فقه الحجّ

 

 

 

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

أن تنوع الحاجات وتنوع الطاقات يجعل فريقاً يسخّر فريقاً آخر، وهذا هو ما ينظِّم الحياة، لأن الناس لو كانوا على شكل واحد، لما استطعنا أن نبني الحياة في حاجاتها المتنوعة

 

 

 

 

حقوق الطبع محفوظة للناشر

الطبعة الأولى

Text Box: 1430 ﻫ -  2009 م

دار الملاك طباعة ــ نشر ــ توزيع

بيروت ــ لبنان ــ حارة حريك ــ قرب مستشفى الساحل ــ هاتف: 755200/03 ــ 450769/14

ص.ب 158/25 الغبيري.

 

 

 

فقه الحجّ

 

 

 

تقريراً لأبحاث المرجع الديني آية الله العظمى

السيد محمد حسين فضل الله (دام ظلّه)

 

 

 

 

بقلم

الشيخ جهاد عبدالهادي فرحات

 

 

 

الجزء الثاني

 

دار الملاك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تقريظ سماحة آية الله العظمى

السيد محمد حسين فضل الله

 

 


 

عناوين مباحـث الكتـاب

 

الأول: أقسام العمرة

الثاني: أقسام الحجّ

الثالث: حجّ التمتّع

الرابع: مواقيت الإحرام

الخامس: أحكام المواقيت

السادس: كيفية الإحرام

السابع: تروك الإحرام

 

 

 


 

 

 

[ المبحث الأول ]

[ أقســام العـمــرة]

 

المبحث السابع: أقسام العمرة والحجّ

وتفصيله في عنوانين:

الأول: أقسام العمرة

مسألة [135]: العمرة كالحجّ، فقد تكون واجبةً وقد تكون مندوبةً، وقد تكون مفردةً، وقد تكون متمتّعا بهاً(1).

مسألة [136]: تجب العمرة كالحجّ على كلّ مستطيع واجد للشرائط، ووجوبها فوريّ على الأحوط كفوريّة وجوب الحجّ، فمن استطاع لها ـ ولو لم يستطـع للحجّ ـ وجبت عليـه. نعـم، الظاهـر عدم

...............................................................................................................................................................

(1) قد تكون العمرة واجبةً بأصل الشرع، وقد تكون واجبةً نتيجة نذرٍ أو عهدٍ أو يمينٍ أو إجارة، أو غير ذلك من الأسباب؛ وفي غير ذلك فهي من المستحبّات المؤكّدة، وسوف يأتي بيان كلّ ذلك في المسائل الآتية.

وهي على قسمين: مفردة، وهي التي يؤتى بها مستقلّةً عن الحجّ، قبله أو بعده، ومن ذلك اكتسبت اسمها؛ ومتمتّع بها، وهي التي ترتبط بحجّ التمتّع، ولا يؤتى بها إلاّ معه، سابقة عليه.

وجوب العمرة المفردة على من كانت وظيفته حجّ التمتّع ولم يكن مستطيعاً له ولكنّه استطاع لها.

وعليه، فلا يجب الاستئجار لها من مال الشخص إذا استطاع ومات قبل الموسم، كما لا تجب على الأجير للحجّ بعد فراغه من عمل النيابة، وإن كان مستطيعاً الإتيان بها، ولكنّ الاحتياط بذلك كلّه ممّا لا ينبغي تركه.

وأمّا من أتى بحجّ التمتّع فلا يجب عليه الإتيان بالعمرة المفردة جزماً(1).

...............................................................................................................................................................

(1) يقع البحث في هذه المسألة في عدّة جهات:

الجهة الأولى: في وجوب العمرة بأصل الشرع. وهذا الوجوب متسالم عليه بينهم، بل قد ادّعي عليه الإجماع في كلمات جملة من الأعلام؛ كما في (المنتهى)([1])، و(الرياض)([2]). وفي (مستند الشيعة) أنّ وجوبها ثابتٌ بالإجماع المحقّق والمنقول مستفيضاً([3])، وفي (الجواهر) أنّ الإجماع بقسميه على وجوبها في العمر مرّةً([4]).

ومع ذلك فقد استدلّ على وجوبها بدليلين:

الأول: الكتاب، وذلك بآيتين منه:

1 ـ قولــه تعالـى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}([5]). بتقريب «أنّ المراد بحجّ البيت، زيارة البيت والقصد إليه، فيشمل العمرة بهذا اللحاظ، لأنّ فيها أيضاً زيارة البيت والقصد إليه والطواف حوله، خصوصاً مع ملاحظة الصحيحة المفسِّرة للآية الشريفة، التي تدلّ على أنّ المراد بالحجّ ليس

أقسام العمرة

 هو خصوص الحجّ، بل المراد به الحجّ والعمرة معاً، ففي صحيحة عمر بن أذينة قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن قول الله عزّ وجلّ: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} يعني به الحجّ دون العمرة؟ قال: لا، ولكنّه يعني الحجّ والعمرة جميعاً، لأنّهما مفروضان([6])»([7]).

ولكن يمكن أن يورد على هذا الاستدلال بملاحظتين أساسيتين:

الأولى: إنّ الظاهر من المصطلح القرآني تخصيص العمرة بالذكر عند إرادتها، كما في قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} ([8])، وقوله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} ([9]).

الثانية: إنّ تعليله(ع) شمول الآية للعمرة بقوله: "لأنّهما مفروضان"، يفيد شمول الآية لها حكماً لا موضوعاً، وإلاّ كان يكفيه التعليل بالآية نفسها، مع بيان وجه الشمول فيها.

ونحن قد ذكرنا سابقاً في بحث فقه الحجّ القرآني، أنّ عالم الروايات التفسيرية هو عالم التطبيق للآيات على موارد خاصة، لا عالم بيان مدلولها اللفظي ومرادها الجدّي([10])، والتوجيه الفنّي لذلك في الرواية محلّ الكلام أن يُقال: كأنّ السائل قد توهّم من عدم ذكر العمرة في الآية عدم وجوبها، فأجابه الإمام(ع) بأنّ العمرة بمنزلة الحجّ، فكما أنّ من يستطيع الحجّ يجب عليه، فكذلك من يستطيع العمرة؛ فيكون قوله: "لأنّهما مفروضان" تعليلاً وارداً في مقام التنزيل.

وقد يُقال إنّ الآية مضطربة من حيث الدلالة فنّياً، فإنّ السائل سأل عن المقصود بالآية باعتبار ظهور كلمة الحجّ في دلالته على العبادة الخاصّة المقابلة للعمرة، فما معنى جواب الإمام(ع) بإرادة الأمرين معاً "لأنّهما مفروضان"؟ فإنّ التعليل المذكور لا يتناسب مع إرادة التعدّد من الآية، ولـذلـك فمـن المحتمل

إرادة حجّ التمتّع، الذي ينقسم إلى حجّ وعمرة، فكأنّه أراد بيان أنّه ليس المقصود الاستطاعة للحجّ وحده، بل مع العمرة المرتبطة به، والله العالم.

2 ـ قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ([11]). بتقريب أنّ عدّة رواياتٍ قد استندت إلى الآية في بيان وجوب العمرة، فلو لم تكن الآية في نفسها ظاهرةً في ذلك، لما كان يصحّ منهم(ع) الاستدلال أو الاستشهاد بها على ذلك، والروايات هي:

أ ـ صحيحة الفضل أبي العباس، عن أبي عبدالله(ع) في قول الله عزّ وجلّ: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} قال: هما مفروضان([12]).

ب ـ صحيحة زرارة بن أعين، عن أبي جعفر(ع) ـ في حديث ـ قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ، لأنّ الله تعالى يقول: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} وإنّما نزلت العمرة بالمدينة([13]).

ج ـ صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ على من استطاع إليه سبيلاً، لأنَّ الله عز وجل يقول: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} ([14]).

ولكنّ الظاهر عدم إمكان استفادة هذا المعنى من الآية في نفسها؛ لأنّها بحسب سياقها واردة في مقام بيان وجوب إتمام الحجّ والعمرة، لا في مقام تشريع وجوبهما، بقرينة قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} والمعنى: عليكم أن تتمّوا الحجّ والعمرة بعد الشروع فيهما، فإن لم تستطيعوا ذلك، فيمكنكم التحلّل بما استيسر من الهدي.

وقد أشار إلى ذلك جملة من الأعلام، مثل المقدّس الأردبيلي(قده) الذي قال: «ولكنّ ظاهر الآية، مع قطع النظر عن التفاسير التي تقدّمت، وجوب إتمامهما بعد الشروع، فتفيد وجوب إتمام كلّ منهما بعد الشروع فيهما ندباً أو مع الإفساد، وحينئذٍ لا تدلّ على وجوبهما أصالةً وقبل الشروع»([15]).

 

أقسام العمرة

ومثل السيد الحكيم(قده)، الذي بعد أن نفى أن يكون في القرآن دلالةٌ على وجوب العمرة، وذكر قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّه}...، قال: «والظاهر منه وجوب الإتمام، لا وجوب العمرة»([16]).

وقد ذهب جملةٌ من الأعلام، ومنهم بعض المعاصرين، إلى إرادة الأداء والإتيان من قوله: "أتمّوا"، وقد أصرّ(قده) على ذلك، واستدل عليه بالتعبير به في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} ([17])؛ بتقريب أنّه لا ريب في كون المراد به، بعد تجويز الأكل والشرب حتى طلوع الفجر، وتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، هو الشروع في الصوم والإتيان به([18]).

ولا يخفى ما فيه؛ فإنّ قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}  في سياق الآيات التي تتحدّث عن فريضة الصوم، والتي ابتدأت بتشريع الصوم، بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ([19]). وقد بيّنت هذه الآيات أيضاً محلّ الصوم، وأنّه النهار، ويستفاد ذلك من قوله تعالى: { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } ([20])، الظاهرة عرفاً في النهارات، خصوصاً بعد أن يلاحظ قوله تعالى بعد ذلك: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} ([21]). ثم تعرّضت الآيات بعد ذلك إلى بيان الوقت الدقيق لمبدأ ومنتهى النهار الذي يجب صومه، فحدّدت المبدأ بقوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، ثم حدّدت المنتهى بقوله تعالى:
{ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} ([22])؛ وحينئذٍ، كيف يكون المراد من قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}  ما ذكره(قده) من الشروع في الصوم والإتيان به؟!

وقد استدلّ(قده) أيضاً بورود هذه الكلمة في قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} ([23])، وأنّ في كلمات جماعة من المفسّرين ما يدلّ على تفسير الإتمام بالإتيان([24]).

وفيه أيضاً ما لا يخفى؛ فإنّ هناك خلافاً بين المفسّرين في مرجع ضمير الفاعل في:{ فَأَتَمَّهُنَّ} ، وأنّه الله تعالى، أو إبراهيم(ع)، وقد استظهر جملةٌ من المفسّرين أنّه الله تعالى، وحينئذ نقول: إنّ معنى الإتمام في الآية يختلف تبعاً لهذا الخلاف؛ فعلى القول إنّ مرجع الضمير هو الله تعالى، فإنّ الإتمام يكون بمعنى الإكمال، والمعنى حينئذٍ، أنّ الله تعالى أكمل الكلمات التي ابتلى إبراهيم(ع) بها، بأن جعله إماماً؛ بينما على القول الآخر يمكن أن يراد به ما يشمل الإتيان، كأن يكون المقصود: فأتى إبراهيم(ع) بهذه الكلمات بشكل تامّ، أو أتى بهنّ بتمامهنَّ.

وربما يُقال إنّ ابتلاء ابراهيم بالكلمات قد يعني إنزالها عليه، والإيحاء بها إليه، ليعمل بها، فالتزم بها وتقبّلها منذ بدايتها إلى تمامها، فأتمهنَّ واستكمل معانيها، وبذلك يمكن عود الضمير إلى إبراهيم من حيث الالتزام بها من البداية إلى الإتمام، والله العالم. وبذلك لا يكون المراد من الإتمام الإتيان.

وقد جاء في كتاب (من وحي القرآن): «{ بِكَلِمَاتٍ} ممّا أوحى به إليه من آياته، في الصحف التي أنزلها عليه، وفي المسؤولية المتنوّعة التي حمّله إياها، { فَأَتَمَّهُنَّ} ووفّاهنّ حقّهن بالدعوة تارةً، وبالانقياد أخرى، وبالحركة المتحدّية في مواجهة الكفر والاستكبار ثالثةً، فلم ينقص شيئاً من دعوته، ولم يهمل موقفاً من مسؤوليته، ولم يبتعد خطوةً واحدةً عن ساحات التحدّي الكبير، وبذلك استحقّ درجة القدوة الحسنة الكبيرة التي يُراد للنّاس الأخذ بها، وموقع الولاية التي هيّأه لها، لتنفتح النبوّة المنطلقة في خطّ التبليغ، على الإمامة المتحرّكة في خطّ الواقع، مما يُوجِدُ تكاملاً بينهما لا انفصالاً»([25]).

 

أقسام العمرة

واللغة العربية غنيّة بمفرداتها، وقد يبدو للوهلة الأولى كثرة الترادف فيها، ولكن بالملاحظة الدقيقة يتّضح الفرق بينها؛ ومادّة الإتمام لا تعني في اللغة العربية إلاّ لحاظ إتمام العمل بعد الشروع فيه، وإرادة معنى آخر منها هو الشروع في العمل وإقامته تامّاً مثلاً، لا يُصار إليه إلاّ مع القرينة الواضحة. وفي المقام، القرينة على عكس ذلك تماماً، وتؤكّد إرادة المعنى اللغوي، وهي ما بيّناه آنفاً من كون الآية بحسب سياقها، وخصوصاً مع لحاظ قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}، في مقام بيان وجوب إتمام الحجّ والعمرة، وكيف يمكن للحاجّ أو المعتمر أن يتحلّل في فرض الإحصار المانع من إتمام العمل.

إذاً، فالآية في نفسها لا تدلّ على وجوب العمرة، وقد تعرّضنا إلى ذلك بشكل مفصّل في بحث فقه الحجّ القرآني، فليراجع ثمّة. وحينئذٍ، تقع المشكلة في كيفية التوفيق بين مفاد الآية، وبين الاستناد إليها في ما مرَّ من روايات في مقام بيان وجوب العمرة!

وقد يقال: إنّ ما يجب إتمامه لا بدّ وأن يكون واجباً، وحينئذٍ تكون الآية دالةً بالالتزام على الوجوب.

وجوابه واضحٌ، وهو ما مرّ في كلام المقدّس الأردبيلي(قده)، فإنّه حتى العمرة أو الحجّ المستحبّان يجب إتمامهما بعد الشروع فيهما.

وإن قيل : إنّ الأمر بالإتمام على نحو الإلزام قد يوحي بوجوب المأمور بإتمامه، في النظر إلى دلالة الآية، كما هو الحال في نظائرها من التعبير، فلا بدّ حينئذٍ من أن يكون الحكم بالإتمام في الحجّ والعمرة المستحبين ناشئاً من دليل خارج، فتأمّل.

وقد يُقال في وجه حلّ الإشكال في المقام:  إنّ أيّاً من الروايات الثلاث لا دلالة فيها على استناد الإمام(ع) إلى المدلول اللفظي للآية؛ فذكر الآية في صحيحة الفضل إنّما كان في كلام السائل لا في جواب الإمام(ع)، وجوابه(ع) لا دلالة فيه على وجه النظر إلى الآية؛ وأمّا صحيحتا زرارة ومعاوية بن عمّار، فغاية ما فيهما تنزيل العمرة في وجوبها منزلة الحجّ، ومن قال إنّ التنزيل هو بلحاظ أصل الوجوب؟ بل قد يكون بلحاظ خصوصيات الأداء، من ناحية لزوم الإتمام وكيفية الخروج من الإحرام في حال الإحصار؛ فكأنّ الإمام(ع) أراد أن يدعم بيانه لوجوب العمرة بشيءٍ من القرآن الكريم، فذكر الآية الشريفة التي تجعل للعمرة أحكام الحجّ الواجب نفسها من حيث لزوم الإتمام وكيفية الإحلال عند الإحصار، ليقول: إنّ العمرة واجبة كالحجّ، ألا ترون كيف أنّ لها أحكامه نفسها. وبهذا يتّضح وجه الدّقة في تعبير الإمام(ع) بالتنزيل في كلتا الروايتين.

وإن أُشكِل في هذا الوجه، فالاستناد في هذه الروايات إلى هذه الآية حينئذٍ ممّا يُردُّ علمه إلى أهله.

الثاني: السنّة، وفيها مضافاً إلى الروايات السابقة عدّة روايات أخرى، منها:

1 ـ خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع) قال: العمرة مفروضة مثل الحجّ فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العمرة المفروضة([26]).

والظاهر منه أنّ العمرة المفردة لا موضوع لها مع الإتيان بعمرة التمتّع، فلا يجب عليه الإتيان بها، لو كانت واجبةً في الأصل.

2 ـ مرسلة الصدوق، قال: قال أمير المؤمنين(ع): أمرتم بالحجّ والعمرة فلا تبالوا بأيّهما بدأتم([27]).

وعلّق الصدوق على الرواية بقوله: يعني العمرة المفردة، فأمّا العمرة التي يتمتّع بها إلى الحجّ، فلا يجوز إلاّ أن يبدأ بها قبل الحجّ([28]).

الجهة الثانية: في أنّ وجوب العمرة فوري، أو لا؟

 

أقسام العمرة

وقد ادُّعي في كلماتهم  الإجماع على الفورية، قال في (الجواهر): «ولا خلاف أيضاً أجده في أنّها على الفور، كما صرّح به الشيخ، والحلبي، والفاضلان وغيرهم، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه، بل عن التذكرة الإجماع عليه»([29]). تماماً كما هو الإجماع المدّعى على فورية وجوب الحجّ سابقاً([30])، وما ذلك إلاّ لأنّ الدليل فيهما واحد، خصوصاً بعد ذكر العمرة في عرض الحجّ في الكتاب والسنّة.

ولكننا قد تحفَّظنا في ما سبق على فورية وجوب الحجّ، وبيّنّا كيف أنّ غاية ما تدلّ عليه الروايات، هو أنّه ليس للإنسان أن يسوّف الحجّ، بما يؤدّي إلى تركه كليّةً، بحيث يكون تاركاً لشريعة من شرائع الإسلام؛ وهذا لا يقتضي لزوم المبادرة إلى الأداء في عام الاستطاعة، وهذا التحفظ يأتي في العمرة أيضاً، ولا سيّما أنّ الأدلّة الواردة في الحجّ لا تشمل العمرة من حيث النتائج السلبية، أمّا الإجماع، فهو محتمل المدركية باعتبار التزامهم بأنّ حكم العمرة هو حكم الحجّ.

الجهة الثالثة: في أنّ وجوب العمرة المفردة مستقلٌ عن وجوب الحجّ، فإذا استطاع لها ولم يستطع للحجّ وجبت. ويدلّ على ذلك إطلاقات أدلّتها، مع عدم الدليل على الارتباط. وقد يُقال إنّ خلوّ الأحاديث من وجوبها استقلالاً قد يدلّ على الاستقلال أيضاً.

وأمّا عمرة التمتّع فلا خلاف في ارتباطها بالحجّ، ولزوم أدائها معه في عام واحد، والأدلّة واضحة في ذلك([31]). وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر(ع) ـ في حديثٍ ـ أنّه(ع) قال: إنّ المتعة هي التي في كتاب الله، والتي أمر بها رسول الله(ص)، ثم قال: إنّ المتعة دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة، ثمّ شبّك أصابعه بعضها في بعض([32]).

الجهة الرابعة: أنّ العمرة المفردة هل تجب أيضاً على من كانت وظيفته حجّ التمتّع، فإذا استطاع لها ولم يستطع له يجب عليه أداؤها، أو لا؟

قال في (الجواهر): «المعروف الآن في عصرنا من العلماء وغيرهم من وجوب عمرة مفردة على النائِبـِين عن غيرهم مع فرض استطاعتهم المالية، معلّلين له بأنّ العمرة واجبة على كلّ أحد، والفرض استطاعتهم لها، فتجب وإن وجب عليهم الحجّ بعد ذلك مع حصول شرائط وجوبه»([33]).

وفي كلمات سيدنا الأستاذ(قده) أنّ «المشهور عدم الوجوب، بل أرسله بعضهم إرسال المسلّمات، وعليه، فلا تجب العمرة المفردة على النائب في سنة النيابة بعد فراغه من عمل النيابة وإن كان مستطيعاً للعمرة حينئذٍ من مكّة»([34]).

ويدلّ على عدم الوجوب في المقام أمور:

الأوّل: أنّ أدلّة وجوب العمرة السابقة لا إطلاق لها، بحيث يمكن التمسّك به لإثبات وجوب العمرة المفردة في المقام، بل هي واردة ـ كما هو مقتضى ألسنتها ـ في مقام بيان أصل تشريع وجوبها، وهي خالية من أيّ وصف، فلا تدلّ إلاّ على وجوب طبيعي العمرة، الذي يمكن تحقيقه من خلال عمرة التمتّع أيضاً، التي دلّ الدليل القرآني على كونها فرض النائي([35]).

الثاني: أنّ هذا الإطلاق لا يمكن الأخذ به حتى لو فُرض تمامية اقتضاء الأدلّة له، بل لا بدّ من رفع اليد عنه؛ وذلك لدلالة بعض الروايات على ارتباط العمرة بالحجّ إلى يوم القيامة، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(ع) قال: دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، لأنّ الله تعالى يقول: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}...([36])، فيدلّ ذلك على عدم وجوب العمرة مستقلاً عليهم، وإنّما تجب منضمّةً ومرتبطةً بالحجّ، وهذه ليست إلاّ عمرة التمتّع التي
 

هي فرض النائي عن مكّة، كما هو معلومٌ من أحكامها؛ بمقتضى الكتاب، والسنّة، ومنها الصحيحة السابقة نفسها، من خلال استشهاد الإمام(ع) بالآية الواردة في حجّ التمتّع.

خرج عن ذلك من كان حاضراً المسجد الحرام ـ بحسب المصطلح القرآني ـ وهو من لم يتجاوز مسافة واحد وعشرين ألفاً وستمائة متراً من مكّة، حيث لا تجب عليه عمرة التمتّع حتماً؛ لظهور الآية في خصوصية قيد المكان فيها، بما يفيد المفهوم الذي يُعدُّ في كلماتهم من مفهوم الوصف؛ بل تجب عليه حينئذٍ العمرة المفردة، غير المرتبطة بالحجّ بالنسبة إليه.

ولجملة من الروايات، منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: قلت لأبي جعفر(ع): قول الله عزّ وجلّ في كتابه: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } ؟ قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة، فهو ممّن دخل في هذه الآية، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة([37]).

ومنها: صحيحة علي بن جعفر قال: قلت لأخي موسى بن جعفر(ع): لأهل مكة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال: لا يصلح أن يتمتّعوا، لقول الله عزّ وجلّ: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } ([38]).

وخلاصة هذا الوجه بعبارة مختصرة، أنّ الإطلاق على فرض التسليم به قد دخل عليه التقييد بما ذكر، فلا يمكن التمسّك به لإثبات وجوب العمرة المفردة في حقّ النائي.

الثالث:  ما أشار إليه في (الجواهر) من جريان السيرة على عدم استقرار عمرة على من استطاع من النائِبـِين، فمات أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحجّ، وعدم الحكم بفسقه لو أخّر الاعتمار إلى أشهر الحجّ ([39]). فتكون دليلاً على عدم وجوب عمرة مفردة على من وظيفته حجّ التمتّع.

فالصحيح إذاً عدم وجوب عمرة مفردة على النائي، لما ذكر، بل ولعدم الدليل الواضح على وجوبها عليه؛ فإنَّ مسألةً يكثر الابتلاء بها كهذه المسألة، مع كثرة الاستطاعة لها، لا بدّ من الوضوح في دليل وجوبها، فيصدق قول القائل حينئذٍ: إنّ الشكّ في الوجوب دليلٌ على عدمه.

الجهة الخامسة: أنّ عمرة التمتّع هل تجزي عن العمرة المفردة، أو لا؟

ادّعى في (المستند) الإجماع على الإجزاء([40])، وفي (المنتهى) أنّ الإجزاء فيها هو قول العلماء كافةً([41])، واستُدلّ عليه أيضاً بجملة من الروايات؛ ففي حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة، فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة([42]).

وفي حسنة معاويـة بن عمّـار عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديثٍ ـ قال: قلت: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } أيجزئ ذلك عنه؟ قال: نعم([43]).

وفي خبر أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) قال: العمرة مفروضة مثل الحجّ، فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العمرة المفروضة([44]).

وفي صحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبدالله(ع): قول الله عزّ وجلّ: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} يكفي الرجل إذا تمتّع بالعمرة إلى الحجّ مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك أمر رسول الله(ص) أصحابه([45]).

وفي المقام ملاحظة منهجية مهمّة، وهي أنّ البحث عن إجزاء عمرة التمتّع عن العمرة المفردة، إنّما يكون بعد تسليم عدم اختصاص وجوب العمرة المفردة بمن وظيفته حجّ الإفراد أو القران، فمن ينتهي إلى اختصاصه بذلك، وعدم وجوبها على من وظيفته حجّ التمتّع، لا موجب له لفتح البحث في أنّ عمرة التمتّع تجزي عنها أو لا. لذا فالصحيح في المسألة هو معالجة هذه النقطة أوّلاً، وهذا ـ وللأسف ـ ما لم نجده في كلماتٍ عديدة، وهو الذي لعلّه عبّر عنه في (الجواهر) بالتشويش في كلامهم([46]).

ورغم أنّه لا ملزم لنا للتعرّض إلى مسألة إجزاء عمرة التمتّع عن العمرة المفردة، لأنّنا قد فرغنا في الجهة السابقة من عدم وجوب العمرة المفردة في حقّ النائي، إلاّ أنّنا إنّما نتعرّض لذلك للإشارة إلى ما فيه، فنقول:

إنّ تمام هذه الروايات، ما عدا صحيحة ابن شعيب، لا دلالة فيها أساساً على إجزاء عمرة التمتّع عن العمرة المفردة، بل غاية ما تدلّ عليه هو إجزاء عمرة التمتّع عن العمرة المفروضة، وهذا ينسجم مع ما دلّت عليه أدلّة تشريع العمرة من وجوب طبيعي العمرة، بحسب ما مرّ.

وأمّا صحيحة ابن شعيب، فقد يُقال إنّها صريحة في السؤال عن إجزاء عمرة التمتّع عن خصوص العمرة المفردة، فتنافي ما استفدناه من سائر الروايات. ثم إنّه قد يُضاف إلى ذلك، أنّه وبحسب منهجنا في فهم الروايات الذي أشرنا إليه سابقاً([47])، وهو لزوم ضمّ الروايات الواردة في أمرٍ معيّن بعضها إلى بعض ثم الاستفادة منها، فإنّ هذه الصحيحة قد تكون قرينةً موضّحةً للمقصود بالعمرة المفروضة في سائر الروايات، وأنّه خصوص العمرة المفردة، لا طبيعي العمرة، الذي استفدناه من روايات تشريع العمرة.

ثمَّ قد يُرتّب على ذلك، أنّ محورية الإجزاء في تمام هذه الروايات، دليلٌ على المفروغية من وجوب العمرة المفردة في حقّ النائي أيضاً، بخلاف ما انتهينا إليه في الجهة السابقة.

والجواب عن كلّ ذلك أنّ كثرة الأسئلة عن حادثة معيّنة، تشير ـ بلا شكّ ـ إلى سبب ما، يشكّل الخلفية التي تنطلق منها هذه الأسئلة، ولاكتشاف هذا السبب نقول:

من الثابت تاريخياً أنّ تشريع العمرة المفردة سابقٌ على تشريع عمرة التمتّع، ويكفي دليلاً على ذلك ملاحظة أنّ النبي(ص) قد اعتمر عدّة مرّات قبل حجّة الوداع، التي شرّعت فيها عمرة التمتّع، ويدلّ على ذلك:

1 ـ حسنة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: اعتمر رسول الله(ص) ثلاث عمر مفترقات: عمرة في ذي القعدة، أهلَّ من عسفان، وهي عمرة الحديبية؛ وعمرة أهلَّ من الجحفة، وهي عمرة القضاء، وعمرة أهلَّ من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين([48]).

2 ـ موثّق أبان، عن أبي عبدالله(ع) قال: اعتمر رسول الله(ص) عمرة الحديبية، وقضى الحديبية من قابل، ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف، ثلاث عمر كلهنَّ في ذي القعدة([49]).

فالعمرة الأولى كانت في السنة السادسة للهجرة([50])، والعمرة الثانية كانت في السنة السابعة([51])، وأمّا العمرة الثالثة فقد كانت في السنة الثامنة([52]). وتمام هذه العُمَر كانت عُمَرَاً مفردة.

وأمّا عمرة التمتّع، فقد شرّعت في السنة العاشرة للهجرة في حجّة الوداع. ولكنّ النبي(ص) لم يعتمرها، لأنّه كان قد ساق الهدي، وقد قال(ص) حين نزل عليه جبرائيل(ع) وهو على المروة، وأمره بأن يأمر الناس بأن يحلّوا إلاّ سائق الهدي: "ولو استقبلت من أمري مثل الذي استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، ولكنّي سقت الهدي، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه"([53]).

فإذا كانت العمرة المفردة هي السابقة في التشريع، فمن الطبيعي أن يرد احتمال بقاء وجوبها في حقّ الجميع، ويتوجّه السؤال حينئذٍ عن إجزاء عمرة التمتّع عنها. والجواب عن ذلك بإجزائها عنها، لا يعني بوجهٍ بقاءَ المفردة واجبةً في حقّ النائي، خصوصاً بعد الالتفات إلى الأدلّة التي أقيمت في النقطة السابقة على عدم وجوبها عليهم.

وقد يُقال: إنّ قيام النبيّ(ص) بالعمرة المفردة لا يدلّ على الوجوب، بل يدلّ على الشرعية، ولو على نحو الاستحباب. كما نلاحظ أنّ التأكيد على عمرة التمتّع وارتباطها بالحجّ إلى يوم القيامة، قد يوحي بأنّها قد تكون بدلاً في الإلزام من العمرة المفردة، وخصوصاً أنّه لا استثناء لعمرة التمتّع في حجّ التمتّع إلاّ في حال الانقلاب إلى حجّ الإفراد، عند من يقول به. مع ملاحظة أنّ العمرة المفردة لم يُذكر الاهتمام بها في الكتاب والسنّة في أصل الوجوب بما يدلّ على أنّها أصل في الوجوب.

وأمّا تطبيق المنهج الذي نتبنّاه في فهم الروايات على صحيحة ابن شعيب، فإنّه لا يفيد أكثر من إرادة العمرة المفردة في سائر الروايات، وهذا ـ مع الالتفات إلى الخلفية التاريخية التي ذكرناها ـ لا يغيّر في الأمر شيئاً.

ويمكن أن نضيف في المقام، أنّ جواب الإمام(ع) في صحيحة ابن شعيب، بأنّه كذلك أمر رسول الله(ص) أصحابه، يدلّ على انتهاء أمد وجوب العمرة المفردة في حقّ النائين؛ فإنّ قوله(ع) هذا، لا مصداق له إلاّ ما أمر به رسول الله(ص) أصحابه في حجّة الوداع من الإحلال، واعتبار ما قاموا به من أعمال أعمالاً لتشريع جديد اسمه عمرة التمتّع، وهم لم يحرموا بالعمرة المفردة حتى تكون هذه مكان تلك، بل أحرموا بحجّ الإفراد، وبعضهم أحرم بحجّ القِران، فتكون كلّ الوظيفة قد تغيّرت؛ فكأنّ الإمام(ع) أراد أن يُفهم السائل أنّ معنى ما أمر به رسول الله(ص) أصحابه، هو أنّ وظيفة النائي قد أصبحت التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، بعد أن كان عليه عمرة مفردة بعد حجّ الإفراد أو قبله. وهذه الاستفادة تنسجم تماماً مع ظهور قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ([54]) في تحديد الوظيفة، بالنحو الذي بيّناه في الجهة السابقة، فتدبّر.

مسألة [137]: يستحبّ الإتيان بالعمرة المفردة في كلّ شهر من شهور العام(1)، ولا يعتبر الفصل بين عمرة وأخرى بثلاثين يوماً، وإن كان الاحتياط بالإتيان في كلّ شهر قمري بعمرة لا بأس به(2)، وهذا الاحتياط معتبر فيما إذا كانت العمرتان عن النفس أو عن شخص آخر، فلا يعتبر فيما إذا كانت إحدى العمرتين عن نفسه والأخرى عن غيره، أو كانت كلتاهما عن شخصين غيره، ولا يعتبر هذا بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع، فمن اعتمر عمـرةً مفردةً جاز له الإتيـان بعمرة

...............................................................................................................................................................

(1) يستحبّ تكرار العمرة بالاتّفاق، كما في (كشف اللثام)([55]). ويدلّ عليه مضافاً إلى النصوص الكثيرة التي ستأتي في التعليقة التالية، إطلاق جملة من النصوص المرغّبة، مثل قول النبي(ص): العمرة كفارة لكلّ ذنب([56]).

وقول الرضا(ع): العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما([57]).

(2) قال في (المستند): «وقع الخلاف في المدّة التي تُستحبّ فيها العمرة المفردة بعد عمرة أخرى، أي في الزمان الذي يصحّ فيه تتابع العمرتين المفردتين. فمنهم من لم يقدّر بينهما حدّاً، بل جوّز الاعتمار في كلّ يوم مرّةً فصاعداً، حكي ذلك عن السيّد، والحلّي، والديلمي، وكثير من المتأخرين، وعن الناصريات: نسبته إلى أصحابنا، مؤذناً بدعوى الإجماع عليه ... ومنهم من قال: إنّ أقلّ ما يكون بينهما عشرة أيام، وهو منقول عن الإسكافي، والشيخ في أحد قوليه، والمهذّب، والجامع، والإصباح، والتحرير، والتذكرة، والمنتهى، والإرشاد ... ومنهم من قال: إنّ أقلّه شهر، وهو القول الآخر للشيخ، وابن حمزة، والحلبي، وابن زهرة، والنافع، والمختلف، وإن احتمل كلام الأخيرَين للتوقّف وللتردّد بين الشهر والسنة... وعن العماني: أنّه لا يكون في السنة إلا عمرة واحدة، فأقلّ ما يكون
 

بينهما السنة»([58]). ولكن هناك تشكيك في اختيار العماني لذلك، لما في (الجواهر) من أنّ العبارة المحكيّة عنه غير صريحة بذلك([59])، وسوف ننقل عبارته عمّا قريب.

وقد اختار النراقي(ره) القول بعدم لزوم الفاصل، وذكر أنّه في غاية الجودة والمتانة([60]). واختاره أيضاً في (المستمسك)، وذكر أنّه قد «جعله في (الشرائع) أشبه، وفي(كشف اللثام) أقرب»([61])، وحكى السيد الأستاذ(قده) عن صاحبي (الجواهر) و(العروة) اختيارهما له أيضاً، بينما اختار هو(قده) القول بلزوم الفصل بشهر.

فالأقوال في المسألة إذاً أربعة: عدم لزوم الفصل، واعتباره بعشرة أيّام، واعتباره بشهر، واعتباره بسنة.

ولكلٍّ من هذه الأقوال دليله:

فأمّا دليل القول الأول، فهو ما أشار إليه في (المستند)([62]) و(الجواهر)([63]) و(المستمسك)([64])، من التمسّك بإطلاقات الأمر بالاعتمار، الحاثّة عليه، والمرغّبة إليه، الظاهرة في استحبابه مطلقاً؛ فإنّ مقتضاها الاستحباب في كلّ يوم، بل في اليوم أكثر من مرّة.

وقد مرّ عليك جملةٌ من هذه الإطلاقات، وخصوصاً في التعليقة السابقة.

ومن الطبيعي أنّه إنّما يُصار إلى الأخذ بالإطلاقات، إذا لم يتمّ دليلٌ على التقييد، ولزوم الفصل بمدّة معيّنة، في ما سوف يأتي في بقية البحث، فانتظر.

وأمّا دليل القول الثاني، فهو ما رواه علي بن أبي حمزة، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن الرجل يدخل مكة في السنة المرّة أو المرّتين أو الأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبياً، وإذا خرج فليخرج محلاً. قال: ولكلّ شهر عمرة، فقلت: يكون أقلّ؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة، ثم قال: وحقِّك، لقد كان في عامي هذه السنة ست عمر، قلت: لمَ ذاك؟ فقال: كنت مع محمّد بن إبراهيم بالطائف، وكان كلّما دخل دخلت معه([65]).

والكلام في هذه الرواية هو تارةً من حيث السند، وأخرى من حيث الدلالة؛ فأمّا من حيث السند، فقد رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم، وفي جميعها ينتهي السند إلى عليّ بن أبي حمـزة، وهو يـدور أمره بين الثمالي والبطائني، فإن كان الثمالي ـ وهو ما احتُمل في خصوص رواية الصدوق(ره) ـ فتكون الرواية صحيحةً، وإن كان السيد الخوئي(قده) قد ناقش في إمكان أن يكون هو الثمالي بمناقشات([66]) ينبغي الوقوف عندها؛ وإن كان البطائني، فالرواية تكون ضعيفةً حينئذٍ.

ولكن لا مانع عندنا من الأخذ بها حتى لو كان راويها هو البطائني([67])، لما أكّدناه مراراً من أنّ الأساس في اعتبار الروايات عندنا هو حصول الوثوق بها، خصوصاً مع عدم ظهور ما يقتضي الكذب في موردها؛ ولا يبعد حصول الوثوق بها في المقام؛ لروايتها في الكتب المعتبرة، وللقرائن العديدة التي أشار إليها في (المستمسك)، قال: «وإن كان البطائني فالظاهر اعتبار حديثه، لرواية جمع كثير من الأعاظم عنه، وفيهم جمعٌ من أصحاب الإجماع، وجماعة ممّن نصّوا على أنّهم لا يروون إلا عن ثقة، ولغير ذلك من القرائن المذكورة في كتب الرجال»([68]).

وكذلك أيضاً لا يضرّ وجود إسماعيل بن مرار في سلسلة السند، بحسب رواية (الكافي)؛ لعدم ذكره بقدحٍ في كتب الرجال، ولكثرة رواياته في الكتب المعتبرة، حتى إنّه قد روى عن يونس بن عبدالرحمن ما يزيد عن مائتي رواية، الأمر الذي يوجب حصول الاطمئنان بوثاقته.

وأمّا الدلالة، فسوف يأتي الكلام فيها، فانتظر.

وأمّا دليل القول الثالث، فهو جملة من الروايات، أغلبها عن أمير المؤمنين(ع)، منها:

1 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبدالله(ع) قال: في كتاب علي(ع): في كلّ شهر عمرة([69]).

2 ـ موثّقة يونس بن يعقوب، قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: إنّ علياً(ع) كان يقول: في كلّ شهر عمرة([70]).

3 ـ صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: كان علي(ع) يقول: لكلّ شهر عمرة([71]).

4 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبدالله(ع): السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكلّ شهر عمرة([72]).

والكلام في هذه الروايات إنّما هو في دلالتها، بعد تمامية أسانيدها، فنقول: من غير الواضح في هذه الروايات كونها واردةً في مقام بيان مشروعية العمرة مرّةً في الشهر، بل الظاهر منها ورودها في مقام بيان استحباب العمرة، وأنّه يستحبّ تكرار الاعتمار، وأن لا يخلو شهر من عمرة، كما هو مفاد موثّقة إسحاق بن عمّار. ويؤكّد هذا الفهم ما مرّ في رواية علي بن أبي حمزة السابقة، فإنّه بعد أن قال الإمام(ع): ولكل شهر عمرة، سأله: يكون أقلّ؟ فقال(ع): لكلّ عشرة أيام عمرة، فإنّ قوله هذا قرينة واضحة على أنّ قوله الآخر: "لكل شهر عمرة" لا يدلّ على النهي عن الزيادة.

وحتى التحديد بالعشرة أيّام لا يدلّ على لزوم الفصل بذلك أيضاً، لظهور الرواية في ما ذكرناه من استحباب تكرار الاعتمار. وعلى هذا، لا يكون هناك تعارضٌ بين الروايات أصلاً؛ فإنّ استحباب الاعتمار في كلّ شهر لا ينافي استحبابه في كلّ عشرة أيّام، أو حتى في كلّ يوم.

وحينئذٍ، لا يكون هناك مانع من الأخذ بمفاد الإطلاقات الحاثّة والمرغّبة على الاعتمار، والتي تدلّ على استحباب الاعتمار في كلّ وقت.

وأمّا دليل القول الرابع، فهو صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: العمرة في كلّ سنة مرّة([73]). وصحيحتا زرارة عن أبي جعفر(ع)، وحريز عن أبي عبدالله(ع)، قالا: لا تكون عمرتان في سنة([74]).

ولا مجال للمناقشة في هذه الروايات من حيث السند، حتى بمثل وهنها بالإعراض، بل لا بدّ من دراسة مضمونها بالشكل الذي يتلاءم وسائر الروايات، كما هو منهجنا في فهم الروايات الواردة في موضوع واحد. وقد حملها الشيخ(ره) على أنّه لا يكون في السنة عمرة يتمتّع بها إلى الحجّ إلاّ دفعةً واحدة([75])، فالمقصود بها إذاً عمرة التمتّع لا العمرة المفردة.

ولكن المحكيّ عن ابن أبي عقيل(ره)، المناقشة في هذا الحمل بعدم الشاهد له، قال(ره): «لا يجوز عمرتان في عام واحد، قد تأوّل بعض الشيعة هذا الخبر على معنى الخصوص، فزعمت أنّها في المتمتع خاصةً، فأمّا غيره فله أن يعتمر في أيّ الشهور شاء، وكم شاء من العمرة، فإن يكن ما تأوّلوه موجوداً في التوقيف عن السادة آل الرسول(عليهم السلام)، فمأخوذٌ به، وإن كان غير ذلك من جهة
الاجتهاد والظنّ، فذلك مردودٌ عليهم، وراجعٌ في ذلك كلّه إلى ما قالته الأئمة(عليهم السلام)»([76]).

والمقصود ببعض الشيعة في كلامه ليس الشيخ الطوسي(ره) حتماً؛ لأنّ العماني(ره) ـ على ما يظهر ممّن ترجم له ومنهم الشيخ(ره) نفسه([77]) ـ كان من أعلام القرن الرابع الهجري، بينما الشيخ الطوسي(ره) هو من أعلام القرن الخامس، حيث توفي عام 460 ﻫ.

كما أنّه لا يوجد في روايات الباب نصّ الخبر الذي ذكره، بل ما يقرب منه، وهو ما مرّ في صحيحتي زرارة وحريز، عن الصادقين(عليهما السلام).

ويمكن الجواب عمّا ناقش به، بأنّ الحمل على المتعة هو مقتضى الجمع بين مختلف روايات العمرة؛ فإنّ روايات الطائفتين السابقتين ـ أعني روايات الشهر وروايات العشرة أيّام ـ على اختلافها تتفق على إمكانية الاتيان بالعمرة أكثر من مرّة في السنة، فلا يبقى إلاّ روايات عمرة التمتّع ممّا يمكن انطباق المنع من التكرار في هذه الروايات عليه، تبعاً لارتباط هذه العمرة بالحجّ، ولزوم الإتيان بها معه في عام واحد، الأمر الذي يمنع عملياً من التكرار؛ وبهذا يتّضح وجه الدقة في تعبير الصادقين(عليهما السلام) بـ "لا تكون عمرتان في سنة"، فتأمّل.

وهذا الحمل أقرب ممّا ذكره السيد الحكيم(قده)، من الحمل على أنّ استحباب العمرة في السنة آكد منه في الشهر([78])؛ لأنّ خبر عليّ بن أبي حمزة لا يصلح شاهداً له، وإنّما يصلح شاهداً فقط لتأكّد الاستحباب بين الشهر والعشرة أيّام، كما ذكر(قده)، بحيث يكون استحباب العمرة في الشهر آكد منه في العشرة أيّام.

وقد أكّد بعض الأعلام لزوم الفصل بين العمرتين بشهر، بأمرين:

الأول: ما ورد في عدّة روايات، أنّ من أفسد عمرته المفردة، فإنّ عليه أن ينتظر دخول شهر آخر، كما في صحيحة بريد بن معاوية العجلي، قال: سألت أبا جعفر(ع) عن رجل اعتمر عمرةً مفردةً، فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر، فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة([79]).

بتقريب أولوية المقام من مورد الرواية؛ لأنّه إذا لم يمكن الجمع بين عمرتين في شهر واحد، الأولى منهما فاسدة، فعدم إمكان الجمع بين عمرتين صحيحتين في شهر واحد إنّما هو بطريق أولى([80]).

وفيه: أنّ الاستناد إلى هذه الرواية وأمثالها، يتوقّف على أن يكون الوجه في الانتظار إلى الشهر الآخر، هو عدم إمكان الجمع بين عمرتين في شهر واحد، ولا يمكن الجزم به فيها، بعد احتمال كون الانتظار من خصائص إفساد العمرة، عقوبةً له.

الثاني: ما ورد في حسنة حمّاد بن عيسى، عن أبي عبدالله(ع) قال: من دخل مكة متمتعاً في أشهر الحجّ، لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ ... قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام، ثم رجع في إبّان الحجّ، في أشهر الحجّ، يريد الحجّ، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً([81]).

وذلك بتقريب أنّ المستفاد منها جريان ما ذكر في العمرة المفردة، في عمرة التمتّع أيضاً، وأنّه مع كون الدخول في غير شهر الخروج لا بدّ من الإتيان بها ثانيةً، ومع اتّحادهما في الشهر لا يلزم التكرار([82]).

وفيه: إنّ ذلك من أحكام دخول مكّة، كما سوف يأتي، ولا علاقة له بالمنع من الجمع بين عمرتين في شهر.

 

أقسام العمرة

التمتّع بعدها ولو كانت في الشهر نفسه. وكذلك الحال في الإتيان بالعمرة المفردة بعد الفراغ من أعمال الحجّ(1).

ولا يجوز الإتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع والحجّ(2).

...............................................................................................................................................................

(1) لأنّ الظاهر من روايات المسألة ـ على فرض دلالتها ـ ورودها بالنسبة إلى تكرار المكلّف للعمرة المفردة عن نفسه، فلا تشمل ما إذا أتى بعمرة مفردة عن نفسه، وأخرى ـ أو أكثر ـ عن غيره، تبرّعاً أو بإجارة؛ كما لا تشمل إتيانه بعمرة مفردة قبل عمرة التمتّع، أو بعد حجّ التمتّع.

(2) ذكر سيدنا الأستاذ(قده) أنّه لم يرَ من تعرّض لهذا الفرع إلاّ شيخه النائيني(قده) في مناسكه، حيث ذكر في المسألة السابعة من مسائل المواقيت، أنّه يجوز للمتمتّع أن يعتمر بعمرة مفردة بعد إحلاله من إحرام عمرة التمتّع، بعد مضيّ عشرة أيّام على الأحوط؛ لاعتبار تحقّق الفصل بين العمرتين بعشرة أيّام، فيجوز له أن يخرج إلى أدنى الحلّ لإحرامها، أو غير أدنى الحلّ إذا كان دون المسافة المعتبرة في التقصير، وأمّا الخروج إلى المسافة، فالأحوط أن لا يخرج إلاّ محرماً بالحجّ([83]).

وقد استدلّ(قده) على منع هذه الفتوى بحسنة حمّاد بن عيسى عن أبي عبدالله(ع)، قال: من دخل مكّة متمتعاً في أشهر الحجّ، لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ ... قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام، ثم رجع في إبّان الحجّ، في أشهر الحجّ، يريد الحجّ، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً، قلت: فأيّ الإحرامين والمتعتين متعته، الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّته...([84]).

بتقريب أنّ المستفاد منها عدم جواز الفصل بين عمرة التمتّع والحجّ بعمرة أخرى، وإلاّ لو كان الفصل جائزاً، لكانت الأولى عمرته متعةً، والثانية مفردةً، فيُعلم منها أنّ عمرة التمتّع لا بدّ من اتصالها بالحجّ وعدم فصلها عنه بعمرة أخرى([85]).

وقد يُناقش في ذلك بأنّ مفاد الرواية ليس ما ذُكر، بل أنّ الشرط في إجزاء عمرة التمتّع هو أن لا يمرّ على المعتمر شهر خارج مكّة، فكأنّ الخروج نفسه من مكّة لمدّة شهر، بحيث يحتاج إلى إحرام جديد لدخولها، يُفسد عنوان التمتّع في العمرة، ومن الطبيعي حينئذٍ احتياج المتمتّع إلى عمرة جديدة، هي تكون متعته.

وقد يؤيّد هذا الاحتمال في فقه الرواية، بعدم الإشارة فيها إلى حال العمرة السابقة من ناحية طواف النساء فيها، مع ظهورها في كونها في مقام بيان تمام تفاصيل المسألة؛ إذ لا يخلو الأمر إمّا من أن تنقلب حينئذٍ مفردةً، وهي تحتاج إلى طواف النساء، فكان ينبغي التنبيه في الرواية عليه؛ وإمّا من أن تبقى متعةً، وإذا بقيت متعةً، فينبغي الاجتزاء بها؛ فإذا دلّت الرواية على عدم الاجتزاء بها، فما ذلك إلاّ لفسادها.

ولكن من الممكن أن يُقال إنّ الرواية ليست في مقام بيان جميع التفاصيل، بما في ذلك الشروط المعتبرة في العمرة الأولى، بل هي في مقام بيان العمرة التي يرتبط بها الحجّ، مع الملاحظة بأنّ العمرة الأولى المقصود بها التمتّع كانت صحيحةً حال الإتيان بها، ولذلك لا يعتبر فيها طواف النساء، أمّا انقلابها إلى عمرة مفردة، أو الحكم بفسادها في نفسها فليس ملحوظاً. حتى إنّه يمكن أن يُقال: إنّ مثل هذه العمرة التي لم ترتبط بالحجّ لا يُحكم بفسادها، ولا بانقلابها، بل تُمضى كما أتى بها المكلّف، ولا وجه لفسادها بشكل متأخّر، فتأمّل.

ولذلك لا يبعد عدم ورود المناقشة السابقة؛ لقوله(ع): "وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّته"، فإنّه ظاهرٌ في لزوم الوصل بين عمرة التمتّع والحجّ.

ثم إنّ السيد الأستاذ(قده) أيّد عدم جواز الفصل في المقام، بأنّ الفصل لو كان جائزاً لوقع ولو مرّةً واحدةً.

...............................................................................................................................................................

 

مسـألـة [138]: كمـا تجـب العمـرة المفــردة بالاستطـاعــة، كذلـك تجــب بالـنـــذر أو الحـلــف أو العــهــد أو غيـر ذلـك (1)،

وما ذكره (قده) في محلّه؛ فإنّ الداعي إليه ـ وهو استحباب العمرة المفردة ـ موجودٌ، لذلك نلاحظ مسارعة الكثير من الحجّاج إلى الإتيان بالعمرة بعد الانتهاء من أعمال الحجّ، فلو كان الإتيان بها في الفترة بين عمرة التمتّع والحجّ جائزاً، لكنّا رأينا الكثيرين منهم قد أتوا بها؛ فعدم إتيانهم بها مع توفّر الداعي، بل وعدم وقوع السؤال عن جوازها حينئذٍ، لا وجه له إلاّ وضوح عدم جوازها، والله العالم.

لذا لا يبعد ما اختاره السيد الخوئي(قده) في هذه المسألة، ولا أقلّ من الاحتياط الوجوبي فيها.

(1) ذكر الإمام الخميني(قده)، أنّ في إطلاق الوجوب على العمرة في المقام مسامحة. وقد تصدّى بعض أعلام تلامذته لبيان الوجه في ذلك، بما ملخّصه أنّ الواجب في المقام إنّما هو عناوين الوفاء بالنذر والعهد واليمين، أو الوفاء بالشرط، وما شاكل ذلك، وهي غير العمرة، وإن وقع الاتّحاد بينهما في الخارج، ومقام تعلّق التكليف هو مرحلة العناوين، لا الخارج، والحكم لا يتعدّى من العنوان الذي تعلّق به إلى عنوان آخر، فتبقى العمرة المنذورة مستحبةً بالأصل، وإن كان امتثال وجوب الوفاء بالنذر لا يتحقّق إلا من خلال الإتيان بها، وممّا يترتّب على ذلك، أنّ المكلّف لا يمكنه أن يقصد بها نيّة الوجوب لو أراد قصد الوجه([86]).

والذي يبدو لنا عند ملاحظة هذا التنبيه، أنّه من نتاج الذهنية الفلسفية التي دخلت إلى علم الأصول، وقد يكون تنبيهاً صحيحاً إذا أردنا أن نحاكمه على أساس هذه الذهنية؛ ولكنّنا نؤكّد دائماً نكتةً في أبحاثنا الأصولية والفقهية، وهي أنّ عالم الفقه هو عالم العرف والصدق العرفي، لا عالم الدّقة العقلية الفلسفية، وبناءً عليه، فإنّنا عندما نطرح هذه المسألة على العرف، نجد أنّهم لا يرون إلاّ أنّ العمرة هي الواجبة، ولا يلتفتون أصلاً إلى التدقيق المذكور.

...............................................................................................................................................................

سواء كان فرضه التمتّع أو غيره(1).

مسألة [139]: تشترك العمرة المفردة مع عمرة التمتّع في أعمالها، وسيأتي بيان ذلك، وتفترق عنها في أمور:

(1) أنّ العمرة المفردة يجب لها طواف النساء، ولا يجب ذلك لعمرة التمتّع(2).

(1) لأنّ عدم وجوب العمرة المفردة على المتمتّع إنّما هو في غير وجوبها بالعناوين الثانوية، كالتي مرّت، والتي تقتضي وجوب الوفاء بها.

 (2) والكلام هنا ينعقد في مقامين:

المقام الأول: في وجوب طواف النساء في العمرة المفردة.

قال في (المدارك): «وأمّا وجوبه في العمرة المفردة، فهو المعروف من مذهب الأصحاب، ونقل العلامة في المنتهى فيه الإجماع»([87]).

وقال في (الحدائق): «فأمّا وجوب طواف النساء هنا فهو المشهور بين الأصحاب، بل ادَّعى عليه في المنتهى الإجماع. ونقل الشهيد في الدروس عن الجعفي([88])، أنّه حكم بسقوط طواف النساء في المفردة. أقول: وهو ظاهر الصدوق في من لا يحضره الفقيه حيث قال: ولا يجب طواف النساء إلا على الحاجّ. ذكر ذلك في باب إهلال العمرة المبتولة وإحلالها ونسكها، ولم أعثر على من نقله عنه، مع أنّ كلامه ظاهر فيه كما ترى. وهو الظاهر أيضاً من ابن أبي عقيل»([89]).

والمسألة روائية بامتياز، والروايات فيها على طائفتين؛ فمنها ما يدلّ على القول المعروف، ومنها ما جُعل دليلاً على القول الآخر.

روايات الطائفة الأولى:

1 ـ صحيحة محمد بن عيسى، قال: كتب أبو القاسم مخلّد بن موسى الرازي إلى

الرجل(ع)([90]) يسأله عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها طواف النساء، والعمرة التي يتمتع بها إلى الحجّ؟ فكتب: أمّا العمرة المبتولة، فعلى صاحبها طواف النساء، وأمّا التي يتمتع بها إلى الحجّ، فليس على صاحبها طواف النساء([91]).

وهي واضحة الدلالة على لزوم الإتيان بطواف النساء في العمرة المفردة.

2 ـ ما رواه الشيخ(ره) بإسناد صحيح، عن موسى بن القاسم، عن إبراهيم ابن أبي البلاد قال: قلت لإبراهيم بن عبد الحميد، وقد هيّأنا نحواً من ثلاثين مسألةً نبعث بها إلى أبي الحسن موسى(ع): أدخل لي هذه المسألة، ولا تسمّني له؛ سله عن العمرة المفردة، على صاحبها طواف النساء؟ قال: فجاءه الجواب في المسائل كلّها غيرها، فقلت له: أعدها في مسائل أُخر، فجاءه الجواب فيها كلّها غير مسألتي، فقلت لإبراهيم بن عبد الحميد: إنّ ها هنا لشيئاً، أفرد المسألة باسمي، فقد عرفت مقامي بحوائجك، فكتب بها إليه، فجاء الجواب: نعم، هو واجبٌ لا بدّ منه. فلقي إبراهيم بن عبد الحميد إسماعيل بن حميد الأزرق ومعه المسألة والجواب، فقال: لقد فتق عليكم إبراهيم بن أبي البلاد فتقاً، وهذه مسألته والجواب عنها، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها، فقال: نعم، هو واجب، فلقي إسماعيل بن حميد بشر بن إسماعيل بن عمار الصيرفي فأخبره، فدخل فسأله عنها، فقال: نعم، هو واجب([92]).

وهي واضحة الدلالة على المطلوب، كوضوح جوّ التقيّة فيها.

3 ـ خبر إسماعيل بن رباح ـ وفي (الاستبصار): رياح ـ قال: سألت أبا الحسن(ع) عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال: نعم([93]).

4 ـ خبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن عمر أو غيره، عن أبي عبدالله(ع) قال: المعتمر يطوف ويسعى ويحلق، قال: ولا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر([94]).

روايات الطائفة الثانية:

1 ـ صحيحة صفوان بن يحيى، قال: سأله أبو حرث، عن رجلٍ تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فطاف وسعى وقصّر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى([95]).

والرواية ظاهرة في الحصر الإضافي، بمعنى أنّها تثبت طواف النساء في حجّ التمتّع، في مقابل نفيه في عمرة التمتّع، فلا تكون دالةً على نفيه في العمرة المفردة.

2 ـ ما رواه الشيخ(ره)، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عبدالحميد، عن سيف، عن يونس رواه([96])، قال: ليس طواف النساء إلاّ على الحاجّ([97]).

وهي ضعيفة سنداً، وقد صرّح الشيخ(ره) بأنّها موقوفة وغير مسندة إلى أحدٍ من الأئمة(عليهم السلام)([98]).

 

أقسام العمرة

ومع ذلك، يمكن أيضاً أنّ تكون هذه كسابقتها في مقام الحصر الإضافي، بلحاظ عمرة التمتّع.

3 ـ خبر أبي خالد مولى علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف النساء([99]).

وهي مضافاً إلى ضعفها سنداً ـ للجهل بحال أبي خالد، حيث لم يُذكر في كتب الرجال المعتمدة ـ قد حملها العلماء على عدّة محامل؛ فحملها الشيخ(ره) على من دخل معتمراً عمرةً مفردةً في أشهر الحجّ، ثم أراد أن يجعلها متعةً للحجّ. واحتمل في (الوسائل) حملها على الإنكار، وعلى التقيّة([100]).

4 ـ خبر زرارة قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: إذا قدم المعتمر مكة وطاف وسعى، فإن شاء فليمض على راحلته وليلحق بأهله([101]).

ويمكن المناقشة في هذه الرواية، بأنّها لم تذكر ما به الإحلال، وهو الحلق أو التقصير، مع كونه من أعمال العمرة حتماً، فلا تكون في مقام بيان تمام ما يجب في العمرة، وحينئذٍ لا يمكن الاستدلال بها على نفي وجوب طواف النساء في العمرة المفردة.

5 ـ خبر أبي بصير عن أبي عبدالله(ع)، قال: العمرة المبتولة يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، ثمّ يحلّ، فإن شاء أن يرتحل من ساعته ارتحل([102]).

وقد حمل الطواف فيها في (الوسائل) على طواف العمرة وطواف النساء، للنصوص السابقة الدالة على وجوب طواف النساء في العمرة المفردة.

والظاهر عدم صحّة هذا الحمل؛ لظهور الرواية في إرادة الترتيب، لمكان "ثمّ"، وطواف النساء محلّه بعد الإحلال.

6 ـ ما رواه الشيخ(ره) بإسناده عن موسى بن القاسم، عن صفوان بن يحيى، عن نجيّة، عن أبي جعفر(ع) قال: إذا دخل المعتمر مكّة غير متمتّع فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، وصلّى الركعتين خلف مقام إبراهيم(ع)، فليلحق بأهله إن شاء([103]).

ويرد عليها ما أوردناه على الرواية الرابعة نفسه، وتزيد عليها بأنّها لا تخلو من التشويش؛ لتقديمها ذكر السعي على صلاة الطواف.

وقد تعدّدت النظريات في كلمات الفقهاء في معالجة هذه الروايات، وقد أحصينا منها الآتي:

1 ـ الحمل على استحباب طواف النساء في العمرة المفردة. وهو ما قوّاه المجلسي(ره) في (مرآة العقول)، اعتماداً على خبر أبي بصير، وذكر بأنّه ظاهر الكليني أيضاً([104]).

وهو مضافاً إلى أنّه فرع اعتبار سند الرواية المعارضة، المفقود في المقام، تأباه روايات الطائفة الأولى بشدّة، وخصوصاً صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد المتضمنة لعبارات مثل: "نعم، هو واجبٌ لا بدّ منه".

2 ـ الترجيح بالشهرة الفتوائية([105]). وهو غير تامٍ عندنا، إن وصلت النوبة إليه.

3 ـ تقديم أخبار عدم الوجوب. وهو ما لم يستبعده في (المدارك)، فإنّه بعد أن نقل بعض روايات الطائفة الثانية قال: «وحكى الشهيد في الدروس عن الجعفي الإفتاء بمضمون هذه الروايات، وهو غير بعيد؛ لاعتبار سند بعضها، وضعف

معارضها، ومطابقتها لمقتضى الأصل، إلاّ أنّ المصير إلى ما عليه أكثر الأصحاب أولى وأحوط»([106]).

أقول: أمّا المعتبرة سنداً من روايات الطائفة الثانية، وهما الروايتان الأولى والسادسة فقط، فلم تتمّا دلالةً كما سبق.

وأمّا ضعف معارضها، فهو غريب منه(قده)، إذ لا أقلّ من صحيحة إبراهيم ابن أبي البلاد.

وأمّا مقتضى الأصل، فلا بدّ من الخروج عنه بروايات الطائفة الأولى، بعد تماميتها سنداً ودلالةً.

4 ـ حمل روايات الطائفة الثانية على التقيّة. وقد جمع في (الحدائق) القرائن على ذلك، وقرّبه بما يدلّ على درايته في الأخبار، فقال: «والذي يظهر من سياقها [أي صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد]، هو خروج هذه الأخبار الأخيرة مخرج التقية؛ فإنّ العامة لا يرون طواف النساء في حجّ ولا عمرة، وظاهر الخبر أنّه كان المعمول عليه يومئذٍ عدم طواف النساء، حتى إنّهم استغربوا أمره (ع) بذلك، كما يشير إليه قوله: "لقد فتق عليكم إبراهيم بن أبي البلاد فتقاً"، وسؤال كلّ واحد منهم الإمام(ع) على حدة، ويشير إلى ذلك قوله(ع) في حديث عمر ابن يزيد أو غيره: "ولا بدّ له بعد الحلق من طواف آخر"، حيث كنّى عنه ولم يصرّح به. ومثله ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(ع): "في الرجل يجيء معتمراً عمرةً مبتولةً؟ قال: يجزئه إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أن يطوف طوافاً واحداً بالبيت، ومن شاء أن يقصّر قصّر". أقول: قوله: "طوافاً واحداً"، أي من غير ضمّ سعي إليه، فإنّ طواف النساء لا سعي فيه؛ فإنّ هذه الإشارات وعدم التصريح إنّما يقع غالباً في مقام التقية»([107]).

إذاً، لا بدّ من تقديم روايات الطائفة الأولى؛ لتمامية دلالة ما تمّ سنده منها، ولاشتهارها بين الأصحاب، ولمخالفتها للعامّة وموافقة الأخرى لهم.

هذا، ولكن هناك روايات أخرى الظاهر دخولها طرفاً في المعارضة مع الروايات الدالة على الوجوب، وهي عدّة روايات نقيّة السند وردت في أبواب الوقوف بالمشعر، في مقام بيان حكم من فاته الحجّ، وأنّ عليه أن يعتمر بإحرامه عمرةً مفردةً، فإنّها روايات مفصِّلة لما يجب عليه حينئذٍ، ولكن أيّاً منها لا تذكر طواف النساء، وهي:

1 ـ  معتبرة إسحاق بن عبدالله، قال: سألت أبا الحسن ـ الكاظم ـ (ع) عن رجلٍ دخل مكّة مفرداً للحجّ، فخشي أن يفوته الموقف؟ فقال: له يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حجّ، فقلت: كيف يصنع بإحرامه؟ قال: يأتي مكّة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، فقلت له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: إن شاء أقام بمكّة، وإن شاء رجع إلى الناس بمنى، وليس منهم في شيء، وإن شاء رجع إلى أهله وعليه الحجّ من قابل([108]).

2 ـ صحيحة ضريس بن أعين، قال : سألت أبا جعفر(ع) عن رجل خرج متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ، فلم يبلغ مكّة إلا يوم النحر، فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حتى يدخل مكّة، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق رأسه، وينصرف إلى أهله إن شاء([109]).

3 ـ صحيحة معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله(ع): رجلٌ جاء حاجّاً ففاته الحجّ ولم يكن طاف؟ قال: يقيم مع الناس حراماً أيّام التشريق ولا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ وعليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم([110]).

4 ـ صحيحة حريز قال: سئل أبو عبدالله(ع) عن مفرد الحجّ فاته الموقفان جميعاً، فقال له: إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإن طلعت الشمس يوم النحر فليس له حجّ، ويجعلها عمرةً، وعليه الحجّ من قابل، قلت: كيف يصنع؟ قال: يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن شاء أقام بمكّة، وإن شاء أقام بمنى مع الناس، وإن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شيء([111]).

وربما يخطر في البال أنّ إطلاق الحكم في مثل هذه الموارد قد يقوّي جانب عدم الوجوب في طواف النساء، على أساس احتمال ما قد توحي به بعض الأخبار بأنّه من شؤون الحجّ، ولذلك اعتبر تشريعه منسجماً مع تشريع طواف الوداع([112])، فتأمّل.

لذا فإنّ المسألة لا تخلو من شوب الإشكال، ولكن مع ذلك يبقى الإتيان بطواف النساء في العمرة المفردة مورداً للاحتياط اللزومي.

المقام الثاني: في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتّع.

قال في (المدارك): «هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل قال في المنتهى: إنّه لا يعرف فيه خلافاً. والأخبار الصحيحة الواردة بذلك مستفيضة جداً. وحكى الشهيد في الدروس عن بعض الأصحاب قولاً بأنّ في المتمتع بها طواف النساء»([113])، وقد ذكر في (الحدائق) أنّ صاحب هذا القول مجهولٌ([114]).

ويدلّ عليه، مضافاً إلى صحيحتي محمّد بن عيسى، وصفوان بن يحيى المتقدّمتين([115])، قول الصادق(ع) في صحيحة معاوية بن عمّار: وأمّا المتمتّع
بالعمرة إلى الحجّ فعليه ثلاثة أطواف بالبيت، وسعيان بين الصفا والمروة. وكذلك قوله(ع) في الصحيحة نفسها: فعلى المتمتّع إذا قدم مكّة طواف بالبيت، وركعتان عند مقام إبراهيم، وسعي بين الصفا والمروة، ثم يقصّر وقد أحلّ، هذا للعمرة([116]).

ويمكن الاستدلال عليه أيضاً بالروايات العديدة الحاكية لكيفية حجّ النبي(ص) في حجّة الوداع، حيث أمر(ص) أصحابه بالإحلال بعد السعي، ولم يقيّده بما عدا الإحلال من النساء، وهو ما فهمه الأصحاب من كلامه(ص) أيضاً، كما يدلّ عليه اعتراض رجلٍ عليه بقوله: لنخرجنّ حجّاجاً وشعورنا تقطر؟! فأجابه النبي(ص): أمّا إنّك لن تؤمن بعدها أبداً([117]).

وقد استُدلّ في المقابل للقول بوجوبه فيها بما رواه سليمان بن حفص المروزي، عن الفقيه(ع)، قال: إذا حجّ الرجل، فدخل مكة متمتعاً، فطاف بالبيت فصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم(ع)، وسعى بين الصفا والمروة، وقصّر، فقد حلّ له كل شيء ما خلا النساء، لأنّ عليه لتحلّة النساء طوافاً وصلاةً([118]).

هكذا رواها في (التهذيب)([119])، ورواها في (الاستبصار)([120]) من دون قوله: "وقصّر"؛ فتكون واردةً حينئذٍ في الحجّ لا في العمرة، فلا تكون دليلاً للقول بوجوب طواف النساء في عمرة التمتّع. ويدور أمر هذه الكلمة زيادةً من نسّاخ (التهذيب)، كما احتمله السيد الخوئي(قده)([121])، وبين أن تكون قد سقطت في (الاستبصار)، اعتماداً على أصالة عدم الزيادة.

 

(2) أنّ عمرة التمتّع لا تقع إلاّ في أشهر الحجّ(1)، وهي: شوّال، وذو القعدة، وذو الحجّة(2).

...............................................................................................................................................................

ونتيجة ذلك، الإجمالُ في الرواية، فلا تصلح مستنداً لمعارضة الروايات الصحيحة الصريحة الدالة على عدم الوجوب.

أضف إلى ذلك أنّها ضعيفة سنداً؛ لمجهولية سليمان بن حفص المروزي، حيث لم يُذكر بتوثيق في كتب الرجال، ولعدم إمكان الوثوق بها بعد عدم عمل الأصحاب بها.

(1) وهذا الحكم إجماعي بينهم، قال في (السرائر): «الإجماع حاصل منعقدٌ، على أنّه لا ينعقد إحرام حجّ، ولا عمرة متمتّع بها إلى الحجّ، إلا في أشهر الحجّ»([122]).

ويدلّ عليه مضافاً إلى جملة من الروايات الآتية في المقام الثاني، صريح قول الصادق(ع) في ذيل صحيحة عمر بن يزيد: ليس يكون متعة إلاّ في أشهر الحجّ([123]).

(2) وقع الخلاف بين الأعلام في هذه المسألة، وكنّا قد تعرّضنا لذلك سابقاً بشكل مختصر([124])، وذكرنا أنّهم اختلفوا فيها على قولين، ولكن الأقوال في الحقيقة أكثر من ذلك، قد جمعها في (الحدائق) فقال:

«قد اختلف الأصحاب وغيرهم في أشهر الحجّ، فقال الشيخ في النهاية: هي شوال وذو القعدة وذو الحجّة. وبه قال ابن الجنيد. ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه، ونُقل عن المرتضى وسلاّر وابن أبي عقيل (رضوان الله عليهم) أنّها شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجّة. وعن الشيخ في الجمل وابن البراج: وتسعة من ذي الحجّة. وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط: إلى طلوع الفجر من يوم النحر. وقال ابن إدريس: إلى طلوع الشمس من يوم النحر»([125]).

والصحيح من هذه الأقوال هو الأول، إذ إنّ بعض أعمال الحجّ ـ كالذبح مثلاً ـ يمكن أن يؤتى بها إلى تمام ذي الحجّة، ويدلّ عليه:

وتصحّ العمرة المفردة في جميع الشهور(1)، وأفضلها شهر رجب(2).

...............................................................................................................................................................

1 ـ ما حكاه أبو الحسن(ع) في صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، قال: كان جعفر(ع) يقول: ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ([126]).

2 ـ تصريح الصادق(ع) في صحيحة معاوية بن عمّار([127]) وحسنته([128])، بأنّ أشهر الحجّ هي شوال وذو القعدة وذو الحجّة.

3 ـ خبر زرارة عن أبي جعفر(ع)، قال: )ﭑ  ﭒ   ﭓ(، شوّال وذو القعدة وذو الحجّة، ليس لأحدٍ أن يحجّ فيما سواهنّ([129]).

4 ـ ومثله ما رواه الصدوق(ره) في الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر(ع)([130]).

5 ـ قول الصادق(ع) في خبر سماعة بن مهران: لأنّ أشهر الحجّ، شوال وذو القعدة وذو الحجّة([131]).

وأمّا سائر الأقوال، فلكلٍّ منها وجه؛ فمن قال إنّها إلى العاشر من ذي الحجّة، نظر إلى أنّ فيه تنتهي أعمال الحجّ المهمّة من الذبح والحلق وأعمال منى؛ ومن قال إنّها إلى التاسع من ذي الحجّة، فإنّه لاحظ يوم عرفة، وهكذا. وبهذا يكون الخلاف لفظياً، كما أشار إليه العلاّمة في (المختلف)([132]).

(1) وتدلّ عليه الروايات القائلة: "في كلّ شهر عمرة"([133]).

(2) كما هو مفاد جملة من الروايات([134]). وأمّا ما دلّ على استحباب العمرة في شهر رمضان([135])، فيمكن حمله على الترتّب في الفضل.

 

...............................................................................................................................................................

 (1) والروايات واضحة فيه، كما في صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديث ـ قال: وليس في المتعة إلاّ التقصير([136]).

(2) ويدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: المعتمر عمرةً مفردةً إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصّر. وسألته عن العمرة المبتولة فيها الحلق؟ قال: نعم. وقال: إنّ رسول الله(ص) قال في العمرة المبتولة: اللّهمَّ اغفر للمحلّقين، قيل: يا رسول الله، وللمقصّرين، قال: اللّهم اغفر للمحلّقين، قيل: يا رسول الله، وللمقصّرين، فقال: وللمقصّرين([137]).

(3) كما هو مفاد صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (ع) قال: ليس على النساء حلقٌ، وعليهنّ التقصير([138]).

(4) يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في لزوم وقوع عمرة التمتّع والحجّ في سنة واحدة. وهو من الأمور المسلّمة بينهم، قال في (المستند): «بلا خلاف يُعلم كما في
الذخيرة، ومطلقاً كما في لمدارك والمفاتيح وشرحه، بل بالاتفاق كما عن التذكرة»([139]).

وعن الآغا ضياءالدين العراقي، أنّ الإجماع هو العمدة على هذه الشرطية([140]).

ولكن احتمل الشهيد الأول(ره) عدم الاشتراط في صورة خاصة، قال: «نعم، لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الإجزاء»([141]).

واستوجهه منه في (الرياض)([142])، وكاد يقول به جملة من الأعلام لولا الإجماع، كما في (كشف اللثام)([143])، و(جامع المدارك)([144]).

والسبب في هذا التشكيك، بحسب تعابيرهم، أنّ الأدلّة المقامة على الاشتراط ظاهرة الضعف، وغير واضحة الدلالة، ولا تخلو من قصور([145]).

والأدلّة محلّ النظر هي:

الدليل الأول: الروايات المتضافرة الدالة على دخول العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، مثل ما في صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق(ع)، من أنّ رسول الله(ص) شبك أصابعه بعضها إلى بعض، وقال: دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة([146]).

والظاهر من هذه الرواية وما بعدها عرفاً، أنّ العمرة والحجّ في حجّ التمتّع عملٌ واحد، بحيث إنّ كل واحد منهما جزءٌ من الفريضة.

وما في صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، لأنّ الله تعالى يقول: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ([147]).

الدليل الثاني: ما دلّ على ارتباط العمرة بالحجّ، كما في معتبرة معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبدالله(ع): من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إنّ المتمتع مرتبطٌ بالحجّ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء([148]).

والظاهر من هذه الرواية ومثيلاتها، أنّ الارتباط هو ارتباط عضوي، كما يرتبط جزءٌ بجزء آخر، حيث تدلّ على أنّه إذا جاء بالعمرة فلا بدّ من أن يأتي بالحجّ بعدها، وليس له أن يفصل بينهما بفاصل زمني.

الدليل الثالث: ما دلّ على أنّ المتمتع محتبسٌ، ولا يجوز له الخروج من مكّة حتى يقضي تمتّعه، كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر(ع): قال: قلت لأبي جعفر(ع): كيف أتمتع؟ فقال: يأتي الوقت فيلبي بالحجّ، فإذا أتى مكة طاف وسعى وأحلّ من كلّ شيء، وهو محتبس ليس له أن يخرج من مكة حتى يحجّ([149]). وذلك بأن يأتي بالحجّ بعدها من حيث كونهما عملاً واحداً ارتباطياً.

الدليل الرابع: إنّ المتبادر من أخبار التمتّع إيقاع نسكيه في عام واحد، ولا سيّما أخبار عدم جواز خروجه من مكّة حتى يقضي حجّه، وخصوصاً مع ملاحظة ندرة بقاء إحرام العمرة إلى السنة المستقبلة.

وهذا أمرٌ واضح من خلال تعابير النصوص التي تدلّ على وحدة الفريضة في الوقت نفسه، وليست في مقام بيان الارتباط، بمعنى أن يأتي بالحجّ بعد العمرة إلى آخر السنة، كما قد يناقش بعض الذين يعتمدون على الذوق العقلي، فيقولون إنّ الروايات تدل على الارتباط بمعنى ضرورة الإتيان بالحجّ بعد العمرة مطلقاً، ولو في زمان متأخّر حتى السنة القادمة في موقع أعمال الحجّ.

الدليل الخامس: إنّ العبادات توقيفية تتوقّف صحتها على دلالة، وهي مفقودة في المقام.

وقد ناقش جملةٌ من الأعلام في هذه الأدلة، منهم النراقي(ره)، الذي ذكر أنّ الأدلّة الثلاثة الأولى لا تدلّ على اعتبار كون كلٍ من عمرة وحجّ التمتّع في سنة واحدة أصلاً؛ وأنّ التبادر ممنوع؛ وأنّ التوقيف حاصلٌ بالإطلاق، فلا يكون دالاً على المنع.

وقد ذكرنا أنّ ما ناقش فيه لا يرجع إلى محصّل؛ لأنّ الدلالة على الارتباط الزمني واضحةٌ، بمعنى عدم الفاصل الزمني الطويل.

الدليل السادس: ما اختاره النراقي(قده) في المسألة، فقال: «الأدلة المذكورة وإن كانت قاصرةً عن إثبات المطلوب، إلا أنّه تدلّ عليه الأخبار المتكثرة المصرّحة بانتفاء المتعة أو ذهابها بزوال شمس يوم التروية أو عرفة أو غروبها أو ليلة عرفة، والآمرة بجعلها حينئذٍ حجّةً مفردةً ... ولو لم يعتبر في المتعة اتحاد سنة النسكين، لم يصحّ ذلك النفي والحكم بالذهاب والأمر بالعدول على الإطلاق، بل مطلقاً. والتقييد بمن أراد الحجّ في سنة العمرة، أو من لم يتمكن من البقاء إلى عام آخر، تقييد بلا دليل، مع أنّ في جواز التقييد بالإرادة من أصله نظر»([150]).

ولا دليل في ما ذكره؛ لأنّ انقلاب الحجّ إلى الإفراد ناشئ من عدم التمكّن من الإتيان بالعمرة التي لا بدّ من تقدّمها على الحجّ، لا من جهة اتّحاد سنة النسكين، فتدبّر.

وممّن ناقش في هذه الأدلة أيضاً، السيد الحكيم(قده)، فذهب في (دليل الناسك) إلى أنّ الأخبار المستدلّ بها في المسألة لا تخلو من قصور؛ لأنّها «إنّما تضمنت أنّ عمرة التمتّع مربوطة بالحجّ، أو داخلة فيه، أو موصولة به، أو أنّه ليس للمعتمر أن يخرج حتى يقضي الحجّ أو نحو ذلك، ممّا يرجع إلى جزئية العمرة من الحجّ، وهو غير لازم لما ذكر، ولا ملزوم».

وزاد(قده) أن ناقش في الدليل السادس الذي أورده النراقي(ره) فقال: «ومثله في الإشكال الاستدلال بما دلّ من النصوص على ذهاب المتعة بزوال الشمس يوم التروية، أو عرفة، أو غروبها؛ فإنّ الظاهر منها عدم إمكان حجّ التمتّع حينئذٍ»([151]).

وأوضحه في (المستمسك) فقال: «هي واردة في العدول عن عمرة التمتّع إلى الإفراد لضيق الوقت، لا في أنَّ من أتمَّ عمرته وضاق وقته عن إدراك الحجّ بطلت متعته». ولكنه عاد واختار القول بالشرطية، فقال: «لكن الإنصاف أنّها وإن وردت عليها المناقشات، لكن يستفاد من المجموع ـ ومن ظهور الإجماع ـ الحكم المذكور»([152]).

ولكن قد تبيّن لك أنّ الأساس ليس هو الإجماع، خصوصاً أنّه مدركي، وإنّما هو ما يستفاد من مجموع الروايات.

الدليل السابع: ما ذكره السيد الأستاذ(قده) من خلوّ الروايات البيانية لكيفية حجّ التمتّع من الافتراق بين العمرة والحجّ، ولو كان جائزاً لأشير إليه ولو في رواية واحدة، وذلك يكشف عن عدم جواز التفكيك بينهما([153]).

ويمكن المناقشة فيه بأنّ هذه الروايات واردة في مقام بيان سياق التمتّع وكيفيته فقط، وليست واردةً في مقام بيان ما يصحّ في هذا النسك وما لا يصحّ فيه، فلا يدلّ عدم التفريق فيها على عدم جوازه.

الدليل الثامن: ما ذكره السيد الأستاذ(قده) أيضاً من أنّ النصوص الدالة على وجوب الحجّ على أهل الجدة والثروة في كل عام مرةً واحدةً، يستفاد منها أنّ حجّ التمتّع من وظائف السنة الواحدة، ولو كان الافتراق بين العمرة والحجّ جائزاً، وجاز الإتيان بهما في سنتين، لكان ذلك منافياً لهذه الروايات، وحمل هذه الروايات على الاستحباب لا ينافي هذه الاستفادة منها([154]).

ولكنّ الملاحظ أنّه لولا ظهور الارتباط في وحدة العمل، لما كان هناك دليل على أنّ حجّ التمتّع من وظائف السنة الواحدة؛ لأنّه إذا جاء بالعمرة في موسم الحجّ وجاء بالحجّ في الموسم الثاني، فإنّ المجموع يكون في سنة واحدة، من حيث إكمال أحدهما للآخر.

 

أدنى الحلّ إذا كان قادماً من خارج مكّة، ولم يكن قد مرّ على ميقات، إذ إنّه حينئذٍ لا بدّ من أن يحرم منه، فإذا جاوزه من دون إحرام أحرم من أدنى الحلّ. ويستثنى من ذلك من أفسد عمرته المفردة بالجماع قبل السعي، فإنّه يجب عليه الإحرام للعمرة المعادة من أحد المواقيت، ولا يجزيه الإحرام من أدنى الحلّ على الأحوط، كما سيأتي في المسألة 211(2).

...............................................................................................................................................................

المقام الثاني: في عدم لزوم وقوع العمرة المفردة مع حجّ الإفراد أو القران في سنة واحدة. وهذا الحكم واضحٌ، ويدلّ عليه مضافاً إلى ما انتهينا إليه سابقاً من استقلال وجوبها عن وجوب الحجّ، الروايات المصرّحة بعدم دخول العمرة المفردة في الحجّ، مثل ما في صحيحة نجيّة عن أبي جعفر(ع): إنّما أُنزلت العمرة المفردة والمتعة لأنّ المتعة دخلت في الحجّ، ولم تدخل العمرة المفردة في الحجّ([155]).

(1) سيأتي تفصيل البحث في كلا هذين الفرعين في المسألتين (208) و(211)، فانتظر.

(2) ينبغي البحث في هذه المسألة في نقطتين: فنبحث أولاً في تحديد ميقات العمرة المفردة لمن هو داخل مكّة، وثانياً في تحديد ميقاتها لمن هو خارج مكّة، على أن يأتي تفصيل الكلام في باب المواقيت، فنقول:

النقطة الأولى: لا خلاف بينهم في كون أدنى الحلّ ميقاتاً للعمرة المفردة لمن هو داخل مكّة، ويدلّ عليه صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) قال: من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر، أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها([156]).

وهي بإطلاقها شاملة لكل من كان في مكّة، سواء كان من أهلها فكانت وظيفته حجّ الإفراد أو القران، أو لم يكن، فتشمل من أراد الإتيان بالعمرة المفردة بعد أداء حجّ التمتّع.

 وقد يُقال: إنّها تشمل أيضاً من أفسد عمرته المفردة بالجماع قبل السعي، حيث يجب عليه الاعتمار مجدداً في شهر جديد، وحينئذٍ يحرم من أدنى الحلّ، ولا يلزمه الذهاب إلى أحد المواقيت.

وقد يُجاب على ذلك بأنّ الظاهر عدم شمول الإطلاق لهذا المورد، لأنّ الرواية واردة في أصل مشروعية الإحرام من أدنى الحلّ، لمن يريد العمرة المفردة من ناحية أصل الموضوع.

ولكن إذا بنينا ـ كما هو قريب ـ أنّ أدنى الحلّ ميقاتٌ للعمرة المفردة مطلقاً، كما فعل رسول الله(ص)، فيجوز له الإحرام منه، ولكنّه خلاف الاحتياط.

النقطة الثانية: المعروف في ما بينهم، وعليه رأي سيدنا الأستاذ(قده)، أنّ من كان خارج مكّة وأراد أن يعتمر بالعمرة المفردة، فميقاته هو أحد المواقيت المعروفة للحجّ، لا أدنى الحلّ، إلا من كان منزله بعد الميقات في طريقه إلى مكّة، حيث يحرم حينئذٍ من منزله.

وقد خالف في ذلك الشيخ صاحب (الجواهر)، فذهب إلى أنّ أدنى الحلّ ميقاتٌ للعمرة المفردة للنائي أيضاً، كما يدلّ عليه قوله في مناسكه: «ولو كان النسك الذي ترك الإحرام له من الميقات عمرةً مفردةً، فالأقوى الإحرام لها من أدنى الحلّ، وإن أثم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات»([157]). وأوضح منه ما ذكره في (الجواهر): «العمرة المفردة التي أدنى الحلّ ميقات لها اختياري، وإن أثم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات»([158]). والشاهد هو أنّه لم يوجب عليه العودة إلى الميقات، كما أوجبه على الحاجّ.

وهو مختار الشيخ النائيني(ره) أيضاً في منسكه، حيث صرّح، ضمن تعداده الفروق بين عمرة التمتّع والعمرة المفردة، بأنّه يجوز الإحرام للعمرة المفردة اختياراً من أدنى الحلّ([159]).

وقد نُسب ذلك إلى صاحب (العروة) أيضاً، اعتماداّ على قوله: «العاشر: أدنى الحلّ وهو ميقات العمرة المفردة بعد حجّ القران أو الإفراد، بل لكلّ عمرة مفردة»([160]).

ولكن الظاهر عدم صحّة هذه النسبة إليه، لتصريحه بخلاف ذلك في المسألة (6) من مسائل المواقيت، حيث قال: «وميقات حجّ القران والإفراد أحد تلك المواقيت مطلقاً أيضاً ... وميقات عمرتهما أدنى الحلّ إذا كان في مكّة، ويجوز من أحد المواقيت أيضاً، وإذا لم يكن في مكّة فيتعيّن أحدها»([161])، أي أحد المواقيت المعروفة.

وقد انتصر السيد الأستاذ(قده) للرأي المعروف، فاختار عدم جواز إحرام النائي من أدنى الحلّ، وأصرّ على كون ميقات عمرته هو المواقيت المعروفة، فقال: «وأمّا الذي يريد الاعتمار من البعيد، فلا ريب أنّ ميقات عمرته سائر المواقيت المعروفة التي يمرّ عليها؛ لما في الصحيح: من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله(ص) لا تجاوزها إلا وأنت محرم([162]). وفي حديثٍ آخر: ولا ينبغي لحاجّ ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها([163])»([164]).

ولكننا نلاحظ في هذا المجال، أنّ هاتين الروايتين، وأمثالهما، واردتان في من يكون طريقه على ميقاتٍ من المواقيت، باعتبار أنّها كانت تقع على طرق الناس في ذلك الزمان؛ فمن يمرّ على ميقاتٍ وهو قاصدٌ الحجّ أو العمرة، لا يجوز له أن يجاوزه إلاّ وهو محرمٌ، أمّا من لا يمرّ على ميقات، فلا يصدق في حقّه تجاوز الميقات مع عدم الإحرام منه، ولا دليل على وجوب ذهابه إلى أحد المواقيت للإحرام منه.

وهكذا إنّما يصدق ما تضمَّنته الرواية الثانية من القبلية والبعدية، فيما إذا كان يمرّ على الميقات، أمّا من لا يمرّ عليه، فلا يُقال إنّه قد أحرم قبل أو قد أحرم بعد.

لذا فإنّ الدليل قاصر عن إفادة وجوب ذهاب من لا يمرّ على ميقاتٍ إلى أحد المواقيت للإحرام منه، وحينئذٍ نبقى نحن وإطلاقات لزوم الإحرام من جهة، والأدلة التي دلّت على عدم جواز دخول الحرم من دون إحرام من جهة أخرى، ومقتضى ذلك تخيّر المكلّف في الإحرام من أيّ مكان شاء إلى أن يصل إلى أدنى الحلّ، فلا يتجاوزه إلاّ وهو محرم([165]).

بل من غير البعيد أن يكون أدنى الحلّ من جملة المواقيت العامّة، كما لعلّه يستفاد من مضمون الحوار بين الإمام الصادق(ع) وسفيان الفقيه في صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج، وفيها أنّ الصادق(ع) قال مخاطباً ابن الحجّاج: إنّ سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ قلت له: هو وقت من مواقيت رسول الله(ص)، فقال: وأيّ وقت من مواقيت رسول الله(ص) هو؟ فقلت: أحرم منها حين قسّم غنائم حنين ومرجعه من الطائف ... فقال: ... ولكن أما علمت أنّ أصحاب رسول الله(ص) أحرموا من المسجد؟ فقلت: إنّ أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء، وإنّ هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنّهم من أهل مكة، وأهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة إلى بعض المواقيت، وأن يستغبّوا([166]) به أياماً، فقال لي وأنا أخبره أنّها وقت من مواقيت رسول الله(ص)...([167]).

وصحيحٌ أنّ مورد الرواية هو حكم إحرام المجاور بمكّة، بينما كلامنا هو في حكم النائي عنها، إلاّ أننا لا نريد الاستناد إلى موردها، وإنّما نستند إلى أجوبة الإمام(ع) فيها، من حيث كونها ظاهرةً في العموم، خصوصاً قوله: "فأحببت أن يخرجوا من مكّة إلى بعض المواقيت"، فإنّه ظاهر في التسوية بين أدنى الحلّ وسائر المواقيت، فتأمّل.

ثمَّ إنّ هذه الرواية وغيرها، ممّا يحكي عمرات النبي(ص)، قد وقعت محلاً للبحث بين العلماء من جهات شتّى، إحداها ما يفيدنا في المقام، من حيث عدم إحرامه(ص) للعمرة المفردة من المواقيت المعروفة، بل من أدنى الحلّ أو من غيره، مع وضوح كون اعتماره(ص) آنذاك بعد الهجرة، وخروجه عن كونه من أهل مكّة. ولتحقيق البحث في هذه الجهة، لا بدّ من استعراض هذه الروايات، وهي:

1 ـ حسنة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: اعتمر رسول الله(ص) ثلاث عمر مفترقات: عمرة في ذي القعدة، أهلَّ من عسفان، وهي عمرة الحديبية؛ وعمرة أهلَّ من الجحفة، وهي عمرة القضاء، وعمرة أهلَّ من الجعرانة بعد ما رجع من الطائف من غزوة حنين([168]).

2 ـ موثّق أبان، عن أبي عبدالله(ع) قال: اعتمر رسول الله(ص) عمرة الحديبية، وقضى الحديبية من قابل، ومن الجعرانة حين أقبل من الطائف، ثلاث عمر كلهنَّ في ذي القعدة([169]).

ولنحصر الكلام في فقه هاتين الروايتين والرواية السابقة، بإحرامه(ص) للعمرة من الجعرانة، مع أنّ ميقات أهل الطائف ومن يمرّ على طريقهم هو قرن المنازل، فنقول: إنّ عدم إحرامه(ص) من قرن المنازل، وإحرامه من أدنى الحلّ، دليلٌ على كون أدنى الحلّ ميقاتاً للعمرة المفردة حتى للنائي، مع عدم مروره على ميقات. كما أنّ النبي(ص) لم يخرج من مكّة بعد الفتح بقصد الاعتمار، بل خرج غازياً، ثمَّ دخل مكّة معتمراً.

مسألة [141]: لا يجوز للمكلّف دخول مكّة إلاّ محرماً، فمن أراد دخولها في غير أشهر الحجّ وجب عليه أن يحرم للعمرة المفردة(1)، ويستثنى من ذلك من يتكرّر منه الدخول والخروج لحاجة، كالحطّاب والحشّـاش ونحوهمـا، وليس لهـذا التكـرار حدّ معيّن، لأنّ المدار على

...............................................................................................................................................................

إذاً، فالصحيح أنّ أدنى الحلّ ميقاتٌ للعمرة المفردة مطلقاً، بل هو ميقاتٌ لكلّ من لم يمرّ على ميقاتٍ في طريقه إلى مكّة.

(1) من جملة الأسباب التي توجب الاعتمار دخول مكّة، بالإجماع، قال في الجواهر: «كل من دخل مكة وجب أن يكون محرماً، بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك ومحكي الخلاف الإجماع عليه»([170]). وهذا الوجوب شرطي لدخول مكة، وليس تكليفياً في نفسه.

وهو أمرٌ دلّت عليه الروايات المعتبرة، مثل:

1 ـ صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(ع): هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام ؟ قال : لا، إلا مريضاً أو من به بطن([171]).

2 ـ صحيحته الأخرى، قال: سألت أبا جعفر(ع): هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال: لا، إلا أن يكون مريضاً أو به بطن([172]).

3 ـ صحيحة عاصم بن حميد قال: قلت لأبي عبدالله(ع): يدخل الحرم أحدٌ إلاّ محرماً؟ قال: لا، إلاّ مريض أو مبطون([173]).

