ "إسرائيل" تريد أن تجعل من اليهودية موقعاً متقدماً في العالـم للسيطرة عليه حضارياً، ليست القضية هي أن تربح "إسرائيل" موقعاً في هذا المكان أو ذاك، ولكنَّها تريد أن تربح المواقع الاقتصادية والسياسية والمواقع الأمنية الكبرى فيه.
لذلك نحن بحاجة إلى أن نعيش منطق القوّة في منطقنا كما أراد اللّه لنا ذلك، لقد بشّر اللّه سبحانه وتعالى المنافقين الذين يخدمون "إسرائيل"، ويخدمون المستكبرين {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً*الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:138- 139]، ثـمَّ يقول اللّه: { عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً} [النساء:139]، وقال في آية أخرى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8].
وفي تفسير هذه الآية لقد ذكرت مراراً حديثاً ورد عن الإمام جعفر الصادق (ع): "إنَّ اللّه فوّض إلى المؤمن أمره كلّه ولـم يفوّض إليه أن يكون ذليلاً"(1).
الكاتيوشا تستخدم للدفاع عن مدنيّينا:
إنَّنا نعتبر أنَّ العملية النوعية التي قام بها المجاهدون أثبتت لكلّ النّاس الذين كانوا يحاولون أن يسجّلوا على المجاهدين أنَّهم يتخذون من الكاتيوشا وسيلة في قتالهم، أنَّها ليست كما يقولون، كانت صواريخ الكاتيوشا ردّاً على العدوان على المدنيين، وإذا عاد العدوان على المدنيين من جديد فستنطلق صواريخ الكاتيوشا لمواجهة المدنيين من جديد.
قلنا مراراً: إنَّنا ضدّ الاعتداء على المدنيين، ولكن إذا قتلوا مدنيينا وأرادوا أن يدمّروا بيوتهم، فعليهم أن يعرفوا أنَّهم سيعاملون بالمثل، قال اللّه لنا: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] فهذه الآية جعلت لنا مبرّراً شرعياً في قتالنا.
إنَّ المقاومة تنطلق من خلال وسائلها التي تجعل المجاهد يقف في وجه اليهودي أو في وجه من يحاول أن يكون تابعاً له، حيث استطاعت من خلال استخدامها لخبراتها العسكرية بشكل دقيق أن تدخل عمق منطقة الاحتلال، لتثبت لـ "إسرائيل" أنَّه إذا كانت يدها طويلة بدباباتها وطائراتها ومدافعها، فإنَّ يد المقاومة الإسلامية طويلة بإيمانها وبخبرتها وتجربتها وإصرارها على مواجهة المحتلّ في كلّ مكان وفي كلّ زمان، هذا ما قدّمته لنا هذه العملية النوعية، ونشدّ على أيدي المجاهدين ونقبّل أيديهم لأنَّهم نجحوا في مواجهتهم للعدوّ، وفي الثأر لكلّ الضحايا، ولكلّ الشهداء الذين سقطوا فيما سمّوه عملية تصفية الحسابات.
لا إدانات أمريكية لـ "إسرائيل":
إنَّ الساحة اللبنانية مفتوحة على كلّ مشاريع الصراع السياسي في المنطقة، ولذلك لا تصدّقوا أنَّ "إسرائيل" تنطلق في عملياتها من موقع ردّ فعل، ولكنَّها تنطلق من خلال موقع فعل لإنضاج كثير من المشاريع التي تتصّل بالمفاوضات، هذا ما رأيناه من خلال التصريح الذي أدلى به المسؤول الأمريكي في تعليقه على هذه العملية، وفي استنكاره لقتل الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا على أرض لبنانية يحتلّها الإسرائيليون، احتجّ على إخراج المحتلّ من أرضهم، وفي الوقت نفسه تستنكر أمريكا كما لـم يستنكر أمين عام الأمم المتحدة إطلاق الصواريخ من خلال الطائرات الإسرائيلية على منطقة بعلبك. ما هو التبرير الأمريكي لهذا الاستنكار؟ إنَّ المتطرفين يريدون أن يخرّبوا عملية السلام، إنَّنا نسأل المسؤول الأمريكي: هل أنَّ "إسرائيل" تخدم السلام من خلال تدميرها للبيوت في جبل عامل والبقاع الغربي، وقتلها المدنيين وتشريدهم وتهجيرهم وجرحها من تجرح!! ولو أراد المسؤول الأمريكي أن يكون صريحاً لقال: إنَّها انطلقت من أجل خدمة السلام الأمريكي - الإسرائيلي، لأنَّها انطلقت لتعطي العرب درساً ولتوجه إليهم رسالة، ولتخوّف من يُراد تخويفه، وترعب من يُراد إرعابه.
الإسلام ومبدأ العزّة:
إنَّ مشاعر القوم لا تتحرّك لو قتل الآلاف منّا، ولكنَّ مشاعرهم تتحرّك ومواقفهم تنطلق عندما يُقال إنَّ إسرائيلياً قد جرح. إنَّنا نقول لهم: إنَّ البرنامج الذي وضعه اللّه لنا: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111]، لا يُسمح لنا أن نُقتل إلاّ أن يكون ردُّ فعلنا أن نَقتل، لن تكون المسألة من طرف واحد. إنَّ الذين يريدون أن يُسقطوا عزّتنا سنسقط عزّتهم بوسائلنا، وإنَّ الذين يريدون أن يقتلوا شعبنا فعليهم أن يستعدّوا لأن يُقتل شعبهم، إنَّ شعبنا عزيزٌ علينا، وأولادنا أعزاء علينا، إذا كانوا يتحدّثون عن الإعزاز لأولادهم.
دعوة لأهلنا في الشريط لعدم الانخراط في الجنوبي:
من هنا نتوجّه لكلّ أهلنا في الشريط الحدودي ومن موقع احترامهم لأنفسهم وأهلهم ومستقبلهم، ندعوهم لعدم الانخراط في جيش العملاء، ومهما كانت الظروف، لأنَّ الانتماء إلى هذا الجيش حرام حتى عندما يكون هناك ضغط، فلا تستخدم التقية، لأنَّ التقية إنَّما شرّعت ليحقن بها الدم، فإذا بلغت الدم وتحوّلت إلى أن تقتل إنساناً آخر فلا تقية.
إنَّنا نريد من شعبنا وأهلنا في المنطقة المحتلة من لبنان أن تكون لهم انتفاضتهم كما لفلسطين المحتلّة انتفاضتها، أن تقاوموا بطريقة عاقلة ومدروسة، على أن تكون مقاومة سلمية في البداية، ومساندة الخطوط الأخرى للمقاومة ما أمكن، لأنَّ "إسرائيل" تريد أن توحي للعالـم بأنَّ هذه المنطقة ترتاح للاحتلال الإسرائيلي، وأنَّها منطقة ينطلق شبابها للدفاع عن أمن "إسرائيل"، وأنَّها منطقة تتحرّك من أجل أن تطبّع علاقاتها مع الاحتلال، إنَّنا نريد أن تعلو الأصوات ليعرف العالـم الحقيقة وهي: أَنَّ المنطقة اللبنانية الحدودية لا ترضى بالاحتلال الإسرائيلي، لتنطلق الأصوات من الداخل لأنَّ أصوات الخارج لا تكفي.
انتفضوا لكشف الزيف:
إنَّ الإعلام العالمي والإعلام السياسي حتى من قبل الدول العربية عندما يتحدّثون عن المقاومة يقولون: إنَّ لها خلفيات إيرانية، وإنَّ إيران هي التي تريد أن تقاتل "إسرائيل" وليس الشعب اللبناني، وقد كشفت الأحداث زيف هذه المقولة، لكن نقول: عندما ينتفض الشعب في المنطقة الحدودية كانتفاضة الشعب في المنطقة الفلسطينية فإنَّ أحداً لا يستطيع أن ينسب ذلك إلى أيّ فريق خارجي، وسيعرف العالـم أنَّ النّاس في لبنان لا يريدون الاحتلال الإسرائيلي.
عزّة لبنان وثباته وعنفوانه بالمقاومة:
ونحبّ في الوقت نفسه نقول للشعب اللبناني الذي ينظر الكثيرون من أفراده إلى المنطقة المحتلّة كما لو أنَّها منطقة ميليشيا لبنانية، ولذلك نراهم عندما يتحدّثون عن المقاومة الإسلامية، فإنَّهم يتحدّثون عنها كميليشيا لبنانية، ربَّما لا يرتاح هؤلاء للحديث عن نزع سلاح الميليشيا الحدودية، ولكنَّهم في الوقت نفسه يتحدّثون عن ضرورة اتفاق الطائف، للعمل من خلاله على نزع سلاح المقاومة الإسلامية.
أيُّها اللبنانيون: إنَّ المنطقة الحدودية جزء مهمّ جداً من لبنان ولذلك لن تشعروا بأيّ شيء اسمه الحريّة، وبأيّ شيء اسمه الاستقلال، إذا لـم تتحرّر المنطقة الحدودية، لذلك لا تفكّروا طائفياً عندما تفكّرون في المنطقة الحدودية، ولكن فكّروا فيها لبنانياً وإذا فكرّتـم فيها لبنانياً فستعرفون أنَّ المقاومة ولا سيما المقاومة الإسلامية تدافع عن لبنان كلّه، وتدافع عنكم، لأنَّها هي التي تعطي للبنان عنفوانه، وهي التي تعطي للبنان قوّته، وهي التي تمنح للبنان ثباته، وهي التي تحقّق للبنان معنى استقلاله.
الدولة اللبنانية تتقاعس من مسؤولياتها في المنطقة المحتلة:
ومن خلال تتابع الأحداث، نقول للدولة اللبنانية، التي أهملت المنطقة الحدودية وتركتها تواجه مصيرها مع "إسرائيل"، وهذا ما يلحظ من خطاب المسؤولين الرسميين اللبنانيين بطريقة أو أخرى، فهم لا يطالبون إلاَّ بتنفيذ القرار 425، الذي يعرفون أنَّه أصبح من مخلّفات الزمن، أمّا كيف يعيش النّاس هناك، وما يعانون من جراء الاحتلال، وما يجب تقديمه من مشاريع، تربوية أو صحية أو اجتماعية أو غير ذلك، لتركيز أوضاعهم فهذه ليست واردة إلاّ بشكل هامشي جداً، قد تقولون: إنَّها أرض محتلّة، ونحن لا نسيطر عليها، ولكنَّنا نقول إنَّكم تستطيعون أن تخرجوا الاحتلال في هذا المجال، ومن خلال علاقاتكم الدبلوماسية.
إنَّنا نرفض علانية أن تقدّم "إسرائيل" بين وقت وآخر بعض المنح لهذه المدرسة أو تلك، أو لتعمّر هذه الحسينية أو ذاك المسجد، أو لتصلح هذا الطريق أو ذاك، لتجلب الماء أو الكهرباء، أو لتقوم بالخدمات التلفونية. إنَّنا نريد أن يشعر اللبنانيون في المنطقة الحدودية بلبنانيتهم، وبأنَّ هناك دولة ترعاهم، وبأنَّ هناك شعباً يقف وراءهم، مما يعزّز لديهم الشعور بالانتماء، الشعور بالقوة، ليتمكّنوا من الوقوف بقوّة في مواجهة كلّ هذا الواقع، وكلّ هذا الاحتلال.
علينا أن نفكّر دائماً بذهنية الأمّة، وعلينا أن نفكّر دائماً بروحية المستقبل لا بحجم اللحظة الحاضرة، لأنَّ المعركة هي معركة عالمية ضدّ الإسلام والمسلمين، وضدّ الاستضعاف والمستضعفين. لقد قرأنا وسمعنا أنَّ أمريكا أدخلت السودان لائحة الدول التي تساند الإرهاب، بحجة أنَّه يساند بعض المنظمات الإرهابية كمنظمة "حماس" ومنظمة "الجهاد الإسلامي"، إنَّهما منظمتان إرهابيتان!! لأنَّهما تريدانه تحرير الأرض المحتلّة من الاحتلال الإسرائيلي!! ويتحدّثون أيضاً عن "حزب اللّه" في لبنان تماماً كما لو كان هذا الحزب لا يملك موقعاً فيهرب إلى السودان ليكون له موقع هناك. لقد طلبت السودان من أمريكا أن يدور حوار بين المسؤولين الأمريكيين والمسؤولين السودانيين لدراسة الأسس التي يقوم عليها هذا الاتهام فرفضت أمريكا، لأنَّ أمريكا ترى أنَّ دورها أن تصدر الأحكام، لا أن تقدّم الحيثيات وأن تدرسها، ليس مسموحاً لأيّ إنسان أن يدافع عن نفسه أمام الاتهامات الأمريكية بالإرهاب!! إنَّ أمريكا تخلط بين الإرهاب وحركات التحرر، إنَّ كلّ الحركات التي تحدثت عنها أمريكا على أنَّها حركات إرهابية هي حركات تحرّر، ولكن أمريكا لا تريد لأيّة حركة أن تعمل من أجل أن تحرّر إرادتها في مواجهة أيّ سياسة أمريكية أو إسرائيلية أو ما إلى ذلك.
"إسرائيل" تتحرّك إرهابياً لمصلحة أمريكا:
إنَّ أمريكا لا تعتبر "إسرائيل" دولة إرهابية، وإنَّما تعتبرها دولة حضارية، ولـم يحدث في منطقة الشرق الأوسط في كلّ تاريخه القريب أن دمّرت دولة فيه ما دمّرته "إسرائيل" وقتلت دولة فيه - طبعاً نحن لا نعترف بالدولة ولكن حسب مصطلح الأمم المتحدة ـ ما قتلت فيه وأربكت كلّ تاريخه كما صنعت، أتدرون لماذا؟ لا تعتبر أمريكا "إسرائيل" - بالرغم مما قامت به من ممارسات عدوانية - دولة إرهابية، لأنَّ "إسرائيل" تتحرّك إرهابياً لمصلحة السياسة الأمريكية، أمّا الآخرون فإنَّهم يتحرّكون في غير اتجاه السياسة الأمريكية، السودان ليس أمريكياً في سياسته وسوريا ليست أمريكية في سياستها، لذلك المعارضون للسياسة الأمريكية - تقول أمريكا-: إنَّكم إرهابيون، حتى لو أثبتم ألا علاقة لكم بالإرهاب، لأنَّه لن يُسمع دفاعكم، عليكم أن تتقبّلوا الحكم.
دعوة الشباب اللبناني للتكامل في القضايا المصيرية:
أحبّ أن أتوجّه إلى كلّ شباب لبنان أيّاً كانت الطائفة التي ينتمي إليها، وأيّاً كان المحور السياسي الذي ينتمي إليه، إنَّني أقول لهذا الشباب الذي لا يزال يملك بعض الصفاء في مشاعره ولا يزال يملك بعض الطهر في أعماقه، ولا يزال يملك القلق المنفتح على المستقبل في وعيه، إنَّنا نقول لهؤلاء الشباب جميعاً أن يتكاملوا في القضايا المصيرية، وأن يتوحّدوا في مواجهة الخطر، وأن يعرفوا أنَّ لبنان إذا احتلّ جزء منه فإنَّ معنى ذلك أنَّ كلّ لبنان هو محتلّ، وعلى كلّ الشباب اللبناني أن يعمل في مواجهة الاحتلال.
نحن نطالب جميع اللبنانيين أن يتحوّلوا إلى مقاومة، وحيث يقول البعض: إنَّ المقاومة يحتكرها المسلمون لأنفسهم، إنَّني أقول لهؤلاء: إنَّ المقاومة الإسلامية تدعو كلّ اللبنانيين إلى أن يتكاملوا معها من أجل إخراج المحتلّ من الأرض حتى تكون المقاومة مقاومة إسلامية - مسيحية.
دعوة للحوار في العمق بين المسيحيين والمسلمين:
نحن ندعو إلى التكامل بين المسلمين والمسيحيين من خلال الرسالات الكبرى، التي تُوحِّد فيما بينها، فإنَّنا لا ندعو إلى حوار بالمطلق، وإنَّما في قضايا الحريّة، وفي قضايا العدالة، وفي مواجهة المصير، ونقول للشباب اللبناني أن يلتقي مع بعضه البعض، وأن يعمل على أساس خطة موحِّدة يتولّى فيها كلّ فريق دوره، لنحرّر الأرض كلّها، ولنحقّق مجتمع العدالة والحريّة لكلّ اللبنانيين.
إنَّنا نريد لهم ألا يكرّروا تجربة بعض السياسيين الذين يعيشون العقدة في أنفسهم، والذين يعملون على سياسة اللف والدوران، وسياسة الازدواجية والباطنية التي تظهر شيئاً وتخفي أشياءً أخرى، إنَّنا لا نريد للجيل الجديد من اللبنانيين أن يعيش التجربة السابقة التي أثبتت فشلها، إنَّما نريد أن تكون لهم تجربتهم الجديدة، تجربة اللبنانيين الذين يواجهون المستقبل على أساس أن يحملوا مسؤولية المستقبل في لبنان كلّه، وللإنسان كلّه.
نرفض السلام الذي يهدد قضايانا(1)
السلام ليس مجرّد شيء تبتعد فيه عن الحرب الآن لتخوضها بعد مدة، إنَّه سلام الواقع والقضية، كما يحاول البعض أن يجعل من سلام الخدعة، السلام الذي يلوّح لك فيه الأقوياء حتى يسقطوا مقاومتك، واستعدادك ليسقطوا روحيتك في حركة منهم لإشغالك عن حقيقة أهدافهم.
على هذا الأساس، هناك فرق بين سلام الأقوياء وسلام الضعفاء، فالسلام الذي يُعطَى للضعفاء هو سلام الأقوياء الذين يريدون أن يحموا أنفسهم بإبعاد الضعفاء عن ساحة الصراع. لذلك عندما نريد أن نفكّر في السلام فإنَّ علينا أن نفكّر به بالطريقة التي تجعل قضايانا وأهدافنا وأمتنا واقتصادنا في سلام، لا كما يحصل الآن، حيث تسقط حركة الحرب بالسلاح، لتبدأ حرب الاقتصاد والسياسة والأمن والثقافة وما إلى ذلك.
ولذلك فإنَّنا عندما نرفض من موقعنا الإسلامي السلام مع "إسرائيل" فإنَّنا نرفضه انطلاقاً من حكم اللّه، ومن خلال ما حدّثنا اللّه به {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم} [البقرة:100]، إنَّهم يقتلون النبيّين بغير حقّ، وينقضون الميثاق {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} [المائدة:82]، ولذا لا معنى لسلام تُعطي فيه للعدو الإقرار بأرضك التي اغتصبها وتمنحه شرعية السلطة عليها، ولا معنى لسلام تفسح المجال فيه للعدو ليقوى أكثر حتى يسقط قوّتك من خلال ما يمتلكه من قوّة يتمتع بها المستكبرون الذين يحكمون الحياة من خلال لغة القوّة.
مصرُّون على مقاومة المحتلّ:
وعليه فإنَّ موقفنا هذا يشبه موقف الصحابي الجليل عمّار بن ياسر الذي كان قريباً من رسول اللّه (ص) وكان من المجاهدين الأوائل مع أبيه وأمه، حيث وقف في وجه الكفّار المشركين حتى النهاية فجعله الرسول (ص) من المقربين إليه والمكرّمين عنده، كما أنَّه كان قد وقف بشجاعة قلّ نظيرها، عندما خاض الإمام عليّ (ع) معركة صفين، وهزم جيش عليّ في بعض المواقع حيث قال: "واللّه لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على الحقّ وأنَّهم على الباطل"(2).
وهكذا فالهزيمة لا تعني أنَّ الذي هزمك على الحقّ وأنت على الباطل، الضعف لا يعني أنَّ الذي استضعفك على الحقّ، وأنت على الباطل، إبقَ على الحقّ {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ}. بعض النّاس يقول هذا الكلام فيه تطرف وغير واقعي وغير عملي، ولا يقبله النّاس لأنَّهم متعبون، قول اللّه أصدق من قولكم {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].
معركتنا مع الاستكبار معركة عضّ الأصابع:
اصبروا فإنَّ دولة الظالـم لن تبقى على مدى الحياة لأنَّ سنة اللّه تقضي بذلك، تلك هي المفاهيم العامة التي يجب أن ننطلق فيها لكلّ من يتحدّث عن السلام، حيث المعركة بيننا وبين العدو المحليّ "إسرائيل" والعالمي أمريكا والتحالف الذي تقوده هي معركة عضّ الأصابع، بحيث يحاول هؤلاء أن يهزمونا لكي نصرخ ونوقّع على كلّ ما يريدونه بإعطاء الشرعية لـ "إسرائيل" في المنطقة وعلى النظام الأمني الإقليمي، لتكون "إسرائيل" شرطي المنطقة من الداخل باعتراف عربي، لينطلق بعد ذلك اليهود ليسيطروا على المنطقة كلّها وعلى ثرواتها، ونكون نحن مجرد عمّال وخدم في إمبراطوريته تماماً كما يستخدمون الآن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة والمنطقة الحدودية من لبنان، لأنَّ أجرهم أقل من أجر اليهودي، إنَّهم يريدون أن يكونوا هم القوّة العظمى في المنطقة، إذا لـم يستطيعوا ذلك بالحرب فإنَّهم يخطّطون لتحقيق أهدافهم عن طريق السلم.
أمريكا: اتهامات لدول المواجهة بالإرهاب:
وهذا ما لاحظناه من خلال التعاطي الأمريكي مع إيران وليبيا وسوريا وبعض الدول الأخرى، حيث اعتبرت أنَّ هذه الدول هي ضدّ حقوق الإنسان وتتعاطف مع الإرهابيين، لماذا؟ لأنَّ سوريا تمنع هجرة اليهود إلى خارج سوريا، كما أنَّها اتّهمت ليبيا وإيران بتأييد الإرهاب، بحُجّة أنَّ إيران تنفّذ عقوبة الإعدام، وطريقتها في القضاء مختلفة، لذلك منعت عنها المساعدات الاقتصادية وبعض مواقع التجارة وما إلى ذلك من الأمور.
وهكذا فيما يخصّ حقوق الإنسان في العراق وغيره. أمّا عندما تصل المسألة إلى "إسرائيل" فعند ذلك تتجمّد كلّ حقوق الإنسان.
هناك شيء اسمه "إسرائيل" موجودة في حدود ما قبل 1967 التي لا نعترف بوجودها من الناحية الإسلامية، وتُسمى الأراضي التي احتلّها ما قبل 1967 أراض محتلّة، وهذا ما تعترف به أمريكا وأوروبا واليابان وروسيا، يعني هذه بحسب القانون الدولي وبحسب شرعة الأمم المتحدة، أنَّها ليست أرض "إسرائيل" التي يُعترف بها "قانوناً"، إنَّما هي أرض الشعب الفلسطيني.
وفي هذه الأجواء يتعرّض الشعب الفلسطيني برجاله ونسائه وشيوخه وأطفاله يومياً لعمليات القتل من قبل الجيش الإسرائيلي، فيقتل الطفل ابن الأربع أو الخمس أو الثماني سنوات والمرأة لمجرد أنَّ هناك مقاوماً من هذا البيت مع أنَّ أصحاب البيت قد لا ينطلقون في المقاومة، تجعل من الفلسطينيين ساحة للتجارب تغلق الجامعات مزاجياً، تأخذ مياه الضفة الغربية وتمنع الفلسطينيين من استثمار مياههم، فضلاً عن اغتصابها لأراض كثيرة وبناء المستوطنات عليها، وبالرغم من كلّ ذلك لـم يعترض أحدٌ على سياسة "إسرائيل" التعسفيّة.
أمريكا فقدت مصداقيتها تجاه الشعوب المستضعفة:
إزاء ما يحصل كيف يمكننا أن نواجه هذه المسألة؟ فنحن عندما نلاحظ أنَّ أمريكا تدعم "إسرائيل" حتى ضدّ حقوق الإنسان، أمّا عندما تكون المسألة لمصالحها السياسية فإنَّها تقيم العالـم ضدّ هذا البلد وذاك.
وعلى هذا الأساس وحسب اعتقادي، هل يمكن لأيّ إنسان يملك شرفاً وكرامة وغيرة وإحساساً بإنسانيته أن يعتبر أمريكا صديقة للشعوب؟ ونحن ذكرنا مراراً أنَّنا لا نقصد الشعب الأمريكي، الشعب الأمريكي شعب كبقية الشعوب يمكنه أن ينفتح على كثير من القضايا وأعمال الخير، نحن لا نتحدّث عن الشعب الأمريكي، وإنَّما نتحدّث عن الإدارة الأمريكية التي تريد السيطرة على العالـم بالقهر والاستعباد، ... ولا فرق بين إدارة وإدارة، وإذا كنّا نسمع من بعض الرؤساء كلاماً طيباً فهو كلام مخادع.
المقاومة في الذاكرة والوجدان
ورد ها هنا بعض التصاريح والمقابلات التي أجرتها بعض الصحف والمجلات العربية والأجنبية مع سماحة آية اللّه العظمى السيِّد محمَّد حسين فضل اللّه حول المقاومة الإسلامية مع ذكر أسماء الصحف والمجلات وتاريخ إجراء المقابلة أو الحديث.
المقاومة لا تملك الحرية السياسية:
إنّ الحدث الذي حصل من جرّاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان هو نشوء مقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي بشكل فاعل وبشكل جديد لـم تألفه الساحات السياسية والجهادية في المنطقة لأنها عبّرت لأوّل مرة عن وجود حركة شعبية تنطلق من حالة إسلامية عميقة في الساحة في مواجهة الاستعمار والصهيونية، واستطاعت في مواجهتها للاستعمار أن تسقط المشروع الأمريكي في لبنان ولو مرحلياً، هذا أمر واقع وحقيقي لا يستطيع أن يتنكر له أيّ إنسان، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا هو: إلى أيّ مدى يمكننا أن نستفيد من الذي حدث، هل أنّ حالة المقاومة -التي استطاعت أن تهزم المشروع الأمريكي والصهيوني - تملك الحرية السياسية على مستوى الواقع السياسي المعقد في المنطقة؟ وفي أن تقدّم مشروعها بعيداً عن كلّ جوانب الضغط التي تتحرك بأكثر من وسيلة ووسيلة؟؟ ثـم يا ترى هل تحولت هذه المقاومة إلى مقاومة شعبية شاملة بحيث أصبح عندنا شعب مقاوم يحمل القضايا الكبيرة التي انطلقت المقاومة من أجلها؟.. إني أودّ أن لا أتفاءل كثيراً في هذا المجال حتى نكون واقعيين.