وحرمة دخول مكّة من دون إحرام أمرٌ مسلّم به بينهم، إنّما الكلام في ما لو أراد دخول الحرم فقط دون مكّة، فهل يجب أن يكون محرماً أيضاً، كما هو مفاد صحيحة محمّد بن مسلم الأخرى وصحيحة عاصم بن حميد، أو لا؟

وفي (الجواهـر) بعد ذكر الصحيحتين، أنّ «ظاهرهمـا عدم جواز دخول الحرم

 

ولكن يبدو أنّ كلمة "الحرم" هنا جاءت للدلالة على إرادة مكّة، لأنّ القدسية إنّما هي لمكّة وليست للحرم، كما هو مفاد العديد من الروايات، منها صحيحة معاوية بن عمار قال: قال رسول الله(ص) يوم فتح مكة: إنّ الله حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحلّ لأحدٍ قبلي، ولا تحلّ لأحد بعدي، ولم تحلّ لي إلاّ ساعة من نهار([174]).

وإلاّ فمنى والمشعر مثلاً ليس لهما تلك القدسية التي لمكّة، إلاّ بلحاظ بعض أحكام الحرم الخاصة، مثل حرمة الصيد مثلاً.

ومن الممكن أيضاً أن نستوحي من كلمة "أن يدخل" الدخولَ إلى مكّة، لأنّها توحي بأنّ هناك بلداً يُدخل إليه، ومن يقصد الدخول إلى الحرم فإنّه يقصد عادةً دخول مكّة.

إذاً، حتى لو كانت كلمة الحرم بحسب وضعها اللّغوي تشمل كل الحرم، إلاّ أنّ مناسبات الحكم والموضوع تدلّ على أنّ الأسئلة في الروايات منطلقة من أنّ ما في ذهن الناس إنّما هو مكّة، وتارةً يصرّحون بمكةّ، وأخرى يعبّرون عنها بالحرم، ولعلّ تنوّع التعبير في صحيحتي محمد بن مسلم يصلح شاهداً لذلك.

(1) دليل هذا الاستثناء صحيحة رفاعة بن موسى ـ في حديث ـ قال: وقال أبو عبدالله(ع): إنّ الحطّابة والمجتلبة أتوا النبي(ص) فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالاً([175]).

وفي بعض النسخ([176]) "المختلية" بدل "المجتلبـة"، وهم الذين يختلون الخلا، وهو ـ كما في نهاية ابن الأثير ـ: «النبات الرَّطب الرقيق ما دام رطباً، واختلاؤه قطعه، وأخلت الأرض: كثر خلاها، فإذا يبس فهو حشيش»([177]).

وهناك أثرٌ يترتّب على هذا الاختلاف؛ فإذا كان الوارد هو "المختلية"، فمن الواضح أنّ عمل هؤلاء كان يقتضي منهم الدخول والخروج يومياً تقريباً، لتأمين علف الحيوانات مثلاً، بخلاف ما لو كان الوارد هو "المجتلبة"، ـ والمجتلب هو كل من يتكرّر منه الدخول والخروج إلى البلد بهدف جلب الأشياء التي يُحتاج إليها فيه، من أنواع الطعام وغيرها ـ إذ إنّ عمل هؤلاء لا يقتضي الدخول يومياً، بل قد يكون أسبوعياً أو شهرياً أو حتى فصلياً، فتدبّر.

وقد خصّ جملة من الأصحاب الاستثناء بهذين الصنفين، عملاً بإطلاقات الإحرام في غير ما استثناه النصّ. ولكن لم يفهم آخرون خصوصيةً لهذين، وبرروا ذكرهما بالخصوص بأنّ هؤلاء هم من أتوا لأخذ الرُّخصة، لذا فقد تعدّوا إلى كلّ من يمارس مهنةً تتصل بحاجات البلد وتستدعي تكرر الدخول والخروج.

وقد توسّع آخرون، فاستثنوا كلّ صاحب حاجة حتى لو لم تكن متّصلةً بالبلد، مثل من يتكرر منه الدخول والخروج لزيارة مريض مثلاً، أو كان شأنه يفرض عليه ذلك للقيام بالواجبات الاجتماعية مثلاً([178]).

والإنصاف، أنّ غاية ما يمكن التعدّي إليه إنّما هو التكرّر بلحاظ المهنة؛ فإنّه المستفاد من الرواية، لا مطلقاً. ولا يلزم فيه التكرّر في الشهر نفسه، بل هو يرتبط بطبيعة المهنة، فقد تقتضي التكرّر يومياً، وقد تقتضيه شهرياً، أو أقلّ أو أكثر.

وقـد استـدلّ على هـذا الاستثنـاء أيضـاً بأدلّـة نفـي الحـرج، كمـا في (كشف

وكذلك يستثنى من خرج من مكّة إلى خارج الحرم، سواء كان خروجه مسبوقاً بإحرامٍ لدخولها، كمن دخلها بعمرة مفردة أو بحجّ وأتمّ أعمالهما، أو لم يكن مسبوقاً بإحرام كمن هو من أهلها، فإنّه يجوز له العود إليها من دون إحرام في شهر الخروج نفسه(1). ويأتي حكم الخارج من مكّة بعد عمرة التمتّع وقبل الحجّ في المسألة 154.

...............................................................................................................................................................

اللثام)([179]) و(الرياض)([180]) و(الجواهر)([181]) وغيرها. ومن الواضح أنّ بناء الاستثناء على الحرج يتوقّف على كون المدار في موارد الحرج هو الحرج النوعي لا الشخصي، ولا يبعد استفادة مدارية الحرج النوعي في المقام، باعتبار طبيعة المهمّة المستلزمة للتكرار التي تقتضي ذلك بعيداً عن خصوصية الأشخاص. وعليه، فلا مانع من الاستناد إلى هذه القاعدة للحكم بعموم الاستثناء.

(1) الخروج من مكّة، تارةً يكون بعد الانتهاء من أعمال الحجّ، تمتّعاً كان أو قراناً أو إفراداً، وأخرى يكون بعد الانتهاء من العمرة المفردة، وثالثةً بعد الانتهاء من أعمال عمرة التمتّع وقبل الحجّ، وسوف يأتي حكم الصورة الأخيرة في المسألة (154). وأمّا الصورتان الأوليان، فالذي يظهر من كلمات كثيرة أنّهما متّحدتان في الحكم في المقام، فإذا عاد المكلّف قبل مضيّ الشهر الذي أدّى فيه نسكه، فله أن يدخل من دون إحرام.

ولكن هناك من خالف في ذلك، كالفاضل الهندي(ره)، حيث فرّق بين كون النسك السابق حجّاً أو عمرةً، ووافق المشهور في الثاني دون الأول؛ قال: «ثم التي دلّت عليه الدلائل، جواز الدخول محلاً مع سبق الإحرام بعمرة قبل مضي شهر، فالصواب القصر عليه كما في الجامع، فلو كان سبق إحرامه بحجّ لم يدخل إلا محرماً بعمرة، وإن لم يمض شهر، ففي الأخبار: العمرة بعد الحجّ إذا أمكن الموسى من الرأس»([182]).

ووافقه في ذلك صاحب (الرياض) فقال: «واعلم أن المستفاد من العبارة وغيرها من الفتاوى عدم الفرق في الإحرام السابق، بين كونه لعمرة، أو حجّ، مع أنّ المستفاد من الأخبار إنّما هو الأول. ولذا قيل» ـ ونقل عبارة (كشف اللثام) بتمامها، ثم قال: ـ «وهو حسنٌ، ويعضده عموم أخبار النهي عن الدخول محلاً مع سلامته عن المعارض كما مرّ»([183]).

وردّهما في (الجواهر)([184]) نقضاً: بأنّه ينبغي حينئذٍ الاقتصار على إحرام عمرة التمتّع أيضاً، لأنّه الذي دلّت عليه حسنة حمّاد بن عيسى وموثّقة إسحاق بن عمّار([185])، فالدليل أخصّ من المدّعى.

وحلاً: بأنّ الدليل غير منحصر في هاتين الروايتين، بل هناك روايات أخرى تدلّ على عموم ما ذهب إليه المشهور، ففي مرسل حفص بن البختري وأبان بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبدالله(ع): في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم، قال: إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام([186]).

وفي صحيح جميل عنه(ع) أيضاً: في الرجل يخرج إلى جدّة في الحاجة قال: يدخل مكّة بغير إحرام([187]).

وفي مرسله الآخر عن أحدهما (عليهما السلام): في الرجل يخرج من الحرم إلى بعض حاجته ثم يرجع من يومه، قال: لا بأس بأن يدخل بغير إحرام([188]).

وفي خبر ميمون القدّاح قال: خرجنا مع أبي جعفر(ع) إلى أرض بطيبة ومعه عمر بن دينار وأناسٍ من أصحابه، فأقمنـا بطيبـة ما شـاء الله ـ إلى أن قال: ـ ثم دخل مكّة ودخلنا معه بغير إحرام([189]).

وفي موثّق ابن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبدالله(ع) أنّه خرج إلى الربذة([190]) يشيّع أبا جعفر ثم دخل مكة حلالاً([191]).

وما أجاب به(قده) في محلّه؛ فإنّ المفهوم عرفاً من هذه الروايات ـ بما فيها حسنة حمّاد وموثّقة إسحاق ـ بعد ضمّ بعضها إلى بعض، لورودها جميعاً في موقع واحد، وملاحظة مناسبات الحكم والموضوع فيها، أنّ المناط في جواز الدخول حلالاً إلى مكّة إنّما هو العودة في الشهر نفسه الذي خرج فيه، فلا خصوصية لكون الإحرام السابق عمرة تمتّع، كما لا خصوصية للخروج يوماً أو أكثر، ولا لقرب المكان الذي يُخرج إليه أو بُعدِه.

وحينئذٍ، يمكن الخروج بهذه الروايات عن عموم أخبار النَّهي عن الدخول محلاً التي استند إليها في (الرياض)، خصوصاً أنّ أخبار النهي كانت تتحدث عن المبدأ في أصل الدخول بغير إحرام، بينما تدلّ هذه الروايات على خصوصية المهمّة المتكرّرة التي يستوجب اشتراط الإحرام فيها الحرج.

وها هنا أمران ينبغي التنبيه عليهما:

الأوَّل: لا دلالة في هذه الروايات على ضرورة أن يكون الخروج مسبوقاً بإحرام، فأكثرها خالٍ من ذلك، وما تضمّن ذكر الإحرام ـ مثل حسنة حمّاد وموثّقة إسحاق ـ لا ظهور له في التقييد، فما استظهره في (الجواهر) في هذا المجال لا غبار عليه.

الثاني: أنّه لا دليل في هذه الروايات على مناطية العودة في الشهر الذي يؤدّى فيه النسك، بل المصرَّح به في بعضها اعتبار العودة في شهر الخروج، كما في مرسلة حفص وأبان السابقة، ومرسلة الصدوق عن الصادق(ع)([192]).

 

ولكن وقع الكلام بينهم في أنّ ذلك على نحو الوجوب، فيجب عليه الحجّ حينئذٍ، أو على نحو الاستحباب؟ ذهب ابن البرّاج(ره) إلى الوجوب، فقال: «ومن اعتمر عمرةً ـ غير متمتَّع بها إلى الحجّ ـ في شهور الحجّ ثم أقام بمكة إلى أن أدرك يوم التروية، كان عليه أن يحرم بالحجّ ويخرج إلى منى ويفعل ما يفعله الحاجّ»([193]).

وقد يستدلّ له بجملة من الروايات الظاهرة فيه، مثل صحيحة أخرى لعمر ابن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) قال: من اعتمر عمرةً مفردةً، فله أن يخرج إلى أهله متى شاء، إلاّ أن يدركه خروج الناس يوم التروية([194]).

ولكن لا بدّ من حملها على الاستحباب، حملاً للظاهر على النصّ الصريح بالجواز، النافي البأسَ عن رجوع المعتمر إلى بلاده في أشهر الحجّ، وهو حسنة إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبدالله(ع)، أنّه سئل عن رجل خرج في أشهر الحجّ معتمراً ثمّ خرج إلى بلاده؟ قال: لا بأس، وإن حجّ من عامه ذلك وأفرد الحجّ فليس عليه دم، وإنّ الحسين بن علي(ع) خرج يوم التروية إلى العراق وكان معتمراً([195]).

وللنصّ الآخر الصريح في نفي البأس عن الاعتمار في ذي الحجّة لمن لا يريد الحجّ، وهو معتبرة معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبدالله(ع): من أين افترق المتمتّع والمعتمر؟ فقال: إنّ المتمتّع مرتبط بالحجّ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، وقد اعتمر الحسين(ع) في ذي الحجّة ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجّة لمن لا يريد الحجّ([196]).

ويزداد هذا الاستحباب تأكّداً كلّما قرب وقت الحجّ، وعلى هذا تُحمل صحيحة عمر بن يزيد الثانية.

وقد يقال: إنّ الإمام الحسين(ع) كان مضطراً فلم يحجّ، فلا يصحّ جعل فعله مُستنَداً لترك الحجّ اختياراً.

ولكن بالتأمّل يظهر عدم تمامية هذا الإشكال؛ فالإمام(ع) قد نفى البأس في حسنة إبراهيم بن عمر اليماني في مورد ليس فيه اضطرار، ثم بعد ذلك حكى فعل جدّه الحسين(ع)، بما يظهر منه الاستدلال بأصل خروج الإمام الحسين(ع)، لا بخروجه في ظروف خاصة، إن ثبتت هذه الظروف من ناحية تاريخية. وهذا هو الظاهر أيضاً من معتبرة معاوية بن عمّار.

 

 

 

أقسام الحجّ

[ المبحث الثاني ]

[ أقســـام الحــــجّ ]

 

الثاني: أقسام الحجّ

مسألة [143]: أقسام الحجّ ثلاثة: تمتّع، وإفراد، وقران(1).

والأوّل فرض من كان البعد بين أهله ومكّة أكثر من اثني عشر ميلاً، (وهو ما يساوي واحداً وعشرين ألفاً وستمائة متراً). والآخران فرض أهل مكّة ومن يكون البعد بين أهله ومكّة أقلّ من اثني عشر ميلاً(2).

...............................................................................................................................................................

(1) هذا التقسيم من الأمور المتسالم عليها، وتدلّ عليه روايات كثيرة، منها حسنة معاوية بن عمّار، قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: الحجّ ثلاثة أصناف: حجّ مفرد، وقران، وتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وبها أمر رسول الله(ص)، والفضل فيها، ولا نأمر الناس إلاّ بها([197]).

(2) قال في (المستند): «حجّ التمتّع فرض من لم يكن من حاضري مكّة وكان نائياً عنها، بإجماعنا المحقّق، والمحكي في الانتصار والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة والمعتبر، وغيرها»([198]).

وفي (الجواهر): «بل لعلّه من ضروريات مذهبنا»([199]).

والأساس في تحديد الحضور مائزاً بين التمتّع وقسيميه هو القرآن الكريم، قال تعالى: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ([200])، أي أنّ التمتّع هو فرض من لم يكن من أهل المسجد الحرام، لا أنّه يشترط فيه أن لا يكون أهل بيته معه في الحجّ.

وفي معنى الحضور قال في (الصحاح): «الحاضر الحيّ العظيم، يُقال: حاضر طيء، ... وفلان حاضرٌ بموضع كذا أي مقيم به، ... والحضور نقيض الغيبة»([201]).

وعلى هذا، فالحضور في الآية إنّما يشمل في الأساس أهل مكّة، فهم المقيمون عند المسجد الحرام، غير الغائبين عنه، ويلحق بهم عرفاً من هم قريبون من مكّة بحيث يصدق عليهم الحضور عند المسجد.

ولكننا لا نجد للتحديد بأهل مكّة عند الفقهاء عيناً ولا أثراً، بل نجدهم قد أفتوا بأنّ الحدّ أوسع من ذلك بكثير، واختلفوا فيه على قولين، قال في (المستند): «حدّ البعد الموجب للتمتّع ثمانية وأربعون ميلاً من كل جانب، وفاقاً للمحكي عن عليِّ بن إبراهيم في تفسيره، والصدوقين، والشيخ في التهذيب والنهاية، والنافع، والمعتبر، والمختلف، والتذكرة، والمنتهى، والتحرير، والمسالك، والدروس، واللمعة، والروضة، والمدارك، والذخيرة، وغيرهم من المتأخرين، بل عند أكثر الأصحاب كما في الأخيرين، وفي شرح المفاتيح: أنّه المشهور، وفي المعتبر: أنّ القول الآخر شاذٌّ نادر([202])». ثم بعد أن ذكر الوجه فيه قال: «خلافاً للسرائر، والشرائع، والإرشاد، والمحكي عن الاقتصاد، والمبسوط، والتبيان، ومجمع البيان، وفقه القرآن، وروض الجنان، والجمل والعقود، والغنية، والكافي، والوسيلة، والجامع، والإصباح، والإشارة، والقواعد، فاثني عشر ميلاً»([203]). واختاره في (الجواهر) أيضاً([204]).

 

أقسام الحجّ

وحصر الأقوال بين علمائنا باثنين كأنّه مسألة مسلّمة بينهم، ولكن يمكننا أن نلمح قولاً ثالثاً في المسألة، وهو تخصيص الحضور بأهل مكّة، كما هو مدلول الآية، وهو ما يمكن أن يُستفاد من كلام المفيد(ره) في (المقنعة)، قال: «فأمّا التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فهو فرض الله تعالى على سائر من نأى عن المسجد الحرام، ومن لم يكن أهله من حاضريه، لا يسعهم مع الإمكان غيره، ولا يقبل منهم سواه، قال الله عزّ وجلّ: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}  ومن وجب عليه الحجّ من جميع أهل الأمصار سوى مكّة وحاضريها، فإنّ الفرض عليهم الإقران والإفراد»([205]).

والعجيب من الفاضل الآبي(ره) كيف نسب في (كشف الرموز)([206]) إلى المفيد(ره) في (المقنعة) القول بالثمانية والأربعين ميلاً، مع خلوّ كلامه أعلاه من أيّ تحديد أزيد من مكّة وحاضريها!

هذا عند فقهائنا، وكذلك اختلف فيه فقهاء العامّة؛ قال السرخسي: «واختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حاضري المسجد الحرام، فقال مالك رحمه الله تعالى: هم أهل مكّة خاصةً، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: هم أهل مكّة ومن يكون منزله من مكّة على مسيرة لا يجوز فيها قصر الصلاة، وقلنا: أهل المواقيت ومن دونها إلى مكّة من حاضري المسجد الحرام بمنزلة أهل مكّة، بدليل أنّه يجوز لهم دخول مكّة بغير إحرام فلا يكون لهم أن يتمتعوا»([207]).

وقال ابن قدامة: «وحاضري المسجد الحرام أهل الحرم ومن بينه وبين مكّة دون مسافة القصر، نصّ عليه أحمد، وروي ذلك عن عطاء، وبه قال الشافعي، وقال مالك: أهل مكّة، وقال مجاهد: أهل الحرم، وروي ذلك عن طاووس، وقال مكحول وأصحاب الرأي: من دون الميقات، لأنّه موضع شرع فيه النسك
 

فأشبه الحرم. ولنا: أنّ حاضر الشيء من دنا منه، ومن دون مسافة القصر قريب في حكم الحضار، بدليل أنّه إذا قصده لا يترخّص رخص السفر فيكون من حاضريه»([208]).

والمهمّ في المسألة مراجعة الروايات، وهي عندنا على أربع طوائف:

الطائفة الأولى: الروايات التي تحدّد المسافة بثمانية وأربعين ميلاً، وهي الدليل على القول الأوّل، وهي في الحقيقة رواية واحدة مروية بثلاثة طرق:

1 ـ صحيحة زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: قلت لأبي جعفر(ع): قول الله عزّ وجلّ في كتابه: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ؟ قال: يعني: أهل مكّة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلاً، ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة، فهو ممّن دخل في هذه الآية، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه([209]) المتعة([210]).

2 ـ روايته الأخرى عنه(ع)، قال: سألته عن قول الله: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ؟ قال: ذلك أهل مكّة، ليس لهم متعة، ولا عليهم عمرة، قال: قلت: فما حدّ ذلك؟ قال: ثمانية وأربعون ميلاً من جميع نواحي مكّة، دون عسفان، ودون ذات عرق([211]).

وهذه رواها الشيخ(قده) في (التهذيب)([212]) بإسناده عن علي بن السندي، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة.

وقد ذكر السيد الأستاذ(قده) أنّ هذا السند لا يخلو من الإشكال من ناحيتين([213]):

 

أقسام الحجّ

الأولى: من ناحية مجهولية طريق الشيخ إلى علي بن السندي، وإن روى عنه كثيراً في (التهذيب)([214]).

والثانية: من ناحية عدم توثيق علي بن السندي نفسه. وإن كان هناك كلامٌ حوله بين الرجاليين، وأنّه متّحد مع علي بن إسماعيل بن شعيب، وأنّ السندي هو لقب أبيه إسماعيل. وهذا ما لم يرتضه سيدنا الأستاذ(قده) في (معجم رجال الحديث)([215])، وذهب  إلى أنّه لا يمكن الجزم بالاتّحاد، وذكر في وجه ذلك عدّة قرائن تُراجع ثمّة.

وعلي بن إسماعيل هذا من أصحاب الإمام الرضا(ع)([216])، ومن أجلاء متكلّمي الطائفة([217]).

3 ـ ما رواه في (المستدرك) عن العياشي في تفسيره: عن حريز، عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر(ع) عن قول الله:  )ﰓ  ﰔ   ﰕ  ﰖ  ﰗ   ﰘ   ﰙ  (؟ قال: هو لأهل مكّة، ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة، قلت: فما حدّ ذلك؟ قال: ثمانية وأربعون ميلاً من نواحي مكّة، كلّ شيء دون عسفان ودون ذات عرق، فهو من حاضري المسجد الحرام([218]).

والرواية مرسلة كما لا يخفى([219]).

والظاهر ـ كما قلنا ـ اتّحاد هذه الروايات، وحكايتها عن واقعة واحدة؛ إذ من المستبعد جداً أن يسأل زرارة الإمام الباقر(ع) ثلاث مرّات عن مسألة واحدة، خصوصاً مع وحدة الراوي عن زرارة فيها، إذ هو حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة. وعلى هذا، فينبغي المعاملة مع هذه المتون على أساس أنّها متن واحد، فيوضح بعضها البعض الآخر.

وهي صريحة في التحديد بثمانية وأربعين ميلاً. ولكنّها لا تخلو من التشويش في ما يخصّ ذات عرق وعسفان، من حيث دوران أمرهما بين احتمالين؛ الأول: أن يكون ذكرهما تمثيلاً لمن هو حاضر المسجد الحرام، وحينئذٍ لا يجب على أهلهما المتعة. الثاني: أن يكونا تمثيلاً للحدّ، أي للثمانية والأربعين ميلاً، فيكونا خارجين عنه بالاتجاه المعاكس لمكّة، فيجب على أهلهما المتعة.

وقد يُقال إنّ الظاهر من الرواية ـ وخصوصاً بمتنيها الثاني والثالث ـ هو الثاني، ويُقوّى ذلك ببعض الكلمات الذاكرة للمسافة التي يبعدها هذان المكانان عن مكّة وأنّها مرحلتان مثلاً([220]).

ولكن في مقابل ذلك، قد يدّعى وجود مرجّح للاحتمال الأول، وهو تصريح الصادق(ع) في رواية أبي بصير الآتية([221]) بنفي المتعة عن أهل ذات عرق وعسفان، ما يعني خروجهما عن الحدّ إلى جهة مكّة.

ولكن تعود المشكلة من ناحية قوله(ع) في رواية زرارة الثانية: "دون عسفان ودون ذات عرق"، من حيث إنّ كلمة "دون" تدلّ على أنّ الحدّ واقع أسفل من هذين المكانين، فيكونان خارجين عن الحدّ بالاتّجاه المعاكس لمكّة.

وقد يُجاب عن ذلك بأنّ لهذه الكلمة عدّة معانٍ في اللغة، منها أنّها تأتي بمعنى "عند"، وبمعنى "قدّام"، على ما صرّح به في (مجمع البحرين)([222])، وكلا هذين المعنيين ينسجم مع كون هذين المكانين ضمن الحدّ إلى مكّة، كما لا يخفى.

ولكن الظاهر أنّ المراد من "دون عسفان ودون ذات عرق" بحسب الظهور العرفي لكلمة "دون"، هو وقوع الحدّ أسفل من هذين المكانين. لذا فإنّنا نستقرب أن يكون ذكر هذين المكانين تمثيلاً لعدم الحضور في المسجد الحرام، لا للحضور فيه.

 

أقسام الحجّ

وعلى كل حال، ليس للخلاف في دخول أو خروج ذات عرق أو عسفان أيّ تأثير سلبي في إفادة الرواية للتحديد بثمانية وأربعين ميلاً، خصوصاً أنّ المسافات بين المناطق تتغير بين زمن وآخر نتيجة اتّساع المناطق أو خرابها، كما هو الحال بالنسبة إلى ذات عرق، حيث لا وجود لها في زماننا، كما أنّها كانت تنتقل من مكانها سابقاً شيئاً فشيئاً، قال في (الحدائق): «وأما ذات عرق فقيل: إنها كانت قرية فخربت. ونقل العلاّمة عن سعيد بن جبير أنّه رأى رجلاً يريد أن يحرم بذات عرق، فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي فأتى به المقابر فقال: هذه ذات عرق الأولى»([223]).

الطائفة الثانية: الروايات التي تنفي المتعة عن أهل عدّة أماكن، وهي ثلاث روايات:

1 ـ صحيحة الفضلاء، عبيدالله الحلبي، وسليمان بن خالد، وأبي بصير، عن أبي عبدالله(ع) قال: ليس لأهل مكّة، ولا لأهل مرّ، ولا لأهل سرف، متعة، وذلك لقول الله عزّ وجلّ: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ([224]).

2 ـ خبر سعيد الأعرج، قال: قال أبو عبدالله(ع): ليس لأهل سرف، ولا لأهل مرّ، ولا لأهل مكّة، متعة، يقول الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ([225]).

3 ـ خبر أبي بصير عن أبي عبدالله(ع) قال: قلت: لأهل مكّة متعة؟ قال: لا، ولا لأهل بستان، ولا لأهل ذات عرق، ولا لأهل عسفان ونحوها([226]).

الطائفة الثالثة: الروايات المفسّرة للحضور بأنّه ما دون المواقيت إلى مكّة، وهي ثلاث روايات:

1 ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: في حاضري المسجد الحرام، قال: ما دون المواقيت إلى مكّة فهو حاضري المسجد الحرام، وليس لهم متعة([227]).

2 ـ صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبدالله(ع) في حاضري المسجد الحرام، قال: ما دون الأوقات إلى مكّة([228]).

3 ـ ما رواه العيّاشي في تفسيره عن حماد بن عيسى، عن أبي عبدالله(ع)، في حاضري المسجد الحرام قال: دون المواقيت إلى مكّة، فهم من حاضري المسجد الحرام([229]).

ولكن من الصعب الأخذ بروايات هذه الطائفة، وذلك لإجمالها في مسألة التعبير بما دون المواقيت، التي تشمل مسجد الشجرة والجحفة، ممّا لا يقول به أحد.

الطائفة الرابعة: حسنة حريز، عن أبي عبدالله(ع) في قول الله عزّ وجلّ: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قال: من كان منزله على ثمانية عشر ميلاً من بين يديها، وثمانية عشر ميلاً من خلفها، وثمانية عشر ميلاً عن يمينها، وثمانية عشر ميلاً عن يسارها، فلا متعة له مثل مرّ وأشباهه([230]).

وهي شاذّة تسالم الأصحاب على عدم العمل بها، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهلها.

وقد جمع صاحب (المدارك)، تبعاً لأستاذه المقدّس الأردبيلي(ره)، بينها وبين صحيحة زرارة، بالحمل على أنّ من بعُد ثمانية عشر ميلاً كان مخيّراً بين الإفراد والتمتّع، ومن بعُد بالثمانية والأربعين تعيّن عليه التمتّع([231]).

ولكنه كما ترى جمعٌ تبرّعي لا شاهد له.

وجه التحديد باثني عشر ميلاً:

يبقى القول الآخر، أي كون الحدّ اثني عشر ميلاً، وهو ما لم يرد في الروايات أبداً. ويبدو أنّه من تأسيسات الشيخ(ره)، ككثيرٍ من الأقوال غيره، حيث لم نجده في كلمات أحد قبله.

قال في (المبسوط): «فالتمتّع فرض من لم يكن من حاضري المسجد الحرام، وهو كلّ من بينه وبين المسجد أكثر من اثني عشر ميلاً من أربع جهاته»([232]).

وفي (السرائر) أنّ «حدّه من كان بينه وبين المسجد الحرام ثمانية وأربعين ميلاً من أربعة جوانب البيت، من كلّ جانب اثنا عشر ميلاً»([233]).

ويظهر منهما أنّ المستند في القول به هو توزيع الثمانية والأربعين ميلاً في رواية زرارة على الجهات الأربع.

وحينئذٍ يتّجه السؤال: ما هو الذي دعا الشيخ وابن إدريس والآخرين إلى القول باثني عشر ميلاً مع عدم وروده في النصوص، بل كيف ساغ لهم تأويل رواية زرارة كذلك؟

والجواب: الظاهر أنّ ترجيح هؤلاء الأعلام للتحديد باثني عشر ميلاً على القول الآخر، منطلقٌ ممّا تقدّم منّا مراراً، وخصوصاً في بحث فقه الحجّ القرآني، من أنّ القرآن هو الأساس في تحديد عناوين التشريع، فلا بدّ من أن يحكم دائماً عملية فهم الروايات، وتطبيق ذلك في المقام يوصل إلى لزوم تأويل رواية الثمانية والأربعين ميلاً بالتوزيع على الجهات الأربع، لأنّ هذه المسافة لا تنسجم مع العنوان القرآني ـ الحضور ـ من ناحية عرفية، فتُؤوّل الرواية بالتوزيع كذلك، لتكون المسافة اثني عشر ميلاً، إدخالاً لها تحت الضابطة القرآنية؛ فإنّ هذه المسافة ممّا يصدق معها الحضور عرفاً، بخلاف مسافة الثمانية والأربعين ميلاً. ولعلّهم استوحوا ذلك أيضاً من التوزيع الذي صرّح به الإمام(ع) في حسنة حريز.

ونحن نستقرب ما ذهب إليه هؤلاء الأعلام، تحكيماً للعنوان القرآني في المسألة بالشكل الذي بيّنّاه.

وقد يُقال إنّ توزيع الثمانية والأربعين ميلاً كذلك، لا يصحّ، لأنّ الإمام(ع) قد ذكر مثالاً للثمانية والأربعين ميلاً، وهو عسفان وذات عرق، وهما مكانان يبعدان عن مكّة هذه المسافة، وخصوصاً عسفان التي لا تزال قائمةً إلى الآن، ومعه، فكيف يمكن الحكم بالتوزيع؟

وفيه: أنّه قد تقدّم منّا استظهار أن يكون ذكر هذين المكانين في رواية زرارة مثالاً على عدم الحضور في المسجد الحرام، لا الحضور فيه، فتأمّل.

وهكذا، وللمبدأ نفسه، لا بدّ من طرح روايات الطائفة الثالثة، فإنّه ومع غضّ النظر عمّا تواجهه من إشكال ذكرناه في محلّه، فإنّنا نجد أنّها لا تنسجم أيضاً مع ظاهر القرآن، من حيث عدم صدق الحضور عرفاً على المسافة ممّا دون المواقيت إلى مكّة.

وأمّا روايات الطائفة الثانية، فإنّ ما يمكن الاعتماد عليه منها من ناحية سندية إنّما هي الرواية الأولى، المعروفة بصحيحة الفضلاء، وأمكنتها هي: مكّة، مرّ، سرف؛ ولم يثبت وقوع "مرّ" و "سرف" في مسافة أزيد من اثني عشر ميلاً من مكّة([234])، لكي تكون منافية للتحديد باثني عشر ميلاً.

بقي هنا شيء، وهو أنّ مبدأ حساب الحدّ، هل هو آخر مكّة، أو خصوص المسجد الحرام؟

ذهب سيدنا الأستاذ(قده) إلى الثاني، ببيان أنّ الظاهر من صحيحة زرارة المفسِّرة للآية الشريفة المشتملة على ذكر المسجد الحرام، كون العبرة في التحديد بالمسجد الحرام، وأنّه هو المبدأ والمنتهى، لا بلدة مكّة([235]).

ولكنّنا نستقرب الأوّل؛ لأنّه لا يبعد كثرة إطلاق المسجد الحرام وإرادة مكّة في القرآن، وقد تقدّم البحث في ذلك مفصّلاً في فقه آيات الحجّ([236]).
...............................................................................................................................................................

(1) وذلك من جهة التحديد في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}  ([237])، والروايات المعتمدة عليه، فإنّها جميعاً مفصّلة لأنواع الحجّ، والتفصيل يقتضي عدم الشركة.

(2) في المسألة (155).

(3) أخذاً بالإطلاقات، مع اختصاص المقيّدات السابقة بالحجّ الواجب.

(4) للروايات الكثيرة الدالة على ذلك، منها:

1 ـ صحيحة موسى بن القاسم البجلي ـ في حديث ـ قال: قلت لأبي جعفر(ع): ربما حججت عن أبيك، وربما حججت عن أبي، وربما حججت عن الرجل من إخواني، وربما حججت عن نفسي، فكيف أصنع؟ فقال: تمتّع، فقلت: إنّي مقيم بمكّة منذ عشر سنين؟ فقال: تمتّع([238]).

2 ـ صحيحة عبدالله بن سنان، قال: قلت لأبي عبدالله(ع): إنّي قرنت العام وسقت الهدي، فقال: ولمَ فعلت ذلك؟ التمتّع والله أفضل، لا تعودنّ([239]).

(5) هنـاك احتمالان في الحجّ الواجب بالإفساد؛ الأول: أن يكون هو موضع

مسألة [145]: إذا أقام البعيد في مكّة انتقل فرضه إلى حجّ الإفراد أو القِران بعد الدخول في السنة الثالثة، وأمّا قبل ذلك، فيجب عليه حجّ التمتّع، إلاّ أن يصدق عليه قبل ذلك ـ بحسب طبيعة المدّة التي قضاها، وبحسب ترتيب آثار الاستيطان فيها مع أهله وإعراضه عن وطنه، وغير ذلك من عوامل ـ أنّه من أهل مكّة، فينتقل فرضه حينئذٍ أيضاً. ولا فرق في ذلك بين أن تكون استطاعته ووجوب الحجّ عليه قبل إقامته في مكّة أو في أثنائها، كما لا فرق فيه بين أن تكون إقامته بقصد التوطّن وعدمه، وكذلك الحال فيمن أقام في غير مكّة من الأماكن التي يكون البعد بينها وبين مكّة أقلّ من اثني عشر ميلاً(1).

...............................................................................................................................................................

التكليف الأساسي بعد إفساد الحجّ الأول، ومن الواضح حينئذٍ أنّ ما يجب عليه الإتيان به إنّما هو الوظيفة الأولى التي انشغلت بها الذمّة.

الثاني: ـ وهو ما أكّدته الروايات([240])ـ أن يكون ما أفسده هو الحجّ المبرئ لذمّته، والثاني إنّما هو عقوبة، وهذا أيضاً لا بدّ فيه من الإتيان بالوظيفة الأولى؛ لأنّ الظاهر من قوله(ع): "وعليه الحجّ من قابل"، أنّ تكليفه هو الإتيان بالحجّ الذي كان هو تكليفه فأفسده، ما يوحي بالتَّماثل، لأنّه بحسب العرف ليس واجباً جديداً مستقلاً، بل هو تابعٌ لما بدأ به حجّه عرفاً من حيث طبيعته النوعية من جهة كونه نائياً أو قريباً.

(1) انتهينا في ما سبق إلى أنّ الحجّ الواجب ينقسم بلحاظ مكان المكلّف إلى تمتّع وإفراد وقران، وأنّ التمتّع هو وظيفة النائي، والآخران هما وظيفة المقيم في مكّة وحواليها إلى دائرة اثني عشر ميلاً.

وينفتح البحث هنا في أنّه قد ينتقل من هو خارج هذه الدائرة للإقامة في داخلها، فهل يبقى مكلّفاً بالتمتّع، أو يصبح مكلّفاً بقسيميه؟ وقد أجابت الروايات عن ذلك، فاتّفقت ـ رغم اختلاف ألسنتها ـ على تغيّر الوظيفة حينئذٍ، ولكن هذا الاختلاف أدّى إلى وجود عدّة أقوال لدى الفقهاء في تحديد المدّة التي يجب أن تمضي على هذا المكلّف لكي تنتقل وظيفته، وهي:

 

أقسام الحجّ

القول الأول: أنّها مضيُّ سنتين. وهو المشهور، ونقله في (المختلف) عن الشيخ في كتابي الأخبار، وقوّاه([241]). وفي (الجواهر) أنّه قد «صرّح به جماعة، بل نسبه غير واحد إلى المشهور، بل ربما عزي إلى علمائنا عدا الشيخ»([242]).

القول الثاني: أنّه مضيُّ سنة. وقد يظهر من (الدروس) الميل إليه([243])، واختاره في (كشف اللثام) ([244])، وفي (الجواهر)([245]).

القول الثالث: أنّه مضيُّ ثلاث سنين، والدخول في الرابعة. قال في (المختلف): «قال في النهاية والمبسوط: إن أقام سنةً أو سنتين جاز له أن يتمتّع، فإن جاوز ثلاث سنين لم يكن له ذلك، وبه قال ابن الجنيد، وابن إدريس»([246])، ونسب في (الحدائق) القول به إلى العلاّمة في (الإرشاد)([247]).

ولكن هناك تشكيك في صحّة هذه النسبة إلى من ذُكر، فقد نسب في (الدروس) إلى الشيخ(ره) القول بانتقال الفرض في السنة الثالثة([248]). فلو كان الشرط هو مضيُّ ثلاث سنين، لكان الفرض ينتقل في الرابعة.

وفي (الجواهر) أنّه «لا ريب في ظهورها في ما ذكره الشهيد(ره)، على أن يكون المراد بالمجاورة بها ثلاث سنين الدخول في الثالثة، بقرينة قوله أولاً: سنة أو سنتين، وإلا لقال: أو ثلاث»([249]).

واستُدلّ على ذلك أيضاً بعبارة المحقّق في (الشرائع)، قال: «ولو أقام من فرضه التمتّع بمكّة سنةً أو سنتين لم ينتقل فرضه... فإن دخل في الثالثة مقيماً، ثم حجّ، انتقل فرضه إلى القران أو الأفراد»([250]).

وقيل: إنّ الظاهر أنّه لا قائل أساساً بهذا القول، ونسبته إلى من ذُكر اشتباه من العلاّمة(ره) في فهم كلمات هؤلاء الأعلام، حيث عبّر(ره) في ما نقله عن الشيخ بصيغة "جاوز ثلاث سنين"، مع أنّ الموجود في كلمات الشيخ والآخرين هو "جاور بها ثلاث سنين"، والمجاورة ثلاث سنين تتحقق بإتمام السنتين والدخول في الثالثة.

فقد قال في (المبسوط): «ومن جاور بمكّة سنةً واحدةً أو سنتين جاز له أن يتمتّع، فيخرج إلى الميقات ويحرم بالحجّ متمتعاً، فإن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له ذلك»([251]).

وقال في (النهاية): «ومن جاور بمكّة سنةً واحدةً أو سنتين، جاز له أن يتمتّع، فيخرج إلى الميقات ويحرم بالحجّ متمتعاً، فإن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتّع، وكان حكمه حكم أهل مكّة وحاضريها»([252]).

وقد أورد ابن إدريس(ره) في (السرائر) عبارة الشيخ نفسها، قال: «من جاور بمكّة سنةً واحدةً، أو سنتين، كان فرضه التمتّع ... فإن جاور بها ثلاث سنين، لم يجز له التمتّع، وكان حكمه حكم أهل مكّة وحاضريها، على ما جاءت به الأخبار المتواترة»([253]).

وأمّا عبارة (الإرشاد) التي فهم منها صاحب (الحدائق) اختيار العلاّمة لهذا القول، وهي: «وينتقل فرض المقيم ثلاث سنين إلى المكي، ودونها يتمتّع»([254]). فقد ادُّعي أنّها غير صريحة في اختياره له، ويمكن حملها على إرادة إتمام الثانية والدخول في الثالثة، أي القول المشهور، واستُدلّ على ذلك بالتوضيح الذي
ذكره ولده فخر المحققين(ره) في (الإيضاح)، قال: «والأولى أن يقال: الإقامة على أنحاء ثلاثة: 1ـ إقامة نوع الحجّ، وهي تحصل بثلاث سنين، أي يصير في الثالثة مقيماً»([255])، فإنّه واضح في ما ذكر، والفخر هو الأعرف بمراد والده.

ونحن مع توقّفنا أمام هذه التدقيقات، إلاّ أنّنا نرى أنّ حمل المجاورة ثلاث سنين في كلام هؤلاء الأعلام على إتمام السنتين والدخول في الثالثة، غير ظاهر من طبيعة اللفظ بحسب الفهم العرفي؛ فإنّ المتبادر عند العرف هو فعلية المجاورة في هذه المدّة، ولذلك يصدق عليه القول إنّه أقام سنتين ويوماً أو شهراً، ويصحّ السلب عن مجاورته ثلاث سنين، وبذلك تكون كلمتا "جاوز" و"جاور" بمعنى واحد عرفاً. ويؤيّد ذلك أنّه لو كان الأمر كما ذكر، لكان من الممكن القول فيمن دخل في السنة أو في السنتين، حتى لو لم يكملهما، إنّه جاور سنةً أو سنتين بمكّة ـ كما في (المبسوط) ـ بحيث إنّه لو جاور شهراً لصدق إنّه جاور سنةً. ولا مشكلة في القول إنّه أكمل الثلاث سنين ودخل في الرابعة، بحيث لا يكون الدخول فيها دخيلاً في الحكم، بل إكمال الثلاث.

وإن كان قد يُتوقف في ذلك من ناحية أنّه لا دليل روائي على هذا القول، وإنّما حاولوا الاستدلال له بمثل الاستصحاب وغيره، فمن البعيد جداً أن يصير إليه الشيخ(ره) ويترك الأخبار الكثيرة الواردة في سابقيه، والتي قد رواها هو نفسه في كتابي الأخبار. أضف إلى ذلك، أنّ ابن إدريس صرّح في ذيل عبارته السالفة، أنّه قد جاءت على هذا القول الأخبار المتواترة، ما يدلّ على أنّه كان يقصد القول الأول، أي إتمام سنتين والدخول في الثالثة، لا القول الثالث المزعوم، فتدبّر.

إذاً، فتنحصر الأقوال ـ عملياً ـ في اثنين، ودليل كلٍّ منهما طائفة من الروايات، يُضاف إليهما طائفة ثالثة في أنّ المدّة المشترطة هي خمسة أشهر أو ستة، لا بدّ من استعراضها تباعاً، للوصول إلى الحقّ في المسألة، فنقول:

الطائفة الأولى: وفيها صحيحتان تدلان على القول المشهور، هما:

1 ـ صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(ع) قال: من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة، لا متعة له، فقلت لأبي جعفر(ع): أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكّة؟ قال: فلينظر أيّهما الغالب عليه فهو من أهله([256]).

2 ـ صحيحة عمر بن يزيد قال: قال أبو عبدالله(ع): المجاور بمكّة يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين، فإذا جاوز سنتين كان قاطناً، وليس له أن يتمتّع([257]).

وقد نبّه محقّق(التهذيب) على أنّ كلمة "جاوز" قد وردت بالمهملة أيضاً، أي: جاور، كما في (الوافي) وكثير من المخطوطات([258]).

الطائفة الثانية: وفيها عدّة روايات تدلّ على القول الثاني، هي:

1 ـ صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع)، لأهل مكّة أن يتمتّعوا؟ فقال: لا، ليس لأهل مكّة أن يتمتّعوا، قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنةً أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة، فإذا أقاموا شهراً فإنّ لهم أن يتمتعوا،  الحديث([259]).

2 ـ عن حمّاد قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن أهل مكّة، أيتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا أقام بها سنةً أو سنتين صنعَ صنع أهل مكّة، قلت: فإن مكث الشهر؟ قال: يتمتّع، الحديث([260]).

3 ـ معتبرة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(ع) قال: المجاور بمكّة سنةً يعمل عمل أهل مكّة ـ يعني: يفرد الحجّ مع أهل مكّة ـ  وما كان دون السنة فله أن يتمتّع([261]).

4 ـ مرسل حريز، عمّن أخبره، عن أبي جعفر(ع) قال: من دخل مكّة بحجة عن غيره، ثم أقام سنةً فهو مكّي، فإذا أراد أن يحجّ عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعدما انصرف من عرفة فليس له أن يحرم من مكّة، ولكن يخرج إلى الوقت، وكلَّما حوّل رجع إلى الوقت([262]).

5 ـ ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: من أقام بمكّة سنةً فهو بمنزلة أهل مكّة([263]).

الطائفة الثالثة: وفيها روايتان تدلان على كفاية الإقامة أقلّ من سنة، هما:

1 ـ صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(ع): في المجاور بمكّة يخرج إلى أهله ثم يرجع إلى مكّة بأيِّ شيء يدخل؟ فقال: إن كان مقامه بمكّة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتّع، وإن كان أقلّ من ستة أشهر فله أن يتمتّع([264]).

2 ـ مرسلة الحسين بن عثمان وغيره، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله(ع) قال: من أقام بمكّة خمسة أشهر فليس له أن يتمتّع([265]).

وقد نبّه السيد الأستاذ(قده) على أنّ ما يصلح منها للمعارضة إنّما هو رواية الستة أشهر، لضعف الرواية الأخرى بالإرسال. ولم يعمل أحدٌ من الأصحاب بروايات هذه الطائفة، فيُرَدُّ علمها إلى أهلها، ومع ذلك، فقد احتمل في (الجواهر) حملها على التقيّة « بناءً على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام بالاستيطان ستة أشهر، أو الدخول في الشهر السادس، أو على اعتبار مضيّ ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطّن، وفي([266]) (كشف اللثام)، أو على إرادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى قيام الستة أشهر أو أقلّ أو أكثر، أو غير ذلك»([267]).

وفي (المستمسك) أنّه «لم يظهر أنّ ذلك مذهب المخالفين ليصحّ الحمل على التقيّة، اللهمَّ إلاّ أن يُقال: يكفي في الصدور للتقية إيقاع الخلاف بين الإمامية، كما ذكره في (الحدائق) في هذا المقام»([268]). وذكر مثله بعض المعاصرين أيضاً([269]).

ولكن من غير المعلوم وصول الحال في زمان الإمام الصادق(ع)، وخصوصاً في مثل هذه القضيّة، إلى حدٍّ بحيث يُحتاج إلى إلقاء الاختلاف بين الشيعة.

واحتمل في (المدارك) الجمع بينها وبين سائر الروايات بتخيير المكلّف بين الإفراد والتمتّع بدءاً من ستة أشهر([270]). ووجهه غير ظاهر، فيكون تبرّعياً.

وعلى هذا، فينحصر التعارض بين الطائفتين الأوليين، وقد جمع بينهما في (كشف اللثام)([271]) و(الجواهر)([272]) بحمل روايات الطائفة الأولى على الدخول في السنة الثانية، لا إتمامها.

وردّه السيد الأستاذ(قده) بأنّه وإن احتُمل في صحيحة زرارة، وإن كان بعيداً، إلاّ أنّه لا يُحتمل في صحيحة عمر بن يزيد، للتصريح فيها بالتجاوز عن سنتين.

وحينئذٍ يستحكم التعارض، فإذا قيل ـ كما هو المختار ـ إنّ إعراض المشهور يخلّ بصحّة الرواية، لأنّه يفقدها عنصر الوثوق الذي به قوام اعتبارها، فلا بدّ حينئذٍ من تقديم روايات السنتين.

ولكن من غير المعلوم كون السبب في إعراضهم هو اطّلاعهم على خللٍ ما في السند، بل ربما كان إعراضهم ناشئاً من عوامل اجتهادية أدّت بهم إلى ترجيح روايات السنتين على روايات السنة، وهذا الإعراض لا يؤدّي إلى عدم الوثوق. وحينئذٍ تبقى الروايات متكافئةً من حيث السند، ولم نصل إلى وجه جمعٍ بينها، فلا مناص من التساقط.

ونحن نرى ـ انطلاقاً من كون العنوان القرآني هو الأساس ـ أنّه لا بدّ من الأخذ بالآية في المقام، وهي قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، من حيث دراسة حالة الشخص في طبيعة المدّة التي قضاها في مكّة، بحيث يصدق عليه أنّه من أهل مكّة، أو من غير أهلها، عندما ندرس حالته في ترتيب آثار الاستيطان فيها مع أهله، وإعراضه عن وطنه، تماماً كما هو الحال عندما يستبدل الإنسان ببلده بلداً آخر ويستوطنه ويرتّب عليه الآثار، ولا سيّما إذا أعرض عن وطنه الأصلي، وربما كان الاختلاف في الروايات وارداً على أساس النظر إلى الجانب المصداقي في أوضاع الأشخاص، في مدّة الإقامة أو في التوطّن، والله العالم.

ولكن مع ذلك، ها هنا قدرٌ متيّقنٌ حدّدته الروايات، وهو الإقامة سنتين والدخول في الثالثة، فيؤخذ به، وفي ما دونه تُدرس حالة الشخص من حيث صدق كونه من أهل مكّة عليه وعدمه.

بقي هنا أمور:

الأمر الأوّل: إذا أقام النائي في مكّة هذه الفترة، فتارةً يكون قد استطاع قبلها، وأخرى يستطيع بعدها، ولم يختلفوا في حكم من يستطيع بعد الإقامة، ولكن وقع الكلام بينهم في تكليف من يكون قد استطاع قبل ذلك فلم يحجّ، والمشهور فيه بقاء فرضه على ما كان عليه، وفي (الجواهر) أنّه: «بلا خلاف أجده فيه نصاً وفتوى، بل لعلّه إجماعي، بل قيل إنه كذلك، للأصل وغيره، فما في المدارك من التأمّل فيه في غير محلّه»([273]).

وفي (المدارك) أنّ «في استفادة ذلك من الأخبار نظر»([274])، وفي (الحدائق): «وهو جيد، فإنّ المفهوم من الأخبار المتقدمة هو انتقال حكمه من التمتع إلى قسيميه بعد السنتين مطلقاً، تجددت الاستطاعة أو كانت سابقةً» ([275]). وفي (كفاية الأحكام) أنّ في إثبات بقاء الفرض إشكال([276]).

 

مسألة [146]: إذا أقام في مكّة وأراد أن يحجّ حجّ التمتع قبل انقلاب فرضه إلى حجّ الإفراد أو القِران، يجوز له أن يحرم لعمرة التمتّـع من أدنى الحـلّ، والأحـوط أن يخـرج إلى أحد المواقيت فيحـرم
 

 

...............................................................................................................................................................

وقد ادّعى جملة من الأعلام، منهم السيد الأستاذ(قده)، انصراف الروايات عن ذلك، وأنّ موردها إنّما هو من استطاع الحجّ بعد إقامته في مكّة، فلا تشمل من استطاع قبل ذلك ولم يحجّ، بل يبقى تحت إطلاق ما دلّ على وجوب التمتّع عليه.

ولكن ربما يُقال إنّ الانصراف لا أساس له، فلم يذكر في الرواية مسألة سبق الاستطاعة أو لحوقها، والأدلّة الدالة على أنّ حكمه حكم أهل مكّة مطلقة لا تقييد لها، إلاّ أن يُدّعى الاستصحاب الذي هو محكومٌ بالدليل.

الأمر الثاني: فرّق المتأخّرون من الفقهاء في المقام بين الإقامة في مكّة بقصد المجاورة لمدّة، والإقامة فيها بقصد التوطّن الدائم، فذكروا أنّ مضيَّ السنتين هو شرطٌ في المجاور فقط، وأمّا المستوطن فينتقل فرضه إلى الإفراد بمجرد أن يصدق عليه أنّه من أهل مكّة.

ولكننا لا نرى أنّ هناك فرقاً بين العنوانين؛ فإنّ المجاور عرفاً ليس هو من يسكن في المكان السنة أو السنتين، بل هو من يقيم في المكان، وعلى هذا، فلا مجال للتفرقة بينهما في الحكم([277]).

الأمر الثالث: أنّ الروايات جميعاً وإن ذكرت خصوص مكّة، إلاّ أنّه لا خصوصية للإقامة فيها في انقلاب الفرض، فيلحق بها في ذلك الإقامة في جوارها في ما دون الحدّ الذي يجب معه التمتّع، وهو اثنا عشر ميلاً.

منه، بل الأحوط أن يخرج إلى ميقات أهل بلده. والظاهر أنّ هذا حكم كلّ من كان في مكّة وأراد الإتيان بحجّ التمتّع ولو مستحبّاً(1).

...............................................................................................................................................................

(1) في المسألة ثلاثة أقوال، قال في (المستند): «واختلفوا في ميقاته، فقال في المقنعة، والكافي، والخلاف، والجامع، والمعتبر، والنافع، والمنتهى، والتحرير، والتذكرة، وموضع من النهاية: إنّه يحرم من ميقات أهله، أي الميقات الذي كان يمرّ إليه إذا جاء من بلده ... وقال جماعة ـ منهم: المقنع، والمبسوط، وظاهر الشرائع، والإرشاد، والقواعد، والنهاية، والدروس، والمسالك، والروضة كما حكي ـ: بأنّه يحرم من أيّ ميقات كان ... وعن الحلبي أنّه يحرم من أدنى الحلّ، ومال إليه في المدارك»([278]).

ونقل في (العروة) عن (الحدائق) نسبة القول الأول إلى المشهور([279])، وجعله الأحوط، ولكنّه قوّى هو الثاني([280]).

ويعود الاختلاف بينهم في ذلك إلى اختلاف الروايات، وما يدلّ منها على لزوم الإحرام من ميقات أهله رواية واحدة، وهي ما رواه سماعة في الموثّق، عن أبي الحسن(ع) قال: سألته عن المجاور، أله أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال: نعم، يخرج إلى مُهَلِّ أرضه فيلبي، إن شاء([281]).

وقد نوقش في سند هذه الرواية، كما نوقش في دلالتها، فأمّا المناقشة السندية، فهي من ناحية معلّى بن محمّد، الذي قال فيه النجاشي: «مضطرب الحديث والمذهب وكتبه قريبة»([282])، بدعوى أنّ ذلك يوحي بضعفه وعدم الاعتماد عليه.

وقد وثّقه السيد الأستاذ(قده) اعتماداً على كونه من رجال (كامل الزيارات)، ثم أجاب عن المناقشة، بأنّ عبارة النجاشي لا تدلّ على ضعفه؛ لأنّ الاضطراب في الحديث معناه أنّه يروي الغرائب، وأمّا الاضطراب في المذهب، فغير ضائر إذا كان الشخص ثقةً في نفسه([283]).

ولكننا نرى أنّ الاضطراب في المذهب يوحي بعدم الاستقرار في الالتزام به، الأمر الذي يُفقده الوثوق عند العقلاء، لأنّه يرجع إلى فقدان التوازن في حديثه.

وأمّا المناقشة في الدلالة، فترتكز على استظهار كون قوله: "إن شاء" قيداً للخروج إلى مُهَلِّ أرضه ـ وهو مكان إهلال أهل بلده ـ لا قيداً للتمتّع، فتكون الرواية حينئذٍ ظاهرةً في عدم وجوب الخروج، أو لا أقلّ هي مجملة من هذه الناحية، فكيف يستدلّ بها على الوجوب!

وقد استدلّ على القول الثاني بما رواه سماعة بن مهران([284])، عن أبي عبدالله(ع)، قال: من حجّ معتمراً في شوال، ومن نيّته أن يعتمر ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، وإن هو أقام إلى الحجّ فهو يتمتّع، لأنّ أشهر الحجّ، شوال وذو القعدة وذو الحجّة، فمن اعتمر فيهنّ وأقام إلى الحجّ فهي متعة، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحجّ فهي عمرة، وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله وأقام إلى الحجّ فليس بمتمتع، وإنّما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق، أو يجاوز عسفان، فيدخل متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ، فإن هو أحبّ أن يفرد الحجّ فليخرج إلى الجعرانة فيلبّي منها([285]).

بدعوى أنّ المستفاد منها جواز الإحرام من الخارج من أيّ ميقات شاء، إذ لا تحتمل خصوصية لذات عرق أو عسفان، والجهل بموضعهما وأنّه قبل الميقات أو بعده لا يضرّ في استفادة التخيير منها، لأنّ المتفاهم منها عدم تعيين ميقات خاص له وجواز الإحرام من أيّ ميقات شاء([286]).

وأمّا القول بجواز الإحرام من أدنى الحلّ، فقد استدلّ عليه بجملة من الروايات، منها:

1 ـ صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع): لأهل مكّة أن يتمتّعوا؟ فقال: لا، ليس لأهل مكّة أن يتمتّعوا، قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنةً أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة، فإذا أقاموا شهراً فإنّ لهم أن يتمتّعوا، قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم، قلت : من أين يهلّون بالحجّ؟ فقال: من مكّة نحواً ممّا يقول الناس([287]).

2 ـ ومثلها رواية حمّاد عن أبي عبدالله(ع)([288]).

3 ـ صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) قال: من أراد أن يخرج من مكّة ليعتمر، أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبهها([289]).

وقد أشكل السيد الأستاذ(قده) بأنّ موردها هو العمرة المفردة، لا الحجّ للمقيم في مكّة([290]).

ولكن يمكن أن يُرَدَّ هذا الإشكال بأنّ الرواية مطلقة من هذه الناحية، وليس فيها ما يدلّ على التحديد بالعمرة المفردة؛ فإنّ المتمتّع المقيم عليه أن يحرم بالعمرة أيضاً، فتدبّر.

فالروايات إذاً متعارضة، وقد جمع بينها السيد الأستاذ(قده) وغيره، برفع اليد عن رواية سماعة الأولى ـ على تقدير كونها ظاهرة في لزوم الخروج إلى ميقات بلده ـ بصراحة ما دلّ على كفاية الإحرام من أدنى الحلّ، مثل صحيحة الحلبي. وأمّا رواية سماعة الثانية فهي تدلّ ابتداءً على جواز الإحرام من أيّ ميقات شاء، والنتيجة حينئذٍ هي التخيير، فيجوز الإحرام من أدنى الحلّ، مع أفضلية الإحرام ممّا عداه من المواقيت، والأفضل هو الإحرام من ميقات بلده([291]).

ولكن الإنصاف عدم وصول النوبة إلى التعارض، لأنَّ روايات القولين الأوّلين غير واضحة الدلالة، بخلاف روايات الإحرام من أدنى الحلّ؛ فإنّ قوله: "إن شاء" في موثّقة سماعة الأولى يمنع من ظهورها في وجوب الإحرام من مُهَلِّ أرضه، وكذلك قوله: "حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان" في روايته الأخرى، فإنّ عسفان([292]) ليست ميقاتاً، فما معنى أن يأمره بتجاوزها! هذا فضلاً عن عدم اعتبارها سنداً، فتبقى روايات الإحرام من أدنى الحلّ هي الروايات الواضحة الظاهرة، فيؤخذ بها. والاحتياط الذي ذكرناه في المتن، في الإحرام من أحد المواقيت أو من ميقات بلده، هو من ناحية روايات هذين القولين، وفتوى من أفتى بهما.

 

 

 

حجّ التمتع

[ المبحث الثالث ]

[حـــــجّ الـتـمــتــــع ]

 

ثم إنّنا لا بدّ من أن نبيّن بنحو الإجمال خصوصيات كلّ قسم من أقسام الحجّ على النحو التالي:

1 ـ حج التمتع:

مسألة [147]: يتألّف هذا الحجّ من عبادتين: تسمّى أُولاهما العمرة، والثانية الحجّ، وقد يطلق حجّ التمتّع على الجزء الثاني منهما، ويجب الإتيان بالعمرة فيه قبل الحجّ. وإنّما سمّي بذلك لأنّ المكلّف يحلّ من إحرامه بعد الإتيان بالعمرة، فيحلّ له التمتّع بما كان قد حرم عليه بالإحرام إلى حين الإحرام مجدّداً للحجّ من مكّة.

مسألة [148]: تجب في عمرة التمتّع خمسة أمور:

الأمر الأول: الإحرام من أحد المواقيت، وستعرف تفصيلها.

الأمر الثاني: الطواف حول البيت.

الأمر الثالث: صلاة الطواف.

الأمر الرابع: السعي بين الصفا والمروة.

الأمر الخامس: التقصير، وهو قصّ بعض شعر الرأس أو اللحية أو الشارب، فإذا أتى المكلّف به خرج من إحرامه، وحلّت له الأمور التي كانت قد حرمت عليه بسبب الإحرام.

مسألة [149]: يجب على المكلّف أن يتهيّأ لأداء وظائف الحجّ فيما إذا قرب منه اليوم التاسع من ذي الحجّة الحرام(1).

وواجبات الحجّ ثلاثة عشر، وهي كما يلي:

1 ـ الإحرام من مكّة، على تفصيل يأتي.

2 ـ الوقوف في عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجّة الحرام من بعدما يمضي من زوال الشمس مقدار الإتيان بالغسل وأداء صلاتي الظهر والعصر ـ جمعاً ـ إلى المغرب. وتقع عرفات على بعد أربعة فراسخ من مكّة.

3 ـ الوقوف في المزدلفة شطراً من ليلة العيد إلى قبيل طلوع الشمس(2). وتقع المزدلفة بين عرفات ومكّة.

4 ـ رمي جمرة العقبة في منى يوم العيد. ومنى على بعد فرسخ واحد من مكّة تقريباً.

5 ـ النحر أو الذبح في منى يوم العيد أو في أيّام التشريق.

6 ـ الحلق أو التقصير في منى، وبذلك يحلّ له ما حرم عليه من جهة الإحرام، ما عدا النساء والطيب، وكذا الصيد على الأحوط.

7 ـ طواف الزيارة بعد الرجوع إلى مكّة.

8 ـ صلاة الطواف.

9 ـ السعي بين الصفا والمروة، وبذلك يحلّ الطيب أيضاً.

10 ـ طواف النساء.

11 ـ صلاة طواف النساء، وبذلك تحلّ النساء أيضاً.

...............................................................................................................................................................

 (1) باعتبار أنّه إذا وجب الشيء وجبت ـ عقلاً ـ مقدّماته التي يتوقّف عليها امتثاله.

(2) المقدار الواجب من ذلك هو الوقوف ما بين الفجر إلى طلوع الشمس.

 

حجّ التمتع

12 ـ المبيت في منى ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، بل وليلة الثالث عشر في بعض الصور كما سيأتي.

13 ـ رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، بل وفي اليوم الثالث عشر أيضاً، فيما إذا بات المكلّف هناك على الأظهر.

مسألة [150]: يشترط في حجّ التمتّع أمور:

1 ـ النيّة، بأن يقصد الإتيان بحجّ التمتّع بعنوانه، فلو نوى غيره أو تردّد في نيّته لم يصحّ حجّه(1).

2 ـ أن يكون مجموع العمرة والحجّ في أشهر الحجّ، فلو أتى بجزءٍ من العمرة قبل دخول شوّال لم تصحّ العمرة(2).

3 ـ أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة، فلو أتى بالعمرة وأخّر الحجّ إلى السنة القادمة لم يصحّ التمتّع، ولا فرق في ذلك بين أن يقيم في مكّة إلى السنة القادمـة وبين أن يرجع إلى أهله ثم يعود إليها، كما لا

...............................................................................................................................................................

(1) اشتراط النيّة في جميع العبادات هو من الواضحات، فالنيّة تمثّل روح الفعل، وهي التي تعطيه معناه، ومنها يكتسب عنوانه؛ فإذا نوى الحاجّ غير التمتّع، أو تردّد بينه وبين الإفراد مثلاً أو القران، ثم أتى بأفعال التمتّع، لم يصحّ منه التمتّع.

(2) وذلك لأنّ عمرة التمتّع جزءٌ من الحجّ، والحجّ لا يقع إلاّ في أشهره، لقوله تعالى: )ﭑ  ﭒ   ﭓ(([293])؛ مضافاً إلى أنّ ذلك هو مدلول صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) قال: من دخل مكّة معتمراً مفرداً للعمرة فقضى عمرته فخرج كان ذلك له، وإن أقام إلى أن يدركه الحجّ كانت عمرته متعةً، وقال: وليس يكون متعةً إلاّ في أشهر الحجّ([294]).

 

فرق بين أن يحلّ من إحرامه بالتقصير وبين أن يبقى محرماً إلى السنة القادمة(1).

4 ـ أن يكون إحرام حجّه من مكّة مع الاختيار، وأفضل مواضعها المسجد الحـرام(2)، وإذا لم يمكنه الإحـرام من مكّـة ـ لعـذرـ أحرم
...............................................................................................................................................................

 

 

 

 

 

(1) قد مرّ الحديث في هذه المسألة مفصّلاً في ما سبق([295]).

(2) ذكروا أنّ من خصوصيات حجّ التمتّع، أنَّ ميقاته هو مكّة، فلا يصحّ من غيرها حال الاختيار، بخلاف الإفراد أو القران، فإنّ من الممكن أن يحرم المكلّف بهما من مكّة، ومن سائر المواقيت.

قال في (المستند): «أن يحرم بحجّه من بطن مكّة، فهو الميقات له، بلا خلافٍ كما قيل، بل بإجماع العلماء، كما في المدارك والمفاتيح وشرحه وغيرها»([296]).

ويدلّ على ذلك جملة من النصوص، منها:

1 ـ صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع): لأهل مكّة أن يتمتّعوا؟ فقال: لا، ليس لأهل مكّة أن يتمتّعوا، قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنةً أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة، فإذا أقاموا شهراً فإنّ لهم أن يتمتعوا، قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم، قلت: من أين يهلّون بالحجّ؟ فقال: من مكّة نحواً ممّا يقول الناس([297]).

2 ـ صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت لأبي عبدالله(ع) وهو بمكّة: من أين أهلّ بالحجّ؟ فقال: إن شئت من رحلك، وإن شئت من المسجد، وإن شئت من الطريق([298]).

3 ـ حسنة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل، والبس ثوبيك، وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم(ع)، أو في الحِجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، وأحرم بالحجّ([299]).

 

حجّ التمتع

ومقتضى الجمع بين هذه الروايات، هو أنّ مكّة هي ميقات الإحرام لحجّ التمتّع، مخيّراً بين أنحائها، كما هو مفاد صحيحة الصيرفي؛ على أنّ أفضل أماكنه هو المسجد، عند مقام إبراهيم(ع) أو حِجر إسماعيل(ع)، لظهور حسنة معاوية ابن عمّار في الاستحباب.

هذا، ولكن قد يعارض ذلك ما يمكن أن يظهر من موثّقة إسحاق بن عمّار، من جواز الإحرام بحجّ التمتّع من خارج مكّة في حال الاختيار أيضاً، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته، ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن([300])، قال: يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه، لأنّ لكلّ شهر عمرة، وهو مرتهن بالحجّ، قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال: كان أبي مجاوراً ها هنا، فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ، ودخل وهو محرمٌ بالحجّ([301]).

فالإمام الصادق(ع) قد أحرم بحجّ التمتّع من ذات عرق، والتي كانت ميقاتاً لأهل العراق. وليس في الرواية ما يدلّ على حالة خاصّة اضطُرت الإمام(ع) للإحرام كذلك، فيدلّ ذلك على جواز الإحرام بحجّ التمتّع اختياراً من غير مكّة.

وقد وقعت هذه الرواية محلاً للإشكال من عدّة جهات، وبعضهم ذكر لها عدّة محامل تخرج بها عن المعارضة، فالكلام فيها في مقامين:

فأمّا الإشكالات، فهي:

الإشكال الأوّل: ما ذكره السيد الأستاذ(قده) من أنّ الرواية مضطربة المتن، فلا يمكن الاعتماد عليها، وذلك لعدم ارتباط السؤال بالجواب، فإنّ السائل سأل أوّلاً عن المتمتّع إذا خرج من مكّة إلى المدينة أو إلى ذات عرق، فأجاب(ع) بأنّه يرجع إلى مكّة بعمرة إذا دخل في غير الشهر الذي تمتّع فيه، فالسؤال والجواب ناظران إلى الفصل بين العمرتين، وأنّ المعتبر لزوم العمرة ثانياً إذا كان الفصل بشهر، ثم سأل السائل ثانياً بأنه دخل في الشهر نفسه الذي خرج فيه، فهل تلزمه العمرة مرّةً ثانيةً؟ فأجاب(ع): كان أبي مجاوراً ها هنا، فخرج متلقياً وأحرم من ذات عرق بالحجّ، فإنّ هذا الجواب لا يرتبط بالسؤال، لأنّ السؤال كان عن العمرة ثانياً، والجواب بأنّ أباه(ع) دخل من ذات عرق محرماً بالحجّ، لا يناسب السؤال([302]).

ولكنّ هذا الإشكال مستغرب، لأنّ السؤال الثاني هو عن حكم المتمتّع إذا رجع في شهر الخروج نفسه، وأنّه هل يحتاج إلى عمرة جديدة أو لا، فأجاب(ع) ببيان التطبيق العملي للإمام الصادق(ع)، وأنّ هذه المسألة قد عرضت للإمام الصادق(ع) فلم يحرم فيها بالعمرة، بل أحرم بالحجّ، وحينئذ فكيف يكون الجواب غير مرتبط بالسؤال!

الإشكال الثاني: وهو ما ذكره(قده) أيضاً، قال: «وممّا يوجب اضطراب المتن وتشويشه، أنّ أباه(ع) إذا كان متمتّعاً بالحجّ، فكيف خرج قبل الحجّ! وحمله على الاضطرار والحاجة لا شاهد عليه»([303]).

ولكنّ هذا في الحقيقة إشكالٌ على الإمام الصادق(ع) بما يختاره السيّد الأستاذ(قده) في المسألة، مع أنّ المسألة خلافية، وهذه الرواية هي من جملة ما يمكن أن يدلّ على جواز خروج المتمتّع من مكّة اختياراً بين العمرة والحجّ فيما إذا وثق من إدراك الحجّ في وقته، كما هو رأينا ورأي كثيرين من الأعلام، وسيأتي عمّا قريب إن شاء الله.

الإشكال الثالث: وهو للسيد الأستاذ(قده) أيضاً، قال: «ثم إنّ الصادق(ع) متى كان مجاوراً في مكّة؟ وهل جاور مدّة سنتين أو أقلّ أو أكثر؟»([304])

أقول: الظاهر أنّ المقصود من المجاورة فيها مجرد بيان أنّ الإمام(ع) كان مستقرّاً في مكّة، لا المجاورة الاصطلاحية؛ فإنّ الإمام(ع) كان متمتّعاً كما هو مورد الرواية، وعمرة التمتّع لا يمكن أن يؤتى بها إلاّ في أشهر الحجّ، أي بدءاً من شوّال، فلم يكن قد مضى ـ بحسب الظاهر ـ على مجاورته إلى زمان خروجه إلاّ شهر ونصف تقريباً.

وقد خلص(قده) أخيراً إلى أنّ هذه الرواية مخالفة للمتسالم عليه بين الأصحاب، من حيث انحصار ميقات حجّ التمتّع بمكّة، فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها.

وأمّا المحامل فهي أربعة:

أوّلها: ما ذكره السيد في (العروة) وجعله أحسن المحامل، وهو أنّ المراد بالحجّ عمرته، حيث إنّها أوّل أعماله([305]).

وفيه: إنّه خلاف الظاهر من الرواية جداً؛ لأنّ مورد السؤال والجواب فيها هو عمرة التمتّع، والسائل في سؤاله الثاني سأل عن احتياج المتمتّع إلى عمرة عند رجوعه إلى مكّة في شهر الخروج نفسه، فإذا كان المراد من الحجّ في جواب الإمام(ع) هو العمرة، فإنّ السائل لن يفهم ذلك، خصوصاً مع وضوح كلام الإمام(ع) في إرادة الحجّ، حيث كرّر ذكره، فقال: "أحرم... بالحجّ... وهو محرم بالحجّ". ثم إذا كان مراد الإمام(ع) هو العمرة، فلماذا لم يذكر العمرة نفسها، واستعاض عن ذكرها بذكر الحجّ؟

وقد تعرّض في (المستمسك) إلى بيان بقيّة المحامل، وردّها بما هو حقّها، فقال: «منها: أنّه(ع) أحرم مفرداً لا متمتّعاً. ومنها: الحمل على التقية. ومنها: أنّه يحرم ـ في مورد السؤال ـ وجوباً أو استحباباً، ثم يجدّده بمكّة. ولكن الحمل على التقيّة

في فعل الصادق(ع) خلاف نقل الكاظم(ع)، ولا سيّما مع تعبيره عن المخالفين بـ‍: "بعض هؤلاء" الظاهر في التوهين؛ وأمّا الحمل على الإفراد فلا يناسب الجواب عن السؤال عن المتمتّع؛ وأمّا الحمل على التجديد فبعيد عن إطلاق الحكم في الجواب»([306]).

وقد عمل الشيخ(قده) بهذه الرواية، وحكم لأجلها في مورد الكلام بأفضلية الدخول محرماً، قال: «ومن خرج من مكّة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه، فالأفضل أن يدخلها محرماً بالحجّ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام حسب ما قدّمناه»، ثم ذكر موثّقة إسحاق بن عمّار دليلاً على ذلك([307]).

والنتيجة هي أنّ ظهور الموثّقة في جواز الإحرام من الميقات بحجّ التمتّع، غير قابل للإنكار، وهي تامّة سنداً، وقد عمل بها الشيخ كما تبيّن لك، فمقتضى القاعدة تخصيص الروايات الدالة على كون ميقات حجّ التمتّع إنّما هو مكّة بها.

وربما كان اختيار الشيخ في التخيير بين الدخول محرماً بالحجّ ـ مع أفضليته ـ والدخول بغير إحرام قريباً إلى الاعتبار، بلحاظ أنّ التسالم هو على الإحرام بالحجّ من مكّة لمن أراد ابتداءً الحجّ منها، أمّا من كان خارجها فيجوز له الإحرام من الخارج كبقيّة حالات الحجّ، ومن الممكن اعتبار الموثّقة حجّةً على ذلك. وقد يكون الاكتفاء بالإحرام للحجّ للناسي من عرفة مثلاً مؤيّداً لذلك أيضاً، باعتبار إمكان الإحرام بالحجّ من غير مكّة؛ على أساس أنّ النسيان لا يجعل ما ليس بميقات ميقاتاً.

لذا فمن غير البعيد المصير إلى الحكم بجواز الإحرام لحجّ التمتّع من أحد المواقيت المعروفة، فيما إذا خرج المكلّف من مكّة بعد أدائه أعمال عمرة التمتّع، تماماً كما هو مورد موثّقة ابن عمّار ومفادها. والله العالم.

من أيّ موضع تمكّن منه(1).

5 ـ أن يؤدّي مجموع عمرته وحجّه شخصٌ واحد عن شخصٍ واحد، فلو استؤجر اثنان لحجّ التمتّع عن ميّت أو حيّ أحدهما لعمرته

...............................................................................................................................................................

(1) هناك تسالم بين الفقهاء على هذا الحكم، ويمكن أن يُستفاد من طائفتين من الروايات:

الأولى: الروايات المتضافرة الواردة في أبواب المواقيت، الدالَّة على أنّ من لم يحرم من الميقات جهلاً أو نسياناً، حتى دخل الحرم أو مكّة، فإن كان يخاف فوات الحجّ فيما إذا رجع إلى الميقات، فعليه أن يخرج إلى أدنى الحلّ، فإن لم يستطع أحرم من مكانه([308]).

وصحيحٌ أنّ موردها ليس هو حجّ التمتّع، لأنّ الإحرام له يكون من مكّة لا من الميقات، إلاّ أنّه يمكن التعدّي منها إليه؛ لجريان التعليل فيها ـ وهو خوف فوات الحجّ ـ فيه أيضاً.

الثانية: الروايات الواردة في من أتى عرفة ولم يحرم، نسياناً أو جهلاً، كما في صحيحتي علي بن جعفر عن أخيه(ع):

1 ـ قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ، فذكر وهو بعرفات، فما حاله؟ قال: يقول: اللَّهم على كتابك وسنّة نبيّك فقد تمّ إحرامه([309]).

2 ـ قال: سألته عن رجل كان متمتّعاً خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده؟ قال: إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه([310]).

ويمكن أن يستفاد منهما بحسب المتفاهم العرفي، أنّه لا خصوصية للنسيان أو الجهل، إلاّ من حيث كونهما عذراً يمنع الحاجّ من القيام بالعمل بحسب الشروط المعتبرة، لذا لا مانع من التعدّي من موردهما إلى مورد كلّ عذر غيرهما.

والآخر لحجّه لم يصحّ ذلك، وكذلك لو حجّ شخص وجعل عمرته عن واحد وحجّه عن آخر لم يصحّ(1).

...............................................................................................................................................................

وهاتان أيضاً ليستا نصّاً في المسألة، ولكنّهما تدلاّن عليها بالأولوية العرفية؛ فإنّ الحكم بالصحة فيما إذا أحرم الحاجّ من المكان الذي يقدر عليه بحسب مفروض المسألة، لهو أولى عرفاً من الحكم بالصّحّة فيما إذا نسي الإحرام كليّةً، كما هو مفاد الصحيحة الثَّانية؛ أو لم يأت به من مكانه، كما هو مفاد الصحيحة الأولى.

(1) لعلّ أوّل تَعرُّضٍ لهذه المسألة في تراثنا الفقهي جاء حكايةً لقول بعض فقهاء الشافعية، وهو ما ذكره العلاّمة(ره) في (التذكرة)، حيث قال: «الخامس: اختلفت الشافعية في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخصٍ واحد أم لا؟ فقال بعضهم: يشترط كما يشترط وقوعهما في سنة واحدة، وقال الأكثر: لا يشترط»([311]).

وقد صرّح الشافعية بذلك؛ قال الرافعي: «الخامس: اختلفوا في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا؟ فعن الخضري أنّه يشترط وقوعهما في سنة واحدة، وقال الجمهور: لا يشترط»([312]).

ومثله ما عن النووي([313]).

ثم وبدءاً من صاحب (الجواهر) ـ بحسب الظاهر ـ وقع البحث بين علمائنا في فرعين في المسألة، يقع الكلام فيهما تباعاً:

الفرع الأوّل: شرطية أن يكون النائب في التمتّع شخصاً واحداً، فلا يصحّ نيابة شخصٍ عن آخر في عمرة التمتّع فقط، ثم ينوب عنه آخر في الحجّ.

ولا شكّ في هذه الشرطية؛ لأنّ التمتّع عملٌ واحد دخلت فيه العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة، كما هو مضمون جملة من الروايات، والتي تضمنت أيضاً أنّ رسول الله(ص) حينما قال ذلك شبك بين أصابعه([314])؛ فالعمرة والحجّ في التمتّع جزءان مرتبطٌ بعضهما ببعض كارتباط الركعتين الأوليين من صلاة الصبح، فلذلك لا يشرع الحجّ فيه إلاّ لمن أتى بالعمرة، كما يجب على من يأتي بالعمرة أن يأتي بالحجّ أيضاً، كما هو مفاد قوله في صحيحة معاوية بن عمّار: أو ليس هو مرتبطاً بحجّه لا يخرج حتى يقضيه([315]).

 

حجّ التمتع

الفرع الثاني: شرطية أن يوقع الحاجّ كلاً من العمرة والحجّ عن شخص واحد، فلا يصحّ أن يأتي بالعمرة عن واحد، ثم يأتي بالحجّ عن آخر.

خلافاً لما يظهر من (الجواهر) من أنّه «يمكن أن لا يكون ذلك شرطاً عندهم، لعدم الدليل على الوحدة المزبورة التي تكون العمرة معها كالركعة الأولى من صلاة الصبح ... بل المراد اتصاله بها وإيجاب إردافه بها مع التمكّن، وحينئذٍ فلا مانع من التبرّع بعمرته عن شخص وبحجّه عن آخر، لإطلاق الأدلّة، بل لعلّ خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(ع) دالٌ عليه»(3).

وفي (العروة) أنّ عدم الصحّة كذلك محلّ تأمّل، واستظهر صحّته من خبر محمد بن مسلم(4).

وهو رأي صاحب (الوسائل) أيضاً، ذكره في عنوان الباب 27 من أبواب النيابة في الحجّ، واقتصر فيه على ذكر رواية محمد بن مسلم عن الباقر(ع) الآنفة الذكر، فقال: «باب جواز نيّة الإنسان عمرة التمتّع عن نفسه وحجّ التمتّع عن أبيه»(5).

ولعلّه رأي آخرين أيضاً كما سوف يأتي في ذيل البحث.

والأدلّة المدّعاة على عدم الشرطية في المقام ثلاثة:

الدليل الأوّل: وهو ما أشار إليه في (الجواهر)، من عدم الدليل على الاتّحاد الارتباطي بين العمرة والحجّ في التمتّع، بدعوى أنّ غاية ما يدلّ عليه ما تُوجّه به هذه الوحدة هو اتصال الحجّ بالعمرة فيه، وإيجاب إردافه بها عند التمكّن، ومجرد ذلك لا يعني الوحدة من جميع الجهات. وبعبارة أخرى: غاية ما يُستفاد من دليل هذه الوحدة، أنَّ هناك تكليفاً واحداً بالتمتّع، ولكنّ متعلّقه في الحقيقة هو عملان.

ولكن الكلام في فائدة هذا التدقيق في المقام؛ فإنّه لا يصلح وجهاً لإثبات مشروعية كلٍّ من العملين مستقلاً، بحيث يصحّ حينئذٍ الإتيان بعمرة التمتّع عن شخصٍ، والإتيان بالحجّ عن آخر، فتدبّر.

الدليل الثاني: ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر(ع) قال: سألته عن رجل يحجّ عن أبيه، أيتمتّع؟ قال: نعم، المتعة له والحجّ عن أبيه([316]).

بدعوى أنّ المقصود بالمتعة فيها هي العمرة، فتكون الرواية صريحةً حينئذٍ في جواز الإتيان بعمرة التمتّع عن نفسه، والإتيان بالحجّ عن أبيه.

وما ذُكر هو الاحتمال الأول في معنى الرواية، وهناك احتمالان آخران في معناها، هما:

الأوّل: ما ذكره بعض الأعلام(ره) في تقريرات بحثه، قال: «والذي ينبغي أن تُحمل الرواية عليه، هو أنّ المسؤول عنه إنّما هو جواز جعل الحجّ عن أبيه حجّاً تمتّعاً، وكان ذلك في مورد يكون التمتّع جائزاً، إمّا للوجوب التخييري إن فُرض له مورد، وإمّا للندب، وحيث إنّ التمتّع أفضل الأفراد، أجاب (عليه السلام) بالجواز أوّلاً، وأنّ ثواب انتخاب المتعة ـ أي الحجّ التمتّع، وهو الراجع إلى الأفضلية ـ للنائب. وأمّا أصل الحجّ المتمتّع به فهو بتمامه عن المنوب عنه»([317]).

الثاني: أن يكون المقصود بالمتعة فيها هو معناها اللغوي، أي الالتذاذ. وهو ما ذكره جملة من الأعلام، منهم سيدنا الأستاذ الخوئي(قده)([318])، ويظهر من الصدوق(ره) في (من لا يحضره الفقيه)، حيث جعل عنوان الباب: "المتمتّع عن أبيه"، واقتصر فيه على ذكر هذه الرواية فقط([319])، وهو صريح المولى محمد تقي المجلسي(ره) والد العلاّمة المجلسي، في شرحه الموسوم بـ (روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه)، حيث قال: «مع أنّه لا فائدة للأب في التمتّع، لأنّه لا يمكن له التمتّع بالنساء والثياب والطيب الذي هو فائدة حجّ التمتّع، قال(ع): نعم، المتعة ـ التمتّع بالأشياء المذكورة ـ له والحجّ عن أبيه»([320]).

والإنصاف أنّه لا ظهور للرواية في أيّ من هذه الاحتمالات، فتكون مجملةً، ومعه، لا يمكن الاستدلال بها على أمرٍ يخالف ما هو متسالم عليه من الاتّحاد بين العمرة والحجّ في التمتّع.

الدليل الثالث: وهو ما ذكره المولى المجلسي(ره) بعد كلامه السابق، فقال: «ويجوز الحجّ والعمرة لاثنين في عام واحد، إذ لا منافاة بينهما، كما رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبدالله(ع): في رجل تمتّع عن أمّه وأهلّ بحجّة عن أبيه، قال: إن ذبح فهو خيرٌ له، وإن لم يذبح فليس عليه شيء؛ لأنّه إنّما تمتّع عن أمّه وأهلّ بحجّة عن أبيه»([321]).

وقال الشيخ في (التهذيب): «ومن تمتّع عن أمّه وأهلّ بحجّة عن أبيه فهو بالخيار في الذبح، إن فعل فهو أفضل، وإن لم يفعل فليس عليه شيء»، ثم ذكر رواية الحارث بن المغيرة، فيظهر منه القول به أيضاً([322]).

ولعلّه مختار الصدوق(ره) في (علل الشرائع)، حيث قال: «العلّة التي من أجلها سقط الذبح عمّن تمتّع عن أمّه وأهلّ بحجّه عن أبيه»، ثم ذكر الرواية([323]).

وقد حكم المولى المجلسي(ره) بصحّتها كما تبيّن لك، وصحّحها أيضاً السيّد الأستـاذ (قده)، اعتمـاداً على كون صالـح بن عقبة ـ والذي لم يُذكـر بتوثيق في
 

مسألة [151]: إذا فرغ المكلّف من أعمال عمرة التمتّع، جاز له الخروج من مكّة لغير الحجّ ـ ولو لغير حاجة ـ إلى الأماكن القريبة منها، كجدّة والطائف ونحوهما، مع الوثوق بالرجوع وإدراك الحجّ، وذلك من دون ضرورة للإحرام من مكّة قبل خروجه، والأحوط وجوباً عدم الابتعاد إلى مسافة أبعد ولو مع الوثوق بالرجوع والإدراك، وحينئذٍ فالظاهر أنّه لا يجب عليه الرجوع إلى مكّة للإحرام للحجّ إن كان قد خرج محرماً(1).

...............................................................................................................................................................

كتب الرجال ـ من رجال كلٍّ من (كامـل الزيارات)، وتفسيـر علي بن إبراهيم([324]).

وكلا المبنيين محلّ نظر عندنا، وهو(قده) قد عدل عن القول بالمبنى الأوّل، وأمّا الثاني، فهناك كلام في أصل التفسير المذكور، واختلاف الرواية فيه، وما إلى ذلك، بحيث لا يُطمأنّ معه بما يرد فيه.

هذا بالنسبة إلى سندها، وأمّا متنها، فيمكن تأويله بما ذكره في (الوسائل) من حمل العمرة فيها على المفردة، وحمل الحجّ على حجّ الإفراد، جاعلاً استعمال التمتّع فيها من باب المجاز، وذكر أنّ وجهه تقدّم العمرة على الحجّ، بحيث أشبها في ذلك عمرة التمتّع وحجّه([325]).

(1) قال في (الحدائق): «الأشهر الأظهر أنّه لا يجوز للمتمتّع بعد الإتيان بعمرته الخروج من مكّة على وجه يفتقر إلى استئناف إحرام، بل إمّا أن يخرج محرماً بالحجّ، وإمّا أن يعود قبل شهر، فإن انتفى الأمران جدّد عمرة، وهي عمرة التمتّع. وحكى الشهيد في الدروس عن الشيخ في النهاية وجماعة، أنّهم أطلقوا المنع من الخروج من مكّة للمتمتّع، لارتباط عمرة التمتّع بالحجّ، فلو خرج صارت مفردةً. ثمَّ قال: ولعلّهم أرادوا الخروج المحوج إلى عمرة أخرى ـ كما قال
في المبسوط ـ أو الخروج لا بنيّة العود. ونقل عن ابن إدريس أنّه لا يحرم ذلك بل يكره، لأنّه لا دليل على حظر الخروج من مكّة بعد الإحلال من العمرة. وهو ظاهر العلاّمة في المنتهى، حيث قال : يكره للمتمتع بالعمرة أن يخرج من مكّة قبل أن يقضي مناسكه كلّها إلا لضرورة... إلى آخره. وبمثل ذلك صرّح في التذكرة أيضاً»([326]).

 

حجّ التمتع

وفي (المستند): «مرجوحية خروج المتمتّع بعد قضاء مناسك العمرة وقبل الحجّ عن مكّة في الجملة إجماعي فتوى ونصاً، وفي المستفيضة تصريحٌ بها. وإنّما الخلاف في أنّها هل هي على التحريم، كما عن المشهور، أو الكراهة، كما عن الحلّي والفاضلين في بعض كتبهما؟»([327]).

وفي (الجواهر) أنّ القول بكراهة الخروج لا حرمته لا يخلو من وجه([328]). وفي (العروة) أنّه يمكن دعوى عدم الكراهة أيضاً مع علمه بعدم فوات الحجّ([329]).

ولم يستبعد الإمام الخميني(قده) في تعليقته على (العروة) المصير إلى رأي سيّد (العروة)، بل واستفاد من عدّةٍ من روايات المسألة أنّ النهي فيها إرشادي لا مولوي([330]).

وقد أفتى السيّد الأستاذ(قده) بحرمة الخروج من مكّة بعد عمرة التمتّع إلاّ أن يكون خروجه لحاجة، فيجب أن يُحرم من مكّة للحجّ، ثم يلزمه أن يرجع إلى مكّة بذلك الإحرام، ويذهب منها إلى عرفات، وإذا لم يتمكّن من الرجوع إلى مكّة، ذهب إلى عرفات من مكانه كما في النصوص([331]).

وعن الشهيد محمّد باقر الصدر(ره)، أنّه يجوز لمن أتمّ أعمال العمرة الخروج من مكّة إلى الأماكن القريبة منها كجدّة والطائف ونحوها، مع الوثوق بالرجوع وإدراك الحجّ، والأحوط عدم الابتعاد إلى مسافات أبعد، ولو كان واثقاً بالرجوع والإدراك([332]). وهذا هو مختارنا أيضاً في المسألة.

ولا بدّ من تسجيل ملاحظة في المقام، وهي أنّ مفاد العديد من كلماتهم في المسألة([333])، لا يرقى إلى دعوى نسبة المنع من الخروج إلى المشهور بشكل مطلق، أو المنع منه إلاّ لحاجة، مع لزوم الإحرام حينئذٍ عند الخروج؛ بل إنّ مفاد كلماتهم واضح الترديد بين خيارين؛ إمّا الخروج محرماً، وإمّا العودة قبل شهر، بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام. وعلى هذا، فما نسبه السيد الأستاذ(قده) وغيره إلى المشهور في هذا المجال يمكن أن يكون محلّ تأمّل.

والأساس في المسألة هي الروايات، نستعرض أهمها ضمن طائفتين، لنرى ما يمكن أن تدلّ عليه:

الطائفة الأولى: الروايات المانعة

1 ـ حسنة حمّاد بن عيسى، عن أبي عبدالله(ع) قال: من دخل مكّة متمتعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق، خرج محرماً ودخل ملبّياً بالحجّ، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكّة رجع محرماً ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه([334]).

2 ـ صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(ع) في رجل قضى متعته وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها، قال: فقال: فليغتسل للإحرام وليهلّ بالحجّ وليمض في حاجته، فإن لم يقدر على الرجوع إلى مكّة مضى إلى عرفات([335]).

 

حجّ التمتع

3 ـ صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(ع) قال: قلت له: كيف أتمتّع؟ قال: تأتي الوقت فتلبّي ـ إلى أن قال: ـ وليس لك أن تخرج من مكّة حتى تحجّ([336]).

4 ـ صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديث ـ قال: تمتّع فهو والله أفضل، ثم قال: إنّ أهل مكّة يقولون: إنّ عمرته عراقية وحجّته مكّية، كذبوا، أوليس هو مرتبطاً بالحجّ لا يخرج حتى يقضيه!([337])

5 ـ صحيحة عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر(ع ) قال: قلت لأبي جعفر(ع): كيف أتمتّع؟ فقال: تأتي الوقت فتلبّي بالحجّ، فإذا أتى مكّة طاف وسعى وأحلّ من كلّ شيء وهو محتبس ليس له أن يخرج من مكّة حتى يحجّ([338]).

وهذه الطائفة تدلّ على ممنوعية المتمتّع من الخروج بين العمرة والحجّ، إلاّ في مورد الحاجة، فيخرج حينئذٍ محرماً بالحجّ. والسبب في هذا المنع هو أنّ المتمتّع محتبسٌ بالحجّ ومرتبطٌ به، ولكن هذا الاحتباس لا يدلّ على أكثر من ضرورة إكماله للحجّ بالرجوع إلى مكّة، في مقابل ترك الرجوع؛ فإنّ الظاهر من الروايات الثلاث الأخيرة هو المنع من الخروج إذا كان الخروج موجباً لفوات الحجّ، بقرينة الارتباط بالحجّ، ولا دلالة فيها على عدم الخروج مع فرض إدراك الحجّ بالرجوع إلى مكّة.

الطائفة الثانية: الروايات المجوّزة

1 ـ حسنة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهلّ بالحجّ من مكّة، وما أحبّ أن يخرج منها إلا محرماً، ولا يتجاوز الطائف إنّها قريبة من مكّة([339]).

وميزة هذه الرواية دلالتها على ثلاثة أمور:

الأوّل: التصريح فيها بمحبوبية الخروج محرماً.

الثاني: التنبيه على لزوم البقاء قريباً من مكّة، في إشارة واضحة إلى تأثير ذلك على إدراك الحجّ.

الثالث: ظهورها في عدم تقيّد جواز الخروج بالحاجة، لمكان عدم تنبيه الإمام له عليه لو كان شرطاً.

وقد وقع الخلاف بين الأعلام في مفاد قوله: "لا أحبّ" فيها، فاعتبرها في (العروة) قرينة الكراهة في سائر الروايات، بينما ردّ السيد الأستاذ(قده) ذلك بأنّ هذه الكلمة غير ظاهرة في الجواز مع الكراهة، بل المراد بها مطلق المبغوضية، وذلك يجتمع مع الحرمة، وقد استعملت كلمة "لا أحبّ" في الموارد المبغوضة في القرآن المجيد، كقوله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ} ([340])، أو: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} ([341]) وغير ذلك من الآيات([342]).