نريد للمقاومة أن تتحوّل إلى حالة شعبية:
هل تعني بذلك أن الأفق أصبح مسدوداً أمام المقاومة في المرحلة الحاضرة على الأقلّ؟
قد لا تكون هذه المسألة بهذه الدقة، لكن عندما أنظر إلى الواقع أنظر إلى الذين قاوموا وأرى أنهم لـم يستطيعوا أن يحوّلوا المقاومة إلى حالة، المقاومة ربّما استطاعت أن تعطي بعداً شعبياً في دعم المقاومة ولكن هذا الدعم لـم ينطلق من خلال الوعي السياسي للقضايا الكبيرة التي تستهدفها المقاومة، بينما كان الدعم ينطلق من حالة محليّة تارة وحالة عاطفية تارة أخرى، أو محاولة السير مع تيار المقاومة تارة أخرى. كما أنَّنا نلاحظ أن حركة المقاومة غرقت في الحالة الحزبية والطائفية الموجودة في داخل هذا البلد بحيث حاول الكثيرون أن يجعلوا منها أداة من أدوات الزهو بها بعيداً عن محاولة تعميقها في الساحة. بالواقع لست بحالة توجيه اتهامات إلى أحد لأنَّ الوقت لا يسمح لهذا الأسلوب الآن، ولكنّي أقول: إنّ المقاومة لـم تتحول إلى حالة شعبية ولا تزال الغرائز الشعبية الطائفية والإقليمية تفرض نفسها على الساحة.
المقاومة تعبّر عن حالة إسلامية:
قلت إن المقاومة تتعثّر،من خلال قولك إنَّها لـم تصبح حالة شعبية، والمقاومة كلٌّ يفهمها حسب رؤيته وربَّما مصلحته، منهم من يقول بالمقاومة الوطنية والأخر بالإسلامية وغيره بالشيعية خاصة في الإعلام الغربي والمعادي الذي له مصلحة في مذهبة المقاومة، ألا ترى تنويع أسماء هذه المقاومة كان سبباً من أسباب هذا التعثّر، ما هي برأيكم أسبابه؟
ما تسميه بالتعثر ينطلق من طبيعة الصفات التي تُعطى للمقاومة، لأننا عندما نتحدّث عن مقاومة إسلامية فنحن لا نستطيع أن نفصلها عن المقاومة الوطنية، كيف؟ عندما نعطي الصفة الإسلامية للمقاومة لا نحاول أن نعطيها الصفة الطائفية، لا نريد إعطاء الإسلام المعنى الطائفي كما هو موجود في لبنان ولكنّنا نريد أن نقول إنَّ المقاومة إسلامية لأنها تُعبّر عن حالة إسلامية عميقة يتأثر بها حتى غير المسلمين. وقلت في تصريح آخر إنَّ ظاهرة "سناء محيدلي" هي ظاهرة "مقاومة إسلامية" وإن لـم تكن تتخذ شكل الإسلام، لأنَّ حالة الشهادة هي حالة دينية قبل أن تكون حالة إسلامية في الساحة. هذا لا يمكن تفسيره في النظريات المادية - مع احترامي لكلّ الأطروحات - هذا إذا أردت أن تفسره حتى عندما تريد أن تلتقي باللاشعور، لا بُدّ أن يكون هناك حالة إسلامية عميقة تفكّر في بُعْدِ هذه الحالة حتى يكون التفكير أساساً للانطلاق.
"لولا عبود" من عائلة مسيحية كيف تفسرون استشهادها؟
عندما أتحدّث عن الحالة الإسلامية إنَّما أتحدّث عن الروح التي أوجدت الانطلاقة الإسلامية في المنطقة والتي استطاعت أن تحرّك الساحة كلها واستطاعت أن تهيئ الانطلاقة في الساحة بشكل فاعل. ومن الممكن جداً أن تكون ظاهرة الإنسان الذي عنده انتماء مسيحي، أن تكون دوافعه دوافع روحية، ولكن الحالة الإسلامية هي التي أثارت هذه الدوافع، فقبل العام 1982 كانت هناك ظروف متوفرة بشكل أفضل لعمل جهادي كبير ولكن ذلك لـم يحدث، بينما عندما انطلقت الصحوة الإسلامية في المنطقة رأينا أن طريقة القتال ضدّ "إسرائيل" قضية تهزّ العمق الداخلي للإنسان بحيث إنّ الإنسان أصبح يفكّر بأنَّ عليه أن يقاوم تماماً كما أنّ عليه أن يصوم ويصلي، باتت المقاومة جزءاً أساسياً من كيانه وعقيدته وانتمائه، وهذا ما نلاحظه يومياً من مشاكل الأبناء مع الآباء والأمهات. وعندما يريد الأبناء أن ينطلقوا للمقاومة في الجنوب ويقف الآباء ضدّهم يحاولون التمرّد عليهم والتغلّب على عواطفهم. هذه الحالة التي أصبحت تجسّد قتال "إسرائيل" كهمٍّ يومي شخصي وذاتي هي حالة إسلامية، وليست حالة عقلية تنفذها عندما يصدر قرار من هنا أو تعليمات من هناك، ولهذا نحن نريد لكلّ الأخوة الذين يشتغلون في الحقل السياسي أن يدرسوا بعمق هذه المسألة، لا نريدهم أن يغرقوا في تفاصيل الأسماء هذه المقاومة وطنية أو إسلامية أو شيعيّة؟ نريد لهم أن يدرسوا الظاهرة في العمق حتى يستطيعوا أن يفهموا طبيعة الظاهرة وحتى يتعاملوا معها من موقع فهمهم لعمقها.
نريد أن نتآخى مع المقاومة في فلسطين:
هناك مقاومة إسلامية تنطلق من الجنوب اللبناني ضدّ "إسرائيل" ولـم تستطع حتى الآن كسر الجدار العربي بتعميم هذه الظاهرة كما فشلت المقاومة الوطنية في ذلك حتى الآن..
السؤال إنّ المقاومة الإسلامية لـم تستطع رغم عملها مع المقاومة الفلسطينية أن تفرض تأثيرها باتجاه توحيد العمل ضدّ "إسرائيل"، وترى أنّ حرب المخيمات قد جعلت الأمور تفلت من أيدي السياسيين إلى حدّ كبير فكيف تقوِّمون دوركم في هذا المجال؟
أعتقد أنَّ هذا الموضوع بما يطرحه السؤال ليس دقيقاً بهذا الشكل، أولاً: عندما نتحدّث عن المقاومة الإسلامية فإننا نتحدّث عن خطّ سياسي يحاول أن ينطلق من الإسلام كفكر وكمشروع ومنهج حياة بعيداً عن كلّ العوامل الطائفية، هذا ما نريده من المقاومة الإسلامية، وهذه المقاومة لها علاقات في العمق مع حالة إسلامية أو حالة مقاومة عامة موجودة في الضفة الغربية وغزة بطريقة أو بأخرى، وهي تعمل على توثيق هذه العلاقة على أن تتآخى المقاومة في الجنوب مع المقاومة في داخل فلسطين المحتلة.
ونحن عندما نفكّر بخطّة إسلامية مما بعد الانسحاب قد نعني في بعض الحالات هذا النوع من اللقاء بين المقاومة العامة داخل فلسطين المحتلة. ونشعر بأننا مستعدون لأن نلتقي معها أو ندعمها بكلّ أساليب الدعم.
أمّا الحديث عن المقاومة الفلسطينية كما هي موجودة في الساحة، لعلّ المشكلة في هذه المقاومة أنّها لا تزال مرتبطة بالحركة السياسية للأنظمة في المنطقة، لهذا إنّها قد تكون في كثير من نماذجها - ولا نريد أن نقول كلّ نماذجها ـ في موقع تسديد الفواتير لهذا النظام أو ذاك ولتحريك الساحة لمصلحة هذا النظام أو ذاك، وليست المشكلة هي مشكلة مقاومة "إسرائيل" في العمق.
لهذا ربما كانت القضية تحتاج إلى نوع من أنواع الثقة المتبادلة، ونحن نعلم أنّ العمل الجهادي يقوم على أساس الثقة. أمّا بالنسبة إلى ما حدث في المخيمات ولـم نستطع أيضاً أن نكون مع فريق ضدّ فريق آخر لأنَّ طبيعة الحرب المعقدة لا تجعل من المصلحة أن تتدخل كفريق لمصلحة القضية الكبرى في هذا المجال. فنحن نعمل على أساس أن نحرّك الحالة الإسلامية لتحكم المقاومة الفلسطينية بعيداً عن حركة هذا الطوق الذي تضربه عليها الأنظمة أو الذي تضربه قيادته لمصلحة الأنظمة.
الحقيقة 6/6/1985
إنَّنا ندعو إلى حزب المقاومة:
إننا نتوجّه إلى المقاومين لا إلى السياسيين، بأن تبقى المقاومة وأن ينسقوا بين بعضهم في خطّة متكاملة وأن لا يسمحوا للسياسيين الاستعراضيين أن يدخلوا لعبتهم إلى ساحة المقاومة فيجعلوها لعبتهم ويجعلوها ساحة صراعات بدلاً من أن تكون ساحة لتوحيد الصراع ضدّ "إسرائيل".
إنَّنا ندعو إلى "حزب المقاومة" التي تعتبر أنّ روحية الصراع ضدّ "إسرائيل" هي كلّ المشروع في المرحلة الحاضرة وهي كلّ الهدف في هذه المرحلة، فلتتجمد كلّ مشاريع التسويات في الداخل والخارج ولتبقى لنا المعادلة الوحيدة وهي: البندقية المؤمنة التي تعرف طريقها جيداً وتعرف عدوّها جيداً.
البيرق 7/10/1985
المقاومة في الجنوب تعيش القوّة الذاتية:
أتصوّر أنَّ المقاومة التي ولدت في الجنوب هي مقاومة تختلف عن أنواع المقاومة الأخرى، ربَّما كانت المقاومة الأخرى ومنها المقاومة الفلسطينية مثلاً تتحرّك من موقع شعورها دائماً بالحاجة إلى دعم كبير من خلال أنّها لا تعيش في نفسها القوّة الذاتية الحقيقية التي تسمح لها بالاستمرار دائماً لذا فهي تفكّر بالعوامل الخارجية للنصر.
في الواقع أنَّ المقاومة الموجودة في الجنوب تتميز بأنّها تعيش القوّة الدائمة وأنّها تعيش عملية الجهاد من خلال إيمانها، ولهذا فالمقاومة الأخرى كانت تحبّ الحياة جيداً وكانت قضية الموت والشهادة هي في أغلب حالاتها مجرّد حالة استعراضية، لكنَّ المقاومين في الجنوب الآن يهجمون على الموت بأيّ طريقة، وربَّما كانت العمليات الانتحارية التي تحدث في الجنوب مؤشراً على ذلك، إنّهم أناس لا يخافون من الموت وبالتالي فلا يخافون من أيّ شيء يمكن أن يخوفهم. أعتقد أنَّ هذه المقاومة يمكنها أن تصمد من خلال الإمكانات الذاتية المعهودة أو التي يقدّم الدعم فيها المؤمنون الطيبون من خلال الحقوق الشرعية التي تُدفع، ومن خلال بعض الإعانات، وأعتقد أن ذلك يمكن أن يجعل لها الامتداد لأنَّ القوى ذاتية وليست خارجية، ونحن نعرف أنَّ الثورة الإسلامية في إيران قامت وتحرّكت من خلال الحقوق الشرعية التي دفعها المؤمنون.
الأنوار 16/7/1984
القوّة المؤثرة في تحرير الجنوب:
هل هو فريق واحد الذي عليه أن يدعي تحرير الجنوب؟
إنَّنا نعتقد أنَّ الذين حرروا الجنوب لا يمثّلون فريقاً واحداً، ولكن نعتقد أنَّ الفريق الأكبر الذي ساهم في تحرير الجنوب هو فريق المقاومة الإسلامية المؤمنة المجاهدة. وهذا ما نلاحظه في أنّ البطلين اللذين قاما بالعمليتين الاستشهاديتين في مركزي المخابرات الإسرائيلية في صور هما من أفراد المقاومة الإسلامية، كما أنَّ بطل عملية المطلة هو من المقاومة الإسلامية، هذا إلى جانب الكثيرين من الذين لـم تعلن أسماؤهم، ونحن نعتبر أنَّ المسألة النوعية في المواجهة - لا سيما في العمليات الاستشهادية - تتقدّم على المسألة الكمية.
إنَّ قضية تحرير الجنوب انطلقت من هذه الحالة الإسلامية العميقة التي واجهت "إسرائيل" بشكل ضاغط بحيث حشرت في الزاوية أمنياً وسياسياً، ونحن عندما ركّزنا على المقاومة الإسلامية، أردنا أن نعطي القضية حجمها الطبيعي الواقعي، لأنَّ العمق الإسلامي للحالة هو الذي حرّك الحالة العامة حتى لدى الذين لا يفكّرون إسلامياً من حيث الانتحار.
ولهذا فإنَّنا نعتبر أنّ عملية "سناء محيدلي" انطلقت من خلال الحالة الهامة التي تواجه "إسرائيل" من منطلق الشهادة الذي هو منطق إسلامي ديني بعيدٌ عن الحالة الخاصة. ونحن عندما نريد أن نرصد القوّة المؤثرة في الساحة فإنَّنا لا نريد أن نتحدّث عن المفردات وإنَّما نتحدّث عن العمق الروحي الذي خلق حالة استشهادية عامة تحتوي كلّ الذين يتحرّكون في الساحة حتى الذين لا يرتبطون بها بشكل عام.
الشراع (168) 3/6/1985
أبعاد العملية الاستشهادية في الخيام:
هل كانت العملية الاستشهادية في سهل الخيام ردّة فعل على حادثة بئر العبد؟؟
الواقع أنّ المقاومة الإسلامية لا تتحرّك بنية ردّة الفعل بل تتحرّك ضمن خطّة تحاول من خلالها أن تخرج من لبنان أولاً، ومن المنطقة على المدى البعيد ثانياً، ولهذا فإنني لا أعتبر هذه العملية الاستشهادية ردّ فعل بل أعتبرها جزءاً من خطّة تتضمن في طبيعتها الردّ على كلّ واقع الاحتلال الإسرائيلي وإفرازاته وجرائمه. إنَّنا لا نؤمن بذهنية ردّة الفعل كما حدث لـ "إسرائيل" التي نلاحظ أنّها أصيبت في الآونة الأخيرة بحالة هستيرية سياسية وأمنية فيما تمثّله تصريحات زعمائها ومن الممارسات العشوائية التي استطاعت أن تكشف الوجه البشع للشخصية اليهودية، والتي تذكر العالـم بالشخصية النازية والتي مهما حاولت "إسرائيل" أن تضغط على الإعلام العالمي لإخفائها فإنّها لا بُدَّ أن تبرز من خلال كثير من الاختراقات الإعلامية في العالـم.
الشراع (157) 18/3/1985
المقاومة هي حركة الحلّ للمشكلة اللبنانية:
نحن نعتبر أنَّ حركة المقاومة في الجنوب لا تزال هي الانطلاقة التي تحرّك الحلّ للمشكلة اللبنانية وذلك من خلال إضعافها للزهو الإسرائيلي ولمعنويات الجنود الإسرائيليين بالمستوى الذي يجعل "إسرائيل" تحسب حساب الشعب في أيّ حرب تخوضها في المنطقة قبل أن تحسب حساب الأنظمة التي تتعامل معها.
وأكد العلامة فضل اللّه أنَّ المقاومة لا تملك الإمكانيات التي تهزم بها "إسرائيل" عسكرياً وسياسياً ولهذا فلا خيار لنا إلاَّ الاستمرار في المقاومة التي تفرض نتائجها الحل الأفضل للبنان على مستوى التحرّك السياسي والدبلوماسي.
السفير 11/10/1984
نحن حرصنا أكثر من مرة بأن لا نعترف بوجود "إسرائيل" ككيان ولهذا فنحن غير معنيين بأمنها من قريب أو بعيد، وتبقى للمقاومة الإسلامية كلمتها الفاصلة في إجبار "إسرائيل" على الانسحاب كما أجبرتها في هذه المرحلة على التفكير بالانسحاب.
السفير 7/11/1984
إنَّ شبابنا في المقاومة المجاهدة يتمتَّعون بالمستوى الكبير من الوعي الإسلامي الذي يجعلهم متيقنين من أنّ العدوّ الأساسي لهم هو "إسرائيل"، ومن ورائها أمريكا.
وفي حديث لصوت الوطن نشرته السفير 13/3/1985، قال العلامة فضل اللّه:
نحن نؤمن بأنَّ على المقاومة أن تلاحق "إسرائيل" حتى آخر شبرٍ من الأرض ولا تسمح لـ "إسرائيل" أن تعيش في أيّة حالة استرخاء تستطيع من خلالها أن تعيد النظر في قرار الانسحاب أولاً، وأن تفسح المجال لمخططاتها الاستيطانية المحتملة في المستقبل ثانياً.
السفير / 1985
لتتحوّل المقاومة إلى حالة سياسية:
لقد قلنا إنَّ المقاومة الإسلامية لا بُدَّ من أن تتحوّل إلى حالة سياسية، وحتّى عندما تتحرّك عسكرياً فإنَّها تتحرّك لتحقيق هدفٍ سياسي. ولهذا فإنَّ المقاومة الإسلامية تنطلق من مفهوم الإسلام، ولعلّ أبسط المفاهيم الإسلامية هو أنَّنا لا نعترف بشرعية أيّ وجود غاصب لأرض الناس ولحياة النّاس ولحكم النّاس، ولهذا فإنَّنا نشعر أنَّ على المسلمين وغير المسلمين من الذين يجاهدون من أجل الحرية عليهم أن يواجهوا وجود "إسرائيل" بطريقة تختلف عن الأسلوب السياسي الذي يتحرّك به السياسيّون الآن، وهو محاولة إزالتها ككيان من المنطقة لأنَّ وجودها هو النقيض لكلّ تقدّم حضاري للمنطقة على كلّ المستويات. إذاً المقاومة الإسلامية تحرّكت الآن في الجنوب بهذا الزخم لأنَّها استفادت من حرية الحركة التي يضمنها لها الواقع السياسي الإقليمي من جهة، والواقع السياسي المحلي من جهة ثانية، وطبيعة الأوضاع اللبنانية التي تسمح بحرية الحركة من جهة ثالثة، ومن خلال إيمانها وإراداتها وتصميمها ومصداقيتها من جهة رابعة.
اللواء 9/4/1985
المقاومة هي الانطلاقة:
إنَّ المقاومة في الجنوب تمثّل الانطلاقة التي تعمل على تثوير الأمّة ضدّ "إسرائيل" بتقديـم التجربة الجهادية الواقعية على الأرض التي توحي لكلّ هؤلاء المتخاذلين اللاهثين وراء أيّ بادرة سلمية من "إسرائيل" بأنَّ كلّ ذلك أسطورة، وأنَّ هؤلاء الجنود المؤمنين المجهولين استطاعوا بالإيمان والصبر والوعي المنفتح على الساحة أن يقهروا كبرياء "إسرائيل"، ونحن لا نعتبر المقاومة بإمكاناتها الحاضرة وظروفها السياسية الصعبة تملك كلّ الحل للمشكلة، ولكنَّها تقدّم التحرّك الواقعي الذي يقود الأمّة للانطلاق بعيداً على طريق الحلّ.
اللواء 26/6/1984
المطلوب شمولية المقاومة:
- إنَّ المقاومة هي الورقة الوحيدة للضغط على العدوّ لإخراجه من لبنان، ولكن المفاوض اللبناني يشعر بالحرج تجاه "إسرائيل".
- الواقع أنني من النّاس الذين لا يرغبون في تصنيف المقاومة من ناحية سياسية لأنني أشعر بأن لا حاجة لمثل هذا التصنيف، بل ربَّما كان هنالك بعض الضرر لما يثيره من خلاف، لأنَّنا نعمل من أجل تحرير البلد من الاحتلال الإسرائيلي في طريق تحرير المنطقة من الوجود الصهيوني برمته.
كما نشعر أنه ليس بمقدور فريق واحد أن يملك الساحة والامكانيات، فنحن محكومون - كمقاومين للاحتلال - بالاتفاق على قاعدة واحدة للمقاومة. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أصبحنا نتحدّث الآن عن المقاومة الإسلامية؟ فجوابنا عليه يأتي على الشكل التالي:
إنَّ هنالك بعض الأحزاب اليسارية حاولت أن تعطي لنفسها صفة التيّار الأقوى في عملية المقاومة كماً وكيفاً، لتوحي بأنّها هي التي بدأت وهي التي تكمل الطريق الآن من دون أن تعطي للآخرين أيّ دور في هذا المجال، فهي قد تقول عن المقاومة أنّها وطنية ولكن لتوحي بخصوصيتها. هذا في الوقت الذي نعرف جميعاً أنّ المقاومة تعتبر إسلامية، بينما لا نريد في ذلك أن نلغي دور الآخرين. ربما يكون هذا هو الذي أوجب ردّ الفعل في الحديث عن المقاومة الإسلامية بعد أن كان هذا الحديث غير وارد، ومع ذلك يتحدّث البعض عن الإسلام كعنصر رجعي بعيد عن إمكانية قيادة الجماهير نحو قضايا الحرية، ولهذا كانت كلمة المقاومة الإسلامية للردّ على مثل هذه الكلمات، ولكننا في الوقت نفسه نشعر بالحاجة إلى وجود حالة سياسية تفسح في المجال لتوافق سياسي مرحلي في مواجهة هذه الحالة الإسرائيلية، ولكن ليس عن طريق الجبهات الإعلامية في نوادي السياسة في بيروت. إنَّنا نختصر هذا كلّه بثقتنا المفقودة في الأطراف الموجودة على الساحة، ولذلك يجب أن نبحث عن الثقة، وحينها تكون إمكانية التحرّك جيّدة في مثل هذه الحالة.
- من ناحيتنا لا نريد أن نفصل بين الدين والأرض، فالدين هو إطار فكري ينظم للنّاس حياتهم بطريقة متوازنة.
الأفق 10ك2/1985. العدد(39).
إنَّ حركة المقاومة الإسلامية ضدّ "إسرائيل" تتحرّك كلّ يوم مع كلّ شهيد يسقط وهو يواجه الاحتلال الإسرائيلي.
اللواء /3ك1/1984
ننظر الآن إلى المقاومة الإسلامية إلى مقاومة كلّ مقاوم لا على أساس أنّها حالة طارئة تحكمها الحالة الإسرائيلية في احتلال لبنان، بل ننظر إلى المقاومة الإسلامية على أنّها حركة تثوّر العالـم الإسلامي وتجعله يمسك قراره بيده ويفكّر بالمستقبل، وأنّ "إسرائيل" خطر على اقتصاده ودينه وسياسته وحياته في كلّ المجالات. المقاومة مدرسة لا تحشر المقاومين في مكتب خاص ولا في حزب خاص ولا في طائفة خاصة، وإنَّما المقاومة إرادة وفصل للمواجهة في كلّ ساحة تكون فيها "إسرائيل" بسياستها أو اقتصادها وثقافتها أو أمنها.
السفير 29/ت2/1984
في مهرجان تأبين لأحد الشهداء ـ جامعة بيروت العربية
لا بُدّ من الفكر المقاوم:
علينا أن نظلّ نتحرّك في نوعين من المقاومة: مقاومة الفكر إلى جانب مقاومة السلاح، نحتاج إلى العقل المقاوم كما نحتاج إلى البندقية، لأنَّ البندقية وكلّ الأسلحة هي نتيجة العقل، وعندما تندفع في الساحة تحاول أن تنفذ خطط العقل. الصراع الذي نعيشه ليس صراع بندقية، إنَّنا بحاجة إلى العقل المقاوم والفكر المقاوم تماماً كما نحن في حاجة إلى البندقية فلا يجوز لنا أن نعطي عقولنا إجازة لنظلّ نعيش في العاطفة والانفعال.
السفير 19/ت2/1984
في احتفال لـ "حزب اللّه" والمقاومة الإسلامية
المقاومة وعمقها الأساسي:
دعا العلامة السيِّد محمَّد حسين فضل اللّه إلى أن لا تبقى المقاومة الإسلامية قفزة في الهواء، يجب أن تتحول إلى حالة سياسية تستفيد من كلّ ما تنتجه. ثـم توقّف عند ظاهرة الإلحاح في الحديث عن مقاومة إسلامية أو مقاومة وطنية في الجنوب، واعتبر أنَّ مثل هذه المرادفات هي من صنع الاستعمار والمطلوب عدم الانجراف وراءها حتى لا نفقد القدرة على فهم الواقع والمأزق الذي نعيشه.
وأضاف: تفكّر "إسرائيل" أنَّها تستطيع النيل من أجسادنا ولكنَّها لن تنال من إرادتنا لأنَّ إرادتنا لا تباع ولا تشترى في سوق المزايدات.
وقال: كفانا كذباً وخداعاً فالمقاومة في الجنوب لا تنطلق من المهرجانات الغنائية والشعارات وإنما تنطلق من بيت اللّه ومن أجل اللّه ولسنا ضدّ أحد يعاوننا ولكن أن يزايد علينا وهو يجلس وراء كرسيّه فنحن لن نسمح له بذلك على الإطلاق.
اللواء 22/ت1/1984
في حفل تأبيني في برج البراجنة
الإسلام أساس المقاومة:
أردنا المقاومة أن تكون إسلامية لنعبّر أنَّ الإسلام ليس كما يقولون.. أردنا أن نقول لجميع الفاعليات التي تتحرّك في الحياة أنَّ الإسلام ليس الجلوس في المساجد بل هو التحرّك في الحياة. الصلاة تنهى عن الفحشاء والظلم منكر. إنَّنا نعمل من خلال المقاومة الإسلامية من أجل تنوير الشعب بمفاهيم الإسلام. نحن نريد أن نكون مقاومة إسلامية لا في الجنوب فقط بل في العالـم الإسلامي وعالـم المستضعفين.
النهار 2/تموز/1984
في محاضرة عن المقاومة الإسلامية في إدارة الأعمال
أسئلة وأجوبة:
ما هو الفرق بين الخطّة الأمنية والترتيبات الأمنية؟
الخطّة الأمنية فيما بيننا، والترتيبات الأمنية فيما بيننا وبين "إسرائيل".
وهل هناك فرق بين الترتيبات الأمنية واتفاق 17 أيار؟
"إسرائيل" لا تفهم فرقاً فيما بينهما لأنّها تريد من الترتيبات الأمنية طبعةً منقحة أو مزيدة من اتفاق 17 أيار، أمّا النّاس هنا فهم حتى الآن لـم يعرفوا ما هي الترتيبات الأمنية التي يريدونها لأنهم لا يعرفون الآن ماذا تريد أمريكا وما تريد "إسرائيل".
التقيّة مبدأ معمول به فهل يجوز العمل به في علاقة الجنوبي بـ "إسرائيل"؟
التقيّة مبدأ يستخدم من أجل أن نحفظ التحرّك حتى يستمرّ ويتواصل، وهنا نؤكّد أنّه لا تقيّة مع "إسرائيل"، مع "إسرائيل" لا مجال إلا للقوّة لأنّها لا تتعامل مع المنطقة إلاَّ من خلال القوّة.