ولكن يمكن المناقشة في ما ذكره(قده)، بأنّ هناك فرقاً بين أن تصدر هذه الكلمة من الله سبحانه وتعالى، وبين أن تصدر من الإمام(ع)، من حيث إنّه لا يوجد واسطة في السياق القرآني بالنسبة إلى الله تعالى بين ما يحبّه وما لا يحبّه، بينما توجد مثل هذه الواسطة في كلام الأئمة (عليهم السلام)، وحينئذٍ فاستفادة الإمام(ع) من هذه الكلمة الظاهرة عرفاً في الكراهة في محاوراته، وعدم استفادته من أيّ كلمة أخرى تدلّ على الحرمة صراحةً، لو كانت هي المرادة له، ونسبته عدم الحبّ إليه وعدم نسبته إلى الله تعالى، يوحي من دون أدنى شكّ بعدم إرادته إلاّ الحدّ الأدنى من المبغوضية، المنسجم عرفاً مع الكراهة.

2 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته، ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن، قال: يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه، لأنّ لكلّ شهر عمرة، وهو مرتهن بالحجّ، قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال: كان أبي مجاوراً ها هنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ، ودخل وهو محرمٌ بالحجّ([343]).

والظاهر من هذه الرواية هو ضرورة عدم منافاة الخروج لإدراك الحجّ، أمّا قضية تجديد العمرة في الشهر الآخر فهو حكمٌ آخر.

3 ـ محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق(ع): إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك، لأنّه مرتبط بالحجّ حتى يقضيه، إلاّ أن يعلم أنّه لا يفوته الحجّ، وإن علم وخرج وعاد في الشهر الذي خرج دخل مكّة محلاً، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرماً([344]).

والروايتان الأخيرتان تدلان على عدم لزوم الإحرام عند الخروج من مكّة، سواء أكان الخروج لحاجة، كما قد يظهر من موثّقة إسحاق، أم كان اختياراً، كما هو مفاد مرسلة الصدوق.

بل إنّ في المرسلة إشارة واضحة إلى أنّ ارتباط المتمتّع بالحجّ واحتباسه به المُسبِّب لمنعه من الخروج، إنّما هو في غير صورة العلم بإدراك الحجّ.

وإرسالها لا يمنع من الاعتماد عليها؛ لانسجامها في المضمون بل وفي اللفظ مع مضمون الروايات الصحيحة وألفاظها، ما يشكّل عامل وثوق بها، خصوصاً مع عدم وضوح أيّ داعٍ إلى الكذب في موردها.

والنتيجة:

إنّ ضمّ هذه الروايات بعضها إلى بعض لا يمكن أن يُنتج عدم جواز الخروج مطلقاً، أو إلا لحاجة، فيخرج حينئذٍ محرماً؛ فإنّ هذا هو مفاد الطائفة الأولى فقط، وهي مع ظهورها في ذلك لا تتضمن ما يمنع من حملها على مفاد الطائفة الأخرى، فلا مانع من رفع اليد عنها بها، خصوصاً مع ظهور كلمة "ما أحبّ" في الكراهة، ووضوح الطائفة المجوّزة في أنّ احتباسه بالحجّ وارتباطه به إنّما هو من باب التحفّظ للتأكّد من إتيانه بالحجّ، فإذا كان واثقاً من إدراك الحجّ في ظرفه، فليس فيها ما يدلّ على منعه من الخروج، بل صريح مرسلة الصدوق جواز خروجه حينئذٍ.

مسألة [152]: لا يجوز لمن أتى بعمرة التمتّع أن يترك الحجّ اختياراً ولو كان الحجّ استحبابياً(1). نعم، إذا لم يتمكّن من الحجّ فالأحوط أن يجعلها عمرةً مفردةً فيأتي بطواف النساء(2).

...............................................................................................................................................................

وبعبارة مختصرة: إنّ أقصى ما تدلّ عليه هذه الروايات بعد ردّ بعضها إلى بعض، أنّ المنع من الخروج فيها ليس إلاّ حكماً طريقياً من باب التحفّظ على إدراك الحجّ، ولا يظهر منها موضوعيته في نفسه، وحينئذٍ تدور المسألة مدار الوثوق بإدراك الحجّ وعدمه، فتدبّر.

(1) لا خلاف بينهم في الارتباط ما بين عمرة التمتّع والحجّ، والروايات واضحة في ذلك، وهي بألسنة متعددة؛ فعن الكاظم(ع): إنّ المتعة دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة، ثمّ شبك أصابعه بعضها في بعض([345])؛ وعن الصادق(ع): أوليس هو مرتبطاً بالحجّ لا يخرج حتى يقضيه؛ وعن الباقر(ع): أنت مرتهن بالحجّ؛ وعنه(ع) أيضاً: وهو محتبس ليس له أن يخرج من مكّة حتى يحجّ([346]).

فهذا كلّه يدلّ على أنّ العمرة والحجّ في التمتّع عملٌ واحد من حيث ارتباط بعضه ببعض، ومن حيث توقّف الإجزاء فيه على إتيان الجميع، وحينئذٍ لا يجوز لمن أتى بعمرة التمتّع أن يترك الحجّ اختياراً.

ولا فرق في ذلك بين الحجّ الواجب والحجّ الاستحبابي، لإطلاق الأدلّة المتقدّمة.

(2) مقتضى القاعدة هو بطلان العمرة عند تعذّر الحجّ في المقام، وعدمُ تكليف الحاجّ بشيء؛ لما سبق من أنّ التمتّع عملٌ واحد من حيث ارتباط بعضه ببعض، فتعذّر جزءٍ فيه يسبّب بطلان الأجزاء الأخرى.

ولكن قد يُقال إنّ الروايات الواردة في حكم من لم يدرك الموقفين، وأنّ عليه أن يجعل حجّه عمرةً مفردةً([347])، يمكن أن يستوحى منها أنّ هذا هو حكم كل من لم يدرك الحجّ، سواء لم يدركه من جهة عدم إدراك أصـل الحـجّ، أو لم يدركه من
 

 

مسألة [153]: يجوز للمتمتّع أن يخرج من مكّة قبل إتمام أعمال عمرته إذا كان متمكّناً من الرجوع إليها على الأظهر، وإن كان الأحوط تركه(1).

...............................................................................................................................................................

 

 

 

جهة عدم إدراك تمام الحجّ؛ بدعوى عدم الخصوصية لفوت الموقفين، فكأنّ هذا هو حكم كلّ من لم يستطع القيام بتكليفه.

وقد يُنَاقش ذلك بأنّه لا يخفى الفرق بين مقامنا ومورد الروايات، فإنّ الحاجّ هنا لم يأتِ بالحجّ أصلاً، بينما هناك بدأ الحجّ ولم يستطع إكماله، ولا يمكن الجزم بالمناط الذي يمكن معه التعدّي.

ولكن وحدة الملاك في الموردين قريبة؛ لأنّ الأساس هو عدم اعتبار ما جاء به حجّاً، لفقدان الشرط لذلك، وهو الإتيان بما هو ركن فيه. لذا لا يبعد الحكم بلزوم جعلها عمرةً مفردةً.

(1) قال في (العروة): «الظاهر أنّه لا إشكال في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتّع قبل الإحلال منها»([348]). ولعلّه(قده) أوّل من تعرّض لهذا الفرع.

وقد وافقه في الجواز السيد الحكيم(قده) في مستمسكه([349])، وهو مختارنا أيضاً، ومختار بعض المعاصرين([350]).

خلافاً للإمام الخميني(قده) الذي تأمّل في الجواز في حاشيته على(العروة)([351])، ولبعض أعلام تلامذته([352])، وللسيد الأستاذ(قده) الذي أفتى بعدم الجواز([353])، ووافقه على ذلك جملة من أعلام تلامذته.

ولا يخفى أنّ البحث هنا فرعٌ عن البحث في مسألة الخروج من مكّة بعد الفراغ من عمرة التمتّع، لذا فمن يختار جواز الخروج هناك لا بدّ من أن يختاره هنا أيضاً؛ لأنّ الأساس الذي انتهينا إليه في الجواز هناك، هو الوثوق بالعودة لإدراك الحجّ في وقته، فإذا كان واثقاً من ذلك، فلا مانع من خروجه ولو أثناء عمرة التمتّع.

وفي المقابل، من يختار عدم الجواز هناك، لا بدّ من أن يختاره هنا أيضاً بطريق أولى؛ لأنّنا لا نستطيع أن نفهم أنّ هناك خصوصيةً للفراغ من عمرة التمتّع في المنع من الخروج، بل المسألة ـ على تقدير تمامية الدلالة على المنع ـ تدور مدار ارتباطه بالحجّ وارتهانه به ـ كما هو مفاد روايات المسألة ـ وهذا بعينه يجري في مقامنا أيضاً.

هذا وقد استدلّ السيد الأستاذ(قده) على عدم جواز الخروج في المقام بأمرين:

الأوّل: التمسّك بإطلاق بعض الروايات المانعة، بدعوى أنّ موضوع المنع فيها هو الخروج من مكّة، من دون أن يُفرض فيها الفراغ من العمرة. ففي حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهلّ بالحجّ من مكّة، وما أحبّ أن يخرج منها إلاّ محرماً، ولا يتجاوز الطائف إنّها قريبة من مكّة([354]).

وفي حسنة حمّاد بن عيسى عن أبي عبدالله(ع) قال: من دخل مكّة متمتّعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحجّ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق، خرج محرماً ودخل ملبّياً بالحجّ([355]).

ولكنّ الصحيح عدم تمامية الإطلاق في كلٍّ منهما، بل هما واردتان كغيرهما في خصوص من قد فرغ من عمرة التمتّع، وفي كليهما القرينة الواضحة على ذلك؛ أمّا حسنة الحلبي، فلقوله(ع): "يهلّ بالحجّ من مكّة"، فإنّ الإهـلال بالحجّ

مسألة [154]: إذا خرج من مكّة بعد الفراغ من أعمال العمرة من دون إحرام، ففيه صورتان:

الأولى: أن يكون رجوعه قبل مضيّ الشهر الذي خرج فيه، ففي هذه الصورة يلزمه الرجوع إلى مكّة بدون إحرام، فيحرم منها للحجّ، ويخرج إلى عرفات.

الثانية: أن يكون رجوعه بعد مضيّ الشهر الذي خرج فيه، ففي هذه الصورة يلزمه الإحرام بالعمرة للرجوع إليها(1).

...............................................................................................................................................................

لا يكون إلاّ بعد الفراغ من العمرة؛ وأمّا حسنة حمّاد، فلقوله(ع): "خرج محرماً ودخل ملبّياً بالحجّ"، فإنّه واضحٌ أيضاً في الفراغ من العمرة، لأنّ التلبية بالحجّ لا تكون إلاّ بعد الفراغ من العمرة.

الثاني: دعوى كون قوله: "دخل مكّة متمتعاً" أو قوله: "الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ"، ظاهراً في الاشتغال بأعمال عمرة التمتّع وعدم الفراغ منها، خصوصاً قوله: "يتمتّع"، فإنّه فعل استقبالي يدلّ على الاشتغال بالعمل في الحال، بخلاف الفعل الماضي، فإنّه يدلّ على الفراغ من الفعل([356]).

ولكنّ الظاهر أنّ المقصود من هذين التعبيرين هو بيان نوعيّة الحجّ، وأنّه التمتّع وليس الإفراد أو القران، فما ذكره(قده) خلاف الظاهر جدّاً.

(1) الحكم في كلتا الصورتين ممّا دلّت عليه الروايات؛ ففي حسنة حمّاد بن عيسى، عن أبي عبدالله(ع) قال: ... قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام، ثم رجع في إبّان الحجّ، في أشهر الحجّ، يريد الحجّ، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً([357]).

وفي موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته، ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن، قال: يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتّع فيه، لأنّ لكل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحجّ، قلت: فإنّه دخل في الشهر الذي خرج فيه، قال: كان أبي مجاوراً ها هنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحجّ، ودخل وهو محرمٌ بالحجّ([358]).

وهما واضحتان في لزوم الإحرام مجدداً بعمرة إن كان الرجوع في شهر آخر، وعدم لزومه إن كان الرجوع في الشهر نفسه.

وها هنا أمورٌ ينبغي التعرّض لها:

الأمر الأوّل: ذهب في (العروة) إلى استحباب العمرة عند الرجوع في شهرٍ آخر لا وجوبها، مستفيداً ذلك من قوله(ع) في موثّقة إسحاق: "لأنّ لكلّ شهر عمرة"، فقال: «الظاهر أنّ الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنّما هو من جهة أنّ لكلّ شهر عمرة، لا أن يكون ذلك تعبداً أو لفساد عمرته السابقة أو لأجل وجوب الإحرام على من دخل مكّة ـ إلى أن قال: ـ وحينئذٍ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب؛ لأنّ العمرة التي هي وظيفة كل شهر ليست واجبةً»، ولكنّه عاد وذكر أخيراً أنّه «لا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر الخروج»([359]).

وخلاصة ما استند إليه(قده)، أنَّ العلّة إذا كانت مستحبّةً فلا تنتج حكماً واجباً.

وقد أورد عليه السيد الأستاذ الخوئي(قده) بإيرادين([360])، حاول من خلالهما استفادة الوجوب من الموثّقة:

الأوّل: إنّ الموثّقة أساساً ليست في مقام بيان استحباب العمرة أو وجوبها، وإنّما هي ناظرة إلى اعتبار الفصل بين العمرتين، وأنّه لو دخل في غير الشّهر الذي تمتّع فيه دخل بعمرة أخرى، بخلاف ما لو دخل في الشهر نفسه.

ولكن يمكن الذبّ عن سيد (العروة) بأنّه لم يقل إنّ الموثّقة واردة في مقام الاستحباب أو الوجوب رأساً، وإنّما ركّز على أنّ التعليل بأنّ لكلّ شهر عمرة، يُستفاد منه استحباب المعلّل، وهذا لا ينافي كون الرواية في مقام بيان الفصل بين العمرتين، بل هو(قده) قد أشار إلى هذا المضمون فيها، ولكنّه نبّه على أنّ الإتيان بالعمرة وعدم الإتيان بها إنّما هو على وجه الاستحباب حينئذٍ لا الوجوب، فإذا دخل في غير الشهر استحبّت له العمرة، وإذا دخل في الشهر نفسه لم تُستحبّ له.

الثاني: إنّ العمرة المُعادة في مفروض الرواية هي عمرة التمتّع بقرينة قوله: "وهو مرتهن بالحجّ"؛ فإنّ الارتهان بالحجّ يكشف عن كون العمرة عمرة التمتّع، وإلاّ فالمفردة لا توجب الارتهان بالحجّ، وحينئذٍ فالأمر بالرجوع إلى مكّة بعمرة يدلّ على لزوم العمرة، لأنّ عمرة التمتّع لازمة في حجّ التمتّع.

وفيه: إنّ قوله: "وهو مرتهنٌ بالحجّ" لا يدلّ على أنّ هذه العمرة هي عمرة التمتّع؛ لأنّه كان قد اعتمر عمرة التمتّع سابقاً، فمن هذه الرواية نفسها لا نستفيد ذلك، وإن كان ذلك واضحاً من روايات أخرى، كما في قوله في حسنة حمّاد: "الأخيرة هي عمرته، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّته"([361]).

هذا، ولكنّ الإنصاف أنّ استفادة استحباب العمرة المُعادة، لتعليلها بمضمون مستحبّ، لا يمنع من المصير إلى وجوبها بلحاظ جهة أخرى، هي دخول مكّة، فالإنسان لا يجوز له أن يدخل مكّة إلاّ محرماً إذا أراد الدخول في شهر آخر، فتكون العمرة مستحبّةً بلحاظ ذاتها، ولكنّها واجبة بلحاظ دخول مكّة.

الأمر الثاني: إنّنا قد نبّهنا سابقاً([362]) على أنّ المستفاد من الروايات هو أنّ المناط في الشهر هو شهر الخروج لا شهر النسك، وهذا ما ينبغي تأكيده هنا أيضاً، وحينئذٍ فالعبرة هي في أن يرجع في الشهر نفسه الذي خرج فيه، ولو كان غير الشهر الذي قد اعتمر فيه، كمن يعتمر عمرة التمتّع في ذي القعدة ويبقى في مكّة إلى ذي الحجّة، فإنّه إذا خرج منها حينئذٍ فعليه أن يعود إليها من دون إحرام.

مسألة [155]: من كانت وظيفته حجّ التمتّع لم يجزئه العدول إلى غيره من إفراد أو قران(1)، ويستثنى من ذلك من دخل في عمرة التمتّع، ثم ضاق وقته عن إتمامها، فإنّه ينقل نيّته إلى حجّ الإفراد ويأتي بالعمرة المفردة بعد الحجّ(2).

وفي حدّ الضيق المسوِّغ لذلك خلاف، والأظهر وجوب العدول لو لم يتمكّن من إتمام أعمال العمرة قبل زوال الشمس من يوم عرفة(3).

...............................................................................................................................................................

الأمر الثالث: إنّ الحكم بعدم لزوم الاعتمار في المقام إذا كان الرجوع في شهر الخروج نفسه، هو على نحو العزيمة لا الرخصة، بمعنى أنّه لا تشرع له العمرة حينئذٍ.

(1) باعتبار عدم حصول براءة الذمّة إلاّ بالإتيان بالوظيفة المكلّف بها.

(2) وهو كما عن النراقي(ره): «بلا خلاف فيه كما صرّح به جماعة، بل صُرِّح بالاتفاق عليه أيضاً»([363]).

ويدلّ عليه الكثير من النصوص التي سوف يأتي التعرّض لها، ومنها صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجلٍ أهلّ بالحجّ والعمرة جميعاً، ثمّ قدم مكّة والناس بعرفات، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف، قال: يدع العمرة، فإذا أتمَّ حجّه صنع كما صنعت عائشة، ولا هدي عليه([364]).

(3) وهذه هي النقطة المفصلية في البحث، والتي قد وقع الخلاف فيها بين الأعلام قديماً وحديثاً، ما أدّى إلى وجود عدّة أقوال في المسألة، أنهاها بعضهم إلى سبعة، هي:

الأول: خوف فوات الركن من الوقوف الاختياري لعرفات، وهو المسمّى منه. وفي (المستمسك): «اختاره في القواعد، وحكاه في كشف اللثام عن الحلبيين
 

وابني إدريس وسعيد. وفي الجواهر: "لعلّه يرجع إليه ما عن المبسوط، والنهاية، والوسيلة، والمهذب، من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة، بناءً على تعذّر الوصول غالباً إلى عرفة بعد هذا الوقت، لمضي الناس عنه"»([365]). وهو مختار السيد الأستاذ(قده) أيضاً.

الثاني: خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة، وهو من الزوال إلى الغروب. وفي (المستمسك): «لم يتضح لي وجود القائل بذلك. نعم، في الدروس: "وفي صحيح زرارة اشتراط اختياريها. وهو أقوى". وظاهر العبارة اشتراط إدراك تمام الواجب الاختياري. فتأمّل»([366]).

الثالث: خوف فوات الاضطراري من عرفة. وفي (المستند): «وهو مذهب الحلّي في السرائر، وحكي عن محتمل الحلبي»([367]) وهو أبو الصلاح(ره).

الرابع: إنّه إذا زالت الشمس من يوم التروية وخاف فوت الوقوف فله العدول، وإن لم يخف الفوت فهو مخيّر بين العدول والإتمام. حكاه صاحب الجواهر عن بعض متأخري المتأخرين([368]).

الخامس: زوال يوم التروية، فإن تمكّن من إتمام عمرته قبل زوال يوم التروية فهو، وإلا بطلت متعته ويجعلها حجةً مفردةً، حكي ذلك عن والد الصدوق والمفيد([369]).

السادس: غروب الشمس من يوم التروية. اختاره الصدوق في (المقنع) والمفيد في (المقنعة)([370]).

السابع: زوال الشمس من يوم عرفة. وفي (المستند): «اختاره الشيخ في المبسوط والنهاية، وحُكي عن الإسكافي، والقاضي في (المهذّب)، وابن حمزة في الوسيلة، واختاره في المدارك والذخيرة والكفاية»([371]).

ولا يخفى على الخبير التشويش في نسبة بعض هذه الأقوال إلى أصحابها، كما في استظهار صاحب (الجواهر) اختيار (المبسوط) و(النهاية) و(الوسيلة) و(المهذّب) القول الأوّل، وتصريح صاحب (المستند) باختيار هؤلاء القول السابع.

والأساس في هذا الاختلاف هو اختلاف الروايات نفسها، وهي كثيرة، منها:

1 ـ رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله(ع): المرأة تجيء متمتّعةً فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: إن كانت تعلم أنّها تطهر وتطوف بالبيت وتحلّ من إحرامها وتلحق الناس بمنى، فلتفعل([372]).

والعادة المتّبعة عند الحجّاج ـ ما عدا الشيعـة في هذا الزمـان ـ هي أنّهم ينطلقون من منى إلى عرفة صباح اليوم التاسع، بعد أن يكونوا قد باتوا تلك الليلة في منى. وعلى هذا، فآخر فرصة تبيّنها هذه الرواية لإدراك المتعة هي القدرة على إتمام الأعمال واللحاق بالناس في منى صباح اليوم التاسع للتوجّه معهم إلى عرفة. ومثلها الرواية التالية:

2 ـ شعيب العقرقوفي قال: خرجت أنا وحديد، فانتهينا إلى البستان يوم التروية، فتقدّمت على حمار، فقدمت مكّة، فطفت وسعيت وأحللت من تمتّعي، ثم أحرمت بالحجّ، وقدم حديد من الليل، فكتبت إلى أبي الحسن(ع) أستفتيه في أمره، فكتب إليّ: مُره يطوف ويسعى ويحلّ من متعته ويحرم بالحجّ ويلحق الناس بمنى ولا يبيتنَّ بمكّة([373]).

ومثلها الرواية التالية:

3 ـ ابـن بكيـر، عن بعض أصحابنـا، أنّه سـأل أبا عبدالله(ع) عن المتعـة، متى تكون؟ قال: يتمتّع ما ظنّ أنّه يدرك الناس بمنى([374]).

ومثلها الرواية التالية:

4 ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(ع) قال: المتمتّع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى([375]).

ومثلها الرواية التالية:

5 ـ صحيحة مرازم بن حكيم قال: قلت لأبي عبدالله(ع): المتمتّع يدخل ليلة عرفة مكّة، أو المرأة الحائض متى يكون لها المتعة؟ قال: ما أدركوا الناس بمنى([376]).

ومثلها الرواية التالية:

6 ـ محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله(ع) إلى متى يكون للحاجّ عمرة ؟ قال : إلى السحر من ليلة عرفة([377]).

باعتبار أنّ من يؤدّي أعمال العمرة في سحر ليلة عرفة، يستطيع عادةً أن يدرك الناس في منى وهم يتّجهون إلى عرفة.

7 ـ معتبرة يعقوب بن شعيب المحاملي قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يخف فوت الموقفين([378]).

وربما يُستفاد من هذه الرواية كفاية إدراك ولو الوقوف الاضطراري من المشعر، إذ بذلك لا يكون قد فاته الموقفان. ولكن الظاهر منها هو الموقفان الاختياريان، بقرينة أنّ الفرض فيها هو أنّه لم يحرم ليلة التروية، ما يجعل سعةً لإحرامه يوم التروية وصباح عرفة إلى الزوال.

8 ـ صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن المتمتّع يقدم مكّة يوم التروية صلاة العصر، تفوته المتعة؟ فقال: له ما بينه وبين غروب الشمس، وقال: قد صنع ذلك رسول الله(ص)([379]).

وهذه تحدّد غروب شمس يوم التروية مناطاً لفوات المتعة.

9 ـ معتبرة إسحاق بن عبدالله قال: سألت أبا الحسن موسى(ع) عن المتمتّع يدخل مكّة يوم التروية، فقال: للمتمتّع ما بينه وبين الليل([380]).

وهذا عبارة أخرى عن التحديد بالغروب، باعتبار أنّ الغروب هو الحدّ الفاصل ما بين النهار والليل([381]). ومثلها الرواية التالية:

10 ـ صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا قدمت مكّة يوم التروية وأنت متمتّع، فلك ما بينك وبين الليل أن تطوف بالبيت وتسعى وتجعلها متعةً([382]).

11 ـ موسى بن القاسم قال: روى لنا الثقة من أهل البيت، عن أبي الحسن موسى(ع) أنّه قال: أهلّ بالمتعة بالحج ـ يريد يوم التروية ـ إلى زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء، ما بين ذلك كلّه واسع([383]).

وهذه أوسع دلالةً من سابقاتها، من حيث صراحتها بعدم التحديد بأوّل الليل([384]).

12 ـ صحيحة جميل بن دراج، عن أبي عبدالله(ع) قال: المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر([385]).

وهذه تحتمل أحد معنيين: الأوّل: أنّ الزوال حدٌّ لبلوغ عرفة. وقد يُقال إنّه الظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع.

الثاني: وهو مختار السيد الأستاذ(قده)، أنّ له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة.

13 ـ محمد بن سرو [أو: سرد، أو: جزك] قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث(ع): ما تقول في رجل متمتّع بالعمرة إلى الحجّ وافى غداة عرفة وخرج الناس من منى إلى عرفات، أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه؟ إلى أيّ وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعاً بالعمرة إلى الحجّ، فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية، فكيف يصنع؟ فوقّع(ع): ساعة يدخل مكّة إن شاء الله، يطوف ويصلّي ركعتين، ويسعى ويقصّر، ويحرم بحجّته ويمضي إلى الموقف، ويفيض مع الإمام([386]).

وربما استفيد منها كفاية مسمّى الوقوف في عرفة، لمكان تعبير الإمام(ع) بالإفاضة مع الإمام؛ فإنّ من يصل مكّة في الصباح يحتاج إلى حوالي ساعتين للانتهاء من أعمال العمرة، وكذلك يستغرق قطعه المسافة ما بين مكّة وعرفة، والتي تبلغ اثنين وعشرين كيلو متراً تقريباً، عدّة ساعات أيضاً، خصوصاً مع ملاحظة وسائل النقل في ذلك الزمان، وحينئذٍ فمن الطبيعي أن لا يُدرك إلاّ أخر وقت الوقوف الاختياري، ليفيض بعدئذٍ مع الإمام.

وقد ناقش السيد الأستاذ(قده) في سندها، فقال: «وذكر صاحب المنتقى [أي (منتقى الجُمان) للشيخ حسن صاحب المعالم]، أنّ الراوي ليس محمد بن سرد أو سرو، بل هو محمد بن جزك وهو ثقة. ولكن ما ذكره مجرّد ظنّ لا يمكن الاعتماد عليه، وعبدالله بن جعفر وإن كان يروي عن محمد بن جزك، ولا يكون ذلك
قرينةً على أن الواقع في السند محمد بن جزك، لاحتمال أنّ عبدالله بن جعفر يروي عمّن اسمه محمد بن سرو أو سرد»([387]).

ولكن كون عبدالله بن جعفر يروي عن محمد بن جزك، من دون أن يعهد روايته عن الآخرين، فهذا يولّد اطمئناناً لا مجرد ظنّ، فلا يبعد الحكم باعتبار الرواية.

14 ـ صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل أهلّ بالحجّ والعمرة جميعاً، ثم قدم مكّة والناس بعرفات، فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف، قال: يدع العمرة، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه([388]).

والمعنى أنّ آخر حدّ للمتعة هو صباح اليوم التاسع عندما يصل الناس إلى عرفات.

15 ـ معتبرة إسحاق بن عبدالله، عن أبي الحسن(ع) قال: المتمتّع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة، يجعلها حجّةً مفردةً، وإنّما المتعة إلى يوم التروية([389]).

وهذه تحدّد بيوم التروية، فتنافي كل الروايات التي دلّت على امتداد وقت المتعة إلى يوم عرفة، وهي تلتقي مع الروايات المحدّدة بغروب الشمس من يوم التروية. ومثلها الرواية التالية:

16 ـ خبر موسى بن عبدالله قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن المتمتّع يقدم مكّة ليلة عرفة؟ قال: لا متعة له، يجعلها حجّةً مفردةً ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويخرج إلى منى ولا هدي عليه، وإنّما الهدي على المتمتّع([390]).

ومثلها الرواية التالية:

17 ـ معتبرة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى(ع) عن الرجل والمرأة يتمتّعان بالعمرة إلى الحجّ ثم يدخلان مكّة يوم عرفة، كيف يصنعان؟ قال: يجعلانها حجّةً مفردةً، وحدّ المتعة إلى يوم التروية([391]).

ومثلها الرواية التالية:

18 ـ صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا قدمت مكّة يوم التروية وقد غربت الشمس، فليس لك متعة، امض كما أنت بحجّك([392]).

19 ـ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا(ع) عن المرأة تدخل مكّة متمتّعةً فتحيض قبل أن تحلّ، متى تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر(ع) يقول: زوال الشمس من يوم التروية، وكان موسى(ع) يقول: صلاة المغرب من يوم التروية، فقلت: جعلت فداك، عامّة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحجّ، فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبي صالح، فقال: إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على إحرامها، أو تجدّد إحرامها للحجّ؟ فقال: لا، هي على إحرامها، قلت: فعليها هدي؟ قال: لا، إلا أن تحبّ أن تطوّع، ثم قال: أمّا نحن، فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة([393]).

وهذه تحدّد المتعة بزوال الشمس من يوم التروية، وفاقاً من الإمام الرضا(ع) لرأي الإمام الصادق(ع)، وخلافاً لأبيه الإمام الكاظم(ع)، مع ملاحظةٍ، وهي أنّ الرضا(ع) لم يرَ تنافياً بن الرأيين. أمّا ما ذكره(ع) أخيراً، فلعلّ الوجه فيه أنّه(ع) كان يقطن في المدينة، فإذا أراد أن يتحرّك نحو مكّة لأداء حجّ التمتّع بعد دخول ذي الحجّة، فإنّه لن يدرك المتعة، من ناحية أنّ مسيره(ع) يكون عادةً مع جملة من الأصحاب والخدم والحشم، أي ضمن قافلة، ومن الطبيعي أنّ حركة القافلة تكون أبطأ من حركة الأفراد المتفرّقين.

الرأي المختار في حدّ الضيق وفذلكته:

ونحن في تأمّلنا في هذه الروايات، على طريقتنا من عدم ملاحظة كلّ رواية على حدّة، بل ملاحظة كل الروايات جملةً، بحيث يكون بعضها قرينةً على بعض، بما يوضّح هيكلية الموضوع ككلّ؛ بضميمة ما كان متعارفاً ـ ولا يزال عند غير الشيعة في هذا الزمان ـ من وجود أمير للحجّ يسير ضمن خط سيرٍ واضح المعالم الزمانية والمكانية، فينطلق بالناس بعد زوال يوم التروية من مكّة إلى منى، ثم ينطلق بهم صباح عرفة بعد الصلاة من منى إلى عرفة، ليكونوا قد أخذوا أماكنهم عند الزوال، ثم يفيض بهم من عرفة إلى مزدلفة بعد الغروب، وهكذا، وجدنا أنّه لا يمكننا أن نستفيد تحدّد الضيق في المقام بحدٍّ خاص، وما ذكر إنّما يمثّل في أغلبه حدوداً للترخيص في التبديل، كانت تابعةً للظروف المتنوعة عند الناس في حركة السير في ذلك الزمان، من دون أن يكون فيها أيّ تحديد تعبّدي، فهي ليست تحديداً للإجزاء وعدمه، بل هي ترخيص في أن يترك المتعة إلى الإفراد على أساس أن يستطيع الحجّ مع الناس. من دون أن يعني ذلك بطلان متعته لو تأخّر لظروف خاصّة فلم يستطع إلاّ إدراك الموقف في ظرفه.

كما أنّنا لاحظنا أنّ هذه التفصيلات لا محلّ لها بحسب الظروف الموضوعية الموجودة للحجّ في زماننا؛ لاختلاف طريقة الناس في الحركة نحو عرفات، ولأنّ طبيعة وسائل النقل تُمَكِّن الآن من الوصول إلى عرفات في أقلّ من ساعة، بحيث يندر أن يصدق على أحدٍ أنّه قد ضاق به الوقت عن الوصول إلى عرفات.

لذا، فإنّ الموضوع الآن إنّما يتحدّد بظروف كل إنسان، والأساس فيه هو القدرة على القيام بوظيفته بأداء أعمال عمرة التمتّع، ثم إدراك الحجّ في ظرفه الطبيعي، فلا يجوز له التبديل إلى الإفراد حينئذٍ إلاّ إذا خاف فوت الموقف. فما ذكره سيد (العروة) من أنّ المستفاد من هذه الروايات على اختلاف ألسنتها، أنّ المناط في الإتمام إنّما هو عدم خوف فوت الوقوف بعرفة متينٌ جدّاً.

وينفتح هنا بحثٌ جديد، وهو أنّه هل المناط في ذلك هو إدراك اختياري عرفة، أو مسمّى الاختياري، أي الركن من الوقوف، أو يكفي إدراك اضطراري عرفة؟

مقتضى القاعدة لزوم إدراك الموقف الاختياري بتمامه؛ لأنّه هو الواجب، والاكتفاء بمسمّى الوقوف أو اضطراريه إنّما يكون في صورة عدم التمكّن من إدراك تمام الاختياري، وحينئذٍ لا يجوز له مع التمكّن منه التبديل إلى الإفراد.

وقد ذهب السيد الأستاذ(قده) إلى أنّ المناط في ذلك هو خوف فوات الركن من الوقوف الاختياري في عرفة، مستظهراً ذلك من ثلاثٍ من الروايات السابقة:

الأولى: رواية محمد بن جزك([394])، بتقريبٍ بيّنّاه عند نقل الرواية. ولكنّه(قده) لم يأخذ بها لعدم تماميتها سنداً عنده([395]).

ونحن وإنّ كنّا قد استظهرنا تمامية سندها، إلا أنّنا لا نوافق على ما استفاده(قده) منها؛ باعتبار عدم وضوح كون الإمام(ع) في مقام البيان من هذه الجهة، فإنّ كلامه(ع) واردٌ في مقام بيان طبيعة الأمور، وأنّه إذا استطاع أن يدرك الموقف بحيث يقف مع الناس ويفيض مع الإمام، فقد أدرك المتعة، فهي إذاً في مقام بيان إدراك أصل الموقف، وليست في مقام بيان تفاصيل هذا الإدراك.

الثانية: صحيحة الحلبي([396])، بتقريب أنّ «مقتضى إطلاقها أنّ العبرة في إتمام عمرة التمتّع بدرك الموقف في الجملة، فمن يفوت منه الموقف بتمامه يعدل إلى الإفراد، أمّا من يتمكّن من درك الموقف ولو بمقدار المسمّى، فليس له العدول إلى الإفراد، بل يستمرّ في عمرته.

وقد يُقال: إنّ المتفاهم من الصحيحة دوران العدول وعدمه مدار إمكان درك الموقف وعدمه، والوقوف الواجب إنّما هو بين الظهر إلى الغروب، فلا فرق في فوت الموقف بين كون الفائت واجباً ركنياً أو غيره.

والجواب: إنّ المفروض في الرواية أنّ الرجل دخل مكّة عندما كان الناس بعرفات، فلا يمكن له درك الموقف بتمامه من الظهر إلى الغروب، بل يفوت عنه بعض الموقف قطعاً، عدل أم لم يعدل، لأنّ السير من مكّة إلى عرفات ابتداءً من الظهر يستغرق زمناً كثيراً يفوت به بعض الموقف عنه، فلا معنى لسؤاله من الإمام(ع) أنّه يخشى فوت الموقف، فلا بدّ أن يكون سؤاله ناظراً إلى فوت الوقوف الركني، فتكون العبرة بخشية فوت الوقت الركني»([397]).

ولكنّ الملاحظ أنّ مسألة خوف فوت الموقف وردت في كلام السائل لا في كلام الإمام(ع)، والظاهر أنّ مقصوده من هذا السؤال هو فوت الموقف كما يجب الوقوف، ومن البعيد جدّاً التفاته إلى هذا التدقيق في المسألة، وأنّ هناك وقوفاً اختيارياً، وهناك الركن في الوقوف، وهناك وقوف اضطراري، وعلى هذا، فلا إطلاق فيها لما نحن فيه.

الثالثة: صحيحة جميل([398])، بدعوى أنّها «تدلّ على جواز إتمام عمرة التمتّع إلى زوال الشمس من يوم عرفة، ولا ريب أنّ السير من مكّة إلى عرفات ابتداءً من الزوال، خصوصاً في الأزمنة السابقة، يحتاج إلى زمان لا يقلّ عن أربع ساعات، لأنّ المسافة بين مكّة وعرفات أربعة فراسخ تقريباً، ولذا تقصر الصلاة في عرفات، فلا يدرك المتمتّع الموقف بتمامه، وإنّما يدرك الركن منه وهو المسمّى، فالرواية تدلّ على استمراره في عمرته ما لم يفت منه الموقف الركني، فيجوز الاكتفاء بالموقف الاختياري الركني. فمدلول هذه الرواية تطابق القاعدة المقتضية لصحّة الحجّ إذا أدرك الموقف الركني، ولذا حكي عن السيد في (المدارك)، أنّ الرواية نصٌ في المطلوب»([399]).

وهذه الاستفادة لا إشكال فيها، ولكن قد تدلّ الرواية على ما هو أكثر منها، من حيث الاكتفاء بالوقوف الاضطراري أيضاً.

مسألة [156]: من كان فرضه حجّ التمتّع إذا علم قبل أن يحرم للعمرة ضيق الوقت عن إتمامها قبل زوال الشمس من يوم عرفة، لم يجزئه العدول إلى حجّ الإفراد أو القِران، بل يجب عليه الإتيان بحجّ التمتّع بعد ذلك إذا كان الحجّ مستقرّاً عليه(1).

..............................................................................................................................................................

وعلى هذا، فالمنـاط ـ بحسب ما تقتضيه القاعـدة ـ هو التمكّن من إدراك تمام الموقف الاختياري. نعم، لو فُـرض أنّه حـاول أن يبلـغ الموقف الاختيـاري، بأن خـرج في سعـة من الوقـت، ولكنّه لم يستطـع ذلك لظـروف طارئة، فحينئذٍ يجزيه الركن من الوقوف، بل في الحالات الاضطرارية يجزيه حتى الوقوف الاضطراري. وهذا هو ما يُمكن أن يُفسّر به الاختلاف في الروايات.

(1) لأنَّ جميع روايات المسألة موردها من أحرم بالعمرة ثم ضاق وقته عن القيام بأعمالها، فلا يمكن التمسّك بها في من وصل إلى الميقات وعلم بضيق الوقت قبل أن يحرم، الذي هو مفروض المسألة، بل إنّ هذا حاله حال من علم بضيق الوقت في بلده؛ حيث يكون فاقداً لركنٍ مهم من أركان الاستطاعة، وهو السعة في الوقت. ولذلك لا يجب عليه الحجّ من قابل، إلاّ إذا كان الحجّ مستقرّاً في ذمّته.

ولكن في (العروة) أنّ عدوله إلى الإفراد غير بعيد. وفي (المستمسك) أنّه «يمكن أن يُستفاد الجواز بالأولوية، ولا سيّما بملاحظة أنّ البناء على عدم جواز العدول فيه يوجب سقوط الحجّ عنه بالمرّة، لأنّه لا يتمكّن من حجّ التمتّع، ولا يجزيه غيره»([400]).

وتقريب الأولوية في كلامه(قده)، أنّه إذا كان التبديل جائزاً في موردٍ لضيق الوقت رغم كونه على خلاف القاعدة ـ من حيث إنّ مقتضى القاعدة هو الإتيان بالعمل بمقتضى ما نواه وأحرم له ـ فإنّ جوازه ابتداءً لضيق الوقت في المورد الذي ليس فيه مخالفة للقاعدة يكون أولى.

مسألة [157]: إذا أحرم لعمرة التمتّع في سعة الوقت، وأخّر الطواف والسعي متعمّداً إلى زوال الشمس من يوم عرفة بطلت عمرته، ولا يجزئه العدول إلى الإفراد على الأظهر، وإن كان الأحوط الإتيان بأعماله رجاءً، بل الأحوط أن يأتي بالطواف وصلاته والسعي والحلق أو التقصير فيها بقصد الأعمّ من حجّ الإفراد والعمرة المفردة(1).

...............................................................................................................................................................

وبعبارة أخرى: الروايات السابقة وإن كان موردها هو خصوص من أحرم فضاق وقته، إلاّ أنّه لا خصوصية بحسب الظاهر للإحرام في ذلك، بل الخصوصية هي لضيق الوقت.

وأمّا كون سعة الوقت شرطاً في الاستطاعة، فإنّ هذا لا يؤثّر في المقام؛ لأنَّ الكلام هنا هو في من وصل إلى الميقات ويريد الإحرام، لا من هو لا يزال في بلده.

لكن مع ذلك تبقى المسألة مورداً للتأمّل.

(1) الوجه البدوي للحكم ببطلان العمرة في مفروض المسألة هو اختصاص روايات العدول بغير العامد، وهو ما كنّا قد اعتمدنا عليه سابقاً في إفتائنا بالبطلان، تبعاً للسيد الأستاذ(قده) وجماعة. إلاّ أنّنا وفي تأمّلٍ جديد في المسألة، نستشكل ـ وفاقاً للسيد في (العروة) وجملة من المحشّين عليها ـ في عدم جواز العدول، ونستظهر ـ وفاقاً للسيديـن الحكيـم والكلبايكانـي (قدهمـا) ـ الحكـم بصحّة العدول إلى الإفراد حينئذٍ.

وليُعلم بدايةً أنّ مورد كلامنا ليس هو من يتعمّد ترك الطواف والسعي بقصد ترك التمتّع عصياناً، فهذا لا إشكال في بطلان عمله، بل مورده هو من يؤخّر الإتيان بالأعمال تسويفاً، فيضيق وقته عن الإتيان بها ويفوته وقوف عرفة.

وللسيد الحكيم(قده) كلامٌ مفصّل في المسألة، ملخّصه ببيانٍ منّا، أنّه إن كانت نصوص العدول خاصّةً بغير العامد ـ كما هو المدّعى ـ فلازم ذلك في المقام هو الحكم بلزوم إتمام المتعة، لا الحكم بالبطلان، وذلك لأمرين:

الأول: عملاً بالأدلّة الدالة على أنّه يكفي في إدراك التمتّع إدراك المشعر، رغم كون المكلّف آثماً حينئذٍ في تسبيبه فوات عرفة. وذكر(قده) بأنّ لذلك عدّة نظائر في الفقه؛ فإنّ من أراق ماء الوضوء عمداً صحّ تيممه رغم كونه هو المسبّب لفقدان الماء، ومن أخّر الصلاة حتى لم يدرك إلاّ ركعة من الوقت لا تكون صلاته قضاءً بل أداءً رغم أنّه كان قادراً على الإتيان بها بكاملها داخل الوقت، وهكذا.

بل ذكر(قده) أنّه يمكن أيضاً منع اختصاص نصوص العدول بغير العامد، من حيث إنّها كغيرها من موارد الأبدال الاضطرارية ظاهرة في الشمول للعامد أيضاً.

الثاني: أنّ الأقرب في مقتضى الاحتياط حينئذ ليس هو العدول إلى الإفراد، بل الإتيان بالتمتّع، لأنّه مقتضى استصحاب بقاء تكليفه به([401]).

وقد ناقش السيد الأستاذ(قده) في ذلك جملةً وتفصيلاً، فذهب أوّلاً إلى عدم جواز العدول إلى الإفراد في المقام؛ لخروجه عن مورد الأخبار، حيث إنّ موردها هو من كان عاجزاً في نفسه، ولا إطلاق لها يشمل من كان متمكّناً ولكنّه بالاختيار جعل نفسه عاجزاً. ولا يمكن التعدّي منها إليه؛ اقتصاراً في ما خالف الأصل ـ وهو العدول ـ على المتيقّن من مورد الدليل.

ومنع ثانياً من كون تكليفه ـ بعد عدم شمول النصوص له ـ هو حجّ التمتّع والاكتفاء بإدراك المشعر، لأنّ ما دلّ على الاكتفاء بذلك مختصٌ بما إذا كان الاضطرار حاصلاً بطبعه وبنفسه، ولا يشمل ما إذا جعل نفسه عاجزاً اختياراً.

وأمّا تنظير المقام بباب الصلاة، فقد ادّعى(قده) أنّه في غير محلّه، لأنّ للصلاة خصوصيةً ليست للحجّ، وهي أنّ الصلاة لا تترك بحال بحسب بعض الأدلّة، بينما لا يوجد في الحجّ ما يدلّ على ذلك([402]).

 ولكننا نرى أنّ العدول إلى الإفراد في المقام هو الصحيح، من جهتين:

الأولى: إمكان استفادة الإطلاق من بعض روايات العدول، كما في:

1 ـ قول الصادق(ع) ـ في حديث ـ لأبان بن تغلب: أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت متمتّعاً وإلاّ كنت حاجّاً([403]).

2 ـ قول الكاظم(ع) في معتبرة إسحاق بن عبدالله: المتمتّع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة، يجعلها حجّةً مفردةً، وإنّما المتعة إلى يوم التروية([404]).

فإنّ هذين الخبرين مطلقان، ويمكن أن يشملا حتى العامد في المقام.

 الثانية: من جهة أنّ المفهوم العرفي لهذه الأخبار التي تنوّعت في خصوصياتها هو أنّ الله تعالـى لا يريـد للمكلّف أن يترك حجّه، وأنّه سبحانه قد جعل بدلاً ـ هو الإفراد ـ لكلّ من لم يتمكّن من إدراك المتعة، ويُفهم منها أنّ الأساس في ذلك هو ضيق الوقت، ولا دخل في ذلك للعمد وعدمه، فكلّ من ضاق وقته عن إدراك المتعة له أن يقلب حجّه إلى الإفراد.

وبهذا، فلا تصل النوبة إلى أدلة الاكتفاء بإدراك المشعر وتصحيح المتعة حينئذٍ، وإن كان يمكن أن يُقال بالعمل بها لو لم يتمّ دليل على جواز العدول، ولكن مع خفاء في ذلك، لأنّ إكمال عمرة التمتّع مع القدرة على الإتيان بعرفة هو ترك لعرفة اختياراً، فتأمّل.

وأمّا ما أشكل به السيد الأستاذ(قده) في مسألة الصلاة، فلا يرد على السيد الحكيم(قده)؛ لأنّ الاعتماد فيها ليس هو على قاعدة أنّ الصلاة لا تترك بحال، المستفادة ممّا ورد في المستحاضة، بل على قاعدة من أدرك ركعةً من الوقت فقد أدرك الوقت كلّه، التي تجعل للصلاة التامّة بدلاً اضطرارياً هو إدراك ولو ركعة من الصلاة، يُلجأ إليه حتى في صورة تعمّد تأخير الصلاة، وبذلك تصلح تنظيراً لما نحن فيه في باب الحجّ.

 

2 ـ حجّ الإفراد:

مرّ عليك أنّ حجّ التمتّع يتألّف من جزأين، هما: عمرة التمتّع والحجّ، والجزء الأول منه متّصل بالثاني، والعمرة تتقدّم على الحجّ.

وأمّا حجّ الإفراد فهو عمل مستقلٌ في نفسه، واجب مخيّراً بينه وبين حجّ القران ـ كما علمت ـ على أهل مكّة، ومن يكون الفاصل بين منزله وبين مكّة أقلّ من إثني عشر ميلاً، وفيما إذا تمكّن مثل هذا المكلّف من العمرة المفردة وجبت عليه بنحو الاستقلال أيضاً.

وعليه، فإذا تمكّن من أحدهما دون الآخر وجب عليه ما يتمكّن منه خاصّة، وإذا تمكّن من أحدهما في زمان ومن الآخر في زمان آخر وجب عليه القيام بما تقتضيه وظيفته في كلّ وقت.

وإذا تمكّن منهما في وقت واحد وجب عليه ـ حينئذٍ ـ الإتيان بهما، والمشهور بين الفقهاء في هذه الصورة وجوب تقديم الحجّ على العمرة المفردة، وهو الأقوى.

مسألة [158]: يشترك حجّ الإفراد مع حجّ التمتّع في جميع أعماله، ويفترق عنه في أمور:

أولاً: يعتبر في حجّ التمتّع وقوع العمرة والحجّ في أشهر الحجّ من سنة واحدة ـ كما مرّ ـ ولا يعتبر ذلك في حجّ الإفراد.

ثانياً: يجب النحر أو الذبح في حجّ التمتع ـ كما مرّ ـ ولا يعتبر شيء من ذلك في حجّ الإفراد.

ثالثاً: الأحوط عدم تقديم الطواف والسعي على الوقوفين في حجّ التمتّع إلاّ لعذر، وإن كان الحكم بالجواز له وجه، وسيأتي تفصيله في المسألة 393، ويجوز ذلك في حجّ الإفراد.

رابعاً: إنّ إحرام حجّ التمتّع يكون بمكّة، وأمّا الإحرام في حجّ الإفراد فيختلف الحال فيه بالنسبة إلى أهل مكّة وغيرهم كما سيأتي في فصل المواقيت.

خامساً: يجب تقديم عمرة التمتّع على حجّه، ولا يعتبر ذلك في حجّ الإفراد.

سادساً: الأحوط عدم الإتيان بطواف مندوب بعد الإحرام لحجّ التمتّع وقبل التوجّه إلى عرفات، ولكن الأقوى جواز ذلك، ولو فعل فلا بأس بتجديد التلبية بعد الإتيان به، أمّا في حجّ الإفراد فهو جائز بلا إشكال.

مسألة [159]: إذا أحرم لحجّ الإفراد ندباً، جاز له أن يعدل إلى عمرة التمتّع فيقصّر ويحلّ، إلاّ فيما إذا لبّى بعد السعي، فليس له العدول ـ حينئذٍ ـ إلى التمتّع.

مسألة [160]: إذا أحرم لحجّ الإفراد ودخل مكّة جاز له أن يطوف بالبيت ندباً، ولكن الأحوط الأولى أن يجدّد التلبية بعد الفراغ من صلاة الطواف إذا لم يقصد العدول إلى التمتّع في مورد جوازه. وهذا الاحتياط يجري في الطواف الواجب أيضاً.

3 ـ حجّ القِران:

مسألة [161]: يتّحد هذا العمل مع حجّ الإفراد في جميع الجهات، غير أنّ المكلّف يصحب معه الهدي وقت الإحرام، وبذلك يجب الهدي عليه. والإحرام في هذا القسم من الحجّ كما يكون بالتلبية يكون بالإشعار أو بالتقليد. وإذا أحرم لحجّ القِران لم يجز له العدول إلى حجّ التمتّع.

 

 

 

[ المبحث الرابع ]

[ مواقيت الإحــــرام ]

 

الفصل الأوّل: في أعمال عمرة التمتّع

وفيه مباحث:

المبحث الأوّل: في الإحرام

وتفصيل أحكامه في فروع:

الفرع الأوّل: مواقيت الإحرام:

هناك أماكن خصّصتها الشريعة الإسلامية المطهّرة للإحرام منها، ويجب أن يكون الإحرام من تلك الأماكن، ويسمّى كلّ منها ميقاتاً، وهي ثمانية(1):

...............................................................................................................................................................

(1) ممّا لا شكّ فيه ـ وبإجماع المسلمين ـ أنّ رسول الله(ص) قد وقّت عدّة مواقيت للإحرام. ولا بدّ قبل بيان هذه المواقيت من تحديد الموقف إزاء نقطة أساس في البحث، وهي أنّه هل يجب الإحرام من خصوص هذه المواقيت، أو أنّ الإحرام منها مخصوصٌ بمن يمرّ عليها؟ ثمّ إذا انتهينا إلى أنّ الإحرام منها مخصوصٌ بمن يمرّ عليها، فمن أين يحرم حينئذٍ من لا يمرّ عليها؟ فالبحث إذاً يقع في مقامين.

وهذا البحث هو محلّ ابتلاء شديد في زماننا؛ لأنّ الكثيرين من الحجّاج يأتون مباشرةً بالطائرة إلى جدّة، ولا يقع في طريقهم إلى مكّة أيّ ميقات من المواقيت.

المقام الأوّل: هل الإحرام من المواقيت مخصوصٌ بمن يمرّ عليها؟

إنّ نقطة الانطلاق الصحيحة لهذا البحث هي الروايات، نستعرض منها ما يمكن أن يكون له دلالة في هذا المجال:

1 ـ صحيحة أبي أيوب الخزّاز قال: قلت لأبي عبدالله(ع): حدّثني عن العقيق، أوقت وقّته رسول الله(ص)، أو شيء صنعه الناس؟ فقال: إنّ رسول الله(ص) وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ووقّت لأهل المغرب الجحفة، وهي عندنا مكتوبة مهيعة، ووقّت لأهل اليمن يلملم، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقّت لأهل نجد العقيق وما أنجدت([405]).

والمستفاد عرفاً من هذه الرواية، أنّ المواقيت إنّما هي لمن يمرّ بها؛ باعتبار أنّ المواضـع التي حدّدهـا رسـول الله (ص) لأهـل كلّ منطقـة ليحرمـوا منهـا تقع ـ بحسب خطّ السير في ذلك الزمان ـ في طريقهم إلى مكّة([406])؛ فلا يمكن استفادة الإطلاق في الرواية.

وقد لا يكون من الطبيعي أن يُحدّد رسول الله(ص) المواقيت البعيدة عن خطّ السير الذي يسير عليه الناس؛ لأنّ ذلك قد يكون حرجاً عليهم، كما نلاحظه الآن في مسير الحجّاج والمعتمرين إلى ميقات الجحفة من دون أن يكون واقعاً في طريقهم إلى مكّة.

 

مواقيت الإحرام

2 ـ حسنة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله(ص) لا تجاوزها إلا وأنت محرم، فإنّه وقّت لأهل العراق ـ ولم يكـن يومئـذٍ عـراق([407]) ـ بطن العقيق من قِبـل أهل العراق، ووقّت لأهل اليمن يلملم، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقّت لأهل المغرب الجحفة، وهي مهيعة، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة، فوقته منزله([408]).

قد يُقال باستفادة الإطلاق من هذه الرواية، بدعوى أنّ قوله: "من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم ..."، يوحي بأنّ الحجّ لا يتمّ إلاّ إذا أحرم من هذه المواقيت، سواء كان طريقه عليها أو لم يكن.

لكنّ قوله: "لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم" الواقع في ذيل القول السابق، يمنع من استفادة الإطلاق، ويوضح أنّ المراد إنّما هو بيان حرمة تجاوز الميقات من دون إحرام، ومن الواضح أنّ من لا يمرّ على الميقات لا يصدق عليه أنّه تجاوزه حتى يُنهى عنه.

أضف إلى ذلك أنّ قوله(ع): "ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة فوقته منزله"، يوحي بلا شكّ ـ بقرينة السياق ـ بما استفدناه؛ فكأنّ الإمام(ع) بحسب ما فهمه من حديث رسول الله(ص)([409])، أراد أن ينبّه إلى أنّ هذه المواقيت هي لمن يمرّ عليها، أمّا من ليس له طريق عليها، مثل من كان منزله بعدها ممّا يلي مكّة، فلا يجب عليه الرجوع إليها، بل يحرم من منزله.

3 ـ حسنة الحلبي قال: قال أبو عبدالله(ع): الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله(ص)، لا ينبغي لحاجّ ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهو مسجد الشجرة، يصلّي فيه ويفرض الحجّ، ووقّت لأهل الشام الجحفة، ووقّت لأهل النجد العقيق، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقّت لأهل اليمن يلملم، ولا ينبغي لأحدٍ أن يرغب عن مواقيت رسول الله(ص)([410]).

وقد يُقال ـ كما عليه السيد الأستاذ(قده)([411]) ـ بدلالة قوله: "ولا ينبغي لأحدٍ أن يرغب عن مواقيت رسول الله(ص)" على عدم جواز الإحرام من غير هذه المواقيت، فإنّه قولٌ مطلق حتى لمن لم يكن طريقه على أحد هذه المواقيت.

ولكن التأمّل في صدر الرواية يمنع من انعقاد الإطلاق في الذيل؛ لأنّ القبلية والبعدية الواقعتين مورداً لمتعلّق النهي فيه لا تصدقان إلاّ بالمرور على الميقات، وحينئذٍ لا يكون من لا يمرّ على الميقات مشمولاً لهذا النهي، ومعه، كيف ينعقد للرواية ظهور في الإطلاق؟!

كما أنّ التعبير بعبارة "قبلها ولا بعدها" يوحي بأنّ المواقيت تقع على الطريق العادية التي كان يسلكها الناس في مسيرهم إلى منطقة مكّة.

4 ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه(ع)، قال: سألته عن المتعة في الحجّ، من أين إحرامها وإحرام الحجّ؟ قال: وقّت رسول الله(ص) لأهل العراق من العقيق، ولأهل المدينة ومن يليها من الشجرة، ولأهل الشام ومن يليها من الجحفة، ولأهل الطائف من قرن [المنازل]، ولأهل اليمن من يلملم، فليس لأحدٍ أن يعدو من هذه المواقيت إلى غيرها([412]).

وهذه أيضاً ادّعى السيد الأستاذ(قده) دلالتها على وجوب الذهاب إلى المواقيت للإحرام منها([413]).

لكنّ ظاهرها أنّه لا بدّ لكلّ فئة من أن تتقيّد بالميقات الذي يخصّها، فأهل المدينة يتقيّدون بالشجرة، وأهل اليمن بيلملم، وهكذا؛ لأنّه ليس هناك مواقيت أخرى حتى يُقال إنّه عدل عنها، فالمواقيت هي هذه فقط. وعلى هذا، لا تكون الرواية مطلقةً لمن لا يمرّ على الميقات.

وقد يُقال إنّ هذا التفسير يواجه إشكالاً حاصله: إن متعلّق النهي هنا هو "هذه المواقيت" أي جميعها، فيكون الفرد المنهي عنه هو كلّ ما ليس بميقات، فلا يكون الملحوظ ما ذُكر من أنّه العدول من ميقات إلى آخر. وحينئذٍ ما هو ليس بميقاتٍ إمّا أن يحاذي الميقات أو لا، فإن حاذاه صحّ الإحرام منه بلا إشكال لما يأتي من الدليل الخاص على ذلك، فلا يبقى إلاّ المكان الذي لا يحاذي الميقات ممّا يصحّ أن يكون هو الفرد المنهي عن العدول إليه، وبالملاحظة يتبيّن أنّ هذا المورد هو مورد كلامنا نفسه، أي من يسلك طريقاً لا يمرّ بميقات ولا بما يحاذيه، فيكون منهياً عن الإحرام منه حينئذٍ، وملزماً بالإحرام من الميقات.

ولكن الظاهر أنّ الرواية واردة في بيان تحديد ميقات كلّ بلد لأهله، فعليهم أن يحرموا منه، وليست في مقام بيان الموارد الأخرى، سواء أكانت ميقاتاً أم غيره، ومن الطبيعي أنّها تدلّ على التزام أهلها بها، والظاهر أنّ ذلك كان على أساس ملاحظة النبي(ص) للطرق التي تؤدّي إليها، كما أشرنا.

وبهذا يتبيّن أنّه لا دلالة في الروايات ـ بحسب الفهم العرفي ـ على الإلزام بالإحرام من الميقات لكلّ أحد، بل هي خاصة بمن يمرّ على الميقات، فلا يمكننا على أساسها إلزام من لا يمرّ في طريقه إلى مكّة على ميقات من المواقيت بالذهاب إلى أحد المواقيت للإحرام منه.

كما أنّ الحجّ أمرٌ عبادي، وما ورد من المواقيت مخصوصٌ بالطرق التي تقع عليها، أمّا غيرها من الطرق القديمة أو التي شُقَّت حديثاً، وخصوصاً الطرق المستجدّة مثل طريق الجوّ، فهذه لم يثبت أنّ رسول الله(ص) قد بيّن فيها شيئاً؛ فعلـى أيّ أسـاس نُلزِمُ من يمرّ علـى هـذه الطـرق بالذهـاب إلى أحـد المواقيت ـ كالجحفة مثلاً ـ للإحرام منه([414])؟

المقام الثاني: محلّ إحرام من لا يمرّ على أحد المواقيت.

ليست هذه المسألة جديدة الطرح بين الفقهاء، بل لها سابقة في تراثنا الفقهي، كفرضٍ فرضه العلماء؛ قال في (الشرائع): «ولو حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت، قيل: يحرم إذا غلب على ظنّه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة»([415]).

وقد تعدّدت النظريات في كيفية إحرام المكلّف حينئذٍ، فكان هناك أربع نظريات:

النظرية الأوّلى: لزوم الذهاب إلى أحد المواقيت والإحرام منه.

وهذا هو مختار سيدنا الأستاذ الخوئي(قده) وجماعة([416])؛ وذلك على أساس ما فهمه(قده) من بعض الروايات التي قد تعرّضنا لمقدار دلالتها في المقام الأوّل.

بل قد التزم بعض أعلام تلامذته بلزوم الذهاب إلى ميقات أهل بلاده والإحرام منه، معتبراً أنّ الإحرام من تلك المواقيت المعيّنة هو من واجبات الحجّ، كما هي تكبيرة الإحرام في الصلاة، فلا يسوغ تركه باختيار طريق آخر لا يمرّ عليها([417]).

وقد تبيّن لك ممّا قدّمناه في المقام الأوّل عدم دلالة الروايات على ذلك، وورودها أساساً في من كان طريقه ـ بحسب طبيعة الطرق في ذلك الزمان ـ على هذه المواقيت.

النظرية الثانية: الاكتفاء بالإحرام من محاذاة أحد المواقيت.

وقد واجهت هذه النظرية إشكالاً مِن كلّ مَن حصر المحاذاة بمسجد الشجرة، والذي هو مورد النصّ، كما هو رأينا ورأي سيدنا الأستاذ(قده). كما واجه إشكالاً آخر من ناحية مفهوم المحاذاة، وأنّه هل يصدق على البعيد أيضاً أو لا؟ مضافاً إلى إشكال ثالث في ما به تُحرز المحاذاة، فهل يشترط العلم أو يكفي غلبة الظنّ؟ إلى غير ذلك من إشكالات([418]).

وها هنا رأيٌ للشهيد الثاني(قده) فسّر فيه غلبة الظنّ بمحاذاة أقرب المواقيت ببلوغ محلٍّ بينه وبين مكّة بقدر ما بين مكّة وأقرب المواقيت إليها، وهو مرحلتان علماً أو ظنّاً. ووجه هذا القول أنّ هذه المسافة لا يجوز لأحدٍ قطعها إلا محرماً من أيّ جهة دخل، وإنّما الاختلاف يقع في ما زاد عليها، فهي قدر متّفق عليه([419]).

ويرد عليه ما في (المدارك) من أنّ حرمة تجاوز هذه المسافة إلاّ محرماً إنّما ثبتت مع المرور على الميقات لا مطلقاً([420]).

وقد جاء من اعتبر أنّ الخلاف في المسألة لا فائدة فيه، على أساس أنّ المواقيت محيطةٌ بالحرم من كل الجوانب، فهو لا شكّ سوف يحاذي شيئاً منها([421]).

ولكننا لا نرى أنّه يمكن أنّ تُحلَّ المشكلة دائماً عبر هذا الطريق، وخصوصاً في ما يخصّ القادمين إلى جدّة؛ وذلك من ناحية عدم تسليمنا بما ادّعاه بعض الفقهاء من عدم تصوّر طريق لا يمرّ على ميقات ولا يكون محاذياً لواحد منها؛ لأنّ هذا القول يبتني ـ في ما نلاحظ ـ على تحميل مفهوم المحاذاة توسعةً لا يتحمّلها عند العرف، فإنّ ما يفهمه العرف من المحاذاة بعد ملاحظة مناسبات الحكم والموضوع في دليلها، لا يرقى إلى القول بالمحاذاة في كثير من الموارد التي يُدَّعى صدق المحاذاة فيها، فكيف تصدق المحاذاة في الطائرة؟! وكيف تصدق مع البعد الذي قد يتجاوز أحياناً عشرات الأميال إلى مئات الأميال؟!

ومن الواضح أنّه مع الشكّ في صدق المفهوم لا يمكن التمسّك بالدليل.

النظرية الثالثة: التوسُّل بالإحرام بالنذر، استناداً إلى الدليل الذي دلّ على جواز الإحرام بالنذر قبل الميقات([422]). وحينئذٍ يمكن للقادم إلى جدّة أن ينذر الإحرام من بلده، أو من الطريق قبل الوصول إلى جدّة بمقدار معتدٍّ به، أو من جدّة نفسها في بعض الحالات([423]).

ولا إشكال في هذه النظرية إلاّ من حيث التطبيق؛ فإنّ النذر إنّما يصحّح الإحرام من المكان الذي يكون فيه الإحرام أكثر مشقّة ممّا لو أحرم من الميقات، بينما الملاحظ أنّ من ينذر الإحرام من مطار بلده قبل الصعود إلى الطائرة، أو من الطريق، فضلاً عن نذر الإحرام من جدّة، إنّما يريد من ذلك الفرار من الذهاب إلى الجحفة، لكونه أكثر مشقّةً عليه. وحينئذٍ لا يمكن الركون إليه في حلّ المشكلة.

نعم، إذا اعتبرنا أدنى الحلّ من جملة المواقيت، فيمكن حينئذٍ تصحيح الإحرام من جدّة بالنذر، حيث يتحقّق حينئذٍ نذر الإحرام قبل الميقات.

النظرية الرابعة: الاكتفاء بالإحرام من أدنى الحلّ.

وقد تعدّدت كلمات الفقهاء في وجه ذلك:

1 ـ ما فسّر به فخر المحققين كلام والده العلاّمة(قدهما) ثمّ قوّاه هو أيضاً، من أنّ أدنى الحلّ ميقاتٌ للمضطرين كالناسي، وهذا ـ الذي حجّ على طريق لا يؤدّي إلى ميقات ولا إلى محاذاته ـ منهم؛ لتعذّر الميقات([424]).

وتجدر الإشارة إلى أنّ المقصود بالتعذّر في كلامه ليس إلاّ أنّ الميقات ليس على طريقه، فإنّ هذا هو مقتضى عبارة والده التي علّق عليها، وهي: «ومن حجّ على ميقات وجب أن يحرم منه، وإن لم يكن من أهله، ولو لم يؤدّ الطريق إليه أحرم عند محاذاة أقرب المواقيت إلى مكّة، وكذا من حجّ في البحر، ولو لم يؤدِّ إلى المحاذاة، فالأقرب إنشاء الإحرام من أدنى الحلّ»([425]).

2 ـ ما عن الفاضل الهندي(قده) من أنّ أدنى الحلّ ميقاتٌ في الجملة، مع أصالة البراءة من الإحرام قبله، وأنّ ما قبله ليس من المواقيت ولا ممّا يحاذيها، فيكون الإحرام فيه بمنزلة الإحرام قبل الميقات المنهي عنه([426]).

3 ـ ما ذكره السيد الحكيم(قده) من التمسّك بإطلاق ما دلّ على عدم جواز دخول الحرم بلا إحرام، مع أصالة البراءة عن وجوب الإحرام قبله([427]).

 

مواقيت الإحرام

وقد ناقش السيد الأستاذ(قده) بشكل مفصّل في ما ذكره السيد الحكيم(قده)، وخلاصة ما ذكره، أنّ الروايات الدالة على عدم جواز دخول الحرم من دون إحرام، مخصّصة بالروايات الدالة على عدم جواز دخول مكّة من دون إحرام، وهي على كلّ حال لا دلالة فيها على تعيين موضع الإحرام، فلا تكون دالةً على لزوم إحرام من يريد النسك من أدنى الحلّ.

وأمّا أصالة البراءة عن وجوب الإحرام من المواقيت، فإنّها لا تثبت لزوم الإحرام من أدنى الحلّ؛ للعلم الإجمالي الثلاثي الأطراف في المقام، فإنّ الأمر يدور هنا بين لزوم الإحرام من الميقات، أو الإحرام من أدنى الحلّ، أو الإحرام من مرحلتين من مكّة، أي ما يساوي أقرب المواقيت إلى مكّة، كما ذهب إليه جماعة، فإجراء البراءة حينئذٍ عن لزوم الإحرام من الميقات، لا يعيّن بالضرورة لزوم الإحرام من أدنى الحلّ.

ثم ركّز(قده) المسألة أخيراً على أساس أنّ النصوص تدلّ على لزوم الذهاب إلى المواقيت المعروفة والإحرام منها وعدم جواز العدول والإعراض عنها إلى غيرها([428]).

ولكننا نلاحظ أنّه لا واقعية لهذا العلم الإجمالي؛ لأنّ الإحرام من الميقات مخصوصٌ بمن مرّ عليه؛ فإنّه قد تبيّن لك ممّا قدّمناه في المقام الأوّل عدم الإطلاق في روايات المواقيت، فلا تكون دالةً على لزوم الإحرام دائماً من المواقيت حتى لمن ليس طريقه عليها.

وكذا لا دليل على الإحرام ممّا يساوي أقرب المواقيت إلى مكّة، لأنّه لا خصوصيـة لهـذه الأقربيـة إلاّ من خـلال ادّعـاء المحـاذاة، وهو غير ظاهر، لأنّها ـ على فرض القول بها في مطلق المواقيت ـ ليست مصداقاً عرفياً لذلك، فيتعيّن الإحرام من أدنى الحلّ اتّباعاً لما فعله رسول الله(ص) في عمرته.

وأمّا التمسّك بالإطلاق، فنحن لا نتمسّك بإطلاق ما دلّ على عدم جواز دخول الحرم بلا إحرام حتى يرد علينا الإشكال، بل نتمسّك بإطلاقات ما دلّ على وجوب الإحرام للحجّ والعمرة، وهي في رأينا لا تعيّن أدنى الحلّ، فيتخيّر

المكلّف في الإحرام من أيّ مكان شاء في منطقة الحجّ، إلى أن يصل إلى أدنى الحلّ، فيواجهه حينئذٍ ما دلّ على عدم جواز دخول الحرم لمن يريد النسك إلاّ محرماً.

بل لا يبعد ـ كما ذكرنا سابقاً([429]) ـ أن يكون أدنى الحلّ من جملة المواقيت، فيجوز الإحرام منه حينئذٍ.

لا يُقال: إذا تمّ كون أدنى الحلّ ميقاتاً من جملة المواقيت، فينبغي الإفتاء حينئذٍ بوجوب الإحرام منه في مورد المسألة لا جوازه فقط، بل على هذا لا يجوز الإحرام قبله أيضاً إلاّ بالنذر.

لأنّ الظاهر أنّه ليس من المواقيت بالمعنى المصطلح، بل حاله حال إحرام الحاجّ والمعتمر من منزله، فكما أنّ الإحرام من المنزل لا يصيّره ميقاتاً عامّاً، فكذلك لا يُستفاد من دليل جواز الإحرام من أدنى الحلّ إلاّ أنّه ممّا يمكن الإحرام منه كغيره ممّا لم يكن ميقاتاً، فتدبّر.

ثمّ إنّه ممّا يؤيّد ما ذهبنا إليه من عدم لزوم الذهاب إلى الميقات، وكفاية الإحرام من جدّة، ـ بل قد يدلّ عليه ـ ما ورد مرسلاً في (الفقيه)([430]) ومسنداً بطريق معتبر في (الكافي)([431])، من أنّ رسول الله(ص) أحرم بعمرة الحديبية من عسفان، مع أنّ عسفان ليست ميقاتاً؛ فإنّ هذا يفيد أنّ من كان بعد الميقات إلى مكّة حتى لو لم يكن منزله هناك، لا يجب عليه الرجوع إلى الميقات، بل يحرم من مكانه. فكأنّ هذه الرواية نصٌ في ما نحن فيه.

وقد تعرّض السيد الأستاذ(قده) إلى هذه الرواية، وبيّن فيها هذه الاستفادة صراحةً، ولم يشكل عليها. نعم، هو قد ناقش في الرواية من ناحية أخرى، تخرج معها من إمكانية الاستدلال، وهي أنّ الوارد في الرواية أنّ رسول الله(ص) قد أهلّ بالعمرة من عسفان، ولم يرد فيها أنّه قد أحرم منها، والإهلال غير الإحرام؛ فإنّه ـ كما تؤيده اللغة ـ رفعُ الصوت بالتلبية، فهو(ص) قد أحرم بالعمرة من الشجرة، ولكنّه لم يرفع صوته بالتلبية إلاّ من عسفان([432]).

 

       
 

مواقيت الإحرام

 
   

الأوّل: ذو الحليفة، وتقع بالقرب من المدينة المنوّرة، وهي ميقات أهل المدينة، ويجوز الإحرام من مسجدها المعروف بـ (مسجد الشجرة) اختياراً، محاذياً له من اليمين واليسـار، مع عدم البعد الكثير(1)، بل إنّ
...........................................................................................................................................................

 

 

 

 

 

لكنّ هذه المناقشة كما ترى؛ أوّلاً: لأنّ الواضح من سياق الرواية أنّها في مقام بيان مواطن الإحرام ومواضعه، وإلاّ لم يكن هناك حاجة إلى أن يقول: أحرم من كذا، وأهلّ من كذا.

وثانياً: لأنّ الإهلال كثيراً ما يستعمل بمعنى الإحرام، حتى أصبح ينصرف إلى الذهن منه الإحرام. ويشهد لذلك تتبّع موارد استعمالاته في الروايات([433]).

وثالثاً: إنّه مع الإحرام من الشجرة، فالوارد أنّه يؤخِّر التلبية أو رفع الصوت بها إلى البيداء، فينافي ذلك ما ذكره(قده) هنا من رفع الصوت بها في عسفان.

على أنّه لا يظهر أنّ لعسفان خصوصيةً في رفع الصوت. مضافاً إلى أنّ الغالب في عالم الإحرام هو رفع الصوت بالتلبية عند الإحرام.

(1) اختلفت الروايات في التعبير عن هذا الميقات؛ ففي بعضها أنّ الميقات هو ذو الحليفة([434])، وفي أخرى أنّه الشجرة([435])، وفي ثالثة أنّه ذو الحليفة وهي الشجرة([436])، وفي رابعة أنّه ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة([437])، وفي خامسة أنّ رسول الله(ص) أحرم من مسجد الشجرة([438]).

وقد تعدّدت تبعاً لذلك عبارات الفقهاء أيضاً([439]).

وفي (العروة)، أنّ «الأحوط الاقتصار على المسجد، إذ مع كونه هو المسجد فواضح، ومع كونه مكاناً فيه المسجد، فاللازم حمل المطلق على المقيّد»([440]).

وتأمّل فيه في (المستمسك) بأنّ «نسبة المسجد إلى ذي الحليفة ـ بناءً على أنّه المكان الذي فيه المسجد ـ نسبة الجزء إلى الكلّ، لا الفرد إلى الكلّي التي هي نسبة المقيّد إلى المطلق»([441]).

ولكن لا يبعد أن يكون من اعتبر المسألة من باب المطلق والمقيّد قد نظر إلى أنّ الإحرام من ذي الحليفة عندما يُنسب إلى كل مواقعه، فإنّ له أفراداً، فقد يُحرم من المسجد، وقد يحرم من هذه الجهة، وقد يُحرم من تلك الجهة، وحينئذٍ فكلمة "ذو الحليفة" تشمل المسجد وغيره، باعتبار انطباق العنوان عليه، فتكون من المطلق، ويكون المسجد من المقيّد أيضاً بهذا اللحاظ.

ولكن الظاهر عدم الخصوصية للمسجد، وذلك أوّلاً: من ناحية أنّه لم يُذكر الإحرام من المسجد ـ كما يقـول أستاذنـا الخوئـي(قده) ـ إلاّ في روايـة واحـدة مرسلة رواها الصدوق(ره) في (علل الشرائع)، بيّن فيها العلّة التي بها أحرم رسول الله(ص) من مسجد الشجرة ولم يحرم من موضعٍ دونه([442]).

وثانياً: من ناحية أنّه لم يكن هناك مسجدٌ عند الشجرة زمان رسول الله(ص) أبداً، فبدايةً كانت الشجرة، نزل رسول الله(ص) عندها للصلاة في طريقه إلى حجّة الوداع، ثم بعد ذلك قلع المسلمون الشجرة وبنوا في موضعها أسطوانة المسجد الذي شيّدوه هناك. هذا ما ذكره العلاّمة المحقّق الشيخ عبدالهادي الفضلي(حفظه الله) في تعليقاته على كتاب (هداية الناسكين)([443]).

وممّا يؤكّد ذلك، أنّ أكثر الروايات الموجودة ـ سواء عند الشيعة أو السنّة ـ وخصوصاً تلك التي عدّدت المواقيت، قد ذكرت ذا الحليفة، ولم تؤكّد شرطية أن يكون الإحرام من المسجد، ما يوحي بعدم الخصوصية للمسجد.

بل إنّ ما ذكر المسجد منها، ذكره ـ كما هو الظاهر ـ بعنوان أنّه مكان الصلاة، كما في حسنة الحلبي عن الصادق(ع): الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله(ص)، لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، وهو مسجد الشجرة، يصلّي فيه ويفرض الحجّ([444]). فإطلاق مسجد الشجرة على ذي الحليفة بلحاظ أنّه موقع الصلاة قبل الإحرام، وباعتبار أنّه ربما يكون قد غلب هذا الاسم على ذي الحليفة في زمن الإمام(ع)، فأراد(ع) أن يُعرِّف ذا الحليفة بالاسم الذي يُعرف به في زمانه.

لذا، فالميقات في رأينا هو ذو الحليفة كلّه وليس خصوص مسجد الشجرة.

من سلك طريقاً آخر من المدينة لا يوصله إلى مسجد الشجرة، كفاه الإحرام من المكان الذي يحاذيه(1).

...............................................................................................................................................................

 (1) لا إشكال في هذا الحكم في خصوص مسجد الشجرة، لصحيحتي عبدالله بن سنان عن الصادق(ع) الواردتين فيه، الظاهر حكايتهما عن واقعة واحدة، وإنّما الاختلاف في المتن جاء من قبل الرواة، وهما:

1 ـ عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(ع) قال: من أقام بالمدينة شهراً وهو يريد الحج، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه، فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء([445]).

2 ـ عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(ع) قال: من أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهراً أو نحوه، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها([446]).

وقد ادّعى في (المستمسك) وجود المعارض لها، وهو:

1 ـ مرسلة الكليني قال: وفي رواية أخرى يحرم من الشجرة ثمّ يأخذ أيّ طريق شاء([447]).

2 ـ خبر إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي الحسن موسى(ع) قال: سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيام ـ يعني: الإحرام من الشجرة ـ وأرادوا أن يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها، فقال: لا ـ وهو مغضب ـ من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلا من المدينة([448]).

إلاّ أنّه عاد وذكر أنّهما لا يصلحان للمعارضة، لضعفهما، وهجرهما عند الأصحاب([449]).

وقد ناقشه السيد الأستاذ(قده) في ذلك بإثبات اعتبار خبر إبراهيم سنداً، إذ ضعفه إنّما هو من ناحية جعفر بن محمد بن حكيم الذي لم يوثّق في كتب الرجال، ولكنّه من رجال (كامل الزيارات)، فيكون ثقةً([450]).

ولكنّه(قده) رجع عن هذا المبنى في آخر حياته الشريفة، واقتصر على القول بوثاقة الرواة المباشرين الذين نقل عنهم ابن قولويه.

ولكن مع ذلك، تبقى مناقشته الأخرى تامّةً في المقام، وهي أنّه لا معارضة في البين أصلاً؛ لإمكان الجمع الدلالي، فإنّ مفاد خبر إبراهيم هو خصوص المنع عن العدول من الشجرة إلى غيرها من المواقيت، ولزوم أن يحرم من يمرّ من المدينة من ميقاتها، وهذا المفاد لا يشمل الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة، لأنّه من شؤون الإحرام من الميقات نفسه.

طبعاً مع تحفّظ لنا ها هنا حول أنّ ميقات أهل المدينة لا ينحصر بذي الحليفة ـ كما سوف يأتي ـ فإنّ الجحفة ميقاتٌ اختياري آخر لهم أيضاً، فالحصر في الرواية إضافي.

ثمّ إنّ الصحيحتين قد تضمَّنتا عدّة قيود وشرائط، ذهب المقدّس الأردبيلي(قده) لأجلها إلى احتمال اختصاص الحكم بمن دخل المدينة وجاور فيها شهراً ونحوه، وادّعى أنّ ذلك هو ظاهر الرواية([451]).

وذهب لأجلها آخرون، منهم السيد الأستاذ(قده)، إلى اختصاص المحاذاة بمسجد الشجرة، اقتصاراً في الحكم المخالف للقاعدة على المتيقّن من مورد النصّ، بعد عدم إمكان إلغاء هذه القيود، لأنّها مأخوذة في كلام الإمام(ع)، على نحو القضية الحقيقية الشرطية، ما يُبعِّد جداً حملها على مجرد المثال الذي احتمل في (العروة) إمكان فهمه منها.

ولكن قد يُقال بإمكان التعدّي عن مورد النصّ، رغم ورود هذه القيود في كلام الإمام(ع)؛ وذلك بملاحظة ما يلي:

أوّلاً: إنّ المسألة في حقيقتها بعد ملاحظة مناسبات الحكم والموضوع فيها هي مسألة الإحرام من الميقات. وقد ثبت أنّ النبي(ص) قد وقّت الشجرة لأهل المدينة ولمن يمرّ بها، كما وقّت غيرها لأهل المناطق الأخرى، وما يريده الإمام(ع) بحسب الظاهر هنا، هو تركيز كفاية المحاذاة كشأنٍ من شؤون الإحرام من الميقات، من دون أن يكون في مقام بيان ميقات جديد([452])، وإلاّ لوقع التعارض حينئذٍ بين هاتين الصحيحتين وكلّ الروايات التي ذكرت أنّ ميقات أهل المدينة إنّما هو الشجرة أو هي والجحفة. كما أنّ الأساس في المسألة هو ما ورد عن رسول الله(ص)، فما يذكره الإمام(ع) يأتي لا محالة في هذا الخطّ. وحينئذٍ يفهم العرف عدم الخصوصية للشجرة في هذا المجال، فإنّها ميقات كسائر المواقيت.

وثانياً: إنّ ذكر هذه القيود في كلام الإمام(ع) قد يكون تكراراً منه(ع) لما ذكره السائل في سؤاله ـ وإن لم يُذكر السؤال في الرواية ـ، ممّا قد نجد له مثيلاً في عدّة من الروايات. ولعلّ السبب في ذكرها هو أنّ كثيراً من السائلين ـ إلى يومنا هذا ـ يذكرون في أسئلتهم خصوصيات قد يظنون ـ بسبب ضعف معلوماتهم الفقهية ـ دخالتها في موضوع الحكم. وهذا هو التفسير المنطقي لذكر هذه القيود، وإلاّ فالعرف لا يحتمل أبداً أن يكون لها أيّ دخل في الحكم، لأنّ القضية، كما ذكرنا، هي قضيّة الإحرام من الميقات، والإقامة شهراً في المدينة وعدم الإقامة كذلك لا تؤثّر على تحقّق الإحرام من الميقات، بل هي في الحقيقة أشبه بالمقدمات التي تبيّن تحقّق الموضوع، فتدبّر.

وأمّا مسألة الستَّة أميال، فإنّ ظاهر قوله(ع): "فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء"، هو أنّ بها تتحقّق المحاذاة بالنسبة إلى مسجد الشجرة من ناحية البيداء. فلا يكون لها خصوصية في ذاتها، بحيث لا يمكن الحكم بالمحاذاة لو زادت المسافة مثلاً عن ذلك، بل المهم هو ما يصدق معه المحاذاة عرفاً.

 

 

مسألة [162]: يجوز لمن يمرّ على ذي الحليفة تأخير الإحرام منه إلى الجحفة، وبخاصة مع الضرورة من مرض أو ضعف أو غيرهما من الأعذار، وإن كان الأفضل ترك التأخير مع عدم الضرورة، تأسّياً بفعل النبي(ص)(1).

...............................................................................................................................................................

ولكن بالرغم من وجاهة هذه الملاحظات، إلاّ أنّنا لا نجد أنّها كافية للخروج عن مقتضى القاعدة، خصوصاً مع خلوّ الروايات من أيّ إشارة إلى مسألة المحاذاة في غير مسجد الشجرة، الأمر الذي يجعل الوقوف على مورد النصّ موافقاً لمقتضى الاحتياط الوجوبي.

(1) اتّفق الفقهاء على جواز أن يؤخّر المريض والضعيف المارّين على ذي الحليفة إحرامهما إلى الجحفة. واختلفوا في جواز ذلك للمختار؛ فالمشهور على عدم جوازه، خلافاً لابن حمزة في الوسيلة([453])، ولما حكاه في الدروس عن الجعفي([454]). واختلفوا أيضاً في أنّ جواز التأخير على فرضه هل يختصّ بالمريض والضعيف أو يعمّ غيرهما من ذوي الأعذار؟ فالبحث يقع في مقامين:

المقام الأوّل: أمّا دليل المشهور هنا، القائلين بانحصار ميقات أهل المدينة والمارّين بها بالشجرة في حال الاختيار، فهو الروايات التي عيّنت ـ وبألسنة متعددة ـ ذا الحليفة ميقاتاً للإحرام([455])؛ فإنّ ظاهرها انحصار الميقات به. خصوصاً تلك التي تضمّنت "لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم"([456])، أو "لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها"([457])، أو "فليس لأحدٍ أن يعدو من هذه المواقيت إلى غيرها"([458])؛ فإنّ هذه المضامين بضمّها إلى عدم ذكر غير ذي الحليفة في هذه الروايات ميقاتاً لأهل المدينة، تؤكّد انحصار الميقات بذي الحليفة.

وقد يستدلّ له أيضاً بخبر إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي الحسن موسى(ع) قال: سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيام ـ يعني: الإحرام من الشجـرة ـ وأرادوا أن يأخـذوا منها إلى ذات عـرق فيحرموا منها، فقال: لا ـ وهو مغضبٌ ـ من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلا من المدينة([459]).

ولكن لا دلالة فيه؛ باعتبار أنّه لم يرد في ذات عرق جواز الإحرام منها لأهل المدينة، بخلاف الجحفة، فالحصر في النهي إضافي ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ، فلاحظ.

وفي المقابل، يدلّ على جواز التأخير إلى الجحفة اختياراً جملة من الروايات، هي:

1 ـ صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(ع) قال: سألته عن إحرام أهل الكوفة وأهل خراسان وما يليهم، وأهل الشام ومصر، من أين هو؟ فقال: أمّا أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق، وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة، وأهل الشام ومصر من الجحفة...([460]).

فإنّ عطف الجحفة على ذي الحليفة يدلّ على التخيير بينهما.

2 ـ ما في صحيحة معاوية بن عمار، من أنّه سأل أبا عبدالله(ع) عن رجلٍ من أهل المدينة أحرم من الجحفة، فقال: لا بأس([461]).

3 ـ صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع): من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة، ولا يجاوز الجحفة إلاّ محرماً([462]).

وتقريب الاستدلال بالروايتين الأخيرتين، هو أنّ القضية هنا إن كانت واردةً على نحو القضيّة الخارجية، فترك استفصال الإمام(ع) يدلّ على أنّ المختار والمعذور سواء في الحكم؛ وإن كانت واردةً على نحو القضية الحقيقية، فهما تدلان على ذلك حينئذٍ بالإطلاق.

 

مواقيت الإحرام

4 ـ معتبرة أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله(ع): خصالٌ عابها عليك أهل مكّة، قال: وما هي؟ قلت: قالوا: أحرم من الجحفة ورسول الله(ص) أحرم من الشجرة، قال: الجحفة أحد الوقتين، فأخذت بأدناهما، وكنت عليلاً([463]).

وقد اعتُبرت هذه الرواية من جملة أدلة المشهور على اختصاص جواز التأخير إلى الجحفة بالمريض والضعيف.

ولكننا نراها ظاهرةً في خلاف ذلك؛ فإنّ إشكال أهل مكّة على الإمام(ع) هو من جهة أنّه لم يتأسَّ بالنبي(ص) الذي أحرم من الشجرة. وقد ذكر الإمام(ع) في جواب ذلك أمرين: الأوّل: أنّ الجحفة أحد الوقتين. وهذا التعبير دقيقٌ جدّاً، وهو يختلف عمّا لو قال مثلاً: "الجحفة ميقاتٌ أيضاً"، فإنّه يفيد أنّ لأهل المدينة ابتداءً وقتين، تماماً كما هو مفاد قوله في صحيحة عليّ بن جعفر السابقة: "وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة". والثاني: هو ما برّر(ع) به بعد ذلك أخذه بالميقات الأدنى، وهو الجحفة، وعدم تأسّيه بالنبي(ص)، وهو أنّه كان(ع) عليلاً فلم يرد أن يشقّ على نفسه، وإلاّ لتأسّى بجدّه(ص)، فهو أحقّ من يتأسّى به.

فهذه هي حقيقة جواب الإمام(ع). وإلاّ فلو كانت المسألة تتّصل بالمعلول فقط ولا تشمل المختار، لكان قد اكتفى(ع) في الجواب بأنّي كنت عليلاً، ولم يذكر مسألة أنّ الجحفة أحد الوقتين. وعلى هذا، كيف يمكن جعل هذه الرواية دليلاً لقول المشهور؟!

5 ـ معتبرة أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبدالله(ع): إنّي خرجت بأهلي ماشياً، فلم أهلّ حتى أتيت الجحفة، وقد كنت شاكياً، فجعل أهل المدينة يسألون عنّي فيقولون: لقيناه وعليه ثيابه، وهم لا يعلمون، وقد رخّص رسول الله(ص ) لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة([464]).

وقـد تمسّـك المشهـور بهذه الرواية، على أساس أنّ قوله: "وقد رخّص رسول الله(ص)... " متضمّنٌ ـ كما في (المستند) ـ لمعنى الشرط، فيدلّ بالمفهوم على اختصاص الرخصة بالمريض والضعيف([465]). فهي إذاً واردةٌ في مقام الحصر، فيكون المعنى: رخّص لهؤلاء ولم يرخّص لغيرهم.

وحينئذٍ قالوا إنّ هذه الرواية تكون معارضةً لكل الروايات السابقة ـ على فرض دلالتها على جواز التأخير إلى الجحفة اختياراً ـ، وهي أخصّ منها، فيُجمع بينها عرفاً بتقييد تلك المطلقات بها.

ولنا على ذلك ثلاثة إيرادات:

الأوّل: عدم تسليم ظهور هذه الرواية في الحصر؛ فإنّ غاية ما تدلّ عليه هو أنّ رسول الله(ص) قد رخّص لهؤلاء بالتأخير إلى الجحفة، وإثبات شيء لشيء لا يقتضي نفيه عن غيره. نعم، هي قد تكون مشعرةً في الحصر، ولكن لا يمكن التقييد بها بمجرد ذلك.

الثاني: إنّ بعض ألسنة المطلقات مثل: "الجحفة أحد الوقتين" آبية عرفاً عن التقييد، وخصوصاً بمثل لسان هذه الرواية التي لا تتجاوز دلالتها حدّ الإشعار.

 الثالث: وهو إيراد مبنائي نؤكّده دائماً في مسألة المطلق والمقيّد والعام والخاص؛ فإنّ الفقهاء والأصوليين درجوا على الالتزام بالتقييد أو التخصيص في كلّ موردٍ كان فيه تعارضٌ بين دليلين أحدهما أخصّ من الآخر، بدعوى أنّ ذلك هو ما يقتضيه التفاهم العرفي في هذا المجال. ونحن مع تسليمنا بهذا التفاهم، إلاّ أنّنا نتحفّظ على سعة هذا الالتزام، واللجوء إلى التخصيص في كلّ مورد، وادّعاء أنّ هذا هو مقتضى التفاهم العرفي؛ لأنّه في كثيرٍ من الموارد لا يكون جارياً على مقتضى هذا التفاهم.

ونحن قد تعرّضنا سابقاً لهذه المسألة([466])، وبيّنا أنّ الالتزام بالتخصيص أو التقييد إنّما يكون على أساس كون الخاص قرينةً عرفاً على العام، وبالتدقيق نلاحظ أنّ لتحقّق هذه القرينية شروطاً، منها أن يجيء الخاص في موقع العام نفسه، بمعنى أن يصل إلى الشخص نفسه الذي وصله العام، وإلاّ فيبقى العام هو المنجّز في حقّه، وحينئذ يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة بالنسبة إلى من لم يصله إلاّ العام، لأنّ الواقع ـ بحسب الفرض ـ هو ما جاء به الخاص.

 

مواقيت الإحرام

بل إنّ الواقع لو كان هو الخاص فقط دائماً، لكان من اللازم عدم إطلاق العام أبداً.

ولا يمكن الالتزام بأنّ هناك أحكاماً خاصّة لا تصدر إلاّ في زمن متأخّر؛ لأنّ هذا ينافي: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}([467]).

لذا فإنّنا نلاحظ ـ على فرض تسليم التعارض ـ أنّ التخصيص غير ممكن في المقام بهذه النكتة. وحينئذٍ، يبقى كلٌ من العام والخاص منجّزاً على المكلّف، ونتيجة ذلك هي التخيير بين الميقاتين، ولكن مع أفضلية الإحرام من ذي الحليفة، على أساس التأسّي بالنبي(ص)، أو لأنّ أفضل الأعمال أحمزها؛ إشباعاً لحيثية الترخيص، وإخراجاً له من اللغوية، فتدبّر جيداً.

المقام الثاني: وينفتح البحث فيه عند كل من خصّ جواز التأخير إلى الجحفة بغير المختار. قال في (العروة): «خصّها [أي الضرورة] بعضهم بخصوص المرض والضعف، لوجودهما في الأخبار، فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات. والظاهر إرادة المثال»([468]).

وعلّق عليه في (المستمسك) بأنّ هذا «هو ظاهر الأصحاب، حيث أطلقوا ولم يخصّوا الحكم هنا»([469]).