حيال ما ذكرتـم عن المقاومة في الجنوب لا بُدَّ من مقومات صمود، فما هي الخطوات التي تطرحونها أو تتبنونها بالنسبة لهذه المقومات؟
الواقع أنَّ قوّة المقاومة في الجنوب أنّها لا تطرح مقومات صمودها في دائرة الإعلانات، لهذا علينا نحن أن نكون قوّة صمودها، ونحن نعرف بكلّ بساطة ما معنى أن يصمد الإنسان أمام العدوّ وماذا يحتاج لكي يصمد، يجب أن نريحهم من خلافاتنا.. نحن العمق الاستراتيجي للمقاومة في الجنوب، فإذا أربكناهم بخلافاتنا الهامشية وإذا أربكناهم بما نحاول من تحويل كلّ القضايا إلى قضايا طائفية، في هذا اليوم مشكلة بيروتية وغداً مشكلة سنية وشيعية وبعد غد مشكلة فلسطينية لبنانية ثـم مشكلة ما بين هذا الفريق وذاك وهكذا، فلتخفت كلّ الأصوات ولا يبقى إلا صوت المعركة الحقيقية حتى إذا انتهينا من المعركة تستطيع أن نتعارك فيما بيننا كما نريد. الأمثال تحفظونها جيداً فلماذا لا تفكّرون فيها جيداً؟ ألستم تقولون دائماً "أنا وأخي على ابن عمّي وأنا وابن عمّي على الغريب" لماذا أكون أنا والغريب على أخي قبل أن أكون أنا وأخي على ابن عمي؟ لأنَّ الأمثال تمثّل تجربة هذا التاريخ كلّه وعليكم أن تستفيدوا من تجربة التاريخ فاعتبروا يا أولي الأبصار.
قلتم لا تعيروا عقولكم لأحد ولكن في بعض الحالات يكون هناك أشخاص لهم ثقة مطلقة كالعلماء مثلاً فهل علينا عندما يكون عالِمٌ من علمائنا سيّئاً أن نفكّر به؟
العلماء ليسوا معصومين، عوّدوهم على أن تفكّروا معهم وعوّدوهم على أن يفكّروا معكم، وعوّدوهم على أن لا يعطوكم في القضايا السياسية والاجتماعية فتاوى وإنما يعطوكم وجهة نظر، اللّه علّم رسوله الذي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم؛ 3ـ4]. ولكنَّ اللّه قال له: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر} [آل عمران:159]، شاورهم لتعوّدهم أن يفكّروا فكّر معهم وليفكّروا معك، ولك كلّ الحرية في نهاية المطاف لاتخاذ القرار، {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [آل عمران:159].
يُقال إنَّ الملحد أو المسيحي يقاتل ويقاوم في الجنوب. فكيف يمكن أن نطلق المقاومة الإسلامية على المقاومة القائمة في الجنوب؟
قلنا في كثير من الأحاديث، إنَّنا نعرف أنَّ 90 % من المقاومة إسلامية، ونحن نقول: حتى الملحد إذا فتّش في أعماقه لرأى أنّ هناك رواسب إسلامية في أعماقه وكذلك المسيحي.. أنا أتكلم عن تجربة كثير من الملحدين هم ملحدون في الشكل، لأنَّ هناك قراراً حزبياً قال لهم أن عليكم أن تكونوا ملحدين. ولكنَّك عندما تقف معهم في كثير من حالات الهدوء النفسي ستكتشف أنَّ الإيمان يعيش في أعماقهم تحت طبقة كثيفة وكثيرة من الأوضاع.
أتكلم عن تجربة ولديّ مئات التجارب في مثل هذه الحالة، ومع ذلك فنحن نقول بأن المقاومة إسلامية لأنَّنا الأكثرية، كذلك ولا نريد أن نحرم الآخرين من أن يتحرّكوا مع المسلمين، ولكنَّنا أردنا أن نؤكد التجربة الإسلامية دون أن نلغي تجربة الآخرين. وأنتم تعرفون أن الأكثرية تعطي طابعها للظاهرة أو للوضع ولكنّها لا تلغي الأقلية.
هل يجوز التعامل مع "إسرائيل" من أجل مصلحة الإسلام؟
يجوز التكتيك في العلاقة مع "إسرائيل" من أجل مصلحة الإسلام ولا نحبّ أن نقول التعامل مع "إسرائيل"، إنّك تتعامل مع الإسلام ولا مانع من أن تستفيد منه ببعض الأوضاع شرط أن تمنع نفسك من أن تنحرف في الجوّ الذي تعيش فيه.
تحرير بيروت من الأذناب مقدمة لتحرير الجنوب؟
الواقع، أحبّ أن تتركوا هذه الشعارات لأنَّ فلسطين ضاعت عندما كانت تمرّ بجونيه، وفلسطين ضاعت عندما كانت تمرّ بأزقة الضاحية وبالسكسكية وبأنصارية وبكلّ قرية في الجنوب وبكلّ شارع من شوارع بيروت. توجّهوا إلى "إسرائيل" وليبقى الأذناب فإذا هزمنا "إسرائيل" وطار الرأس فأين يكون الذنب؟
ببعدنا عن الجنوب ما هو الدور الذي يمكن أن نقوم به ويكون داعماً للمقاومة الإسلامية؟
هناك أكثر من دور.. أن نعدّ أنفسنا لنكون المقاومة الإسلامية عند أول فرصة وألا نكفّ عن التجربة وأن نعمل على مواجهة حاجات المقاومة فيما نستطيع أن نقوم به.
المجاهد مستعد للقتال دائماً في ظلّ كلّ الظروف، ولا فرق عنده في ذلك بين ظرف وآخر. أمّا ربّ العائلة والقرية والوضع الاقتصادي العام ماذا نفعل بهم وكيف يستمرون؟ خاصة أن نسبة المقاومة لا تتعدى ألـ 5 % تقريباً؟
عندما تريد أن تقاوم لا تفكّر بالجزئيات بعمق لأنّك لا تملك حلّ القضية وستجمدك هذه الأفكار عن التقدّم. لنحاول أن نعمل في تحصين جبهتنا الداخلية من ناحية إقتصادية بما نستطيع ولكن على أساس ألا نتعقد من أيّة حالة مأساوية لأنها ليست صنع أيدينا وإنّما هي صنع كلّ هؤلاء. إنَّ وجود المأساة عندنا ينبغي أن يؤكد المقاومة لأنَّ "إسرائيل" جزء من اللعبة الاستعمارية التي صنعت لنا المأساة.
ما رأيكم بالترتيبات الأمنية مع العدوّ الصهيوني كتكتيك سياسي مرحلي؟
يمكن أن تغرينا "إسرائيل" لتحاول أن توحي لنا بعبقريتنا بأنّنا غلبناها، لكن عندما تريد أن تتكتك مع الذئب وأنت لا تستطيع أن تحمل بيدك شيئاً تستطيع أن تقتل به الذئب فإنَّ الذئب سيتكتك وسيحقق استراتيجيته على حسابك وحساب مصالحك.
جبهة المقاومة الوطنية شعار دائماً يتبنى عمليات المواجهة مع "إسرائيل"، بنظركم، ما هي نقاط الضعف التي تلاحظونها حول هذا الشعار؟
نحن لا نتعقد من هذا الشعار عندما نريد أن نؤكد المقاومة الإسلامية كما قلنا. من أجل أن نعمّق المقاومة لترتبط بجذور عميقة بالنفس ولنؤكد أنَّ الإسلام ليس صنع هؤلاء الملوك والأمراء والرؤساء وصنع الدراويش والمتصوفة وغيرهم، وإنما هو يصنع قضية الإنسان، ولكنَّنا لا نتعقد من كلمة المقاومة الوطنية، فنحن أيضاً نعمل من أجل حرية الوطن الذي نعيش فيه والذي هو أمانة اللّه عندنا.
أما نقاط الضعف فهي: أنَّ الكثيرين الذين لا يملكون أيّة عملية للمقاومة يحاولون أن يتبنوها من أجل أنّ بعض الفواتير التي تدفع لهم لا بُدَّ أن يوضع في داخلها عملية أو عمليتان، تماماً كما كانت القضية سابقاً، اعملوا لنا عملية ضدّ "إسرائيل" كيفما كانت وستأخذون الدفعة الأولى من الحساب على أساس ذلك.
هل المقاومة الإسلامية موحدة القيادة؟
المقاومة الإسلامية موحدة القاعدة، وهي لا تعمل تحت صنمية القيادة ولكنّها تعمل مع القيادة الواعية التي لا تريد أن تؤكّد قياديتها إلاَّ من خلال عملها وواقعيتها.
هل تعتقد أنَّ هذه العمليّات البطولية ضدّ "إسرائيل" يمكن أن تؤدّي إلى انسحابها؟
إقرأوا الأخبار جيداً وستعرفون أنَّ "إسرائيل" تفكّر في حفظ ماء الوجه لتنسحب. إنَّها تلهث وراء أيّ شيء يقنع شعبها بأنَّها حققت شيئاً في موضوع سلامة الجليل. "إسرائيل" لا تطيق الاستنزاف، هي تملك أن تردّ عمليات الاستنزاف عندما تكون القضية قضية مع نظام، ولكن ماذا تملك في الردّ على عمليات الاستنزاف مع هؤلاء الأشباح؟ الأشباح الذين لا يتحرّكون في الليل وإنَّما يتحرّكون في ضوء الشمس، ثـم يضربون ضربتهم ثـم يقفون بعد ذلك ويقولون ما هي القصة وما هي القضية. إنني قرأت تصريحاً لضابط إسرائيلي يقول: "إنَّ مشكلتنا مع هؤلاء أنهم يفجّرون ويعملون ثـم يقفون مع النّاس بكلّ برودة وهدوء ليتساءلوا ماذا حدث وما هي القضية"؟
ما هو موقفكم من إبعاد الشخصيات الدينية وغيرها من الجنوب وهل يُضعِف من المقاومة الإسلامية أو يزيدها؟
إنَّنا نعتبر أن هذا جزءٌ من الحرب مع "إسرائيل" فهي كذلك تعتقل وتغتال كما تبعد، ولكن كما أنَّ الاغتيال لـم يُضعف المقاومة بل قوّاها، والاعتقال حوّل المعتقلات إلى مصنع جديد للمقاومة على أساس الوعي، كذلك التشريد لن يضعف المقاومة ولكنّه يزيد في وعيها بضرورة تشديد الضربات على "إسرائيل".
ما هو الفرق بين الإسرائيلي وبين المتعامل مع "إسرائيل"؟
الفرق هو بين صاحب المصلحة في التجارة وبين الذي يكون عاملاً يحقق الربح للتاجر دون أن يحصل إلاَّ على الفتات، ونحن نعتبر أنَّ المتعاملين مع "إسرائيل" هم اليد التي تضرب بهم "إسرائيل"، وعلينا أن نفكّر جلياً في وضع استراتيجية لضرب هذه اليد.
هل للمرأة حقّ في مجال المقاومة والاستشهاد في الجنوب؟
في مجال قضية الحرية وقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكما قلنا الظلم منكر، والاستعمار منكر، اللّه يؤكد حقّ المرأة في ذلك {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:71].
بالنسبة لدور المرأة في الجنوب هل تعتبر شهيدة إذا قدّمت حياتها ضد العدو الإسرائيلي وكانت مسؤولة في حياتها العائلية؟
القضية أنَّ عليها أن توازن وأن تتحرّك ضمن خطّة، ليس من المفروض أنَّ كلّ النّاس ينطلقون ليكونوا في المعركة، بعض النّاس يخدم في الخطوط الخلفية أكثر مما يخدم في الخطوط الأمامية، المهمّ للمرأة وللرّجل أن يفكّروا عندما يريدون أن يتحرّكوا أن يكون تحرّكهم في ضمن الخطّة.
إذا كان هناك يهودي مسالـم فرضاً بأمريكا، هل يحقّ لي الفتك به؟
عندما يكون مسالماً لا يعيش المشاعر العدائية ضدّ النّاس وضدّ المسلمين فنحن لا شغل لنا معه، نحن شغلنا مع اليهودي العدو وليس شغلنا مع اليهودي المسالـم.
هل يجوز للفتاة المقاومة، وهل يجوز للشاب الخروج للحرب من دون موافقة الوالدين؟
عندما تفرض الخطّة الضرورية عليهم هذا الخروج يكون الخروج واجباً وعند ذلك لا تكون موافقة الوالدين ضرورية، أمّا عندما لا يكون خروجهم ضرورياً ضمن الخطّة فعليهم أن يتعاملا مع الوالدين بالإحسان.
لماذا نترك قرارنا في أيدي رجال السياسة ما دمنا قادرين على اتخاذ القرار والدفاع عنه؟
قرارنا نحن لـم نُعطِهم إياه ولكنَّهم هم الذين يوحون للآخرين بأنّهم يملكونه لأنَّ كثيراً من القوى هي التي تلك مثل هذا القرار. المهمّ ليست القضية أن نعطيهم قرارنا أو لا نعطيهم، المهمّ أن يكون لنا قرارنا وعندما يكون لنا قرارنا سيُلغى قرارهم إن عاجلاً أو آجلاً، إذا كان في غير مصلحة الشعب.
الفهرس
تقديـم ..........................................................................................................................
مقدمة ..............................................................................................................................
الفصل الأول: المقاومة: المشروع والبرنامج ............................
المقاومة الإسلامية: آفاق وتطلعات
- اللعبة الإسرائيلية- الأمريكية..............................................