وهذا هو رأينا أيضاً ـ وإن لم نكن ممّن يخصّ جواز التأخير بغير المختار ـ؛ لأنّنا عندما ندرس المسألة، نجد أنّ الحكم بجواز التأخير في رواية الحضرمي قد رُبط بالمرض والضعف، وعطف الضعف على المرض يوحي بلا شك بأنّ الملحوظ هو سنخ مرضٍ غاية ما يسبّب الضعف، فيفهم العرف من ذلك أنّه لا خصوصية ذاتية في هذين، وإنّما هما مثالٌ للمانع الذي يسبِّب للإنسان الضعف والجهد، فيختار تأخير الإحرام تخفيفاً لهذا الجهد.

وقد خالف في ذلك سيّدنا الأستاذ(قده)، فاعتبر أنّ حمل هذين على مجرد المثال لا شاهد عليه. ولكنّه مع ذلك جوّز التأخير في غير هذين الموردين، ولكن لخصوص من كان عذره بالغاً حدّ الضرر أو الحرج، دون من لم يبلغ هذا الحدّ. بل اعتبر أنّ هناك دليلاً على عدم جواز التأخير في غير الأمور الضررية أو الحرجية، هو خبر ابراهيم بن عبدالحميد، فإنّه يقتضي عدم جواز الإحرام من غير مسجد الشجرة في كثرة البرد ونحوها من الأعذار العرفية.

ولكن قد تبيّن لك أنّ اعتبار ورودهما على نحو المثال هو مقتضى الفهم العرفي. وكذلك قد تبيّن ممّا سبق، أنّ أساس المنع في خبر ابن عبدالحميد ليس هو نوعية العذر وطبيعته، بل كون العدول إلى ذات عرق، الذي لم يرد فيه كونه ميقاتاً لأهل المدينة، بخلاف الجحفة.

وأمّا اعتماده على قاعدتي لا ضرر ولا حرج، فكلامه في ذلك مفصّل ولا يخلو من الإشكال، نبيّنه أوّلاً ثم نذكر ما فيه. وحاصل ما ذكره(قده) هو أنّ وجوب الإحرام من ذي الحليفة مضافاً إلى تخصيصه بغير المريض والضعيف، هو محكومٌ كذلك لقاعدتي لا ضرر ولا حرج. ولكن بما أنّ هاتين القاعدتين إنّما تنفيان الحكم في موردهما من دون أن تثبتا حكماً آخر، فهما لا تثبتان جواز الإحرام حينئذٍ من الجحفة، فنحتاج إلى دليل آخر لإثبات ذلك، والدليل حينئذٍ هو التمسّك بإطلاق ما دلّ على التخيير بين ذي الحليفة والجحفة، كصحيحة علي بن جعفر السابقة. وهي وإن ورد تخصيصها بالمريض والضعيف، بحيث صار مفادها: "وللمختار من أهل المدينة ذو الحليفة، وللمريض والضعيف الجحفة"، إلاّ أنّ هذا التخصيص كان ينفي إمكانية جواز عدول المختار إلى الجحفة على فرض التمكّن، فإذا فُرض عدم تمكّنه للضرر أو الحرج، فإنّ العدل الآخر ـ وهو الإحرام من الجحفة ـ يتعيّن عليه حينئذٍ([470]).

وها هنا أمران:

الأول: مبنائي، وهو أنّنا نرى أنّ قاعدة لا ضرر مضافاً إلى أنّها تنفي الحكم الضرري، فإنّها تثبت حكماً أيضاً في مورد الضرر؛ لأنّها جاءت لحلّ المشكلة، ولا تنحلّ المشكلة بمجرد نفي الحكم الضرري. وتفصيل ذلك موكولٌ إلى كتابنا (قاعدة لا ضرر ولا ضرار).

الثاني: وهو أنّه مع الالتزام بتقييد مثل صحيحة علي بن جعفر بالمريض والضعيف، لن يكون لها إطلاق ليمكن التمسّك به؛ فإنّ التقييد كما يوجب التضيّق في المفاد الإيجابي للمطلق، كذلك يوجبه في مفاده السلبي أيضاً. وهم يسلّمون بذلك، وإلاّ لما أمكنهم ادّعاء دلالة كلمة "رخّص" في المقام الأوّل على عدم جواز التأخير لغير المريض والضَّعيف.

وبعبارة أخرى: إذا لم نقل إنّ الجحفة ميقاتٌ أيضاً لأهل المدينة، فلا تكون عدلاً في واجب تخييري، يُحكم بتعيّنه عند عدم التمكّن من العدل الآخر.

 وعلى هذا، فإمّا أن يرفع السيد الأستاذ(قده) اليد عن مسألة التقييد بالمريض والضعيف، ويقول ببقاء الإطلاق في مثل صحيحة علي بن جعفر، وإمّا ـ إذا قال بالتقييد ـ أن يسلّم بورود المريض والضعيف على نحو المثال، وفي غير ذلك، لا سبيل لديه إلى الحكم بالتعدّي.

بقي هنا أمران:

الأمر الأوّل: تعرّض في (العروة) تبعاً لجملة من الأعلام([471])، إلى فرعٍ يرتبط بهذه المسألة، ، فقال: «يجوز لأهل المدينة ومن أتاها، العدول إلى ميقاتٍ آخر كالجحفة أو العقيق، فعدم جواز التأخير إلى الجحفة إنّما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة، بل الظاهر أنّه لو أتى إلى ذي الحليفة ثم أراد الرجوع منه والمشي من طريق آخر جاز، بل يجوز أن يعدل عنه من غير رجوع، فإنّ الذي لا يجوز هو التجاوز عن الميقات محلاً، وإذا عدل إلى طريق آخر لا يكون مجاوزاً، وإن كان ذلك وهو في ذي الحليفة»([472]).

والصور التي ذكرها ثلاث:

الأولى: العدول إلى ميقات آخر، كالجحفة أو العقيق، من المدينة مباشرةً من دون المرور على ذي الحليفة.

الثانية: العدول إلى ميقات آخر بعد الوصول إلى ذي الحليفة، ولكن بالرجوع عنه، والمشي من طريق آخر.

الثالثة: العدول إلى ميقات آخر بعد الوصول إلى ذي الحليفة، ولكن مع عدم الرجوع عنه.

وكلامه(قده) واضحٌ في إخراج تمام هذه الصور من تحت حرمة تجاوز الميقات من دون إحرام؛ إذ الذي يحصل ـ بحسب دعواه ـ ليس تجاوزاً للميقات، لأنّ التجاوز إنّما يصدق مع المرور على الميقات في الطريق إلى مكّة، أمّا إذا مرّ عليه ولم يكن من قصده متابعة الطريق منه إلى مكّة، بل سلوك طريق آخر يمرّ بميقات آخر، فلا يصدق أنّه قد تجاوز الميقات.

والخلاف إنّما هو في حكم الصورة الثالثة؛ قال في (المستمسك): «لم أقف على من نصّ على ذلك فيما يحضرني، لكن يستفاد من كلامهم جواز ذلك، فإنّهم ذكروا: أنّ المستفاد من الأدلة حرمة العبور عن الميقات بلا إحرام ... فإذا وصل إلى مسجد الشجرة ولم يتجاوزه، وتنكّب الطريق إلى أن وصل إلى طريق ينتهي به إلى الجحفة، فلم يحصل منه التجاوز عن الميقات بلا إحرام، كان حكمه الإحرام من الجحفة من دون لزوم إثم عليه»([473]).

وفي المقابل، أشكل كثيرٌ من المحشّين على (العروة)([474]) في جواز العدول في الصورة الثالثة، منهم السيد الأستاذ(قده) الذي ادّعى أنّ التجاوز عن الميقات بلا إحرام صادقٌ وإن عدل إلى طريق آخر، غاية الأمر أنّه تجاوز من الميقات بطريق غير مستقيم، فإنّ الممنوع هو التجاوز عن الميقات بلا إحرام، سواء كان بطريق مستقيم، بأن يتجاوز عن الميقات ويتوجه إلى مكّة من دون عدول إلى طريق آخر، أو بطريق غير مستقيم، بأن يتجاوز عن الميقات ويذهب إلى ميقات آخر([475]).

الثاني: وادي العقيق، وهو ميقات أهل العراق ونجد، وكلّ من مرّ عليه من غيرهم. وهذا الميقات له أجزاءٌ ثلاثة: (المسلخ) وهو اسم لأوّله، و(الغمرة) وهو اسم لوسطه، و(ذات عرق) وهو اسم لآخره.

ويجوز الإحرام من أيّ مكان فيه، وإن كان الأحوط الأولى أن يحرم المكلّف قبل أن يصل ذات عرق، فيما إذا لم تمنعه عن ذلك تقيّة أو مرض(1).

...............................................................................................................................................................

وما يقوله(قده) قريبٌ؛ فإنّ إنكار صدق التجاوز هنا جمودٌ في معناه، لأنّ المقصود من "لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم"([476])، ليس التجاوز على نحو الموضوعية، بل على نحو الطريقية، بمعنى أنّ المنهي عنه هو ترك الإحرام من الميقات وهو في طريق الحجّ، وهو حاصلٌ في الصورة الثالثة.

وينبغي الالتفات هنا إلى أنّنا نجري معهم في هذا البحث في ما عدا التأخير إلى الجحفة، لما مضى منّا من اختيار جواز التأخير إليها اختياراً.

الأمر الثاني: دخل الفقهاء في بحث في ذيل هذه المسائل، حول كيفية إحرام الحائض والجنب من ميقات المدينة، والحال أنّهما ممنوعان من دخول المسجد. ولكن بما أنّنا قد انتهينا في ما سبق إلى عدم لزوم إيقاع الإحرام من المسجد، فلا موجب لنا للدخول في هذا البحث.

(1) لا إشكال في ميقاتية العقيق في الجملة؛ إذ قد صرّحت بها النصوص([477])، وادّعي عليها الإجماع([478]). ولكن مع ذلك، يقع البحث في جهتين:

الأولى: في بيان أهل هذا الميقات.

الثانية: في تحديد جغرافيته.

الجهة الأولى: قد يبدو أنّ هناك اختلافاً في النصوص في تحديد أهل هذا الميقات، ففي بعضها أنّه ميقات أهل العراق([479])، وفي بعضها أنّه ميقات أهل نجد([480])، وفي بعضها أنّه ميقات أهل الكوفة وخراسان والبصرة والسند([481])، وفي بعضها أنّه ميقاتٌ لأهل المشرق([482]).

ولكن لا تنافي بينها أبداً؛ لأنّ كلّ هذه الأماكن تقع في جهة المشرق بالنسبة إلى مكّة ـ وهي الجهة التي قد صرّحت بها الرواية الأخيرة ـ، بعضها صعوداً اتجاه الشمال الشرقي وبعضها نزولاً، وتتلاقى طرقهم اتجاه مكّة في هذه المنطقة. وهذا ما لعلّه يفسِّر الاختلاف الآتي في الجهة الثانية في تحديد جغرافية العقيق.

نعم، في الرواية الأخيرة ـ وهي صحيحة عمر بن يزيد ـ أنّ ميقات أهل نجد هو قرن المنازل. فتكون منافيةً للروايات المصرّحة بأنّ ميقاتهم هو العقيق.

ولكن بالالتفات إلى أنّ نجد ليس مكاناً صغيراً، بل هو هضبة كبيرة ممتدَّة في شرق مكّة من الشمال إلى الجنوب، يتّضح أنّه لا منافاة في البين أصلاً؛ إذ الطريق الطبيعي لأهل المناطق الواقعة جنوبي نجد يمرّ بقرن المنازل لا بالعقيق. وقد أشار إلى ذلك في (الحدائق) فقال: «ويمكن الجواب بأنّ لأهل نجد طريقين: أحدهما يمرّ بالعقيق، والآخر يمرّ بقرن المنازل»([483]).

ولكن ينبغي إلفات النظر هنا إلى ما صرّح به العلاّمة الشيخ الفضلي(حفظه الله) أيضاً في حاشيته على (هداية الناسكين) الآتية في المقام الثاني، من أنّه لا طريق في زماننا يمرّ على العقيق أبداً([484]). ولذلك نجد أنَّ الآتين من العراق الآن، إن لم يأتوا بالطائرة مباشرةً إلى جدّة، وأرادوا الحجّ عن طريق البرّ، فإنّهم يتّجهون بدايةً إلى المدينة، ويحرمون من ذي الحليفة. وعلى هذا، فالبحث في هذا الميقات في زماننا لم يعد ذا فائدة عملية أبداً.

 

مواقيت الإحرام

الجهة الثانية: كثر في الروايات الحديث عن جغرافية العقيق، وبيان حدوده. وقد تعدّدت الأماكن التي ذكرتها هذه الروايات، وهي: بريد أوطاس، بريد البغث، أو البعث، وجرة، غمرة، عقبة غمرة، بريد غمرة، المسلخ، ذات عرق([485]).

ولا يخفى الاختلاف بين هذه الروايات في تحديد مبدأ العقيق ومنتهاه؛ ففي بعضها أنّ أوّله هو المسلخ([486])، وفي بعضها أنّ أوّله هو بريد البغث لا المسلح([487]).

وأمّا منتهاه، ففي بعض الروايات أنّ آخر العقيق هو ذات عرق([488])، وفي بعضها أنّ آخره هو بريد أوطاس([489])، وفي أخرى أنّه عقبة غمرة([490]).

ويظهر من ثالثة ـ وهي رواية الاحتجاج ـ أنّ ذات عرق هو ميقات العامّة([491])، فلا يؤخّر الإحرام إليه إلاّ للتقيّة. ولكن يمكن المناقشة في ذلك بما ذكره السيد البروجردي(قده) في تعليقته على (العروة)، من أنّ العامّة متّفقون على جواز الإحرام قبل الميقات([492])، فما تضمَّنته هذه الرواية من الإحرام قبله ولبس الثياب، فإذا بلغ إلى ميقاتهم ـ وهو ذات عرق ـ أظهره، لعله لعلّة غير التقية.

أضف إلى ذلك، أنّه في موثّقة إسحاق بن عمّار([493]) أنّ الإمام الصادق(ع) قد أحرم من ذات عرق بالحجّ. وقد فصّلنا الكلام سابقاً في دلالة هذه الرواية، بما يظهر منه دفع احتمال التقيّة فيها، فراجع([494]).

ولا يضرّ إرسال الرواية في (الاحتجاج)، لأنّها مسندة في كتاب (الغيبة)([495]).

ولكن قد تعود المشكلة من ناحية أنّ التحديد بذات عرق هو من عمر لا من النبي(ص)؛ فقد روى العامّة عن ابن عمر، قال: لما فُتح هذان المصران([496]) أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنّ رسول الله(ص) حدّ لأهل نجد قرناً، وهو جورٌ عن طريقنا، وإنّا إن أردنا قرناً شقّ علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحدّ لهم ذات عرق([497]).

ولكن الظاهر شذوذ هذه الرواية عندهم، إذ قد رووا في إزائها العديد من الروايات التي تؤكّد أنّ التحديد بذات عرق إنّما هو من النبي(ص)([498]).

وقد تصدّى الحجّة الشيخ عبدالهادي الفضلي(حفظه الله) لبيان هذه الحدود، في تعليقة تحقيقية له على كتاب (هداية الناسكين) فقال:

«العقيق: في الحجاز سبعة أودية تسمّى بالعقيق، منها العقيق المذكور هنا، وهو عقيق عُشيرة، وبه يمرّ طريقا العراقين (البصرة والكوفة) المتجهان إلى مكّة المكرّمة. يدخله طريق البصرة عند (وجرة) ـ بالجيم المعجمة ـ، وهي أول محرم للقادمين إلى مكّة عن هذا الطريق، وتبعد عن مكّة بحوالي أربعين ميلاً. وممّا يشير إلى كونها محرماً ما ذكره في الجواهر: "وكتب يونس بن عبدالرحمن إلى أبـي

الحسن(ع): إنّا نحرم من طريق البصرة، ولسنا نعرف حدّ العقيق، فكتب (ع): أحرم من وجرة".

ومن وجرة يتّجه الطريق إلى أمّ خرمان (أوطاس)، وبها يلتقي وطريق الكوفة ـ مكّة، ثمّ يتّجه الطريق إلى (ذات عِرق)، وهي آخر محرم لسالكي هذا الطريق إلى مكّة، وبينها وبين وجرة سبعة وعشرون ميلاً.

ويدخله طريق الكوفة عند (المَسْلح) ـ بالحاء المهملة من آخره وفتح ميمه وإسكان السين، وربما ذكره بعضهم بالخاء المعجمة، ويلفظه الآن سكانه وسكان منطقته بكسر الميم ـ وهي الآن قرية عامرة يمرّ بها الطريق من عُشيرة إلى مهد الذهب، وتُعدُّ المسلح أوّل محرم للقادمين إلى مكّة عن هذا الطريق.

ومنها يتجه الطريق إلى (غَمْرة) ـ بالغين المعجمة المفتوحة وسكون ثانيه ـ وتُعدُّ المحرم الثاني لسالكي هذا الطريق إلى مكّة، والمسافة بينها وبين المسلح سبعة عشر ميلاً، وهي قريبة ممّا يُعرف الآن بـ (البركة) أو (بركة زبيدة).

ثم يمشي الطريق من غمرة حتى يصل بعد ثمانية أميال إلى أم خرمان (أوطاس) فيلتقي بطريق البصرة ـ مكّة. وغمرة ووجرة متقابلتان بتوازٍ، ويمرّ الطريق بينهما بجبل كراع، ومسافته نحو من ثلاثة فراسخ.

ثم يسير الطريق العراقي المتوحّد (بصرياً وكوفياً) حتى يصل (ذات عرق)، وتُعدُّ المحرم الثالث للحاجّ على طريق الكوفة، وبينها وبين غمرة عشرون ميلاً، وتُعرف الآن بـ (الضريبة) ـ بالضاد المعجمة المفتوحة من أوّلها ـ وبـ (الخريبات).

كان هذا في القديم، أمّا اليوم فلا طريق للحاجّ يمرّ على العقيق»([499]).

ومن هذا، وممّا سبق منّا في المقام الأوّل، يتّضح أنّ هذا الاختلاف في تحديد مبدأ العقيق ومنتهاه قد يرجع إلى اتّساع طبيعته الجغرافية، وكثرة المناطق التي يسكنها أهله، حتى عُبِّر عنه بميقات أهل المشرق، الأمر الذي يفرض تعدّداً في الطرق التي تُسلك للدخول إليه والخروج منه.

الثالث: الجحفة، وهي ميقات أهل الشام ومصر والمغرب، بل كلّ من يمرّ عليها، حتى من مرّ بذي الحليفة ولم يحرم منها، لعذرٍ أو بدونه، على الأظهر.

الرابع: يلملم، وهو ميقات أهل اليمن، وكلّ من يمرّ من ذلك الطريق، ويلملم اسم لجبل(1).

الخامس: قرن المنازل، وهو ميقات أهل الطائف، وكلّ من يمرّ من ذلك الطريق(2).

...............................................................................................................................................................

ثم إنّه قد اتّفقت الروايات([500]) على أنّ الإحرام من أوّل العقيق أفضل. ما يدلّ على أنّ تأخير الإحرام إلى وسطه أو إلى آخره جائزٌ مطلقاً، لا أنّه إنّما يجوز عند الضرورة مثلاً، فتدبّر.

(1) لا إشكال في توقيت كلٍّ من الجحفة ويلملم. ويدلّ على ذلك الروايات المتضافرة التي سبق بعضها، والتي ذكرت أنّهما من جملة المواقيت التي وقّتها رسول الله(ص)([501]).

كما أنّه قد سبق منّا بيان الوجه في جواز تأخير الإحرام من ذي الحليفة إلى الجحفة، حتى من غير عذر.

وأمّا تحديد جغرافيتهما، فيُمكن الرجوع فيه إلى ما ذكره العلاّمة الشيخ الفضلي(حفظه الله)([502]).

(2) وهذا أيضاً لا إشكال في توقيته، وتدلّ عليه الروايات السابقة نفسها. والإشكال إنّما هو في تحديد مكانه؛ فهناك الآن منطقة تسمّى "السيل الصغير"، وأخرى تسمّى "السيل الكبير"، وهناك "وادي محرم" أو "الهدا". وتكثر الأسئلة عن أنّ ميقات قرن المنازل هل هو السيل الكبير أو الهدا؟

ومن الواضح أنّ مدخل الجواب هنا إنّما يكون بمراجعة كلمات المختصين. قال الشيخ الفضلي (حفظه الله): «قَرْن المنازل: اسم جبل سمّي الوادي الذي هو فيه باسمه، كما سمّيت القرية التي هو فيها باسمه أيضاً، فكان يُقال لها (القرن) و(قرن المنازل). وتقع في طريق الطائف ـ مكّة، المعروف قديماً بـ (طريق اليمانية)، لأنّه كان يمرّ بنخلة اليمانية.

وتُعرف القرية اليوم بـ (السيل) و(السيل الكبير)، تبعد عن مكّة بحوالي ثمانين كيلواً على طريق الرياض ـ مكّة المتّجه إلى الطائف بمنعطف على اليمين عند الحوية ماراً بالسيل الصغير فالسيل الكبير فالزيمة فالشرائع (حُنين) فالجعرانة فمكّة.

وفي وسط القرية مسجد صغير، وآخر مثله عند الطريق العام قريباً من المسيل، كان الناس يحرمون منها. وقريباً أنشأت الحكومة السعودية مسجداً كبيراً للإحرام في القرية أيضاً، على حافة الطريق العام عند سفح الجبل.

(المحرم): ويقابل وادي قرن المنازل وبامتداده بوادي محرم على طريق الطائف المارّ بالهدا وجبل الكر وعرفات. والمعروف الثابت أنّه محاذٍ لقرن المنازل، وذهب بعضهم إلى أنّه منتهى قرن المنازل الذي يبدأ بالسيل الكبير وينتهي به، فهو منه. وعلى كلا التقديرين أو القولين، فالمتفق عليه أن قرن المنازل هو السيل»([503]).

وعلى هذا فالسيل الكبير ميقاتٌ حتماً، وأمّا الهدا فلم يثبت كونه ميقاتاً، فلا يكون الإحرام منه إحراماً من الميقات. نعم، يمكن الإحرام منه عند من يقول بعدم اختصاص المحاذاة بمسجد الشجرة، ولسنا ممّن يقول بذلك.

ولكن مع غضّ النظر عن ذلك، فإنّه لا يُعلم صدق المحاذاة بينهما عرفاً؛ لأنّ المسافة الفاصلة بينهما تفوق الثلاثين كيلومتراً.

ولا يختص الميقات في هذه الأربعة الأخيرة بالمساجد الموجودة فيها، بل كلّ مكان يصدق عليه أنّه من العقيق أو الجحفة أو يلملم أو قرن المنازل يجوز الإحرام منه، وإذا لم يتمكّن المكلّف من إحراز ذلك، فله أن يتخلّص بالإحرام نذراً قبل ذلك كما هو جائز اختياراً.

مسألة [163]: المشهور كفاية محاذاة أحد المواقيت المتقدّمة، فمن سلك طريقاً لا يمرّ بشيء من المواقيت السابقة إذا وصل إلى موضع يحاذي أحدها أحرم من ذلك الموضع. ولكن الأحوط وجوباً عدم كفاية ذلك واختصاص المحاذاة بمسجد الشجرة(1).

السادس: مكّة، وهي ميقات حجّ التمتّع(2)، وكذا حجّ القِران والإفراد لأهل مكّة والمجاورين فيها ـ سواء انتقل فرضهم إلى فرض أهل مكّة أو لا ـ فإنّه يجوز لهم الإحرام لحجّ القِران أو الإفراد من مكّة، ولا يلزمهم الخروج إلى سائر المواقيت، وإن كان الأولى لغير النساء الخروج إلى بعض المواقيت ـ كالجعرانة ـ والإحرام منها(3).

...............................................................................................................................................................

(1) قد تبيّن وجهه في ما سبق([504]).

(2) مرّ الكلام فيه مفصّلاً في بعض مباحث المسألة (150)([505]).

(3) تبيّن ممّا سبق، أنّ وظيفة أهل مكّة والمجاورين فيها هو حجّ الإفراد أو القران، لا التمتّع، ويقع البحث هنا في تحديد الميقات الذي يحرمون منه، مضافاً إلى البحث في أنّه هل هناك فرق بين أهل مكّة والمجاورين فيها في ذلك أو لا؟ فنقول:

ذكر في (الرياض) أنّ إحرام أهل مكّة من مكّة نفسها «مشهورٌ بين الأصحاب، كما ذكره جماعة، بل زاد بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم، مشعراً بدعوى الإجماع عليه، كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة»([506]).

وفي (كشف اللثام): «صريح ابني حمزة وسعيد وظاهر الأكثر الإحرام منها بالحجّ، لإطلاقهم الإحرام من المنزل، لمن كان منزله دون الميقات أو وراءه»([507]).

وأمكننا أن نلمح عدّة محاولات للاستدلال على ما ذهبوا إليه:

المحاولة الأولى: وهي موجودة تقريباً في كلمات كلّ من تعرّض للمسألة، وهي التمسّك بالروايات الواردة في أنّ من كان منزله دون الميقات إلى مكّة يحرم من منزله([508])؛ بدعوى عموم هذا الحكم لأهل مكّة، باعتبار وقوع منازلهم دون الميقات.

وقد وقعت هذه المحاولة محلاً للإشكال من جملة من الأعلام؛ فمنع في (الحدائق) شمول هذه الروايات لأهل مكّة([509])، وفي (الجواهر) أنّ ذلك من حيث عدم اندراجهم في اللفظ المزبور المقتضي للمغايرة([510])، وأوضحه في (المستمسك) بأنّ هذه الروايات لا تشمل أهل مكّة، لاختصاصها بمن كان منزله بين مكّة والميقات([511]). ووافقهم على ذلك السيد الأستاذ(قده)([512]).

ولكن يبدو لنا أنّ اشتمال هذه العبارة على قوله: "إلى مكّة" ـ الذي سبّب إشكال هؤلاء الأعلام ـ قد ورد في سياقه الطبيعي، باعتبار أنّ غالب المسلمين هم من النائين عن المسجد الحرام، ويتّجهون إليه لأداء مناسكهم؛ فيُراد به بيان الاتّجاه، لا بيان الحدّ، فلا يكون له خصوصية تحصر مفاد هذه الروايات بالمنزل الذي يقع بين الميقات ومكّة، فتدبّر.

المحاولة الثانية: وهي التمسّك ببعض تلك الروايات، ممّا لم يرد فيها ذكر الانتهاء إلى مكّة، بحيث يمكن ادّعاء الإطلاق فيها؛ كما في مرسلة الصدوق، قال: وسُئل الصادق(ع) عن رجلٍ منزله خلف الجحفة، من أين يحرم؟ قال من منزله([513])؛ وكما في النبوي: «فمن كان دونهنّ فمُهلّهُ من أهله»([514]).

وقد وقعت هذه المحاولة مورداً للإشكال أيضاً من السيد الأستاذ(قده)، بأنّ الخلف والقدّام أمران إضافيان اعتباريان، فكما يمكن أن تكون مكّة خلفاً للجحفة، يمكن أن تكون الجحفة خلفاً لمكّة أيضاً، فمن دخل الجحفة وذهب منها إلى مكّة تكون الجحفة خلفه، بخلاف من كان منزله في مكّة فلا يصدق عليه عنوان خلف الجحفة المأخوذ في الرواية، لأنّه لا بدّ في صدق عنوان الخلفية من فرض موضعين وفرض شخصٍ يريد الذهاب من أحدهما إلى الآخر. هذا مضافاً إلى ضعف سند الرواية.

لذا خلص(قده) إلى أنّه لا دليل على أنّ مكّة المكرّمة ميقاتٌ لحجّ أهل مكّة، فلا بدّ من التماس دليل آخر لتعيين ميقاتهم. ثم أفتى(قده) بأنّ ميقاتهم إنّما هو الجعرانة، لورود ذلك في حديثين صحيحين([515]).

ويرد على هذا الإشكـال ما أوردنـاه على سابقـه؛ لأنّه على اعتبار الاتّجـاه ـ لا الحدّ ـ يصدق على من يكون منزله في مكّة أنّه خلف الجحفة.

المحاولة الثالثة: أن يُقال إنّ جعل المنزل أو دويرة الأهل ميقاتاً لمن منزله دون الميقات إلى مكّة، يُفهم منه بمناسبة الحكم والموضوع عرفاً أنّ عدم تكليف من هو كذلك بالرجوع إلى الوراء والذهاب إلى الميقات، إنّما هو بغرض التسهيل على المكلّف؛ ومن الواضح أنّ أهل مكّة أولى بهذا الحكم ممّن هم خارجها.

المحاولة الرابعة: أن يُقال إنّ عدم تعرّض شيء من الروايات لبيان حكمهم أصلاً، وعدم وجود السؤال من الرواة في هذا المجال، لعلّه يكون قرينةً على وضوح حكمهم عند الجميع، وأنّ إحرام أهل مكّة لا بدّ من أن يقع من مكّة، خصوصاً بعد ملاحظة وجود السؤال بالإضافة إلى المجاور، وإلى من وقع منزله بين مكّة والميقات، ولم تقع إشارة في شيء من الروايات إلى حكم أهالي مكّة، فيستكشف من ذلك كون وظيفتهم ظاهرةً عند الجميع، وليست إلاّ ما ذُكر من الإحرام من مكّة([516]).

وعن بعض الأعاظم: «إنّ حكم المكّي هو الإحرام من منزله من دون لزوم الخروج، لأنّه لو كان حكمه ذلك مع استقرار طريقة القوم على عدمه، لورد في غير واحد من الأخبار ما يُشعر بالتخطئة والردّ، نظير ما ورد في ردعهم جواز الإحرام فيما قبل الميقات وغير ذلك، فلو كان حكم المكّي هو الخروج لا محالة مع عدم خروجهم للزم الردع جدّاً، مع أنّه ليس في الأخبار ما يدلّ عليه»([517]).

وعلى هذا، فما ذهب إليه المشهور هو الصحيح.

لكن بقي علينا أن نعالج ما ذكره السيد الأستاذ(قده) من أنّ ميقات أهل مكّة والمجاورين بها، هو الجعرانة لا مكّة، استناداً إلى روايتين ادّعى(قده) أنّهما تدلان على ذلك:

1 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبدالله(ع): إنّي أريد الجوار، فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال، هلال ذي الحجة، فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحجّ... ([518]).

2 ـ صحيحة أبي الفضل قال: كنت مجاوراً بمكّة، فسألت أبا عبدالله(ع) من أين أحرم بالحجّ؟ فقال: من حيث أحرم رسول الله(ص) من الجعرانة، أتاه في ذلك المكان فتوح، فتح الطائف وفتح خيبر([519]) والفتح، فقلت: متى أخرج؟ قال: إذا كنت صرورةً، فإذا مضى من ذي الحجة يوم، فإذا كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس([520]).

وقد ذكر(قده) أنّه قد نوقش في الاستدلال بها بأنّها واردة في المجاور بمكّة، وكلامنا في المتوطّن.

وأجاب عنه بأنّ المجاورة أعمّ من الاستيطان، ولم يؤخذ في المجاورة عنوان المؤقّت، فهو عنوان يشمل من يريد أن يتّخذ بلداً وطناً له، وكذلك يشمل الإقامة المؤقّتة بدون قصد الاستيطان([521]).

ونحن نوافقه على هذه النكتة، وقد سبقت منّا الإشارة إليها عند البحث في المسألة (145)([522]).

وقد ادّعى(قده) أنّ الذي يظهر من الروايتين، هو أنّ هذا هو حكم أهل مكّة أساساً، وإنّما المجاور يلحق بهم([523]).

ويرد على ما ذكره(قده)، أنّ ظاهر قوله(ع): "فأحببت أن يخرجوا من مكّة إلى بعض المواقيت، وأن يستغبّوا به أيّاماً"، في ذيل صحيحة عبدالرحمن، هو أنّ الحكم بالخروج إلى الجعرانة استحبابي لا إلزامي، فإنّ هذا هو المستفاد من التعبير بـ "أحببت".

ويؤيّده أيضاً قوله(ع) بعد ذلك: "ولكني أرى لهم أن يفعلوا"؛ فإنّه يلائم الاستحباب، لا الوجوب الذي يناسبه مثل: "أرى أنّ عليهم أن يفعلوا".

كما يؤيّده أيضاً أنّ الروايتين قد تضمَّنتا أمره(ع) بإحرام الصرورة بالحجّ من أوّل ذي الحجّة، وإحرام غيره بالحجّ في الخامس منه، وهو حكم استحبابيٌ لا وجوبي.

لذا، فميقات المفرد والقارن من أهل مكّة والمجاور بها الذي انتقل فرضه، هو مكّة نفسها، وإن كان الأفضل لهؤلاء أن يخرجوا فيحرموا من أدنى الحلّ ـ لأنّنا لا نرى خصوصيةً للجعرانة في ذلك ـ، لأنّ أفضل الأعمال أحمزها مثلاً، والأفضل من ذلك أن يُحرموا من الجعرانة، للنصّ.

وهذا الحكم يختصّ بالرجال؛ لقوله(ع) في صحيحة عبدالرحمن: "لولا أنّ خروج النساء شهرة، لأمرت الصرورة منهنّ أن تخرج".

ثمّ إنّ ها هنا شيئاً آخر، وهو أنّه قد يُقال إنّه لا مناسبة بحسب الظاهر بين فعل رسول الله(ص) الذي هو مستند استدلال الإمام(ع) في مورد هاتين الروايتين، ومحلّ الكلام، من نواحٍ ثلاث:

والأحوط الأولى الإحرام من مكّة القديمة التي كانت على عهد رسول الله(ص)، وإن كان الأظهر جواز الإحرام من المحلاّت المستحدثة بها أيضاً، إلاّ ما كان خارجاً من الحرم(1).

...............................................................................................................................................................

الأولى: من ناحية أنّ النبي(ص) لم يخرج من مكّة إلى الجعرانة ليحرم منها، بل كان في خارج مكّة، فأحرم منها في طريقه إلى مكّة.

ولكن لا يبعد دلالة الرواية على أنّ الجعرانة موضع للإحرام، ممّا قد يستفاد منه أنّ من كان في مكّة له أن يحرم منه، كما من كان خارجها، في مقابل الإحرام من المواقيت المحددة.

والثانية: هو أنّه(ص) قد أحرم بالعمرة، بينما كلامنا هو في الإحرام بالحجّ.

ولكن لا يظهر أنّ هناك فرقاً بين الإحرامين؛ لأنّ الأساس هو مشروعية الإحرام منه لمن أراد الإحرام.

والثالثة: أنّ النبي(ص) لم يكن آنذاك من أهل مكّة، كما لم يكن مجاوراً بها.

ولكن قد يُقال إنّ النبي(ص) هو من أهل مكّة، فقد توطّن فيها زمناً طويلاً، فيصدق عليه أنّه من أهلها.

(1) احتاط السيد الأستاذ (قده) وجوباً في أن يحرم المكلّف بالإحرام من مكّة من مكّة القديمة، وأنّه لا يكفيه الإحرام من المحلات المستحدثة المتّصلة بها([524])، وذلك لما يُستفاد من صحيحة معاوية بن عمار الواردة في قطع التلبية، أنّ العبرة في ما يترتب على مكّة من الأحكام هو بمكّة القديمة، ولا عبرة بما أحدث الناس بمكّة وبما ألحقوا بها، ففي الصحيحة، قال: قال أبو عبدالله(ع): إذا دخلت مكّة وأنت متمتّع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية، وحدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، فإنّ الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن، فاقطع التلبية([525]).

السابع: المنزل الذي يسكنه المكلّف، وهو ميقات من كان منزله دون الميقات إلى مكّة، فإنّه يجوز له الإحرام من منزله، ولا يلزم عليه الرجوع إلى المواقيت(1).

هذا ولا يبعد أن يكون حكم القادم بالطائرة إلى "جدّة" حكم من كان منزله أقرب إلى مكّة من الميقات، فيكفيه الإحرام منها ويجزيه، وإن كان الأحوط الأولى ـ في هذه الصورة ـ الإحرام من المواقيت المعروفة، كالجحفة، مع الإمكان(2).

الثامن: أدنى الحلّ كالحديبيّة والجعرانة والتنعيم، وهو ميقات العمرة المفردة لمن أراد الإتيان بها بعد الفراغ من حجّ القِران أو الإفراد، بل لكلّ عمرة مفردة لمن كـان بمكّـة وأراد الإتيـان بها، ويستثنـى من ذلــك

...............................................................................................................................................................

ولكنّه كما ترى؛ لأنّ الظاهر كونه حكماً خاصّاً بقطع التلبية للمتمتّع خاصّة، فإنّه قد ورد في غيرها من الروايات تعيين مواضع أُخر لقطع التلبية بالنسبة إلى غير المتمتّع([526]). ومعه، لا يمكن الحكم بتقييد إطلاقات روايات الإحرام من مكّة بخصوص مكّة القديمة، بل يصحّ الإحرام من كلّ مكان عُدَّ من مكّة.

لكن يستثنى من محلات مكّة المستحدثة ما يكون قد خرج من الحرم، لاحتمال أن يكون للحرم خصوصية في أعمال مكّة، بحيث يمكن ادّعاء انصراف الأدلّة عن الشمول له لو ادُّعي الإطلاق فيها.

(1) ويدلّ على ذلك العديد من الروايات التي مرّت الإشارة إليها في المسألة السابقة([527])، منها صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: من كان منزله دون الوقت إلى مكّة فليحرم من منزله([528]).

(2) قد مرّ وجه ذلك مفصّلاً في أوّل بحث المواقيت، فراجع([529]).

ـ على الأحوط ـ صورة واحدة تقدمت في المسألة 140. هذا ويجوز الإحرام منه لمن كان طريقه على غير الميقات، أو تجاوز الميقات من دون إحرام(1).

...............................................................................................................................................................

(1) قد تعرّضنا مفصّلاً لهذا البحث سابقاً عند البحث في المسألة (140)، فلا نعيد.

لكن ها هنا كلامٌ للسيد الأستاذ(قده) رأينا ضرورة التعليق عليه؛ فقد ذهب(قده) إلى أنّ الظاهر من صحيحة معاوية بن عمّار([530])، أنّ النبي(ص) قد أحرم بالعمرة من الجعرانة، فيستفاد من ذلك جواز الإحرام للعمرة المفردة من الجعرانة ـ أو من أدنى الحلّ ـ اختياراً، وإن لم يكن المحرم من أهل مكّة.

وقد لاحظ(قده) أنّ هذا يتنافى مع ما أطلقه في بداية كلامه من أنّ ميقات العمرة المفردة للنائي الخارج من مكّة إنّما هو المواقيت المعروفة، والجعرانة ليست من جملة المواقيت العامّة، بل من أدنى الحلّ. فرفع هذا التنافي بأن حمل جواز الإحرام منها على من يبدو له العمرة في الأثناء، أي في أثناء مسيره بعد تجاوز الميقات، وإلاّ فإنّه يَحرُم عليه تجاوز الميقات من دون إحرام لو كان عازماً على العمرة قبل الميقات.

ثم صرّح بالتفصيل في المسألة فقال: «إنّ النائي إذا سافر وخرج من بلده لغرض من الأغراض كقتال ونحوه، ووصل إلى حدود الحرم ودون الميقات فبدا له أن يعتمر، يجوز له أن يعتمر من أدنى الحلّ من الجعرانة ونحوها، كما صنع رسول الله(ص)، ولا يجب عليه العود والرجوع إلى الميقات. وأمّا النائي الذي يخرج من بلده بقصد العمرة، فليس له الإحرام إلاّ من المواقيت المعروفة، وليس له التأخير إلى أدنى الحلّ»([531]).

ولكن الإشكال في هذا الجمع أنّه بلا شاهد؛ إذ لم يثبت عندنا تاريخياً أنّ رسول الله(ص) قد بدا له الاعتمار بعد مرجعه من حنين، بل إنّه(ص) يتحرّك دائماً بتخطيط واعٍ، تحت مظلّة العلم الإلهي المصاحب له بطرق مختلفة؛ لذا فهو(ص) في مسيره إلى مكّة كان عالماً بالفتح، وأنّه سوف ينطلق بعد ذلك في غزوة حنين، ومن ثمّ سوف يعتمر في نهاية المطاف.

لذا فالتفصيل الراجح في نظرنا ينبغي أن يكون بين أن يقصد الإنسان الذهاب مباشرةً إلى مكّة، فعليه حينئذٍ الإحرام من الميقات مع المرور عليه؛ وبين أن يقصد العمرة مثلاً في نهاية المطاف، بعد أن ينهي أعماله في هذا المكان أو ذاك؛ مثل الذين يأتون إلى المدينة المنوّرة بدايةً للزيارة، أو للمشاركة في مؤتمر مثلاً، ثمَّ يكون عندهم عمل آخر في جدّة مثلاً، ثم بعد ذلك يريدون أن يؤدّوا مناسك الحجّ أو العمرة؛ فهؤلاء لا يجب عليهم الإحرام من المدينة على الرغم من نيّتهم أداء العمرة مثلاً في نهاية المطاف. والفارق هو أنّ مرور هؤلاء على الميقات في واقعه ليس مرور الحاجّ أو المعتمر، بل هو مرور عاديّ للقيام بالأعمال المختلفة، وأدلّة حرمة تجاوز الميقات من دون إحرام، مختصّة في رأينا بمن كان مروره مرور الحاجّ أو المعتمر.

 

 

 

أحكام المواقيت

[ المبحث الخامس ]

[ أحكـــام المــواقيت ]

 

الفرع الثاني: أحكام المواقيت

 مسألة [164]: لا يجوز الإحرام قبل الميقات، ولا يكفي المرور عليه محرماً، بل لا بُدّ من إنشاء الإحرام من الميقات نفسه(1)، ويستثنى من ذلك موردان:

...............................................................................................................................................................

(1) إذا أحرم المكلّف قبل الميقات فلا عبرة بإحرامه بالإجماع([532])، سواء مرّ عليه بعد ذلك في طريقه إلى مكّة، أو لم يمرّ عليه، بل لا بدّ من أن ينشأ إحرامه من الميقات. ويدلّ على ذلك جملة من الروايات([533])، منها حسنة عمر بن أُذينة عن الصادق(ع) قال: ومن أحرم دون الوقت فلا إحرام له([534]).

وفي معتبرة ميسر قال: دخلت على أبي عبدالله(ع) وأنا متغيّر اللون، فقال لي: من أين أحرمت؟ قلت: من موضع كذا وكذا، فقال: ربّ طالب خير تزلّ قدمه، ثم قال: يسرّك أن صلّيت الظهر أربعاً في السفر؟ قلت: لا، قال فهو والله ذاك([535]). وهي تدلّ على عدم مشروعية الإحرام قبل الميقات.

هذا، ولكن قد يظهر من موثّقة حنان بن سدير خلاف ذلك، وأنّ الإحرام قبل الميقات مفضولٌ فقط لا أنّه غير مشروع، قال: كنت أنا وأبي وأبو حمزة الثمالي وعبدالرحيم القصير وزياد الأحلام، فدخلنا على أبي جعفر(ع)، فرأى زياداً قد تسلّخ جسده، فقال له: من أين أحرمت؟ قال: من الكوفة، قال: ولمَ أحرمت من الكوفة؟ فقال: بلغني عن بعضكم أنّه قال: ما بعُد من الإحرام فهو أعظم للأجر، فقال: ما بلّغك هذا إلا كذّاب، ثم قال لأبي حمزة: من أين أحرمت؟ قال: من الربذة ، قال له: ولمَ، لأنّك سمعت أنّ قبر أبي ذر رضي الله عنه بها فأحببت أن لا تجوزه، ثمّ قال لأبي ولعبدالرحيم: من أين أحرمتما؟ فقالا: من العقيق، فقال: أصبتما الرخصة واتبعتما السنّة، ولا يعرض لي بابان كلاهما حلالٌ إلاّ أخذت باليسير، وذلك أنّ الله يسير، يحبّ اليسير، ويعطي على اليسير ما لا يعطي على العنف([536]).

فإنّ تعليق الإمام(ع) في ذيلها يدلّ على أنّ كلاً من الإحرام من الميقات والإحرام قبله جائزان؛ لقوله: "أصبتما الرخصة"، فكأنّ التأخير للإحرام من الميقات رخصة لا عزيمة؛ ولقوله أيضاً: "كلاهما حلال"، إلاّ أنّ الإحرام من الميقات فيه اتّباعٌ للسنّة، لأنّ السنّة توصي باليسير.

وفي (الدروس): «وفيه تلويحٌ بصحّته، ولأنّه لم يأمره بالإعادة»، إلاّ أنّه عاد وذكر «أنّه معارضٌ بنحو رواية إبراهيم الكرخي، المتضمّنة لعدم الانعقاد، فتُحمل الأولى على النذر أو التقيّة»([537]).

وعن بعض الأعاظم أيضاً حملها على التقية([538]).

كما يدلّ على ذلك أيضاً قول الصادق(ع) في حسنة الحلبي: لا ينبغي لحاجّ ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها([539]). على أساس أنّ "لا ينبغي" ظاهرة عرفاً في الكراهة.

 

أحكام المواقيت

1 ـ أن ينذر الإحرام قبل الميقات. وإنّما يصحّ ذلك بشرط أن يكون الإحـرام أكثر مشقّـةً من الإحـرام في الميقـات، وإلاّ كانت صحّة النذر محـل تأمّل. وعلى ضوء ذلك، فلا يصحّ النذر بالإحـرام من المطار في بلد

...............................................................................................................................................................

وقد يُقال إنَّه يمكن أن تكون الروايات الآتية في مسألة نذر الإحرام قبل الميقات مؤيّدةً لمفاد رواية حنان بن سدير؛ حيث إنّ صحة نذر الإحرام قبل الميقات تكشف عن مشروعيته.

ولكن لا يمكن المساعدة على ذلك، بل الأقرب لزوم الإحرام من الميقات مع المرور عليه، لا قبله؛ لأنّ هذه الروايات وإن كانت ظاهرةً في بيان المفضولية، إلاّ أنّه لا بدّ من تقديم الروايات الناهية عليها، بملاك الأظهرية من حيث الدلالة.

وأمّا حمل الإحرام قبل الميقات في رواية حنان على التقية، فهو غير صحيح، لعدم الموجب لها في المسألة([540]).

كما أنّ حمله فيها على النذر غير واضح؛ لظهورها في الإحرام الطبيعي، بل إنّه مع النذر لا يبقى موردٌ لاعتراض الإمام(ع)، فتدبّر.

الحاجّ المكلّف أو من الطائرة تفادياً للصعوبة والمشقّة الناجمة عن الإحرام من الميقـات، ورغبةً بسهولة الإحـرام بالنذر من المطـار أو الطائـرة(1).

...............................................................................................................................................................

(1) يدلّ على جواز تقديم الإحرام قبل الميقات بالنذر ثلاث روايات:

1 ـ صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجلٍ جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة، قال: فليحرم من الكوفة، وليفِ لله بما قال([541]).

2 ـ موثّقة أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع) قال: سمعته يقول: لو أنّ عبداً أنعم الله عليه نعمةً أو ابتلاه ببليّة فعافاه من تلك البليّة، فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتمّ([542]).

3 ـ خبر عليّ بن أبي حمزة قال: كتبت إلى أبي عبدالله(ع) أسأله عن رجلٍ جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة؟ قال: يحرم من الكوفة([543]).

وهي إن كانت ضعيفةً من جهة ابن أبي حمزة، لكن يمكن الوثوق بمضمونها من ناحية موافقته لمضمون الرواية المعتبرة، بحسب ما هو مبنانا في هذا المجال.

وقد دخل الفقهاء والأصوليون هنا في جدلٍ حول تكييف صحة هذا النذر، مع عدم كون الإحرام قبل الميقات مشروعاً كما مرّ، على أساس أنّ مشروعية المتعلّق شرط أساس في صحّة النذر، وبيّنوا عدّة نظريات في ذلك.

ولكننا لا نرى ضرورةً لكلّ هذا الجدل، لأنّ الدليل المصحِّح لهذا النذر معتبرٌ، فلا بدّ من أن نتعبّد به، ونُقيّد به الأدلّة التي دلّت على عدم جواز الإحرام قبل الميقات، والنتيجة حينئذٍ أنّه لا يجوز للإنسان أن يُحرم قبل الميقات إلاّ إذا كان قد نذر ذلك.

كما أنّه لا يوجد نصٌ يقول إنّ رجحان المتعلّق شرطٌ في صحّة النذر، وإنّما استفيد ذلك من خلال أنّ النذر عبادة وطاعة لله تعالى([544])، وهنا نلاحظ أنّ عنوان

 

أحكام المواقيت

وحيث يصحّ الإحرام بالنذر فإنّه لا يلزمه التجديد في الميقات، ولا المرور عليه، بل يجوز له الذهاب إلى مكّة من طريق لا يمرّ بشيء من المواقيت(1)، ولا فرق في ذلك بين الحجّ الواجب والمندوب، والعمرة المفردة(2).

نعم، إذا كان إحرامه للحجّ أو عمرة التمتّع، فلا بدّ من أن يراعي فيه عدم تقدّمه على أشهر الحجّ، كما عُلم ممّا تقدّم.

...............................................................................................................................................................

الشكر لله هو من عناوين الطاعة، فيمكن أن تكون حالة الشكر التي تقتضي هذا النذر هي ما يجعل هذا الشيء طاعةً لله.

هذا كلّه من ناحية الكبرى. ولكننا نتحفّظ في المسألة من ناحية الصغرى؛ فإنّ كثيراً من الناس الآن ينذرون الإحرام من مطار بلدهم مثلاً أو من غيره شكراً لله، مع أنّ هدفهم الحقيقي من ذلك هو إراحة أنفسهم من مشقّة الذهاب إلى الجحفة. وهذا يعني أنّهم يشكرون الله بما هو أخفّ مؤنةً وأقلّ مشقّة، وهذا على خلاف طبيعة الأمور في النذر، حيث ينذر الإنسان دائماً ما فيه كلفة ومشقة، ويُلزم نفسه بأزيد ممّا يُلزمه به التكليف الأوّلي، لذا فإنّ صحّة هذا النذر محلّ تأمّل، بل منع.

وأمّا محاولة تصحيحه هنا اعتماداً على أنّ المسافة من البلد إلى مكّة أبعد من المسافة من الميقات إليها، فإنّها لا تجدي شيئاً؛ لأنّه ليس لطول المسافة مدخلية دائماً في زيادة المشقّة، فإنّه لا يشكّ أحدٌ في أنّ الإحرام من البلد بالنسبة إلى القادم إلى جدّة بالطائرة ليس فيه أيّة مشقّة بالقياس إلى الذهاب إلى الجحفة.

(1) إذا صحّ نذر الإحرام من مكانٍ، وأحرم المكلّف منه، فلا يجب عليه حينئذٍ تجديد الإحرام من الميقات لو مرّ عليه؛ لأنّ الأساس هو الإحرام، وقد فعله. وقد تبيّن ممّا سبق أيضاً أنّه لا يجب أساساً عندنا قصد الميقات للإحرام منه، لذا سواء صحّ النذر في المقام أو لم يصحّ، يمكن للمكلّف الذهاب إلى مكّة من طريق لا يمرّ بشيء من المواقيت. طبعاً عليه في صورة عدم صحّة النذر أن يحرم حينئذٍ من مطار جدّة، أو من أدنى الحلّ.

(2) لإطلاق روايات المسألة، حيث لم تذكر إلاّ الإحرام.

2 ـ إذا قصد العمرة المفردة في رجب، وخشي عدم إدراكها ـ إذا أخّر الإحرام إلى الميقات ـ جاز له الإحرام قبل الميقات، وتحسب له عمرة رجب وإن أتى ببقية الأعمال في شعبان، ولا فرق في ذلك بين العمرة الواجبة والمندوبة. والظاهر عدم اختصاص هذا الحكم بعمرة رجب، وشموله لعمرة كلّ شهر(1).

...............................................................................................................................................................

(1) الظاهر أنّ هذا الحكم اتّفاقي بينهم؛ ففي (المعتبر) أنّ عليه اتّفاق علمائنا([545])، وعن (المنتهى) أنّ على ذلك فتوى علمائنا([546])، وفي (المسالك): «هو موضع نص ووفاق»([547])، وفي (الجواهر): «بلا خلاف أجده فيه»([548]).

ويدلّ عليه روايتان:

1 ـ صحيحة معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول الله(ص) إلاّ أن يخاف فوت الشهر في العمرة([549]).

2 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم(ع) عن الرجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، فيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أم يؤخِّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال: يحرم قبل الوقت لرجب؛ فإنّ لرجب فضلاً، وهو الذي نوى([550]).

وهل يختصّ هذا الحكم بعمرة رجب أو يشمل عمرة كلّ شهر؟

قال في (الجواهر): «لكن الظاهر اختصاص الحكم المزبور في عمرة رجب. والصحيح الأول وإن كان مطلقاً، إلا أنّه لم أجد به عاملاً في غير رجب، ولعلّه للعلّة التي أشار الإمام(ع) إليها في الصحيح الآخر، مضافاً إلى ما روي من أن العمرة الرجبية تلي الحجّ في الفضل»([551]).

 

أحكام المواقيت

مسألة [165]: يجب على المكلّف تحصيل اليقين بوصوله إلى الميقات والإحرام منه، أو يكون ذلك عن اطمئنان أو حجّة شرعية، ولا يجوز له الإحرام عند الشكّ في الوصول إلى الميقات(1).

مسألة [166]: لو نذر الإحرام قبل الميقات، وخالف وأحرم من الميقات، لم يبطل إحرامه، ووجبت عليه كفارة مخالفة النذر إذا كان متعمداً(2).

...............................................................................................................................................................

ولكن ما ذكر لا يوجب حصر الحكم بعمرة رجب، خصوصاً مع الالتفات إلى التعليل بأنّ ذلك هو الذي نواه. كما أنّ الروايتين مثبتتان لا تنفي إحداهما الأخرى، فيُمكن العمل بهما معاً، والنتيجة هي أنّه يجوز تقديم الإحرام لإدراك عمرة كلّ شهر خصوصاً عمرة رجب.

هذا مضافاً إلى أنّ للصحيحة ميزةً ليست للموثّقة، وهي أنّ الظاهر منها أنّ الإمام(ع) كان في مقام ضرب القاعدة، بينما كان في الثانية في مقام الجواب عن سؤال خاص برجب.

(1) إذا كان المكلّف في طريقه إلى مكّة يمرّ على الميقات، فيجب عليه الإحرام منه كما مرّ، وعليه لأجل إبراء الذمّة أن يتأكّد من الوصول إليه، بأيّ وسيلة يصحّ الاعتماد عليها شرعاً. ولا يجوز له الإحرام مع الشكّ في الوصول إليه، لأصالة العدم.

(2) فصّل السيد الحكيم(قده) في المسألة بين ما لو خالف وأحرم من الميقات نسياناً فحكم بصحة الإحرام، وما لو خالف عمداً فاستشكل في صحّته، قال: «أمّا في النسيان فظاهر، لوقوع الإحرام على الوجه المشروع فيصحّ، وأمّا في العمد فمشكلٌ؛ لأنّ النذر يقتضي ملك الله سبحانه للمنذور على وجه يمنع من قدرة المكلف على تفويته، والإحرام من الميقات عمداً لمّا كان تفويتاً للواجب المملوك كان حراماً، فيبطل إذا كان عبادة»([552]).

مسألة [167]: كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات لا يجوز تأخيره عنه؛ فلا يجوز لمن أراد الحجّ أو العمرة أو دخول الحرم أو مكّة أن يتجاوز الميقات اختياراً إلاّ محرماً، وإن كان أمامه ميقات آخر، فلو تجاوزه وجب العود إليه مع الإمكان، إلاّ في العمرة المفردة فإنّه يكفيه الإحرام من أدنى الحلّ. ويستثنى من ذلك من تجاوز ذا الحليفة إلى الجحفة لا لعذر، فإنّه يجزيه الإحرام من الجحفة على الأظهر.

وإذا لم يكن المسافر قاصداً للنسك أو دخول الحرم أو مكّة، بأن كان له شغل خارج الحرم ثم بدا له دخول الحرم بعد تجاوز الميقات، جاز له الإحرام من أدنى الحل(1).

...............................................................................................................................................................

ولكنّ ما ذكره كما ترى؛ أوّلاً: لأنّ المسألة ليست مسألة ملك الله تعالى للمنذور في ذمّة الناذر، ليُقال إنّ عدم إتيانه به مفوّتٌ لحقّ الله في استيفاء ما ملكه، وتفويت حقّه تعالى محرّمٌ ومنهيٌّ عنه، والنهي عن العبادة يمنع من التقرّب بها. بل ليس هناك إلاّ وجوبٌ تكليفي بالوفاء بالنذر، يترتّب على مخالفته الإثم ووجوب الكفارة لا غير.

وثانياً: إنّ النذر إنّما تعلّق بخصوصية زائدة على أصل الإحرام الواجب عليه، هي الإحرام من البلد مثلاً، وهو لا يوجب أيّ تغيير في أصل الواجب، فإذا خالف المكلّف وأحرم من الميقات، فإنّه يكون قد أتى بالمأمور به، لأنّه لم يخالف إلاّ ما هو زائد على الواجب. نعم، يأثم  لعدم الوفاء بالنذر، وعليه الكفارة.

(1) قال في (المستند): «لا يجوز لمريد النسك تأخير الإحرام عن الميقات، إجماعاً فتوى ونصّاً»([553]).

والروايات صريحة في ذلك، منها:

1 ـ حسنة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله(ص) لا تجاوزها إلا وأنت محرم([554]).

2 ـ صحيحة صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: كتبت إليه، إنّ بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق، وليس بذلك الموضع ماء ولا منزل، وعليهم في ذلك مؤنة شديدة، ويعجّلهم أصحابهم وجمّالهم، ومن وراء بطن العقيق بخمسة عشر ميلاً منزلٌ فيه ماءٌ وهو منزلهم الذي ينزلون فيه، فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم وخفّته عليهم؟ فكتب: إنّ رسول الله(ص) وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها، وفيها رخصة لمن كانت به علّة، فلا تجاوز الميقات إلاّ من علّة([555]).

3 ـ صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع): من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة، ولا يجاوز الجحفة إلاّ محرماً([556]).

وقد علّق السيّد الحكيم(قده) بعد نقله هذه الروايات فقال: «وفي دلالتها على الحرمة الذاتيّة تأمّل»([557]). ولم يذكر(قده) وجه هذا التأمّل. ولعلّ الوجه فيه هو أنّ الظاهر منها كونها واردةً في مقام بيان شرطية أن يحرم الحاجّ أو المعتمر من الميقات مع مروره عليه، لا الحرمة التكليفية؛ فإنّ هذا هو ظاهر الأدلّة التي تبيّن وجوب شيء أو حرمته في مركّب من المركّبات، وحينئذٍ فلا تكون دالّةً على ترتّب الإثم مع المخالفة.

ولعلّ تأمّله هذا هو الموافق للمناسبات العرفية في أمثال المقام، فتنحصر المسألة حينئذٍ في أنّه هل يصحّ الحجّ فيما لو خالف المكلّف وتجاوز الميقات من دون إحرام أو لا يصحّ؟ ومقتضى القاعدة هو البطلان؛ لأنّ المشروط عدمٌ عند عدم شرطه، والمركّب عدمٌ عند عدم أحد أجزائه. لذا عليه العود إلى الميقات، أو الخروج من الحرم، والإحـرام من هناك، وفي بعض الحالات قد يحرم من مكانه ـ على تفصيل يأتـي في المسألة الآتية ـ إلاّ في صورتين:

الأولى: أن يتجاوز ذا الحليفة ويحرم من الجحفة؛ لما سبق من أنّ الأظهر أنّ له ذلك اختياراً.

مسألة [168]: إذا ترك المكلّف الإحرام من الميقات عن علم وعمد حتى تجاوزه ـ في غير الفرض المتقدّم ـ فإن استطاع الرجوع إلى الميقات، وجب عليه الرجوع من موضعه، سواء أكان داخل الحرم أم في خارجه، وإلاّ فإن كان خارج الحرم يحرم من مكانه، وإن كان داخل الحرم يخرج ويحرم من خارج الحرم، فإن لم يقدر أحرم من مكانه، ويصحّ حجّه وعمرته في جميع هذه الصور(1).

...............................................................................................................................................................

الثانية: في العمرة المفردة؛ لما تقدّم من أنّ أدنى الحلّ ميقاتٌ لها مطلقاً، سواء لمن كان داخل مكّة أو كان خارجها([558])، وسواء كان قاصداً للاعتمار قبل تجاوزه الميقات، أو بدا له ذلك بعد المرور عليه.

(1) إذا ترك المكلَّف الإحرام من الميقات مع مروره عليه عن علم وعمد حتى تجاوزه، ففي المسألة أربع صور، هي:

الصورة الأولى: أن يتمكّن من الرجوع إلى الميقات، فيجب عليه الرجوع والإحرام منه، سواء أكان رجوعه من داخل الحرم أم كان من خارجه، فإن أتى بذلك يصحّ عمله بالاتّفاق.

الصورة الثانية: أن لا يتمكّن من الرجوع إلى الميقات، ويكون قد دخل الحرم، فعليه الخروج والإحرام من أدنى الحلّ إن أمكنه ذلك.

الصورة الثالثة: أن لا يتمكّن من الرجوع إلى الميقات، ويكون قد دخل الحرم، ولا يستطيع الخروج إلى أدنى الحلّ، فيحرم من مكانه.

الصورة الرابعة: أن لا يتمكّن من الرجوع إلى الميقات، ويكون خارج الحرم، فيحرم من مكانه.

ولا خلاف بينهم في حكم الصورة الأولى، كما ذكرنا؛ لأنّه إذا عاد وأحرم من الميقات، يكون قد أتى بتمام ما هو مأمورٌ به. إنّما الخلاف في الصور الثلاث الباقية؛ ففي (الجواهر) أنّه: «لم يصحّ إحرامه، وفاقاً للأكثر بل المشهور، بل ربما يُفهم من غير واحد عدم خلاف فيه بيننا»([559]).

 

أحكام المواقيت

خلافاً للمقدّس الأردبيلي([560])؛ وللسيد محمد([561])، وللفاضل الهندي([562])، وللمحقّق البحراني([563])، وللمحقّق النراقي([564])، وللمحقق الخوانساري([565])، ولسيدنا الأستاذ([566])، وللسيد السبزواري([567])، قُدِّست أسرارهم أجمعين، ولبعض المعاصرين([568])؛ حيث استشكل الأوّل في عدم إجزاء الإحرام في هذه الصور الثلاث، وقوّى الثالث الجواز، وذكر أنّه يحتمله إطلاق (المبسوط) و(المصباح)، وأفتى به الخامس والأخيرَين وبعضُ المعاصرين، ولم يستبعده الباقون.

ولكلٍّ من القولين أدلّته؛ فالقول الأوّل فضلاً عن كونه مقتضى قاعدة أنّ المشروط عدمٌ عند عدم شرطه، استدلّ عليه في (الجواهر) بإطلاق ما دلّ على اعتبار الوقت في صحّة الإحرام، المقتصر في تقييده على غير العامد([569]).

واستُدِلَّ للقول الثاني بإطلاق صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم، فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج([570]). وهي تبيّن حكم الصور الثلاث جميعاً.

بل عن السيد الأستاذ(قده) ظهور قوله: "رجل ترك الإحرام" في الترك العمدي. كما أنّ نسبتها إلى روايات الميقات هي نسبة الخاص إلى العام، لأنّ مورد صحيح الحلبي خشية فوت الحجّ، وتلك الروايات مطلقة من هذه الجهة، ولا ريب في تقدّم الخاص على العام([571]).

ولكننا لا نرى المسألة من باب العموم والخصوص، لأنّه لا تنافي أساساً بين الروايات ليُجمع بينها بالتخصيص؛ فإنّ غاية ما تدلّ عليه روايات المواقيت هو أصل الشرطية، من دون أن تتعرّض لبيان الحكم في صورة المخالفة؛ وهذا بخلاف صحيحة الحلبي، فإنّها متكفّلة أساساً ببيان الحكم في صورة المخالفة، فيؤخذ بها، لأنّه لا يعارضها في موردها شيء.

وقد استظهر بعض المعاصرين([572]) في المقام اتّحاد صحيحة الحلبي هذه مع روايته الأخرى([573]) المصرَّح فيها بنسيان الإحرام، على أساس اتّحادهما في رواية ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي، وفي المتن أيضاً مع اختلاف يسير، فكلّ ما هنالك هو صورة النسيان. وعلى هذا فتبقى صورة المخالفة العمدية تحت القاعدة المقتضية للبطلان.

وقد يُجاب عن ذلك بأنّ عدم اتّحادهما هو الظاهر من جهات شتّى؛ أوّلاً: من جهة أنّه لا مانع من أن يسأل راوٍ واحد الإمام(ع) نفسه مرّتين، مرّةً عن حكم الناسي، وأخرى عن حكم العامد.

وثانياً: إنّ وحدة الحكم في الروايتين لا تعني بالضرورة وحدة الروايتين؛ لأنّه لا مانع من أن يكون حكم كلا الواقعتين واحداً.

وثالثاً: إنّ الصادق(ع) قد أسند الحكم في إحداهما إلى أبيه الباقر(ع)، بخلاف الثانية، ما يبعّد جداً اشتباه الرواة في متنها بحيث عبّروا تارةً بالترك وأخرى بالنسيان.

ويثبت الحكم نفسه في حالتي الجهل والنسيان(1).

...............................................................................................................................................................

ولكن لا يبعد وحدة الروايتين؛ خصوصاً بملاحظة أنّ من البعيد لمن أراد الحجّ أن يتعمّد ترك الإحرام من الميقات مع مروره عليه ومعرفته بضرورة الإحرام منه. هذا بالنسبة إلى الملاحظة الأولى، وأمّا الثانية، فالظاهر أنّ وحدة الحكم مع وحدة السند أو الراوي تدلّ على وحدة الروايتين. وهكذا الحال بالنسبة إلى الملاحظة الثالثة، حيث إنّ اختلاف التعبير لا يدلّ على اختلاف الموضوع، لما ذكرناه من استبعاد التعمّد في ترك الإحرام من الميقات لمن أراد الحجّ. وفي ضوء هذا، فإنّ استفادة السيد الأستاذ(قده) إرادة الترك العمدي من الرواية الأولى غير واضحة.

لكن من الممكن جدّاً الأخذ بما تدلّ عليه الروايتان من الحكم في مواقع الإحرام لمن تركه من الميقات في تفاصيله، حتى في صورة العمد على فرضه؛ من حيث إنّ جواز إحرامه من مكانه أو من خارج الحرم هو من جهة خوف فوات الحجّ إذا رجع إلى ميقات أهله.

(1) بل الحكم فيهما أوضح وأولى، ويدلّ عليه بتفاصيله حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟ قال: قال أبي: يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحجّ، أحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمّ ليحرم([574]). وهي تشمل الجهل أيضاً؛ لأنّه لا خصوصية فيها للنسيان إلاّ بما هو عذر.

ويؤكّده أيضاً في صورة الجهل صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت، فأرسلت إليهم فسألتهم؟ فقالوا: ما ندري، أعليك إحرام أم لا وأنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم، فقال(ع): إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه، فإن لم يكن عليها وقت (مهلة) فلترجع إلى ما قدرت عليه بعدما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها([575]).

ومن الواضح أنّه لا خصوصية للحائض في ذلك، بل الخصوصية هي لترك الإحرام.

بقي هنا شيء: وهو أنّه قد ذهب بعضهم استناداً إلى هذه الصحيحة إلى لزوم رجوع الجاهل أو الناسي في الصورة الثانية في المسألة إلى ما يقدر عليه خارج الحرم، وإن لم يقدر على ذلك فيحرم حينئذٍ من أدنى الحلّ([576]). كما عمل بعضهم بالصحيحة في خصوص الحائض لكونها مورد النصّ، فالتعدّي عنها إلى غيرها قياسٌ لا نقول به([577]). وبعضهم حملها حتى في موردها على الاستحباب([578]).

وقد تعدّدت في كلماتهم الوجوه لهذه الأقوال. ولكننا نرى أنّ الرواية أجنبية تماماً عن بيان مسألة الرجوع إلى المسافة التي تقدر عليها، ويتّضح ذلك من خلال النقاط الآتية:

أولاً: إنّ قطع المسافة من الميقات إلى مكّة ليس واجباً نفسياً، وإنّما هو واجب مقدّمي غيريّ للوصول إلى مكّة لأداء المناسك، فليس فيه ملاكٌ في نفسه يدعو إلى إحرازه مهما أمكن، بحيث إذا تعذّر بعضه لزم الإتيان ببعضه الآخر، عملاً بقاعدة الميسور التي صرّح جماعة بالاعتماد عليها في المسألة.

ثانياً: إنّه لا خصوصية للحائض في الصحيحة، بل الخصوصية هي لترك الإحرام، ما يجعل هذه الصحيحة في سياق واحد مع الروايات الأخرى الواردة في المسألة، مثل صحيحة الحلبي، وغيرها([579]). إذاً ينبغي أنّ تُفهم هذه الصحيحة بما يناسب تلك الروايات؛ لورودها كلّها في موقع واحد. والملاحظ أنّ تلك الروايات رغم كونها في مقام البيان، لم تشر أبداً إلى ضرورة الرجوع إلى المقدار الممكن، ما يدعو إلى التأمّل في العبارة التي تضمنتها صحيحة معاوية بن عمّار، التي فُهم منها ضرورة الرجوع إلى المقدار الممكن.

 

أحكام المواقيت

مسألة [169]: من تجاوز الميقات من دون إحرام ولم يعمل بوظيفته المذكورة في المسألة الآنفة، بل أتمّ أعمال العمرة أو الحجّ من دون إحرام، فإن كان عن علم أو عمد فلا إشكال في بطلان حجّه وعمرته، وإن كان عن نسيان أو جهل صحّ حجّه وعمرته، وإن كان الأحوط استحباباً الإعادة عند التمكّن منها(1).

...............................................................................................................................................................

ثالثاً: إنّ قوله: "فلترجع إلى ما قدرت عليه"، واردٌ في قبال قوله: "إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت"، والمعنى هو: إن لم يكن عندها مهلة للرجوع إلى الميقات، فلترجع إلى ما قدرت عليه. ونحن نرى أنّ معنى "ما قدرت عليه" ـ بقرينة سائر الروايات، حيث لم تذكر أيّ مدًى للخروج ـ هو مجرّد الخروج إلى خارج الحرم، ولو كان المقصود بيان المدى، لكان ينبغي أن يكون التعبير أوضح في الدلالة على ذلك، مع تكرّر ذكره في سائر الروايات أو بعضها على الأقلّ.

وعلى هذا يكون قوله: "بقدر ما لا يفوتها" قيداً في أساس الأمر بالرجوع، لا قيداً في المقدار الذي ترجع إليه؛ أي إنّما يجب عليها الرجوع والخروج من الحرم فيما إذا كان لا يفوتها الحجّ بذلك، وإلاّ تحرم من مكانها، تماماً كما هو مفاد سائر الروايات.

(1) تعرّضنا في المسألة السابقة إلى بيان وظيفة المكلّف في حالات العمد أو الجهل أو النسيان، فيما لو ندم وأراد الإحرام، أو فيما لو علم أو تذكّر أنّه لم يأتِ به، قبل أن يأتي بشيء من الأعمال. والكلام في هذه المسألة يدور حول حكمه فيما لو استمرّ تاركاً للإحرام إلى أن أتمّ أعمال العمرة أو الحجّ. وفي المسألة صورتان:

الصورة الأولى: أن يُتمّ أعمال العمرة أو الحجّ من دون إحرام عالماً عامداً. ولا إشكال في بطلان عمرته أو حجّه حينئذٍ؛ لأنّه لم يأتِ بما هو مأمورٌ به، فلم يحصل منه الامتثال.

الصورة الثانية: أن يُتمّ أعمال الحجّ من دون إحرامٍ نسياناً، ففي (الجواهر) أنّ المشهور شهرةً عظيمةً بل في (الدروس) نسبته إلى الأصحاب عدا الحلّي، أنّه يجزيه([580]).

وقد أرجع ابن إدريس(ره) السبب في مخالفته إلى أنّ «الذي تقتضيه أصول المذهب أنّه لا يجزيه، وتجب عليه الإعادة، لقوله(ع): الأعمال بالنيّات، وهذا عملٌ بلا نيّة، فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد، ولم يورد هذا، ولم يقل به أحدٌ من أصحابنا، سوى شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله، فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال»([581]).

وقد وقع استدلاله هذا محلاً لإشكال العلماء واستغرابهم، حتى قال في (المستمسك): «ولا يخفى أنّ ما ذكره من الاستدلال بقوله(ص): "إنّما الأعمال بالنيّات"، لا يخلو من غموض؛ فإنّ المفروض ترك الإحرام نسياناً، لا ترك نيّة الإحرام، ولا ترك نيّة غيره من المناسك. ولذلك قال في المعتبر: "ولست أدري كيف تخيّل له هذا الاستدلال، وكيف توجيهه؟ ". وعن المنتهى: "إنّه وَهِمَ في ذلك؛ لأنّ الشيخ اجتزأ بالنيّة عن الفعل، فتوهم أنّه اجتزأ  بالفعل بغير نيّة، وهو الغلط من باب إيهام العكس" انتهى. وقد يوجّه بوجوه لا تخلو من تكلّف»([582]).

ولكنّ الظاهر أنّه قال بذلك عملاً بالقاعدة التي تقتضي بطلان المركّب عند فقده أحد أجزائه، مع عدم تمامية دليل عنده على الصحة، تبعاً لمبناه بعدم حجيّة خبر الواحد. وإن كانت هذه القاعدة لا تلتقي بما دلّ على رفع النسيان، وأنّه لا حكم للناسي في بطلان عمله إذا نسي بعض أجزائه.

والكلام حينئذ هو في الدليل الذي يُخرج به عن مقتضى القاعدة، ويدلّ على جزئية الإحرام في حال العلم فقط دون حال الجهل أو النسيان، فنقول:

يدلّ على الصحّة في المسألة صحيح علي بن جعفر عن أخيه(ع) قال: سألته عن رجلٍ كان متمتّعاً خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده؟ قال: إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه([583]).

ومورده وإن كان هو الجهل، إلاّ أنّهم استدلّوا به على حكم النسيان أيضاً، وقرّبوا ذلك بعدّة تقريبات؛ مثل ما ذكره في (المستند) من أنّ الظاهر شمول معنى الجهل الحقيقي اللغوي للنسيان أيضاً([584])، وما ذكره في (كشف اللثام) من أنّ الناسي أولى بالعذر من الجاهل([585])، أو ما ذكره في (الجواهر) من أنّ الناسي ملحقٌ بالجاهل في الحكم([586]). ولنا: أنّه لا خصوصية للجهل إلاّ بما هو عذرٌ، فيشمل كلّ عذر.

ويدلّ عليه أيضاً صحيح علي بن جعفر الآخر، قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكر وهو بعرفات، ما حاله؟ قال: يقول: اللهمَّ على كتابك وسنّة نبيّك، فقد تمّ إحرامه([587]).

ومرسلة جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام)، في رجلٍ نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلّها وطاف وسعى، قال: تجزيه نيّته إذا كان قد نوى ذلك، فقد تمّ حجّه وإن لم يهلّ([588]).

وهي تذكر النسيان والجهل معاً. والمقصود بالجهل فيها الجهل بالحكم، بقرينة عطفه على النسيان. وأيضاً فالمقصود بقوله: "إذا كان قد نوى ذلك" نيّة الحجّ أو العمرة جملةً، لا نيّة الإحرام؛ لفرض جهله بوجوبه.

وإرسالها لا يضرّ بحسب مبنانا بالأخذ بالخبر الموثوق به نوعاً؛ لموافقتها في مضمونها للروايات المعتبرة، ولعمل المشهور بها.

وقد نوقش في جبر سند هذه الرواية بعمل المشهور، تارةً من ناحية الكبرى بأنّ عمل المشهور لا يجبر ضعف الرواية، وأخرى من ناحية الصغرى بأنّه لم يثبت استناد المشهور إلى هذه الرواية، لأنّه من الممكن أن يكونوا قد اعتمدوا على الأدلّة الأخرى في المسألة، مثل دليل لا حرج، أو حديث الرفع، أو صحيحة علي بن جعفر الأخرى الواردة في الحجّ، مع ذهابهم إلى عدم الفرق بين الحجّ والعمرة في ذلك([589]).

وكلا المناقشتين مدفوعةٌ؛ أمّا المناقشة في الصغرى فيدفعها ظهور حال الأصحاب في استنادهم إلى هذه الرواية؛ من حيث إنّه إذا كان في بعض المسائل روايات قد أفتى الأصحاب بمضمونها، فإنّ ذلك قد يكون قرينةً عرفيةً على عملهم بها واستنادهم إليها، لأنّ من البعيد إهمالها.

وأمّا المناقشة في الكبرى، فهي إنّما تصحّ على مبنى القائلين بحجيّة خبر الثقة، مثل سيدنا الأستاذ(قده)، ولا تصحّ بناءً على مختارنا من حجّية الخبر الموثوق به نوعاً؛ لأنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ استناد المشهور عملاً إلى روايةٍ يُشكّل عامل وثوق نوعيّاً بها.

بقي هنا شي، وهو هل إنّ هذا الحكم بالاجتزاء يشمل كلّ أنواع الحجّ والعمرة، أو يختصّ ببعضها دون بعض؟

والأساس في المسألة هو الروايات، فلا بدّ من ملاحظة مقدار ما تدلّ عليه. ولا إشكال في أنّ المقدار المتيقّن منها، بعد ضمّ بعضها إلى بعض بحسب ما هو مبنانا في الروايات الواردة في موقع واحد، هو الحجّ بأنواعه، التمتّع والإفراد والقران. فيبقى عمرة التمتّع والعمرة المفردة.

وقد ذكر في (المدارك) أنّ صحيحة علي بن جعفر الأولى مخصوصة بإحرام الحجّ، فإلحاق إحرام العمرة به لا يخرج عن القياس([590]). كما خلص السيد الأستاذ(قده) بعد بحثٍ إلى أنّه لا دليل على الصحة في العمرة المفردة ولا في عمرة التمتّع([591]).

ولكن الأقوى شمول الروايات لهما؛ أمّا عمرة التمتّع فلأنّها جزءٌ من الحجّ، فيشملها الدليل الذاكر له؛ وأمّا العمرة المفردة، فلأنّ المسألة هي مسألة الإحرام، وعندما ندرس العمرة والحجّ، نجد أنّ الإحرام بهما له الكيفية والأحكام نفسها، فيفهم العرف من ذلك أنّهما من باب واحد، وأنّ احتمال الخصوصية في إحرام الحجّ، لا أساس له، فلا يكون إلحاق العمرة بالحجّ في محلّ الكلام قياساً. وهذا تماماً كما لو قال أحدهم: إنّ فلاناً نسي تكبيرة الإحرام في صلاة الصبح، فأُجيب بأنّه إذا كان ناوياً للصلاة فقد تمّت صلاته؛ فلا يمكن أن يُقال باختصاص هذا الحكم بصلاة الصبح؛ لأنّه من الواضح أنّ هذا الحكم هو من خصوصيات تكبيرة الإحرام، وهي لا تختصّ بصلاة الصبح. وكذلك الإحرام بالنسبة إلى أنواع الحجّ والعمرة.

 

أحكام المواقيت

هذا مضافاً إلى أنّه يمكننا أنّ نفهم ممّا سبق من الاكتفاء بإحرام من تجاوز الميقات من محلّه إن لم يستطع العودة إلى الميقات أو الخروج من الحرم، وغير ذلك من أحكام، أنّ الشارع قد وسّع في الإحرام ما لو يوسِّع في غيره من المناسك، ما يقوّي كون الحكم بالاجتزاء في المقام إرفاقياً، فيشمل العمرة المفردة أيضاً.

وقد يُقال: صحيحٌ أنّه لا خصوصية لإحرام الحجّ من حيث هو إحرام، ولكن للحجّ خصوصية ليست للعمرة، وهي تقيّده بوقت مخصوص دون العمرة، ولو كانت هي عمرة التمتّع. وعلى هذا، فلا يمكن استفادة حكم غير الحجّ من مثل صحيحة ابن جعفر([592]).

ولكنّ الظاهر أنّ مقتضى الفهم العرفي هو أنّ الخصوصية هي للإحرام لا للوقت؛ لأنّ تقيّد الحجّ بوقت معيّن لا يغيّر شيئاً من حكم الإحرام، تماماً كما هو الحال في تكبيرة الإحرام في الصلاة الواجبة والمستحبّة.

وقد يُقال أيضاً إنّ عمرة التمتّع تارةً يتحقّق نسيان الإحرام فيها إلى آخر أعمالها وبعد الفراغ منها يرتفع النسيان، ويُستكشف أنّها وقعت بأجمعها بلا إحرام، وأخرى يستمرّ ويدوم النسيان إلى آخر أعمال الحجّ، وفي الصورة الأولى تارةً يتمكّن من إعادتها بالإحرام من الميقات أو ممّا أمكن، وأخرى لا يتمكّن منها لضيق الوقت وشبهه.

 

 

 

 

 

 

والظاهر أنّه يمكن استفادة الصحة من مرسلة جميل في الصورة الثانية، بل يمكن دعوى الأولوية بالإضافة إلى الحجّ والحكم بالصحة فيها أيضاً. وأمّا الصورة الأولى، فاستفادة الصحة منها فيها مشكلة؛ فإنّ عمرة التمتّع وإن كانت مرتبطةً بالحجّ، وهما معاً عملٌ واحد مرتبط، ولأجله ربما يُطلق عليها الحجّ بلحاظ كونها من أجزائه، إلاّ أنّه مع ذلك، لا مجال لدعوى ظهور الرواية في صحتها أيضاً. وعليه، فمع التمكّن من الإعادة تجب عليه الإعادة، ومع عدمه لا تبعد دعوى انقلاب وظيفته إلى حجّ الإفراد كما في مورد الحيض([593]).

وفيه: أنّا قد أشرنا إلى أنّ المسألة هي شرطية الإحرام في الحجّ أو العمرة، فإذا جرى العذر في الحجّ جرى في العمرة أيضاً، لا من جهة دلالة الرواية نصّاً على ذلك، بل من جهة فهم الأولوية وفهم عدم الخصوصية عرفاً.

(1) المقصود بالعمرة هنا عمرة التمتّع، إذ هي التي يتصوّر فيها ضيق الوقت، دون العمرة المفردة التي يمكن إعادتها في أيّ وقت. وبما أنّ عمرة التمتّع مرتبطة بالحجّ، بل هي جزء منه، فإنّه إذا فسدت ولم يمكن إعادتها ـ ولو من جهة ضيق الوقت ـ يفسد الحجّ؛ لفساد المركّب بفساد جزئه، ويجب إعادته في سنة أخرى إذا كان واجباً.

ليست من المواقيت، ومحاذاتها لأحد المواقيت غير ثابتة، بل المطمأن به عدمها ـ فإنّه لا مانع من الإحرام من جدّة مع الاحتياط الاستحبابي في تجديده من أدنى الحلّ، لأنّ وجوب الإحرام من المواقيت الخمسة مختصٌ بمن مرّ عليها ولا يشمل القادم من طريق آخر. هذا وقد تقدّم القول منّا أنّه لا يشرع النذر من مطار بلد الحاجّ أو الطائرة إذا كان الإحرام من الميقات ـ على تقدير وجوبه ـ أكثر مشقّةً من الإحرام من الطائرة أو المطار.

مسألة [172]: تقدّم أنّ المتمتّع يجب عليه أن يحرم لحجّه من مكّة، فلو أحرم من غيرها ـ عالماً عامداً ـ لم يصحّ إحرامه وإن دخل مكّة محرماً(1)، بل وجب عليه الاستئناف من مكّة مع الإمكان، وإلاّ بطل حجّه(2)، إلاّ فيما إذا خرج من مكّة بعد أدائه عمرة التمتّع، حيث يجوز له الإحرام حينئذٍ من أحد المواقيت المعروفة عند مروره عليه(3).

مسألة [173]: إذا نسي المتمتّع الإحرام للحجّ بمكّة، وجب عليه العود مع الإمكان، وإلاّ أحرم في مكانه ـ ولو كان في عرفات ـ وصحّ حجّه. وكذلك يصح ّحجّه لو نسيَ الإحرام به ولم يذكر حتى أتى بجميع أعماله. وكذلك حكم الجاهل(4).

...............................................................................................................................................................

(1) لأنّ المأمور به في حجّ التمتّع هو الإحرام من مكّة، لا دخول مكّة محرماً.

(2) لعدم تحقّق الامتثال.

(3) قد مرّ بيان وجه هذا الاستثناء مفصّلاً([594]).

(4) إذا تذكّر المتمتّع أو علم بوجوب الإحرام عليه من مكّة، فإن حصل منه ذلك في وقت يستطيع فيه العود إليها للإحرام منها، وجب عليه ذلك؛ بمقتضى القاعدة والنصوص التي ربطت وجوب العود إلى ميقاته بعدم خوف فوات الحجّ، كقول الباقر(ع) في حسنة الحلبي: فإن خشي أن يفوته الحجّ، أحرم من مكانه([595]).

حتى إنّه لو كان في عرفات أحرم منها، كما هو مفاد صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(ع)، قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكر وهو بعرفات، فما حاله؟ قال: يقول: اللّهم على كتابك وسنّة نبيّك(ص)، فقد تمّ إحرامه([596]).

ولا خصوصية للنسيان ـ كما سبق ـ إلاّ بما هو عذر يمنع عملياً من تحقّق الإحرام، فتجري الأحكام نفسها في المسألة في صورة الجهل أيضاً. ومع ذلك، فقد تضمنتهما معاً مرسلة جميل بن درّاج السابقة، التي انتهينا إلى إمكان الوثوق بمضمونها.

 

 

[ المبحث السادس ]

[ كيفية الإحــــرام ]

 

الفرع الثالث: في كيفية الإحرام

واجبات الإحرام ثلاثة أمور:

الأمر الأول: النيّة، ومعنى النيّة أن يعقد العزم على الإتيان بالحجّ أو العمرة متقرّباً إلى الله تعالى. ولا يعتبر فيها المعرفة التفصيلية بما يشتمل عليه نسكه، بل تكفي المعرفة الإجمالية أيضاً، فلو لم يعلم المكلّف حين النيّة بتفاصيل ما يجب عليه في العمرة ـ مثلاً ـ كفاه أن يتعلّمه شيئاً فشيئاً من الرسالة العملية أو ممّن يثق به من المعلّمين(1).

...............................................................................................................................................................

(1) تعدّدت أقوال الفقهاء في معنى الإحرام وحقيقته، وقد أنهاها في (الموسوعة الفقهية الميسّرة) إلى ثمانية، قال: «الأول: أنّ الإحرام ماهية مركّبة من النيّة والتلبية ولبس الثوبين، ومقتضاه أنّه ينعدم بانعدام أحد أجزائه. ذهب إلى ذلك العلاّمة في (المختلف).

الثاني: أنّه النيّة والتلبية، ولا مدخل للتجرّد ولبس الثوبين فيه. قاله ابن إدريس.

الثالث: أنّه أمر بسيط وهو النيّة فقط. اختاره الشيخ في (المبسوط).

الرابع: أنّه توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن يأتي بالمناسك، والتلبية هي الرابطة لذلك التوطين، نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة. قال ذلك الشهيد في (المسالك).

ويعتبر في النية أمور:

1 ـ القربة والإخلاص كما في سائر العبادات(1).

...............................................................................................................................................................

الخامس: أنّه إيقاع التلبية المقارنة لنيّة الحجّ أو العمرة.

السادس: أنّه لبس الثوبين وإيقاع التلبية المقارنين لنيّة الحجّ أو العمرة. ذكرهما في (الجواهر).

السابع: إنّه صفة اعتبارية تحصل بأحد السببين: إمّا الالتزام بترك المحرّمات، أو نيّة ترك المحرّمات، لا أنّه نفس ترك المحرّمات، ولا أنّه نفس نيّة ترك المحرّمات، فإنّ الأول خلاف الإجماع، والثاني غير معقول.

قال ذلك السيّد الحكيم في (المستمسك).

الثامن: أنّ الإحرام عبارة عن التلبية الموجبة للإحرام والدخول في الحرمة، أو عمّا يترتب على التلبية، فالإحرام اسم للسبب أو للمسبّب، فهو نظير الأفعال التوليدية المترتّبة على عناوين خاصة، كالطهارة المترتبة على الوضوء أو الغسل، ولذا قد يؤمر بالغسل، وقد يؤمر بالطهارة ... وهكذا المقام، فإنّه قد أمر في الروايات تارةً بالإحرام، وأخرى بالتلبية، فهما في الحقيقة شيء واحد. ذهب إلى ذلك السيّد الخوئي في المعتمد»([597]).

ولكنّ واقع الأمر أنّ الإحرام معنى أوضح من كلّ التعاريف، وهو عبارة عن قصد الحجّ أو العمرة ونيّة الابتداء بهما، على ما تدلّ عليه صحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبدالله(ع) قال: قلت له: إنّي أُريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فكيف أقول؟ قال: تقول: "اللّهم إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك"، وإن شئت أضمرت الذي تريد([598]).

وليس هو التلبية؛ لأنّه سابقٌ عليها وهي لاحقة له، وهي من واجباته، بها ينعقد الإحرام، ويتحقّق موضوعه، فيحرم عليه حينئذٍ ما يسمّى بتروك الإحرام.

(1) لأنّ العبادة متقوّمة بقصد القربة.

2 ـ حصولها في مكان خاصّ، وقد تقدّم بيانه في مبحث المواقيت.

3 ـ تعيين المنويّ وأنّه الحجّ أو العمرة، وأنّ الحجّ حجّ تمتّع أو قِران أو إفراد، وإذا كان عن غيره فلا بدّ من قصد ذلك، ويكفي في وقوعه عن نفسه عدم قصد الوقوع عن الغير، والأظهر أنّه يكفي في سقوط الواجب بالنذر انطباق المنذور على المأتي به، ولا يتوقف على قصد كونه حجّاً نذرياً مثلا، كما يكفي في كونه حجّة الإسلام انطباق الواجب بالأصالة عليه ولا يحتاج إلى قصد زائد(1).

مسألة [176]: لا يعتبر في صحّة النيّة التلفّظ بها، وقيل: يستحبّ(2)، كما لا يعتبر في قصد القربة الإخطار بالبال، بل يكفي الداعي على حدّ سائر العبادات(3).

...............................................................................................................................................................

(1) الواقع أنّ التنبيه على هذه الأمور ليس ضرورياً، لأنّه من الطبيعي أن يقصد الإنسان هذه التفاصيل؛ فإنّها التي تشكّل نيّته ودافعه للتحرّك وأداء الفعل بعنوانه وتفاصيله.

(2) ذكر غير واحد من العلماء، منهم صاحب (المستند)([599])، أنّ التلفّظ بالنيّة في الحجّ والعمرة مستحبٌ، وذكر أنّ ذلك هو ما تدلّ عليه الروايات المستفيضة، منها صحيحة ابن عثمان السابقة.

ولكننا نتحفّظ في دلالة مضمون هذه الروايات على الاستحباب؛ لأنّها واردة ـ كما نفهم ـ في مقام توضيح الفكرة، وما ينبغي أن تكون عليه النيّة. على أنّ التلفّظ بالنيّة أمرٌ يقوم به الإنسان بحسب طبيعته عادةً.

(3) فهو عندما جاء إلى الحجّ كان داعيه إلى ذلك طاعة الله تعالى والتقرّب إليه، فيكفي هذا المقدار، من دون حاجة إلى أن يستحضر ذلك في ذهنه عند النيّة.

مسألة [177]: لا يعتبر في صحّة الإحـرام العزم على ترك محرّماته ـ حدوثاً وبقاءً ـ فيصحّ الإحرام حتى مع العزم على ارتكابها(1).

نعم، إذا كان عازماً حين الإحرام في العمرة المفردة على أن يجامع زوجته قبل الفراغ من السعي أو تردّد في ذلك، فالظاهر بطلان إحرامه(2).

وأمّا لو عزم على الترك حين الإحرام ولم يستمرّ عزمه، بأن نوى بعد تحقّق الإحرام الإتيان بالمبطل، لم يبطل إحرامه(3).

الأمر الثاني: التلبية، وصورتها أن يقول: "لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك"، والأحوط الأولى إضافة هذه الجملة: "إنّ الحمد والنعمة لك والمُلك، لا شريك لك"، ويجوز إضافة "لبّيك" إلى آخرها، بأن يقول: "لا شريك لك لبّيك"(4).

...............................................................................................................................................................

(1) لأنّ ترك المحرّمات هو من أحكام الإحرام التي تترتّب عليه بعد تحقّقه، وليس ـ هذا الترك ـ داخلاً في حقيقة الإحرام لكي يعتبر العزم عليه حين تحقيق الإحرام.

(2) لأنّ الجماع قبل السعي في العمرة المفردة مبطلٌ لها كما سوف يأتي، فقصد فعله، أو التردد فيه، قصدٌ للمبطل، فلا تتحقّق منه نيّة القربة، والامتثال للتكليف بما اشتغلت ذمّته به.

ومن الواضح أنّ ذلك يختصّ بصورة علم المكلّف بالحكم؛ لأنّه مع جهله به أو نسيانه له أو غفلته عنه لا يتحقّق منه قصد المبطل، فلا تحصل المنافاة.

(3) لأنّ النيّة قد صدرت منه صحيحةً، وهذا يكفي؛ إذ الحجّ لا يُحتاج فيه إلى استدامة النيّة كالصلاة، فلا يضرّه نيّة فعل المبطل أثناء العمل، بل ما يضرّه هو خصوص فعله.

(4) قال في (المستند): «التلبيات الأربع. ووجوبها ـ بعد نيّة الإحرام للمعتمر والحاجّ ـ إجماعيٌ، محقّقاً ومحكيّاً مستفيضاً؛ مدلولٌ عليه بالمستفيضة، بل المتواترة من الأخبار»([600]).

وهي كما في صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع): أن تقول: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، ـ إلى أنّ قال: ـ واعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كُنَّ في أوّل الكلام، وهي الفريضة وهي التَّوحيد، وبها لبّى المرسلون([601]).

هكذا هي الرواية بنقل الشيخ(ره) في (التهذيب)([602]). وبمقتضى ذيلها، فإنّ الواجب من التلبية هو: "لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك" فقط، دون "إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك"، لأنّها تلبية خامسة.

إلاّ أنّ الجملة الأخيرة وردت في (الكافي)([603]) من دون "لبّيك" في آخرها، فتصلح أن تكون تتمةً للتلبيات الأربع الواجبة، مع احتمال أن تكون دعاءً مستقلاً.

ويقوّي كونها تتمةً لا دعاءً مستقلاً، ما في صحيحة عاصم بن حميد، قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: إنّ رسول الله(ص) لمّا انتهى إلى البيداء حيث الميل، قُرِّبَت له ناقة فركبها، فلمّا انبعثت به لبَّى بالأربع، فقال: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة (والملك لك)([604])، لا شريك لك، ثم قال: ها هنا يخسف بالأخابث، ثم قال: إنّ الناس زادوا بعد وهو حسن([605]). فإنّها تدلّ ـ بقرينة قوله: "لبّى بالأربع"، وبقرينة ذيلها ـ على أنّ هذه الجملة داخلة في التلبيات الأربع الواجبة، وليست ممّا زاده الناس بعد ذلك.

وبهذا يظهر ضعف ما قد يُقال من عدم دلالة الرواية على وجوب هذه الإضافة؛ بدعوى أنّ غاية ما يدلّ عليه فعل النبي(ص) لعبادةٍ هو أصل الرجحان، وهو يتحقّق لو كانت دعاءً أيضاً.

ومثلها أيضاً خبر الأعمش([606]) عن الصادق(ع) ـ في حديث شرائع الدين ـ: وفرائض الحجّ: الإحرام والتلبيات الأربع، وهي: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك([607]).

لكن يؤيّد ما في (التهذيب) جملة من الروايات، أهمها ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا أحرمت من مسجد الشجرة، فإن كنت ماشياً لبّيت من مكانك من المسجد، تقول: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، لبّيك بحجّة تمامها عليك...([608]).

ومنها صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(ع) بحسب ما في (الوسائل) قال: لما لبّى رسول الله(ص) قال: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك...([609]).

وأمّا بحسب ما في (من لا يحضره الفقيه)([610]) الذي هو مصدر هذه الرواية، وكذلك بحسب ما في (الكافي)([611])، فلم تُذكر "لبّيك" بعد "لا شريك لك"، ما يجعل الرواية على العكس مؤيّدةً لصحيحة معاوية بن عمّار كما هي في (الكافي).

ومنها خبر يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيّار عن أبويهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله(ص) ـ في حديث موسى(ع) ـ: فنادى ربُّنا عزّ وجلّ: يا أمّة محمد، فأجابوه كلّهم وهم في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك، قال: فجعل الله عزّ وجلّ تلك الإجابة شعار الحجّ([612]).

مسألة [178]: على المكلّف أن يتعلّم ألفاظ التلبية ويحسن أداءها بصورة صحيحة كتكبيرة الإحرام في الصلاة، ولو كان ذلك من جهة تلقينه هذه الكلمات من قِبل شخص آخر، فإذا لم يتعلّم تلك الألفاظ ولم يتيسّر له التلقين، اجتزأ بالتلفّظ بها ملحوناً إذا لم يكن اللحن بحدٍّ يمنع من صدق التلبية عليها عرفاً، وإلاّ فالأحوط ضمّ الاستنابة إليه. ولا وجه للترجمة، والاحتياط بها لا بأس به(1).

...............................................................................................................................................................

ولا يخفى أنّ هناك روايات أخرى قد تضمّنت غير هاتين الصّيغتين، كما هناك أقوال أخرى صرّح في (الحدائق) بعدم الدَّليل عليها([613]).

والنتيجة أنّ هناك تعارضاً بين الروايات في كون "إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" جزءاً من التلبية أو في عدم كونها كذلك، بل دعاءً مستقلاً، وفي كلا الطرفين روايات تامةٌ سنداً.

لكن الظاهر إمكان الجمع العرفي بينها؛ فإنّ أقوى الروايات دلالةً على الجزئية هي صحيحة عاصم بن حميد، ودلالتها لا تتعدى حدّ الظهور في الجزئية، وفي المقابل، فإنّ أقوى الروايات دلالةً على عدم الجزئية هي صحيحة عمر بن يزيد، ودلالتها نصٌ في عدم الوجوب، حيث لم يذكر الإمام(ع) الجملة مورد النزاع بين ما هو واجبٌ قطعاً، وما هو ليس بواجب قطعاً، وهو: "لبّيك ذا المعارج لبّيك". وفي مثل ذلك يُحمل الظاهر على النصّ، والنتيجة هي استحباب هذه الجملة.

(1) التلبية ركن في الإحرام، كتكبيرة الإحرام في الصلاة، وهي واجبة بألفاظها، وبلغتها، وبشكلها الصحيح؛ كما هو ظاهر أدلّة تشريعها. فيجب على المكلّف وجوباً مقدّمياً أن يتعلّمها، لكي يؤدّيها بشكلها الصحيح، ولو من خلال التلقين حين أدائها.

فإن لم يستطع التعلّم، ولا حتى من خلال التَّلقين، فمقتضى القاعدة الأوّلية
في المقام، عدم الاجتزاء بالملحون. لكن يمكن الخروج عن مقتضاها حينئذٍ بمعتبرة مسعدة بن صدقة، قال: سمعت جعفر بن محمد(ع) يقول: إنّك قد ترى من المحرم([614]) من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم، والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح([615]).

وهي ظاهرة في أنّ كلّ من لا يتيسَّر له النطق باللغة الفصيحة يُكتفى منه بما يقدر عليه؛ لأنّه لا خصوصية فيها للأعجمي إلاّ من حيث إنّه لا يستطيع النطق الصحيح، ولهذا كان والأخرس بمنزلة واحدة.

وقد يُقال إنّ حكمه حينئذٍ هو الاستنابة لا الاكتفاء بالملحون، لما رواه زرارة، قال: إنّ رجلاً من أهل خراسان قدم حاجّاً، وكان أقرع الرأس، لا يحسن أن يلبّي، فاستفتي له أبو عبدالله(ع)، فأمر أن يُلبّى عنه، ويمرّ الموسى على رأسه، فإنّ ذلك يجزئ عنه([616]).

بل لعلّ الاستنابة في التلبية هي حكم كلّ من لا يحسنها، لما سوف يأتي من أنّ الصبيّ غير المميّز يؤمر بالتلبية، فإن لم يحسنها يلبّى عنه.

وقد ردّ السيد الأستاذ(قده) رواية زرارة، لضعف سندها، من ناحية عدم توثيق ياسين الضرير([617]).

وقد يُقال إنّ رواية زرارة تتنافى وقاعدة الميسور، بخلاف معتبرة مسعدة، التي من الواضح أنّ مفادها هو مفاد القاعدة نفسه.

مسألة [179]: الأخرس لعارض مع التفاته إلى لفظة التلبية يأتي بها على قدر ما يمكنه، فإن عجز حرّك بها لسانه وشفتيه حين إخطارها بقلبه وأشار بإصبعه إليها على نحو يناسب تمثيل لفظها.

...............................................................................................................................................................

ولكنّ هذه القاعدة غير تامّة في نفسها، ولو تمّت فقد قالوا إنّها ظاهرة فقط في الميسور من الأفراد، دون الميسور من الأجزاء. ولو صحّ حديث زرارة، فلا محلّ للقاعدة معه، لدلالته على عدم الاكتفاء بالميسور في المقام. ولكنّه ضعيف سنداً، ولو صحّ فمن الممكن الحكم بتقديم معتبرة مسعدة عليه؛ لأنّ النيابة إنّما تصحّ في صورة ما إذا لم يكن بإمكان المنوب عنه القيام بالواجب، ومع قيام الدليل على توسعة الواجب والاكتفاء فيه بالملحون، لا يبقى موضوع للنيابة حينئذٍ. وعلى هذا يُحمل قوله: "لا يحسن أن يلبّي" على من يتعذّر صدور التلبية عنه كلّيةً، وإن كان خلاف الظاهر؛ لأنّ المنصرف منه هو من لا يلبّي التلبية الحسنة كما ينبغي أن يلبّي الإنسان.

ومقتضى المعتبرة أيضاً عدم إجزاء الترجمة ممّن لا يقدر على العربية. وإن كان الاحتياط بضمّها إلى التلفّظ بالملحون والاستنابة لا بأس به؛ لكي يعرف معنى ما يتلفّظ به، فيقصده، ليحصّل الجانب الروحي في العبادة أيضاً.

وها هنا ملاحظة نسجّلها للتفكير، ولا نعتمدها، وهي أنّ الإمام(ع) قد ساوى في معتبرة مسعدة بن صدقة بين الأخرس والأعجمي، وجعلهما بمنزلة واحدة، وسوف يأتي أنّ للأخرس طريقة خاصة في التلبية، كما أنّ الخرس يتفاهمون فيما بينهم ومع الآخرين بما يستطيعونه من أصوات مقرونة بأشكالٍ من الإشارات، فيشكّل ذلك لغةً خاصةً لهم. فإذا كان الأخرس والأعجمي بمنزلة واحدة، فهل يمكن أن نستفيد من هذه الرواية أنّه يمكن للأعجمي أن يلبّي بلغته الخاصّة ـ كالإنكليزية والإيطالية مثلاً ـ بما هو ترجمة للتلبية العربية، كما يلبّي الأخرس بلغته الخاصّة؟! نحن لا نرى أنّ الرواية ظاهرة في ذلك، ولكن على كلّ حال، هذا احتمال قابل للتفكير.

وأمّا الأخرس الأصمّ من الأول ومن بحكمه، فيحرّك لسانه وشفتيه تشبّهاً بمن يتلفّظ بها، مع ضمّ الإشارة بالإصبع إليها أيضاً(1).

مسألة [180]: الصبيّ غير المميّز إن لم يحسن التلبية يُلبّى عنه(2).

مسألة [181]: لا ينعقد إحرام حجّ التمتّع وإحرام عمرته، وإحرام حجّ الإفراد، وإحرام العمرة المفردة، إلاّ بالتلبية.

وأمّا حجّ القِران فكما يتحقّق إحرامه بالتلبية يتحقّق بالإشعار أو التقليد. والأحوط الأولى أن يلبّي القارن وإن كان عقد إحرامه بالإشعار أو التقليد(3).

...............................................................................................................................................................

(1) استدلوا على حكم الأخرس بما رواه النوفلي عن السكوني عن الصادق(ع): إنّ عليّاً(ع) قال: تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة، تحريك لسانه وإشارته بإصبعه([618]).

وليس في سند الرواية ما يمنع من حصول الوثوق بها، خصوصاً مع اشتهار استناد الأصحاب إليها في الموارد التي تضمنتها، وفي بحث تكبيرة الإحرام.

والفرق بين الأخرس لعارض والأخرس الأصمّ من الأوّل، أنّ الأخرس لعارض عارفٌ باللغة، مدركٌ لمعانيها، فيجب عليه ـ مضافاً إلى تحريك لسانه وإشارته بإصبعه ـ أن يخطرها في قلبه ويقصد معانيها.

(2) يدلّ عليه صحيح زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إذا حجّ الرجل بابنه وهو صغير، فإنّه يأمره أن يلبّي ويفرض الحجّ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه([619]).

(3) لا خلاف في أنّ الإحرام لا ينعقد بمجرّد النيّة، بل لا بدّ فيه من التلبية. ويدلّ على ذلك العديد من الروايات، منها:

1 ـ ما ورد في صحيحة معاوية بن عمّار السابقة من قول الصادق(ع): واعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كُنَّ في أوّل الكلام، وهي الفريضة وهي التوحيد، وبها لبّى المرسلون([620]).

2 ـ صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله(ع): في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الإحرام ولم يلبّ؟ قال: ليس عليه شيء([621]). ومثلها الكثير من الروايات في الباب نفسه.

ومقتضى إطلاق هاتين الروايتين وغيرهما، لزوم التلبية في كلّ إحرام، في الحجّ بأنواعه، وفي العمرة بنوعيها. ولكن في جملة من الروايات، أنّ هناك شيئين غير التلبية يمكن أن يقع بهما الإحرام، هما الإشعار والتقليد؛ ففي صحيحة أخرى لمعاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، والإشعار، والتقليد، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم([622]).

ولمّا كان الإشعار والتقليد لا يتحقّقان إلاّ في الهدي، عُلم أنّهما خاصّان بحجّ القران، المتقوّم بسوق الهدي، فتبقى سائر الأنواع لا يتحقّق الإحرام فيها إلاّ بالتلبية.

ولكن وقع الكلام بينهم ها هنا في أنّه هل يكفي في عقد إحرام حجّ القران الإشعار لوحده، أو التقليد لوحده، أم أنّه لا بدّ من ضمّ التلبية إليهما أيضاً، مع تسليم إمكانية حصوله من خلال التلبية أيضاً؟

قال في (السرائر): «ذهب بعض أصحابنا إلى أنّه لا ينعقد الإحرام في جميع أنواع الحجّ، إلاّ بالتلبية فحسب، وهو السيد المرتضى رحمه الله، وبه أقول؛ لأنّه مجمعٌ عليه»([623]).

والروايات مختلفة في ذلك؛ فإنّ صحيحة ابن عمّار الأخيرة واضحة في كون كلٍّ من التلبية والإشعار والتقليد سبباً مستقلاً لوقوع الإحرام.

ومثلها حسنة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) في قول الله عزّ وجلّ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} ([624])، والفرض: التلبية والإشعار والتقليد، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ([625]).

ويؤيّدهما في ذلك قول الصادق(ع) في صحيحة حريز: فإنّه إذا أشعرها وقلّدها وجب عليه الإحرام، وهو بمنزلة التلبية([626]).

وأوضح من الجميع صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) قال: من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلّم بقليلٍ ولا كثير([627]).

وفي مقابلها طائفة أخرى من الروايات قد يُفهم منها دلالتها على لزوم التلبية حتى مع الإشعار أو التقليد، منها:

1 ـ صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن البُدن، كيف تشعر؟ قال: تشعر وهي معقولة، وتنحر وهي قائمة، تشعر من جانبها الأيمن، ويُحرم صاحبها إذا قلدت وأشعرت([628]).

بدعوى أنّ الظاهر من جملة: "ويحرم صاحبها" هو الإنشاء، فتدلّ على لزوم إنشاء الإحرام من خلال التلبية؛ لا الإخبار، لتكون مفيدةً لحصول الإحرام بالتقليد والإشعار.

2 ـ يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله(ع): إنّي قد اشتريت بدنةً، فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة، فأفض عليك من الماء، والبس ثوبك، ثم أنخها مستقبل القبلة، ثم ادخل المسجد فصلّ، ثم افرض بعد صلاتك، ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها، ثم قل: بسم الله، اللّهم منك ولك، اللّهم تقبّل منّي، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه([629]).

والإشعار مختصّ بالبُدن، والتقليد مشترك بين البُدن وغيرها من أنواع الهدي، والأَولى الجمع بين الإشعار والتقليد في البُدن(1).

...............................................................................................................................................................

وهي ظاهرة في لزوم التلبية بعد الإشعار. فيقع التعارض بينهما وبين روايات الطائفة الأولى. ولكن لمّا كانت تلك نصّاً في حصول الإحرام بالإشعار أو التقليد مستقلاً، وهذه ظاهرة في لزوم ضمّ التلبية إلى الإشعار، فإنّه يُحمل الظاهر على النص، والنتيجة هي الاستحباب.

ومن هذه الروايات يظهر لك أيضاً ما في ما نُسب إلى الشيخ(ره) في جملة من كتبه، من اشتراط انعقاد الإحرام بالإشعار أو التقليد بالعجز عن التلبية([630])؛ فإنّه مع خلوّ هذه الروايات على اختلاف تعابيرها من أيّة إشارة إلى ما ذكره، يكون وجهاً تبرّعياً لا شاهد له.

(1) قال في (الحدائق): «الظاهر أنّ الحكم المذكور متّفقٌ عليه بينهم لا أعلم فيه مخالفاً»([631]).

وفي (المدارك)، أنّ السبب في عدم إشعار البقر والغنم هو ضعفهما بذلك([632]). بمعنى أنّ إشعارهما يجعلهما في معرض التلف، بخلاف إشعار البدنة. والسرّ في ذلك، أنّ البدنة تُشعَر بطعنها في سنامها حتّى تُدمى، كما هو مضمون صحيحة الحلبي عن الصادق(ع)([633]) وغيرها، وسنام البعير ـ كما ذكر المختصّون ـ يتكوّن من كمية كبيرة من الشحم، لذا قد لا يخرج منه الدم مباشرةً، وبهذا يظهر وجه التعبير بـ "حتى تدميها" في صحيحة الحلبي؛ وحينئذٍ فطعنه فيه لا يجعله في معرض التلف.

هذا بالنسبة إلى اختصاص البدنة بالإشعار، وأمّا اشتراك البدنة وغيرها بالتقليد، فيدلّ عليه جملة من الروايات، منها:

ثمّ إنّ الإشعار: هو طعن صفحة سنام البدنة وتلطيخها بالدم ليعلم أنّها هدي، والأحوط أن يكون الطعن في الصفحة اليمنى.

نعم، إذا كانت البُدن كثيرة، جاز أن يدخل الرجل بين كلّ بدنتين فيشعر إحداهما من الصفحة اليمنى والأخرى من اليسرى.

والتقليد: هو أن يعلّق في رقبة الهدي خيطاً أو سيراً أو نعلاً ونحوها ليعلم أنّه هدي(1)، ولا يبعد كفاية التجليل بدلاً من التقليد(2)، وهو ستر الهدي بثوب ونحوه ليكون علامةً على كونه هدياً.

...............................................................................................................................................................

1 ـ حسنة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: البدن تُشعر في الجانب الأيمن، ويقوم الرجل في الجانب الأيسر، ثم يقلّدها بنعلٍ خلقٍ قد صلّى فيها([634]).

2 ـ صحيحة زرارة عن أبي جعفر(ع) قال: كان الناس يقلّدون الغنم والبقر، وإنّما تركه الناس حديثاً، ويقلّدون بخيطٍ وسيرٍ([635]).

وكما أنّه لا يجب إشعار البدنة في نفسه، لا يجب تقليدها بعد إشعارها؛ لصحيحة معاوية بن عمّار الآتية([636])، ولكنّه أولى بلحاظ الأمر به في حسنة معاوية ابن عمّار السابقة.

(1) كلّ هذا ممّا ذكرته الروايات([637])، إلاّ مسألة التلطيخ بالدم، فالأخبار كما في (الحدائق): «لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ»([638])، بل في (الرياض) هي «خالية عن الأمر بلطخ الصفحة بالدم»([639]).

(2) ويدلّ عليه خبر محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن تجليل الهدي وتقليدها؟ فقال: لا تبالي أيّ ذلك فعلت([640]).

مسألة [182]: لا يشترط الطهارة عن الحدث الأصغر والأكبر في صحّة الإحرام، فيصحّ الإحرام من المحدث بالأصغر أو الأكبر، كالمجنب والحائض والنفساء وغيرهم(1).

...............................................................................................................................................................

وقول الصادق(ع) في خبر جميل بن درّاج: لأنّه إذا أشعر وقلّد وجلّل وجب عليه الإحرام، وهي بمنزلة التلبية([641]).

وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) في رجلٍ ساق هدياً ولم يقلّده ولم يشعره، قال: قد أجزأ عنه، ما أكثر ما لا يقلّد ولا يشعر ولا يجلّل([642]).

(1) لا خلاف بينهم في ذلك، وتدلّ عليه جملة من الروايات، مثل:

1 ـ صحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبدالله(ع): المرأة الحائض تحرم وهي لا تصلّي؟ قال: نعم، إذا بلغت الوقت فلتحرم([643]).

2 ـ موثقة يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن الحائض تريد الإحرام، قال: تغتسل وتستثفر([644]) وتحتشي بالكرسف، وتلبس ثوباً دون ثياب إحرامها، وتستقبل القبلة، ولا تدخل المسجد وتهلّ بالحجّ بغير الصلاة([645]).

3 ـ صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن المستحاضة تحرم؟ فذكر أسماء بنت عميس، فقال: إنّ أسماء بنت عميس ولدت محمّداً ابنها بالبيداء، وكان في ولادتها بركة للنساء لمن ولد منهنّ إن طمثت، فأمرها رسول الله(ص) فاستثفرت وتمنطقت بمنطق([646]) وأحرمت([647]).

مسألة [183]: التلبية وكذا الإشعار والتقليد لخصوص القارن، بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة، فلا يتحقّق الإحرام بدونها، فلو نوى الإحرام ولبس الثوبين وفعل شيئاً من المحرّمات قبل أن يلبّي، لم يأثم وليس عليه كفّارة(1).

مسألة [184]: الأولى لمن عقد الإحرام من مسجد الشجرة أن يؤخّر التلبية إلى أوّل البيداء عند آخر ذي الحليفة حين تستوي به الأرض، ولا مانع من التعجيل بها وتأخير رفع الصوت بها إلى البيداء. هذا للرجل، وأمّا المرأة فليس عليها رفع الصوت بالتلبية أصلاً.

...............................................................................................................................................................

وقد يُقال: إنّ السؤال فيها كان عن المستحاضة، بينما الجواب جاء عن النفساء، فيُعلم منه حكم المستحاضة بالأولوية. لكن لا يبعد أن يكون المراد بالمستحاضة التي تبتلى بالدم، فتشمل النفساء والحائض، أمّا المستحاضة بالمعنى الخاص، فحكمها حكم الطاهر.

4 ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا بأس بأن تلبّي وأنت على غير طهر وعلى كلّ حال([648]).

(1) وهذا أمرٌ واضحٌ جدّاً، ويدلّ عليه روايات باب بكامله في (الوسائل)، منها:

1 ـ صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع)، قال: لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة، ويقول الذي يريد أن يقوله ولا يلبّي، ثم يخرج فيصيب من الصيد وغيره، فليس عليه فيه شيء([649]).

2 ـ صحيحـة حفص بن البختـري وعبدالرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبدالله(ع): إنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الإحرام، ثمّ خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه([650]).

والأفضل لمن عقد الإحرام من سائر المواقيت تأخير التلبية إلى أن يمشي قليلاً، ولمن عقده من المسجد الحرام تأخيرها إلى الرقطاء، وهو موضع دون الردم، (والردم موضع بمكّة، قيل: يسمّى الآن "مدعى" بالقرب من مسجد الراية قبيل مسجد الجنّ)(1).

...............................................................................................................................................................

(1) البحث في هذه المسألة يقع في ثلاثة مقامات:

المقام الأوّل: في محلّ تلبية المحرم من مسجد الشجرة. والروايات فيه مختلفة، وهي بعدّة ألسنة:

الأول: ما فُرِّق فيه بين الماشي والراكب في خصوص الجهر بالتلبية. وهي صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) قال: إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد، وإن كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء([651]).

الثاني: ما صُرِّح فيه بعدم الفرق بين الراكب والماشي في أصل التلبية، وبإطلاقها تشمل مسجد الشجرة، بل هي ظاهرة فيه. وهي صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد، فقم وامش هنيهةً، فإذا استوت بك الأرض ـ ماشياً كنت أو راكباً ـ فلبِّ([652]).

الثالث: ما ورد فيه النّهي عن التلبية من المسجد. وهي:

1 ـ صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن التَّهَيُّؤ للإحرام، فقال: في مسجد الشجرة، فقد صلّى فيه رسول الله(ص)، وقد ترى أناساً يحرمون، فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول: لبّيك اللهم لبّيك([653]).

2 ـ صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا صليت عند الشجرة فلا تلبِّ حتى تأتي البيداء، حيث يقول الناس: يخسف بالجيش([654]).

3 ـ حسنة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله(ع) قال: صلِّ المكتوبة ثمّ أحرم بالحجّ أو بالمتعة، واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء، إلى أول ميل عن يسارك، فإذا استوت بك الأرض ـ راكباً كنت أو ماشياً ـ فلبِّ([655]).

4 ـ عبد الله بن الحسن، عن جدّه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(ع) قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة، هل يحلّ لمن أحرم عندها أن لا يلبّي حتى يعلو البيداء؟ قال: لا يلبّي حتى يأتي البيداء، عند أول ميل، فأمّا عند الشجرة فلا يجوز التلبية([656]).

5 ـ مرسلة المفيد(ره) في (المقنعة) قال: قال(ع): إذا أحرمت من مسجد الشجرة فلا تلبِّ حتى تنتهي إلى البيداء([657]).

الرابع: ما يدلّ على أنّ محلّ التلبية عند الإحرام من الشجرة إنّما هو البيداء، من دون أن يشتمل على النهي عن التلبية من المسجد. وهي:

1 ـ صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: إنّ رسول الله(ص) لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء([658]).

2 ـ صحيحة عاصم بن حميد، قال: سمعت أبا عبدالله(ع) يقول: إنّ رسول الله(ص) لمّا انتهى إلى البيداء حيث الميل قُرِّبَت له ناقة فركبها، فلمّا انبعثت به لبىّ بالأربع([659]).

3 ـ صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: سألت أبا الحسن الرضا(ع) كيف أصنع إذا أردت الإحرام؟ قال: اعقد الإحرام في دبر الفريضة حتى إذا استوت بك البيداء فلبِّ، قلت: أرأيت إذا كنت محرماً من طريق العراق، قال: لبِّ إذا استوى بك بعيرك([660]).

4 ـ حسنة حفص بن البختري، وعبدالرحمن بن الحجّاج، وحمّاد بن عثمان، عن الحلبي([661]) جميعاً، عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلبِّه([662]).

الخامس: ما دلّ على جواز التلبية في المسجد مع اشتماله على بيان تعليل تلبية رسول الله(ص) في البيداء. وهي معتبرة عبدالله بن سنان، أنّه سأل أبا عبدالله(ع): هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم، إنّما لبّى النبي(ص) في البيداء لأنّ الناس لم يعرفوا التلبية، فأحبّ أن يعلّمهم كيف التلبية([663]).

وفيها دلالة واضحة على أنّ الأمر بالتلبية من البيداء في الروايات السابقة ليس وارداً على نحو الإلزام، بل على نحو الإباحة والرخصة.

السادس: ما صرّح فيه بعدم الفرق بين التلبية في دبر الصلاة أو تأخيرها إلى حين نهوض البعير، وهي بإطلاقها تشمل الإحرام من مسجد الشجرة. وهي موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي الحسن(ع) قال: قلت له: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة، أيلبّي حين ينهض به بعيره أو جالساً في دبر الصلاة؟ قال: أيّ ذلك شاء صنع([664]).

وبمراجعة أخرى لهذه الروايات، نجد أنّها تندرج ضمن طائفتين:

الأولى: ما يدلّ على جواز التلبية من مسجد الشجرة؛ وأقواها ما كان باللسان الخامس، يليه السادس، ثم الأوّل.

الثانية: ما يدلّ على عدم جواز التلبية من مسجد الشجرة؛ وهو ما كان باللسان الثالث، ويعضده اللسانان الثاني والرابع.

وقد أدّى هذا الاختلاف في الروايات إلى تعدّد الأقوال في المسألة. قال في (المستند): «في (المبسوط) جعل الأفضل للمحرم عن طريق المدينة التأخير إلى البيداء إن كان راكباً، وهو المحكي عن ابن حمزة. وعن القاضي: أفضليته له مطلقاً، راكباً كان أو ماشياً»([665]).

وفي (الحدائق)، أنّ مقتضى الاحتياط هو الوقوف على الروايات الدالة على التأخير إلى البيداء راكباً كان أو ماشياً. ويظهر منه الميل إلى القول بوجوبه، لتصريحه بظهور صحيحة معاوية بن وهب السابقة([666]) في تعيين تأخير التلبية إلى البيداء، مع اعتضادها بأخبار أُخر([667]).

وقد ذكر الأعلام في جواب صاحب (الحدائق) أنَّ ما ذهب إليه معارضٌ بما هو أقوى منه؛ فأوّلاً، هو معارضٌ بتسالم العلماء والسيرة القطعية لدى المسلمين على إيقاع التلبية من المسجد؛ وثانياً، هناك روايات الطائفة الأولى الصريحة في الجواز؛ وثالثاً، هناك الروايات العامّة الناهية عن تجاوز المواقيت من دون إحرام، ومن المعلوم أنّ التلبية هي روح الإحرام، بها ينعقد وتترتَّب عليه أحكامه، فالقول بوجوب تأخير التلبية عن الشجرة يصادم هذه الروايات صراحةً([668]).

ولكن الظاهر عدم ورود المناقشة الأخيرة عليه؛ لأنّ أوّل البيداء إمّا هو جزءٌ حقيقةً من ذي الحليفة، كما هو الظاهر من عدم التحديد الدّقّي لحدودها، خصوصاً إذا التفتنا إلى أنّ العنوان الذي ورد النهي عنه في الروايات هو المسجد أو الشجرة، لا ذو الحليفة، وهو ما يفتح الباب لأن يكون أوّل البيداء جزءاً من الميقات؛ وإمّا هو جزءٌ عرفاً منها، كما هو مفاد نصوص المحاذاة الواردة في خصوص مسجد الشجرة، والتي تفيد سعة الميقات عرفاً؛ وإمّا هو جزءٌ شرعاً منها، بمقتضى الروايات الدالة على لزوم تأخير التلبية الواجبة إلى البيداء، بضميمة ما هو معلوم من لزوم إيقاعها في ما هو ميقاتٌ. وحينئذٍ، فالتلبية من أوّل البيداء تلبية ممّا هو ميقاتٌ حقيقةً أو عرفاً أو شرعاً، فلا يحصل منه تجاوزٌ للميقات من دون إحرام.

نعم، هو قد مال إلى خلاف ما تسالم عليه الفقهاء وجرت عليه السيرة، من التلبية من المسجد، اعتماداً منه على روايات الطائفة الثانية. فيقع الكلام في وجه هذه الروايات ومعناها، وكيفية الجمع بينها وبين ما عارضها من روايات. وقد تعدّدت الوجوه المذكورة في كلماتهم لذلك، منها:

الوجه الأوّل: ما في (الجواهر) من أنّه «قد يقال في خصوص أخبار البيداء بإرادة تأخير الجهر بها، لا أصل التلفظ بها، ولو بقرينة ما دلّ من النصوص على عدم تجاوز الميقات إلا محرماً، كما جزم به الفاضل في المنتهى في الجمع بينهما؛ إذ الفرض أنّ بين البيداء وذي الحليفة الذي هو الميقات ميلاً»([669]). ووافقه عليه في (العروة) ([670]).

وفيه: إنّه وجهٌ تبرّعي؛ ولا تصلح صحيحة عمر بن يزيد التي تضمنت مسألة الجهر بالتلبية شاهداً له، لتصريحها على العكس بالجهر بالتلبية من المسجد. هذا مضافاً إلى إباء الروايات الناهية عن التلبية من المسجد للحمل على خصوص النهي عن الجهر بالتلبية، كما هو واضح.

الوجه الثاني: ما استقربه في (المستمسك) من حمل روايات الطائفة الثانية «على استحباب تأخير التلبية المستحبة بعد عقد الإحرام بها، لا التلبية التي بها عقد الإحرام. وأمّا وجه الجمع بين النصوص ـ بعد حملها على هذا المعنى ـ فالأقرب هو الأخذ بإطلاق نصوص التأخير وحملها على كراهة التقديم، جمعاً بينها وبين ما دلّ على جواز التقديم. والبناء على تأكّد الكراهة في الراكب ـ ولا سيّما مع الجهر ـ بشهادة صحيح عمر بن يزيد»([671]).

وفيه: إنّ من نصوص التأخير ما ورد باللسان الثالث المتضمن للنهي عن التلبية من المسجد، وهي صريحة في كون المنهي عنه هو التلبية الواجبة لا المستحبّة، فلا يتأتّى الحمل الذي ذكره فيها.

الوجه الثالث: ما ذكره السيد الأستاذ(قده) من أنّ «الصحيح أن يقال إنّ التنافي يرتفع بالتخصيص، فنقول: إنّ أدلة المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام مطلقة من حيث تحقّق الإحرام بعده بزمان يسير ومن حيث عدم تحقّق الإحرام منه أصلاً، فتُخصّص بالروايات الدالة على جواز التأخير إلى البيداء، فتكون النتيجة حرمة التجاوز عن الميقات بلا إحرام لمن لا يريد الإحرام أصلاً، وجواز التأخير عن الميقات لمن يريد الإحرام بعد قليل. وحيث إنّ الإحرام من نفس المسجد جائزٌ قطعاً، فتُحمل الأخبار الآمرة بالتأخير على الفضل»([672]).

ولنا على ما ذكره(قده) ملاحظتان:

الأولى: إنّ في المسألة تنافيين في الحقيقة: الأوّل: التنافي بين الروايات الآمرة بلزوم تأخير التلبية إلى البيداء، والروايات العامّة الناهية عن تجاوز الميقات من دون إحرام. والثاني: هو تنافي الروايات نفسها الآمرة بلزوم تأخير التلبية إلى البيداء، ولكن مع الروايات السابقة الدالة على جواز إيقاع الإحرام من المسجد. وعلاج التنافي الأوّل لا يؤثّر سلباً ولا إيجاباً على علاج التنافي الثاني؛ لعدم الارتباط بين المتنافَى معه الأول والمتنافَى معه الثاني.

والذي صنعه سيدنا الأستاذ(قده) هنا، هو أنّه بدأ بعلاج التنافي الأوّل، فالتزم بتخصيص الروايات الآمرة بلزوم التأخير للروايات العامّة الناهية عن تجاوز الميقات من دون إحرام، ثمّ رتّب على ذلك حمل الأخبار الآمرة بالتأخير على الفضل، طالما أنّ الإحرام من المسجد جائزٌ قطعاً.

وهنا نلاحظ أنّه(قده) قد وقع في إشكالين:

 

كيفية الإحرام

الأوّل: أنّه(قده) جعل حلّ التنافي الثاني يبدو كنتيجة تتوقّف على حلّ التنافي الأوّل، مع أنّه كما أشرنا لا ارتباط بين التنافيين. ولعلّ العبارة قاصرة.

الثاني: أنّه عند علاجه التنافي الثاني، انطلق ـ كغيره ـ من تبنٍّ مسبقٍ لقطعية جواز إيقاع التلبية من المسجد، اعتماداً على ما ذكره سابقاً من تسالم الفقهاء على ذلك، والسيرة القطعية من المسلمين عليه. مع أنّ تسالم الفقهاء هو في حقيقته تراكم فهم الفقهاء من الروايات على مرّ تاريخ الاستنباط، والسيرة هي سيرة المتشرّعة الناشئة من أقوال هؤلاء الفقهاء. فيعود الجميع بالتالي إلى ما فهمه الفقهاء من الروايات، فكيف يُجعل بنفسه دليلاً عند محاولة فهم الروايات؟! أليس هذا استباقاً للنتيجة، وإلزاماً للجميع بفهمٍ واحد؟!

نعم، من الممكن أن يكون تسالم الفقهاء دليلاً، لكن في خصوص المورد الذي لا يوجد فيه دليلٌ ولو رواية ضعيفة؛ لأنّه قد يكون حينئذٍ كاشفاً عن كون الحكم ضرورياً لدى المسلمين.

الثانية: إنّ ما ذكره(قده) مبنيٌّ ـ كالوجهين السابقين ـ على كون التلبية من البيداء تلبيةً من خارج الميقات. ولكن لا حاجة إليه مع الالتفات إلى ما قدّمناه آنفاً، من كون أوّل البيداء جزءاً من الميقات حقيقةً أو عرفاً أو شرعاً؛ لأنّه لا يلزم من التلبية فيها حينئذٍ تجاوز الميقات من دون إحرام.

الوجه الرابع: وهو المختار، أن نقول بكل بساطة: نحن لدينا طائفتان متعارضتان من الروايات، الأولى تنهى عن التلبية من المسجد وتأمر بتأخيرها إلى البيداء، والثانية صريحة في جواز الإحرام من المسجد. والعرف يرى إمكان الجمع بينهما، بالتصرّف في صيغة الأمر الوارد بالتأخير بحمله على الاستحباب، والتصرّف بصيغة النهي الوارد عن التقديم بحمله على الكراهة، كلّ ذلك بقرينة الروايات الصريحة في الإحرام من المسجد. والنتيجة هي أنّ إيقاع التلبية من المسجد جائزٌ لكنّه مفضولٌ، والفضل هو إيقاعها من أوّل البيداء.

ويشهد له صحيحة هشام بن الحكم الآتية في المقام الثاني؛ على أساس أنّ كلّ هذه الروايات ـ في هذا المقام والمقامين الآتيين ـ واردةٌ في موقع واحد، هو مسألة تأخير التلبية عن موضع الإحرام إلى حين البدء بامتثال مسيرة الحجّ، فيكون بعضها قرينةً موضحةً للبعض الآخر.

المقام الثاني: في محلّ تلبية المحرم ممّا عدا الشجرة من المواقيت. وفي (المستند): «وجعل في المبسوط، والتحرير، والمنتهى، والمسالك، الأفضل للمحرم عن غيره إلى أن يمشي خطوات»([673]).

وهو ما تدلّ عليه:

1 ـ صحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله(ع) قال: إن أحرمت من غمرة أو من بريد البعث، صلّيت وقلت كما يقول المحرم في دبر صلاتك، وإن شئت لبّيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلاً ثم تلبّي([674]).

2 ـ ذيل صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي السابقة عن الرضا(ع)، قال: قلت: أرأيت إذا كنت محرماً من طريق العراق، قال: لبِّ إذا استوى بك بعيرك([675]).

ومورد كلتا الروايتين هو ميقات أهل العراق، فهل تختصّان به أو يمكن أن تشملا سائر المواقيت، ما عدا الشجرة، لورود الروايات فيه بخصوصه؟

لا وجه للخصوصيَّة فيهما؛ لأنّ الظاهر ورود ذكر هذا الميقات فيهما ـ ولا سيّما في صحيحة البزنطي لمكان السؤال فيها ـ كمثالٍ على ما عدا الشجرة من المواقيت.

المقام الثالث: في محلّ تلبية المحرم من مكّة. وفي (المستند) أنّه: «في التهذيب جعل الأفضل للمحرم عن مكّة التلبية عن موضعه إن كان ماشياً، وعن الرقطاء أو شعب الدبّ إن كان راكباً. وعن هداية الصدوق: أفضلية التأخير إلى الرقطاء له مطلقاً، وعن جماعة ـ منهم: السرائر، والنهاية، والجامع، والوسيلة، والمنتهى، والتذكرة ـ أفضلية تلبية المحرم عن مكّة من موضعه إن كان ماشياً، وإذا نهض به بعيره إن كان راكباً»([676]).

وحكى في (العروة) قولاً بأفضلية تأخير التلبية لمن حجّ من مكّة إلى أن يشرف على الأبطح. ونسبه في (المستمسك) إلى (الشرائع) و(القواعد) وغيرهما، وحكى عن (الجواهر) أنّه قد صرّح به غير واحدٍ من المتقدّمين والمتأخرين([677]).

وقد وردت فيه عدّة روايات أيضاً كالمقام الأوّل، إلاّ أنّ المعتبر منها سنداً روايتان:

1 ـ صحيحة الفضلاء حفص بن البختري، ومعاوية بن عمار، وعبدالرحمن ابن الحجّاج([678])، والحلبي جميعاً، عن أبـي عبـدالله(ع) ـ فـي حديـث ـ قـال: وإن أهللت من المسجد الحرام للحجّ، فإن شئت لبّيت خلف المقام، وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء، وتلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح([679]).

2 ـ حسنة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا انتهيت إلى الردم، وأشرفت على الأبطح، فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى([680]).

والظاهر من ضمّ الروايتين بعضها إلى بعض أنّ الرقطاء تشرف على الأبطح، فتتّحدان دلالةً.

بقي هنا أمران:

الأوّل: إنَّه قد تبيّن ممّا بحثناه في هذه المقامات الثلاثة، أنّ أفضلية تأخير التلبية عن موضع عقد الإحرام هو شيءٌ مشتركٌ بين الجميع، فما هو السرّ في ذلك؟

الظاهر أنّ السرّ فيه هو أنّ التلبية ـ كما في جملة من الروايات ـ هي إجابةٌ للأمر الإلهي بالحجّ على لسان أنبياء الله، وخصوصاً إبراهيم(ع)، كما في حسنة الحلبي، قال: سألته، لمَ جُعلت التلبية؟ فقال: إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى إبراهيم(ع) أن {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ([681])، فنادى، فأُجيب من كلّ وجه يلبّون([682]).

مسألة [185]: الواجب من التلبية مرّةً واحدةً. نعم، يستحبّ الإكثار منها وتكرارها ما استطاع(1).

...............................................................................................................................................................

فكأنّه يُراد تصديق القول بالفعل، من خلال التلبّس بهذه الإجابة عملياً، بالمشي مقداراً ما، أو بركوب البعير وانتظار نهوضه. والله العالم بحقائق أحكامه.

الثاني: إنّ هذا الاستحباب بتأخير التلبية إلى البيداء يشمل المرأة أيضاً، بخلاف استحباب الجهر بالتلبية في مواضع معيّنة قد أشارت إليها بعض الروايات، فإنّه يختصّ بالرجل؛ لجملةٍ من الروايات، منها حسنة أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع) قال: ليس على النساء جهرٌ بالتلبية([683]).

(1) وجوب التلبية مرّةً واحدةً أمرٌ واضح لا خلاف فيه، وكذا استحباب تكرارها. ويدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديث ـ قال: التلبية أن تقول: لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، لبّيك داعياً إلى دار السلام لبّيك، لبّيك غفّار الذنوب لبّيك، لبّيك أهل التلبية لبّيك، لبّيك ذا الجلال والإكرام لبّيك، لبّيك تبدئ والمعاد إليك لبّيك، لبّيك تستغني ويُفتقر إليك لبّيك، لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبّيك، لبّيك إله الحقّ لبّيك، لبّيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبّيك، لبّيك كشّاف الكرب العظام لبّيك، لبّيك عبدك وابن عبديك لبّيك، لبّيك يا كريم لبّيك.

تقول ذلك في دبر كلّ صلاة مكتوبة ونافلة، وحين ينهض بك بعيرك، وإذا علوت شرفاً، أو هبطت وادياً، أو لقيت راكباً، أو استيقظت من منامك وبالأسحار. وأكثر ما استطعت واجهر بها. وإن تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير أنّ تمامها أفضل، واعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ في أول الكلام، وهي الفريضة وهي التوحيد، وبها لبّى المرسلون. وأكثِر من ذي المعارج، فإنّ رسول الله(ص) كان يكثر منها ([684]).

مسألة [186]: من اعتمر عمرة التمتّع يقطع التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكّة القديمة، وحدّه لمن جاء من أعلى مكّة عن طريق المدينة (عقبة المدنيين)، ولمن جاء من أسفلها (عقبة ذي طوى)(1).

...............................................................................................................................................................

(1) لا تخلو الروايات الواردة في ذلك من نواحٍ من الاختلاف، فلا بدّ من قراءتها وملاحظة ما تدلّ عليه:

1 ـ حسنة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبدالله(ع): إذا دخلت مكّة وأنت متمتّع، فنظرت إلى بيوت مكّة، فاقطع التلبية. وحدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، فإنّ الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن، فاقطع التلبية، وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والثناء على الله عزّ وجلّ ما استطعت([685]).

2 ـ حسنة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: المتمتّع إذا نظر إلى بيوت مكّة قطع التلبية([686]).

3 ـ صحيحة ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا(ع) أنه سئل عن المتمتّع متى يقطع التلبية؟ قال: إذا نظر إلى عراش مكّة([687])، عقبة ذي طوى، قلت: بيوت مكّة؟ قال: نعم([688]).

4 ـ صحيحة  عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن تلبية المتمتّع متى يقطعها؟ قال: إذا رأيت بيوت مكّة([689]).

وها هنا جهات من البحث:

الجهة الأولى: إنّ المناط الذي تحدّده هذه الروايات لقطع التلبية، هو النظر إلى بيوت مكّة. ولا ينافيها في ذلك ما رواه زرارة، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته أين يمسك المتمتّع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكّة لا بيوت الأبطح([690]). حيث جعل المناط دخول بيوت مكّة، لا مجرد رؤيتها؛ لأنّ جغرافية مكّة القائمة على مجموعةٍ من الجبال والشعاب، تمنع من رؤية بيوتها إلاّ عند الوصول إليها، حيث تظهر البيوت حينئذٍ فجأةً أمام الداخل إليها؛ فلا يكون التعبير بدخول البيوت منافياً بحسب الظاهر لما اتّفقت عليه الروايات السابقة من كون الحدّ هو رؤية البيوت.

وكذلك لا ينافيه ما في خبر زيد الشحام، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال: حين يدخل الحرم([691])؛ أوّلاً: لضعف سنده، وثانياً: لإمكان الجمع بينهما بأنّ كلاً منهما تتحدث عن مرتبة من مراتب الفضل؛ فاستمرار المحرم بالتلبية إلى أن يدخل الحرم مستحبٌ، والأفضل منه أن يستمرّ بها إلى أن يرى بيوت مكّة.

الجهة الثانية: إنّ المسألة مختصّةٌ ببيوت مكّة القديمة؛ لتصريح حسنة معاوية بذلك، مع عدم ما ينافيها.

الجهة الثالثة: قد يبدو أنّ هناك اختلافاً في حدود بيوت مكّة القديمة؛ إذ إنّ حسنة معاوية بن عمّار ذكرت أنّه عقبة المدنيين، بينما صحيحة ابن أبي نصر أشارت إلى أنّه عقبة ذي طوى.

ولكنَّ الأمر فيه سهلٌ، فإنّ العقبة، ـ والتي يعبّر عنها بالثنية أيضاً ـ هي ما يسلك من الجبل، قال الحموي: «الثنية في الأصل كل عقبة في الجبل مسلوكة»([692]).

وحينئذٍ هناك طريقان للدخول إلى مكّة من ناحية المدينة، الأوّل من عقبة المدنيين، والآخر من عقبة ذي طوى، الذي يُعرف الآن بالزاهر([693]).

ومن اعتمر عمرةً مفردةً يقطعها عند دخول الحرم إذا كان إحرامه من الميقات، وعند مشاهدة الكعبة الشريفة إذا كان إحرامه من أدنى الحـلّ(1)، ومن حجّ بأيّ نـوع مـن أنـواع الحـجّ يقطعهـا عند الـزوال

...............................................................................................................................................................

ولا يُلتفت إلى ما احتمله جماعة من كونهما اسمين لمكان واحد؛ بل هما مكانان، ومسيران؛ كما هو صريح الإمام الصادق(ع) في صحيحة معاوية بن عمّار التي بيّن فيها كيفية حجّ النبي(ص)، قال: دخل من أعلى مكّة من عقبة المدنيين، وخرج من أسفل مكّة من ذي طوى([694]).

(1) المعتمر المفرد يتصوّر إحرامه من مكانين: الأول: من أحد المواقيت، والثاني: من أدنى الحلّ، وذلك في حالتين: الأولى: إذا كان في الحرم وأراد الاعتمار، فيحرم حينئذٍ من أدنى الحلّ، الثانية: أن يكون خارج الحرم، فيحرم من أدنى الحلّ، ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات.

وحكمه في الصورة الأولى أن يقطع التلبية عند دخوله الحرم، ويدلّ على ذلك عدّة روايات، منها:

1 ـ موثّقة معاوية بن عمـار، عن أبـي عبدالله (ع) ـ في حديـثٍ ـ قـال: وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم([695]).

2 ـ حسنة مرازم، عن أبي عبدالله(ع) قال: يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم([696]).

ولا ينافيها ما في خبر يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن الرجل يعتمر عمرةً مفردةً من أين يقطع التلبية؟ قال: إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع التلبية([697]). لأنّ ذا طوى الذي يعرف الآن بالزاهر يقع أسفل مكّة من جهة التنعيم، وإنّما تتيسَّر رؤيته عند دخول الحرم. وإن أبيت عن ذلك فالخبر ضعيف لا ينهض في قبال الروايات المعتبرة.

كما لا ينافيها صحيحة الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبدالله(ع) قلت: دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟ قال: حيال العقبة، عقبة المدنيين، فقلت: أين عقبة المدنيين؟ قال: بحيال القصّارين([698]). لأنّ العمرة فيها مطلقة، ومضمونها ينسجم مع مضمون روايات عمرة التمتّع، خصوصاً حسنة معاوية بن عمّار السابقة([699])، فيكون ذلك قرينةً على كونها من رواياتها لا من روايات العمرة المفردة كما صنع في (الوسائل).

ومثلها في لزوم الحمل على عمرة التمتّع، لاتّحاد مضمونها مع رواياتها، صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن الرضا(ع) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التَّلبية؟ قال: كان أبو الحسن(ع) من قوله: يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة([700]).

وحكمه في الصورة الثانية أن يقطع التلبية عند مشاهدة الكعبة المشرّفة. ويدلّ على ذلك:

1 ـ صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديث ـ ومن خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمراً، لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة([701]).

2 ـ مرسلة المفيد(ره) في (المقنعة) قال: سئل(ع) عن الملبّي بالعمرة المفردة بعد فراغه من الحجّ متى يقطع تلبيته؟ فقال: إذا رأى البيت([702]).

وهاتان الروايتان خاصّتان بمن يخرج من الحرم بقصد الاعتمار، فلا تشملان من يكون دون الميقـات إلى مكّة ويحـرم من أدنـى الحـل. ولكـن يشملـه إطـلاق
 

من يوم عرفة(1).

...............................................................................................................................................................

حسنة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد([703]).

والنظر إلى المسجد فيها لا ينافي ما تضمنته الروايتان السابقتان من مناطية النظر إلى الكعبة؛ باعتبار أنّه كان ملازماً سابقاً لرؤية الكعبة، لعلوّ بنائها، مع عدم كون بناء المسجد مرتفعاً آنذاك، كما هو في أيّامنا.

كما لا خصوصية فيها للتنعيم، إلاّ من حيث كونه من أدنى الحلّ، فتدلّ على العموم.

(1) وهو ممّا لا خلاف فيه. ويدلّ عليه عدّة روايات، منها:

1 ـ صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(ع) أنّه قال: الحاجّ يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس([704]).

2 ـ حسنة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله(ع) قال: قطع رسول الله(ص) التلبية حين زاغت([705]) الشمس يوم عرفة، وكان عليُّ بن الحسين (عليهما السلام) يقطع التلبية إذا زاغت الشمس يوم عرفة([706]).

3 ـ موثّقة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديث ـ قال: إن كنت قارناً بالحجّ، فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة عند زوال الشمس([707]).

بقي هنا شيء:

قال في (المستند): «ثمّ القطع في الموارد المذكورة على الوجوب، وفاقاً في الأوّل لظاهر الأكثر، بل عن الخلاف الإجماع عليه، وفي الثاني لوالد الصدوق والشيخ، والوسيلة، والمفاتيح، وشرحه، واستحسنه في المدارك، بل محتمل الأكثر كما قيل، وفي الثالث لظاهر الأكثر وصريح بعضهم؛ كلّ ذلك لظاهر الأوامر الخالية عن المعارض»([708]).

والأوّل في كلامه هو المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، والثاني هو الحاجّ مطلقاً، والثالث هو المعتمر المفرد.

ويواجه هذا الوجوب مشكلة في المقام، وهي أنّ الأمر بقطع التلبية في هذه الموارد والنهي عن فعلها، جاء في موردٍ التلبيةُ فيه مستحبة، فلا يدلّ على الإلزام، فكيف ينسجم ذلك مع إطلاقهم الوجوب؟

وقد عالج السيد الحكيم(قده) هذه المشكلة بعد أن عرضها، فقال: «إنّ الأمر بالفعل بعد النهي عنه، وإن قلنا إنه ظاهر في الرخصة فيه، كما أنّ النهي عن الشيء بعد الأمر به ظاهر في الرخصة في تركه، لكن ذلك في غير العبادة، أمّا فيها، فظاهر النهي بعد الأمر نفي المشروعية، وهو المراد من وجوب القطع في كلامهم، لا الوجوب التكليفي»([709]).

وعن السيد الأستاذ(قده)، أنّ الوجوب «هو الظاهر؛ للأمر بالقطع، وظاهر الأمر هو الوجوب، ولا أقلّ من ارتفاع الأمر السابق وانتهائه، وبقاؤه يحتاج إلى الدليل، فلا مجوّز للإتيان بها، لأنّ العبادة توقيفية، ومشروعيتها تحتاج إلى الأمر، بل يظهر من بعض الروايات أنّ إتيان التلبية في غير موردها مبغوضٌ عند الله تعالى كما في صحيحة أبان، قال: كنت مع أبي جعفر(ع) في ناحية من المسجد وقومٌ يلبّون حول الكعبة، فقال: أترى هؤلاء الذين يلبّون؟ والله لأصواتهم أبغض إلى الله من أصوات الحمير([710])»([711]).

والذي نفهمه من روايات قطع التلبية في هذه الموارد، هو أنّها في مقام بيان الحدّ الذي ينتهي عنده استحباب تكرار التلبية الذي مرّ في المسألة السابقة، فلا تدلّ بوجهٍ على الوجوب.

مسألة [187]: إذا شكّ بعد لبس الثوبين وقبل التجاوز من المكان الذي لا يجـوز تأخيـر التلبيـة عنه، في أنّه أتى بهـا أو لا، بنى على عدم

...............................................................................................................................................................

نعم، هي تدلّ على عدم مشروعية الفعل على نحو الرجحان، ولكنها لا تدلّ على عدم مشروعيته على النحو المساوق للحرمة. وهو ما أشار إليه الآغا ضياء(ره)، حيث استبعد في تعليقته على (العروة) احتمال الحرمة الذاتية ([712]).

وقد يُقال بالحرمة التشريعية لا الذاتية، بمعنى أنّ الاستمرار بالتلبية كذلك يدلّ على نيّة التشريع لدى المكلّف، وذلك حرام عليه.

ولكنّ هذه الحرمة غير واردة أيضاً؛ لأنّ الاستمرار في تكرار التلبية من المكلّفين يصدر عنهم عن جهلٍ عادةً، لتوهمّ الاستحباب، فكيف يتصوّر منهم التشريع!

وأمّا مسألة المبغوضية التي أشار إليها السيد الأستاذ(قده)، اعتماداً على حسنة أبان بن تغلب، حيث يظهر أنّه قد فهم الحرمة منها، فإنّنا لا نراها دليلاً على الحرمة؛ لأنّ المبغوضية تتفاوت بين شيء وآخر، والله سبحانه قد يبغض الحلال أحياناً، كما هو مفاد قوله(ص): أبغض الحلال إلى الله الطلاق([713]).

هذا مع تحفّظنا على مسألة بُغض الله لأصوات الحمير، فيُردُّ علم ذلك إلى أهله؛ من ناحية أنّ أصوات الحمير هي ما خلقه الله سبحانه لها، وهو سبحانه لا يبغض شيئاً خلقه. وأمّا قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} ([714])، فمعناه أنّ هذه الأصوات منكرةٌ عندكم، من ناحية شدّتها وخشونتها مثلاً، أو من ناحية الإزعاج الذي يأتي منها، وهكذا. كما أنّه ليس كل صوت مرتفع مبغوضٌ للّه تعالى، حتى عند الإنسان، لأنّ الإنسان قد يحتاج هذا الصوت أحياناً، فالمبغوض هو الصوت المرتفع في غير مورد الحاجة إليه.

الإتيان(1). وإذا شكّ بعد الإتيان بالتلبية في أنّه أتى بها صحيحةً أو لا بنى على الصحة(2).

الأمر الثالث: لبس الثوبين (الإزار والرداء) بعد التجرّد ممّا يجب على المحرم اجتنابه(3)، ويستثنى من ذلك الصبيان، فيجوز تأخير تجريدهم إلى فخ إذا ساروا من ذلك الطريق(4).

والظاهر أنّه لا يعتبر في لبسهما كيفيّة خاصّة، فيجوز الاتّزار بأحدهمـا كيف شاء، والارتـداء بالآخر أو التوشّح به أو غير ذلك من

...............................................................................................................................................................

(1) لأصالة عدم الإتيان بها، مع عدم جريان قاعدة التجاوز في حقّه.

(2) لأصالة الصحّة الجارية في العمل بعد الفراغ منه.

(3) قال في (المستند): «لبس الثوبين. وهما واجبان بلا خلاف يعلم، كما في المنتهى والذخيرة والكفاية، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك، بل إجماعي كما عن التحرير، وفي المفاتيح وشرحه، بل إجماعٌ محقّق»([715]).

بل هو حكمٌ ضروريٌ لدى جميع المسلمين، جرت عليه سيرتهم من زمن رسول الله(ص) وإلى الآن. لذا نجد أنّه قد أُرسل في كثيرٍ من الروايات إرسال المسلّمات، كما في قوله(ع) في صحيحة معاوية بن وهب: وتلبس ثوبيك إن شاء الله([716])؛ وقوله في صحيحة هشام بن سالم: والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها([717]). حيث يدلّ ذلك على أنّهما ثوبان معلومان لدى المكلّف، معدّان للإحرام، لم يكن الإمام(ع) في حاجةٍ إلى أن يوضحهما له.

(4) كما هو مفاد صحيحة أيوب أخي أديم، قال: سئل أبو عبدالله(ع): من أين يُجرّد الصبيان؟ فقال: كان أبي يجرّدهم من فخّ([718]).

الهيئات، وإن كان الأحوط لبسهما على الطريق المألوف(1).

...............................................................................................................................................................

(1) ذكر المحقّق السبزواري(ره) أنّه لم يجد في روايات أصحابنا ما يدلّ على بيان كيفية لبس الثوبين([719]). ومع ذلك، فقد وقع البحث بينهم في كيفية لبسهما؛ قال في (المستمسك):

«الظاهر أنّه لا إشكال في وجوب الاتّزار بأحدهما، ولكن اختلفت كلماتهم في الثاني؛ ففي المنتهى والتذكرة: أنّه يرتدي به. وعن الوسيلة: أنّه يتوشّح به. وهو ـ كما عن الأزهري وغيره ـ: أن يُدخل طرفه تحت إبطه الأيمن ويلقيه على عاتقه الأيسر، كالتوشّح بالسيف. وفي القواعد: يأتزر بأحدهما ويتوشّح بالآخر أو يرتدي به. وحكي عن الشيخ والحلي والمسالك وغيرهم: التخيير المذكور. وفي كشف اللثام: ولا يتعيّن عليه شيء من الهيئتين، للأصل من غير معارض. بل يجوز التوشّح بالعكس أيضاً، أي: إدخال طرفه تحت الإبط الأيسر وإلقاؤه على الأيمن. وفي الحدائق: قوّة الأوّل، للتعبير بالرداء في جملة من النصوص»([720]).

وقال في (الحدائق): «الظاهر أنّ الذي جرت به العادة في لبسهما هو شدّ الإزار من السرّة ووضع الرداء على المنكبين، والظاهر أنّه في حال الإحرام كذلك أيضاً. فالقول بالتوشّح بالرداء كما ذكروه لا أعرف له وجهاً، ومجرد ذكر أهل اللغة في بيان التوشّح أنّه كما يفعل المحرم لا يصلح دليلاً؛ إذ لعلّه مخصوص بمذهب المخالفين المصرّحين بذلك»([721]).

ولا تخلو الروايات من بعض الإشارات حول كيفيَّة لبس الثوبين؛ مثل ما في صحيحـة عبدالله بن سنـان، عـن الصـادق (ع)، أنّ رسـول الله (ص): لمّـا نـزل

 

...............................................................................................................................................................

 

 

 

 

 

الشجرة أمر الناس بنتف الإبط، وحلق العانة، والغسل والتجرّد في إزار ورداء، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه([722]) لمن لم يكن له رداء([723]).

وما في صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا تلبس ثوباً له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه، ولا ثوباً تدرعه([724])، ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار([725]).

فالثوبان هما إزار ورداء. ويستفاد من صحيحة ابن سنان، أنّ المهم هو ارتداء الثوب الثاني، معدّاً كان لذلك كالرداء، أو لم يكن معدّاً له كالعمامة.

وفيها شاهدٌ على عدم لزوم ستر كلتا الجهتين به؛ وهو قوله: "يضعها على عاتقه" بالمفرد، لا "على عاتقيه" بالتثنية.

وصحيحة ابن عمّار توحي بأنّ لبس الثوبين ليس له طريقة خاصة، وإنّما هو بالطريقة المتعارفة المناسبة للثوب الذي يستفيد منه.

(1) وقع البحث بينهم في أنّ لبس المحرم الثوبين، هل هو شرطٌ في تحقّق الإحرام، بحيث لا يصير محرماً من دون ذلك وإن لبّى؛ أو ليس بشرط، وإنّما هو واجب مستقلّ لا بدّ منه، لكن لا يتوقّف عليه تحقّق الإحرام؟

والذي يخطر في البال، أنّنا عندما ندرس الارتكاز الشرعي لدى كل المسلمين، منذ زمن المعصومين(ع) وإلى الآن، نجد أنّهم يرون لبس الثوبين ركناً في الإحرام، لذا نلاحظ أنّ هناك التزاماً دقيقاً بعدم التلبية إلاّ بعد لبس الثوبين.

بل إنّ لبس الثوبين يمثّل مظهر الإحرام حتّى في أيّامنا، لذا إذا وجدت أحداً لم يلبس الثوبين تخاطبه: ألم تحرم بعد؟! وكذلك تسمع بعض الحجّاج يقول أحياناً: أنا أحرمت ولم ألبِّ بعدُ، ومقصوده أنّه قد لبس الثوبين ولم يلبِّ.

فهذا يدلّ على أنّ لبس الثوبين هو من المسلّمات المرتكزة في أذهان المتشرعة، كشأن من شؤون الإحرام، وليس شيئاً منفصلاً عنه.

ولكن هذا لا يعني أنّه بذلك يصير شرطاً في الإحرام، لا يصحّ الإحرام من دونه؛ لأنّه ليس في الأدلّة ما يساعد على الشرطية.

وقد قيل إنّ حسنة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع) التي قال فيها: إن لبست ثوباً في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلبِّ وأعد غسلك، وإن لبست قميصاً فشقّه وأخرجه من تحت قدميك([726])، تدلّ على الشرطية؛ على أساس أنّ الأمر بإعادة التلبية ظاهر في عدم تحقّق الإحرام.

ولكن بالتأمّل في الرواية، يتّضح أنّها على العكس أدلّ، وأنّ الأمر بالتلبية فيها محمولٌ على الاستحباب؛ بقرينتين: الأولى: الأمر في ذيلها بشقّ القميص وإخراجه من تحت قدميه، إذ هو دليلٌ واضح على تحقّق الإحرام قبلاً، وإلاّ فما هو الوجه لعدم نزع القميص وإخراجه من رأسه؟

الثانية: عطف الأمر بالتلبية في صدرها على ما هو مستحبٌ حتماً، وهو الغسل، ما يجعل سياق الكلام هو الاستحباب.

وفي مقابل ذلك قيل إنّ في الروايات ما يدلّ على عدم الشرطية([727])؛ مثل ما في صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، والإشعار، والتقليد، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم([728]). فإنّها صريحة في عدم اشتراط أيّ أمر آخر.

اللبس قبل النيّة والتلبية، ولو قدّمهما عليه فالأولى إعادتهما بعده، خروجاً عن احتمال الشرطية(1).

...............................................................................................................................................................

ولكنّها ـ في رأينا ـ لا تصلح دليلاً؛ لأنّ مسألة لبس الثوبين هي من الأمور المفروضة الوجود بحسب واقع الأمر، ثمّ تليه التلبية التي تمثّل جوهر الإحرام وروحه.

وكذلك استدلّ بما في صحيحة معاوية الأخرى عن الصادق(ع) في رجلٍ أحرم وعليه قميصه، فقال: ينزعه ولا يشقّه، وإن كان لبسه بعدما أحرم شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه([729]). حيث لم يأمره الإمام(ع) بإعادة التلبية، بل اكتفى بأمره بنزع القميص، ما يدلّ على تحقّق الإحرام منه.

وهذا أيضاً لا يصلح دليلاً؛ لوروده في مقام تروك الإحرام، على أساس أنّ المحرم قد لبس ثوباً لا يصحّ الإحرام فيه، مثل كثير من الناس الآن الذين يلبسون ثوبي الإحرام، لكن ينسون نزع السروال أو القميص مثلاً؛ فمجرى الحديث إنّما هو في قضية لبس ما لا يجوز لبسه.

فالروايتان إذاً غير ظاهرتين في أنّ المحرم لم يلبس ثوبي الإحرام.

(1) قال المحقّق السبزواري(ره): «الظاهر أنّ محلّ اللبس قبل عقد الإحرام؛ لئلا يكون بعد عقده لابساً للمخيط»([730]).

وهذا غير بعيد، بلحاظ ما ذكرناه من السيرة القطعية للمتشرعة. ولكن ذلك لا يستفاد منه الشرطية، بل وجوب لبس الثوبين فقط، بلحاظ الوضع العام للحاجّ أو المعتمر مع ستر العورة، والتخفّف من ضغط حرارة الشمس أو برودة الطقس.

وقد يُقال إنّ تعليله المذكور عليل؛ لأنّ عدم لبس الثوبين قبل عقد الإحرام لا يعني بالضرورة كونه لابساً للمخيط بعد عقده، لأنّ هناك واسطةً بينهما، وهي أن يحرم عارياً مثلاً، أو بثوب واحد.

مسألة [189]: يعتبر في الإزار أن يكون ساتراً من السرّة إلى الركبة،

...............................................................................................................................................................

ولكننا نرى أنّ هذه الواسطة غير محتملة في الطريقة المألوفة للإحرام في الحجّ والعمرة، ولذلك لا يصلح الإشكال بها بهذا اللحاظ، وإن كان ذلك قد يتأتّى من خلال الاحتمالات التجريدية غير الواقعية.

وقد وافق في (المستند) المحقّق السبزواري(ره) في أصل الاستظهار المذكور، وناقشه في الوجه الذي اعتمد عليه، بعدم التلازم بين الأمرين، ثمّ بيّن وجهاً آخر لذلك، هو روايتان لمعاوية بن عمّار([731]) مؤيّدتان بثالثة له([732])، وبجملة من الأخبار([733]). ولم يذكر وجه الاستدلال بهذه الروايات. والظاهر أنّ الوجه فيه ما أشار إليه في (المستمسك) من كون اللبس قد «ذكر فيها في سياق مقدّمات الإحرام»([734])، ما يظهر منه بيان المحلّ.

لذا قال في (الجواهر): «وقد ظهر لك ممّا سمعته من النصّ والفتوى، أنّ محلّ اللبس قبل عقد الإحرام، بل هو من جملة الأشياء التي يتهيأ بها للإحرام على وجهٍ يكون حاصلاً حال عقده الإحرام، ومن هنا قال الفاضل في محكي المنتهى: "إذا أراد الإحرام وجب عليه نزع ثيابه ولبس ثوبي الإحرام، بأن يتّزر بأحدهما ويرتدي بالآخر"، ونحوه غيره»([735]).

وصحيحٌ أنّ الروايات التي أشار إليها في (المستند) تدلّ على كون محلّ لبس الثوبين هو قبل النيّة والتلبية، لكن ذلك هو مقتضى السير الطبيعي للأمور؛ فلا ظهور لها في كون لبس الثوبين شرطاً في صحّة الإحرام، بحيث يلزم إعادته بعد لبسهما.

وفي الرداء أن يكون ساتراً للمنكبين والعضدين وقدراً معتدّاً به من الظهر(1).

مسألة [190]: لو أحرم في قميص ـ جاهلاً أو ناسياً ـ نزعه وصحّ إحرامه، بل الأظهر صحّة إحرامه حتى فيما إذا أحرم فيه عالماً عامداً، وأمّا إذا لبسه ـ بعد الإحرام ـ فلا إشكال في صحّة إحرامه، ولكن يلزم عليه شقّه وإخراجه من تحت(2).

...............................................................................................................................................................

(1) قال في (الجواهر): «ذكر غير واحد أنّه يعتبر في الإزار ستر ما بين الركبة والسرّة، وفي الرداء كونه مما يستر المنكبين، بل في الرياض نفي الإشكال عن ذلك»([736]).

لكن قد صرّح غير واحد أيضاً بأنّه لا دليل لهم على ذلك([737])؛ لذا فالمرجع هو الصدق العرفي. والمتعارف هو كون الرداء ساتراً للنصف الأعلى من الجسم، وكون الإزار ساتراً للنصف الأسفل منه، من دون تحديد دقّي لذلك، خصوصاً في ما يخصّ ستر السرّة. ولكن الأحوط هو الكيفية التي أشاروا إليها.

(2) كما أنّ تحقّق الإحرام لا يرتبط بلبس الثوبين، على ما تبيّن سابقاً، كذلك هو لا يرتبط بالتجرّد ممّا يحرم على المحرم لبسه؛ والدليل هو الدليل.

ولبس ما يحرم لبسه قد يكون حال عقد الإحرام، وقد يحصل بعده؛ وهو لا يضرّ في كلتا الصورتين. لكن فصِّل بينهما في الروايات من ناحية كيفية التجرّد من هذا الثوب، والرواية الجامعة في ذلك صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) في رجل أحرم وعليه قميصه، فقال: ينزعه ولا يشقّه، وإن كان لبسه بعدما أحرم شقّه وأخرجه مما يلي رجليه([738]).

وقد نبّه في (العـروة) إلى أنّ «الفـرق بين الصورتيـن من حيث النـزع والشـقّ

مسألة [191]: لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وبعده للتحفّظ من البرد أو الحرّ أو لغير ذلك(1).

مسألة [192]: يعتبر في الثوبين الشروط المعتبرة في لباس المصلّي نفسها، فيلزم أن لا يكونا من الحرير الخالص، ولا من أجزاء السباع، بل مطلق ما لا يؤكل لحمه، ولا من المذهّب، ويلزم طهارتهما كذلك. نعم، لا بأس بتنجّسهما بنجاسة معفوّ عنها في الصلاة(2).

...............................................................................................................................................................

تعبّد، لا لكون الإحرام باطلاً في الصورة الأولى، كما قد قيل»([739]) في (كشف اللثام)([740]). وإلاّ فلو كان باطلاً لأُمر بإعادة التلبية بعد ذلك، ولا نجد لهذا الأمر أثراً في الروايات.

ولا فرق في ذلك بين حالات العلم والجهل والنسيان؛ لإطلاق الصحيحة، ولما اتّضح من عدم دخالة التجرّد واللبس في تحقّق الإحرام وعدمه. نعم، يكون مأثوماً في حالة العلم، وعليه الكفارة، دون حالتي الجهل والنسيان.

(1) كما هو صريح حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن المحرم يتردّى بالثوبين؟ قال: نعم، والثلاثة إن شاء، يتّقي بها البرد والحر([741]). وهي مطلقةٌ من ناحية كون الزيادة حاصلة حال الإحرام أو بعده.

(2) قال في (المستند): «صرّح جماعة ـ منهم: المبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والاقتصاد والكافي والغنية والمراسم والنافع والقواعد والمنتهى والإرشاد والتحرير واللمعة والروضة والمسالك، وغيرها ـ بأنّه يشترط في ثوبي الإحرام كونهما مما يصحّ الصلاة فيه، وفي الكفاية: أنّه المعروف من مذهب الأصحاب، وفي المفاتيح: أنّه لا خلاف فيه، وفي شرحه: أنّه اتفقت عليه كلمات الأصحاب»([742]).

والأساس في ذلك صحيح حريز، عن أبي عبدالله(ع) قال: كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه([743]).

والواضح منه أنّه في مقام ضرب القاعدة، وبيان ما هو الثوب الذي يصحّ الإحرام فيه.

ويدلّ عليه أيضاً في خصوص الثوب المتنجس صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة؟ قال: لا يلبسه حتى يغسله، وإحرامه تامّ([744]).

وحسنته عنه(ع) قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها وبين غيرها؟ قال: نعم، إذا كانت طاهرة([745]).

ويدلّ عليه أيضاً في خصوص الحرير عدّ+ة روايات، منها:

1 ـ خبر أبي بصير قال: سئل أبو عبدالله (ع) عن الخميصة([746]) سداها إبريسم([747]) ولحمتها من غزل؟ قال: لا بأس بأن يحرم فيها، إنّما يكره الخالص منها([748]). وظاهر الكراهة هنا هو الحرمة بقرينة سائر الروايات.

2 ـ صحيحة سدير بن حنان، عن أبي عبدالله(ع) قال: كنت جالساً عنده، فسئل عن رجل يحرم في ثوب فيه حرير، فدعا بإزار قرقبي([749]) فقال: أنا أحرم في هذا وفيه حرير([750]).

مسألة [193]: يلزم في الإزار أن يكون ساتراً للبشرة غير حاكٍ عنها، وأمّا الرداء فالأولى فيه ذلك(1).

مسألة [194]: الأفضل في الثوبين أن يكونا من المنسوج، ولا يكونا من قبيل الجلد والملبّد(2).

...............................................................................................................................................................

(1) اعتبار كون الإزار ساتراً للبشرة غير حاكٍ عنها ممّا لا إشكال فيه؛ باعتبار ثبوت هذه الشرطية في الثوب الذي يُصلّى فيه، فتثبت في ثوب الإحرام أيضاً بمقتضى صحيح حريز المتقدّم، خصوصاً مع لزوم ستر العورة.

وأمّا الرداء، فحيث إنّ ما يستره ليس من العورة، فالظاهر عدم اشتراط كونه ساتراً للبشرة. واحتمال كون الستر شرطاً في الثوب نفسه ـ بمقتضى الصحيح السابق ـ بغضّ النظر عمّا يُستر به، هو احتمال لا تساعد عليه مناسبة الحكم والموضوع.

وقد سجّل جملة من الأعلام، منهم السيد الأستاذ(قده)، احتياطاً في اعتبار الستر في الرداء؛ مراعاةً للاحتمال السابق، وخروجاً عن خلاف من خالف.

ونلاحظ على ذلك أنّ هذه الاحتياطات ـ خصوصاً عند علمائنا المتأخّرين ـ قد أوجدت ذهنية التحريم لدى المكلّفين، إلى مستوى تولّدت معه لديهم تصوّرات لأحكام جديدة.

وكمثالٍ على ذلك، مسألة الغروب الشرعي والخلاف المعروف فيه بين السنّة والشيعة، مع أنّ هذا الخلاف في الحقيقة هو بين الشيعة أنفسهم، حتى عُبِّر عن الرأيين فيه بالمشهور والأشهر. والسبب في ذلك، هو أنّ كثيراً ممّن وصلوا بالدليل إلى أنّ الغروب يتحقّق بسقوط القرص، سجّلوا الاحتياط في ذلك، فتصوّر الناس أنّ هذا الرأي متّفق عليه لدى كل الشيعة، فحكموا تبعاً لذلك على من أفتى بخلافه بالخروج من دائرة التشيّع، واتّباع مذهب العامّة.

(2) المقصود بالجلد هنا الجلد من مأكول اللحم، وأمّا الجلد من غير مأكول اللحم، فقد سبق عدم صحّة الإحـرام فيه. والمقصود بالملبّد اللبـاس الذي يصنع
 

مسألة [195]: يختصّ وجوب لبس الإزار والرداء بالرجال دون النساء، فيجوز لهنّ أن يحرمن في ألبستهن العادية على أن تكون واجدةً للشرائط المتقدّمة(1).

...............................................................................................................................................................

بطريقة اللصق والضغط دون النسج، قال في (لسان العرب): «كلُّ شيء ألصقته بشيء إلصاقاً شديداً فقد لبدته»([751]).

وأساس الخلاف هنا هو في أنّ العنوان الذي تعلّق به الحكم باللبس هو الثوب، وهو قد لا يصدق على ما يكون من الجلد والملبّد.

ولكنّنا لا نلاحظ أنّ لذكر الثوب في العنوان خصوصيةً في ذاته؛ لأنّه العنوان الذي يذكر عادةً للإشارة إلى ما يُلبس ويستتر به. وما يُستتر به يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر، فليس كلّ الناس يعرفون الملبّد، كما لم يكن في القديم هذا التنوّع في المواد الدخيلة في صناعة الملابس. لكن يبقى المنسوج هو المصداق الأبرز للثوب، فالأفضل الاقتصار عليه.

(1) من المقطوع به لزوم أن تلبس المحرمة الثياب، لكن يقع الكلام في أنّها هل تحرم بثيابها العادية، أو لا بدّ من أن تلبس الثوبين ـ الإزار والرداء ـ ولو كانا مخيطين بكيفية مناسبة للمرأة، تستر بهما تمام ما يجب عليها ستره؟

قد يبدو للوهلة الأولى أنّ إحرامها في ملابسها أمرٌ متسالم عليه، ولكن المسألة في الحقيقة خلافية بينهم، وكلمات الأعلام فيها شحيحة.

قال في (الجواهر): «الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للامرأة تحت ثيابها، وإن احتمله بعض الأفاضل، بل جعله أحوط، ولكنّ الأقوى ما عرفت، خصوصاً بعد عدم شمول النصوص السابقة للإناث إلا بقاعدة الاشتراك التي يُخرج عنها هنا بظاهر النصّ والفتوى»([752]).

وعلّق عليه في (دليل الناسك) فقال: «لكنّ إطلاق الفتاوى يقتضي عدم الفرق بينها وبين الرجل، ولم أقف على من خصّ الثوبين في الرجل عدا الحدائق. والنصوص الواردة في الرجل مثلها واردٌ في المرأة، فلاحظ نصوص الحائض وغيرها. وبالجملة دعوى ظهور النصّ والفتوى في عدم الفرق أولى من دعوى خلافها، فتأمّل جيداّ. ومقتضى ذلك لزوم لبسها قطعتين تسمّى إحداهما إزاراً والأخرى رداءً، فلا يكفي القميص ونحوه ممّا لا يسمّى إزاراً ولا رداءً، فتأمّل جيداً»([753]).

ولكنّنا بعد البحث والتنقيب، وجدنا أنّ البحراني(ره) ليس هو أوّل من تعرّض للمسألة، بل سبقه إلى ذلك المقدّس الأردبيلي(قده)، فإنّه علّق على قول العلاّمة في (إرشاد الأذهان): "والمرأة كالرجل إلاّ في تحريم المخيط"، فقال: «لو استثنى وجوب لبس الثوبين بدل تحريم المخيط لكان أولى؛ لعدم التصريح فيما سبق بتحريمه، مع ذكر جوازه للمرأة والتصريح بوجوب لبسهما، ولعلّه اكتفى بتحريم المخيط، لأنّه يُفهم منه عدم وجوب لبسهما، فتأمل»([754]).

وفي تقريرات السيد الكلبايكاني(ره) معلِّقاً على ما في (الجواهر): «والتحقيق أنّ اعتبار لبس الثوبين على النساء إن لم يكن أقوى فهو الأحوط؛ فإنّ ظاهر القول بوجوب لبس ثوبي الإحرام على الحاجّ عامٌ شاملٌ للرجل والمرأة، وقد تقدّم في صحيحة عبدالله بن سنان الواردة في حجّ النبي(ص) أنّه أمر الناس بأشياء، منها لبس الثوبين، وظاهرها أنّ جميع الناس من الرجال والنساء كانوا مأمورين به، مضافاً إلى أنّ قاعدة الاشتراك تقتضي ذلك، ولا دليل على الخروج منها. وقد نقل عن الشيخ في النهاية أنّ ما يحرم على الرجال يحرم على النساء المحرمات أيضاً، ويجب عليهنّ ما يجب عليهم، إلاّ ما أخرجه الدليل كجواز لبس المخيط والحرير، ولم أجد في كتب أصحابنا باباً خاصّاً لإحرام النساء»([755]).

وانتهى بعض المعاصرين(قده) إلى أنّ «المسألة مشكلة جدّاً، والأحوط لبس النساء للثوبين أيضاً دون ثيابهنّ في حال النيّة والتلبية، ولا مانع من النزع بعد تحقّق الإحرام، بناءً على ما هو مقتضى الفتاوى من عدم لزوم استدامة لبس الثوبين حتى بالإضافة إلى الرجال كما مرّ»([756]).

وقطع السيد الأستاذ(قده) في المقابل بعدم وجوب خصوص ثوبي الإحرام للمرأة؛ لأنّ مستنده أحد أمرين: إمّا قاعدة الاشتراك، وإمّا النصوص الواردة في باب إحرام الحائض، وشيءٌ منهما لا يدلّ على الوجوب([757]).

فالمسألة كما ترى عويصة بينهم، حتى قال بعض الأعاظم(قده): «الحقّ لزوم الاعتراف بصعوبة التحقيق في هذا الفرع»([758]).

ونحن ـ بحول الله وقوّته ـ سوف نتناولها بالبحث كما هو حقّها، وصولاً إلى تبيّن مقتضى الدليل فيها، فنقول:

من الواضح بدايةً أنّ مقتضى الأصل الأوّلي في مسألة لبس الثياب عدم لزوم ثياب خاصّة للمحرم إلاّ إذا دلّ الدليل، وقد دلّ الدليل بلا خلاف على لزوم الإزار والرداء للرجل، والخلاف إنّما هو في وجود مثل هذا الدليل بالنسبة إلى المرأة، ومع عدمه، فالأصل عدم إلزامهنّ بثياب خاصّة. لذا نجد أنّ أبحاث العلماء قد انصبّت على تحرّي هذا الدليل. وقد أحصينا من خلال تتّبعنا لكلماتهم جملةً ممّا استدلوا به نستعرضه تباعاً:

الدليل الأوّل: صحيحة عبدالله بن سنان، عن الصادق(ع)، وفيها: أنّ رسول الله(ص) لمّا نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط، وحلق العانة، والغسل والتجرّد في إزار ورداء، أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه([759]) لمن لم يكن له رداء([760]).

بدعوى أنّ ظاهرها أنّ جميع الناس من الرجال والنساء كانوا مأمورين بالتجرّد بإزار ورداء.

وفيه: منع ظهور الرواية في ذلك، بل يمكن دعوى ظهورها في الاختصاص بالرجال؛ لأمرين: الأوّل: إنّ التجرّد بالثوبين من خصوصيات الرجل، فإنّ المرأة تحتاج على الأقلّ مضافاً إليهما إلى الخمار أيضاً تستر به رأسها. أضف إلى ذلك أنّه يستفاد من جملة من الروايات أنّ لها أن تلبس ما تشاء من الثياب تحقّق به الستر([761])، ما يوجب انصراف الأمر بالتجرّد عنهنّ.

الثاني: اشتمال الرواية على بدلية العمامة من الرداء، ومن المعلوم أنّ العمامة من مختصّات الرجل عادةً عند العرف.

الدليل الثاني: الاستفادة من روايتين وردتا في كيفية إحرام الحائض، هما: موثّقة يونس بن يعقوب عن الصادق(ع)، وفيها: "وتلبس ثوباً دون ثياب إحرامها"([762])؛ وخبر زيد الشحّام عنه(ع)، وفيها: "وتلبس ثياب الإحرام وتحرم، فإذا كان الليل خلعتها ولبست ثيابها الأُخر حتى تطهر"([763]). بتقريب أنّهما صريحتان في أنّ للمحرمة ثياباً خاصّةً للإحرام، وهو المطلوب.

وفيه: أنّ الموثّقة برواية (التهذيب) بسنده عن الكليني(ره) مختلفة عمّا في (الكافي) و(الوسائل)، وفيه: "وتلبس ثوباً دون ثيابها لإحرامها"([764])؛ وبناءً عليه، تنتفي إمكانية الاستدلال بها.

ومع غضّ النظر عن ذلك، فإنّ غاية ما تدلّ عليه هاتان الروايتان هو وجود ثياب إحرام للمرأة، ولكن من الواضح أنّ هذا المقدار لا يصلح لإثبات خصوصية الثوبين لها، الإزار والرداء. ولنعم ما أجاب به السيّد السبزواري(قده) من «أنّ المراد بثياب الإحرام فيهما ما جرت عادتهنّ على تهيئة ثوب نظيف للإحرام والصلاة، لا أن يكون المراد الإزار والقميص المعهود في الإحرام، ولا ريب في أنّ ثياب الإحرام أعمّ منهما»([765]).

الدليل الثالث: ما رواه في (الجعفريات) بسنده عن عليِّ بن الحسين(ع): إنّ أزواج رسول الله(ص)، كُنَّ إذا خرجن حاجّات خرجن بعبيدهنَّ معهُنَّ، عليهنَّ الثيابين والسراويلات([766]).

وقد ذكره السيد الكلبايكاني(قده) في طيّات كلامه. ولم يتّضح لنا وجه الاستدلال بهذه الرواية، على أنّنا لم نجد كلمة "الثيابين" في غيرها، بل إنّه استعمال غريب بعيدٌ كلّ البعد عن مذاق العرف، فضلاً عن عدم مطابقته لقواعد اللغة العربية، من حيث إنّه تثنية لجمع.

الدليل الرابع: ما في (هداية الناسكين) للشيخ النجفي(ره) وتقريرات السيد الكلبايكاني(قده) و(مهذّب الأحكام) عن (دعائم الإسلام): تتجرّد المحرمة في ثوبين أبيضين([767]).

لكنّ ذلك اشتباهٌ منهم قُدِّست أسرارهم؛ لأنّ الرواية في (الدعائم) واردة بالتذكير لا بالتأنيث([768]). على أنّهم ذكروا أنّه لا يصلح إلاّ للندب.

الدليل الخامس: ما في (البحار) و(المستدرك) عن بعض نسخ (فقه الرضا): والبس ثوبيك للإحرام، أو إزاريك، جديدين كانا أو غسيلين، بعدما يكونان طاهرين نظيفين، وكذلك تفعل المرأة([769]).

وكون (فقه الرضا) في أصله كتاب رواية محلّ إشكال، فكيف ببعض نسخه التي اشتملت على ما لم تشتمل عليه النسخة المصحّحة، على ما ذكر المجلسي(ره)([770])؟!

الدليل السادس: قاعدة الاشتراك بين الذكور والإناث في الأحكام، الدالة على أنّ الأصل هو اشتراكهما في التكليف، من غير حاجة إلى عموم في خصوص كلّ مورد([771]).

ويُؤيَّد جريانها في المقام بجملة من الكلمات الدالّة على فهم العلماء للاشتراك هنا؛ مثل ما عن الشيخ(ره) في (المبسوط): «ويحرم على المرأة في حال الإحرام جميع ما يحرم على الرجل، ويحلّ لها ما يحلّ له»([772])، ومثله في (النهاية)([773]). وفي (التذكرة): «إحرام المرأة كإحرام الرجل إلا في أمرين»([774]). وغير هذه الكلمات كثير.

والنتيجة هي أنّ الأدلّة التي دلّت على لزوم لبس الثوبين، تشمل النساء أيضاً طبقاً لهذه القاعدة، وإن كان المخاطب فيها هم الرجال.

 وفي (الجواهر) أنّه يُخرَج عن هذه القاعدة بظاهر النصّ والفتوى([775]).

وأوضحه السيد الأستاذ(قده) بأنّ القاعدة مخالفة للنصّ من ناحية اشتماله، على الأمر بلبس الثوبين ونزع المخيط، وهذا يختصّ بالرجال، وأمّا المرأة فيجوز لها لبس المخيط ولا يجب عليها نزع الثياب؛ وأمّا الفتوى فلتجويزهم لبس المخيط لها، وعدم وجوب نزع الثياب عليها([776]).

وفي (مهذّب الأحكام): «يشكل الاستدلال بقاعدة الاشتراك في المقام، بعد عدم وجوب التجرّد من ثيابهنّ عليهنّ، وجواز لبس المخيط لهنّ»([777]).

وقد ناقش في ذلك بعض المعاصرين(قده)، بأنّه لا ارتباط بين مسألة لبس الثوبين الذي هو واجب تعبّدي شرعي مستقلّ ومحلّه قبل الإحرام الذي يتحقّق بالنيّة والتلبية، وبين مسألة عدم جواز لبس المخيط على الرجال الذي هو متأخّر عن الإحرام ومن محرّماته، فإذا كان مثل هذا الحكم مختصّاً بالرجال، فكيف يوجب سراية احتمال الاختصاص بالإضافة إلى الثوبين، وأيّ ارتباط بين الأمرين([778])!

وفيه: أوّلاً: إنّ ما ذكره(قده) لا يكفي لإثبات جريان قاعدة الاشتراك في المقام، والخروج بها عن مقتضى الأصل الأوّلي المقتضي لعدم وجوب لبسها للثوبين؛ لأنّ عمدة المدرك لها ـ كما هو واضح لمن راجع كلماتهم ـ هو الإجماع، وهو دليلٌ لبّي يقتصر فيه على المتيقّن. والقاعدة تختصّ ـ كما في (المستمسك)([779]) ـ بما يصلح وقوعه منهما؛ فيكون ما يصلح وقوعه منهما هو القدر المتيقن جريان القاعدة فيه. وهل يتصوّر أحدٌ صلاحية اكتفاء المرأة بالثوبين، ولو كانا مخيطين، أليست هي بحاجة إلى الخمار على الأقلّ مضافاً إليهما؟!

لذلك كانت خصوصية المرأة في المقام محلّ تسالم في كلمات العلماء من الخاصّة والعامّة؛ فعن الصدوق(ره): «وتلبس السراويل وهي محرمة، لأنّها تريد بذلك الستر»([780]). وعن العلاّمة(ره) أيضاً: «يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعاً؛ لأنّها عورة، وليست كالرجال»([781]). وقال الشافعي: «والمرأة تلبس السراويل والخفّين والخمار والدرع من غير ضرورة كضرورة الرجل، وليست في هذا كالرجل»([782]).

ومعه، فكيف تجري قاعدة الاشتراك؟!

وثانياً: قد مرّ عليك في كلام المقدّس الأردبيلي(قده)، أنّ الوجه في اكتفاء العلاّمة في (الإرشاد) باستثناء تحريم المخيط للمرأة بدل استثناء وجوب لبس الثوبين عليها، هو أنه يُفهم منه عدم وجوب لبسهما([783]). هذا مع وضوح عدم وجوب لبسهما عليها لدى الأردبيلي(قده)، ولذلك قال قبل ذلك: «لو استثنى وجوب لبس الثوبين بدل تحريم المخيط لكان أولى».

وهذا هو الوجـه الـذي لعلّه دعا صاحـب (الحدائـق) ـ وهو الخبيـر الماهـر بمداليل الروايات وكلمات الأصحاب ـ إلى أن يجزم، وبضرس قاطع، بأنّ لبس ثوبي الإحرام مختصٌ بالرجل، وأنّ وجوبه اتّفاقي بين الأصحاب([784]).

بل إنّنا إذا تأمّلنا في الروايات والفتاوى، نشرف على القطع بأنّ استثناءهم للمخيط هو عبارة أخرى عن استثنائهم للبس الثوبين، خصوصاً أنّ عنوان المخيط لم يرد في لسان الروايات([785])، وإنّما هو عنوان استفاده الفقهاء من مجموع الروايات التي تحدّثت عمّا يلبسه المحرم وما لا يلبسه، ودرجوا عليه في كلماتهم.

ونحن مع تسليمنا بأنّه لم يرد في أيّ نصٍ التصريح بعدم وجوب لبس الثوبين على المرأة، إلاَّ أنّه شيءٌ يمكننا أن نفهمه من مجموع الروايات؛ ففي صحيحة معاويـة بن عمّـار، نهى الصادق(ع) المحرمَ عن لبس الثوب الذي له أزرار، والثوب الذي يدرعه، والسراويل إلاّ إذا لم يتوفّر لديه الإزار([786]). وفي صحيحة عمر بن يزيد عنه(ع)، أنّ المحرم إذا لم يكن له الرداء طرح قميصه على عاتقه([787]). وفي صحيحة عبدالله بن سنان السابقة حلّت العمامة محلّ الرداء([788]).

فنلاحظ أنّ هناك صفات للثوبين ذكرتها الروايات، على المحرم مراعاتها، إلاّ في حال عدم القدرة، فينتقل حينئذٍ إلى البدل؛ فكان السروال بدلاً للإزار، والقميص أو العمامة بدلاً للرداء.

بينما نجد في روايات أخرى أنّ المرأة المحرمة قد شُرِّع لها ابتداءً لبس القميص والسروال، كما في صحيحتي يعقوب بن شعيب([789])، ومحمّد بن علي الحلبي([790])؛ ما يعني بالضرورة في مرحلة أولى عدم إلزامها بالإزار والرداء.

ثم في مرحلة ثانية نجد جملةً من الروايات، منها ما هو صحيح السند، تصرّح بأنّ للمرأة أن تلبس الثياب كلّها([791])، أو ما شاءت من الثياب([792]). مع استثناء جملة من الأمور، منها القفّازان.

ولهذا كلّه نجد صاحب (المدارك) يصرّح بـ «اختصاص الأخبار المانعة من لبس الثياب للمحرم بالرجل»([793]).

ولعمرك، ضمُّ هذه الأمور بعضها إلى بعض، أليس دليلاً واضحاً على عدم وجوب خصوص الثوبين للمرأة؟!

بل يمكن دعوى التسالم على عدم وجوب خصوص الثوبين للمرأة، وإلاّ كيف يُعقل في مسألة بهذه الأهمية تطال نصف المكلّفين على الأقلّ، أن لا يرد فيها ولو سؤال واحد عن المعصوم(ع)!

وثالثاً: لم يظهر لنا من الأدلّة أنّ لبس ثوبي الإحرام هو شيء تعبّدي في ذاته، يجب الإتيان به بعنوانه كجزء من جزئيات واجبات الإحرام، بل كلّ ما هناك هو حرمة لبس المخيط على الرجل، منضمّةً إلى حرمة البقاء عارياً، ما ينتج بشكل طبيعي لزوم لبسه ثوبين غير مخيطين يستر بهما بدنه؛ ومن الواضح أنّ ذلك لا يجري في المرأة، لفرض جواز تستّرها بالمخيط ابتداء.