ـ نريد للمقاومة أن تصنع واقعاً سياسياً جديداً ...................................
ـ لتكن قضايانا الكبيرة ملك الأمّة ............................................................
ـ نريد أن ننقل عدوى المقاومة ...................................................................
ـ الثورة على الاستعمار حالة واقعية ........................................................
ـ لنعمل بطريقة واقعية ....................................................................................
ـ نعمل على مستوى المستقبل .....................................................................
ـ في سبيل إيجاد قاعدة إسلامية سياسية مشتركة ...............................
ـ وحدة المقاومة .................................................................................................
ـ المعركة في عمق "إسرائيل" ........................................................................
المقاومة الإسلامية.. لماذا
ـ كيف واجه الآخرون هذا السؤال؟ ......................................................
ـ المقاومة في رأي السياسيين التقليديين ..................................................
ـ طرق التحرير عندهم ...................................................................................
ـ التفكير في المقاومة .........................................................................................
ـ لماذا المقاومة إسلامية ....................................................................................
ـ هذا هو الإسلام .............................................................................................
ـ كيف تكون المقاومة بالإسلام .................................................................
ـ كيف نفسّر ظاهرة المقاوم الاستشهادي .............................................
ـ من أهداف المقاومة الإسلامية .................................................................
ـ لماذا رفضنا اتفاق 17 أيار ........................................................................
ـ آفاق المقاومة وتطلعاتها ...............................................................................
ـ لنحلم الآن من أجل المستقبل ..................................................................
ـ لنفكّر بعقولنا لا بعقول الآخرين ............................................................
المقاومة في وجدان الأمّة
ـ المقاومة مشروع حركة ..............................................................................
ـ التحرّك من خلال آفاق الأمّة لا الفئة ..................................................
ـ المقاومة هي قصة الجهاد في الإسلام .....................................................
ـ لا نزال نعيش قيم التخلّف ........................................................................
ـ أمامنا معركتان ...............................................................................................
ـ الوحدة في مواجهة الواقع ..........................................................................
ـ لنعش الإسلام المنفتح المتحرّك .................................................................
ـ علينا أن نكون الفكر المقاوم ....................................................................
الفصل الثاني: إطلالة على واقع الصراع العربي الإسرائيلي ومكامن الممانعة والمقاومة للاحتلال ........................
المسلمون واليهود: صراع وجود عبر التاريخ ...........................................
ـ اليهود والرسول في مجتمع المدينة ............................................................
ـ اليهود يسعون للإيقاع بالمسلمين ...........................................................
ـ القرآن يحذّر من اتخاذ اليهود بطانة ........................................................
ـ اليهود والممارسة اليهودية ..........................................................................
ـ المحبة أساس العلاقة مع الآخرين ..............................................................
ـ علاقة المسلمين باليهود في القرآن ..........................................................
ـ اللّه يوصي المسلمين بالصبر على مكائد اليهود ...............................
ـ القرآن وتجدّد الزمن ......................................................................................
ـ المواقف من الكلمات المعسولة ................................................................
ـ دراسة الواقع من خلال ما يحمل من أوضاع ...................................
ـ دراسة الواقع بحذر ........................................................................................
ـ الاستكبار يزرع ساحاتنا بالألغام ..........................................................
ـ الاستكبار يعتمد سياسة "فرّق تسد" ...................................................
ـ الاستكبار يوظّف عملاءه لملاحقة المسلمين .....................................
ـ الاستكبار لا يفرّق بين المسلم المتطرّف والمسلم المعتدل .............
ـ الحكام العرب يعيشون حالة التناقض ...................................................
ـ الغرب يضطهد حريتنا ................................................................................
ـ أمريكا وحقّ تقرير المصير ..........................................................................
ـ لنصنع واقعنا السياسي .................................................................................
ـ "العمل" و "الليكود" وجهان لعملة واحدة .......................................
ـ الفرق بين العرب و"إسرائيل" في الممارسات السياسية ..............
المقاومة تصنع عزّة الأمّة
ـ المجاهدون لا يقاتلون حبّاً بالقتال ...........................................................
ـ الاستكبار أمام الهمجيّة الإسرائيلية ........................................................
ـ لنتعلّم من الشباب كيف نصنع الغد والمستقبل ................................
ـ الاستكبار لن يكون صديقاً للشعوب المستضعفة ...........................
ـ مجلس الأمن لافتة لمجلس الأمن القومي الأمريكي ...........................
ـ أمريكا تقف بكلّ ثقلها إلى جانب "إسرائيل" .................................
ـ من يحمي اللبنانيين والفلسطينيين من الإرهاب الإسرائيلي .........
ـ أمريكا تمنع سوريا من التسلّح .................................................................
ـ بالقوّة نحمي إسلامنا ....................................................................................
ـ لنتواص بالحقّ والصبر على الشدائد ......................................................
ـ لنتواص بالابتعاد عن الشيطان .................................................................
ـ ليكن الحوار الإسلامي - المسيحـي على أساس الكلمة السواء .................................................................................................................
ـ لنربّي أنفسنا على قيم الإسلام وروحيته ..............................................
ـ نفكّر طائفياً في قتالنا في لبنان ..................................................................
عدوانية اليهود تجاه المسلمين
ـ موقفنا من اليهود ...........................................................................................
ـ القلة والكثرة ليست معياراً للقوّة ...........................................................
ـ علينا أن نفكّر كأمّة .....................................................................................
ـ علينا أن نراقب الواقع العربي ....................................................................
ـ المشروع اليهودي لا يتحقّق إلاَّ بإضعاف العرب ...........................
دور الشعب والمجاهدين في إسقاط اتفاق 17 أيار
ـ الاستكبار العالمي يعمل على إنتاج اتفاق 17 أيار عربي ............
ـ الشعب يكتشف وحدته أمام الجوع ....................................................
الإمام الحسين (ع) من حجّ البيت إلى حجّ الجهاد
ـ لنطف حول قضايا المسلمين ....................................................................
ـ المشركون اليهود أشدّ النّاس عداوة للإسلام ....................................
ـ أرادنا اللّه أقوياء في مواجهة الواقع ........................................................
ـ البحث عن عناصر القوّة ............................................................................
ـ باستطاعة المجاهدين إلحاق الهزيمة بالعدوّ .............................................
ـ الاستكبار العالمي يضغط لنزع سلاح المقاومة ..................................
ـ في منطق الاستكبار: الضحية والمجرم واحد! .....................................
ـ أمريكا لا تحرّك ساكناً جرّاء القتل المنظّم لنا ....................................
ـ آلاف البرقيات تنهال على العدوّ لمجرّد جرح طفل يهودي ........
ـ بالوحدة نحمي حرياتنا وسياستنا ............................................................
ـ نخشى من عدم جدّية الدولة اللبنانية في التحرير .............................
ـ بعض النّاس يجد مصلحة في انتصار "إسرائيل" ................................
ـ أبطال الحرية هم الذين يرابطون على الثغور .....................................
ـ العدوّ يقرع جرس الخطر من الأصولية ................................................
ـ "إسرائيل" وبعض الحكام العرب يمثّلون واجهة العالـم المستكبر في المنطقة ........................................................................................
ـ مواقع المجاهدين هي مواقع كربلاء ........................................................
الاستكبار يحرّك الأزمات في العالـم العربي والإسلامي ......................
ـ العرب يثيرون المشاكل ضدّ الثورة الإسلامية في إيران .................
ـ في حرب الخليج الثانية ................................................................................
ـ أمريكا تنهي كلّ مقاومة سياسية عربية وتفرض المفاوضات العربيةـ الإسرائيلية ...................................................................................
ـ المفاوضات: دور العرب يقتصر على تقديـم التنازلات ...........
ـ أمريكا تسعى لإضعاف حلفائها من العرب ......................................
ـ أمريكا وراء إثارة مسألة الجزر في الخليج ...........................................
ـ الاستكبار يخلّف وراءه قنابل موقوتة في الواقع العربي والإسلامي .......................................................................................................
ـ الاستعمار يخلّف مشاكل الحدود بين دول الخليج! .......................
ـ لماذا إثارة أزمة الجزر؟! ...............................................................................
ـ الواقع العربي يفقد توازنه ...........................................................................
ـ أحاديث الساحة السياسية اللبنانية: نزع سلاح المقاومة .............
ـ لا نحترم إلاَّ حريتنا وعزّتنا .........................................................................
ـ أين دعاة حقوق الإنسان من المجازر الإسرائيلية بحقّ شعبنا؟ ........
- على المقيمين في المنطقة الحدودية مساعدة المجاهدين في عملية التحرير ...............................................................................................................
ـ الحرية لا تعني أن تنعزل عن محيطك .....................................................
الفصل الثالث: "إسرائيل" إنتاج استكباري ............................
أمريكا تصنع المشاكل وتمارس استكبارها
ـ ماذا نفعل لنصبح أقوياء؟ ...........................................................................
ـ أمريكا تصنع المشاكل ولا تحلّها .............................................................
ـ أمريكا تمارس أخطر أنواع الاستعمار ..................................................
السياسة الأمريكية في المنطقة
ـ أمريكا تريدنا كالهنود الحمر .....................................................................
ـ يُراد لنا الخضوع للعصر الأمريكي .........................................................
ـ تكامل الجيش مع المقاومة ..........................................................................
ـ المقاومة أربكت واقع العدوّ ......................................................................
ـ مقاومة الاحتلال حقّ مشروع تقرّه الأنظمة الحضارية في العالـم .............................................................................................................
ـ المشكلة في التربية لهذا الجيل من السياسيين .......................................
لا شرعية للإرهاب اليهودي ...............................................................................
ـ منح العدو أيّ شرعية اعتراف بجرائمه .................................................
ـ السكوت عن المنكر يجعل الظلم مستشرياً .........................................
ـ لا تخلقوا المبرّر الموضوعي لسيطرة أمريكا ..........................................
ـ معركتنا مع أمريكا معركة الحاضر والمستقبل ...................................
المقاومة مشروع أمّة .................................................................................................
ـ من يحرّر الأرض؟ المقاومة المسلّحة أم السياسة؟ ..............................
ـ المقاومة ورقة ضغط رابحة ..........................................................................
ـ أمريكا لا تفرض حلاً على "إسرائيل" .................................................
ـ المقاومة هي التي تفرض حلاً على "إسرائيل" ....................................
ـ المقاومة والجيش: التقاء لا انفصال ........................................................
يوم القدس .. يوم الرفض للاستسلام ...........................................................
ـ أمريكا تعمل دائماً على إضعاف كلّ مواقع القوّة المناهضة لـ "إسرائيل" ..........................................................................................................
ـ تدمير قوّة العراق ............................................................................................
ـ يجب أن تبقى القدس في البال ..................................................................
ـ لن تضغط أمريكا على "إسرائيل" ..........................................................
ـ لا موافقة على إقامة دولة فلسطينية ......................................................
ـ مستقبل أرض فلسطين لمن؟ .....................................................................
ـ سقوط فلسطين بالمفاوضات ....................................................................
ـ مفاوضات الذئب والحمل .........................................................................
ـ يوم القدس يوم الرفض ................................................................................
"إسرائيل" تسعى إلى تطبيع المنطقة الحدودية
الصراع السياسي في عملية التحرير ...............................................................
ـ أمن "إسرائيل" مطلب أمريكي ................................................................
ـ أمريكا وأمن "إسرائيل" ..............................................................................
ـ مليارات أميركا لبناء المستوطنات ..........................................................
ـ محاولات لصياغة لبنان صياغة أمريكية ................................................
ـ لا لقتال الفلسطينيين ....................................................................................
ـ الفلسطينيون ليسوا غرباء ...........................................................................
ـ الخوف والخوف المضادّ ..............................................................................
ـ نرفض تقاتل الجيش والفلسطينيين .........................................................
الأمم المتحدة منحازة للاستكبار ....................................................................
ـ التفكير بالإسلام عالمياً .................................................................................
ـ دور الأمم المتحدة .........................................................................................
ـ الأمم المتحدة والموازين المختلّة ................................................................
لا نحترم خطوط السياسة الدولية المنحازة .................................................
ـ لسنا إرهابيين ...................................................................................................
لا شرعية للصهيونية في بلاد المسلمين، المؤتمرات لا تمنح "إسرائيل" شرعية ......................................................................................................
ـ اليهود حالة عدائية للإسلام ......................................................................
ـ لا شرعية للوجود الصهيوني في بلادنا حتى مع "السلام" ............
ـ اغتصاب الوطن اغتصاب لعرض الأمّة ................................................
ـ من حقّنا أن ندافع عن أرضنا ..................................................................
أيُّها العرب والمسلمون: أسقطوا مؤتمر الاستسلام
ـ الضغط العربي لأجل حكم ذاتي .............................................................
ـ الرهائن والمخطوفون ....................................................................................
قضية المخطوفين اللبنانيين والعدالة المفقودة
نؤيّد القوى الفلسطينية الرافضة لمؤتمر السلام
ـ نضمّ صوتنا إلى قوى التحرّر ....................................................................
دخول الفلسطينيين مؤتمر السلام انتحار للقضية الفلسطينية
ـ منظمة التحرير والشروط الإسرائيلية ....................................................
ـ "إسرائيل" والقرارات الدولية ...................................................................
ـ وعود أمريكية كاذبة مقابل إلغاء المقاومة ..........................................
ـ محاولات إسرائيلية جديدة لفرض 17 أيار آخر .............................
أمريكا تضغط على العرب بالعرب .................................................................
ـ لماذا حصل اجتياح 1982؟ ....................................................................
ـ الردّ الإسرائيلي: ردّ فعل أم خطّة سياسية لترتيب وضع ما؟ .....
ـ المشكلة في وجود "إسرائيل" لا المقاومة ..............................................
ـ بعض العرب عملوا على إضعاف سوريا في مدريد ......................
ـ المطلوب من العرب التنازل من دون مكتسبات .............................
ـ انعقاد مجلس الأمن حقّ لبناني، لماذا لا نمارسه؟ ...............................
ـ أمريكا ولبنان .. وبسط السلطة ............................................................
ـ يجب دعم أبناء الجنوب بكلّ قوّة ............................................................
أمريكا لا تعترف بإنسانية إنساننا .....................................................................
ـ لا تعتمدوا على أمريكا ...............................................................................
ـ الأمم المتحدة تنهي قرار الصهيونية العنصرية ....................................
ـ سقوط الأمم المتحدة ....................................................................................
ـ "إسرائيل" لا تريد الاعتراف بالشعب الفلسطيني ...........................
الفصل الرابع: السلام في الإسلام ليس سلام مدريد ............
المفاوضات مع "إسرائيل" غير شرعية
ـ العلماء الرسميون يقدّمون للأنظمة ما تحتاجه من فتاوى ..............
ـ المقاومة والانتفاضة ليستا البادئتين بالقتال .........................................
ـ جهاد المقاومة والانتفاضة منسجم مع الشريعة والقانون .............
ـ احتلال الضفّة وغزّة ليس قانونياً ............................................................
ـ "السلام" لمصلحة "إسرائيل" .....................................................................
ـ لنفكّر في قضايانا من خلال شرعنا الإسلامي ..................................
ـ لا مشكلة في علاقاتنا مع أهل الكتاب ................................................
ـ تعايشنا مع أهل الكتاب أربعة عشر قرناً ............................................
"إسرائيل" دولة ولدت من موقع الظلم ......................................................
ـ نتائج المفاوضات غير شرعية ....................................................................
ـ السلام: توقيع على الاحتلال اليهودي لفلسطين ............................
ـ الفلسطينيون لا يملكون حقّ التفريط بالأرض ..................................
ـ تنسيق أمريكي - إسرائيلي لصنع واقع جديد على حساب العرب .................................................................................................................
ـ أمريكا وراء امتلاك "إسرائيل" للأسلحة النووية .............................
ـ لا تتخذوا الشيطان صديقاً .......................................................................
ـ واقعنا العربي يتحرّك من مواقع الضعف ..............................................
ـ المرحلة الثالثة من المفاوضات ...................................................................
ـ سوريا والممانعة ..............................................................................................
ـ الواقع اللبناني ...................................................................................................
صراعنا مع "إسرائيل" صراع حضاري متعدد الأبعاد ...........................
ـ "إسرائيل" تسخر من القرار 425 .........................................................
ـ المفاوضات لن تؤتي ثمارها .........................................................................
ـ العرب لا ينتقدون أمريكا ..........................................................................
ـ أمريكا لا تريد امتلاك العرب سلاحاً قوياً .........................................
ـ حدّدوا وطنيتكم ............................................................................................
أمريكا تمنع العرب من تعزيز قدراتهم الدفاعية
ـ أمريكا تحاول إقناع العالـم بأنَّ العرب إرهابيون ........................
ـ نتطلع لليوم الذي نمتلك فيه وعياً سياسياً ...........................................
ـ لا نريد للإسلام أن يكون قوّة عدوانية ...............................................
ـ المجاهدون في لبنان يواجهون الهمجية الإسرائيلية ............................
ـ أمريكا تطلق يد "إسرائيل" في الشؤون الفلسطينية ........................
ـ أمريكا تعطّل دور الأمم المتحدة .............................................................
ـ تغييب دور الأمـم المتحدة في المفاوضات العربية - الإسرائيلية .........................................................................................................
ـ "إسرائيل" تتنصل من قرارات الأمم المتحدة .....................................
ـ أمريكا تمارس سياسة عدوانية ضدّ العرب والمسلمين ...................
ـ تحيّة للمجاهدين .............................................................................................
ـ لمجابهة التحديات لا بُدَّ من قراءة القرآن جيّداً ..................................
قدس الأنبياء (ع) .....................................................................................................
ـ القدس تختزن في أعماقنا القيم الروحية وقضايا الحرية ..................
ـ الإمام الخميني (رض) وعى أهمية القدس ............................................
ـ الأمّة التي تقدّم التنازلات هي أمّة هزائم .............................................
ـ أمريكا تلتزم التفوّق النوعي لـ "إسرائيل" .......................................
ـ لأجيالنا عيد تحرير الأمّة .............................................................................
ـ لنأخذ جانب الحيطة والحذر من مؤامرات العدوّ ............................
أمريكا: لتبرئة "إسرائيل من عنصريتها ...........................................................
ـ أمريكا تسعى لرفع صفة العنصرية عن "إسرائيل" ..........................
ـ الواقع العربي في 1967 أشغل النّاس بالشعارات ...........................
ـ الهزيمة تحوّلت إلى نصر ................................................................................
ـ من نتائج حرب 1967 الانحناءات العربية السياسية ....................
ـ اجتياح 82 كان اجتياحاً للذهنية العربية ...........................................
ـ شعب يعيش الحرية بوعيه ..........................................................................
ـ شعبنا يدفع بالجنود الإسرائيلييـن إلى المصحات النفسية والعقلية ..............................................................................................................
ـ النظام اللبناني يخطط لإنجاح اتفاق 17 أيار ......................................
ـ المقاومون يتقدّمون إلى الموت وهم مبتسمون ...................................
- المقاومة الإسلامية اخترقت حاجز الخوف وأعادت العنفوان للأمّة ...................................................................................................................
ـ لـم تحقّق المفاوضات إلاَّ إذلالاً للعرب .............................................
ـ لنكن الشعب الواعي الذي لا تنطلي عليه الحيل الإعلامية والسياسية .........................................................................................................
ـ المجاهدون يوقظون الشعب الفلسطيني من سباته .............................
أمريكا تسعى لإسقاط لبنان أمام "إسرائيل" ...............................................
ـ أمريكا تحاول إثارة القلاقل في لبنان .....................................................
ـ في ساحة الصراع رسائل متبادلة بين المقاومة والعدوّ ...................
ـ العدوّ يخشى مواجهة المجاهدين وجهاً لوجه ......................................
ـ المقاومة الإسلامية تمنع العدوّ من القيام بعملية عسكرية في لبنان ....................................................................................................................
ـ في مفاوضات السلام لن تعطي "إسرائيل" للعرب شيئاً ...............
ـ الغموض في القرارين (242) و (338) ...........................................
ـ المقاومة والانتفاضة يتكاتفان: العرب يملكون الكثير من عناصر القوّة ....................................................................................................
ـ مشكلة لبنان هي "إسرائيل" ..............................................................
التشيّع ليس عصبية .. شيعة عليّ (ع) .. مقاومة ..................................
ـ عليّ (ع) نهج تجسّد في شخص .............................................................
ـ من نهج عليّ (ع) ونهج الخميني ..............................................................
ـ الحرب ضدّ الكفر والانحراف لـم تنته فصولها ..............................
ـ المحبّة موقف والولاية نهج ...........................................................................
ـ في مواجهة الاستكبار ..................................................................................
ـ "حماة الإسلام" يبررون لليهود ممارساتهم الإرهابية ........................
ـ أمريكا تعتبر الخطف قانوناً ........................................................................
ـ لـم تحرّك أوروبا وأمريكا ساكناً إزاء ممارسات "إسرائيل" التعسفية .............................................................................................................
ـ أمريكا شرطي عالمي و"إسرائيل" شرطي إقليمي ..........................
العرب يخافون أن يُضبطوا متلبّسين بالقوّة
ـ لا نعترف بأيّ مفاوضات مع "إسرائيل" ............................................
ـ العرب لـم يدخلوا الصلح مع "إسرائيل" من موقع القناعة .....
ـ نعيش واقعاً متخلّفاً .......................................................................................
ـ نحن نفتقد الروحية ........................................................................................
ـ في الحكم الذاتي تصفية للقضية الفلسطينية .........................................
ـ "إسرائيل" تعمل لإسقاط الانتفاضة ......................................................
ـ مشكلتنا أنَّنا لا نمتلك أسباب القوّة ......................................................
ـ الصهيونية تحرّك كلّ طاقاتها لتقوية "إسرائيل" ..................................
ـ الأخطبوط اليهودي يمسك بمفاصل الدول الكبرى ........................
ـ أمريكا تطالب العرب أن يقدّموا المزيد من التنازلات ..................
ـ اختلال في الموازين الأمريكية لصالح "إسرائيل" ...............................
ـ السياسة الأمريكية وراء التعقيدات اللبنانية ........................................
ـ "السكود" السوري والطائرات السعودية ضدّ عملية السلام ....
التوطين مشروع فتنة ...............................................................................................
أمريكا تسعى لنزع سلاح المقاومة
ـ المعتقلون يعيشون ظروفاً سيئة في سجون الاحتلال ......................
ـ لا قيمة للإنسان عندنا ................................................................................
ـ الظروف غير مؤاتية للتوطين ....................................................................
ـ التوطين مشروع لإثارة المشاكل بين اللبنانيين .................................
ـ ليطرح التوطين في الدائرة العامة .............................................................
ـ الحوار طريق إلى حلّ المشاكل .................................................................
تقويـم المفاوضات الإسرائيلية - العربية ..................................................
ـ "إسرائيل" مشكلة المنطقة كلّها ...............................................................
ـ دعوات لإلقاء السلاح العربي ..................................................................
ـ الانتفاضة والمقاومة والمفاوضات ............................................................
ـ تقويـم للمفاوضات العربية ـ الصهيونية .......................................
ـ المطالبة بإلغاء المقاطعة الاقتصادية ...........................................................
ـ إرباك العلاقات العربية ................................................................................
ـ سكوت على المجازر الإسرائيلية ..............................................................
ـ أمريكا تلتزم أمن "إسرائيل" ......................................................................
ـ الموقف الفرنسي .............................................................................................
ـ بالمنطق الفرنسي نحتج على مقاومي النازية في فرنسا ....................
ـ دور المقاومة والانتفاضة في إحياء الروح المعنوية العربية .............
ـ لمنتقدي إطلاق الكاتيوشيا .........................................................................
ـ الجهاد كالصلاة ..............................................................................................
انهزم العرب فاستضعفهم الاستكبار
ـ "إسرائيل استعارت أساليب ملتوية من السياسات الغربية ..........
ـ العرب يعملون بعاطفية، اليهود فكروا بيهوديتهم ..........................
ـ العرب لـم يفكّروا كأمّة .........................................................................
ـ العرب يعيشون واقع الهزيمة فاستضعفهم الآخرون .........................
- العرب يتحمسون للانتخابات الأمريكية أكثر من الأمريكييـن
ـ العرب يعيشون حالة انعدام الوزن .........................................................
ـ ندفع أثمان الذلّ باسم السلام ...................................................................
ـ العرب من منظار التهديد لأمن "إسرائيل" .........................................
ـ إشفاق أمريكي على المهاجرين اليهود .................................................
ـ لا نفرّق بين رئيس أمريكي وآخر .........................................................
ـ أصبحنا نتعاطى السياسة كملهاة ...........................................................
ـ أمريكا وأوروبا يتعاملان معنا كميدان لاستهلاك الأسلحة .......
ـ القضية البوسنية: أمريكا وأوروبا تلهوان بالمسلمين .......................
ـ مفارقة عربية في التعامل بين المسلمين واليهود .................................
ـ لا تستهلكوا أنفسكم في خصوصياتكم ..............................................
ـ أمريكا صنعت مأساة لبنان .......................................................................
ـ لا حاجة للاستقواء برئيس أمريكي ضدّ الآخر ...............................
- "إسرائيل" هي مشكلة لبنان في الماضي والحاضر والمستقبل .......
"إسرائيل" تريد سلاماً يشرّع أمامها الأبواب العربية ............................
ـ السياسة تدخل في كلّ مفاصل الحياة ...................................................
ـ اليهود يعتبرون أنفسهم أولياء اللّه .........................................................
ـ المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية: إلحاق الظلم بالفلسطينيين ....................................................................................................
ـ سعي "إسرائيل" إلى سلام يشرّع الأبواب العربية ...........................
ـ عند البعض: لماذا المقاومة؟ ........................................................................
ـ قيمة المقاومة والانتفاضة باستعادة العنفوان العربي والإسلامـي ..................................................................................................
ـ لنفكّر كأمّة ......................................................................................................
ـ الشعوب لا تعترف بالصلح بين العرب و "إسرائيل" ....................
في مواجهة الإسلاميين: انسجام بين الأنظمة واليهود
ـ "إسرائيل" الخطر الأكبر على المنطقة ....................................................
ـ أمريكا تطالب العرب بإلغاء المقاطعة الاقتصاديـة لـ "إسرائيل" ..........................................................................................................
ـ نريد للفاتيكان أن تنطلق في سياستها من قيم السيِّد المسيح (ع) .....................................................................................................................
الفصل الخامس: بالمقاومة نستردّ الأرض .. وعزّة الأمّة وبالمفاوضات نخسر الأرض .. والقضية الفلسطينية ...................
في مواجهة اغتصاب فلسطين نخوض معركة الحرية
ـ خوض معركة الحرية ....................................................................................
ـ في مواجهة المسؤولية كأمّة ........................................................................
ـ الاتفاق الإسرائيلي - الفلسطيني ...........................................................