فالصحيح إذاً ما ذهب إليه في (الجواهر).

مسألة [196]: يُكره للمرأة أن يكون شيءٌ من ثياب إحرامها من الحرير المحض، إلاّ في حال الضرورة، كالاتّقاء من البرد والحرّ، وأمّا الحرير غير المحض، فلا يُكره لها لبسه(1).

...............................................................................................................................................................

(1) قال في (الحدائق): «اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز إحرام النساء في الحرير المحض، فنقل عن الشيخ المفيد في كتاب أحكام النساء، وابن إدريس، وجمع من الأصحاب: الجواز، وهو المشهور بين المتأخّرين، وإليه مال في المدارك، والذخيرة؛ وعن الشيخ وابن الجنيد: القول بالمنع، وبه صرّح الشيخ المفيد في المقنعة، والشهيد في الدروس»([794]).

والمسألة روائية بامتياز، ورد فيها الكثير من الروايات، التي وجدنا أنّه يمكن استعراضها ضمن طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما جُعل دليلاً على جواز لبس المحرمة الحرير، ورواياتها هي:

1 ـ صحيحة حريز المتقدّمة، عن أبي عبدالله(ع) قال: كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه([795]).

وعدّها من روايات هذه الطائفة يتوقّف على ثبوت جواز صلاة النساء في الحرير، وإلاّ فتكون من روايات الطائفة المانعة. وجواز صلاتهنّ في الحرير هو المختار، والمعروف بين الأصحاب. ورواية حريز واردة في مقام ضرب القاعدة، ما يجعلها ظاهرةً في جواز الإحرام في الحرير.

2 ـ صحيحة يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبدالله(ع): المرأة تلبس القميص تزرّه عليها، وتلبس الحرير والخزّ والديباج([796])، فقال: نعم، لا بأس به، وتلبس الخلخالين والمسك([797]).

وقد يقال بعدم دلالتها على حال الإحرام، لعدم ذكر المحرمة فيها، إلاّ بالعموم الذي يُخصّص بروايات الطائفة الثانية. ولكن قد يُستظهر ورودها في خصوص المحرمة، لمكان السؤال فيها عن لبسها القميص وزرّه عليها، إذ لا وجه له إلاّ توهّم منع المحرمة منه كما يمنع منه المحرم، وإلاّ فهو من الأمور المعلوم جوازها للمرأة كما للرجل في غير حال الإحرام، ولا داعي إلى السؤال عنه.

3 ـ خبر النضر بن سويد، عن أبي الحسن(ع) قال: سألته عن المحرمة أيّ شيء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلّها إلا المصبوغة بالزعفران والورس، ولا تلبس القفازين، ولا حلياً تتزيّن بها لزوجها، ولا تكتحل إلاّ من علّة، ولا تمسّ طيباً، ولا تلبس حلياً، ولا فرنداً، ولا بأس بالعَلَم في الثوب([798]).

وقد عَدَّ بعض العلماء هذه الرواية من أدلّة الجواز، بناءً على العموم في المستثنى منه. ولكنّها في الحقيقة من أدلّة عدم الجواز؛ لأنّ الفرند المنهي عن لبسه في ذيلها، وهو لفظ معرّب من الفارسية، اسم ثوب من حرير([799]).

الطائفة الثانية: ما يدلّ على عدم جواز لبس المحرمة الحرير، ورواياتها هي:

1 ـ محمّد بن إدريس في آخر (السرائر) نقلاً من كتاب (نوادر) أحمد بن محمد ابن أبي نصر البزنطي، عن جميل، أنّه سأل أبا عبدالله(ع) عن المتمتع كم يجزيه؟ قال: شاة، وعن المرأة تلبس الحرير؟ قال: لا([800]).

والسؤال فيها عن المرأة، فلا يُستظهر شمولها للمحرمة إلاّ من خلال وحدة السياق.

2 ـ صحيحة عيص بن القاسم قال: قال أبو عبدالله(ع): المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين([801]).

3 ـ صحيحة إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن المرأة هل يصلح لها أن تلبس ثوباً حريراً وهي محرمة؟ قال: لا، ولها أن تلبسه في غير إحرامها([802]).

4 ـ مرسلة ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله(ع) قال: النساء يلبسن الحرير والديباج إلا في الإحرام([803]).

5 ـ خبر جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر(ع) يقول: ليس على النساء أذان ـ إلـى أن قـال: ـ ويجوز للمرأة لبس الديبـاج والحريـر في غير صـلاة وإحرام([804]).

ودلالة هذه الروايات على الحرمة لا تتعدى حدّ الظهور.

الطائفة الثالثة: ما يدلّ على أنّ الممنوع منه إنّما هو الحرير الخالص، وهي:

1 ـ خبر أبي عيينة، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته ما يحلّ للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟ فقال: الثياب كلّها ما خلا القفازين والبرقع والحرير، قلت: أتلبس الخزّ؟ قال: نعم، قلت: فإنّ سداه إبريسم وهو حرير، قال: ما لم يكن حريراً خالصاً فلا بأس([805]).

2 ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخز، وليس يكره إلا الحرير المحض([806]).

3 ـ خبر أبي بصير المرادي أنّه سأل أبا عبدالله(ع) عن القزّ تلبسه المرأة في الإحرام؟ قال: لا بأس، إنّما يكره الحرير المبهم([807]).

4 ـ موثّق سماعة أنه سأل أبا عبدالله(ع) عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال: لا يصلح أن تلبس حريراً محضاً لا خلط فيه، فأمّا الخزّ والعلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي محرمة ـ إلى أن قال: ـ وتلبس الخزّ، أما إنّهم يقولون: إنّ في الخزّ حريراً، وإنما يكره المبهم([808]).

5 ـ خبر أبي الحسن الأحمسي، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن العمامة السابرية فيها علم حرير تحرم فيها المرأة؟ قال: نعم، إنّما يكره ذلك إذا كان سداه ولحمته جميعاً حريراً([809]).

6 ـ موثّق سماعة، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة، فأمّا في الحرّ والبرد فلا بأس([810]).

ثمّ إنّ المنع في هذه الطائفة، هل هو بدرجة الحرمة أو الكراهة؟

والسبب في هذا السؤال هو اشتمال رواياتها على عبارات: لا بأس، يكره، لا يصلح، لا ينبغي. وهي عبارات قد وقع الخلاف في مدلولها بين الأعلام، وأنّه الحرمة أو الكراهة. ولا بدّ من معرفة مدلولها في المقام، لما له من تأثير عند الجمع بين الطوائف، فنقول:

نحن قد بحثنا سابقاً في معنى "لا ينبغي" في لسان الشارع، وانتهينا إلى أنّه الكراهة، ولا يُرفع اليد عنها إلى الحرمة في موردٍ إلاّ بقرينة([811]).

وأمّا "لا يصلح"، فالظاهر أنّ الاستعمالات العرفية لها تشمل الكراهة والحرمة؛ لأنّ الظاهر من عدم الصلاح ليس هو الفساد، بل عدم المصلحة التي قد تصدق في كلا موردي الكراهة والحرمة.

وأمّا "لا بأس" فهي ظاهرة في الجواز؛ لأنّ البأس المنفي هو الخوف والمشقّة، وليس العذاب كما ادُّعي، وربما تستعمل الكلمة به كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ} ([812])، باعتبار أنّه مصدر الخوف.

وأمّا "يكره"، فقد استعملت في الكراهة المصطلحة، كما استعملت في الحرمة، ما ينفي ظهورها في الحرمة.

مسألة [197]: إذا تنجَّس أحد الثوبين أو كلاهما بعد التلبّس بالإحرام، فيجب المبادرة إلى التَّبديل أو التَّطهير(1).

...............................................................................................................................................................

وضمّ هذه العبارات بعضها إلى بعض وورودها في طائفة واحدة يجعلها ظاهرةً في الكراهة عرفاً.

وفي المقام جمعان بين الروايات لا ثالث لهما، انقسم الأعلام بينهما:

الأوّل: تقديم روايات الطائفة الثانية المانعة، وأمّا روايات الطائفة الأولى المجوّزة، فتُحمل على الحرير غير الخالص؛ بقرينة الطائفة الثالثة، لو كانت العبارات الواردة فيها بمعنى الحرمة لا الكراهة.

الثاني: وهو الأقرب في نظرنا، تقديم روايات الطائفة الأولى المجوّزة، وأمّا روايات الطائفة الثانية المانعة، فيُحمل المنع فيها على الكراهة، بقرينة الطائفة الثالثة التي انتهينا إلى أنّ معنى العبارات الواردة فيها هو الكراهة عرفاً لا الحرمة.

والنتيجة حينئذٍ هي كراهة أن يكون شيءٌ من ثياب إحرام المرأة من الحرير المحض. وترتفع هذه الكراهة في حالات العذر والحاجة؛ لما في موثّق سماعة من استثناء حالتي الحرّ والبرد، بعد فهم كونهما على نحو المثال.

بقي هنا شيء: وهو أنّ بعض الأعلام فصّل في المسألة بين لبس الحرير حال عقد الإحرام، ولبسه بعد ذلك، وذكر أنّ المبحوث عنه هنا هو الأوّل، وأمّا الثاني فمحلّه هو مبحث تروك الإحرام، وأكّد أنّه لا رابط بين الأمرين.

ولكنّه خلاف الظاهر جدّاً من الروايات؛ وهو تدقيقٌ لا يساعد عليه العرف الذي هو المرجع في فهم الخطابات.

(1) مرّ في المسألة (192) أنّ الطهارة شرطٌ في ثوبي الإحرام؛ اعتماداً على صحيح حريز، عن أبي عبدالله (ع) قال: كل ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه([813]).

مسألة [198]: لا تجب الاستدامة في لبس ثياب الإحرام، فلا بأس بإلقائه عن متنه لضرورة أو غير ضرورة(1)، كما لا بأس بتبديله على أن يكون البدل واجداً للشرائط(2).

...............................................................................................................................................................

وصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة؟ قال: لا يلبسه حتى يغسله، وإحرامه تامّ([814]).

وحسنته عنه(ع) قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها وبين غيرها؟ قال: نعم، إذا كانت طاهرة([815]).

وقد يُقال إنّه لا ظهور في هذه الروايات في أكثر من ضرورة توفّر هذا الشرط حين عقد الإحرام ابتداءً، فلا يكون هناك دليلٌ عليه استدامةً.

وهذا الاستظهار قد يصحّ في خصوص صحيح حريز، ولكنّه لا يصحّ في روايتي معاوية بن عمّار؛ لأنّ الظاهر من موردهما، هو طروء النجاسة بعد الإحرام، فهما ظاهرتان بقوّة في ضرورة توفّر شرط الطهارة في ثوبي الإحرام استدامةً؛ وعلى هذا، فالاشتراط موردٌ للفتوى لا للاحتياط.

(1) ويقتضيه بعد كونه مقتضى الأصل، جريان السيرة عليه، لا أقلّ حين الاغتسال. طبعاً مع الأمن من النظر.

(2) ويقتضيه مضافاً إلى الأصل، والسيرة، عدّة من الروايات، مثل:

1 ـ صحيحة معاوية بن عمار قال: قال أبو عبدالله(ع): لا بأس بأن يغيّر المحرم ثيابه([816]).

2 ـ حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديثٍ ـ قال: ولا بأس أن يحوّل المحرم ثيابه([817]).

 

[ المبحث السابع ]

[ تــروك الإحــــرام ]

 

الفرع الرابع: تروك الإحرام

قلنا فيما سبق: إنَّ الإحرام لا ينعقد بدون التلبية أو ما بحكمها وإن حصلت نيّته، وإذا أحرم المكلّف حرمت عليه أمور، وهي كما يلي:

1ـ الصَّيد البرّي.

مسألة [199]: لا يجوز للمحرم استحلال شيء من صيد البرّ، سواء في ذلك اصطياده وقتله وجرحه وكسر عضو منه، بل ومطلق إيذائه على الأحوط، كما لا يجوز ذلك للمحلّ في الحرم أيضاً. والمراد بالصيد الحيوان الممتنع بالطبع وإن تأهّل لعارض على الأحوط، كما لا فرق فيه ـ بحسب الظاهر ـ بين أن يكون محلّل الأكل أو محرّمه(1).

...............................................................................................................................................................

(1) أصل تشريع حرمة الصيد على المحرم ممّا ورد في القرآن الكريم، قال تعالى:

1 ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}([818]).

2 ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ([819]).

3 ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ }([820]).

4 ـ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ([821]).

والآية الأخيرة صريحة في أنّ المحرّم إنّما هو صيد البرّ دون صيد البحر، لذا لم يكن هناك خلاف في ذلك.

وفي المسألة أمور:

الأمر الأوّل: إنّ هذه الآيات ـ ما عدا الآية الثانية ـ خاصّةٌ بالصيد بالنسبة إلى المحرم، نتيجة التقييد فيها بحال الإحرام، فلا تتكفّل ببيان حرمة الصيد في الحرم للمحلّ.

وأمّا الآية الثانية، فقد يُقال إنّها مطلقةٌ في هذا المجال، وإنّه يساعد على الإطلاق فيها سبب النزول المحكي في غير رواية، كما في حسنة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع)، قال: في قوله عزّ وجلّ: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} قال: حُشرت لرسول الله(ص) عمرة الحديبية الوحوشُ حتى نالتها أيديهم ورماحهم([822]). بتقريب أنّ المسلمين في تلك المنطقة كما عاشوا حالة الإحرام، كذلك عاشوا حالة الإحلال بعد أن صُدُّوا عن المسجد الحرام، فيكون الحكم شاملاً لهم في كلتا الحالتين.

ولكن قد يُقال في المقابل إنّه لا إطلاق في الآية؛ لاكتنافها بقرينة التقييد في الآية التالية لها، المتّصلة بها سياقاً، مع ظهورها في كونها تفصيلاً لها. وعلى هذا لا يكون هذا الحكم ممّا ورد في القرآن الكريم.

ولكنّه على كلّ حال ممّا صرّحت به الروايات؛ ففي صحيح الحلبي عن أبي عبدالله(ع) قال: لا تستحلنَّ شيئاً من الصيد وأنت حرام، ولا وأنت حلال في الحرم([823]).

الأمر الثاني: قد انصبّ الحكم في الآيات الشريفة على عنوان الصيد، الظاهر في بعض الآيات بالصيد بالمعنى المصدري، وفي بعضها الآخر بالمصيد نفسه؛ بقرينة التعبير بقتله وبنيله بالأيدي والرماح.

وعلى الأوّل تحرم كلّ الأفعال التي تقع في طريق تحقّق عنوان الصيد؛ فيحرم قتل الحيوان، وجرحه، وكسره، وإمساكه، بأيّ وسيلة حصل ذلك.

وأمّا إيذاؤه، فهو ممّا لا يصدق عليه عنوان الصيد، فلا يكون مشمولاً للآيات. ولكنّه ممّا يدلّ عليه بخصوصه كمحرّم من محرّمات الحرم جملةٌ من الروايات، منها حسنة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} ([824]) البيت عنى أم الحرم؟ فقال: من دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمن من سخط الله عزّ وجلّ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً أن يُهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم([825]).

وأمّا كترك من تروك الإحرام، فلم نجد ما يمكن أن يدلّ عليه إلا رواية ضعيفة سنداً، ولا يخلو متنها من غرابة([826])؛ فالحكم به مبنيٌ على الاحتياط.

وعلى الثاني ـ أي كون المراد به المصيد نفسه ـ تحرم الأمور التي تُطلب من الحيوان بهذا العنوان ويُفعل الصيد لأجلها؛ فيخرج مثل النظر إلى المصيد، ولمسه؛ إذ هي أمورٌ لا تُعدُّ نتيجةً للصيد.

الأمر الثالث: لا تختصّ حرمة الصيد هنا بالحيوان مأكول اللحم بل تشمل غيره أيضاً؛ لإطلاق الأدلّة بعد صدق الصيد عليه؛ وكذلك صدق الوحش عليه الوارد في حسنة معاوية بن عمّار السابقة وغيرها([827]) الحاكية لحشر الوحوش لرسول الله(ص) في عمرة الحديبية، خصوصاً أنّ الحيوان لا يُصاد للحمه فقط، بل لجلده أيضاً ووبره وغيرهما، مع قابلية غير نجس العين للتذكية بما يترتّب عليه طهارة الجلد.

مسألة [200]: يحرم على المحرم إعانة غيره ـ محـلاً كـان أو محرمـاً ـ على صيد الحيوان البرّي، حتى بمثل الإشارة إليه، بل الأحوط عدم إعانته في مطلق ما يحرم على المحرم استحلاله من الصيد(1).

...............................................................................................................................................................

الأمر الرابع: المراد بالصيد الحيوان غير الأهلي الممتنع بالطبع؛ لصدق عنوان الصيد عليه دون الحيوان الأهلي.

ولو تأهّل غير الأهلي لعارض، فقد يُقال إنّه يبقى مشمولاً للحكم، لأنّه لا يخرج بذلك عن مسمّاه الأصلي.

ولكن لا يبعد عدم صدق الصيد على التصدّي لقتله مع كونه غير ممتنع، بحيث يساوي الأهلي في ذلك.

(1) الإشارة إلى الصيد أو الدلالة عليه([828]) بقصد صيده، غير مشمولتين لعنوان الصيد، ولكنهما ممّا صرّحت الروايات بحرمتهما؛ مثل ما في تتمّة صحيحة الحلبي السابقة من قوله(ع): ولا تدلَّنَّ عليه محلاً ولا محرماً فيصطاده، ولا تشر إليه فيستحلّ من أجلك، فإنّ فيه فداءً لمن تعمّده([829]).

وما في حسنة منصور بن حازم من قول أبي عبدالله(ع): المحرم لا يدلّ على الصيد، فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء([830]).

ولا خصوصية في الإشارة إليه أو الدلالة عليه إلاّ من حيث كونهما من مظاهر الإعانة على الصيد، فيحرم كل ما يُعدُّ إعانةً على استحلال ما يحرم على المحرم استحلاله من الصيد. وهذا هو الظاهر أيضاً من التفريع في ذيل صحيحة الحلبي، بقوله: فيستحلّ من أجلك.

مسألة [201]: لا يجوز للمحرم ولا للمحلِّ إمساك الصيد البرّي والاحتفاظ به في الحرم، كما لا يجوز للمحرم إمساكه في الحلِّ مقدّمةً لقتله، والأحوط عدم إمساكه له مطلقاً، إذا كان هو الذي أمسكه أو أعان على إمساكه ـ ولو قبل إحرامه ـ، دون ما إذا كان دوره الاحتفاظ به فقط بعد صيد الغير له، ولم يؤدِّ ذلك إلى قتله(1).

...............................................................................................................................................................

(1) إمساك الحيوان عبارة عن حيازته والاحتفاظ به حيّاً، ولذلك صحّ من العلماء إيجاب إرساله، قال العلاّمة في (التحرير): «لا يجوز له إمساك الصيد وهو محرم، ويجب عليه إرساله»([831]).

ويدلّ عليه مفهوماً وحكماً ما في صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبدالله(ع) عن صيدٍ رُمي في الحلّ ثمّ أُدخل الحرم وهو حيّ، فقال: إذا أدخله الحرم وهو حيّ فقد حرم لحمه وإمساكه([832]).

والرواية خاصّة بما إذا أُدخل الصيد الحرم، فلا تدلّ على حرمة الإمساك خارج الحرم إن لم يكن مقدّمةً لقتل الصيد. وقد اعترف بذلك المحقّق السبزواري(ره)، حيث قال: «والأخبار تدلّ على تحريم إمساك الصيد بعد دخول الحرم، ولا يُستفاد منها زوال الملك ولا تحريم الإمساك بعد الإحرام»([833]).

ثمّ إنّ إمساك الحيوان في الحلّ قد يُتصوّر على أنحاء؛ فقد يباشره المحرم بنفسه ابتداءً، وقد يعين غيره عليه، كأن يركض وراءه بعد أن يرميه الغير فيمسكه ويأتي به. ولا شكّ في حرمتهما على المحرم إن كانا مقدّمةً لقتل الصيد بيده أو بيد الغير، دون ما إذا لم ينتهيا إلى ذلك.

كما أنّه في صورة ثالثة قد لا يتعدّى حدّ الاحتفاظ بالحيوان بعد أن يمسكه الغير ويسلّمه إيّاه؛ فهذا إن أدّى إلى القتل بيد الغير، فهو من الإعانة المحرّمة، وإلا فلا دليل على حرمته.

مسألة [202]: لا يجوز للمحرم أكل شيء من الصيد وإن كان قد اصطاده المُحلُّ في الحلِّ، وكذا يحرم على المحلِّ ما اصطاده أو ذبحه المحرم أو المُحلُّ في الحرم، والمشهور أنّه يحرم عليه أيضاً ما اصطاده المحرم في الحلِّ فقتله بالاصطياد أو ذبحه بعد اصطياده، ولكنّه مشكلٌ، والاحتياط فيه لا يُترك(1).

...............................................................................................................................................................

(1) من المعلوم أنّ الصيد حرامٌ على المحرم، سواء في الحلّ أو في الحرم، وكذا هو حرام على المحلّ في الحرم؛ والبحث هنا يقع في أنّ هذه الحرمة هل هي تكليفية فقط، أو أنّها وضعية أيضاً، بمعنى حرمة اللحم ولو على المحلّ؟

في المسألة صور:

الصورة الأولى: إنّ أكل المحرم شيئاً من الصيد حرامٌ عليه مطلقاً، حتّى لو اصطاده المحلُّ في الحلِّ؛ ويدلّ على ذلك عدّة من الروايات، منها صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: لا تأكل من الصيد وأنت حرامٌ وإن كان أصابه محلٌّ([834]).

الصورة الثانية: إنّ أكل صيد الحرم حرامٌ مطلقاً حتّى على المحلِّ. ويدلّ عليه صحيحة الحلبي السابقة عن أبي عبدالله(ع)، قال: لا تستحلنَّ شيئاً من الصيد وأنت حرامٌ، ولا وأنت حلالٌ في الحرم([835]). وتأتي في الصورة التالية بعض الروايات التي تدلّ على هذه الخصوصية للحرم أيضاً.

الصورة الثالثة: المشهور بينهم شهرةً عظيمةً، بل ادّعى غير واحد فيه الإجماع، أنّ صيد المحرم في الحلِّ كما يكون ميتةً حراماً على المحرم، كذلك هو على المحلِّ([836]).

ولكن خالف فيه جماعة؛ قال في (المستند): «خلافاً للمحكي عن المقنع،
 

والفقيه، والإسكافي، والمفيد، والسيد، والكليني، فقالوا بحليّة مذبوح المحرم في غير الحرم للمحلِّ»([837]).

وقد مال إليه في (المدارك) أيضاً([838]). وكذا في (دليل الناسك) لولا إعراض الأصحاب عن العمل بالروايات الدالّة عليه([839]).

والإجماع المدّعى في كلماتهم ـ مع الغضّ عن عدم حجيّة الإجماع من أصله ـ موهونٌ بخلاف من ذكر، مع كونه مدركياً حتماً.

وقد استُدلّ للمشهور بثلاث روايات، هي:

1 ـ مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبدالله(ع) قال: قلت له: المحرم يصيب الصيد فيفديه، أيطعمه أو يطرحه؟ قال: إذاً يكون عليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه([840]).

وقد أشكل السيد الأستاذ(قده) على سندها، بأنّ دعوى حجيّة مراسيل ابن أبي عمير مدفوعةٌ بأنّه لم يثبت عدم روايته إلاّ عن الثقة، للعثور على جملة من الموارد التي قد روى فيها عن الضعفاء.

كما وأشكل على متنها بأنّ الأمر بالدفن فيها لا يكشف عن حرمة الصيد مطلقاً، وعدم الاستفادة منه بشيء كالميتة؛ لأنّها واردةٌ في مقام وجوب الفداء الآخر على المحرم لو أطعمه للمحلّ، ولا تدلّ على الحرمة المطلقة، وأمّا أمره بالدفن فلأجل الفرار عن الفداء([841]).

وإشكاله المتني غريبٌ منه(قده)؛ لأنّ أساس مشكلة السائل ليست في وجوب الفداء الآخر عليه، حتى يجيبه الإمام(ع) بأنّ دفنه هو وسيلة الفرار من هذا الفداء، بل مشكلته هي أنّه بعدما ارتكب الصيد المحرّم عليه، فهل هذه الحرمة تقف عند حدّ الإثم، أو أنّ لها جانباً وضعياً أيضاً يتمثّل بحرمة الأكل منه، وقد

افترض أنّ سبيل التخلّص هو بطرحه؟ فأجابه الإمام(ع) بأنّ الحرمة الوضعية مسلّمة في المسألة، لذا يكون عليه حينئذٍ فداء آخر، ما يعني أنّ اقتراحه بطرحه لا يجدي في دفع غائلة الحرمة الوضعية عنه. لذا أعاد السؤال عن سبيل التخلّص من هذه المشكلة، فأمره(ع) حينئذٍ بدفنه، فلا يأكله هو، ولا يكون قد سبّب للآخرين أكله، وإذا لم يوجد من يأكله يكون بدفنه قد حافظ على البيئة كما نقول في أيّامنا.

فالرواية ـ لو تمّت سنداً ـ قد تصلح دليلاً على مذهب المشهور، خصوصاً مع ظهورها في أنّ السائل كان في مقام استيضاح تمام الموقف، ومع ذلك لم يجبه(ع) بأنّ له أن يتصدّق به على مُحلٍّ مثلاً، ما يدلّ على معاملة الصيد هنا معاملة الميتة.

ولكن ها هنا احتمالٌ تخرج به الرواية عن الدلالة على مذهب المشهور رأساً، وهو أنّ ترتّب الفداء على طرحه لا يلازم بالضرورة حرمة الأكل على المحلِّ، وإنّما يعني حرمة التسبيب للأكل كحرمة تكليفية على المحرم فقط.

2 ـ رواية وهب، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام)، قال: إذا ذبح المحرم الصيد، لم يأكله الحلال والحرام، وهو كالميتة، وإذا ذُبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلالٌ ذَبَحَه أو حرامٌ([842]).

وقد اعتبر السيد الأستاذ(قده) أنّ دلالتها على الحرمة المطلقة واضحة. ولكن المشكلة هي في سندها، فإنّه ضعيفٌ جدّاً، لأنّ وهب بن وهب غير موثّق، وقيل في حقّه إنّه من أكذب البريّة([843]).

ولكنَّنا نلاحظ أنّ هذه الرواية موافقة في مضمونها للرواية المعتبرة الآتية، الأمر الذي يقتضي الحكم بتوثيقها.

3 ـ معتبرة إسحاق بن عمّار، عن جعفر(ع)، أنّ عليّاً(ع) كان يقول: إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم، فهو ميتة لا يأكله مُحلٌّ ولا مُحرم، وإذا ذبح المُحلّ الصيد في جوف الحرم، فهو ميتة لا يأكله مُحلٌّ ولا مُحرم([844]).

ودلالتها على مذهب المشهور تامّة. ولكنّ صاحب (المدارك) اعتبر أنّ فيها قصوراً من حيث السند؛ فإنّ من جملة رجالها الحسن بن موسى الخشّاب، وهو غير موثّق، بل ولا ممدوح مدحاً يعتدّ به، وإسحاق بن عمار، وهو فطحيٌّ([845]).

ولكنّ الحسن بن موسى الخشّاب من وجوه أصحابنا، مشهورٌ كثير العلم والحديث، كما ترجمه النجاشي([846]). وهذا الوصف ـ خصوصاً كونه من وجوه أصحابنا ـ يكفي للوثوق برواياته.

وأمّا إسحاق بن عمّار، فهو وإن كان فطحياً، إلاّ أنّه قد صرّح النجاشي والشيخ بوثاقتـه، وبأنّه شيخٌ من أصحابنـا، وبأنّ أصلـه معتمـد عليـه([847]). ونحن ـ خلافاً لسيد (المدارك) ـ لا نحتاج إلى أكثر من الوثوق بالرواية نوعاً، فكيف مع التصريح بوثاقة الراوي! فالرواية معتبرة عندنا. وحينئذٍ فلا حاجة إلى مبنى جبر الرواية الضعيفة بعمل المشهور.

وها هنا ملاحظة نؤكّدها، وهي أنَّ إسناد الأئمة(ع) مضمون الرواية إلى علي(ع) أو إلى رسول الله(ص) يزيدها وثوقاً؛ على أساس إفادة ذلك أنّ الحكم الذي تتضمنه هو من الأحكام المؤصّلة التي كان يحكم بها علي(ع)، أو رسول الله(ص). وإن كان قولهم(ع) في حقيقة الأمر هو قول علي(ع) نفسه، وقول رسول الله(ص)، كما أكّد ذلك الإمام الصادق(ع) بقوله: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله(ص) قول الله عزّ وجلّ([848]).

هذا هو حال سند هذه الرواية في نفسها، بغضّ النظر عن كونها معارضةً بروايات أخرى؛ وإلاّ فالمعارضة من العوامل التي قد تؤثِّر سلباً على حصول الوثوق، فلننتظر.

وفي مقابل هذه الروايات، هناك روايات أخرى استدلّ بها على جواز أكل المحلّ ممّا يصطاده المحرم، منها:

1 ـ صحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبدالله(ع): رجل أصاب من صيد أصابه محرمٌ وهو حلال، قال: فليأكل منه الحلال، وليس عليه شيء، إنّما الفداء على المحرم([849]).

2 ـ حسنة معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبدالله(ع): إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرمٌ، فإنّه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد، وإذا أصابه في الحلّ، فإنّ الحلال يأكله وعليه هو الفداء([850]). أي والفداء على المحرم لمكان الصيد.

وهي ظاهرة في أنّ الوجه في حرمة الأكل على المحلّ، هو أنّ الصيد قد حصل في الحرم، ولذلك جاز له الأكل منه لو كان قد حصل في الحلّ.

3 ـ صحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبدالله(ع): رجلٌ أصاب صيداً وهو محرمٌ، آكل منه وأنا حلال؟ قال: أنا كنت فاعلاً، قلت له: فرجلٌ أصاب مالاً حراماً؟ فقال: ليس هذا مثل هذا ـ يرحمك الله ـ إنّ ذلك عليه([851]).

وفيها دلالة أيضاً حتى على عدم كراهة أكل المحلّ ممّا يصيده المحرم؛ لأنّ الإمام(ع) لا يفعل المكروه.

4 ـ صحيحة حريز قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن محرمٍ أصاب صيداً، أيأكل منه المحلّ؟ فقال: ليس على المحلّ شيء، إنّما الفداء على المحرم([852]).

5 ـ صحيحة معاوية بن عمَّار قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل أصاب صيداً وهو محرمٌ أيأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس، إنّما الفداء على المحرم([853]).

6 ـ صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن محرم أصاب صيداً وأهدى إليَّ منه؟ قال: لا، إنّه صيد في الحرم([854]).

وهي بمقتضى التعليل فيها مفسّرة ـ كالرواية الثانية ـ لوجه حرمة الأكل، وأنّه الصيد في الحرم؛ فالخصوصية إنّما هي للحرم، لا للإحرام.

7 ـ صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبدالله(ع) عن صيدٍ رُمي في الحلّ ثمّ أُدخل الحرم وهو حيّ، فقال: إذا أدخله الحرم وهو حيّ فقد حرم لحمه وإمساكه، وقال: لا تشتره في الحرم إلا مذبوحاً قد ذُبح في الحلّ ثم أُدخل الحرم فلا بأس به([855]).

وهي مثل الرواية السابقة في الدلالة على خصوصية الحرم.

8 ـ صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبدالله(ع) في حمام ذُبح في الحلّ، قال: لا يأكله محرمٌ، وإذا أُدخل مكّة، أكله المحلّ بمكّة، وإذا أُدخل الحرم حيّاً ثم ذُبح في الحرم فلا يأكله؛ لأنّه ذُبح بعدما دخل مأمنه([856]).

وهذه آكد من سابقاتها في الدلالة على خصوصية الحرم.

9 ـ محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، قال: المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه، ويتصدّق بالصيد على مسكين([857]).

فلو كان الصيد ميتةً، فكيف يأمره الإمام(ع) بالتصدّق به على المسكين، الذي سوف يأكله حتماً؟!

وقد وقع البحث في هذه الرواية تارةً من حيث السند، وأخرى من حيث المضمون. أمّا من حيث السند، فقالوا إنّها فتوىً للحلبي، حيث لم يسندها إلى الإمام(ع)!

وفيه: إنّ هذه الرواية مرويّة بطريق آخر صحيح في (الاستبصار)([858])
 

و(التهذيب)([859]) عن الحلبي عن أبي عبدالله(ع)، وكذلك هي مروية في (تفسير العياشي)([860]) عنه(ع).

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الرواية غير موجودة في (الكافي) المطبوع الآن، مع تأكيد الشيخ في كتابيه([861])، وكذلك صاحب (الوسائل)([862])، كون هذه الرواية مرويّة أيضاً بطريق الكليني(ره). ولذلك احتمل بعضهم حصول نقص في (الكافي) المطبوع.

وأمّا من حيث المضمـون، فقد ناقش فيه بعضهم بأنّ الباء في "يتصدّق بالصيد" هي للسببيّة، والمعنى حينئذٍ أنّه يجب عليه أن يتصدّق على مسكين بسبب فعله للصيد المحرّم عليه؛ فلا تصلح دليلاً على عدم صيرورة الصيد ميتة بصيد المحرم له.

ولكنه احتمال خلاف الظاهر جداً من الرواية.

فالرواية إذاً تامّة سنداً ودلالةً.

علاج التعارض بين الروايات:

والبحث المهمّ هو في أنّه هل يمكن التوفيق بين هذه الروايات بجمع يتقبّله العرف، فيكون التعارض بينها بدويّاً؛ أو لا وجه كذلك، فيكون التعارض مستقرّاً. وحينئذٍ إمّا أن تسقط كلّ الروايات عن الحجيّة، ويُرجع إلى مقتضى أدلّة أخرى كالإطلاقات أو العمومات؛ وإمّا أن يُرجّح بعضها على بعضٍ بوجه من وجوه الترجيح؟ ففي المسألة وجوه:

الوجه الأوّل: ما اختاره السيد الأستاذ(قده)([863])، وجماعة، وأساسه ممّا احتمله الشيخ في كتابَي الأخبار([864])، وهو الجمع بين الروايات بالإطلاق والتقييد؛ فالروايات المحلِّلة لأكل المحلِّ من صيد المحرم مطلقةٌ من ناحية سبب موت الصيد، وحصوله برمي المحرم، أو ذبحه له، أو بذبح المحلّ بعد صيد المحرم له؛ بينما معتبرة إسحاق المحرِّمة لأكل المحلِّ من صيد المحرم خاصّة بصورة ذبح المحرم له، فتكون مقيّدةً لجميع المطلقات السابقة.

والنتيجة أنّ الصيد إذا ذبحه المحرم كان ميتةً حراماً على المحلِّ والمحرم، وأمّا إذا كان موته مستنداً إلى غير ذبح المحرم، بل إلى رميه له، أو إلى ذبح غيره، فلا يحرم على المحلِّ، وإنّما يحرم على المحرم خاصّةً.

وبهذا يقع الصلح بين المحلِّلين والمحرِّمين؛ فالمحلِّلون يتحدّثون عمّا إذا مات الحيوان بالصيد نفسه بيد المحرم، أو بذبح المحلِّ بعد صيد المحرم له، والمحرِّمون يتحدّثون عمّا إذا ذبحه المحرم.

ولنا على ما أفاده(قده) ملاحظتان:

الأولى: إنّ العنوان القرآني ـ الذي هو الأساس في المسألة ـ هو عنوان الصيد فقط، ولا يظهر من الروايات كونها في مقام إضافة عنوان آخر. والذبح لا خصوصية له من حيث ذاته عرفاً، وإنّما هو أحد طرق قتل الصيد. ولذلك لا نجد في أيٍّ من الروايات على كثرتها، أنَّ الإمام(ع) قد استفصل عن سبب موت الصيد، وأنّه الذبح أو الرمي من المحرم، أو ذبح المحلِّ، بل على العكس، نجده(ع) في بعض الروايات، كصحيحة منصور بن حازم، صريحاً في الإطلاق، حيث أجاب من سأله عن الأكل من صيد رجلٍ أصابه وهو محرمٌ هل يأكل منه وهو حلال، بأنّه هو كان فاعلاً([865]).

الثانية: إنّ الالتزام بالتقييد هنا غير عرفي؛ لأنّ الأساس في حمل المطلق على المقيّد هو من جهة كون المقيّد قرينةً عرفاً على ما يُراد من المطلق؛ وقرينيته في المقام غير واضحة، لأنّها تواجه إشكال تأخير البيان عن وقت الحاجة لكلّ من أجابهم الإمام(ع) بالمطلق ـ وما أكثرهم ـ، في مقابل صدور المقيّد لإسحاق بن عمّار وحده، وإسحاق لم يكن عنده الوسيلة التي يستطيع بها إبلاغ المقيّد لكل من وصلهم المطلق([866]).

وإشكالنا هذا الذي نؤكّده دائماً في بحث المطلق والمقيّد، لا ينبغي أن يُفهم منه إنكارنا لأصل إمكانية التقييد بين الروايات؛ لأنّ إشكالنا ليس على أصل مبدأ التقييد، بل على عموم العمل به وتطبيقه في كلّ موردٍ، مع عدم ملاحظة مدى توفّر القرينية العرفية فيه، التي هي الشرط في حجيّة التقييد. ولذلك فغاية ما ندعو إليه إنّما هو الدقّة في عالم التطبيق.

الوجه الثاني: إنّ الروايات متكافئة سنداً عند من يقول باعتبار رواية إسحاق ابن عمّار، ولا وجه عرفي للجمع بينها، فتسقط عن الحجيّة، لسراية التعارض إلى دليل حجيّتها، فيُرجع حينئذٍ إلى عمومات الحلّ؛ فيكون التحريم مختصّاً بالمحرم، ويجوز الأكل للمحلّ.

ويُؤيَّدُ ذلك بعدم ذكرهم في كتاب الصيد والذباحة، كون الذابح محلاً ضمن شروط تذكية الحيوانات، سواء الأهلية أو غير الأهلية، وإلاّ لكان ينبغي عليهم أنّ يعدّوه شرطاً ضمنها.

الوجه الثالث: ما ذهب إليه المحقّق العراقي(قده) من لزوم ترجيح نصوص التحريم بموافقتها للإطلاق، ولو من جهة الكتاب الدالّ على حرمة الصيد بمعنى المصيد بجميع جهاته([867]).

ولكن إذا كان الترجيح من جهة الكتاب، فإنّ الكتاب يرجّح الروايات المحلِّلة؛ لما سبقت الإشارة إليه في أوّل بحث الصيد، من أنّ الآيات الشريفة مشتملة على التقييد بحال الإحرام، فسواء كان المتعلّق فيها هو الصيد بمعنى المصيد، أو الصيد بمعناه المصدري، فإنّه يكون مقيّداً بهذا القيد، ما يعني أنّ الحرمة في الكتاب مختصّة بالمحرم ولا تشمل المحلّ.

مسألة [203]: يثبت لفرخ الصيد البرّي حكم الصيد نفسه، وأمّا بيضه فلا يبعد حرمة أخذه وكسره وأكله على المحـرم(1)، والظاهر عدم

...............................................................................................................................................................

الوجه الرابع: أن تُحمل الروايات المحلِّلة على ما لو قتل المحرم الصيد أو ذبحه خارج الحرم، وتُحمل الروايات المحرِّمة على ما لو قتله أو ذبحه في الحرم؛ بشهادة حسنة معاوية بن عمّار المفصِّلة هذا التفصيل([868])، وصحيحة الحلبي بما فيها من تعليل([869]). ويشهد لخصوصية الحرم أيضاً صحيحة الحلبي الأخرى([870])، وصحيحة منصور بن حازم([871])، وغيرهما.

ولا ينافي ذلك إلا التصريح في روايتي وهب وإسحاق بحرمة صيد المحرم ولو في غير الحرم، ما يُبقي المعارضة على حالها.

ولكن لا يبعد تقديم الروايات المحلِّلة على هاتين الروايتين؛ لأمور:

1 ـ لموافقتها ظاهر الكتاب، التي بيّناها في مناقشتنا للمحقّق العراقي.

2 ـ للتعليل بخصوصية الحرم في بعضها؛ فإنّ التعليل يجعلها أظهر وأقوى دلالةً عند العرف، والعرف هو المرجع في فهم الخطابات.

3 ـ لنقاء أسانيدها، فإنّها أصحّ سنداً، بخلاف الروايات المحرِّمة، حيث لا تخلو أسانيدها من كلام، من ناحية إسحاق ووهب.

4 ـ لكون اثنين من رواتها، هما معاوية بن عمّار، ومنصور بن حازم، من المختصّين بباب الحجّ، الذين صنّفوا فيه([872])، فيُطمأن إلى دقّتهم أكثر.

(1) قال في (المستند): «كما يحرم الصيد يحرم فرخه، وبيضه، بلا خلاف يُعلم، كما في الذخيرة، بل عن التذكرة، وفي شرح المفاتيح الإجماع عليه»([873]).

جواز إعانة الغير على ذلك أيضاً(1).

...............................................................................................................................................................

والسبب في التعرّض إلى هذه الجهة، أنّ متعلّق النهي هو عنوان الصيد، وهو لا ينطبق على أخذ البيض، وكذلك على الإمساك بالفرخ؛ لعدم قدرة الفرخ على الامتناع والفرار، بما يُشكُّ معه في انطباق مفهوم الصيد على أخذه. لذا انفتح البحث في وجه القول بالحرمة فيهما.

وقد ذهب السيد الكلبايكاني(قده) إلى أنّه لا يعتبر في مفهوم الصيد الامتناع بالفعل، بل يكفي القدرة على الفرار والامتناع بالذات، كما لو كُسرت رجل صيد، أو مرض بحيث لم يتمكّن من الفرار، فإنّه لا يخرج بذلك عن كونه صيداً([874]).

ولكن هذا إنّما يحلّ المشكلة في الفرخ، ولا يحلّها في البيض.

لذا، فالوجه هو ما أشار إليه الجميع، وهو الروايات الكثيرة المتضمّنة لإثبات الكفَّارة في الفرخ والبيض([875])؛ بتقريب أنّ ثبوت الكفَّارة في مورد يكشف عن الحرمة فيه، إذ لا يبعد كون المفهوم عرفاً من ثبوت الكفَّارة في الفرخ والبيض هو حرمة الذبح والأكل والكسر، ما قد يوحي بأنّ هذين من توابع محرّمات الحرم أو الإحرام، ولولا الحرمة لما كان هناك وجه لدفع الجزاء فيهما، وأحياناً بما يتجاوز ثمنهما بحسب بعض الأحاديث.

(1) لما في صحيحة أبي عبيدة، عن أبي جعفر(ع) قال: سألته عن رجلٍ محلّ اشترى لرجلٍ مُحرمٍ بيض نعامٍ، فأكله المُحرم، قال: على الذي اشتراه للمُحرم فداءٌ، وعلى المُحرم فداءٌ، قلت: ومَا عليهما؟ قال: على المحلِّ جزاءُ قيمة البيض لكلِّ بيضةٍ درهمٌ، وعلى المُحرم الجزاءُ لكلِّ بيضةٍ شاةٌ([876]).

فإنّ شراء المحلّ البيض وإعطاءه للمحرم إعانة له على فعل الحرام، وترتّب الجزاء على ذلك يدلّ على حرمة الإعانة عليه.

مسألة [204]: الأحكام المتقدمة ـ كما ذكرنا ـ إنّما تختصّ بصيد البرّ، ومنه الجـراد(1)، وأمّا صيد البحـر فلا بـأس بـه(2). والمراد بصيد

...............................................................................................................................................................

(1) تخصيص الجراد بالذكر سببه ـ كما في الروايات ـ شبهة كونه من صيد البحر، فيكون حلالاً؛ ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال: مرّ عليّ(ع) على قوم يأكلون جراداً، فقال: سبحان الله وأنتم محرمون؟ فقالوا: إنّما هو من صيد البحر، فقال لهم: ارمسوه في الماء إذاً!([877]).

والمعنى هو أنّ الجراد لو كان حيواناً بحرياً لعاش في الماء عند رمسه فيه، وإذا لم يعش في الماء، فهذا ممّا يدلّ على عدم كونه حيواناً بحرياً، وإن كان يمكن أن يكون أصله من البحر كما قيل.

ويدلّ على حرمته أيضاً صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: ليس للمحرم أن يأكل جراداً ولا يقتله([878]).

والحرام هو تعمّد قتله، ففي حسنة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: المحرم يتنكّب الجراد إذا كان على الطريق، فإن لم يجد بدّاً فقتل فلا شيء عليه([879]).

(2) وحليّته للمحرم من الأمور المتسالم عليها، والأساس فيها قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ([880])، مضافاً إلى الكثير من الروايات، وبألسنة مختلفة، منها صحيحة محمد بن مسلم السابقة، حيث لم يستنكر أمير المؤمنين(ع) عليهم الكبرى، وهي حليّة صيد البحر، وإنّما استنكر عليهم كون الجراد من صغرياتها.

ومنهـا أيضـاً الـروايــات المتضمنــة للآيـة الشريفـة، تفسيـراً أو استشهـاداً؛ والمفصِّلـة فـي الطيـر الـذي يكـون في الآجـام بيـن مـا يبيـض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيـد البرّ، وما يكـون فـي البحـر ويفـرخ فـي البحـر فهـو مـن

البحر ما يعيش في الماء فقط كالسمك، وأمّا ما يعيش في الماء وخارجه فملحق بالبرّي(1)، ولا بأس بصيد ما يشكّ في كونه بريّاً على الأظهر(2).

...............................................................................................................................................................

صيد البحر([881])؛ فإنّه لو كان حكم صيد البرّ وصيد البحر واحداً لم يكن هناك معنى لهذا التفصيل.

(1) كما هو مفاد صحيحة معاوية بن عمّار، قال: قال أبو عبدالله(ع): الجراد من البحر، وقال: كلّ شيء أصله في البحر ويكون في البرّ والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله فعليه الجزاء، كما قال الله عزّ وجلّ([882]).

(2) لأنّ الشبهة فيه موضوعية، والمرجع فيها البراءة عن الحرمة، فيكون الصيد المشكوك حلالاً.

لكن قيل فيه بالحرمة؛ لوجهين:

الوجه الأوّل: ما أشار إليه في (الجواهر) من التمسّك في الصيد المشكوك بالإطلاق، بتقريب دلالة بعض الروايات على حرمة مطلق الصيد، خرج منه خصوص البحري، فيبقى ما عداه مشمولاً للإطلاق([883]).

وجوابه ـ كما عن السيد الأستـاذ (قده) ـ أوّلاً: أنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص، الممنوع منه بمقتضى التحقيق.

وثانياً: منع وجود هكذا إطلاق في الصيد، بل إنّ الحرمة من الأوّل منصبّة على خصوص البرّي، كما هو الظاهر من الآيات الشريفة المؤسِّسة لهذا الحكم؛ فهناك حكمان من الأوّل، حكم بحرمة صيد البرّ، وحكمٌ بحليّة صيد البحر، فلا إطلاق في البين أصلاً.

وحينئذٍ حتى الروايات التي قد توحي بالإطلاق ـ كما في قول الصادق(ع) في صحيحة الحلبي: لا تستحلنَّ شيئاً من الصيد وأنت حرام([884]) ـ لا تكون مطلقةً في الواقع؛ لأنّه إنّما ينبغي أن تُفهم تحت مظلّة القرآن، وقد تبيّن لك عدم الإطلاق فيه، خصوصاً مع ظهور كون الألف واللام في قوله: "من الصيد" للعهد إلى صيد البرّ المعلوم حرمته بالخصوص دون صيد البحر.

هذا، ولكنّ السيد الأستاذ(قده) عاد وذكر أنّه على فرض وجود إطلاق في البين، فلا بدّ حينئذٍ من الحكم بحرمة الصيد المشكوك لا جوازه، اعتماداً على أصلٍ موضوعي نقّحه وآخرين في المسألة هو أصالة العدم الأزلي؛ فذكر أنّه مع القول بالإطلاق في المسألة، فإنّ موضوع الحكم في المقيّد معنون بعنوان وجودي هو "صيد البحر"، بينما موضوع الحكم في المطلق معنون بعنوان عدمي هو "غير صيد البحر"، أي عدم سلبي، بمعنى كلّ ما ليس بصيد البحر، وهذا يجري فيه استصحاب العدم الأزلي، فهذا الحيوان قبل وجوده لم يكن من حيوان البحر، والآن بعد وجوده نشك أنّه من حيوان البحر أو من غيره، فنستصحب عدم كونه منه، فيثبت أنّ هذا ليس بصيد البحر، فلا يكون مشمولاً للمقيّد، بل للمطلق المحرّم، فيكون حراماً([885]).

ومسألة استصحاب العدم الأزلي خلافية بين الأعلام، ونحن بغضّ النظر عمّا مارسوه في المسألة من نقضٍ وإبرام، والذي يُطلب تفصيله في كتب الأصول المبسوطة، نرى أنّ أصل تناولهم للمسألة على أساس بعض النكات الفلسفية في غير محلّه، بل لا بدّ من أن نلاحظها على أساس ما هو متداول لدى العقلاء وأهل العرف؛ فنقول:

إنّ الاستصحاب في حقيقته يرتكز على عدم نقض اليقين بالشك، ونحن نرى أنّ السالبة بانتفاء الموضوع لا تحقّق لنا هذا اليقين، فهي أمرٌ غير عقلائي، فلو قال أحدٌ: أنا لم أُدخل ولدي المدرسة، ولم يكن عنده ولد، فإنّ العقلاء يعتبرون كلامـه لغـواً. نعم، السالبة بانتفاء الموضوع تعطينا يقيناً متكلّفاً، وبـالدقة العقليـة،

لا يقيناً وجدانياً حقيقيّاً، ونحن نرى ـ تبعاً للعرف والعقلاء ـ أنّ اليقين المأخوذ ركناً في الاستصحاب، إنّما هو اليقين الوجداني.

كما أنّ العدم الأزلي بالنسبة إلى الصفات يراه العرف والعقلاء غلطاً من أساسه في الاستعمالات اللفظية، بل حتى في التصورات الذهنية؛ بأن يتصور الإنسان أنّ هذا الحيوان قبل وجوده في عالم الأزل لم يكن بحريّاً، بل يقولون له: أثبت العرش أوّلاً ثم انقش؛ لأنّ الصفة لا بدّ لها من موضوع، ولا محلّ لها من دون موضوع.

وعلى هذا، إذا دار أمر الحيوان بين أن يكون برّياً أو بحريّاً، فلا مجال للأصل الموضوعي فيه، بل تجري فيه أصالة البراءة، فيكون صيده حلالاً للمحرم.

الوجه الثاني: ما عن الشيخ النائيني(قده) من الاحتياط في المسألة([886]) مراعاةً لقاعدة أسسها في الأصول واستفاد منها في عدّة موارد في الفقه، مفادها أنّ الحكم الإلزامي لو خرج منه حكم ترخيصي معلّق على أمر وجودي، فإنّ العرف يرى أنّه لا بدّ للأخذ بالحكم الترخيصي من إحراز هذا الأمر الوجودي، فما لم يُحرز الموضوع لا يترتّب الحكم بالجواز. وقد تخلّص(قده) بهذه القاعدة من مسألة التمسّك بأصالة العدم الأزلي، وكذلك من مسألة التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.

والحكم الإلزامي في المقام هو حرمة الصيد، خرج منه الحكم الترخيصي بحليّة صيد البحر؛ ما يعني ـ على مبنى النائيني(قده) ـ أنّ الحليّة متعلّقة بما يحرز كونه من صيد البحر، ولا إحراز مع الشك، فلا يمكن التمسّك بالدليل المرخِّص.

وكان ينبغي به(قده) بناءً على هذه القاعدة الإفتاء بالحرمة في المسألة لا الاحتياط. ولعلّه قد احتاط لأجل عدم وضوح كون المسألة من باب الإطلاق والتقييد، وكون الحكم بالحرمة منصبّاً من الأساس على صيد البرّ فقط، كما سبقت الإشارة إليه.

مسألة [205]: كما يحرم على المحرم صيد البرّ كذلك يحرم عليه قتل شيء من الدوابّ وإن لم يكن من الصيد(1)، ويستثنى من ذلك موارد:

1 ـ الحيوانات الأهلية ـ وإن توحّشت ـ كالغنم والبقر والإبل(2)، وما لا يستقلّ بالطيران من الطيور كالدجاج، حتى الدجاج الحبشي (الغرغر)، فإنّه يجوز له ذبحها(3)، كما لا بأس بذبح ما يشك في كونه أهليّاً(4).

...............................................................................................................................................................

والكلام هو في أصل ثبوت هذه القاعدة؛ فظاهر الدليل أنّ الحكم معلّق على الواقع، فأخذ الإحراز قيداً في موضوع الحكم هو على خلاف الظاهر من الدليل عرفاً. نعم، العرف لا يرتّبون الأثر إلاّ مع الإحراز، ولكن لا من جهة كون الإحراز قيداً، بل من جهة كونه حجّةً على تحقّق موضوع الحكم، ففرقٌ بين الأمرين.

(1) كما هو مفاد صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديث ـ قال: ثمّ اتّق قتل الدوابّ كلّها إلا الأفعى والعقرب والفأرة([887]).

(2) فإنّ هذه الحيوانات مضافاً إلى خروجها موضوعاً عن الدليل المحرّم، لتعلّقه بعنوان الصيد، قد وردت في جواز ذبحها جملة من الروايات المعتبرة، مثل ما في حسنة حريز عن أبي عبدالله(ع)، قال: المحرم يذبح الإبل والبقر والغنم، وكلّ ما لم يصفّ من الطير وما أُحلّ للحلال أن يذبحه في الحرم وهو محرمٌ في الحلّ والحرم([888]).

(3) قد ورد فيه النصّ بخصوصه، ففي الصحيح عن معاوية بن عمّار أنّه سأل أبا عبد الله(ع) عن الدجاج الحبشي؟ فقال: ليس من الصيد، إنّما الطير ما طار بين السماء والأرض وصفّ([889]).

(4) لأصالة البراءة.

2 ـ ما خشيه المحرم على نفسه أو أراده من السباع والحيّات وغيرهما، فإنّه يجوز له قتله(1).

3 ـ سباع الطيور إذا آذت حمام الحرم، فيجوز قتلها أيضاً(2).

4 ـ الأفعى والأسود الغدر وكلّ حيّة سوء والعقرب والفأرة، فإنّه يجوز قتلها مطلقاً(3).

ولا كفَّـارة فـي قتـل شـيء ممّـا ذكـر(4)، كمـا لا كفَّـارة فـي قـتـل

...............................................................................................................................................................

(1) يدلّ على ذلك جملة من الروايات، مثل: مرسلة حريز عن أبي عبدالله(ع)، قال: كلّ ما خاف المحرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله، فإن لم يردك فلا ترده([890]).

وصحيحة العزرمي عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن علي(عليهم السلام)، قال: يقتل المحرم كل ما خشيه على نفسه([891]).

(2) للصحيح عن معاوية بن عمّار أنّه أُتي أبو عبدالله(ع) فقيل له: إنّ سبعاً من سباع الطير على الكعبة ليس يمرّ به شيء من حمام الحرم إلاّ ضربه، فقال: فانصبوا له واقتلوه فإنّه قد ألحد([892]).

(3) يدلّ على ذلك جملة من الروايات، منها:

1 ـ صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع)، قال: ثمّ اتّق قتل الدواب كلّها إلا الأفعى والعقرب والفأرة ... والأسود الغدر فاقتله على كلّ حال([893]).

2 ـ معتبرة الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبدالله(ع) قال: قال لي: يقتل المحرم الأسود الغدر والأفعى والعقرب والفأرة([894]).

(4) للأصل بعد عدم الدليل على ثبوتها فيها.

السباع حتّى الأسد(1).

مسألة [206]: لا بأس للمحرم بأن يرمي الغراب والحدأة، ولا كفَّارة لو أصابهما الرمي وقتلهما(2).

...............................................................................................................................................................

(1) قال في (الحدائق): «قد صرّح غير واحد من أصحابنا بأنّه لا كفَّارة في قتل السباع، ماشيةً كانت أو طائرةً، إلاّ الأسد، والظاهر أنّه لا خلاف في ما عدا الأسد»([895]).

وأمّا الأسد، فقد ذهب إلى ثبوت الكفَّارة فيه ابنا بابويه وحمزة([896])؛ لخبر أبي سعيد المكاري، قال: قلت لأبي عبدالله(ع): رجلٌ قتل أسداً في الحرم، قال: عليه كبشٌ يذبحه([897]).

وهو مضافاً إلى ضعف سنده، خاصٌ بصيد الحرم، فلا تثبت به الكفَّارة على المحرم خارج الحرم.

(2) لما في صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديثٍ ـ: وارم الغراب والحدأة([898]) رمياً على ظهر بعيرك([899]).

وحسنة الحلبي عنه(ع) ـ في حديث ـ: ويرجم الغراب والحدأة رجماً([900]).

 

2- مجامعة النساء:

مسألة [207]: يحرم على المُحرم الجماع أثناء عمرة التمتّع، وكذا أثناء العمرة المفردة، وأثناء الحجّ قبل الإتيان بصلاة طواف النساء(1).

...............................................................................................................................................................

(1) يقع البحث في هذه المسألة في نقطتين:

الأولى: في إثبات هذه الحرمة أثناء هذه الأعمال، أي أثناء العمرة المفردة، وأثناء عمرة التمتّع، وأثناء الحجّ.

الثانية: إثباتها لما بعد الفراغ من أعمال العمرة المفردة وأعمال الحجّ وقبل الإتيان بطواف النساء.

أمّا النقطة الأولى فيدلّ على الحكم فيها أمور:

الأول: الإجماع، حيث إنّ الحرمة هنا من الأحكام المتسالم عليها عند جميع المسلمين.

الثاني: قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}  ([901])، وقد فُسِّر الرفث في أكثر من رواية بالجماع([902]).

والآية نصٌ في الحجّ، وتشمل عمرة التمتّع باعتبار مقدّميتها لحجّ التمتّع، أو باعتبار جزئيتها له. وأمّا العمرة المفردة، فهي خارجة موضوعاً عن الآية من ناحيتين؛ من ناحية كونها قسماً في مقابل الحجّ فلا تكون مشمولةً للأدلة الذاكرة له، ومن ناحية عدم تحديدها بحدٍ معيّن من حيث الزمان، والآية صريحة في التحديد بلحاظه.

ويمكن أن تناقش دعوى الاختصاص في الآية، بأنّ حرمة الجماع ليست من شؤون الحجّ بعنوانه أو عمرة التمتّع بعنوانها، وإنّما هي من شؤون الإحرام وأحكامه كما تدلّ عليه جملة من النصوص([903]). وعليه، فكل من يتلبّس بالإحرام يحرم عليه الجماع، والإحرام موجود في العمرة المفردة فيكون الجماع محرّماً فيها أيضاً.

الثالث: الاستدلال بالروايات الدالة على وجوب الكفّارة على المحرم عند الجماع([904])؛ بتقريب أنَّ الكفّارة تعتبر تكفيراً عن ذنب، ولا ذنب إلا عند ارتكاب شيء محرّم، وهو المطلوب. وهذا الدليل عامٌ يشمل العمرة المفردة أيضاً.

الرابع: التمسّك بما دلّ على وجوب طواف النساء في العمرة المفردة وحجّ التمتّع([905])؛ باعتبار أنّ فائدة طواف النساء إنّما هي تحليل النساء لمن يأتي به، وهذا يدل بوضوح على حرمتهنّ عليه قبله.

وأمّا النقطة الثانية، وأنّ الجماع يبقى محرّماً حتى بعد الانتهاء من أعمال العمرة المفردة والحجّ إلى أن يأتي بطواف النساء، فيدل على الحرمة فيها الدليلان الثالث والرابع السابقان، وبالتقريب نفسه فيهما، مضافاً إلى جملة من الروايات الأخرى التي تبيّن وجوب طواف النساء وفائدته، وأنّه لولاه لحرم أهل الرجل عليه، منها:

1 ـ صحيحة الحسين بن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(ع) عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال: نعم، عليهم الطواف كلّهم([906]).

2 ـ موثّقة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله(ع) قال: لولا ما منَّ الله عزّ وجلّ على الناس من طواف النساء، لرجع الرجل إلى أهله وليس يحلّ له أهله([907]).

3 ـ خبر أحمد بن محمد قال: قال أبو الحسن(ع) في قول الله عزّ وجلّ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}  ، قال: طواف الفريضة طواف النساء([908]).

مسألة [208]: إذا جامع المتمتّع أثناء عمرته قُبلاً أو دبراً، عالماً عامداً، قبل السعي أو بعده، لم تفسد عمرته، ووجبت عليه الكفّارة مخيّراً فيها بين البدنة والبقرة والشاة. والأفضل اختيار البدنة، والأحوط استحباباً إعادة العمرة قبل الحجّ، مع الإمكان، وإلا أعاد العمرة والحجّ في العام المقبل(1).

...............................................................................................................................................................

فهذه الروايات واضحة الدلالة على بقاء حرمة الجماع على المحرم إلى أن يأتي بطواف النساء، فتحلّ له النساء حينئذٍ.

(1) كان الكلام في المسألة السابقة في الحكم التكليفي، وأنّه يحرم تكليفاً على المحرم إتيان النساء، ويدور الكلام هنا حول الحكم الوضعي، وأنّه ماذا يترتّب على المحرم فيما لو خالف وأتى النساء في عمرة التمتّع، فهل تفسد عمرته، وماذا عليه أن يفعل لتدارك ذلك، وأيضاً هل عليه كفّارة، وما هي؟

والكلام في ذلك يقع في صورتين:

الصورة الأولى: ما لو وقع الجماع في عمرة التمتّع بعد السعي وقبل التقصير، والمعروف بينهم فيها الحكم بعدم الفساد، ووجوب الكفّارة.

أمّا عدم الفساد، فيدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار، قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن متمتّع وقع على امرأته ولم يقصّر، قال: ينحر جزوراً، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً، وإن كان جاهلاً فلا شيء عليه([909]).

وقوله: "ولم يقصّر" كناية عن حالة الإحرام؛ لأنّ إحلال المعتمر يكون بالتقصير.

ووجه الاستدلال بهذه الرواية على عدم الفساد يستند إلى تعبير الإمام(ع) بالخشية من ثلم الحجّ الظاهر في عدم الفساد؛ فكأنّ الإمام(ع) أراد أن يبيّن تأثير ذلك على الحجّ من ناحية القبول والثواب ونحو ذلك ـ كما حمله عليه الفقهاء ـ لا فساد الحجّ، وإلا فماذا يكون معنى الخشية إذا كان المقصود هو بيان فساد الحجّ؟!

وأمّا الكفّارة فهناك خلاف في كلمات الفقهاء في تحديدها، سببه اختلاف الروايات؛ فبحسب صحيحة ابن عمَّار السابقة عليه جزور ـ وهو البعير ـ وفي رواية أخرى التخيير بين الجزور والبقرة([910])، وفي رواية ثالثة التحديد بشاة([911]).

فالروايات إذاً متعارضة، ومقتضى الجمع العرفي هو الحكم بالتخيير بين هذه الخصال.

ولا مانع في الواجب التخييري من بيان إحدى خصاله في كلامٍ، وبيان خصلة ثانية منه في كلامٍ ثانٍ وهكذا؛ طالما أنّ امتثال الواجب يتحقق بأي خصلة منها.

والحملُ على التَّخيير لا بدّ منه في مثل المقام، حيث يكون الكلام صادراً عن متكلّم واحد لا يخطئ ولا يتبدّل رأيه، أو عن عدّة أشخاص يمثّلون جهةً واحدةً كذلك هي الشارع المقدّس.

ولكنّ الأصحاب جمعوا بين هذه الروايات بشكل آخر، فقالوا إنّ هذا الاختلاف مردّه إلى حالات المحرم من حيث الغنى والفقر؛ فالموسر عليه جزور، والمتوسط عليه بقرة، والفقير عليه شاة.

ولعلّهم استأنسوا لهذا الجمع بما ورد في من نظر إلى غير أهله فأمنى([912])، وفي من واقع أهله قبل طواف النساء([913]). على أساس أنّ هذه الروايات واردةٌ في مسألة الجماع قبل طواف النساء، من خلال حصول ذلك منه حال الإحرام، ما يجعل الخصوصية للكفّارة مرتبطة بذلك،، فتلتقي ـ في الأساس ـ مع صورة حصول الجماع في عمرة التمتّع، من باب إحراز الملاك بحسب الفهم العرفي، بعيداً عن موضوع شاهد جمع أو قياس.

لكن مع ذلك، لا يصلح هذا أساساً للحكم؛ لأنّ ما ذكر في تينك الروايتين ورد في كلام واحد علّله الإمام(ع) باختلاف حالات المحرم، أمّا في المقام، فقد وردت هذه الخصال على نحو التعيين في أكثر من كلام. ومن المعلوم أنّ أحكام الحجّ تعبّدية، فلا مانع من الفرق بين المقامين طالما لم نجزم بكون أحدهما مفسِّراً للآخر.

الصورة الثانية: ما لو واقع المحرم في عمرة التمتّع قبل الفراغ من السعي، وقد حكم المشهور فيها، مضافاً إلى وجوب الكفّارة، بفساد العمرة ووجوب إعادة الحجّ في العام القابل.

ولا إشكال في وجوب الكفّارة لوجهين:

الأوَّل: قياس الأولوية؛ فإنّها إذا وجبت بالجماع بعد السعي وقبل التقصير، فبطريق أولى تكون واجبةً لو وقع الجماع قبل السعي.

الثاني: التمسّك بإطلاق قوله في صحيحة معاوية بن عمَّار المتقدّمة: "ولم يقصّر"، الذي ذكرنا أنّه كناية عن حالة الإحرام، فيشمل بإطلاقه صورتي ما بعد السعي وما قبله.

ولكنّ الإشكال هو في صحة ما ذهب إليه المشهور من فساد العمرة ووجوب إعادة الحجّ من قابل؛ فقد ذكر صاحب (الجواهر) عدّة أدلة للمشهور على ذلك وناقش فيها جميعاً:

الدليل الأول: ويعتمد على عدّة مقدّمات:

المقدمة الأولى: إنّه لا فرق بين عمرة التمتّع والعمرة المفردة إلا في وجوب طواف النساء في المفردة دونها، وفي عدم ارتباط المفردة بالحجّ، وفي ما عدا ذلك هما مشتركتان في سائر الأفعال، وفي تمام أحكام الإحرام وتروكه.

المقدمة الثانية: إنّ جملة من الروايات، منها ما هو صحيح السند([914])، قد دلت على فساد العمرة المفردة بالجماع قبل السعي.

المقدمة الثالثة: إنّ قضية الفساد بالجماع هي من شؤون الإحرام، سواء في العمرة المفردة أو في الحجّ. كما أنّ الفساد هو من خصوصيات الجماع، حيث لا يفسد الإحرام بمخالفة أي ترك آخر من تروكه.

والنتيجة بعد ضمّ هذه المقدمات بعضها إلى بعض، هي الحكم بفساد عمرة التمتّع بالجماع قبل السعي، وهو المطلوب.

وقد أجيب عن هذا الاستدلال بأنّه قياس ظاهر، ويكفي الفرقان اللذان ذكرا في المقدمة الأولى بين العمرتين مانعاً من إحراز الملاك واستنباط العلّة في المقام.

نعم، قد يقال إنّ الإنسان وإن لم يستطع أن يقطع بالعلّة هنا، ولكنّه يستطيع عبر المقدمات السابقة أن يصل إلى ما هو حجّة كالقطع، وهو الاطمئنان الذي هو حجّة عقلائية. فلو كنّا نحن وذهنيتنا الفقهية، لعلّنا كنّا نطمئن بما يقوله المشهور من الفساد.

ولكنّ هذا لا يكفي للحكم بالفساد في مورد عمرة التمتّع، خصوصاً بملاحظة مفاد صحيحة معاوية بن عمار، من ناحية التعبير فيها بعدم الفساد بالجماع قبل التقصير، الشامل بإطلاقه للجماع قبل السعي أيضاً.

الدليل الثاني: إنّ صحيحة معاوية بن عمَّار المتقدّمة دلّت على أنّ الجماع في عمرة التمتّع بعد الفراغ من السعي وقبل التقصير هو ممّا يخشى منه الفساد، وهذا يدلّ على الفساد في صورة الجماع قبل السعي بطريق أولى.

وفيه: منع هذه الأولوية؛ لأنّ المذكور في الصحيحة هو خشية الفساد، فكيف يكون الحكم الأولى هو الفساد!

الدليل الثالث: إنّ عدةً من الروايات جعلت مسألة الفساد مترتبةً على عنوان المحرم إذا أتى أهله، ولم تذكر حجّاً ولا عمرةً، ما يوحي بأنّ مسألة الفساد هي من أحكام الإحرام؛ فيمكن الاستدلال بإطلاقها على فساد كلّ عمل، سواء أكان حجّاً بأنواعه أم عمرةً بنوعيها.

وأوضح رواية في هذا المجال هي حسنة زرارة، قال: سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة، قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجبني في الوجهين جميعاً، قال: إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ومضيا على حجّهما وليس عليهما شيء، وإن كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة، وعليهما الحجّ من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فُرِّق بينهما حتى يقضيا

نسكهما، ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، قلت، فأيّ الحجّتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، والأخرى عليهما عقوبة([915]).

وقوله(ع): "عليهما الحجّ من قابل" ظاهر في الفساد؛ لأنّه إنّما يجب إعادة العمل فيما إذا كان فاسداً.

وأجاب عنه في (الجواهر)، بأنّ الإنصاف عدم انسباق ذلك من النصوص ضرورة كون المنصرف منها نفس الحجّ([916]). ومقصوده أنّه لا ينسبق من هذه الروايات إرادة الإحرام بعنوانه بقطع النظر عن مورده، بل المنصرف منها الحجّ في مقابل العمرة؛ فالروايات ظاهرة، بل تكاد تكون صريحةً في إرادة خصوص الحجّ، وعلى ذلك عدّة قرائن، منها:

1 ـ إنّ قوله: "فرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ـ إلى قوله ـ ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا" مورده هو الحجّ، فهو الذي يرجع فيه الإنسان غالباً إلى محلّه الذي أصاب فيه؛ فالحاجّ يبدأ أعماله إمّا بالإحرام من مكّة، وإمّا بالإحرام من الميقات ـ كما في حجّ الإفراد أو القران ـ ويأتي إلى مكّة، ثم يرجع إلى مكّة، فهنا يمكن أن يصدق على الرجوع إلى مكّة ما ذكر في الرواية من الرجوع إلى المكان الذي أصابا فيه مثلاً، بينما نجد أنّ عودة المعتمر إلى المكان الذي أصاب فيه نادرة.

2 ـ إنّ إيجاب إعادة الحجّ من قابل في صورة الفساد يمكن فهمها على أساس عدم إمكانية تدارك الحجّ في العام نفسه؛ لانقضاء الزمان المخصوص له كعرفة ومزدلفة، بينما في عمرة التمتّع يتمكّن الإنسان من إعادتها في صورة الإفساد، وافتراض عدم التمكّن من إعادتها نادرٌ، وحينئذٍ يمكن أن ينقلب حجّه إلى الإفراد ويأتي بعمرة مفردة بعده.

فهذه قرينة على أنّ مورد الرواية هو وقوع الجماع في الحجّ.

3 ـ قوله في ذيل الرواية: "قلت: فأيّ الحجّتين لهما... "، فإنّه يدلّ بوضوح على أنّ المسألة كلها واردة في الحجّ لا في العمرة.

مسألة [209]: إذا جامع المحرم للحجّ امرأته قبلاً أو دبراً، عالماً عامداً، قبل الوقوف بالمزدلفة، وجبت عليه الكفّارة وإتمام الحجّ وإعادته في العام القابل، سواء كان الحجّ فرضاً أو نفلاً، وكذلك المرأة إذا كانت محرمةً وعالمةً بالحال ومطاوعةً له على الجماع، ولو كانت المرأة مكرهةً على الجماع فلا شيء عليها، وتجب على الزوج المكره كفارتان.

وكفّارة الجماع بدنة، ومع العجز عنها شاة، ويجب التفريق بين الرجل والمرأة في حجّتهما ـ بأن لا يجتمعا إذا لم يكن معهما ثالث ـ إلى أن يفرغا من تمام مناسك الحجّ.

كما يجب التفريق بينهما أيضاً في الحجّة المعادة على النَّحو السابق نفسه(1).

...............................................................................................................................................................

4 ـ صحيحة أخرى لمعاوية بن عمَّار عن أبي عبدالله(ع): في المحرم يقع على أهله، فقال: يفرّق بينهما، ولا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما، حتى يبلغ الهدي محلّه([917]). وهي واضحة الدلالة على إرادة الحجّ؛ فإنّ الخباء يكون في عرفة ومنى عادةً لا في مكّة.

وعلى كلّ حال، لو فرض تماميّة دلالة هذه الروايات على فساد عمرة التمتّع بالجماع قبل السعي، فإنّها تكون معارضةً بإطلاق صحيحة معاوية بن عمَّار الأولى التي ورد فيها الخشية من ثلم الحجّ عند جماع المتمتّع قبل التقصير الذي قلنا إنّه كناية عن حالة الإحرام، وعند استحكام التعارض وعدم إمكان ترجيح إحداهما على الأخرى، تتساقطان ويرجع إلى الأصل العملي، وهو يقتضي هنا عدم الفساد، بمعنى عدم وجوب إعادة الحجّ من قابل؛ لعدم الدليل عليه.

إذاً، ليس عندنا دليلٌ على فساد عمرة التمتّع بالجماع قبل السعي.

(1) البحثُ في هذه المسألة هو في الآثار الوضعيَّة التي تترتّب في صورة جماع

المحرم بالحجّ قبل مزدلفة، على أن يأتي في المسألة اللاحقة حكم الجماع بعد مزدلفة. وقد حكم المصنّف هنا ـ تبعاً للروايات ـ بترتّب أربعة أحكام:

الأول والثاني: إتمام الأعمال وإعادة الحجّ من قابل. ويدلّ عليهما ذيل صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: إن كان جاهلاً فليس عليه شيء، وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنةً، ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، وعليه الحجّ من قابل([918]).

الحكم الثالث: التفريق بينهما. ويدلّ عليه أيضاً صحيحة معاوية بن عمَّار السابقة وغيرها من الروايات. وهذا الحكم لا يعني منعهما من الاجتماع أبداً، بل معناه منعهما من الاجتماع وحدهما، كما نصّت عليه عدّة روايات، وأنّه لا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما، أو لا يخلوان وأن يكون معهما ثالث([919]).

وها هنا نقطتان يجري البحث فيهما:

الأولى: في تحديد أنَّ حجّه هو الأوَّل أو الثاني؛ إذ لو فرضنا كنّا نحن وظهور الكلام، لقلنا إنَّ الأمر بإعادة الحجّ يُفهم منه عرفاً فساد الحجّ الأول، وكون الحجّ الثاني هو حجّه. ولكن الروايات حسمت البحث لصالح الاتجاه الآخر، وأنّ حجّه هو الأول، وأمّا الثاني فهو عقوبة، وهذا ما نصّت عليه حسنة زرارة المتقدّمة([920]).

إذاً، ظاهر هذه الصحيحة وغيرها، أنّ الجماع عمل محرّمٌ على المحرم، ويستلزم العقوبة الدنيوية، ولكنه لا يفسد الحجّ.

وهذا ما أشير إليه أيضاً في النيابة عن الميت، وأنّ النائب لو اجترح في حجّه شيئاً يلزمه فيه الحجّ من قابل، فإنّ الحجّ الأوّل يكون تامّاً عن الميت([921]).

الثانية: في أنَّ هذه الأحكام لا يفرّق فيها بين أن يكون الحجّ واجباً أو مستحبّاً، لأنَّ العنوان الذي ترتَّبت عليه ـ وهو عنوان المحرم ـ عامٌ يشمل كلا الفرضين، فلا وجه للمناقشة فيه بأنّ مثل قوله: "فأيّ الحجّتين لهما" ظاهر في ما يجب عليهما من ذلك.

وها هنا بحث تعرّض له السيد الخوئي(ره) في تحديد منتهى هذا التفريق في كلٍّ من الحجّين الأول والثاني، حيث قد اختلف فيه الأصحاب تبعاً لاختلاف الروايات، قال(قده):

«إنّما الكلام في نهاية التفريق، ففي بعض الروايات، جعل ذلك في الحجّ الأوّل الوصول إلى مكّة، وفي الحجّ الثاني إلى الإحلال، ويحتمل أن يكون المراد بالإحلال يوم النحر، لحليّة أكثر التروك له في يوم النحر، ويحتمل أن يكون المراد به الفراغ المطلق من المناسك، لأنّه بذلك يحلّ له كل شيء حتى الطيب... وفي روايتين معتبرتين، جعل الغاية بلوغ الهدي محلّه، وهما صحيحتا معاوية بن عمَّار» ـ وإحداهما مفصّلة والأخرى مجملة([922])، والأظهر كونهما روايةً واحدةً؛ لأنَّ الرَّاوي لهما واحدٌ والمضمون أيضاً واحد، وليس من الطبيعي أن يسأل شخصٌ واحد الإمام نفسه عن مسألة واحدة مرّتين ـ «وفي جملة منها جعل الغاية قضاء المناسك والبلوغ إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا»([923]).

وقد اختلف الفقهاء في كيفية الجمع بين هذه الروايات، فذكروا عدّة وجوه:

الوجه الأول: ما ذهب إليه صاحبا (الرياض)([924]) و(الحدائق)([925]) من حمل هذا الاختلاف على الاختلاف في مراتب الفضل بينها، فأعلاها الرجوع إلى موضع الخطيئة، ويليها في الفضل قضاء المناسك، ويليها بلوغ الهدي محلّه. والمعنى أنّه ليس هناك خلاف في تحديد ما هو الواجب، إنّما الخلاف في تحديد المستحبّ ودرجته، نظير اختلاف فضل الصَّلاة في المسجد فرادى عن الصلاة فيه جماعة.

وأجاب عنه السيد الخوئي(قده) بأنّ ظاهر الروايات هو الوجوب وليس هناك دليل للحمل على الاستحباب؛ فهو إذاً جمعٌ تبرّعي لا يساعد عليه الفهم العرفي.

الوجه الثاني: ما ذهب إليه صاحب (الجواهر) في معرض مناقشته الوجه السابق، من أنّ الذي يقتضيه النظر في النصوص بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر، كون الغاية هي المرتبة العليا، وهي محلّ الخطيئة([926]).

وأوضحه السيد الخوئي(قده) فقال: «وبعبارة أخرى: مقتضى إطلاق مفهوم ما دلّ على أنّه يفترقان إلى بلوغ الهدي محلّه، أنّه إذا بلغ الهدي ينتهي الافتراق ويجتمعان، سواء كان ذلك في موضع الخطيئة أم لا، فيقيّد بما إذا كان محلاً للخطيئة، وإلا فلا ينتهي التفريق، فالعبرة بالعليا وهي محلّ الخطيئة»([927]).

ويمكن أن نلاحظ على ذلك، أنّ المتفاهم العرفي في ميزان الإطلاق والتقييد من حمل المطلق على المقيّد، هو صدور الحديثين في مورد واحد ولشخصٍ واحد، فلا يشمل الجمع العرفي صورة ما إذا كانا موجّهين إلى شخصين لا علاقة لأحدهما بالآخر، فتأمّل.

الوجه الثالث: للسيّد الخوئي(قده)، وخلاصته أنّه قسّم الروايات المعتبرة في المقام إلى ثلاث طوائف، الأولى: الروايات التي جعلت الغاية قضاء المناسك والرجوع إلى المكان الذي وقع فيه الجماع، كحسنة زرارة وغيرها([928]). الثانية: صحيحتا معاوية بن عمَّار اللتان ذكرتا أنّ الغاية هي بلوغ الهدي محلّه، أي وقت النحر. الثالثة: ما دلّ على أنّ الغاية هي يوم النفر كما في صحيحة الحلبي([929]).

وقال إنّ كلاً من الطائفتين الأولى والثانية مطلقةٌ من ناحية محلّ الجماع؛ حيث قد يقع الجماع قبل منى أو بعدها أو حتى بعد الميقات إذا كان الحجّ إفراداً وأحرم له من الميقات، وقال أيضاً إنّهما متعارضتان بالإطلاق؛ فإنّ بلوغ الهدي محلّه قد يكون قبل قضاء المناسك وقد يكون بعده، وهكذا قضاء المناسك قد يكون قبل بلوغ الهدي محلّه وقد يكون بعده، فالنسبة بينهما هي التباين. بينما يظهر من الطائفة الثالثة وقوع الجماع قبل الوصول إلى منى، فتخصِّص هذه الطائفةُ الطائفةَ الثانية بما إذا وقع الجماع بعد الوصول إلى منى، وحينئذٍ تنقلب النسبة بين الطائفتين الأولى والثانية ـ بحسب مبناه ـ إلى العموم والخصوص المطلق؛ فإنّ الأولى لا زالت مطلقةً، بينما الثانية أصبحت خاصةً بما إذا وقع الجماع بعد الوصول إلى منى.

والنتيجة حينئذٍ هي أنَّه إذا كان الجماع قبل الوصول إلى منى، فغاية الافتراق هي ما تدلّ عليه الطائفة الأولى، أي قضاء المناسك والرجوع إلى المكان الذي وقع فيه الجماع، والذي عادةً ما يمر عليه الحاجّ في طريق عودته إلى مكّة، وأمّا إذا كان الجماع بعد الوصول إلى منى وفي الطريق إلى عرفات، فغاية الافتراق حينئذ هي بلوغ الهدي محلّه أي وقت النحر بمنى.

ثم أشار(قده) إلى أنّ الجماع إذا حصل قبل الوصول إلى مكّة وبعد الإحرام كما في حجّ الإفراد، فغاية الافتراق حينئذ هي الرجوع إلى المكان الذي حصل فيه الجماع بعد أن يكون قد أتمّ المناسك؛ فإنّ كثيراً ما يسلك الحاجّ في عودته طريق المجيء نفسه.

ونبّه(قده) أخيراً إلى أنّه لا يلزم في صورة وقوع الجماع قبل الوصول إلى منى في حجّ التمتّع الفراغ من جميع المناسك، بل يكفيه الفراغ من الوقوفين وأعمال منى والرجوع إلى المكان الذي حصل فيه الجماع؛ فإنّ الظاهر من الغاية المذكورة ـ أي قضاء المناسك والرجوع إلى المكان الذي حصل فيه الجماع ـ قضاء المناسك التي يؤتى بها قبل الوصول إلى ذلك المكان.

ويرد على السيد الأستاذ(قده) أولاً: أنّنا لا نرى انقلاب النسبة ـ كما حقّقناه في الأصول ـ بل لا بدّ من ملاحظة الروايات الواردة في موضوع واحد على سطح واحد من دون التفريق في ملاحظة بعضها مع البعض الآخر.

وثانياً: إنّ التقسيم الثلاثي الذي ذكره للروايات غير تام؛ فإنّ الطائفة الثالثة ليست طائفةً مستقلّةً، كما أنّها غير ظاهرة في وقوع الجماع قبل الوصول إلى منى، بل هي مطلقةٌ مثل الطائفة الأولى، والغاية فيها هي نفسها أيضاً؛ فإنّ النفر هو عبارة أخرى عن قضاء المناسك.

والرواية التي أشار إليها(قده) لا يستفاد منها ما ذكره، وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(ع) ـ في حديث ـ قال: قلت: أرأيت من ابتلي بالجماع ما عليه؟ قال: عليه بدنة، وإن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، وإن كان استكرهها وليس بهوى منها فليس عليها شيء، ويفرّق بينهما حتى ينفر الناس ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا([930]).

والنفر هو عبارة أخرى عن انتهاء أعمال الحجّ وقضاء المناسك، فتكون هذه الطائفة متّحدةً مع الطائفة الأولى لا طائفةً مستقلةً. كما أنّنا لا ندري كيف استفاد منها وقوع الجماع قبل الوصول إلى منى!

وقد جعل(قده) عنوان النفر عنواناً مستقلاً، وعلى أساس ذلك صار لديه طائفة ثالثة، بينما حقيقة الأمر أنّ النفر كناية عن قضاء جميع المناسك.

والنتيجة هي أنّه ليس هناك إلا الطائفتان الأولى والثانية، وهما متعارضتان كما مرّ، ولا يبعد ترجيح الطائفة الأولى؛ لكثرة رواياتها في مقابل روايتين لمعاوية ابن عمَّار قلنا إنّ الأظهر كونهما روايةً واحدةً، مضافاً إلى أنّ معاوية بن عمَّار نفسه قد روى في رواية ثالثة أنّ الغاية هي قضاء المناسك والرجوع إلى المكان الذي أصابا فيه([931])، الأمر الذي يثير تساؤلاً عن سبب عدم استيضاحه سبب الفرق من الإمام(ع)، حيث أجابه مرّةً بأنّ الغاية هي هذه، وأخرى بأنّ الغاية هي بلوغ الهدي محلّه! فهذا يكون سبباً لعدم الوثوق بروايتي معاوية بن عمَّار اللتين ذكرتا بلوغ الهدي محلّه، وعلى الأقل يُردُّ علمهما إلى أهلهما.

إذاً، فالأحوط إن لم يكن الأقوى كون الغاية هي قضاء المناسك كما عليه المشهور في ذلك كلّه.

الحكم الرابع: وجوب الكفّارة، وفيه تفصيل من ناحيتين:

الناحية الأولى: من ناحية إكراه الزوجة أو مطاوعتها؛ فعلى الأول لا تجب عليها الكفّارة ـ كما لا يجب عليها الحجّ من قابل ـ، لرفع ما أكرهوا عليه، وإنّما تجب على زوجها مضافاً إلى الكفّارة عن نفسه؛ وعلى الثاني يتحمّل كلّ منهما كفّارة نفسه.

وقد ورد هذا التفصيل في خبر علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن(ع) عن محرم واقع أهله قال: قد أتى عظيماً، قلت: أفتني، قال: استكرهها أو لم يستكرهها؟ قلت: أفتني فيهما جميعاً، قال: إن كان استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكّة، وعليهما الحجّ من قابل لا بدّ منه...([932]).

الناحية الثانية: في تحديد الكفّارة. والجميع متّفقون على أنّها بدنة، ولكنّهم اختلفوا في بدلها مع العجز عنها؛ فمنهم من قال إنّ بدلها هو البقرة والشاة على نحو التخيير، ومنهم من قال بهما ولكن على نحو الترتيب بلحاظ العجز، ومنهم من قال ـ كالمصنّف ـ إنّ البدل هو الشاة فقط، مضافا ًإلى بعض الأقوال الأخرى([933]).

والروايات في المقام خالية من هذه التفصيلات، بل ليس فيها ذكرٌ للبقرة أصلاً؛ ففي صحيحة معاوية بن عمَّار عن الصادق(ع) عن المحرم الذي وقع على أهله، أنّ عليه أن يسوق بدنةً([934]).

وفي صحيحة جميل بن درّاج أيضاً كذلك([935]). وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه(ع) ـ في حديث ـ قال: فمن رفث فعليه بدنة ينحرها وإن لم يجد فشاة([936]).

فمقتضى هذه الروايات هو ما ذهب إليه المصنّف من أنّ الكفّارة هي بدنة، وأنّ بدلها مع العجز هو شاة؛ لا أنّه البقرة أو الشاة، أو البقرة وإلا فالشاة، أو غير ذلك.

نعم، هناك أساس لهذه التفصيلات مرّ معنا في بحث الجماع في عمرة التمتّع، لعلّه قد انسحب إلى مقامنا عند القائلين بها؛ باعتبار أنّه لا خصوصية للعمرة في هذا الحكم بعد كون المناط هو الجماع في حال الإحرام، مضافاً إلى كون عمرة التمتّع جزءاً من الحجّ.

ويمكن أن يكون مستند التفصيل الأخير في المسألة ما رواه خالد بيّاع القلانس قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل أتى أهله وعليه طواف النساء؟ قال: عليه بدنة، ثم جاءه آخر فقال: عليك بقرة، ثم جاءه آخر فقال: عليك شاة، فقلت بعدما قاموا: أصلحك الله، كيف قلت عليه بدنة؟ فقال: أنت موسر وعليك بدنة، وعلى الوسط بقرة، وعلى الفقير شاة([937]).

وموردها وإن كان هو الجماع قبل طواف النساء الواضح الدلالة على الانتهاء من المناسك، بينما محلّ الكلام هنا هو الجماع قبل مزدلفة، إلا أنّ ذلك لا يضرّ بعد كون المقصود هو الجماع في حالة الإحرام.

والظاهر أنّ الحكم فيها واردٌ على نحو القضية الخارجية لا الحقيقية، بمعنى أنّ الإمام(ع) كان عارفاً بحالة كل سائل، فكان يجيبه بحسب حالته.

وهي ضعيفة سنداً ـ بحسب ما ذكر السيـد الخوئـي (ره) ـ بنضر بن شعيب الواقع في طريق الصدوق إلى خالد القلانسي. ولكن ربما يكون المشهور قد عملوا بهذه الرواية؛ لأنّه ليس هناك ما يصلح مستنداً لهم غيرها، وإذا كان الأمر كذلك، فإنّها تكون منجبرةً بعملهم، طبقاً لمبنانا القائل بحجّية الخبر الذي يبني العقلاء عليه فيكون موثوقاً لديهم.

ولكنَّنا عندما ندرس المسألة، نجد أنّ الروايات الذاكرة للبدنة ثم للشاة عند العجز، واردة على نحو القضية الحقيقية، بينما هذه الرواية واردة على نحو القضية الخارجية، كما أنّ تلك الروايات جميعها صحيحة، بينما هذه ضعيفة السند ويُحتمل عمل المشهور بها؛ الأمر الذي يقتضي تقديم تلك الروايات في مقام التعارض.

مسألة [210]: إذا جامع المحرم امرأته عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة صحّ حجّه، سواء كان قبل طواف النساء أو بعده. نعم، تجب عليه الكفّارة المتقدّمة آنفاً فيما إذا حصل الجماع قبل طواف النساء أو قبل الشوط الخامس منه، وأمّا إذا كان بعده فلا كفّارة عليه(1).

...............................................................................................................................................................

وقد يكون هناك وجهٌ للجمع بين هذه الروايات يقوم على أساس أنّ هذه الرواية في مقام بيان تطبيق عملي لمسألة العجز في المجتمع؛ فالموسر هو الذي يستطيع أن يشتري البدنة، والفقير لا يقدر على أكثر من شاة، والبقرة يقدر عليها المتوسط؛ فتكون الرواية بالتالي جاريةً على مناط العجز نفسه الذي أشارت إليه صحيحة علي بن جعفر؛ بمعنى أنّ الإمام(ع) فرّق بين الموسر والمتوسط والفقير، بلحاظ أنّ الواقع الطبقي للإنسان يجعل كلّ فريقٍ عاجزاً عمّا يقدر عليه الفريق الأفضل حالاً منه.

تبقى مسألة البقرة، حيث ذكرتها هذه الرواية ولم تذكرها الصحيحة. ولكن الأمر فيها سهلٌ بناءً على ما ذكرناه، مضافاً إلى أنّها مجزية عن الشاة في موردها حتماً؛ خصوصاً أنّ الشاة ليست على نحو التعيين، وإنّما هي على نحو البدلية من البدنة في فرض العجز، فلو أدّى المكلّف ما هو أفضل من الشاة في هذا الفرض، فما هو المانع حينئذٍ؟!

والنتيجة هي أن يقال بتعيّن البدنة، ومع العجز فالشاة، وإذا أحبّ المكلّف أن يحتاط فيمكنه أن يذبح بقرةً إذا كان قادراً عليها، فهذا هو الأقرب في هذا المجال وليس هناك وجه للتخيير.

(1) يقع الكلام هنا في الآثار المترتبة على الجماع بعد الوقوف في مزدلفة، والمعروف أنّه لا يبطل حجّه بذلك ولكن تجب عليه الكفّارة.

ولا إشكال في عدم فساد الحجّ بذلك، ويمكن استفادته من مفهوم عدّة من الروايات السابقة([938]) التي دلّت على الفساد في صورة الجماع قبل مزدلفة؛ حيث إنّ هذه الروايات تدلّ على أنّ هناك مدخلية للوقوف في مزدلفة في الحكم بالفساد، وإلا لما كان هناك داعٍ لذكر هذا القيد ولكان ذكره لغواً.

وأمّا وجوب الكفّارة، فقد فصّل فيه بين وقوع الجماع قبل طواف النساء، وبين وقوعه بعد الإتيان بالشوط الخامس منه.

أمّا الصورة الأولى، فيدلّ على وجوب الكفّارة فيها جملة من الروايات، منها:

1 ـ قوله في صحيحة عليِّ بن جعفر عن أخيه: فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، فإن لم يجد فشاة([939]). فإنّه كما يشمل صورة الجماع قبل مزدلفة، يشمل أيضاً صورة الجماع بعد مزدلفة وقبل طواف النساء.

2 ـ ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى بن جعفر(ع) قال: سألت أبي جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن رجل واقع امرأته قبل طواف النساء متعمّداً ما عليه؟ قال: يطوف وعليه بدنة([940]).

3 ـ إطلاق صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل محرم وقع على أهله فيما دون الفرج؟ قال: عليه بدنة وليس عليه الحجّ من قابل، وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه([941]).

وأمّا الصورة الثانية، فمستند التفصيل بلحاظها حسنة حمران بن أعين، عن أبي جعفر(ع) قال: سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده، فطاف منه خمسة أشواط، ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض ثم غشي جاريته، قال: يغتسل، ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه، ويستغفر الله ولا يعود، وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجّه وعليه بدنة ويغتسل، ثم يعود فيطوف أسبوعاً([942]).