ـ دواعي موافقة "إسرائيل" على الاتفاق ................................................
ـ اعتراف فلسطيني بشرعية الاغتصاب اليهودي ................................
ـ الإسلاميون واعون لمخاطر نشوب حرب أهلية ..............................
ـ الاستكبار يهلل للاتفاق: إجهاز على الواقع في المنطقة ...............
ـ نرفض الاستسلام لهذا الواقع ....................................................................
ـ استعجال بعض العرب إقامة علاقات مع "إسرائيل" .....................
ـ الواقع العربي والتزام الأوامر الإسرائيلية ...............................................
ـ نحن ضدّ الذلّ والهوان .................................................................................
ـ كلينتون: "إسرائيل" جازفت من أجل السلام .................................
ـ موقف الأمريكي تجاه المنطقة والعرب .................................................
ـ الاتفاق وتأثيراته السلبية على الواقع العربي ........................................
ـ دعوة الشعب الفلسطيني للاستمرار في الانتفاضة ...........................
ـ التوطين خيانة القضية الفلسطينية ...........................................................
الحيادية مرفوضة في صالح قضايا العزّة والحرية
ـ الصلح بين العرب و "إسرائيل" ...............................................................
ـ السلام ينطلق على مستوى الأمّة ...........................................................
ـ احتفال جنائزي ..............................................................................................
ـ رئيس وزراء العدوّ: الحديث عن آلام الشعب اليهودي ..............
ـ الوفد الفلسطيني: انهزامية كلّها مجاملة ..................................................
ـ أمريكا وراء كلّ حالات الضعف العربي ............................................
ـ امتنان أمريكي لـ "إسرائيل" لقبولها مصالحة الفلسطينيين .........
ـ ملاحقة سوريا وإيران لمنعهما شراء السلاح .....................................
ـ نرفض هذا السلام لأنَّه منكر ...................................................................
ـ اختراق الحوار العربي إسرائيلياً .................................................................
ـ نرفض هذا الصلح: الأرض للأمّة ..........................................................
ـ العمل لاستعادة الحقّ ....................................................................................
ـ الحفاظ على بذرة الحرية ............................................................................
ـ خطوات ضرب معارضي السياسة الأمريكية ...................................
ـ منع التظاهر وقتل النّاس في 13 أيلول .................................................
ـ فرض هيبة الدولة: قتل المواطنين ............................................................
ـ أساليب قمع المظاهرات في العالـم المتحضّر ...................................
ـ الرصاص أطلق بعقل بارد ..........................................................................
ـ المتظاهرون عزّل من السلاح ....................................................................
ـ لجان التحقيق: تجهيل الفاعل ....................................................................
ـ خلفيات المجزرة الجريمة ................................................................................
ـ كان الأجدر بالحكومة محاورة المتظاهرين ..........................................
اتفاق غزة - أريحا: بداية سلام الأنظمة مع اليهود ...............................
ـ استخدام اليهود كلّ عناصر القوّة ..........................................................
ـ العرب لـم يبذلوا أيّ نشاط لدعم قضاياهم ..................................
ـ أمريكا تطالب العرب تقديـم المزيد من التنازلات ......................
ـ حذار من تبدل مفاهيمنا ............................................................................
ـ فقدان العرب خطط المواجهة ..................................................................
ـ فقدان اتفاق غزة - أريحا لأيّ مضمون إيجابي ...............................
ـ لنحاول صنع أمتنا .........................................................................................
ـ لنستمدّ ثوابتنا السياسية من قرآننا .........................................................
ـ انتهاء عهد الصراع بين الأنظمة واليهود ............................................
- محاولات الحكم تقديـم شهادة حسن سلوك لـ "إسرائيل"
ـ نرفض أن يكون في لبنان متسلّطون باسم الدولة ...........................
ـ الحكام لأميركا ...............................................................................................
الحكام صانعو الهزائم العربية
ـ الائتمان على الدِّين .......................................................................................
ـ اتفاق غزة - أريحا.. ومعنى الاعتراف الفلسطيني بشرعية الوجود اليهودي ............................................................................................
ـ التشريع الإسلامي: عدم الموافقة على أصل الوجود الإسرائيلـي ...................................................................................................
ـ المطلوب: الثبات على المبادئ والمواقف ..............................................
ـ مفارقات السياسة الأمريكية وانتهاك حقوق الإنسان ..................
ـ الحديث عن المعارضة العربية دون الإسرائيلية ..................................
ـ الاستكبار: ادعاء بتبني استراتيجية السلام ..........................................
ـ الإصرار على إبقاء حركة الرفـض للمشاريع اليهودية الأمريكية ...........................................................................................................
ـ حرب تشرين: تجربة تثبت أنَّنا الأقوياء ...............................................
ـ الحكّام صانعو الهزائم العربية ....................................................................
ـ يقدّم للعرب سلام ضبابي ..........................................................................
ـ لنخطّط كيف نصنع فيها القوّة ...............................................................
على الأحرار تأليف جبهة موحدة لمقارعة الاستكبار .............................
ـ شروط أمريكية لإلغاء حظر السفر إلى لبنان ....................................
ـ أوضاعنا تحتاج إلى استنفار على كلّ المستويات .............................
ـ دعوة الحكومات والشعوب للتوازن .................................................
ـ اقتصادنا يتحرّك بذهنية رجال الأعمال ..............................................
ـ مشكلة لبنان ليست سياسية فقط ..........................................................
ـ الأمّة تتعرّض لهجمة دولية لإخضاعها .................................................
ـ إلغاء المقاطعة الاقتصادية لـ "إسرائيل" ..............................................
ـ جبهة واحدة لمقارعة الاستكبار ..............................................................
الإسلام والمسيحية ترفضان الاعتراف بـ "إسرائيل" ...........................
ـ "إسرائيل" لـم تعترف بفلسطين الفلسطينية ...................................
ـ أحاديث عن اهتزازات في المنطقة ..........................................................
ـ الأنظمة: مواجهة المعارضين .....................................................................
ـ العدو يحترم شعبه ...........................................................................................
ـ حالة الانهيار العربية شجعت اليهود لفرض خططهم ....................
ـ رفض ما يسيء إلى عزتنا وكرامتنا ........................................................
المقاومة والانتفاضة قادرتان على إسقاط الخطّ الإسرائيلي
ـ يهود أمريكا يعملون لمصلحة "إسرائيل" .............................................
ـ "إسرائيل" والتعامل مع الواقع العربي ....................................................
ـ الحكام العرب: حرب لا هوادة فيها ضدّ العرب وحوار مع "إسرائيل" ..........................................................................................................
ـ أمريكا: انتزاع سلاح المقاطعة من العرب .........................................
أي استقلال للبنان وأرضه محتلة؟!
ـ دعوة أمريكا للإشراف على الواقع .......................................................
ـ الاستقلاليون الحقيقيون: الأبطال المرابطون على الثغور ..............
ـ دعوة الحكّام لإنصاف المجاهدين وعدم التآمر عليهم ....................
ـ المجاهدون وبطولات الحاضر .....................................................................
ـ المنطقة الحدودية .............................................................................................
ـ تريدكم "إسرائيل" أكياساً بشرية لحماية أمنها ................................
ـ اتفاق غزة - أريحا .......................................................................................
ـ المقاومة الإسلامية والانتفاضة قادرتان على إسقاط الخطط الإسرائيلية .........................................................................................................
ـ للبنانيين: كونوا مع أبطال الاستقلال في الجنوب والبقاع الغربي ..................................................................................................................
المفاوضات مع العدوّ لن تحرّر لبنان
ـ السينودس: يتحدّث عن نزع سلاح المقاومة ...................................
ـ مغالطات وقع فيها السينودس ..................................................................
- الموقف المتخبط تجاه المقاومة: موقف متحفظ تجاه الشهادة .......
ـ تحرير لبنان بالمقاومة .....................................................................................
ـ لبنان الموحد لا يقوم إلاَّ بالمقاومة ...........................................................
ـ الاستكبار والظلم ..........................................................................................
ـ مفهومنا للسلام ..............................................................................................
ـ التسامح مع الاستكبار يشجعه على الظلم ........................................
ـ لا يقبل اللّه أن نعفو عمّن ظلمنا طالما عفونا يقوّي ظلمه ..........
ـ السلام الذي يقدّم للفلسطينيين: استسلام .........................................
ـ الفاتيكان.. علاقات كاملة مع الصهاينة ............................................
ـ إغفال أمريكي للقرار 425 .....................................................................
التعايش مع العدوّ .. وهم ....................................................................................
ـ "إسرائيل" أرادتكم جسر عبور ...............................................................
ـ دعوة لرفض الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته .....................................
ـ فكرة التعايش مع العدوّ: أوهام وخيالات .........................................
ـ مرحلة خطرة: إمساك الاستكبار في المنطقة ......................................
اتفاق أوسلو سجن كبير للفلسطينيين ............................................................
ـ في القضية الفلسطينية ...................................................................................
ـ الاتفاق الفاتيكاني - الإسرائيلي ............................................................
ـ الاعتراف لـم يندرج في نطاق الحوار بين الديانات ...................
ـ تناقض في تبريرات الاتفاق ........................................................................
ـ الفاتيكان أعطى "إسرائيل" قوّة معنوية ................................................
ـ التزام أمريكي مطلق بأمن "إسرائيل" ....................................................
ـ الاتفاق سجن كبير للفلسطينيين ............................................................
ـ بعض العرب يتبنى المنطق الإسرائيلي ....................................................
ـ المقاومة حركة جهاد مستمر ....................................................................
ـ لوعي خطورة المرحلة: "إسرائيل" هي المعتدية .................................
هدف العدوّ سحب سلاح المقاومة
ـ تهجير المواطنين ................................................................................................
ـ فرض تنازلات جديدة على العرب .......................................................
ـ صرف أنظار النّاس عن الجرائم الإسرائيلية ........................................
ـ حذار من الوقوع في اللعبة الإسرائيلية .................................................
ـ في المعركة: القصف إسرائيلي والمشاة أمريكيون ............................
ـ لنثبت بأنَّنا القادرون على حماية بلدنا ..................................................
ـ ضرورة مواجهة الاستكبار وافتراءاته ...................................................
ـ أصوليون ومتطرفون لأنَّهم يطالبون باستعادة حقوقهم ................
ـ الواقعية السياسية.. والتنازل عن الأرض ............................................
ـ الأنظمة العربية: اتهامات للمجاهدين بأنَّهم حالة إيرانية .............
ـ مشكلتنا مع أمريكا و"إسرائيل" واحدة ............................................
ـ أمريكا دولة برغماتية: الضوء الأخضر للاجتياحات الإسرائيلية للبنان ............................................................................................
ـ دخول الجيش إلى منطقة الطوارئ في الجنوب .................................
ـ تكامل العلاقة بين المقاومة والجيش .......................................................
ـ النّاس تتمرّد على الفتنة ...............................................................................
السلام ومبدأ العزّة ...................................................................................................
ـ إرهابي من يحاول أن يمتلك القوّة!! .......................................................
ـ إرهابي من يحاول أن يحرّر أرضه!! ........................................................
ـ المقاومة تستجيب لنداء اللّه .......................................................................
ـ "الكاتيوشا" تستخدم للدفاع عن مدنيينا ...........................................
ـ لا إدانات أمريكية لـ "إسرائيل" ...........................................................
ـ الإسلام ومبدأ العزّة ......................................................................................
ـ دعوة لأهلنا في الشريط لعدم الانخراط في "الجنوبي" .....................
ـ انتفضوا لكشف الزيف ...............................................................................
ـ عزّة لبنان وثباته وعنفوانه بالمقاومة .......................................................
ـ الدولة اللبنانية تتقاعس من مسؤولياتها في المنطقة المحتلة ...............
ـ "إسرائيل" تتحرّك إرهابياً لمصلحة أمريكا ..........................................
ـ دعوة الشباب اللبناني للتكامل في القضايا المصيرية ........................
ـ دعوة للحوار في العمق بين المسيحيين والمسلمين ...........................
نرفض السلام الذي يهدّد قضايانا ...................................................................
ـ مصرّون على مقاومة المحتل .......................................................................
ـ معركتنا مع الاستكبار معركة عضّ الأصابع ....................................
ـ أمريكا اتهامات لدول المواجهة بالإرهاب ..........................................
ـ أمريكا فقدت مصداقيتها تجاه الشعوب المستضعفة .......................
المقاومة في الذاكرة والوجدان
ـ المقاومة لا تملك الحرية السياسية .............................................................
ـ نريد للمقاومة أن تتحوّل إلى حالة شعبية ...........................................
ـ المقاومة تعبّر عن حالة إسلامية ................................................................
ـ نريد أن نتآخى مع المقاومة في فلسطين ...............................................
ـ إنَّنا ندعو إلى حزب المقاومة .....................................................................
ـ المقاومة في الجنوب تعيش القوّة الذاتية ................................................
ـ القوّة المؤثرة في تحرير الجنوب ..................................................................
ـ أبعاد العملية الاستشهادية في الخيام ......................................................
ـ المقاومة هي حركة الحلّ للمشكلة اللبنانية .........................................
ـ لتتحوّل المقاومة إلى حالة سياسية .........................................................
ـ المقاومة هي الانطلاقة ..................................................................................
ـ المطلوب شمولية المقاومة ..............................................................................
ـ لا بُدَّ من الفكر المقاوم ................................................................................
ـ المقاومة وعمقها الأساسي .........................................................................
ـ الإسلام أساس المقاومة ................................................................................
ـ أسئلة وأجوبة ..................................................................................................