مسألة [211]: من جامع امرأته عالماً عامداً في العمرة المفردة، وجبت عليه الكفّارة على النحو المتقدّم، ولا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السعي، وأمّا إذا كان قبله بطلت عمرته، وعليه على الأحوط أن يقيم بمكّة إلى شهرٍ آخر ثم يخرج إلى أحد المواقيت الخمسة المعروفة ويحرم منه للعمرة المعادة، ولا يجزئه الإحرام من أدنى الحلّ على الأحوط، وحيث يحكم بفساد العمرة، فإنّ الأحوط استحباباً له إتمام العمرة الفاسدة وعدم قطعها(1).

...............................................................................................................................................................

والمقصود من إفساد الحجّ فيها إفساد الطواف لا الحجّ، وقد عبّر عن الطواف بالحجّ تنزيلاً له منزلته باعتبار ركنيته فيه؛ والقرينة على ذلك هو أنّه مع فساد الحجّ تلزمه الإعادة من قابل لا إعادة الطواف فقط كما أوجبته هذه الرواية.

(1) يقع الكلام هنا في آثار الجماع في العمرة المفردة، وذلك في صورتين:

الصورة الأولى: أن يقع الجماع قبل السعي. وحكمه وجوب الكفّارة عليه، وفساد العمرة، ووجوب البقاء في مكّة إلى الشهر القابل ثمّ الخروج إلى أحد المواقيت والإحرام لعمرة جديدة.

وقد دلّت على ذلك عدّة روايات هي:

1 ـ صحيحة بريد بن معاوية العجلي، قال: سألت أبا جعفر(ع) عن رجل اعتمر عمرةً مفردةً فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه؟ قال: عليه بدنة لفساد عمرته، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة([943]).

2 ـ حسنة مسمع، عن أبي عبدالله(ع) في الرجل يعتمر عمرةً مفردةً، ثمّ يطوف بالبيت طواف الفريضة، ثمّ يغشى أهله قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: قد أفسد عمرته وعليه بدنة وعليه أن يقيم بمكّة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه، ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول الله(ص) لأهله فيحرم منه ويعتمر([944]).

3 ـ خبر أحمد بن أبي علي، عن أبي جعفر(ع) في رجل اعتمر عمرةً مفردةً ووطأ أهله وهو محرم قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه، قال: عليه بدنة لفساد عمرته، وعليه أن يقيم حتى يدخل شهر آخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم منه ويعتمر([945]).

وها هنا ملاحظة يمكن إيرادها بالنسبة إلى الذهاب إلى أحد المواقيت، مفادها أنّ وجوب ذلك مرتبط بنتيجة البحث الذي ذكرناه في محلّه حول مسألة لزوم الإحرام من المواقيت المخصوصة، فمن يثبت عنده اختصاص هذا الوجوب بمن يمرّ عليها، فإنه يمكنه هنا أن يقول بكفاية الإحرام من أدنى الحلّ، وقد لا ينافي هذه الاستفادة إلا قوله في رواية مسمع عن أبي عبدالله(ع): ثمّ يخرج إلى الوقت الذي وقّته رسول الله(ص) لأهله فيحرم منه ويعتمر، وإلا فإنّ الروايتين الأخريين يمكن أن تنسجما مع ما ذكرناه.

لذا فالأحوط هو الخروج إلى أحد المواقيت والإحرام منه.

وعلى كلّ حال، دار النقاش بينهم حول هذه الأحكام في مسألتين:

المسألة الأولى: إنّ الظاهر من الروايات السابقة هو وجوب الإقامة في مكّة إلى انقضاء الشهر ولزوم كون العمرة الثانية في شهر جديد، ولكن المحدّث الحرّ العاملي، وكذا المحقّق صاحب (الشرائع)، ذهبا إلى استحباب ذلك، ذكر الأول ذلك في عنوان الباب الذي نقل فيه الروايات السابقة فقال: «ويستحبّ كونه في الشهر الداخل»، وعبّر الثاني عن ذلك بقوله: «والأفضل أن يكون في الشهر الداخل».

وأشكل عليهما السيد الخوئي(قده) بأنّ ظاهر الروايات هو الوجوب، ولا موجب للحمل على الاستحباب([946]).

ومخالفة هذين العلمين(قدهما) لروايات بهذا الوضوح يدعو إلى التأمّل؛ فما هو الأساس الذي حمل المحدّث الذي يأخذ الأحاديث بحرفيتها، والمحقّق المعروف بتدقيقاته العلمية على ترك ما هو ظاهر، والقول بالاستحباب في هذه المسألة؟

الظاهر أنّ تفسير ذلك مرتبطٌ بالمختار في مسألة أنّه هل لكلّ شهر عمرة واحدة فقط، أو أنّه يجوز في الشهر الواحد الإتيان بأكثر من عمرة؟ وهذان العلمان الجليلان يريان ـ كما هو رأينا ـ جواز الإتيان بأكثر من عمرة في كلّ شهر([947])، وذلك اعتماداً على أحد أمرين:

الأوّل: اعتماداً على بعض الروايات التي تقول إنّه يمكن في كلّ عشرة أيام الإتيان بعمرة([948]).

الثاني: إنّ المقصود من "لكلّ شهر عمرة" العمرة الصحيحة، فلا يمكن، بناءً على هذه الروايات، الإتيان بعمرتين صحيحتين في شهر واحد، والمفروض في مقامنا أنّ العمرة قد فسدت بالجماع، فيمكنه حينئذٍ أن يعيدها في الشهر نفسه، من دون لزوم محذور اجتماع عمرتين صحيحتين في شهر واحد.

المسألة الثانية: في أنّه هل يجب إتمام العمرة هنا كما كان يجب إتمام الحجّ في صورة فساده، أو لا؟

مقتضى الروايات الواردة في المسألة، حيث لم تتعرض لهذا الحكم، عدم الوجوب، إلا أنّ صاحب (الجواهر)، وبالرغم من اعترافه بذلك، حاول الاستدلال على وجوب الإتمام هنا فذكر ثلاثة أدلة:

الدليل الأول: استصحاب وجوب إتمام العمرة؛ فقبل الجماع كان يجب عليه إتمام العمرة، وبعد الجماع يشك في بقاء هذا الوجوب فيُستصحَبُ بقاؤه.

وأورد عليه السيد الخوئي(قده) ـ ونوافقه عليه ـ بأنّ هذا الاستصحاب غير تام الأركان، بسبب اختلاف الموضوع؛ فموضوع الإتمام قبل الجماع هو العمرة الصحيحة، بينما الموضوع بعد الجماع هو العمرة الفاسدة، ولا يمكن استصحاب حكم موضوع لموضوع آخر.

مضافاً إلى أنّنا نرى ـ كالسيد الأستاذ ـ عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، وإن كنّا نخالفه في وجه ذلك؛ حيث إنّه عندنا قصور أدلّة الاستصحاب عن الشمول لمثل ذلك.

الدليل الثاني: إنّ التحليل من الإحرام لا يكون إلا بتمام الأفعال، وإلا فيبقى على إحرامه.

وجوابه: إنّ العمرة كالصلاة، من الواجبات الارتباطية التي يوجب فساد جزء منها فساد المركّب كله؛ فكما أنّ الصلاة تفسد مثلاً بالحدث في أثنائها ولا يجب إكمالها بل تستأنف بعد الوضوء، رغم ما ورد من أنّ الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، وذلك حملاً له على الصلاة الصحيحة، كذلك العمرة يشترط في صحة الإحرام فيها بقاؤها صحيحةً، فإذا فسدت العمرة بالجماع فإنّ إحرامه يكـون فاسـداً أيضاً؛ لأنّ الإحـرام جزءٌ من أجـزاء العمـرة، فـإذا فسد المركّب ـ العمرة ـ لسبب ما فسدت الأجزاء كلّها.

الدليل الثالث: إنّ فساد العمرة كفساد الحجّ الذي لا ينافيه وجوب الإتمام؛ حيث إنّ إطلاق الفساد عليهما لا يُراد به الفساد المصطلح، وإنّما هو ضرب من التجوّز صحّحه هنا اشتراكهما ـ الفساد الاصطلاحي والفساد المجازي ـ في عدم الاكتفاء بالعمل، ولزوم الإتيان به مرّةً ثانيةً، غاية الفرق أنّه في الفساد الاصطلاحي يكون العمل الثاني هو الفرض، بينما الفرض هنا هو الأول، والثاني عقوبة بحسب ما دلّت عليه الروايات.

وجوابه: إنّا قد حملنا الفساد في الحجّ على المجازية، للدليل الذي دلّ هناك على أنّ الأول فرضه والثاني إنّما هو عقوبة، ولم يدلّ دليلٌ في العمرة على ذلك، فلا موجب لحمله على المجازية فيها.

وعلى هذا يتبيّن أنّه ليس هناك أيّ دليل يدلّ على وجوب إتمام العمرة في فرض فسادها.

الصورة الثانية: وهي صورة وقوع الجماع بعد السعي، فقد اتفق الأصحاب على وجوب الكفّارة فيها. وقد استدلّ السيد الأستاذ (رحمه الله) على ذلك بصحيح عليّ بن جعفر الدال على وجوب البدنة على الرجل إذا واقع امرأته قبل طواف النساء، من دون فرق بين صورة ما إذا كان ذلك في الحجّ أو في العمرة، ما يدلّ على أنّ الخصوصية متعلّقة بمن عليه طواف النساء. بل يُلتزم بوجوب الكفّارة إذا طاف ثلاثة أشواط ثم جامع، وبعدمها إذا جامع بعد خمسة أشواط، عملاً بمعتبرة حمران بن أعين([949]).

 

تروك الإحرام

أمّا فساد العمرة بالجماع بعد السعي كما كانت تفسد بالجماع قبله، فالمعروف عدمه. ولكن استشكل صاحبا (المدارك) و(الحدائق) في الحكم بالصحة فيه؛ لعدم الدليل عليها في خصوص المقام، ولأنّ ما دلّ على الصحة مورده عمرة التمتّع قبل التقصير، فلا يشمل العمرة المفردة.

ولكن يرد على ذلك أولاً: أنَّ الظاهر هو احتمال الفساد، بلحاظ اقتضاء سببية الجماع للفساد من خلال خصوصية الإحرام، وهي مشتركة بين الموردين لبقاء المعتمر على إحرامه ـ من ناحية النساء ـ فيها.

وثانياً: ما ذكره السيد الأستاذ (رحمه الله)، من أنّ الحكم بالصحة في العمرة المفردة يكفي فيه عدم الدليل على الفساد، بل الفساد هو الذي يحتاج إلى الدليل؛ لأنّ الحكم بالصحة مقتضى الأصل، أي أصالة عدم أخذ ما يحتمل دخله في الصحة في الواجبات، كما هو الحال في سائر الواجبات التي يحتمل مانعية شيء لها، فالإطلاقات كافية.

ويتابع السيد الأستاذ الاستدلال من جهة أخرى فيقول: ويمكن أن يكون التقييد بقبل السعي في الروايات ـ وإن كان في كلام السائل ـ فيه إشعارٌ بعدم الفساد بعد السعي، وإلا فلا يبقى وجه للتقييد ولا موجب له. فكأنّ عدم الفساد بعد السعي كان أمراً مغروساً في أذهانهم، ولذا كانوا يسألون عن الجماع قبل السعي والطواف.

مسألة [212]: إذا جامع المحلّ زوجته المحرمة، فإن كانت مطاوعة وجبت عليها كفّارة بدنة ويدفعها الزوج عنها، وإن كانت مكرهة فلا شيء عليها ووجبت الكفّارة على زوجها على الأحوط(1).

مسألة [213]: إذا جامع المحرم امرأته جهلاً أو نسياناً صحّت عمرته وحجّه، ولا تجب عليه الكفّارة.

وهذا الحكم يجري أيضاً في المحرّمات الآتية التي توجب الكفّارة، بمعنى أنّ ارتكاب المحرم أيّ عمل منها لا يوجب الكفّارة عليه، إذا كان صدوره منه ناشئاً من جهل أو نسيان(2). ويستثنى من ذلك موارد:

...............................................................................................................................................................

(1) يدلّ على هذا الحكم صحيحة أبي بصير، قال: قلت لأبي عبدالله(ع): رجل أحلّ من إحرامه ولم تحلّ امرأته فوقع عليها، قال: عليها بدنة يغرمها زوجها([950]).

والرواية مطلقة من ناحية كون الزوجة مطاوعة أو مكرهة، مع أنّ ذلك بالنسبة إلى غرامة الزوج في صورة مطاوعتها على خلاف مقتضى القاعدة المستفادة من الروايات في أمثال المقام، سواء في الحجّ أو في الصوم([951]).

فتغريم الزوج هنا رغم كونه محلاًّ وغير مُكْرِه لا وجه له إلا هذه الرواية، لذا فإننا نقول به على سبيل الاحتياط الوجوبي لا الفتوى.

وبذلك يظهر وجه أخذ صاحب (الوسائل) الإكراه في عنوان الباب، حيث إنّ ذلك هو مقتضى مناسبة الحكم للموضوع؛ لأنّ المرأة المحرمة الملتفتة إلى محرّمات الإحرام لا ترضى بذلك بحسب طبيعة التكليف، ولا تقبل به إلا إكراهاً. وهو المستفاد أيضاً من سائر الروايات التي دلّت على أنّ الغرامة إنّما تكون في صورة الإكراه.

(2) يدلّ على هذا الحكم روايات كثيرة معتبرة، منها:

1 ـ ما إذا نسي الطواف في الحجّ أو العمرة حتى رجع إلى بلاده وواقع أهله.

2 ـ ما إذا نسي شيئاً من السعي في عمرة التمتّع فأحلّ باعتقاد الفراغ منه، وواقع زوجته.

3 ـ ما إذا جامع زوجته بعد السعي وقبل التقصير في عمرة التمتّع جاهلاً بالحكم.

4 ـ من أمرّ يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو أكثر.

5 ـ ما إذا ادّهن بالدهن الطيّب أو المطيّب عن جهل.

ويأتي جميع ذلك في محالّها.

...............................................................................................................................................................

1 ـ قوله في حسنـة زرارة: إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ومضيا على حجّهما، وليس عليهما شيء([952]).

2 ـ ما رواه في (العلل) بإسناد صحيح عن زرارة عن الباقر(ع): في المحرم يأتي أهله ناسياً، قال: لا شيء عليه إنّما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناسٍ([953]).

ويلاحظ هنا أنّ الإمام(ع) يؤكّد الحكم في المورد من خلال رفع النسيان في كلّ الموارد، إلاّ ما دلّ الدليل على خلافه.

3 ـ قول الصادق(ع) في صحيحة عبدالصمد بن بشير: أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه([954]).

وهذا الحكم ليس مختصاً بالجماع، بل يجري في سائر المحرّمات أيضاً، إلا بعض الموارد التي ذكرت في المتن ويأتي التعرّض لها في محلّها.

وقد يحاول البعض إضافة مورد آخر إلى الموارد المستثناة من الحكم بالصحة في صورة الجهل، هو مورد الجماع قبل السعي في العمرة المفردة الذي حكم فيه بالفساد حقيقةً، بحيث لم يجب إتمامها، بل اكتفي بإعادتها في الشهر التالي، فيُدّعى أنَّ الروايات المبيّنة للصحة في صورة الجهل لا تشمل هذا المورد، فيبقى الحكم فيه هو الفساد.

والوجه فيه ـ كما بيّنه السيد الخوئي ـ أنّ أثر فساد العمرة هو البطلان، تماماً كما هو أثر ارتكاب المصلّي لشيء من قواطع الصلاة، ولو كان ذلك قد صدر على سبيل الجهل أو الخطأ مثلاً([955]).

والسبب في ذلك ما أشرنا إليه سابقاً في جواب الدليل الثاني لصاحب (الجواهر)، من أنّ العمرة كالصلاة مركّب ارتباطي، فترك جزء منها يؤدّي إلى فساد المركّب كله. وفساد المركَّب ليس سببه عدم الإتيان بذلك الجزء لوحده، بل بما هو سبب لعدم الإتيان بالواجب المركّب؛ فإنّ العقل يرى أنّ المركّب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، فالفساد في المقام عقلي لا شرعي.

وبناءً على ذلك، فإنّ السيد الخوئي(قده) يرى أنّه لا يمكن التمسّك بالروايات السابقة لتصحيح العمرة حينئذٍ؛ لأنّ وزان هذه الروايات هو وزان حديث الرفع الذي إنّما يرفع الآثار المترتبة على الإتيان بالمنافي أو ترك ما هو واجب، ولا يرفع الآثار المترتبة على ترك ما يؤدّي إلى ترك المأمور به رأساً، كما هو الحال في المقام.

ولتوضيح المقصود نقول: لو اضطرّ المصلّي إلى التكلّم في الصلاة، فإنّ حديث الرفع يرفع عنه حرمة التكلّم فقط ولا يقتضي صحة الصلاة؛ باعتبار أنّ صحة الصلاة وفسادها ليست من آثار الإتيان بالفعل المنافي بعنوانه، بل هي من آثار الإتيان بالواجب وعدمه.

ويمكننا أن نلاحظ على ذلك، أنّ محرَّمات الإحرام ليست من أجزاء العمرة، بل هي من أحكامها، فلا يترتَّب على الجماع ترك جزء من المركّب بحيث يؤدّي إلى ترك الواجب رأساً.

وعلى كلّ حال، أجاب(قده) عن ذلك بتسليم الكبرى، وأنّ حديث الرفع لا يقتضي صحة العمل الذي أتى فيه بالمنافي، لأنّ فساده ليس من آثار الإتيان بالمنافي ليرتفع بهذا الحديث، بل هو من آثار عدم الإتيان بالواجب، ولكن للمقام خصوصية توجب فيه الحكم بالصحة، وهي أنّه يمكن أن يستفاد من الروايات أنّ هناك ملازمة بين فساد العمرة ووجوب الكفّارة، وذلك من مثل قول الباقر(ع) في روايتي بريد بن معاوية وأحمد بن أبي علي السابقتين: "عليه بدنة لفساد عمرته"، وحينئذٍ إذا ارتفع أحدهما ارتفع الآخر؛ فإذا كان وجوب الكفّارة مرتفعاً في صورة الجهل لقوله(ع): "أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه"، أو لحديث الرفع، ارتفع أيضاً الحكم بالفساد بمقتضى الملازمة([956]).

وها هنا ملاحظة مبنائية يمكن إيرادها على السيد الأستاذ، وعلى سائر الأصوليين القائلين بهذا التفسير لحديث الرفع وأمثاله مثل حديث لا ضرر، أو لا حرج، مفادها: إنّ هذا التفصيل هو مقتضى الدقة العقلية التي لا إشكال لنا فيها، ولكنّه على خلاف الذوق والمتفاهم العرفي؛ فإنّ العرف يقول: هذا صلّى ولكنّه نسي الجزء الفلاني أو فعل المنافي الفلاني، أي أنّ العرف يرى أنّ ما فعله أو ما تركه المكلّف هو الذي تعلّق به الجهل أو النسيان، وهو الذي يوجب الفساد، وحينئذٍ ما المانع من شمول حديث الرفع له، والحكم بالتالي بصحة العمل؟!

فحقيقة الإشكال عندهم هي أنّ الفساد ليس أثراً لمتعلّق الجهل، وإنّما هو أثرٌ لعدم الإتيان بالمركّب، وهذا معنى صحيح من ناحية عقلية، فإنّ ترك الواجب يكون بترك أحد أجزائه، والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه؛ ولكن العرف لا يساعد على ذلك، بل يرى أنّ الجهل قد تعلّق بالجزء نفسه الذي أُتي به أو تُرك، وحينئذٍ فهو لا يرى مانعاً من شمول حديث الرفع له، خصوصاً أنّ حديث الرفـع، وأمثاله، إنّما جاء ليحلّ المشكلة، ولم يأتِ ليرفع الحكم الضرري ـ مثلاًـ  فقط ويترك المكلّف حائراً يبحث عن وظيفته!

إنّ سبب هذه التفصيـلات الكثيـرة المعقّـدة هو عـدم التفـات الكثيريـن من

3 ـ تقبيل النساء:

مسألة [214]: لا يجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة، فلو قبّلها كذلك وخرج منه المني فعليه كفّارة بدنة أو جزور، وكذلك إذا لم يخرج منه المني على الأحوط وجوباً، وإذا قبّلها لا عن شهوة وجبت عليه الكفّارة أيضاً على الأحوط وهي شاة(1).

...............................................................................................................................................................

الأصحاب إلى ما يقتضيه الذوق العرفي في فهم الأحاديث وملابساتها، واعتمادهم في المقابل على التدقيقات العقلية والفلسفية وغيرها.

(1) ينبغي التنبيه بدايةً على نقطة، وهي: أنَّ حرمة التقبيل ـ وكذا حرمة ما سيأتي من النظر واللمس ـ خاصةٌ بما إذا مارس الإنسان هذه الأمور مع المرأة من خلال الجانب الشهوي الجنسي، بخلاف ما لو قام بها من خلال الجانب الإنساني؛ فإنّ الحاجّ قد يمسك بيد زوجته لمساعدتها على الصعود إلى وسيلة النقل مثلاً، وقد يمسك بيدها بقصد التلذّذ، والمحرَّم هو الثاني دون الأول.

ويقع البحث في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: إنّ الحرمة في هذه المسألة لا يفرّق فيها بين صدور هذه الأمور من الرجل أو من المرأة، وإن كانت الأحاديث لم تتعرّض إلا إلى استمتاع الرجل بالمرأة. والوجه في اقتصار الأحاديث على بيان هذا الجانب فقط قد يكون أحد أمرين:

الأوَّل: أنَّ ذلك هو ما تقتضيه طبيعة الواقع؛ حيث إنّ الرجل هو المبادر غالباً.

الثَّاني: أنَّ العرف العام، خصوصاً لدى المتدينين، جارٍ على عدم الكلام عن حاجة المرأة الجنسية، ما قد يوحي بأنّ النصوص الإسلامية تتجه إلى اعتبار الجنس شأناً متّصلاٌ بالرجل، وأنّ دور المرأة فيه هو دور هامشي.

وقد يستشهد لذلك بجملة من الروايات والفتاوى المرتبطة بهذا الموضوع؛ مثل الفتوى القائلة إنَّ ما يجب على الرجل إنّما هو مسمّى الجماع كلّ أربعة أشهر حتى لو لم تكتف زوجته بذلك، أخذاً بالإطلاقات. حتى إنَّ بعض الفقهاء يقول إنّ هذا الحقّ يثبت لها فيما إذا كان الزوج حاضراً، أمّا إذا كان مسافراً، فلا حقّ لها مهما طالت المدّة.

ومثل ما في حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع) أنّه سئل عن المفقود، فقال: المفقود إذا مضى له أربع سنين ـ إلى أن قال: ـ قلت: فإنّها تقول: فإنّي أريد ما تريد النساء، قال: ليس ذاك لها ولا كرامة، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكيله أمره أن يطلّقها([957]).

وأيضاً مثل الفتاوى التي تتحدث عن حكم العنين، وأنّه إن قدر على مواقعة زوجته مرّةً واحدةً فقط ثم لم يقدر بعد ذلك، أو كان قادراً على مواقعة غيرها دونها، فليس لها حق الفسخ حينئذٍ!

وهذه المسألة مهمة جداً، فقد بدأت تُسجّل من خلالها تساؤلات حول التشريع الإسلامي، وأنّه تشريعٌ لا يحترم شهوة المرأة وحاجاتها الطبيعية التي أودعها الله تعالى فيها.

مع أنّنا إذا درسنا الآيات والروايات في المسألة، فإنّنا نجد العديد منها التي يمكن تغيير وجهة البحث من خلالها، ودفع ما قد يُثار من إشكالات على الشريعة الإسلامية في هذا الشأن؛ فمثلاً، نجد القرآن الكريم يصرّح: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ([958]). ونجد أيضاً بعض الأحاديث تتحدث عن أنّ المرأة فضّلت على الرجل بتسع وتسعين جزءاً من اللذة، ولكنّ الله عزّ وجلّ ألقى عليهنّ الحياء؛ أو أنَّ الحياء عشرة أجزاء، تسعة في النساء وواحد في الرجال([959]).

أو الأحاديث العديدة التي تتحدث عن آداب العلاقة الجنسية، وأنّه على الزوج الاهتمام بتلبية حاجات زوجته الجنسية؛ كما في الرواية عن عليّ(ع): "إذا أراد أحدكم أن يأتي زوجته فلا يعجلها، فإنّ للنساء حوائج"([960]).

وهناك الكثير من الإشارات الأخرى في التراث الإسلامي التي تؤكّد اهتمام الشرع الحنيف بحاجة المرأة الجنسية.

ومن جهة أخرى، نجد أنّ الكثير من النساء يصبحن عوانس، ولا تستطيع إحداهنّ أن تبدي رغبتها في الزواج، لما في ذلك من حرج اجتماعي؛ فلا تستطيع المرأة أن تطلب من أخيها مثلاً، أو أبيها، أو أحد معارفها، أن يسعى في تزويجها؛ لأنّ ذلك يُعدّ عيباً. مع أنّنا نجد في رواية عن أبي جعفر(ع) أنَّ امرأةً جاءت إلى النبي(ص) فقالت: زوّجني، فقال: من لهذه؟ فقام رجلٌ فقال: أنا يا رسول الله، زوّجنيها، فقال: ما تعطيها؟ قال: ما لي شيءٌ، فقال(ص): لا، قال(ع): فأعادت، فأعاد رسول الله(ص) الكلام، فلم يقم أحدٌ غير الرجل، ثم أعادت، فقال رسول الله(ص) في المرة الثالثة: أتُحسن من القرآن شيئاً؟ قال: نعم، قال: قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن، فعلّمها إيّاه([961]).

فالملاحظ أنّه لم يعترض عليها أحدٌ في طلبها ذلك، خصوصاً أنّها قد كرّرته وألحّت فيه. وهذا يشير من ناحية أخرى إلى مدى ابتعادنا في هذا الزمان عن القيم الإسلامية.

لذلك، نحن نفتي بأنّه يجب على الزوج تلبية حاجات زوجته الجنسية، كما يجب عليها هي أن تلبّي حاجاته.

وهنا تبرز أهميـة الفقـه المقاصـدي الذي ندعو إليه دائمـاً، والذي لا نجد له ـ وللأسف ـ أيّة قيمة بيننا، بتبريرات مختلفة؛ مثل أنّ هذه حكمة والحكمة ليس لها أيّ تأثير في الحكم الشرعي([962])، أو أنّ ملاكات الأحكام لا يعرفها إلا الرحمن، وغير ذلك من تعليلات وتبريرات، أمّا الأهداف الإسلامية وروحية التشريع، فهي أمور لا يلتفت إليها أبداً.

إذاً لا بدّ من دراسة هذه المسألة وغيرها من المسائل بنحوٍ يجمع بين المقاصد الإسلامية والنصوص الإسلامية، وأن نفهم النصوص على ضوء المقاصد العامّة للشريعة، ونتجاوز ما درج في الفقه الهندسي الذي أُدخلت فيه الأمور العقلية والفلسفية في فهم النصوص واستنباط الأحكام؛ لأنّ عالم الروايات هو عالم العرف، وفهم العرف يحتاج إلى ثقافة خاصة لا علاقة لها بمباحث الفلسفة والقواعد العقلية.

 

تروك الإحرام

النقطة الثانية: هناك عدّة روايات تدل على حرمة التقبيل أثناء الإحرام، منها صحيحة مسمع أبي سيّار عن الصادق(ع)، التي تدلّ، مضافاً إلى ذلك، على حرمة المسّ والنظر أيضاً، قال: قال لي أبو عبدالله(ع): يا أبا سيّار، إنّ حال المحرم ضيّقة، إن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرمٌ فعليه دم شاة، وإن قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله، ومن مسّ امرأته وهو محرمٌ على شهوة فعليه دم شاة، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، وإن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شيء عليه([963]).

فالحرمة التكليفية إذاً لا إشكال فيها، سواء أكان التقبيل بشهوة أم بدونها؛ وذلك باعتبار أن تقبيل المرأة كأنّه يختزن في ذاته عملاً استمتاعياً، ولذا ورد في بعض الأحاديث التفرقة بين تقبيل المرأة وتقبيل الأمّ، وأنّ تقبيل الأمّ لا إشكال فيه، لأنّه قبلة رحمة لا قبلة شهوة([964]) .

النقطة الثالثة: في تحديد الكفّارة وموجبها، وأنّه مطلق التقبيل، أو التقبيل بشرط حصول الإمناء؟

وأساس هذا البحث هو اختلاف الروايات وكيفية معالجتها؛ ففي حسنة الحلبي عن أبي عبدالله(ع) قال: ... قلت: المحرم يضع يده بشهوة، قال: يهريق دم شاة، قلت: فإن قبّل؟ قال: هذا أشدّ ينحر بدنةً([965]).

وهذه الرواية مطلقة لم يقيّد وجوب الكفّارة فيها بحصول الإمناء، بينما قيّد به في صحيحة مسمع أبي سيّار السابقة، حيث قال: وإن قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله([966]). وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ مقتضى القاعدة هو حمل المطلق على المقيّد، فتختصّ الكفّارة حينئذٍ بما إذا أمنى بعد التقبيل.

وقد تحفّظ السيد الأستاذ(قده) على حمل المطلق على المقيّد هنا ـ ونوافقه على ذلك ـ لأمرين:

الأوَّل: إنّ ملازمة الإمناء للتقبيل أمرٌ نادر؛ فما أكثر ما يقبّل الأزواج زوجاتهم من دون حصول الإمناء؛ لأنّ الإمناء يحتاج إلى حالة من الشبقية والهيجان الجنسي لا يستتبعها التقبيل عادةً. وبناء على ذلك، يكون حمل المطلق على المقيّد هنا حملاً على الفرد النادر. وهو أمرٌ مستهجن بحسب طريقة التفاهم العرفي؛ فإنّ العرف يستغرب أن يطلق الإنسان الحكم على عنوان ويكون مقصوده الحقيقي الواحد في المائة منه.

الثَّاني: إنّ مقتضى صحيحة مسمع وجوب التكفير بشاة عند التقبيل من غير شهوة، ووجوب بدنة عند التقبيل مع الإمناء، فإذا قيّدنا التكفير في حسنة الحلبي بصورة حصول الإمناء، فذلك يعني بحسب المفهوم أنّه إن لم يمنِ فلا تجب عليه البدنة، وتجب حينئذٍ الشاة بمقتضى صحيحة مسمع. وهذه النتيجة تتنافى مع صريح الرواية بأنّ الكفّارة في التقبيل أشدّ منها في المسّ بشهوة، فإذا كان في المسّ بشهوة شاة وكان في التقبيل من دون إمناء شاة أيضاً، فأين هو وجه الأشدّية حينئذٍ؟!

وبناءً على هاتين الملاحظتين، نحن نوافق السيد الأستاذ(قده) في ما ذكره من الاحتياط الوجوبي في وجوب البدنة حتى مع عدم الإمناء([967]).

 

تروك الإحرام

مسألة [215]: إذا قبّل المحلّ زوجته المحرمة فالأحوط أن يكفّر بدم شاة(1).

...............................................................................................................................................................

(1) في هذه المسألة نقطتان ينبغي البحث فيهما:

النقطة الأولى: مقتضى القاعدة هنا عدم حرمة التقبيل على الزوج المحلّ، وعدم وجوب الكفّارة عليه؛ لأنَّ موضوع أدلّة الحرمة والكفّارة إنّما هو المحرم، سواء أكان الطرف الآخر محرماً أم محلاً.

وقد استند السيّد الأستاذ(قده) في هذه المسألة إلى روايتين، إحداهما ضعيفة والأخرى صحيحة، ولكنّه لم يفتِ بمضمونها وإنّما احتاط وجوبياً؛ وعلّل ذلك بإعراض الأصحاب عنها وتركهم العمل بمضمونها. ثم التفت(قده) إلى إشكال يرد عليه في ذلك، باعتبار أنّه لا يرى إعراض المشهور موهناً ولا عملهم جابراً، فأجاب عنه بأنّ هناك فرقاً بين إعراض المشهور وإطباق جميع الأصحاب على ترك العمل بالرواية، وأنّ الأوّل هو الذي لا يوجب وهن الرواية، بينما الثاني يسقطها عن الحجّية رأساً([968]).

وهذا عجيبٌ منه(قده)؛ إذ أيّ فرقٍ بين أن يترك سبعون عالماً مثلاً العمل بروايـة صحيحـة، فلا يكون ذلك موهناً لها، وبين أن نزيد عليهم عدّة آخرين مثلاً فتسقط حينئذٍ عن الحجّيّة؟!

وهذا أيضاً لا يتوافق مع الوجه الذي يذكره(قده) في الأصول، لعدم تأثير عمل المشهور أو إعراضهم على جبر الرواية أو ضعفها، من أنّ إعراضهم أو عملهم قد يكون ناتجاً من قرائن اجتهادية، ولعلّنا إذا اطّلعنا عليها لا نرتضيها ولا نأخذ بها؛ حيث إنّ هذا الوجه يجري أيضاً حتى لو زاد عدد تاركي العمل بالرواية.

إنّ حقيقة الإشكال الذي وقع فيه(قده) هنا ترجع إلى قوله بحجّية خبر الثقة لا حجّية الخبر الموثوق، لذا كان من الصعب عليه بيان وجه مقبول للفرق الذي ذكره، بينما بناءً على القول بحجّية الخبر الموثوق به نوعاً ـ والذي نقول به نحن ـ يكون عمل المشهور أو إعراضهم مؤثّراً في حصول الوثوق بالخبر وعدمه، خصوصاً في مثل المقام، حيث أطبق الأصحاب على ترك العمل بالرواية، فيصحّ ما ذكره(قده) من فرقٍ ولكن على غير مبناه.

إذاً، نحن نوافق السيّد الأستاذ على النتيجة، ولكنَّنا نخالفه في طريق الوصول إليها. واحتياطه في المسألة وإن كان وجوبياً، ولكنَّه بحسب ما ذكره ينبغي أن يكون استحبابياً، خصوصاً مع مخالفة الحكم لمقتضى القاعدة كما ذكرنا.

النقطة الثانية: ذكر السيد الخوئي(قده) أنّ تقبيل المرأة المحرمة زوجها ليس فيه شيءٌ؛ لاختصاص النصوص المانعة بتقبيل الرجل المحرم زوجته، والكفّارة أيضاً إنّما تترتب على تقبيل الرجل المحرم، ولا تثبت في تقبيل المرأة المحرمة زوجها، فهذه أمورٌ تعبدّية يجب الوقوف عندها.

ولا يمكن الموافقة على ما ذكره؛ لأنّ هذه الحرمة من شؤون الإحرام، تماماً كما في الجماع، فإنّه يحرم على المرأة الإقدام على ذلك إذا كانت محرمةً، رغم أنّ الأدلّة إنّما ذكرت الرجل، فهل يلتزم(قده) بجواز إقدام المرأة المحرمة على الجماع؟ وأيضاً فإنّ طواف النساء مشتركٌ بينهما، ولا يحلّ لأيّ منهما شيءٌ من الاستمتاعات إلا بعد الإتيان به.

ولا يمكن استيحاء ذلك من مثل التظليل ولبس المخيط، حيث يحرمان على الرجل دون المرأة؛ لأنّ هذين من الأمور التي تختصّ بالرجل المحرم، بخلاف الاستمتاعات الجنسية، فإنّها علاقة ذات طرفين.

وأمّا وجه عدم تعرّض الروايات للمرأة، فقد أشبعنا فيه البحث في المسألة السابقة.

 

4 ـ مسّ النساء:

مسألة [216]: لا يجوز للمحرم أن يمسّ زوجته أو يحملها أو يضمّها إليه عن شهوة، فإن فعل ذلك فأمنى أو لم يمنِ، لزمه كفّارة شاة، فإذا لم يكن المسّ والحمل والضمّ عن شهوة فلا شيء عليه(1).

...............................................................................................................................................................

(1) هذا الحكم ممّا تقتضيه الأدلّة التي دلّت على حرمة استمتاع المحرم بالنساء، كما أنّ المسّ عن شهوة هو بعض ما التزم لله تعالى تركه حين عقد إحرامه، مضافاً إلى عدّة من الروايات تدلّ عليه، منها:

1 ـ صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبدالله(ع): المحرم يضع يده على امرأته، قال: لا بأس، قلت: فينزلها من المحمل ويضمّها إليه، قال: لا بأس، قلت: فإنّه أراد أن ينزلها من المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة، قال: ليس عليه شيء إلا أن يكون طلب ذلك([969]).

فالمسألة إذاً تدور مدار طلب الشهوة وعدمه.

2 ـ صحيحة سعيد الأعرج، وفيها أنّه سأل أبا عبدالله(ع) عن الرجل ينزل المرأة من المحمل فيضمّها إليه وهو محرم، فقال: لا بأس إلا أن يتعمّد، وهو أحقّ أن ينزلها من غيره([970]). باعتبار كونه هو المحرم لها.

3 ـ صحيحة مسمع أبي سيّار قال: قال لي أبو عبدالله(ع): يا أبا سيّار، إنّ حال المحرم ضيّقة... ومن مسّ امرأته بيده وهو محرمٌ على شهوة فعليه دم شاة... وإن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شيء عليه([971]).

والمسألة واضحة لا تحتاج إلى كثير بحث. نعم، هناك بحث في أنّه هل الإمناء شرطٌ في وجوب الكفّارة أو لا؟

مقتضى إطلاق صحيحة مسمع عدم شرطية الإمناء، ولكن ينافيه مفهوم قوله في صحيحة معاوية بن عمَّار عن الصادق(ع): ... وإن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم([972]). فإنّه يدلّ على عدم ثبوت الكفّارة عليه عند عدم الإمناء.

ولكن لا يمكن الأخذ بهذا المفهوم هنا لأمرين:

الأوَّل: إنّ حمل المسّ عن شهوة على صورة الإمناء وتقييده بها حملٌ على الفرد النادر؛ فإنه قلّما يحصل الإمناء عند مسّ الزوجة عن شهوة إلا عند الشخص الشبق فوق العادة.

الثَّاني: إنّ المسألة لا تقف عند حدّ الإطلاق في صحيحة مسمع حتى يقال إنّ ذاك مطلقٌ وهذا مقيّدٌ فيحمل المطلق على المقيّد، بل هناك رواية أخرى في هذا المجال صريحة في عدم الفرق بين الإمناء وعدمه، فتكون بذلك آبية عن التقييد، وهي ما رواه محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبدالله(ع) عن رجل حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أمذى؟ قال: إن كان حملها أو مسّها بشيء من الشهوة فأمنى أو لم يمنِ، أمذى أو لم يمذِ، فعليه دم يهريقه([973]).

فالعبرة إذاً هي في المسّ عن شهوة وطلب ذلك وتعمّده، ولا دخالة للإمناء وعدمه فيه، فدلالة الرواية تامّة ولا غبار عليها.

ولكنَّ المشكلة تكمن في سندها؛ فقد ذكر السيد الأستاذ(قده) أنّها قد رويت بطرق ثلاثة:

الأوَّل: ما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم عن علي بن أبي حمزة عن حمّاد عن حريز عن محمد بن مسلم، وقال(قده) إنَّ هذا الإسناد ضعيف جداً لوجود علي بن أبي حمزة البطائني فيه، وهو الكذّاب المشهور.

ويمكن أن يلاحظ على ذلك أنّ الكاذب قد يصدق أحياناً، خصوصاً إذا كانت روايته تتفق مع الإطلاقات الموجودة في روايات أخرى كما في المقام. ونحن نقول إنّه لا بدّ للإنسان في المسائل الرجالية من أن لا يتوقف دائماً عند شخصية الراوي، بل لا بدّ من أن يدرس، مضافاً إلى ذلك، أموراً أخرى، مثل أنّه هل هناك دافعٌ يدفعه إلى الكذب أو لا؟ أو هل إنَّ روايته موافقة لروايات معتبرة غيرها أو لا؟ فإنّه من خلال التوافق في المضمون يمكن حصول الوثوق النوعي بها، فتكون حجّةً بحسب ما هو المبنى في الحجّية لدينا.

ونحن إذا تأملنا في تلك المرحلة، نجد أنّ دوافع الكذب كانت تنطلق من الخلافات المذهبية أو الكلامية، لذا وجدت روايات في موضوع الإمامة تصل إلى حدّ الغلوّ، أو تعتبر دليلاً على مذهب من المذاهب الباطلة أو الآراء الضالّة، تماماً كما هي حال الصحافة في زماننا، حيث تمارس الكذب في أخبارها لأجل التسويق لوضع سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي معيّن. أمّا في مثل المقام، وأنّ محرماً مسّ امرأةً فأمنى أو لم يمنِ، فهذا لا يظهر أيّ دافع للكذب فيه.

وقد يحاول البعض توجيه دافع الكذب بتصويره من خلال احتمال أن ينطلق الكاذب في كذبه بهدف زيادة عدد رواياته.

ويمكن التعليق على ذلك، بأنّنا قد تعوّدنا في الحوزات العلمية والمدرسة الفقهية الهندسية، أن نأخذ بمجرد الاحتمال ولو لم يكن عقلائياً ومنطلقاً من طبيعة حركة الناس في الواقع ودوافعهم لذلك، والصواب هو أن يكون الاحتمال عقلائياً معتدّاً به، وإلا حتى الاطمئنان والظهورات تجامع الاحتمال، فهل يؤخذ بهذا الاحتمال معها؟!

الثَّاني: ما رواه الصدوق(ره) عن محمّد بن مسلم. وهو أيضاً سندٌ ضعيفٌ؛ لوجود عليّ بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله عن أبيه في الطريق، وهما لم يوثّقا.

الثَّالث: ما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم، عن عبدالرحمن، عن علاء، عن محمد بن مسلم. وهذا الطريق صحيح ورجاله ثقات، ولكن يبقى هنا إشكال في تحديد هويّة عبدالرحمن؛ حيث إنّه مشترك بين عبدالرحمن بن أبي نجران وهو ثقة، وعبدالرحمن بن سيّابة الذي لم يوثّق.

5 ـ النظر إلى المرأة وملاعبتها:

مسألة [217]: إذا لاعب المحرم امرأته حتى يمني لزمته كفّارة بدنة، ومع العجز عنها فشاة. وإذا نظر إلى امرأة أجنبية عن شهوة أو غير شهوة فأمنى وجبت عليه الكفّارة، وهي بدنة أو جزور على الموسر، وبقرة على المتوسط، وشاة على الفقير، وأمّا إذا نظر إليها ـ ولو عن شهوة ـ ولم يمنِ، فهو وإن كان مرتكباً لمحرّم إلا أنّه لا كفّارة عليه(1).

...............................................................................................................................................................

وقد رجّح السيد الخوئي(قده) أن يكون المقصود به ابن أبي نجران؛ من جهة رواية موسى بن القاسم عنه ورواية عبدالرحمن عن علاء، أمّا عبدالرحمن بن سيّابة، فإنّه وإن يروي عنه موسى بن القاسم، ولكنّه لا يروي عن علاء.

وعلى كلّ حال، سواء صحّت الرواية عبر هذا الطريق أو لم تصحّ، هي معتبرة على أساس الوثوق النوعي كما بينّا، من ناحية موافقتها في المضمون للروايات المطلقة.

(1) ممّا لا شك فيه أنّ الملاعبة تمثّل لوناً من ألوان الاستمتاع فتكون محرّمةً، خصوصاً إذا أدّت إلى الإمناء، وحينئذٍ يجب عليه التكفير؛ لصحيحة عبد الرحمن ابن الحجّاج، قال: سألت أبا الحسن(ع) عن الرجل يعبث بأهله وهو محرمٌ حتى يمني من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال: عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما على الذي يجامع([974]). وقد مرّت معنا كفّارة الجماع أثناء الإحرام، وهي ـ كما في صحيحة علي بن جعفر([975]) ـ مع اليسر بدنة، ومع العجز عنها شاة.

ولكن لا يجب عليه الحجّ من قابل؛ لصحيحة معاوية بن عمَّار وحسنته([976])، الواضحتين في أنّ المناط في وجوب الحجّ من قابل إنّما هو الجماع في الفرج.

وبالنسبة إلى نظر المحرم، فإنّه تارةً يكون إلى الزوجة وأخرى إلى غيرها، وقد يكون مع الشهوة وبدونها، وفي كلّ الحالات قد يؤدّي إلى الإنزال، وقد لا يؤدّي إليه. والبحث هنا هو في مسألة النظر إلى الأجنبية مع لحاظ مسألتي الشهوة وعدمها والإنزال وعدمه.

وما يجدر الكلام عنه في هذه المسألة نقطتان:

النقطة الأولى: في تحديد الأساس في موضوع الكفّارة، وأنّه خصوص نظر المحرم إلى غير أهله، أو أنّه مركّب من النظر وترتّب الإنزال عليه؟

والسبب في هذا البحث اختلاف الروايات، ففي الصحيح عن زرارة قال: سألت أبا جعفر(ع) عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل؟ قال: عليه جزور أو بقرة، فإن لم يجد فشاة([977]). فهذه الرواية ظاهرة في أنّ الموضوع مركّب من الأمرين، النظر إلى غير الأهل والإنزال.

بينما في موثّقة أبي بصير جعل الأساس مسألة النظر، قال أبو بصير: قلت لأبي عبدالله(ع): رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى؟ فقال: إن كان موسراً فعليه بدنة، وإن كان وسطاً فعليه بقرة، وإن كان فقيراً فعليه شاة. ثمّ قال: أمّا إنّي لم أجعل عليه هذا لأنّه أمنى، إنّما جعلته عليه لأنّه نظر إلى ما لا يحلّ له([978]).

وهي ظاهرة ظهوراً واضحاً بيّناً في أنّ الأساس إنّما هو النظر إلى ما لا يحلّ، وأمّا قضية الإمناء، فالظاهر أنّها غير أساسية في ثبوت الكفّارة، وهذا هو مقتضى التعليل فيها؛ لأنّ التفصيل قاطعٌ للشركة.

ومثلها صدر حسنة معاوية بن عمَّار في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل، قال: عليه دم لأنّه نظر إلى غير ما يحلّ له([979]).

فإنّها ظاهرة في أنّ المرتكز في ذهن السائل كون الإنزال هو الأساس في ثبوت الكفّارة، لذا كان جواب الإمام(ع) معلّلاً، وأنّ الكفّارة هي لأجل النظر إلى غير ما يحلّ له.

فهاتان الروايتان واضحتان في أنّ موضوع الكفّارة هو النظر إلى غير ما يحلّ له، وتنفيان كون الموضوع هو المركّب من الإمناء والنظر.

وقد استظهر السيد الخوئي(قده) من الرواية الأخيرة كون الأساس هو الإمناء المسبّب عن النظر المحرّم، أي إنّ الموضوع مركّب، ولم يذكر وجه هذا الاستظهار. ويمكن أن يكون وجهه أنه(قده) اعتبر أنّ الإمام(ع) لم يكن في مقام بيان نفي سببية الإنزال من الأساس، بل في مقام تنبيه السائل على أنّ الإنزال ليس هو كلّ القضية، بل بما هو مسبَّبٌ عن النظر المحرّم.

وهذا الكلام معقولٌ، ولكن ينافيه صراحة تعليل الإمام في موثّقة أبي بصير.

إلاّ أنّ السيد الأستاذ(قده) أيّد هذا الوجه بما ورد في ذيل حسنة معاوية بن عمَّار السابقة من قوله: وإن لم يكن أنزل فليتّق الله ولا يعُد، وليس عليه شيء؛ حيث إنّ هذا الذيل يدلّ على مدخلية الإنزال في ثبوت الكفّارة، وأنّه يحرم عليه النظر إلى ما لا يحلّ له، ولكنّه بمجرده لا يوجب الكفّارة؛ فيكون الموضوع مركّباً من النظر والإنزال.

والنتيجة هي أنّه لولا هذا الذيل، لقلنا بوجوب الكفّارة بمجرد النظر إلى ما لا يحلّ ولو لم يحصل الإنزال، ولكن مع هذا الذيل نقول إنّ الموضوع مركّب.

وهنا شبهة تواجه رواية معاوية بن عمار، وهي أنّها أساساً فتوى لابن عمَّار وليست روايةً عن الإمام(ع)، فلا تكون حجّةً.

وقد أجاب السيد الأستاذ(قده) عن هذه الشبهة بأنّه من المطمأن به أنّها من تتمات رواية معاوية بن عمَّار الأخرى المتعرّضة لحكم النظر إلى الزوجة([980])، لأنّهما بسند واحد، ولكن تقطيع الروايات لأجل تبويبها سبّب الاشتباه بكونهما روايتين. والذي قطّع الروايات هو الكليني(ره)، وقد جعلهما في باب واحد. أضف إلى ذلك أنّه(ره) قد التزم في ديباجة (الكافي) بأن لا يروي إلا عن المعصومين(ع) ([981]).

مسألة [218]: إذا نظر المحرم إلى زوجته عن شهوة فأمنى وجبت عليه الكفّارة، وهي بدنة أو جزور، وأمّا إذا نظر إليها بشهوة ولم يمنِ، أو نظر إليها بغير شهوة فأمنى فلا كفّارة عليه(1).

...............................................................................................................................................................

وما ذكره(قده) بالنسبة إلى التزام الكليني غير دقيق؛ لروايته(ره) أحياناً فتاوى ابن شاذان ويونس بن عبد الرحمن.

بخلاف ما ذكره من قرينة اتّحاد الرواية، فإنّها قرينة لا بأس بها. ويمكن أن يضاف إليها أنّه لم يعرف عن معاوية بن عمَّار الإفتاء كما هو حال يونس بن عبدالرحمن مثلاً في الرواية المعروفة: أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم([982]). فتكون هذه قرينة أخرى تقوّي احتمال كون المنسوب إلى ابن عمَّار هنا رواية له عن الإمام(ع)، لا فتوى منه.

النقطة الثانية: في تحديد الكفّارة. وهي بحسب صحيحة زرارة السابقة مخيّرة بين جزور وبقرة، فإن لم يجد فشاة، ولكنّها بحسب موثّقة أبي بصير السابقة أيضاً مرتّبة؛ فعلى الموسر بدنة، وعلى الوسط بقرة، وعلى الفقير شاة.

ولا بدّ من الأخذ بموثّقة أبي بصير، لصراحتها في الترتيب، ما يجعلها أظهر من رواية زرارة، فتقدّم عليها.

(1) لا إشكال في نظر المحرم إلى زوجته من دون شهوة فيما إذا لم يترتّب عليه الإمناء، ويدلّ عليه صحيحة الحلبـي قال: قلت لأبي عبدالله(ع): المحرم ينظر إلى امرأته وهي محرمة، قال: لا بأس([983]).

ولكن يقع البحث في ثلاث صور أخرى:

الصورة الأولى: أن يكون النظر بشهوة ويمني. وحكمه هو الحرمة ووجوب الكفّارة فيه، ويدلّ عليه أولاً: ما في صحيحة مسمع أبي سيّار عن أبي عبدالله(ع)، من أنَّ من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور([984]).

وما في حسنة معاوية بن عمَّار عنه(ع)، في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى يُنزِل، قال: عليه بدنة([985]).

ولكن ينافيهما موثّقة إسحاق بن عمَّار عن الصادق(ع) في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى، قال: ليس عليه شيء([986]).

وقد ذهب صاحب (الجواهر) إلى أنّ الموثّقة لا تقاوم ما دلّ على ثبوت الكفّارة من وجوه. ولكنّه لم يذكر هذه الوجوه، فيُحتمل أن يكون من باب أنّه في هذا الطرف روايتان صحيحتان وهناك رواية واحدة موثّقة. ولكنّه ليس بشيء؛ لأنّ العدد لا يصلح أساساً للترجيح. كما أنّ المدار هو على الحجّيّة، والموثّقة حجّة كالصحيحتين؛ بل إنّ خبر العادل إنّما يقبل بلحاظ صدقه ووثاقته، والعدالة في المُخبِر لا تزيد في وثاقته، كما أنّ عدمها في خبر الثقة لا يُنقِص من وثاقته.

والسيد الخوئي(قده) يرى أنّ هذه الرواية لم يأخذ بها أحدٌ من الأصحاب، وهذا أقوى من إعراض المشهور، الأمر الذي يوجب سقوطها عن الحجّية. وقد مرّ منّا بيان مستنده(قده) في عدم تأثير إعراض المشهور وإشكالنا عليه، فليراجع ثمّة.

ولكنّه في الأخير حمل الرواية على التقية فقال: «والذي أطمئن به شخصياً صدور هذه الموثّقة تقيةً، ولم أرَ من تنبّه لذلك؛ والوجه في ذلك أنّه يظهر من ابن قدامة في المغني عند تعرّضه لهذه المسألة شهرة القول بعدم الكفّارة عند فقهاء العامة، حيث ينسب القول بثبوت الكفّارة إلى ابن العباس فقط، ونسب القول بالعدم إلى الأحناف والشافعية، ولم يتعرّض لآراء بقيّة الفقهاء، فيكشف ذلك شهرة القول بالعدم عند العامة. فالرواية صادرة تقيةً، ولا أقلّ من أنّ هذا القول يشبه فتاويهم فتسقط الرواية عن الحجّية»([987]).

ونحن وإن كنّا نتأمّل كثيراً في الحمل دائماً على التقيّة، إلاّ أنّ احتمالها في هذه الرواية، مع إعراض الأصحاب عنها، يكفي في ترجيح الصحيحتين عليها.

وثانياً: إنّ النظر بشهوة يعتبر نوعاً من أنواع الاستمتاع بالنساء التي يلتزم المحرم على نفسه تركها في صيغة الإحرام. ونحن نتصوَّر أنَّ النظر عن شهوة يُقصد به أساساً النظر الذي يقصد الإنسان من خلاله الوصول إلى الإمناء.

وثالثاً: إنّ الحرمة هنا هي مقتضى وجوب الكفّارة الثابت في النصوص؛ لأنّ الكفّارة ـ إلاّ ما خرج بالدليل كقتل الخطأ ـ تكون عن ذنب، فالملازمة بين الكفّارة والحرمة تقتضي الحكم بالحرمة هنا.

الصورة الثانية: أن يكون النظر بشهوة مع عدم حصول الإمناء. ويدلّ على حرمته الدليل الثاني نفسه في الصورة الأولى. ولكن لا كفّارة هنا؛ لعدم الدليل عليها أوّلاً، بل وللدليل على عدمها؛ فإنّ صحيحة مسمع السابقة رتّبت الكفّارة على عنصرين، هما نظر الشهوة والإمناء، ومقتضى مفهوم الشرط انتفاء الكفّارة عند انتفاء أحد هذين العنصرين، وهو المطلوب.

كما ويدلّ على ذلك مفهوم قوله في حسنة معاوية بن عمّار: المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل، قال: عليه بدنة([988])؛ فإنّ مفهوم ذلك أنّه إذا لم يُنزل فلا بدنة عليه.

الصورة الثالثة: أن يكون النظر من غير شهوة. فهذا لا إشكال فيه حتى لو فُرض ـ بعيداً ـ سبق الإمناء منه من دون اختيار، ويدلّ عليه صدر حسنة معاوية بن عمّار: عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرمٌ؟ قال: لا شيء عليه، ولكن ليغتسل ويستغفر ربّه.

وهذا الصدر مطلقٌ، فيتوقف الاستدلال به في المقام على أن يُراد به خصوص النظر من دون شهوة، كما حمله عليه الشيخ(ره). وهذا يمكن استفادته من خلال ملاحظته مع ذيل الرواية الذي سبق الاستدلال به على حكم الصورة السابقة، فإنَّه صريحٌ بثبوت الكفّارة مع كون النظر بشهوة، فلو كان يُراد بالنظر في الصدر ما يكون عن شهوة أيضاً لوقع التنافي بين الصدر والذيل، فدفعاً للتنافي بينهما، يحمل النظر في الصدر على ما لا يكون بشهوة، وهو المطلوب.

مسألة [219]: يجوز استمتاع المحرم من زوجته بالتحدّث إليها ومجالستها ونحو ذلك على الأظهر، وإن كان الأحوط استحباباً ترك الاستمتاع منها مطلقاً(1).

...............................................................................................................................................................

وهناك مشكلة أخرى تواجه الاستدلال بصدر هذه الرواية، تنطلق من مفهوم كلمة الاستغفار فيه الظاهر في ارتكاب الذنب، ما يعني أنّ النظر كان بشهوة، وإلا فإنّ النظر إلى الزوجة من دون شهوة حال الإحرام ليس محرّماً فلا يجب الاستغفار منه.

وقد دخل السيد الأستاذ(قده) هنا في بحث تفسيري وكلامي معتمداً على جملة من الآيات والروايات الشريفة والأدعية المأثورة، خلص فيه إلى أنّ الاستغفار قد يستعمل في مورد لا يكون ذنباً بحيث يجب التوبة والاستغفار منه، بل يكون شيئاً مرجوحاً ذاتاً، أو بالنسبة إلى الأنبياء والأئمة(ع)، بأن يكون من الأمور التي تعتبر انشغالاً لهم عن الله تعالى.

وهذا التفسير وإن كان هو المعروف بينهم إلا أنّه غير عرفي. والأولى أن يقال: إنّ كلمة الاستغفار لكثرة استعمالها في الاستغفار عن ذنب بما فيه من طلبٍ للرضا والمحبّة الإلهية وإظهارٍ للعبودية لله تعالى، أصبحت تختزن معنى طلب الرضا؛ ولذلك لا يبعد أن يكون استغفار الأنبياء والأولياء معناه طلب الرضا، فكأنّهم يقولون: الّلهم ارضَ عنّا أو أحبّنا.

وهناك تفسير آخر لاستغفار المعصوم، هو أنّه يتكلّم بلسان أنا الإنسان؛ وهذا يأتي في مقام الاعتراف بالذنب.

(1) إذا أُخِذ بالملاك العام ـ قضيّة الاستمتاع الذي حرّمه المحرم على نفسه عند إنشاء الإحرام ـ فليس هناك من فرقٍ في الحرمة بين أشكال الاستمتاع.

6 ـ الاستمناء:

مسألة [220]: الاستمناء على أقسام:

1 ـ الاستمناء بدلك العضو التناسلي باليد أو غيرها، وهو حرامٌ مطلقاً، وحكمه في الحجّ والعمرة حكم الجماع في الكفّارة، غير أنّه لا يبطل به الحجّ ولا العمرة.

2 ـ الاستمناء بتقبيل الزوجة أو مسّها أو ملاعبتها أو النظر إليها، وحكمه ما تقدّم في المسائل السابقة.

3 ـ الاستمناء بالاستماع إلى حديث امرأة أو نعتها أو بالخيال أو ما شاكل ذلك، وهذا محرّم على المحرم أيضاً، ولكن الأظهر عدم ثبوت الكفّارة عليه بسببه، ولا يفسد الحجّ ولا العمرة(1).

...............................................................................................................................................................

ولكن قد يقال إنَّ الاستمتاع بالصوت ونحوه ممّا لا يمثّل عملاً يقصده الإنسان باختياره، لا يشمله ما حرّمه الإنسان المحرم على نفسه؛ لعدم كونه من المتعارف في الاستمتاع، فيبقى التحريم خاصّاً بما يتمثّل في الممارسات التي يمارسها المحرم للاستمتاع بشكل معروف بين الناس، كالنظر واللمس ونحو ذلك. ولكن الاحتياط في هذه المسألة حسنٌ.

(1) الاستمناء عنوان مستقل غير الجماع، وهو إخراج المني بغير الجماع، ويمكن أن يتحقّق بأحد الأسباب الثلاثة المذكورة في المتن. وهو وإن كان محرّماً على المحرم بكلّ أسبابه، إلاّ أنّ هناك اختلافاً بين أقسامه في ترتّب الكفارة والحجّ من قابل.

أمّا القسم الأوّل، ففيه مضافاً إلى الكفارة وجوب الحجّ من قابل؛ لموثّقة إسحاق بن عمَّار عن أبي الحسن(ع) قال: قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال: أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرمٌ، بدنة والحجّ من قابل([989]).

7 ـ عقد النكاح:

مسألة [221]: يحرم على المحرم التزويج لنفسه، أو لغيره، سواء أكان ذلك الغير محرماً أم كان محلاً، وسواء أكان التزويج تزويج دوام أم كان تزويج انقطاع، ويفسد العقد في جميع هذه الصور(1).

...............................................................................................................................................................

وأمّا القسم الثاني، ففيه الكفّارة فقط، دون الحجّ من قابل؛ وقد مرّ وجهه عند البحث في المسألة 217.

وأمّا القسم الثالث، فهو وإن كان محرّماً أيضاً، لكن ليس فيه الكفّارة؛ لأنّها أوّلاً: مختصّة بصورة ما إذا عبث بأهله أو بذكره، وثانياً: لعدّة من الروايات الواضحة في ذلك([990]).

(1) المستفاد من الروايات لزوم أن يبتعد المحرم عن كلّ ما يتعلّق بالنساء في الجانب الجنسي، فكما عليه أن يبتعد عن العلاقة المباشرة بهنّ، عليه أيضاً أن لا يتسبّب إلى هذه العلاقة، سواء لنفسه أو لغيره.

والحرمة هنا تكليفية ووضعية بمعنى بطلان العقد. وهناك بحثٌ أيضاً أساسه الروايات في كونها حرمةً أبديّةً، محلّه كتاب النكاح.

وأساس الحكم هنا تكليفاً ووضعاً، وكذا سائر فروع المسألة التي سوف تأتي، من الواضحات، وعلى ذلك العديد من الروايات، منها:

1 ـ صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله(ع) قال: ليس للمحرم أن يتزوّج ولا يزوِّج، وإن تزوَّج أو زوّج مُحِلاً فتزويجه باطل([991]). وهي تبيّن كلا الحكمين، التكليفي والوضعي.

وقد دخل السيد الأستاذ(قده) هنا في بحث حول كون الوارد في الرواية هو (وإن تزوّج) أو (فإن تزوّج)، فقال إنَّها في كلٍ من (التهذيب) و(الفقيه) و(الاستبصـار) معطوفـة بالفـاء، وأنّ العطف بالـواو كمـا في (الوسائـل) غلط.

مسألة [222]: إذا عُقد لمحرمٍ امرأة فدخل بها، فعلى كلّ من العاقد والرجل والمرأة كفّارة بدنة، إذا كانوا عالمين بالحال ـ حكماً وموضوعاً ـ، وإذا كان بعضهم عالماً دون بعض فلا كفّارة على الجاهل، ولا فرق في ما ذكر بين أن يكون العاقد والمرأة محلّين أو محرمين(1).

...............................................................................................................................................................

وذلك يؤدّي ـ حسب قوله ـ إلى أن تكون الرواية، فيما إذا كانت معطوفةً بالفاء، أظهر في الدلالة على الحرمة التكليفية ـ مضافاً إلى الوضعية ـ ممّا إذا كانت معطوفةً بالواو؛ لأنّ العطف بالواو يُحتمل فيه التأكيد، بينما الظاهر من الفاء هو التفريع، ولا معنى لتفريع الشيء على نفسه([992]).

ولكنَّنا لا نرى ضرورةً لهذا البحث، والرواية على كل حال ظاهرة في إرادة كلتا الحرمتين التكليفية والوضعية، بل إنّ الحكم الوضعي في المقام متفرّعٌ عن الحكم التكليفي.

2 ـ صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله، قال: قال له أبو عبدالله(ع): إنّ رجلاً من الأنصار تزوّج وهو محرمٌ، فأبطل رسول الله(ص) نكاحه([993]).

نعم، في خبر المفضّل، أنّ الصادق(ع) أجاز زواج الكلبي. ولكنّ مورد الرواية هو قصد الزواج حين إرادة الإحرام، أي أنّه لم يكن قد أحرم بعدُ([994]).

(1) ويدلّ على الحكم بهذا التفصيل موثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله(ع) قال: لا ينبغي للرجل الحلال أن يُزوّج محرماً وهو يعلم أنّه لا يحلّ له، قلت: فإن فعل فدخل بها المحرم، فقال: إن كانا عالمين فإنّ على كلّ واحد منهما بدنة، وعلى المرأة إن كانت محرمةً بدنةٌ، وإن لم تكن محرمةً فلا شيء عليها، إلا أن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها مُحرم، فإن كانت علمت ثم تزوّجته فعليها بدنة([995]).

مسألة [223]: لا يجوز للمحرم أن يشهد عقد النكاح ويحضر وقوعه على الأحوط وجوباً، والأحوط الأولى أن يتجنّب أداء الشهادة عليه أيضاً وإن تحمّلها محلاً(1).

مسألة [224]: الأحوط الأولى أن لا يتعرّض المحرم لخطبة النساء. نعم، يجوز له الرجوع إلى مطلّقته الرجعية، كما يجوز له طلاق زوجته(2).

...............................................................................................................................................................

(1) أمّا الاحتياط الوجوبي في حرمة حضور مجلس العقد والشهادة عليه، فهو باعتبار دعوى الإجماع عليه، ووجود روايتين تدلان عليه ولكن مرسلتين([996]).

وأمّا أداء الشهادة بعد تحمّلها، فهو ممنوع على نحو الاحتياط الاستحبابي، خروجاً عن خلاف من خالف، وإلاّ فإنّه لا دليل عليه. مع ملاحظة أنّ ظاهر الرواية هو المنع عن حضور مجلس النكاح لا أداء الشهادة عليه، بل إنّ أداء الشهادة ـ خصوصاً إذا تحمّلها وهو محلٌّ ـ قد يكون واجباً، لما دلّ على حرمة كتمان الشهادة([997])، وليس هناك ما يمنع عنه، باعتبار أنّ أداء الشهادة مجرد إخبار عن أمرٍ سابق، ففرق بين أدائها وتحمّلها.

(2) لا دليل على حرمة تعرّض المحرم لخطبة النساء سوى ما ورد في (الكافي) زيادة عمّا في (التهذيب) من قوله في مرسلة ابن فضّال: (ولا يخطب)([998])؛ لذا فالأولى تركه.

وأمّا الرجوع إلى المطلّقة الرجعية فلا إشكال فيه؛ لأنّ المطلّقة الرجعية زوجة، على خلافٍ بينهم في كونها كذلك حقيقةً أو حكماً، وعليه، فلا يصدق على الرجوع إليها التزويج ليكون منهياً عنه.

وأمّا إيقاع الطلاق فإنّه جائزٌ للمحرم، لعدّة روايات تدلّ عليه([999]).

 

 

المصادر والمراجع

ونذكر في هذا الجزء المراجع الجديدة فقط التي لم يرد الاعتماد عليها في الجزء الأول، ونحيل ما عداها إلى ما ورد في الجزء الأوّل.

ـ أ ـ

1 ـ إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، للشيخ أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي المعروف بالعلاّمة الحلّي، المتوفَّى سنة 726ﻫ. تحقيق الشيخ فارس الحسون، طباعة ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم المشرّفة، الطبعة الأولى 1410ﻫ.

2 ـ إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، تأليف فخر المحقّقين الشيخ أبي طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي، المتوفَّى سنة771 ﻫ. تحقيق وتعليق السيد حسين الموسوي الكرماني، والشيخ علي بناه الإشتهاردي، والشيخ عبدالرحمن البروجردي، وطبع بأمر آية الله العظمى السيد محمد الشاهرودي(قده) على نفقة الحاج محمد حسين كوشانبور في المطبعة العلمية ـ قم، الطبعة الأولى سنة 1387ﻫ.

ـ ب ـ

3 ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تأليف العلاّمة الحجّة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي(قده)، المتوفَّى سنة 1111ﻫ. طباعة نشر وتوزيع مؤسسة الوفاء، لبنان ـ بيروت، الطبعة الثانية 1403ﻫ/ 1983م.

ـ ت ـ

4 ـ تاج اللغة وصحاح العربية المعروف بـ(الصحاح)، تأليف إسماعيل ابن حماد الجوهري، من علماء القرن الرابع الهجري، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار، دار العلم للملايين، لبنان ـ بيـروت، الطبعـة الـرابـعـة 1406ﻫ/ 1987م.

5 ـ تاريخ المدينـة المنورة، تأليف أبي زيد عمر بن شبة النميري. المتوفَّى سنة 262ﻫ. تحقيق فهيم محمد شلتوت، نشر دار الفكر، إيـران ـ قم، سنة 1420ﻫ.

6 ـ تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، للشيخ أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي المعروف بالعلاّمة الحلّي، المتوفَّى سنة 726ﻫ. تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري بإشراف آية الله الشيخ جعفر السبحاني، نشر مؤسسة الإمام الصادق(ع)، الطبعة الأولى 1420ﻫ. توزيع مكتبة التوحيد، إيران ـ قم.

7 ـ تذكرة الفقهاء، للشيخ أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي، المعروف بالعلاّمة الحلّي، المتوفَّى سنة 726ﻫ. تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، إيران ـ قم، طبع مطبعة مهر، قم المقدسة، الطبعة الأولى.

8 ـ تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى، تأليف آية الله الشيخ محمد إسحاق الفيّاض(حفظه الله)، نشر انتشارات محلاّتي، إيران ـ قم.

ـ د ـ

9 ـ دليل الناسك، تأليف آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم(قده). المتوفَّى في 27 ربيع أول سنة 1390ﻫ/1970م. تحقيق السيد محمد القاضي الطباطبائي، الطبعة الثالثة، 1416ﻫ/ 1995م، نشر مدرسة دار الحكمة، توزيع مؤسسة المنار، إيران ـ قم.

ـ ذ ـ

10 ـ ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، (طبعة حجرية)، تأليف العلاّمة المحقّق المولى محمد باقر السبزواري. المتوفَّى سنة 1090 ﻫ. نشر مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، إيران ـ قم.

ـ ر ـ

11 ـ الرعاية لحال البداية في علم الدراية، للفقيه المحقّق زين الدين بن علي العاملي (قده)، المعروف بالشهيد الثاني، استشهد سنة 965 ﻫ. إعداد
 

وتحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، نشر وطباعة مكتب الإعلام الإسلامي، إيران ـ قم. الطبعة الأولى 1423 ﻫ.

ـ س ـ

12 ـ سنن ابن ماجة، للحافظ أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة. المتوفَّى سنة 275ﻫ. تحقيق وتعليق محمد فؤاد عبدالباقي. طباعة نشر وتوزيع دار الفكر.

13 ـ سنـن أبـي داود، للحافـظ أبـي داود سليمـان بن الأشعـث السجستاني. المتوفَّى سنة 257 ﻫ. تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، طباعة نشر وتوزيع دار الفكر، الطبعة الأولى، 1410 ﻫ/ 1990م.

14 ـ السنن الكبرى، تأليف الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، المتوفَّى سنة 458 ﻫ. نشر دار الفكر.

15 ـ السيرة النبوية، لابن هشام الحميري، المتوفَّى سنة 218ﻫ. تحقيق وضبط وتعليق محمد محي الدين عبدالحميد. نشر مكتبة محمد علي صبيح وأولاده بمصر، في مطبعة المدني بالقاهرة، سنة 1383 ﻫ/ 1963 م.

16 ـ سنن النسائي، للشيخ الحافظ أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي، المتوفَّى سنة 303ﻫ. طباعة نشر وتوزيع دار الفكر، لبنان ـ بيروت، الطبعة الأولى 1348ﻫ/ 1930م.

ـ ش ـ

17 ـ شرح تبصرة المعلّمين، للمحقّق الكبير آية الله العظمى الشيخ ضياء الدين العراقي، المتوفَّى في 28 ذو القعدة 1361ﻫ. تحقيق الشيخ محمد الحسّون، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى، رمضان المبارك 1414ﻫ.

ـ ص ـ

18 ـ صحيح البخاري، تأليف أبي عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي، المتوفَّى سنة 256ﻫ. نشر دار الفكر للطباعة
والنشر والتوزيع، سنة 1410ﻫ/1981م، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول.

ـ ف ـ

19 ـ فتح العزيز في شرح الوجيز، تأليف أبي القاسم عبدالكريم بن محمد الرافعي، المتوفَّى سنة 623ﻫ. دار الفكر.

ـ ك ـ

20 ـ كتاب الحجّ، تقرير أبحاث آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الكلبايكاني(قده). المتوفَّى في 24 جمادى الثانية 1414ﻫ. بقلم الشيخ أحمد الصابري الهمداني، مطبعة الخيّام، إيران ـ قم، الطبعة الأولى 1400ﻫ.

21 ـ كتاب السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى، للشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي(ره)، المتوفَّى سنة 598ﻫ. تحقيق طباعة ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، الطبعة الثانية، 1410ﻫ.

22 ـ كفاية الفقه المشتهر بـ(كفاية الأحكام)، تأليف العلاّمة المحقّق المولى محمد باقر السبزواري، المتوفَّى سنة 1090ﻫ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الآراكي، طباعة ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، الطبعة الأولى 1423ﻫ.

23 ـ كشف الرموز، في شرح المختصر النافع، تأليف زين الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب ابن أبي المجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي، المتوفَّى سنة 690ﻫ. تحقيق الشيخ علي بناه الإشتهاردي والحاج آغا حسين اليزدي، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم المشرفة، ذو الحجة 1408ﻫ.

ـ ل ـ

24 ـ لسان العرب، تأليف العلاّمة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، المتوفَّى سنة 771 ﻫ، نشر أدب الحوزة إيران ـ قم محرّم الحرام 1405 ﻫ.

ـ م ـ

25 ـ المجموع في شرح المهذّب، تأليف أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، المتوفَّى سنة 676ﻫ. دار الفكر.

26 ـ المرتقى إلى الفقه الأرقى، كتاب الحجّ، تقريراً لأبحاث آية الله السيد محمد الحسيني الروحاني(قده)، المتوفَّى سنة 1488ﻫ. بقلم الشهيد السيد عبدالصاحب الحكيم(ره)، طباعة الجليل للتحقيقات الثقافية (دار الحلبي)، إيران ـ طهران، الطبعة الأولى 1419ﻫ، في جزأين.

27 ـ مسائل علي بن جعفر، تأليف علي بن جعفر الصادق(ع)، المتوفَّى في القرن الثاني الهجري، تحقيق مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، قم المشرفة، الطبعة الأولى 1409ﻫ. نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا(ع)، مشهد المقدسة.

28 ـ المغني، للشيخ موفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد ابن قدامة، المتوفَّى سنة 620ﻫ. طباعة نشر وتوزيع دار الكتاب العربي، لبنان ـ بيروت.

29 ـ المقنع، للشيخ الفقيه الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي(ره)، المتوفَّى سنة 381ﻫ. تحقيق ونشر مؤسسة الإمام الهادي(ع)، إيران ـ قم. سنة الطبع 1415ﻫ.

30 ـ المقنعة، تأليف فخر الشيعة أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، الملقّب بالشيخ المفيد(ره)، المتوفَّى سنة 413ﻫ. تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم المشرفة، الطبعة الثانية سنة 1410ﻫ.

31 ـ من وحي القرآن، للعلامة المجاهد الفقيه المجدِّد، سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله(دام ظله)، الطبعة الثانية 1416ﻫ/1998م. دار الملاك، بيروت ـ لبنان.

32 ـ الموسوعة الفقهية الميسّرة، تأليف الشيخ محمد علي الأنصاري (معاصر)، نشر مجمع الفكر الإسلامي، إيران ـ قم، الطبعة الأولى 1415ﻫ.

ـ ن ـ

33 ـ النهاية في غريب الحديث والأثر، تأليف المبارك بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ثم الموصلي الشافعي، يكنّى أبا السعادات ويلقّب مجدالدين، ويُعرف بابن الأثير، المتوفَّى سنة 606ﻫ. تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناجي، طباعة نشر وتوزيع مؤسسة إسماعيليان، إيران ـ قم، الطبعة الرابعة 1364ﻫ.ش.

34 ـ النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، المتوفَّى سنة 460ﻫ. نشر انتشارات قدس محمدي، إيران ـ قم.

ـ ﻫ ـ

35 ـ هداية الناسكين من الحجّاج والمعتمرين، من مصنفات شيخ فقهاء الإسلام الشيخ محمد حسن النجفي(قده)، المتوفَّى سنة 1266ﻫ. تحقيق وشرح وتعليق الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي(حفظه الله). طباعة ونشر دار التعارف ـ بيروت ـ لبنان، 1411ﻫ/ 1991م.

ـ و ـ

36 ـ الوسيلة إلى نيل الفضيلة، للفقيه عمادالدين أبي جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة. المتوفَّى سنة 560ﻫ. تحقيق الشيخ محمد الحسّون، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، إيران ـ قم، الطبعة الأولى سنة 1408ﻫ. طبع مطبعة الخيّام ـ قم.

ـ ي ـ

37 ـ اليمين والعهد والنذر، بحثٌ علميٌ فقهي استدلالي، لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله(دام ظله)، ترتيب وتنظيم وتحقيق المركز الإسلامي الثقافي، طباعة نشر وتوزيع دار الملاك، لبنان ـ بيروت، 1417ﻫ/ 1996م.

 

 

 

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات

تقريظ سماحة السيد ........................................................................................................

5

عناوين مباحث الكتاب .................................................................................................

7

المبحث الأول: أقسام العمرة ...............................................................................

9

العمرة قد تكون واجبةً وقد تكون مستحبةً ......................................................

9

وجوب العمرة  في أصل الشرع ...........................................................................

10

الأدلة القرآنية على وجوب العمرة .......................................................................

10

الأدلة الروائية على وجوب العمرة .....................................................................

16

البحث في فورية وجوب العمرة ............................................................................

16

استقلال وجوب العمرة المفردة عن وجوب الحجّ .....................................

17

عدم وجوب العمرة المفردة على من وظيفته التمتّع ................................

18

إجزاء عمرة التمتّع عن العمرة المفردة ............................................................

20

استحباب تكرار العمرة المفردة .............................................................................

24

المدّة التي يجب أن تفصل بين العمرتين ..........................................................

24

دليل القول بعدم لزوم الفصل ...................................................................................

25

دليل القول بلزوم الفصل بعشرة أيّام ..................................................................

25

دليل القول بلزوم الفصل بشهر ..............................................................................

27

دليل القول بلزوم الفصل بسنة ................................................................................

28

مناقشة اللنكراني في تأكيده لزوم الفصل بشهر ..........................................

29

عدم لزوم الفصل عند تعدّد المُعتمَر عنه .........................................................

31

عدم لزوم الفصل بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع ...............................

31

عدم جواز الإتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتّع والحجّ ...............

31

وجوب العمرة المفردة بالنذر والحلف والعهد ..............................................

33

حكم طواف النساء في العمرة المفردة ...............................................................

34

استعراض روايات المسألة ضمن طائفتين ....................................................

34

النظريات المختلفة في معالجة الروايات ..........................................................

38

دخول طائفة ثالثة طرفاً في المعارضة .............................................................

40

عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتّع ..................................................

41

لا تقع عمرة التمتّع إلاّ في أشهر الحجّ ..............................................................

43

تحديد أشهر الحجّ .............................................................................................................

43

تصحّ العمرة المفردة في كلّ الشهور وأفضلها رجب ............................

44

ينحصر الخروج عن الإحرام في عمرة التمتّع بالتقصير ....................

45

تخيّر المعتمر المفرد بين الحلق والتقصير .....................................................

45

النساء يتعيّن عليهنّ التقصير مطلقاً .....................................................................

45

لزوم وقوع عمرة التمتّع والحجّ في سنة واحدة ..........................................

45

عدم لزوم وقوع عمرة المفرد وحجّه في سنة واحدة ..............................

50

ميقات العمرة المفردة لمن هو داخل مكّة ........................................................

50

ميقات العمرة المفردة لمن هو خارج مكّة ......................................................

51

وجوب العمرة المفردة لدخول مكّة ......................................................................

55

جواز الدخول محلاً لمن يتكرر منه الدخول والخروج ..........................

56

جواز الدخول محلاً في شهر الخروج نفسه ..................................................

58

جواز تبديل العمرة المفردة إلى عمرة التمتّع ................................................

 

فهرس الموضوعات

 

فهرس الموضوعات

61

المبحث الثاني: أقسام الحجّ ..................................................................................

63

أقسام الحجّ ثلاثة ...............................................................................................................

63

التمتّع فرض من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ........................

63

الأقوال في حدّ البُعد الموجب للتمتّع ...................................................................

64

استعراض روايات المسألة ضمن أربع طوائف .........................................

66

وجه التحديد باثني عشر ميلاً ..................................................................................

70

المبدأ في حساب الحدّ هو مكّة لا خصوص المسجد ...............................

72

عدم إجزاء نوع حجّ عن نوع حجّ آخر في حجّة الإسلام ....................

73

أفضلية التمتّع عن الإفراد والقِران في المندوب .........................................

73

نوع الحجّ المُعاد للإفساد تابعٌ للفاسد ...................................................................

73

النائي إذا أقام في مكّة ينتقل فرضه إلى الإفراد ..........................................

74

الأقوال في المدّة التي بها ينتقل الفرض ...........................................................

75

استعراض روايات المسألة ضمن ثلاث طوائف .......................................

77

الرأي المختار في المسألة وفذلكته .......................................................................

80

لا فرق في انتقال الفرض بين سبق الاستطاعة ولحوقها .....................

81

لا فرق في الحكم بين الإقامة بقصد التوطّن والمجاورة .......................

82

العبرة في الإقامة ضمن الحدّ لا في خصوص مكّة .................................

82

ميقات عمرة التمتّع للمقيم في مكّة قبل انتقال فرضه ..............................

83

المبحث الثالث: حجّ التمتّع ................................................................................

87

قسما حجّ التمتّع وأعمالهما بنحو الإجمال .......................................................

87

وجوب تهيّؤ المستطيع لأداء الحجّ .......................................................................

88

يشترط في حجّ التمتّع نيّة التمتّع ............................................................................

89

ليس يكون متعة إلاّ في أشهر الحجّ .....................................................................

89

يشترط في التمتّع الإتيان بالعمرة والحجّ في عام واحد .........................

90

ميقات حجّ التمتّع هو مكّة مع الاختيار .............................................................

90

دليل جواز إحرام المتمتّع من غير مكّة اختياراً ..........................................

91

جواز إحرام المتمتّع من غير مكّة مع الاضطرار ....................................

95

يشترط أن تؤدّى العمرة والحجّ من شخص واحد وعن شخص واحد .....

96

حكم خروج المتمتّع بعد العمرة وقبل الحجّ ....................................................

100

التأمّل في نسبة المنع من الخروج إلى المشهور ........................................

102

استعراض روايات المسألة ضمن طائفتين ....................................................

102

الخلاف في مفاد "لا أحبّ" في لسان الشارع ................................................

104

ارتباط عمرة التمتّع بالحجّ حتى في المستحبّ .............................................

106

من يتعذّر عليه الحجّ بعد عمرة التمتّع يجعلها مفردةً ..............................

106

جواز خروج المتمتّع من مكّة قبل إتمام عمرته ..........................................

107

المتمتّع إن خرج وعاد في شهر آخر أحرم بعمرة جديدة .....................

109

مَنْ وظيفته التمتّع لا يجوز له العدول إلى الإفراد إلاّ عند ضيق الوقت ......

112

الأقوال في حد ّالضيق المسوّغ للعدول .............................................................

112

استعراض الروايات في المسألة ............................................................................

114

الرأي المختار في حدّ الضيق وفذلكته ..............................................................

120

رأي السيد الخوئي في حدّ الضيق ومناقشته .................................................

121

تعميقٌ للرأي المختار في حدّ الضيق ..............................................................

123

من ضاق وقته قبل أداء العمرة لا يجزئه العدول ......................................

 

فهرس الموضوعات

 

123

حكم عدول من أخّر الطواف والسعي عمداً في عمرة التمتّع ......

124

المختار في المسألة .........................................................................................................

125

حجّ الإفراد بنحو الإجمال ..........................................................................................

127

حجّ القِران بنحو الإجمال ...........................................................................................

128

المبحث الرابع: مواقيت الإحرام ......................................................................

129

الإحرام من المواقيت مخصوصٌ بمن يمرّ بها ............................................

129

محلّ إحرام من لا يمرّ بميقات ...............................................................................

134

النظرية الأولى ..................................................................................................................

134

النظرية الثانية ....................................................................................................................

134

النظرية الثالثة ....................................................................................................................

135

النظرية الرابعة .................................................................................................................

136

الرأي المختار وفذلكته .................................................................................................

137

ميقاتية ذي الحليفة ...........................................................................................................

139

كفاية الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة ..........................................................

142

اختصاص كفاية المحاذاة بمسجد الشجرة .......................................................

143

جواز إحرام أهل المدينة والمارّين بها من الجحفة اختياراً .................

145

تطبيقٌ فيه توضيحٌ للمبنى في مسألة المطلق والمقيّد ...............................

148

جواز التأخير إلى الجحفة للمضطرّ لا يختصّ بالمريض والضعيف .............

149

حكم عدول أهل المدينة ومن أتاها إلى ميقات غير ذي الحليفة ................

151

محلّ إحرام الحائض والجنب المارّين بالمدينة ............................................

153

ميقاتية العقيق وبيان أهله ...........................................................................................

153

تحديد جغرافية العقيق ...................................................................................................

155

ميقاتية الجحفة ويلملم ....................................................................................................

158

ميقاتية قرن المنازل وأنّه السيل الكبير .............................................................

158

ميقات المفرد والقارن من أهل مكّة والمجاورين فيها هو مكّة نفسها .........

160

وجه فتوى السيد الخوئي بإحرام هؤلاء من الجعرانة والمناقشة فيه ...........

163

الميقات هو كل مكّة لا خصوص مكّة القديمة .............................................

165

من منزله دون الميقات إلى مكّة فميقاته منزله ............................................

166

ميقاتية أدنى الحلّ مع ردّ تفصيل للسيد الخوئي في المقام ...................

167

تفصيل مبتكر في مسألة العدول بالإحرام من الميقات إلى أدنى الحلّ .............

168

المبحث الخامس: أحكام المواقيت .....................................................................

لزوم إنشاء الإحرام من الميقات مع المرور عليه فلا يجوز قبله ...........

169

169

جواز تقديم الإحرام قبل الميقات بالنذر ............................................................

172

لا يجب تجديد الإحرام من الميقات في فرض تقديمه بالنذر ..............

173

لا فرق في جواز التقديم بالنذر بين أقسام الحجّ والعمرة ......................

173

جواز تقديم إحرام العمرة المفردة مع خوف فوت الشهر .....................

174

عدم اختصاص الحكم بعمرة شهر رجب ........................................................

174

وجوب الاعتماد على حجّة في معرفة الوصول إلى الميقات..............

175

لو نذر وخالف فأحرم من الميقات لا يبطل إحرامه .................................

175

عدم جواز تأخير الإحرام عن الميقات ..............................................................

176

تارك الإحرام من الميقات عمداً يحرم من مكانه مع عدم التمكّن من الرجوع ..............

178

أولوية الناسي والجاهل من العامد في المقام .................................................

181

وجه عدم لزوم رجوع الجاهل أو الناسي إلى ما يقدر عليه خارج الحرم ....................

182

حكم من حجّ من دون إحرام في صور العمد والجهل والنسيان ........................

 

فهرس الموضوعات

 

183

وجه القول بالصحة في صورتي الجهل والنسيان ....................................

184

وجه شمول الحكم بالاجتزاء لعمرة التمتّع والعمرة المفردة ....................

186

إذا فسدت عمرة التمتّع ولم يمكن إعادتها يفسد الحجّ ..............................

188

المطلوب هو الإحرام من مكّة لا دخول مكّة محرماً ..............................

189

حكم ترك الإحرام في حجّ التمتّع نسياناً أو جهلاً .......................................

189

المبحث السادس: كيفيَّة الإحرام .......................................................................

191

معنى الإحرام وحقيقته .................................................................................................

191

يشترط في النيّة الإخلاص والقربة ......................................................................

192

لزوم تعيين المنويّ بتفاصيله ...................................................................................

193

التحفّظ في استحباب التلفّظ بالنيّة ..........................................................................

193

عدم اشتراط الإخطار في البال وكفاية الداعي ............................................

193

لا يُعتبر في صحّة الإحرام العزم على ترك محرّماته ...........................

194

بطلان إحرام العمرة المفردة بالعزم على الجماع قبل السعي ................

194

وجوب التلبية وكيفيتها ..................................................................................................

194

وجوب تعلّم التلبية الصحيحة وحكم غير القادر عليها ...........................

197

كيفية تلبية الأخرس ........................................................................................................

200

الصبي غير المميّز إن لم يحسن التلبية يُلبّى عنه ......................................

200

انعقاد الإحرام بالتلبية وبالإشعار وبالتقليد ......................................................

200

اختصاص الإشعار بالبُدن بخلاف التقليد ........................................................

203

كيفية الإشعار والتقليد ...................................................................................................

204

كفاية التجليل بدلاً من التقليد .....................................................................................

204

عدم اشتراط صحّة الإحرام بالطهارة من الحدثين ....................................

205

عدم ترتّب محرّمات الإحرام إلاّ بعد التلبية وأخواتها .............................

206

محلّ تلبية المحرم من مسجد الشجرة ................................................................

207

محلّ تلبية المحرم ممّا عدا الشجرة من المواقيت ......................................

214

محلّ تلبية المحرم من مكّة ........................................................................................

214

السرّ في تأخير التلبية عن موضع عقد الإحرام .........................................

215

استحباب تأخير التلبية يشمل المرأة بخلاف استحباب الجهر بها .................

216

التلبية واجبة مرّة ويُستحبُّ تكرارها ..................................................................

216

محلّ قطع التلبية في عمرة التمتّع .........................................................................

217

محلّ قطع التلبية في العمرة المفردة ...................................................................

219

محلّ قطع التلبية في الحجّ ..........................................................................................

221

قطع التلبية على الاستحباب أو الوجوب؟ .......................................................

221

حكم الشك في الإتيان بالتلبية وبصحّتها ...........................................................

224

وجوب الثوبين للمحرم .................................................................................................

224

الصبيان يجرّدون من فخّ ............................................................................................

224

كيفية لبس الثوبين ............................................................................................................

225

لبس الثوبين ليس شرطاً في تحقّق الإحرام ....................................................

226

محلّ اللبس قبل عقد الإحرام ....................................................................................

228

يعتبر في الإزار ستر ما بين السرّة والركبة وفي الرداء ستر المنكبين .....

230

لو أحرم في قميص جاهلاً أو ناسياً أو عامداً ...............................................

230

لا بأس بالزيادة على الثوبين ....................................................................................

231

شروط الثوبين هي شروط لباس المصلّي نفسها ........................................

يلزم في الإزار أن يكون ساتراً للبشرة .............................................................

 

فهرس الموضوعات

 

231

233

الأفضل في الثوبين أن يكونا من المنسوج .....................................................

233

عدم وجوب لبس الثوبين على النساء .................................................................

234

الأقوال في المسألة ..........................................................................................................

234

الأدلّة في المسألة ..............................................................................................................

236

جواب قاعدة الاشتراك وفيه فذلكة القول بعدم الوجوب ........................

240

حكم إحرام النساء في لباس الحرير ....................................................................

243

استعراض روايات المسألة ضمن ثلاث طوائف .......................................

243

معنى "لا يصلح" و "لا بأس" و "يُكره" في لسان الشارع .....................

246

وجها الجمع بين الروايات والرأي المختار ...................................................

247

لا فرق في الحكم بين اللبس حال عقد الإحرام وبعده .............................

247

وجوب المبادرة إلى تطهير ما يتنجّس من الثوبين ...................................

247

لا تجب الاستدامة في لبس ثياب الإحرام كما لا بأس بتبديلها ............................

248

المبحث السابع: تروك الإحرام ............................................................................

249

لا يجوز للمحرم استحلال شيء من صيد البرّ ............................................

249

الدليل القرآني على حرمة الصيد ..........................................................................

249

عدم تكفّل الآيات ببيان حرمة الصيد في الحرم ..........................................

250

تعلّق الحكم بالصيد بالمعنى المصدري وبالمصيد نفسه ........................

251

عدم اختصاص الحرمة بالمأكول اللحم ............................................................

251

المراد بالصيد الحيوان غير الأهلي الممتنع بالطبع ..................................

252

يحرم على المحرم إعانة غيره على الصيد .................................................

252

حرمة إمساك الصيد .......................................................................................................

253

حرمة أكل الصيد على المحرم ...............................................................................

254

حرمة أكل الصيد في الحرم .....................................................................................

254

حكم أكل المحلّ لصيد المحرم ................................................................................

254

استعراض الروايات في المسألة ومناقشتها ...................................................

255

علاج التعارض بين الروايات ................................................................................

260

اختيار تقديم الروايات المحلِّلة والوجه فيه  ....................................................

263

حرمة فرخ صيد البرّ وبيضه ..................................................................................

263

حرمة الإعانة على صيد الفرخ والبيض .........................................................

حرمة صيد الجراد ..........................................................................................................

264

265

حليّة صيد البحر ...............................................................................................................

265

ما يعيش في الماء وخارجه ملحقٌ بالبرّي ......................................................

266

لا بأس بصيد ما يُشكّ في كونه برّيّاً ...................................................................

266

تمسّك السيد الخوئي بأصالة العدم الأزلي وجوابه ....................................

267

بيان ما تمسّك به الشيخ النائيني وجوابه ..........................................................

268

حرمة قتل الدوابّ ولو لم تكن من الصيد ........................................................

269

جواز ذبح الحيوانات الأهلية والدجاج الحبشي ............................................

269

جواز ذبح ما يُشكُّ في كونه أهليّاً .........................................................................

269

جواز قتل ما خشيه المحرم على نفسه ..............................................................

270

جواز قتل سباع الطير إذا آذت حمام الحرم ..................................................

270

جواز قتل الأفعى والحيّة والأسود الغدر والعقرب والفأرة ....................

270

لا كفّارة في ما يجوز قتله ..........................................................................................

270

لا كفّارة في قتل السباع حتى الأسد ....................................................................

 

فهرس الموضوعات

 

271

لا بأس للمحرم بأن يرمي الغراب والحدأة .....................................................

271

حرمة مجامعة النساء أثناء الحج والعمرة ......................................................

272

آثار الجماع في عمرة التمتع بعد السعي .........................................................

274

آثار الجماع في عمرة التمتع قبل الفراغ من السعي ................................

276

آثار جماع المحرم للحج قبل الوقوف بمزدلفة .............................................

279

آثار جماع المحرم للحج بعد الوقوف بمزدلفة .............................................

287

آثار الجماع في العمرة المفردة قبل السعي ....................................................

289

آثار الجماع في العمرة المفردة بعد السعي ....................................................

292

آثار جماع المحلّ زوجته المحرمة ......................................................................

294

لا كفارة مع الجهل والنسيان إلاّ في موارد ....................................................

294

حكم تقبيل النساء ..............................................................................................................

298

بحثٌ في أنّ الحاجة الجنسية شأن مشترك بين الجنسين .......................

298

حكم تقبيل المحلّ زوجته المحرمة .......................................................................

303

لا يجوز للمحرم مسّ زوجته وحملها وضمّها .............................................

305

حكم ملاعبة المحرم زوجته ونظره إلى الأجنبية مع الإمناء .............

308

حكم نظر المحرم إلى زوجته مع الشهوة أو الإمناء ................................

311

حكم استمتاع المحرم من زوجته بمثل الصوت ..........................................

314

حرمة الاستمناء على المحرم وآثاره ..................................................................

315

يحرم على المحرم التزويج لنفسه أو لغيره ...................................................

316

 

 

حكم الكفارة عند تزويج المحرم والدخول مع العلم بالحرمة ................................

317

حضور المحرم مجلس العقد والشهادة عليه ..................................................

318

تعرّض المحرم لخطبة النساء ورجوعه إلى مطلقته الرجعية وتطليقه لزوجته .......

318

المصادر والمراجع .........................................................................................................

319

فهرس الموضوعات .....................................................................................................

325

 

 

 


([1]) منتهى المطلب (الطبعة الحجّرية) 2: 643.

([2]) رياض المسائل 7: 173.

([3]) مستند الشيعة 11: 159.

([4]) جواهر الكلام 20: 441.

([5]) آل عمران: الآية 97.

([6]) وسائل الشيعة 14: 297، باب 1 من أبواب العمرة، ح7.

([7]) المعتمد في شرح المناسك 3: 199.

([8]) البقرة: الآية 196.

([9]) البقرة: الآية 158.

([10]) فقه الحجّ 1: 19.

([11]) البقرة: الآية 196.

([12]) وسائل الشيعة 14: 295، باب 1 من أبواب العمرة، ح1.

([13]) المصدر السابق، ح2.

([14]) المصدر السابق، ح8.

([15]) زبدة البيان: 232.

([16]) مستمسك العروة الوثقى 11: 133.

([17]) البقرة: الآية 187.

([18]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 217.

([19]) البقرة: الآية 183.

([20]) البقرة: الآية 184.

([21]) البقرة: الآية 187.

([22]) البقرة: الآية 187.

([23]) البقرة: الآية 124.

([24]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 217.

([25]) من وحي القرآن 3: 10 ـ 11.

([26]) وسائل الشيعة 14: 306، باب 5 من أبواب العمرة، ح6.

([27]) المصدر السابق، ح6.

([28]) من لا يحضره الفقيه 2: 525.

([29]) جواهر الكلام 20: 442.

([30]) مستند الشيعة 11: 12.

([31]) وسائل الشيعة 11: 301، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ.

([32]) المصدر السابق، باب 4، ح24.

([33]) جواهر الكلام 20: 450.

([34]) المعتمد في شرح المناسك 3: 200.

([35]) وذلك في قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}  [البقرة: الآية 196]

([36]) وسائل الشيعة 11: 240، باب 3 من أقسام الحجّ، ح2.

([37]) وسائل الشيعة 11: 259، باب 6 من أقسام الحجّ، ح3.

([38]) المصدر السابق، ح2.

([39]) جواهر الكلام 20: 445.

([40]) مستند الشيعة 11: 160.

([41]) منتهى المطلب (الطبعة الحجريّة) 2: 876.

([42]) وسائل الشيعة 14: 305، باب 5 من أبواب العمرة، ح1.

([43]) المصدر السابق، ح2.

([44]) المصدر السابق، ح6.

([45]) المصدر السابق، ح4.

([46]) جواهر الكلام 20: 447.

([47]) فقه الحجّ 1: 296.

([48]) الكافي 4: 251، ح 10.

([49]) المصدر السابق، ح 13

([50]) سيرة ابن هشام 3: 774.

([51]) المصدر السابق: 827.

([52]) سيرة ابن هشام 4: 936.

([53]) وسائل الشيعة 11: 213، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح4. والرواية صحيحة السند.

([54]) البقرة: الآية 196.

([55]) كشف اللثام 6: 297.

([56]) وسائل الشيعة 14: 302، باب 3 من أبواب العمرة، ح7.

([57]) المصدر السابق، ح6.

([58]) مستند الشيعة 11: 161-163.

([59]) جواهر الكلام 20: 462.

([60]) مستند الشيعة 11: 164.

([61]) مستمسك العروة الوثقى 11: 144.

([62]) مستند الشيعة 11: 162.

([63]) جواهر الكلام 20: 465.

([64]) مستمسك العروة الوثقى 11: 146.

([65]) الكافي 4: 534، ح3.

([66]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 178.

([67]) أقول: سوف يأتي من سماحة السيد(دام ظلّه) في الهامش في ص (84) ما نصّه: « إنّ لدينا تحفظاً في وثاقة شيوخ الواقفة ومؤسسيها؛ لأنّ إنكارهم للإمام ودعوتهم للوقوف على من قبله لا يوحي بالوثاقة لدى العقلاء، باعتبار أنّ الانحراف المتعمد لا يلتقي بوثاقة صاحبه». وشيوخ الواقفة ثلاثة: 1ـ علي بن أبي حمزة البطائي، 2ـ مروان بن زياد القندي، 3 ـ عثمان بن عيسى العامري؛ وعلى هذا فقد يُتوهمُّ منافاة حكمه باعتبار الرواية هنا مع ما ذكره من عدم وثاقة شيوخ الواقفة، وعند مراجعة سماحته(دام ظلّه) أفاد بأنّه لا منافاة في البين، لأنّ الحكم باعتبار الرواية هنا هو نتيجة القرائن الخاصة المذكورة في التقرير.(المقرِّر)

([68]) مستمسك العروة الوثقى 11: 146.

([69]) وسائل الشيعة 14: 307، باب 6 من أبواب العمرة، ح1.

([70]) المصدر السابق، ح2.

([71]) المصدر السابق، ح4.

([72]) المصدر السابق، ح8.

([73]) وسائل الشيعة 14: 309، باب 6 من أبواب العمرة، ح6.

([74]) المصدر السابق، ح7.

([75]) تهذيب الأحكام 5: 435.

([76]) مختلف الشيعة 4: 359.

([77]) الفهرست: 138؛ رجال الطوسي: 425.

([78]) مستمسك العروة الوثقى 11: 146.

([79]) وسائل الشيعة 13: 128، باب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([80]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 241.

([81]) وسائل الشيعة 11: 302، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح6.

([82]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 242.

([83]) للاطلاع على نصّ عبارة النائيني (قده)، يمكن مراجعة كتاب (دليل الناسك) للسيد الحكيم (قده)، ص120-121، فإنّه تعليقة على مناسك الحجّ للنائيني(قده).

([84]) وسائل الشيعة 11: 302، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح6.

([85]) المعتمد في شرح المناسك 5: 129.

([86]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 228.

([87]) مدارك الأحكام 8: 196.

([88]) قد أكثر الشهيد الأول(ره) في كتبه النقل عن الجعفي، ولم نجد من ترجم له، وكتبه غير موجودة.

([89]) الحدائق الناضرة 16: 312.

([90]) علّق صاحب الوسائل(قده) فقال: الرجل هنا، علي بن محمد(ع).

([91]) وسائل الشيعة 13: 442، باب 82 من أبواب الطواف، ح1.

([92]) تهذيب الأحكام 5: 439، ح1524.

([93]) وسائل الشيعة 13: 445، باب 82 من أبواب الطواف، ح8.

([94]) المصدر السابق، ح2. وفي مرآة العقول 18: 238 أنّ الحديث مجهول.

([95]) وسائل الشيعة 13: 444، باب 82 من أبواب الطواف، ح6.

([96]) وفي نسخة [الاستبصار 2: 232، ح806]: عمّن رواه.

([97]) تهذيب الأحكام 5: 254، ح863.

([98]) الاستبصار 2: 233. أقول: قد اختلفت كلمات الأعلام في توصيف حال هذه الرواية، ففي [الجواهر 19: 407] عبّر عنها بالمرسلة، وفي [كشف اللثام 5: 483] بالمقطوعة، وقد مرّ عليك أنّ الشيخ(قده) قد وصفها بالموقوفة، بينما عبّر عنها العلامة المجلسي(ره) في [ملاذ الأخيار 8: 111] بالموثّقة.

والتوصيف الصحيح لحال هذه الرواية بحسب اصطلاح الدراية هو ما ذكره الشيخ(ره)؛ فإنّ الموقوف بمعناه المطلق هو ما روي عن مصاحب المعصوم من نبي أو إمام، بينما المقطوع هو ما جاء عن التابعين ومن في حكمهم، وهو تابع مصاحب المعصوم. ولكن الذي يسهّل الخطب تصريح الشهيد الثاني(ره) بأنّه قد يُطلق المقطوع على الموقوف بالمعنى السابق العام، فيكون مرادفاً له، وكثيراً ما يطلقه الفقهاء على ذلك. ولا يصحّ توصيفها بالمرسل، لاعتبار أن يصرّح فيه بإسناد الرواية إلى المعصوم، وليست هذه الرواية كذلك. [راجع: الرعاية لحال البداية في علم الدراية: 91-94]

ولا يخفى أنّ توصيف العلامة المجلسي(ره) لها بالموثّقة إنّما هو من ناحية حال رواتها، لا من ناحية اتصال السند وعدمه، كما هو محلّ النظر في التوصيفات السابقة.

ثم إنّ في ما ذكره الشيخ(ره) في (الاستبصار) في وجه تضعيف هذه الرواية كلاماً؛ قال(ره): «ولأنّ هذه الرواية موقوفة غير مسندةٍٍ إلى أحد من الأئمة (عليهم السلام)، وإذا لم تكن مسندةً لم يجب العمل بها، لأنّه يجوز أن يكون ذلك مذهباً ليونس اختاره على بعض آرائه، كما اختار مذاهب كثيرة لا يلزمنا المصير إليها، لقيام الدلالة على فسادها»؛ فإنّ ما احتمله من كون هذا الكلام مذهباً ليونس، لا يصحّ؛ لتصريحـه=

=   في (التهذيب) بأنّ يونس رواه، وفي (الاستبصار) قال: عمّن رواه، وحينئذٍ كيف يكون ذلك من كلام يونس نفسه!

وقد علّق سماحة السيد(دام ظلّه) على ذلك بقلمه الشريف: إنّ اختلاف (الاستبصار) في ذلك مع تصريحه باحتمال كونه مذهباً له لا روايةً يضعّف كلامه عنه بقوله: "عمّن رواه"، كما أنّه لا يمنع من بقاء الاحتمال بكونه مذهباً له مع قوله: "رواه" في (التهذيب)، لأنّه لم يذكر الشخص المروي عنه، ما قد يوحي بأنّه تحدّث به ورواه لغيره، فتأمّل.

([99]) وسائل الشيعة 13: 445، باب 82 من أبواب الطواف، ح9. وفي ملاذ الأخيار 8: 109 أنّ الحديث مجهول.

([100]) المصدر السابق.

([101]) المصدر السابق، ح3. وهي ضعيفة بمعلّى، الذي ذكر النجاشي في حقّه أنّه مضطرب الحديث والمذهب. [رجال النجاشي: 418].

([102]) المصدر السابق، ح4. وهي ضعيفة بمحمد بن سنان.

([103]) وسائل الشيعة 14: 306، باب 5 من أبواب العمرة، ح5. وفي ملاذ الأخيار 8: 454 أنّ الحديث صحيحٌ.

([104]) مرآة العقول 18: 238.

([105]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 437.

([106]) مدارك الأحكام 8: 198.

([107]) الحدائق الناضرة 16: 316.

([108]) وسائل الشيعة 14: 38، باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح5. وفي ملاذ الأخيار 8: 171 أنّ الحديث حسنٌ.

([109]) المصدر السابق، باب 27، ح2. وفي ملاذ الأخيار 8: 180 أنّ الحديث صحيحٌ على الظاهر.

([110]) المصدر السابق، ح3.

([111]) وسائل الشيعة 14: 50، باب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح4.

([112]) روى ثقة الإسلام الكليني(ره) في [الكافي 4: 513، ح3] في الموثّق عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله(ع) قال: لولا ما منّ الله عزّ وجلّ على الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله وليس يحلّ له أهله.

وعلّق عليه في (الوافي) ـ ونقله عنه محقّق (الكافي) في الهامش ـ فقال: معناه ظاهر، والأظهر طواف الوداع بدل طواف النساء، كما في (التهذيب) و(الفقيه)، يعنى أنّ العامّة وإن لم يوجبوا طواف النساء ولا يأتون به، إلا أنّ طوافهم للوداع ينوب مناب طواف النساء، وبه تحلّ لهم النساء، وهذا مما منّ الله تعالى به عليهم.

([113]) مدارك الأحكام 8: 462.

([114]) الحدائق الناضرة 16: 305.

([115]) وسائل الشيعة 13: 442، باب 82 من أبواب الطواف، ح1و6.

([116]) وسائل الشيعة 11: 212، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح1و2.

([117]) المصدر السابق، ح4.

والرجل المعترض هو عمر بن الخطّاب، كما يدلّ عليه ما رواه أحمد في مسنده [ج1، ص 50]، قال: «...عن إبراهيم بن أبي موسى، عن أبي موسى أنّه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجلٌ: رويدك ببعض فُتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، حتى لقيه بعدُ فسأله، فقال عمر رضي الله عنه: قد علمت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكنّي كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ثم يروحون بالحجّ تقطر رؤوسهم».

([118]) وسائل الشيعة 13: 444، باب 82 من أبواب الطواف، ح7.

([119]) تهذيب الأحكام 5: 254، ح862.

([120]) الاستبصار 2: 244، ح853.

([121]) المعتمد في شرح المناسك 5: 351.

([122]) السرائر 1: 526.

([123]) وسائل الشيعة 11: 284، باب 15 من أبواب أقسام الحجّ، ح1.

([124]) فقه الحجّ 1: 22.

([125]) الحدائق الناضرة 14: 354.

([126]) تهذيب الأحكام 5: 230، ح779.

([127]) وسائل الشيعة 11: 271، باب 11 من أبواب أقسام الحجّ، ح1.

([128]) المصدر السابق، ح2.

([129]) المصدر السابق، ح5.

([130]) المصدر السابق، ح8.

([131]) المصدر السابق، باب 10، ح2.

([132]) مختلف الشيعة 4: 28.

([133]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 6 من أبواب العمرة، ح1 ـ 2 ـ 4 ـ 8.

([134]) وسائل الشيعة 14: 300، باب 3 من أبواب العمرة.

([135]) المصدر السابق، باب 4.

([136]) وسائل الشيعة 13: 510، باب 4 من أبواب التقصير.

([137]) المصدر السابق، باب 5، ح1.

([138]) المصدر السابق، ح2.

([139]) مستند الشيعة 11: 246.

([140]) العروة الوثقى 4: 614.

([141]) الدروس الشرعية 1: 399.

([142]) رياض المسائل 6: 130.

([143]) كشف اللثام 5: 38.

([144]) جامع المدارك 2: 332.

([145]) راجع: كشف اللثام 5: 38؛ رياض المسائل 6: 130؛ مستند الشيعة 11: 246.

([146]) وسائل الشيعة 11: 213، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح4.

([147]) المصدر السابق، باب 3، ح2.

([148]) وسائل الشيعة 14: 311، باب 7 من أبواب العمرة، ح3.

([149]) تهذيب الأحكام 5: 31، ح93.

([150]) مستند الشيعة 11: 246- 247.

([151]) دليل الناسك: 67.

([152]) مستمسك العروة الوثقى 11: 200.

([153]) المعتمد في شرح المناسك 3: 212.

([154]) المصدر السابق.

([155]) وسائل الشيعة 14: 306، باب 5 من أبواب العمرة، ح5.

([156]) وسائل الشيعة 11: 341، باب 22 من أبواب المواقيت، ح1.

([157]) هداية الناسكين: 117.

([158]) جواهر الكلام 18: 133.

([159]) دليل الناسك: 80؛ وصرّح به أيضاً في ص465.

([160]) العروة الوثقى 4: 640.

([161]) المصدر السابق: 642.

([162]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 1 من أبواب المواقيت، ح2. والرواية حسنة، بإبراهيم بن هاشم، وليست صحيحةً.

([163]) المصدر السابق، ح3. والرواية حسنة كسابقتها.

([164]) المعتمد في شرح المناسك 3: 303.

([165]) سيأتي مزيد بحث في هذه المسألة في أول بحث المواقيت، فراجع.

([166]) أي يهجروا ويتأخّروا مجازاً، كما في مرآة العقول 17: 205.

([167]) وسائل الشيعة 11: 267، باب 9 من أبواب أقسام الحجّ، ح5.

([168]) الكافي 4: 251، ح 10.

([169]) المصدر السابق، ح 13.

([170]) جواهر الكلام 18: 437.

([171]) وسائل الشيعة 12: 403، باب 50 من أبواب الإحرام، ح4.

([172]) المصدر السابق، ح2.

([173]) المصدر السابق، ح1.

([174]) وسائل الشيعة 12: 404، باب 50 من أبواب الإحرام، ح7.

([175]) المصدر السابق، باب 51، ح2.

([176]) وذلك في نسختي (التهذيب) و(الاستبصار) اللتين كانتا عند الشيخ حسن(ره) صاحب (منتقى الجمان)، بدليل تعرّضه إلى شرح معنى "المختلية" [منتقى الجمان 3: 43] ؛ وقد أشير إليها أيضاً في الهامش في [وسائل الشيعة 12: 407] و [جامع أحاديث الشيعة 10: 105].

([177]) النهاية في غريب الحديث 2: 75.

([178]) راجع: تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى10: 806، لآية الله الشيخ إسحاق الفياض.

([179]) كشف اللثام 5: 304.

([180]) رياض المسائل 6: 351.

([181]) جواهر الكلام 18: 448.

([182]) كشف اللثام 5: 307.

([183]) رياض المسائل 6: 352 ـ 353.

([184]) جواهر الكلام 18: 444 ـ 445.

([185]) وسائل الشيعة 11: 302، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح6 و ح8.

([186]) وسائل الشيعة 12: 407، باب 51 من أبواب الإحرام، ح4. وأبان هو ابن عثمان الأحمر البجلي، وهو من أصحاب الإجماع، الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منهم، بحسب عبارة الكشّي. ومن غير البعيد حصول الوثوق بالرواية.

([187]) المصدر السابق، ح3.

([188]) المصدر السابق، باب 50، ح11.

([189]) وسائل الشيعة 12: 406، باب 51 من أبواب الإحرام، ح1.

([190]) وفي [معجم البلدان 3: 24]: «الربذة: من قرى المدينة على ثلاثة أيام قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز إذا رحلت من فيد تريد مكة، وبهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه».

([191]) المصدر السابق، ح5.

([192]) وسائل الشيعة 11: 304، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح10.

([193]) المهذّب 1: 272.

([194]) وسائل الشيعة 14: 313، باب 7 من أبواب العمرة، ح9.

([195]) وسائل الشيعة 14: 310، باب 7 من أبواب العمرة، ح2.

([196]) المصدر السابق، ح3.

([197]) وسائل الشيعة 11: 211، باب 1 من أبواب أقسام الحجّ، ح1.

([198]) مستند الشيعة 11: 215.

([199]) جواهر الكلام 18: 5.

([200]) البقرة: الآية 196.

([201]) الصحاح 2: 632- 633.

([202]) قال في [المعتبر2: 785]: « فإذن ما أعهده الشيخ نادر، لا عبرة به».

([203]) مستند الشيعة 11: 218-220.

([204]) جواهر الكلام 18: 9.

([205]) المقنعة: 389.

([206]) كشف الرموز 1: 337.

([207]) المبسوط 4: 169.

([208]) المغني 3: 502.

([209]) كذا في (التهذيب) و (الاستبصار)، وفي (الوسائل): "عليهم".

([210]) وسائل الشيعة 11: 259، باب 6 من أبواب أقسام الحجّ، ح3.

([211]) المصدر السابق، ح7.

([212]) تهذيب الأحكام 5: 492، ح 1766.

([213]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 185.

([214]) أقول: صحيحٌ أنّ الشيخ (ره) لم يذكر في آخر (التهذيب) طريقه إلى علي بن السندي، كما ذكر السيد الخوئي(قده)، إلاّ أنّ له إليه عدّة طرق ذكرها في موارد متعددة من كتبه، منها ما صرّح به في موضعين من [الفهرست: 136و 388]، في ترجمة الحسن بن راشد الطفاوي، وترجمة محمد بن عمر الزيّات، وهو في الموضعين: ابن أبي جيّد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن علي بن السندي. وله طريق آخر إليه تكرّر منه ذكره في التهذيبين كثيراً وهو: الحسين بن عبيدالله (الغضائري)، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن محمد بن علي بن محبوب، عن علي بن السندي [الاستبصار1: 120، ح8]، بل وهناك طرق أخرى إليه تُعلم بالمراجعة. ومعه، كيف يكون طريق الشيخ إليه مجهولاً؟ (المقرّر)

([215]) معجم رجال الحديث 13: 51.

([216]) رجال الطوسي: 362.

([217]) رجال النجاشي: 251.

([218]) مستدرك الوسائل 8: 88، باب 6 من أبواب أقسام الحجّ، ح1.

([219]) راجع: فقه الحجّ 1: 25.

([220]) راجع: جواهر الكلام 18: 6.

([221]) وسائل الشيعة 11: 262، باب 6 من أبواب أقسام الحجّ، ح12.

([222]) مجمع البحرين 2: 72، مادة "دون".

([223]) الحدائق الناضرة 14: 443.

([224]) وسائل الشيعة 11: 258، باب 6 من أبواب أقسام الحجّ، ح1.

([225]) المصدر السابق، ح6.

([226]) المصدر السابق، ح12.

([227]) وسائل الشيعة 11: 260، باب 6 من أبواب أقسام الحجّ، ح4.

([228]) المصدر السابق، ح5.

([229]) مستدرك الوسائل 8: 89، باب 6 من أبواب أقسام الحجّ، ح2.

([230]) وسائل الشيعة 11: 261، باب 6 من أبواب أقسام الحجّ، ح10.

([231]) مدارك الأحكام 7: 162؛ مجمع الفائدة والبرهان 6: 18.

([232]) المبسوط 1: 306.

([233]) السرائر 1: 519.

([234]) أمّا "سرف" فهو كما في [معجم البلدان 3: 212]: «موضع على ستة أميال من مكّة، وقيل: سبعة، وتسعة، واثني عشر»؛ وأمّا "مرّ" فالمسافة بينه وبين مكّة خمسة أميال، بحسب ما نقل في [معجم البلدان 5: 104] عن الواقدي. وإن كان بعضهم قد ذكر أنّ "مرّ" تقع على مرحلة من مكّة. وقد تعدّدت كلماتهم في المرحلة، فقيل إنّها مسيرة يوم أي 24 ميلاً، كما قيل إنّها عبارة عن ستة فراسخ، أي 18 ميلاً؛ والنتيجة هي أنّه لا يوجد وضوح في وقوع هذه الأمكنة في المسافة الأزيد من 12 ميلاً، فتدبّر.(المقرّر)

([235]) المعتمد في شرح المناسك 3: 226.

([236]) فقه الحجّ 1: 51 - 53.

([237]) البقرة: الآية 196.

([238]) وسائل الشيعة 11: 247، باب 4 من أبواب أقسام الحجّ، ح3.

([239]) المصدر السابق، ح17.

([240]) وسائل الشيعة 13: 112، باب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح9.

([241]) مختلف الشيعة 4: 31.

([242]) جواهر الكلام 18: 87.

([243]) الدروس الشرعية 1: 331.

([244]) كشف اللثام 5: 64.

([245]) جواهر الكلام 18: 89.

([246]) مختلف الشيعة 4: 32.

([247]) الحدائق الناضرة 14: 426.

([248]) الدروس الشرعية 1: 331.

([249]) جواهر الكلام 18: 88.

([250]) شرائع الإسلام 1: 177.

([251]) المبسوط 1: 308.

([252]) النهاية: 206.

([253]) السرائر 1: 522.

([254]) إرشاد الأذهان 1: 309.

([255]) إيضاح الفوائد 1: 263.

([256]) وسائل الشيعة 11: 265، باب 9 من أبواب أقسام الحجّ، ح1.

([257]) المصدر السابق، ح2.

([258]) تهذيب الأحكام 5: 34.

([259]) وسائل الشيعة 11: 266، باب 9 من أبواب أقسام الحجّ، ح3.

([260]) المصدر السابق، ح7. وهي ضعيفة سنداً باشتراك داود فيها بين الثقة والضعيف، وإن كان قد ذكر في: مرآة العقول 17: 202 أنّ الحديث حسنٌ على الظاهر.

([261]) المصدر السابق، ح8.

([262]) وسائل الشيعة 11: 269، باب 9 من أبواب أقسام الحجّ، ح9.

([263]) المصدر السابق، باب 8، ح4. والرواية ضعيفة من ناحية أبي المفضّل (محمد بن عبدالله الشيباني)، وابن بطّة (محمد بن جعفر بن أحمد)، وهما واسطة الشيخ إلى روايات العبّاس بن معروف، وإلاّ فالعباس ومن بعده في هذه الرواية من الثقات، ولذلك عبرّ جملة من الأعاظم عنها بالصحيحة.(المقرّر)

([264]) المصدر السابق، ح3.

([265]) المصدر السابق، ح5.

([266]) الظاهر لزوم إبدال "وفي" بـ "كما في"؛ لأنّ ما سبقها من كلامٍ هو الموجود في [كشف اللثام 5: 63]، دون ما لحقها.

([267]) جواهر الكلام 18: 90.

([268]) مستمسك العروة الوثقى 11: 173.

([269]) مهذّب الأحكام 12: 332.

([270]) مدارك الأحكام 7: 210.

([271]) كشف اللثام 5: 64.

([272]) جواهر الكلام 18: 89.

([273]) جواهر الكلام 18: 82.

([274]) مدارك الأحكام 7: 210.

([275]) الحدائق الناضرة 14: 429.

([276]) كفاية الأحكام 1: 280.

([277]) العناوين التي وردت في روايات الباب ثلاثة: المقيم، المجاور، القاطن، ولم يفرّق بينها أهل اللغة، قال في [تاج العروس 18: 457]: «قطن بالمكان قطوناً: أقام به وتوطّن ... قطان وقاطنة وقطين، كأمير وهم المقيمون بالموضع لا يكادون يبرحونه. ومجاورو مكّة: قُطّانها؛ وفي حديث الإفاضة: نحن قطين الله، أي سكان حرمه، بحذف مضاف». (المقرّر)

([278]) مستند الشيعة 13: 111-112.

([279]) لم نجد أيّ إشارة في (الحدائق) إلى شهرة هذا القول، راجع: الحدائق الناضرة 14: 412.

([280]) العروة الوثقى 4: 608.

([281]) وسائل الشيعة 11: 264، باب 8 من أبواب أقسام الحجّ، ح1.

([282]) رجال النجاشي: 418.

([283]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 219.

أقول: أوّلاً: قد رجع(قده) عن القول بتوثيق رجال (كامل الزيارات) في آخر عمره الشريف، فلا يكون لديه وجه للحكم بتوثيقه.

وثانياً: ما ذكره(قده) من تفسيرٍ للاضطراب في الحديث، هو على خلاف المصطلح عند علماء الدراية؛ فإنّ الحديث يوصف عندهم بالمضطرب، تارةً من حيث السند، وأخرى من حيث الدلالة، وليس في كلماتهم ما يشير إلى المعنى الذي ذكره(قده)، هذا مع أنّهم قد عدّوا الحديث المضطرب من جملة الحديث الضعيف. [راجع: الرعاية لحال البداية: 99].(المقرّر)

([284]) قد يُقال إنّ الرواية موثّقة، لأنّ عثمان بن عيسى العامري الواقع في طريق الصدوق إلى سماعة هو من شيوخ الواقفة ومؤسسيها، ولكنه ثقة بحسب ما ذكر الشيخ(ره) في [العدّة في أصول الفقه 1: 150].

ولكن لسماحة السيد(دام ظله) رأي خاص في ذلك، حيث قال: إنّ لدينا تحفظاً في وثاقة شيوخ الواقفة ومؤسسيها؛ لأنّ إنكارهم للإمام ودعوتهم إلى الوقوف على من قبله لا يوحي بالوثاقة لدى العقلاء، باعتبار أنّ الانحراف المتعمّد لا يلتقي بوثاقة صاحبه.(المقرّر)

([285]) وسائل الشيعة 11: 270، باب 10 من أبواب أقسام الحجّ، ح2.

([286]) المعتمد في شرح المناسك 3: 238.

([287]) وسائل الشيعة 11: 266، باب 9 من أبواب أقسام الحجّ، ح3.

([288]) المصدر السابق، ح 7. وقد تقدّم حال سندها.

([289]) المصدر السابق، باب 22 من أبواب المواقيت، ح1.

([290]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 221.

([291]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 221.

([292]) وهي تقع إلى جهة الشمال الغربي من مكّة، بينما تقع ذات عرق إلى جهة الشمال الشرقي منها.(المقرّر)

([293]) البقرة: الآية 197.

([294]) وسائل الشيعة 11: 284، باب 15 من أبواب أقسام الحجّ، ح1. وقد مرّ الحديث عن ذلك سابقاً في ص43، من هذا الجزء.

([295]) راجع: ص 45.

([296]) مستند الشيعة 11: 247.

([297]) وسائل الشيعة 11: 266، باب 9 من أبواب أقسام الحجّ، ح3.

([298]) تهذيب الأحكام 5: 477، ح 1648. وفي ملاذ الأخيار 8: 546 أنّ الحديث صحيح.

([299]) الكافي 4: 454، ح1.

([300]) قال في [الصحاح 6: 2162]: «عدنت البلد: توطنته. وعدنت الإبلُ بمكان كذا: لزمته فلم تبرح. ومنه: (جنات عدن) أي جنات إقامة. ومنه سمي المعدن، بكسر الدال، لأنّ الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء».

([301]) وسائل الشيعة 11: 303، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح8.

([302]) المعتمد في شرح المناسك 3: 247.

([303]) المصدر السابق.

([304]) المعتمد في شرح المناسك 3: 247.

([305]) العروة الوثقى 4: 615.

([306]) مستمسك العروة الوثقى 11: 203.

([307]) تهذيب الأحكام 5: 164. وينبغي الالتفات إلى أنّ بعض نسخ التهذيب الالكترونية مبتلاة بسقط في العبارة.

([308]) وسائل الشيعة 11: 328، باب 14 من أبواب المواقيت.

([309]) المصدر السابق، باب 20، ح3.

([310]) المصدر السابق، ح2.

([311]) تذكرة الفقهاء 7: 214.

([312]) فتح العزيز 7: 152.

([313]) المجموع 7: 177.

([314]) وسائل الشيعة 11: 239، باب 3 من أبواب أقسام الحجّ ح1-2-12.

([315]) المصدر السابق، باب 4، ح18.

(3) جواهر الكلام 18: 20.

(4) العروة الوثقى 4: 616.

(5) وسائل الشيعة 11: 201، باب 27 من أبواب النيابة في الحجّ.

([316]) وسائل الشيعة 11: 201، باب 27 من أبواب النيابة في الحجّ، ح1.

([317]) هو العلاّمة المحقّق المعروف بالمحقّق الداماد(قده)، في تقريرات بحثه في الحجّ، بقلم العلاّمة الشيخ عبدالله جوادي الآملي(حفظه الله)، ج1 ص 388.

([318]) المعتمد في شرح المناسك 3: 250.

([319]) من لا يحضره الفقيه 2: 446.

([320]) روضة المتّقين 5: 65.

([321]) المصدر السابق.

([322]) تهذيب الأحكام 5: 239.

([323]) علل الشرائع 2: 441.

([324]) المعتمد في شرح المناسك 3: 252.

([325]) وسائل الشيعة 14: 80، باب 1 من أبواب الذبح، ذيل الحديث 5.

([326]) الحدائق الناضرة 14: 362.

([327]) مستند الشيعة 11: 253.

([328]) جواهر الكلام 18: 26.

([329]) العروة الوثقى 4: 618.

([330]) المصدر السابق.

([331]) المعتمد في شرح المناسك 3: 253.

([332]) موجز أحكام الحجّ، تحت عنوان: "واجبات العمرة الرئيسية".

([333]) قال في (الشرائع): «ولا يجوز للمتمتع الخروج من مكّة حتى يأتي بالحجّ لأنه صار مرتبطاً به إلا على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة». راجع أيضاً: الدروس 1: 336؛ جامع المقاصد 3: 114؛ مسالك الأفهام 2: 200؛ مدارك الأحكام 7: 173؛ كشف اللثام 5: 43.

([334]) وسائل الشيعة 11: 302، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح6.

([335]) المصدر السابق، ح4.

([336]) وسائل الشيعة 11: 301، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح1.

([337]) المصدر السابق، ح2.

([338]) المصدر السابق، ح5.

([339]) المصدر السابق، ح7.

([340]) البقرة: الآية 205.

([341]) النساء: الآية 148.

([342]) المعتمد في شرح المناسك 3: 254.

([343]) وسائل الشيعة 11: 303، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح8.

([344]) المصدر السابق، ح10.

([345]) وسائل الشيعة 11: 253، باب 4 من أبواب أقسام الحجّ، ح24.

([346]) المصدر السابق، باب 22، ح2 ـ3 ـ 5.

([347]) وسائل الشيعة 14: الأبواب 22 ـ 23 ـ 27 من أبواب الوقوف بالمشعر.

([348]) العروة الوثقى 4: 623.

([349]) مستمسك العروة الوثقى 11: 220.

([350]) السبزواري، السيد عبدالأعلى(قده)، مهذّب الأحكام 12: 277 ؛ الفياض، الشيخ محمد إسحاق، تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى 9: 141؛ السيستاني، السيد علي، مناسك الحجّ، مسألة 152، ص 73.

([351]) العروة الوثقى 4: 623.

([352]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 2: 374.

([353]) المعتمد في شرح المناسك 3: 256.

([354]) وسائل الشيعة 11: 303، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح7.

([355]) المصدر السابق، ح6.

([356]) المعتمد في شرح المناسك 3: 256- 257.

([357]) وسائل الشيعة 11: 302، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح6.

([358]) وسائل الشيعة 11: 303، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح8.

([359]) العروة الوثقى 4: 618 ـ 619 ـ 620.

([360]) المعتمد في شرح المناسك 3: 260.

([361]) وسائل الشيعة 11: 302، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح6.

([362]) في ص 60.

([363]) مستند الشيعة 11: 222.

([364]) وسائل الشيعة 11: 297، باب 21 من أبواب أقسام الحجّ، ح6.

([365]) مستمسك العروة الوثقى 11: 221.

([366]) المصدر السابق.

([367]) مستند الشيعة 11: 228.

([368]) جواهر الكلام 18: 35.

([369]) مستند الشيعة 11: 222.

([370]) المصدر السابق، ص 224.

([371]) المصدر السابق، ص 226.

([372]) وسائل الشيعة 11: 292، باب 20 من أبواب أقسام الحجّ، ح3. وقد رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم، بأسانيد يدور أمرها بين الصحّة والإرسال والتوثيق، كما صرّح بذلك المجلسيان(ره) في: [مرآة العقول 18: 96] و: [روضة المتّقين 4: 516] و: [ملاذ الأخيار 8: 374 و 542]، ولكن لا يبعد حصول الوثوق بها.

([373]) وسائل الشيعة 11: 292، باب 20 من أبواب أقسام الحجّ، ح4. وفي روضة المتّقين 4: 516 أنّ الحديث صحيحٌ.

([374]) وسائل الشيعة 11: 293، باب 20 من أبواب أقسام الحجّ، ح6. وفي مرآة العقول 18: 89 أنّ الحديث مرسل كالموثّق.

([375]) المصدر السابق، ح8.

([376]) المصدر السابق، ح14.

([377]) المصدر السابق، ح9. وهي إمّا موثّقة، وذلك إذا كان الحسن فيها هو ابن فضّال؛ وإمّا صحيحة، إذا كان هو ابن سعيد.

([378]) المصدر السابق، ح5.

([379]) وسائل الشيعة 11: 294، باب 20 من أبواب أقسام الحجّ، ح10.

([380]) المصدر السابق، ح11.

([381]) قال الزبيدي في [تاج العروس15: 677]: «وحدّه من مغرب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق، أو إلى طلوع الشمس».

([382]) المصدر السابق، ح12.

([383]) المصدر السابق، ح13.

([384]) والظاهر اعتبارها سنداً، فالراوي لها وهو موسى بن القاسم ثقة، وهو يصرّح بوثاقة الواسطة بينه وبين الإمام الكاظم(ع)، وأنّه من أهل البيت(ع)، ومن القوّة بمكان أن يكون هو علي بن جعفر، فإنّه يروي كثيراً عن أخيه الكاظم(ع)، وموسى بن القاسم يروي عنه باسمه كثيراً أيضاً، لذا فالحكم باعتبار الرواية بل صحّتها كما صرّح به المجلسي(ره) في ملاذ الأخيار 7: 513 قريب جداً.(المقرّر)

([385]) وسائل الشيعة 11: 295، باب 20 من أبواب أقسام الحجّ، ح15.

([386]) المصدر السابق، ح16.

([387]) المعتمد في شرح المناسك 3: 264-265.

([388]) وسائل الشيعة 11: 297، باب 21 من أبواب أقسام الحجّ، ح6.

([389]) المصدر السابق، ح9.

([390]) المصدر السابق، ح10. وموسى بن عبدالله هذا مشترك بين اثنين لم يُذكرا بتوثيق، فهو مجهول الحال.

([391]) وسائل الشيعة 11: 299، باب 21 من أبواب أقسام الحجّ، ح11. وفي سندها عبدالرحمن بن أعين، وهو وإن لم يُذكر بتوثيق، ولكن لا يبعد السكون إلى رواياته، لظهور حُسن حاله من الروايات الواردة في أخيه حمران. راجع: [معجم رجال الحديث 10: 338].

([392]) المصدر السابق، ح12.

([393]) المصدر السابق، ح 14.

([394]) هي الرواية رقم (13) السابقة.

([395]) المعتمد في شرح المناسك 3: 264 ـ 265.

([396]) هي الرواية رقم (14) السابقة.

([397]) المعتمد في شرح المناسك 3: 265 ـ 266.

([398]) هي الرواية رقم (12) السابقة.

([399]) المعتمد في شرح المناسك 3: 266.

([400]) مستمسك العروة الوثقى 11: 233.

([401]) مستمسك العروة الوثقى 11: 234.

([402]) المعتمد في شرح المناسك 3: 271.

([403]) وسائل الشيعة 11: 296، باب 21 من أبواب أقسام الحجّ، ح1. والرواية صحيحة.

([404]) المصدر السابق، ح9.

([405]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 1 من أبواب المواقيت، ح1. وفي [مرآة العقول 17: 236]: «قال في السرائر: "المهيعة بتسكين الهاء وفتح الياء مشتقة من المهيع، وهو المكان الواسع". قوله(ع): "وما أنجدت" أي كلّ أرض انتهى طريقها إلى النجد، أو كلّ طائفة أتت نجداً، أو كلّ أرض دخلت في النجد، والأوّل أظهر. وقال الفيروزآبادي: "أنجد: أتى نجداً وخرج إليه"». وفي [تاج العروس 5: 268] أنّ النجد ما أشرف من الأرض وارتفع واستوى وصلب وغلظ.

([406]) لا يمكن التشكيك في وجود طرق أساسية مشخّصة في ذلك الزمان، ويكفي مثالاً ودليلاً على ذلك ما ذكر في كتب التأريخ والسير، من أنّ الحسين(ع) عندما رفض البيعة ليزيد، خرج من المدينة إلى مكّة وسار في الطريق الأعظم، ورفض أن يتنكبه إلى طريق الفرع كما فعل عبدالله بن الزبير [راجع: مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي: 13].(المقرّر)

([407]) والمقصود أنّه لم يكن الإسلام قد دخل يومئذٍ إلى العراق، وإلاّ فالعراق كان معروفاً بأرض السواد، التي كان يقيم فيها الناس للانتفاع بزراعتها لوجود النهرين فيها، وربما كانوا يقصدون الذهاب إلى مكّة بفعل الحاجة والتجارة مثلاً. (منه دام ظلّه)

([408]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 1 من أبواب المواقيت، ح2.

([409]) وهذه ملاحظة مهمّة أيضاً، فإنّ الإحرام من المنزل ليس من جملة المواقيت التي حدّدها رسول الله(ص) والتي صرّحت حسنة الحلبي بأنّها خمسة ليس منها الإحرام من المنزل، وإنّما هو من تحديد الإمام(ع)، فهي إذاً لا تعدّ من المواقيت، ما يجعل التكليف بالإحرام منها خارجاً عن الإحرام من المواقيت، لفقدان الملاك في التحديد بتوقيت الميقات. (منه دام ظلّه)

([410]) وسائل الشيعة 11: 308، باب 1 من أبواب المواقيت، ح3.

([411]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 385.

([412]) وسائل الشيعة 11: 310، باب 1 من أبواب المواقيت، ح9.

([413]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 385.

([414]) قد مـرّ بعـض ما يرتبـط بهذا البحـث في المسألـة [140] عنـد الكـلام في ميقـات العـمـرة المفـردة، ص 50.

([415]) شرائع الإسلام 1: 178.

([416]) منهم السيد الكلبايكاني(قده) في تعليقته على العروة الوثقى 4: 639.

([417]) تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى 9: 205-206.

([418]) راجع: مستند الشيعة 11: 188.

([419]) مسالك الأفهام 2: 216.

([420]) مدارك الأحكام 7: 224.

([421]) مستند الشيعة 11: 189؛ جواهر الكلام 18: 118؛ العروة الوثقى 4: 639.

([422]) وسائل الشيعة 11: 326، باب 13 من أبواب المواقيت، ح1.

([423]) راجع: المعتمد في شرح المناسك 3: 324 ؛ مناسك الحجّ للسيد السيستاني(حفظه الله): مسألة 173.

([424]) إيضاح الفوائد 1: 284.

([425]) المصدر السابق: 283.

([426]) كشف اللثام 5: 225.

([427]) مستمسك العروة الوثقى 11: 284.

([428]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 383 - 387.

([429]) راجع: البحث في المسألة (140) ص 53-54.

([430]) من لا يحضره الفقيه 2: 450، ح2943.

([431]) الكافي 4: 251، ح10.

([432]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 390-391.

([433]) مثل قول أمير المؤمنين(ع): "ما من مُهلٍ يهلُّ بالتلبية إلاّ أهلّ" [وسائل الشيعة 12: 378، باب 37 من أبواب الإحرام، ح2]. فإنّ الظاهر أنّ المقصود (ما من محرم يرفع صوته بالتلبية)، فـ "مهلّ" يُقصد بها المحرم، لا رافع الصوت، كما هو واضح.

بل قد استعمل بصيغة اسم المكان بمعنى الميقات أيضاً في موارد متعددة، راجع: [وسائل الشيعة 11: 264، باب 8 من أبواب أقسام الحجّ، ح1]. وقد استعمل بمعنى "وقّت" أيضاً [مستدرك الوسائل 8: 103، باب 1 من أبواب المواقيت، ح6].(المقرّر)

([434]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 1 من أبواب المواقيت، ح1 ـ 2 ـ 6.

([435]) المصدر السابق، ح9.

([436]) المصدر السابق، ح7.

([437]) المصدر السابق، ح3 ـ 11 ـ 12.

([438]) المصدر السابق، ح13.

([439]) راجع: كشف اللثام 5: 210-212.

([440]) العروة الوثقى 4: 630.

([441]) مستمسك العروة الوثقى 11: 250.

([442]) وسائل الشيعة 11: 311، باب 1 من أبواب المواقيت، ح13.

([443]) هدايـة الناسكيـن: 86. أقـول: الروايات والمصادر التاريخية مختلفة في هذا المجال، فبعضها يذكر أنّ رسول الله(ص) قد نـزل عند الشجـرة، ولكن بعضها صريحٌ في أنّه (ص) قد نزل في المسجد هناك وصلّى فيه، منها:                                                                                              =

                                                                                                       

=    1 ـ ما ورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق(ع) في حكاية كيفية حجّ النبي(ص)، [وسائل الشيعة 11: 213، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح4].

2 ـ ما ورد في [صحيح البخاري 2: 143] و [السنن الكبرى للبيهقي 5: 259] عن عبدالله بن عمر، أنّ رسول الله(ص) كان إذا خرج إلى مكّة يصلّي في مسجد الشجرة، وإذا رجع صلّى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى يصبح.

3 ـ ما في [تاريخ المدينة لابن شبة النميري 1: 74] عن عبدالله بن عمر قال: بات رسول الله (ص) بذي الحليفة مبدأه، وصلّى في مسجدها.

فهذه المصادر تتحدث عن وجود مسجد هناك. ونحن لا نريد أن نثبت من هذا أنّ الإحرام لا بدّ من أن يكون من المسجد، بل نريد أن نتأمّل فقط في صحّة دعوى عدم وجود المسجد آنذاك، مع هذه المصادر التي تصرّح بوجوده، وحينئذٍ تقع المناقشة الثانية لسماحة السيد(دام ظلّه) في المقام موقع الإشكال.

نعم، في بعض المصادر ـ في الإنترنت ولم أجدها في كتابٍ إلى الآن ـ التي تتحدث عن تاريخ مسجد الشجرة، أنّ أوّل من بناه هو عمر بن عبدالعزيز عندما كان والياً على المدينة سنة 87 ـ 93 ﻫ .

ولكن هذه أيضاً تُواجه بالروايات السابقة المؤكّدة لوجود مسجد زمن رسول الله(ص)، فلعلّ عمر بن عبدالعزيز هو أوّل من بناه بالحجر مثلاً.

ثم هناك مشكلة في ما يذكره الشيخ الفضلي(حفظه الله)، وهي أنّه لم يذكر المصادر التي اعتمد عليها في ذلك، بل اكتفى بعبارة: «كما ذُكر في تاريخه(ص)»، والتاريخ كما ذكر أنّه(ص) قد نزل عند الشجرة، ذكر أيضاً ـ في ما نقلنا ـ أنّه نزل المسجد عند الشجرة.

وقد علّق سماحة السيد(دام ظلّه) هنا بقلمه الشريف: إنّ الموقع كان يسمّى في زمن رسول الله(ص) بذي الحليفة، فربما كانت الروايات التي ذكرت المسجد، ذكرته باعتبار أنّه بُني بعد صلاة رسول الله(ص) تحت الشجرة هناك، بحيث أصبح المسجد علماً على الموضع، يُذكر كلّما أريد الإشارة إليه.(المقرّر)

([444]) وسائل الشيعة 11: 308، باب 1 من أبواب المواقيت، ح3.

([445]) وسائل الشيعة 11: 317، باب 7 من أبواب المواقيت، ح1.

([446]) المصدر السابق، ح3.

([447]) المصدر السابق، ح2.

([448]) المصدر السابق، باب 8، ح1.

([449]) مستمسك العروة الوثقى 11: 275.

([450]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 369.

([451]) مجمع الفائدة والبرهان 6: 186.

([452]) ما ذكره سماحة السيد(دام ظلّه) هنا يشكّل رؤيةً دقيقةً لمسألة المحاذاة، وعلى هذه الرؤية، لا يصحّ إضافة ميقات جديد عند تعداد المواقيت هو المحاذاة ـ وبهذا تعرف الإشكال في كلام كل من عدّ المحاذاة من جملة المواقيت ـ، بل ينبغي أن تُذكر ضمن تنبيه أو مسألة يُشار فيها إلى أنّ الإحرام من الميقات لا يُشترط فيه المرور على الميقات نفسه، بل يكفي فيه المرور من منطقة الميقات وينشأ الإحرام عند محاذاته، بحيث لا يحصل تجاوز للخطّ الوهمي الممتدّ من الميقات يميناً ويساراً.(المقرّر)

([453]) الوسيلة: 160.

([454]) الدروس الشرعية 1: 493.

([455]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 1 من أبواب المواقيت.

([456]) المصدر السابق، ح2.

([457]) المصدر السابق، ح3.

([458]) المصدر السابق، ح9.

([459]) وسائل الشيعة 11: 318، باب 8 من أبواب المواقيت، ح1.

([460]) المصدر السابق، باب 1، ح5.

([461]) المصدر السابق، باب 6، ح1.

([462]) المصدر السابق، ح3.

([463]) وسائل الشيعة 11: 317، باب 6 من أبواب المواقيت، ح4.

([464]) المصدر السابق، ح5.

([465]) مستند الشيعة 11: 182.

([466]) فقه الحجّ 1: 191 و 281.

([467]) المائدة: الآية 3.

([468]) العروة الوثقى 4: 631.

([469]) مستمسك العروة الوثقى 11: 255.

([470]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 338 ـ 339.

([471]) الدروس الشرعية 1: 341؛ مدارك الأحكام 7: 220؛ كشف اللثام 5: 215؛ رياض المسائل 6: 189؛ مستند الشيعة 11: 182؛ جواهر الكلام 18: 112.

([472]) العروة الوثقى 4: 631.

([473]) مستمسك العروة الوثقى 11: 256.

([474]) العروة الوثقى 4: 631.

([475]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 341.

([476]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 1 من أبواب المواقيت، ح2.

([477]) المصدر السابق، الأبواب: 1 ـ 2 ـ 3 من أبواب المواقيت، وروايات أُخر متفرقة.

([478]) جواهر الكلام 18: 104.

([479]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 1 من أبواب المواقيت، ح2 ـ 9 ـ 11 ـ 12؛ وباب 2، ح9.

([480]) المصدر السابق، باب 1، ح1 ـ 3 ـ 7 ـ 10.

([481]) المصدر السابق، ح5 ـ 8.

([482]) المصدر السابق، ح6.

([483]) الحدائق الناضرة 14: 439.

([484]) هداية الناسكين: 85.

([485]) وسائل الشيعة 11: 312، باب 2 من أبواب المواقيت.

([486]) المصدر السابق، ح7 ـ 9 ـ 10.

([487]) المصدر السابق، ح2 ـ 8.

([488]) المصدر السابق، ح7 ـ 9.

([489]) المصدر السابق، ح1.

([490]) المصدر السابق، ح5.

([491]) المصدر السابق، ح10.

([492]) العروة الوثقى 4: 633. أقول سوف يتبيّن من كلام ابن قدامة في المسألة الذي سوف ننقله في ص171، أنّهم متّفقون على جوازه وضعاً، بمعنى انعقاده، ولكنهم مختلفون في رجحانه وعدمه.(المقرّر)

([493]) وسائل الشيعة 11: 303، باب 22 من أبواب أقسام الحجّ، ح8.

([494]) من ص 91 إلى ص 94.

([495]) روى الشيخ الطوسي(قده) هذه الرواية في كتاب (الغيبة) عن جماعة من مشايخه الأجلاّء، منهم الشيخ المفيد(ره)، محمد بن محمد بن النعمان الذي قال عنه النجاشي: شيخنا وأستاذنا (رضي الله عنه)، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم [رجال النجاشي: 399]، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود، الذي قال عنه النجاشي: شيخ هذه الطائفة وعالمها وشيخ القميين في وقته وفقيههم [رجال النجاشي: 384]، قال: وجدت بخطّ أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح... وذكر المسائل. فالرواية هنا مسندة لا مرسلة. وقد ضعّفها السيد الخوئي(قده) في [معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 352] لجهالة أحمد بن إبراهيم النوبختي. ولكن ينبغي الحكم باعتبار الرواية على مبنى سماحة السيد(دام ظلّه) القائل بالأخذ بالخبر الموثوق، لأنّه لا يبعد حصول الوثوق بها مع رواية هؤلاء الأجلّة لها. بل قد وصفها جملة من الأعلام بالصحيحة، منهم صاحبا الرياض والمستند.(المقرّر)

([496]) الكوفة والبصرة.

([497]) صحيح البخاري 2: 143.

([498]) مسند أحمد 2: 78 و181؛ وج3: 333 و 336؛ صحيح مسلم 4: 7؛ سنن ابن ماجة 2: 973؛ سنن أبي داود 1: 391 و 392؛ سنن النسائي 5: 123 و 125.

([499]) هداية الناسكين: 84 ـ 85.

([500]) وسائل الشيعة 11: 314، باب 3 من أبواب المواقيت.

([501]) المصدر السابق، باب 1.

([502]) هداية الناسكين: 87 ـ 88.

([503]) هداية الناسكين: 88 ـ 89.

([504]) في ص 142.

([505]) في ص 90.

([506]) رياض المسائل 6: 192.

([507]) كشف اللثام 5: 217.

([508]) وسائل الشيعة 11: 333، باب 17 من أبواب المواقيت.

([509]) الحدائق الناضرة 14: 449.

([510]) جواهر الكلام 18: 114.

([511]) مستمسك العروة الوثقى 11: 270.

([512]) المعتمد في شرح المناسك 3: 299.

([513]) وسائل الشيعة 11: 335، باب 17 من أبواب المواقيت، ح6؛ ومثله ح9.

([514]) صحيح البخاري 2: 142. ويمكن ملاحظة هذه المحاولة في: مستند الشيعة 11: 186 ـ 187؛ وجواهر الكلام 18: 115.

([515]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 360 ـ 361.

([516]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 3: 67.

([517]) هو العلاّمة المحقّق المعروف بالمحقّق الداماد(قده)، في تقريرات بحثه في الحجّ، بقلم العلاّمة الشيخ عبدالله جوادي الآملي(حفظه الله)، ج1 ص 612.

([518]) وسائل الشيعة 11: 267، باب 9 من أبواب أقسام الحجّ، ح5.

([519]) قال في [مرآة العقول 17: 207]: «قوله(ع): "وفتح خيبر" لعلّه كان فتح حنين فصُحِّف. وعلى ما في الكتاب لعلّ المراد أنّ فتح خيبر وقع بعد الرجوع من الحديبية وهي قريبة من الجعرانة».

([520]) المصدر السابق، ح6.

([521]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 362.

([522]) في ص 82.

([523]) المعتمد في شرح المناسك 3: 300.

([524]) المعتمد في شرح المناسك 3: 297.

([525]) وسائل الشيعة 12: 388، باب 43 من أبواب الإحرام، ح1.

([526]) وسائل الشيعة 12: 393، باب 45 من أبواب الإحرام.

([527]) وسائل الشيعة 11: 333، باب 17 من أبواب المواقيت.

([528]) المصدر السابق، ح1.

([529]) راجع ص 143.

([530]) وسائل الشيعة 14: 299، باب 2 من أبواب العمرة، ح2. والرواية حسنة وليست صحيحةً.

([531]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 392 ـ 393.

([532]) راجع: مستند الشيعة 11: 191.

([533]) وسائل الشيعة 11: 319، باب 9 من أبواب المواقيت.

([534]) المصدر السابق، ح3.

([535]) المصدر السابق، باب 12، ح5. والرواية معتبرة لما ذكره السيد الخوئي(ره) من أنّ الكشي قد نقل روايات كثيرة تدلّ على مدح ميسر، كما قد وثّقه علي بن الحسن بن فضّال [معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 402].

([536]) وسائل الشيعة 11: 324، باب 11 من أبواب المواقيت، ح7.

([537]) الدروس الشرعية 1: 484 ـ 485.

([538]) هو العلاّمة المحقّق المعروف بالمحقّق الداماد(قده)، في تقريرات بحثه في الحجّ، بقلم العلاّمة الشيخ عبدالله جوادي الآملي(حفظه الله)، ج1 ص 627.

([539]) وسائل الشيعة 11: 322، باب 11 من أبواب المواقيت، ح1.

([540]) قال ابن قدامة في [المغني3: 215-216]: «مسألة: قال: (والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته فإن فعل فهو مُحْرِمٌ) لا خلاف في أنّ من أحرم قبل الميقات يصير محرماً تثبت في حقه أحكام الإحرام، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ من أحرم قبل الميقات أنّه محرم، ولكن الأفضل الإحرام من الميقات، ويكره قبله، روي نحو ذلك عن عمر وعثمان، وبه قال الحسن وعطاء ومالك وإسحاق، وقال أبو حنيفة: الأفضل الإحرام من بلده، وعن الشافعي كالمذهبين، وكان علقمة والأسود وعبدالرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم، ... وأحرم ابن عمر من إيليا، وروى النسائي وأبو داود باسناديهما عن الضبي بن معبد قال: أهللت بالحجّ والعمرة فلما أتيت العذيب لقيني سليمان بن ربيعة وزيد بن صوحان وأنا أهلّ بهما، فقال أحدهما: ما هذا بأفقه من بعيره، فأتيت عمر فذكرت له ذلك فقال: هُديت لسنّة نبيّك(ص) وهذا أحرم به قبل الميقات، ... وقد روى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أيوب قال: قال رسول الله(ص): "يستمتع أحدكم بحلّه ما استطاع فإنّه لا يدري ما يعرض له في احرامه"، ... قال عطاء: انظروا هذه المواقيت التي وقّتت لكم فخذوا برخصة الله فيها، فإنّه عسى أن يصيب أحدكم ذنباً في إحرامه فيكون أعظم لوزره، فإنّ الذنب في الإحرام أعظم من ذلك».

أقول: يظهر من هذه الكلمات أنّ العامّة متّفقون على جواز الإحرام قبل الميقات وضعاً، بمعنى انعقاده، ولكنّهم مختلفون في رجحانه وعدمه. ومن الواضح أنّ هذا المقدار لا يصحّح الحمل على التقيّة؛ لتحقّق المندوحة، إمّا برأي جميعهم حيث إنّهم إنّما يقولون بالجواز لا بإلزامية الإحرام قبل الميقات، وإمّا برأي بعضهم القائلين بأفضلية الإحرام من الميقات.(المقرّر)

([541]) وسائل الشيعة 11: 326، باب 13 من أبواب المواقيت، ح1.

([542]) المصدر السابق، ح3.

([543]) المصدر السابق، ح2.

([544]) راجع: اليمين والعهد والنذر، ص 171 ـ 172.

([545]) المعتبر 2: 806.

([546]) منتهى المطلب (الطبعة الحجرية) 2: 669.

([547]) مسالك الأفهام 2: 220.

([548]) جواهر الكلام 18: 124.

([549]) وسائل الشيعة 11: 325، باب 12 من أبواب المواقيت، ح1.

([550]) المصدر السابق، ح2.

([551]) جواهر الكلام 18: 124.

([552]) مستمسك العروة الوثقى 11: 303.

([553]) مستند الشيعة 11: 193.

([554]) وسائل الشيعة 11: 307، باب 1 من أبواب المواقيت، ح2.

([555]) وسائل الشيعة 11: 331، باب 15 من أبواب المواقيت، ح1.

([556]) المصدر السابق، باب 6، ح3.

([557]) مستمسك العروة الوثقى 11: 305.

([558]) راجع البحث في المسألة 140 ص 50.

([559]) جواهر الكلام 18: 132.

([560]) مجمع الفائدة والبرهان 6: 174-175.

([561]) مدارك الأحكام 7: 235.

([562]) كشف اللثام 5: 237.

([563]) الحدائق الناضرة 14: 471.

([564]) مهذّب الأحكام 13: 50.

([565]) جامع المدارك 2: 369.

([566]) المعتمد في شرح المناسك، كتاب الحجّ 3: 314-315.

([567]) مهذّب الأحكام 13: 50.

([568]) مثل: الشيخ إسحاق الفياض في مناسكه، ص98؛ والسيد محمد صادق الروحاني في مناسكه، ص68ـ69.

([569]) جواهر الكلام 18: 132.

([570]) وسائل الشيعة 11: 330، باب 14 من أبواب المواقيت، ح7.

([571]) المعتمد في شرح المناسك 3: 316.

([572]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 3: 112.

([573]) وسائل الشيعة 11: 328، باب 14 من أبواب المواقيت، ح1.

([574]) وسائل الشيعة 11: 328، باب 14 من أبواب المواقيت، ح1.

([575]) المصدر السابق، ح1.

([576]) الدروس الشرعية 1: 341؛ رياض المسائل 6: 207 و 355؛ مستند الشيعة 11: 197؛ العروة الوثقى 4: 650؛ مهذّب الأحكام 13: 55؛ تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى 9: 231-232.

([577]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 435.

([578]) مدارك الأحكام 7: 387 ؛ تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 3: 127.

([579]) وسائل الشيعة 11: 328، باب 14 من أبواب المواقيت، ح1؛ ومثلها بقية روايات الباب.

([580]) جواهر الكلام 18: 134.

([581]) السرائر 1: 529.

([582]) مستمسك العروة الوثقى 11: 325. وما نقله(قده) من عبارة (المعتبر) هو ما نقله عنه كلّ العلماء الذين راجعنا كلماتهم، لكن في (المعتبر) المطبوع، ج2، ص 810، كانت العبارة مختلفة، كالآتي: "ولست أدري كيف يحلّ له هذا الاستدلال، وكيف يوجبه".

([583]) وسائل الشيعة 11: 338، باب 20 من أبواب المواقيت، ح2.

([584]) ذكره في مستند الشيعة 11: 201، وحكاه عن بعضهم وهو: كشف اللثام 5: 239.

([585]) كشف اللثام 5: 239.

([586]) جواهر الكلام 18: 134.

([587]) وسائل الشيعة 11: 338، باب 20 من أبواب المواقيت، ح3. ولا يخفى أنّهما رواية واحدة في الأصل نقلها الشيخ(ره) في: تهذيب الأحكام 5: 476، ح1678، وقد قطّعها في الوسائل إلى روايتين.

([588]) المصدر السابق، ح1.

([589]) المرتقى إلى الفقه الأرقى 2: 43.

([590]) مدارك الأحكام 7: 238.

([591]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 443.

([592]) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 3: 134.

([593]) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 3: 132-133.

([594]) في ص 90.

([595]) وسائل الشيعة 11: 328، باب 14 من أبواب المواقيت، ح1.

([596]) وسائل الشيعة 11: 338، باب 20 من أبواب المواقيت، ح3.

([597]) الموسوعة الفقهية الميسّرة 1: 305 ـ 306.

([598]) وسائل الشيعة 12: 342، باب 17 من أبواب الإحرام، ح1.

([599]) مستند الشيعة 11: 285.

([600]) مستند الشيعة 11: 304.

([601]) وسائل الشيعة 12: 382، باب 40 من أبواب الإحرام، ح2.

([602]) تهذيب الأحكام 5: 91، ح300.

([603]) الكافي 4: 335، ح3.

([604]) هكذا في (الوسائل)، وفي [قرب الإسناد: 59] الذي هو مصدر هذه الرواية: "لك والملك".

([605]) وسائل الشيعة 12: 376، باب 36 من أبواب الإحرام، ح6.

([606]) وهو: سليمان بن مهران.

([607]) وسائل الشيعة 11: 233، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح29.

([608]) وسائل الشيعة 12: 383، باب 40 من أبواب الإحرام، ح3.

([609]) المصدر السابق، ح4.

([610]) من لا يحضره الفقيه 2: 325، ح 2578. وقد أشار إلى ذلك محقّق (الوسائل) في المصدر السابق أيضاً، ونقلها في [مدارك الأحكام 7: 270] و [الحدائق 15: 57] من دون "لبّيك" أيضاً.

([611]) الكافي 4: 249، ح7؛ وسائل الشيعة 11: 223، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح15.

([612]) وسائل الشيعة 12: 384، باب 40 من أبواب الإحرام، ح5.

([613]) الحدائق الناضرة 15: 59.

([614]) ذكر غير واحد من العلماء أنّ المقصود بـ "المحرم" هنا ليس هو الحاجّ أو المعتمر المحرم، بل من لا يطاوعه لسانه على التلفّظ الصحيح، اعتماداً على ما في [الصّحاح للجوهري 5: 1896]:«جلد محرم، أي لم تتمّ دباغته بعد؛ وسوط محرم: لم يليَّن بعد ...؛ وناقة محرمة، أي لم يتمّ رياضتها بعد». ولكن سماحة السيد(دام ظلّه) استظهر أنّ المراد به المحرم الذي يصدر منه الإحرام عند التلبية، لظهور الرواية في ذلك.(المقرّر)

([615]) وسائل الشيعة 6: 136، باب 59 من أبواب القراءة في الصلاة، ح2.

([616]) وسائل الشيعة 14: 230، باب 11 من أبواب الحلق والتقصير، ح3. وقد رواها الشيخ الحرّ(ره) أيضاً في [ج12: 381، باب 39 من أبواب الإحرام، ح2] لكن قطّعها وحذف منها "من أهل خراسان".(المقرّر)

([617]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 524.

([618]) وسائل الشيعة 12: 381، باب 39 من أبواب الإحرام، ح1. والنوفلي هو الحسين بن يزيد بن محمد؛ والسكوني هو إسماعيل بن أبي زياد، وهو عامّي المذهب.

([619]) وسائل الشيعة 11: 288، باب 17 من أبواب أقسام الحجّ، ح5.

([620]) وسائل الشيعة 12: 382، باب 40 من أبواب الإحرام، ح2.

([621]) المصدر السابق، باب 14، ح2.

([622]) وسائل الشيعة 11: 279، باب 12 من أبواب أقسام الحجّ، ح20.

([623]) السرائر 1: 532.

([624]) البقرة: الآية 197.

([625]) وسائل الشيعة 11: 271، باب 11 من أبواب أقسام الحجّ، ح2.

([626]) المصدر السابق، باب 12، ح19.

([627]) المصدر السابق، ح21.

([628]) المصدر السابق، ح1.

([629]) المصدر السابق، ح2. وفي مرآة العقول 17: 196 أنّ الحديث موثّق.

([630]) مستند الشيعة 11: 309.

([631]) الحدائق الناضرة 15: 52.

([632]) مدارك الأحكام 7: 196.

([633]) وسائل الشيعة 11: 278، باب 12 من أبواب أقسام الحجّ، ح16.

([634]) وسائل الشيعة 11: 276، باب 12 من أبواب أقسام الحجّ، ح4.

([635]) المصدر السابق، ح9. وفي [الصحاح 2: 692] أنّ السير: ما يُقدُّ من الجلد.

([636]) المصدر السابق، ح10.

([637]) المصدر السابق، باب 12.

([638]) الحدائق الناضرة 15: 49.

([639]) رياض المسائل 6: 154.

([640]) وسائل الشيعة 11: 276، باب 12 من أبواب أقسام الحجّ، ح5.

([641]) وسائل الشيعة 11: 276، باب 12 من أبواب أقسام الحجّ، ح7.

([642]) المصدر السابق، ح10.

([643]) وسائل الشيعة 12: 399، باب 48 من أبواب الإحرام، ح1.

([644]) قال ابن الأثير في [النهاية في غريب الحديث 1: 214]: «إنّه أمر المستحاضة أن تستثفر: هو أن تشدّ فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطناً، وتوثق طرفيها في شيء تشدّه على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدم، وهو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها».

([645]) المصدر السابق، ح2.

([646]) في التهذيب: بمنطقة. وقال الشيخ الطريحي في [مجمع البحرين 4: 329-330]: «والمنطق أيضاً: شقّة تلبسها المرأة وتشدّ وسطها ثم ترسل أعلاها على أسفلها إلى الركبة والأسفل إلى الأرض».

([647]) المصدر السابق، باب 49، ح2.

([648]) وسائل الشيعة 12: 387، باب 42 من أبواب الإحرام، ح1.

([649]) المصدر السابق، باب 14، ح1.

([650]) المصدر السابق، ح3.

([651]) وسائل الشيعة 12: 369، باب 34 من أبواب الإحرام، ح1.

([652]) المصدر السابق، ح2.

([653]) المصدر السابق، ح3.

([654]) المصدر السابق، ح4.

([655]) وسائل الشيعة 12: 370، باب 34 من أبواب الإحرام، ح6.

([656]) المصدر السابق، ح8. والرواية في مصدرها الأساسي، أي [مسائل علي بن جعفر: 267] و [قرب الإسناد: 242] وردت مختلفةً كالآتي: (سألته عن الإحرام عند الشجرة، هل يحلّ لمن أحرم عندها أن لا يلبّي حتى يعلو البيداء عند أول ميل؟ قال: نعم، فأمّا عند الشجرة فلا تجوز التلبية). وقد استظهر جملة من الأعلام اعتبار روايات عبدالله بن الحسن عن جدّه.(المقرّر)

([657]) المصدر السابق، ح9.

([658]) المصدر السابق، ح5.

([659]) المصدر السابق، باب 36، ح6.

([660]) وسائل الشيعة 12: 371، باب 34 من أبواب الإحرام، ح7.

([661]) الظاهر أنّ "عن" خطأ، والصحيح: "والحلبي"، وإلاّ فلا يصحّ منه بعد ذلك قول: "جميعاً". وهذا هو الموافق لما في [من لا يحضره الفقيه2: 207، ح943] أيضاً.

([662]) المصدر السابق، باب 35، ح3.

([663]) المصدر السابق، ح2.

([664]) المصدر السابق، ح4.

([665]) مستند الشيعة 11: 315 ـ 316.

([666]) وسائل الشيعة 12: 370، باب 34 من أبواب الإحرام، ح3.

([667]) الحدائق الناضرة 15: 46 ـ 47.

([668]) راجع: جواهر الكلام 18: 221؛ المعتمد في شرح المناسك 3: 343 ـ 344.

([669]) جواهر الكلام 18: 220 ـ 221.

([670]) العروة الوثقى 4: 669.

([671]) مستمسك العروة الوثقى 11: 416.

([672]) المعتمد في شرح المناسك 3: 345.

([673]) مستند الشيعة 11: 316.

([674]) وسائل الشيعة 12: 372، باب 35 من أبواب الإحرام، ح1.

([675]) المصدر السابق، باب 34، ح7.

([676]) مستند الشيعة 11: 316.

([677]) مستمسك العروة الوثقى 11: 411.

([678]) الظاهر عدم صحّة سند الصدوق إلى عبدالرحمن بن الحجّاج، لأنّ فيه أحمد بن محمد بن يحيى العطار القمّي، وهو مجهول الحال.(المقرّر)

([679]) وسائل الشيعة 12: 396، باب 46 من أبواب الإحرام، ح1.

([680]) المصدر السابق، ح4.

([681]) الحجّ: الآية 27.

([682]) وسائل الشيعة 12: 374، باب 36 من أبواب الإحرام، ح1.

([683]) وسائل الشيعة 12: 380، باب 38 من أبواب الإحرام، ح4.

([684]) المصدر السابق، باب 40، ح2.

([685]) وسائل الشيعة 12: 388، باب 43 من أبواب الإحرام، ح1.

([686]) المصدر السابق، ح2.

([687]) في الكافي والتهذيب: عروش مكّة. ومفردها كما في [لسان العرب6: 313] عرش، وهو البيت، أو سقفه. وفي [النهاية لابن الأثير 3: 208] «ومنه حديث ابن عمر: "إنّه كان يقطع التلبية إذا نظر إلى عروش مكة" أي بيوتها. وسمّيت عروشاً، لأنّها كانت عيداناً تنصب ويظلّل عليها، واحدها: عرش».

([688]) المصدر السابق، ح4.

([689]) المصدر السابق، ح6.

([690]) وسائل الشيعة 12: 390، باب 43 من أبواب الإحرام، ح7. وفي ملاذ الأخيار 8: 528 أنّ الحديث موثّق كالصحيح.

([691]) المصدر السابق، ح9.

([692]) معجم البلدان 2: 85.

([693]) كما في: مجمع البحرين 3: 79؛ وتاج العروس 19: 645.

([694]) وسائل الشيعة 11: 213، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح4. والحديث طويل وردت العبارة المذكورة في آخره.

([695]) وسائل الشيعة 12: 393، باب 45 من أبواب الإحرام، ح1.

([696]) الكافي 4: 537، ح1. ورواه في (الوسائل) عن (من لا يحضره الفقيه)، المصدر السابق، ح6.

([697]) وسائل الشيعة 12: 394، باب 45 من أبواب الإحرام، ح3.

([698]) وسائل الشيعة 12: 395، باب 45 من أبواب الإحرام، ح11.

([699]) المصدر السابق، باب 43، ح1.

([700]) المصدر السابق، باب 45، ح12.

([701]) المصدر السابق، ح8.

([702]) المصدر السابق، ح13.

([703]) وسائل الشيعة 12: 394، باب 45 من أبواب الإحرام، ح4.

([704]) المصدر السابق، باب 44، ح1.

([705]) قال الجوهري في: [الصحاح4: 1320]: «زاغت الشمس، أي مالت، وذلك إذا فاء الفيء».

([706]) المصدر السابق، ح2.

([707]) المصدر السابق، ح4.

([708]) مستند الشيعة 11: 326.

([709]) مستمسك العروة الوثقى 11: 422.

([710]) وسائل الشيعة 12: 389، باب 43 من أبواب الإحرام، ح3. والرواية حسنة بإبراهيم بن هاشم.

([711]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 555.

([712]) العروة الوثقى 4: 670.

([713]) السنن الكبرى 7: 322؛ سنن ابن ماجة 1: 650.

([714]) لقمان: الآية 19.

([715]) مستند الشيعة 11: 287.

([716]) وسائل الشيعة 12: 325، باب 7 من أبواب الإحرام، ح3.

([717]) المصدر السابق، باب 8، ح1.

([718]) المصدر السابق، باب 47، ح1.

([719]) ذخيرة المعاد، ج1، قسم 3، ص 580.

([720]) مستمسك العروة الوثقى 11: 427 ـ 428.

([721]) الحدائق الناضرة 15: 80.

([722]) قال في [تاج العروس 13: 317]: «العاتق: موضع الرداء من المنكب، ومنه قولهم: رجلٌ أميل العاتق: إذا كان معوجَّ موضعِ الرداء منه. أو ما بين المنكب والعنق. مذكّر لا غير. وهما عاتقان».

([723]) وسائل الشيعة 11: 223، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح15.

([724]) نكس الثوب: جعل أعلاه أسفله، أو قلب ظهره بطنه. وتدرّع الثوب: لبسه، بإدخال يديه في يدي الثوب. وهذا ما تدلّ عليه روايات الباب 44 من أبواب تروك الإحرام من (الوسائل).

([725]) وسائل الشيعة 12: 473، باب 35 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([726]) وسائل الشيعة 12: 489، باب 45 من أبواب تروك الإحرام، ح5.

([727]) المعتمد في شرح المناسك 3: 353.

([728]) وسائل الشيعة 11: 279، باب 12 من أبواب أقسام الحجّ، ح20.

([729]) وسائل الشيعة 12: 488، باب 45 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([730]) كفاية الأحكام 1: 292.

([731]) وسائل الشيعة 12: 408، باب 52 من أبواب الإحرام، ح1 و 2.

([732]) المصدر السابق، باب 15، ح6. والرواية حسنة.

([733]) مستند الشيعة 11: 289.

([734]) مستمسك العروة الوثقى 11: 430.

([735]) جواهر الكلام 18: 239.

([736]) جواهر الكلام 18: 239.

([737]) مستمسك العروة الوثقى 11: 430؛ مهذّب الأحكام 13: 121.

([738]) وسائل الشيعة 12: 488، باب 53 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([739]) العروة الوثقى 4: 673.

([740]) كشف اللثام 5: 274.

([741]) وسائل الشيعة 12: 362، باب 30 من أبواب الإحرام، ح1.

([742]) مستند الشيعة 11: 294.

([743]) وسائل الشيعة 12: 359، باب 27 من أبواب الإحرام، ح1.

([744]) وسائل الشيعة 11: 476، باب 37 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([745]) المصدر السابق، ح2.

([746]) قال الجوهري في [الصحاح3: 1038]: «الخميصة: كساء أسود مربّع له علمان، فإن لم يكن معلّماً فليس بخميصة».

([747]) هو الحرير، معرّب عن الفارسية.

([748]) وسائل الشيعة 12: 361، باب 29 من أبواب الإحرام، ح1.

([749]) قال الطريحي في [مجمع البحرين 3: 492]: «القرقبي بقافين: ثوب أبيض مصري من كتان».

([750]) المصدر السابق، ح2.

([751]) لسان العرب 3: 387.

([752]) جواهر الكلام 18: 245.

([753]) دليل الناسك: 128.

([754]) مجمع الفائدة والبرهان 6: 259.

([755]) كتاب الحجّ 1: 307 ـ 308.

([756]) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 3: 258.

([757]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 566.

([758]) هو العلاّمة المحقّق المعروف بالمحقّق الداماد(قده)، في تقريرات بحثه في الحجّ، بقلم العلاّمة الشيخ عبدالله جوادي الآملي(حفظه الله)، ج2 ص 175.

([759]) قال في [تاج العروس 13: 317]: «العاتق: موضع الرداء من المنكب، ومنه قولهم: رجلٌ أميل العاتق: إذا كان معوجَّ موضعِ الرداء منه. أو ما بين المنكب والعنق. مذكّر لا غير. وهما عاتقان».

([760]) وسائل الشيعة 11: 223، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح15.

([761]) وسائل الشيعة 12: 499، باب 50 من أبواب تروك الإحرام، ح2؛ وكذلك باب 33 من أبواب الإحرام، ح2 ـ 3 ـ 9.

([762]) المصدر السابق، باب 48 من أبواب الإحرام، ح2.

([763]) المصدر السابق، ح3.

([764]) تهذيب الأحكام 5: 388، ح1355.

([765]) مهذّب الأحكام 13: 117.

([766]) مستدرك الوسائل 9: 174، باب 21 من أبواب الإحرام، ح1.

([767]) هداية الناسكين: 81؛ كتاب الحجّ 1: 308؛ مهذّب الأحكام 13: 117.

([768]) دعائم الإسلام 1: 305؛ مستدرك الوسائل 9: 220، باب 29 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([769]) بحار الأنوار 96: 337؛ مستدرك الوسائل 9: 219، باب 28 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([770]) بحار الأنوار 96: 333.

([771]) وهي من القواعد الفقهية المشهورة بينهم، يكثر في كلماتهم ذكرها والاستناد إليها في شتّى أبواب الفقه. وهي لا تختصّ بالاشتراك بين الذكور والإناث في الأحكام، بل يُقال بها في موارد أخرى أيضاً. وقد صنّف فيها جملة من الأعلام؛ يمكنك مراجعة: (القواعد الفقهية) للسيد البجنوردي(ره)، ج2، ص 53 إلى ص 76؛ (مائة قاعدة فقهية) للسيد المصطفوي، ص 43.(المقرِّر)

([772]) المبسوط 1: 320.

([773]) النهاية: 218.

([774]) تذكرة الفقهاء 8: 76.

([775]) جواهر الكلام 18: 245.

([776]) معتمد العروة الوثقى، كتاب الحجّ 2: 566.

([777]) مهذّب الأحكام 13: 117.

([778]) الفاضل اللنكراني(قده)، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 3: 256 ـ 257.

([779]) مستمسك العروة الوثقى 14: 170.

([780]) المقنع: 230.

([781]) تذكرة الفقهاء 7: 301.

([782]) الأمّ 2: 161.

([783]) مجمع الفائدة والبرهان 6: 259.

([784]) الحدائق الناضرة 15: 75.

([785]) أقول: لعلّ أوّل ما ورد اصطلاح "المخيط" في كتاب [دعائم الإسلام 1: 303]، قال:«وروينا عن عليِّ ابن أبي طالب(ع)، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد(ع): أنّ المحرم ممنوع من الصيد، والجماع، والطيب، ولبس الثياب المخيطة، وأخذ الشعر، وتقليم الأظفار ...». ولكن الظاهر كون العبارة منه في مقام تعداد محرمات الإحرام.(المقرّر)

([786]) وسائل الشيعة 12: 473، باب 35 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([787]) المصدر السابق، باب 44، ح2، وفيه: "على عنقه"؛ تهذيب الأحكام 5: 70، ح229.

([788]) وسائل الشيعة 11: 223، باب 2 من أبواب أقسام الحجّ، ح15.

([789]) وسائل الشيعة 12: 366، باب 33 من أبواب الإحرام، ح1.

([790]) المصدر السابق، باب 50 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([791]) المصدر السابق، باب 33 من أبواب الإحرام، ح2 و 3.

([792]) المصدر السابق، ح9؛ وتهذيب الأحكام 5: 73، ح242.

([793]) مدارك الأحكام 7: 332.

([794]) الحدائق الناضرة 15: 82.

([795]) وسائل الشيعة 12: 359، باب 27 من أبواب الإحرام، ح1.

([796]) الخزّ: ما ينسج من صوف وإبريسم؛ والديباج: الثياب المتّخذة من الإبريسم. [النهاية في غريب الحديث 2: 28 و 97].

([797]) المصدر السابق، باب 33، ح1.

([798]) وسائل الشيعة 12: 497، باب 49 من أبواب تروك الإحرام، ح3.

([799]) راجع: تاج العروس 5: 163؛ فرهنگ فارسى عميد، مادة: ﭘرند.

([800]) المصدر السابق، باب 33 من أبواب الإحرام، ح8. والظاهر صحّة هذه الرواية.(المقرِّر)

([801]) المصدر السابق، ح9.

([802]) وسائل الشيعة 12: 368، باب 33 من أبواب تروك الإحرام، ح10.

([803]) وسائل الشيعة 4: 379، باب 16 من أبواب لباس المصلي، ح3.

([804]) المصدر السابق، ح6.

([805]) وسائل الشيعة 12: 367، باب 33 من أبواب الإحرام، ح3.

([806]) المصدر السابق، ح4.

([807]) المصدر السابق، ح5. وأبو بصير المرادي اسمه: ليث بن البختري، وهو ثقة في نفسه، ولكن طريق الصدوق إليه مجهولٌ كطريق الشيخ.(المقرِّر)

([808]) وسائل الشيعة 12: 368، باب 33 من أبواب الإحرام، ح7.

([809]) المصدر السابق، ح11.

([810]) وسائل الشيعة 4: 380، باب 16 من أبواب لباس المصلّي، ح4.

([811]) فقه الحجّ 1: 282.

([812]) الأنبياء: الآية 12. وقد وردت كلمة "بأسنا" بمعنى العذاب في تسع آيات أخرى أيضاً.(المقرّر)

([813]) وسائل الشيعة 12: 359، باب 27 من أبواب الإحرام، ح1.

([814]) وسائل الشيعة 11: 476، باب 37 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([815]) المصدر السابق، ح2.

([816]) وسائل الشيعة 12: 363، باب 31 من أبواب الإحرام، ح1.

([817]) المصدر السابق، ح3.

([818]) المائدة: الآية 1.

([819]) المائدة: الآية 94.

([820]) المائدة: الآية 95.

([821]) المائدة: الآية 96.

([822]) وسائل الشيعة 12: 415، باب 1 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([823]) المصدر السابق، ح1.

([824]) آل عمران: الآية 97.

([825]) وسائل الشيعة 12: 557، باب 88 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([826]) المصدر السابق، باب 8، ح1.

([827]) المصدر السابق، باب 1، ح2 و 9.

([828]) تعرّض في [الحدائق الناضرة 15: 139] لبيان الفرق بين الإشارة والدلالة فقال: «واعلم أنّ الدلالة أعمّ من الإشارة، لأنّ الإشارة لا تكون إلا بأجزاء الجسد، والدلالة كما تكون بذلك تكون بالقول والكتابة. ولا فرق في تحريم الدلالة على المحرم بين كون المدلول محرماً أو محلاً، ولا بين الدلالة الخفية والواضحة».

([829]) وسائل الشيعة 12: 415، باب 1 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([830]) المصدر السابق، ح3.

([831]) تحرير الأحكام 2: 21.

([832]) وسائل الشيعة 12: 423، باب 5 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([833]) كفاية الأحكام 1: 320.

([834]) وسائل الشيعة 12: 419، باب 2 من أبواب تروك الإحرام، ح3.

([835]) المصدر السابق، باب 1، ح1.

([836]) راجع: مدارك الأحكام 7: 306؛ رياض المسائل 6: 291؛ مستند الشيعة 11: 341-342؛ جواهر الكلام 18: 288.

([837]) مستند الشيعة 11: 342.

([838]) مدارك الأحكام 7: 308.

([839]) دليل الناسك: 142.

([840]) وسائل الشيعة 12: 432، باب 10 من أبواب تروك الإحرام، ح3.

([841]) المعتمد في شرح المناسك 3: 364.

([842]) وسائل الشيعة 12: 432، باب 10 من أبواب تروك الإحرام، ح4.

([843]) المعتمد في شرح المناسك 3: 364.

([844]) وسائل الشيعة 12: 432، باب 10 من أبواب تروك الإحرام، ح5.

([845]) مدارك الأحكام 7: 306.

([846]) رجال النجاشي: 42.

([847]) رجال النجاشي: 71؛ الفهرست: 39.

([848]) وسائل الشيعة 27: 83، باب 8 من أبواب صفات القاضي، ح26.

([849]) وسائل الشيعة 12: 420، باب 3 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([850]) المصدر السابق، ح2.

([851]) المصدر السابق، ح3.

([852]) المصدر السابق، ح4.

([853]) المصدر السابق، ح5.

([854]) المصدر السابق، باب 4، ح1.

([855]) وسائل الشيعة 12: 423، باب 5 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([856]) المصدر السابق، ح4.

([857]) المصدر السابق، باب 10، ح6. والرواية حسنة.

([858]) الاستبصار 2: 211، ح720.

([859]) تهذيب الأحكام 5: 372: ح1297؛ وكذلك ص 467، ح1633.

([860]) تفسير العياشي 1: 346.

([861]) الاستبصار 2: 214، ح735 ؛ تهذيب الأحكام 5: 377، ح1317.

([862]) وسائل الشيعة 12: 432، باب 10 من أبواب تروك الإحرام، ح6.

([863]) المعتمد في شرح المناسك 3: 367 ـ 368.

([864]) تهذيب الأحكام 5: 378 ؛ الاستبصار 2: 215.

([865]) وسائل الشيعة 12: 421، باب 3 من أبواب تروك الإحرام، ح3.

([866]) وممّا يؤيّد ذلك، أنّ إسحاق بن عمّار لم يرو أيّ رواية عن معاوية بن عمّار، ومنصور بن حازم، وهما أيضاً لم يرويا عنه أيّ رواية، وهما ممّن رووا أهمّ روايات الحلِّ في المقام؛ الأمر الذي يضّعف إمكان أن يكون هناك تواصل بين رواة الإطلاق والتقييد.(المقرِّر)

([867]) شرح تبصرة المتعلّمين 3: 421.

([868]) وسائل الشيعة 12: 420، باب 3 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([869]) المصدر السابق، باب 4، ح1.

([870]) المصدر السابق، باب 5، ح1.

([871]) المصدر السابق، ح4.

([872]) راجع: رجال النجاشي: 411 و 413؛ وفهرست الشيخ: 462.

([873]) مستند الشيعة 11: 341.

([874]) كتاب الحجّ 2: 29.

([875]) وسائل الشيعة 13: باب 10 و 24 من أبواب كفارات الصيد.

([876]) المصدر السابق، باب 24، ح5.

([877]) وسائل الشيعة 12: 428، باب 7 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([878]) المصدر السابق، ح4.

([879]) المصدر السابق، ح2.

([880]) المائدة: الآية 96.

([881]) وسائل الشيعة 12: 425، باب 6 من أبواب تروك الإحرام، ح1 ـ 3 ـ 5.

([882]) المصدر السابق، ح2.

([883]) جواهر الكلام 18: 296.

([884]) وسائل الشيعة 12: 415، باب 1 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([885]) المعتمد في شرح المناسك 3: 373 ـ 374.

([886]) راجع: المتن في دليل الناسك: 144.

([887]) وسائل الشيعة 12: 545، باب 81 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([888]) المصدر السابق، باب 82، ح3.

([889]) وسائل الشيعة 13: 80، باب 40 من أبواب كفارات الصيد، ح1.

([890]) الكافي 4: 363، ح1.

([891]) وسائل الشيعة 12: 546، باب 81 من أبواب تروك الإحرام، ح7.

([892]) وسائل الشيعة 13: 83، باب 42 من أبواب كفارات الصيد، ح1.

([893]) وسائل الشيعة 12: 545، باب 81 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([894]) المصدر السابق، ح5.

([895]) الحدائق الناضرة 15: 155.

([896]) مختلف الشيعة 4: 88.

([897]) وسائل الشيعة 13: 79، باب 39 من أبواب كفارات الصيد، ح1.

([898]) قال في [تاج العروس 1: 134]: «الحدأة كعنبة: قال الجوهري والصاغاني: ولا تقل الحدأة بالفتح، طائر معروف، وكنيته أبو الخطاف وأبو الصلت، يصيد الجرذان، وكان من أصيد الجوارح، فانقطع عنه الصيد لدعوة سيدنا سليمان».

([899]) وسائل الشيعة 12: 545، باب 81 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([900]) المصدر السابق، ح6.

([901]) البقرة: الآية 197.

([902]) وسائل الشيعة 12: 463، باب 32 من أبواب تروك الإحرام، ح1 ـ 4 ـ 8 ـ 9.

([903]) المصدر السابق، باب 12.

([904]) وسائل الشيعة 13، أبواب كفارات الاستمتاع.

([905]) المصدر السابق، باب 82 من أبواب الطواف.

([906]) المصدر السابق، باب 2 من أبواب الطواف، ح1.

([907]) المصدر السابق، ح2.

([908]) المصدر السابق، ح4.

([909]) وسائل الشيعة 13: 130، باب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح4.

([910]) وسائل الشيعة 13: 131، باب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح5.

([911]) المصدر السابق، ح3.

([912]) المصدر السابق، باب 16، ح2.

([913]) المصدر السابق، باب 10، ح1.

([914]) راجع: وسائل الشيعة 13: 128، الباب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع.

([915]) وسائل الشيعة 13: 112، باب3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح9.

([916]) جواهر الكلام 20: 382.

([917]) وسائل الشيعة 13: 111، باب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح5.

([918]) وسائل الشيعة 13: 110، باب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح3.

([919]) المصدر السابق، ح5 ـ 6.

([920]) المصدر السابق، ح9.

([921]) وسائل الشيعة 11: 185، باب 15 من أبواب النيابة في الحجّ، ح2.

([922]) وسائل الشيعة 13: 111، باب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح5 و12.

([923]) المعتمد في شرح المناسك 4: 80 .

([924]) رياض المسائل 7: 373.

([925]) الحدائق الناضرة 15: 371.

([926]) جواهر الكلام 20: 359.

([927]) المعتمد في شرح المناسك 4: 81.

([928]) وسائل الشيعة 13: 112، باب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح9.

([929]) المصدر السابق، ح14.

([930]) وسائل الشيعة 13: 114، باب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح14.

([931]) المصدر السابق، ح2.

([932]) وسائل الشيعة 13: 116، باب 4 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح2.

([933]) لمعرفة اختلاف الأقوال في المسألة راجع: جواهر الكلام 20: 372.

([934]) المصدر السابق، باب 3، ح2.

([935]) المصدر السابق، ح3.

([936]) المصدر السابق، ح4.

([937]) وسائل الشيعة 13: 123، باب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([938]) وسائل الشيعة 13: 110، باب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1، وأيضاً باب9، ح1.

([939]) وسائل الشيعة 13: 111، باب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح 4 ـ ح16.

([940]) المصدر السابق، باب 10، ح 7.

([941]) المصدر السابق، باب 7، ح1.

([942]) المصدر السابق، باب 11، ح1.

([943]) وسائل الشيعة 13: 128، باب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([944]) المصدر السابق، ح2.

([945]) وسائل الشيعة 13: 129، باب 12 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح4.

([946]) المعتمد في شرح المناسك 4: 88.

([947]) رأي الشيخ الحرّ (قده) عبّر عنه في عنوان الباب السادس من أبواب العمرة بقوله: «باب استحباب العمرة المفردة في كلّ شهر بل في كلّ عشرة أيام...» [وسائل الشيعة 14: 307]؛ ورأي المحقق (قده) عبّر عنه في [الشرائع1: 243] حيث قال: «ويستحب المفردة في كلّ شهر، وأقلّه عشرة أيام، ويكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقلّ من عشرة أيام، وقيل: يحرم، والأول أشبه».(المقرِّر)

([948]) وسائل الشيعة 14: 309، الباب 6 من أبواب العمرة، ح9.

([949]) المعتمد في شرح المناسك 4: 90.

([950]) وسائل الشيعة 13: 117، باب 5 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([951]) راجع: المصدر السابق، باب 4؛ وأيضاً: ج10، ص 56، باب 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

([952]) وسائـل الشيعـة 13: 108، بـاب 2 من أبـواب كفارات الاستمتاع، ح1. ومثله الأحاديث: 2 ـ 3 ـ 4 ـ 5 ـ 6.

([953]) المصدر السابق، ح7.

([954]) وسائل الشيعة 12: 488، باب 45 من أبواب تروك الإحرام، ح3.

([955]) المعتمد في شرح المناسك 4: 93.

([956]) المعتمد في شرح المناسك 4: 94 ـ 95.

([957]) وسائل الشيعة 22: 158، باب حكم طلاق زوجة المفقود وعدتها، ح4.

([958]) البقرة: الآية 228.

([959]) مكارم الأخلاق: 201 و 212.

([960]) وسائل الشيعة 20: 118، باب 56 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، ح4.

([961]) وسائل الشيعة 21: 242، باب2 من أبواب المهور، ح1.

([962]) ربما يقال إنّ الحكمة أقوى تأثيراً في الحكم من العلّة؛ لأنّ العلة تقتضي الحكم في موردها، بينما الحكمة تقتضيه في النوع حتى في المورد الذي لا تتحقق فيه بشكل فعلي، وذلك من باب الاهتمام الشرعي بالمحافظة عليها في إصدار الحكم من خلال النوع، فتأمّل. (منه دام ظلّه)

([963]) وسائل الشيعة 12: 434، باب 12 من أبواب تروك الإحرام، ح3.

([964]) وسائل الشيعة 13: 139، باب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح5.

([965]) المصدر السابق، ح1.

([966]) الظاهر أنّ البدنة والجزور شيء واحد، والاختلاف بينهما إنّما هو في الحجّم والسمن لا غير.

([967]) ويؤيّد ذلك خبر علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن(ع) قال: سألته عن رجل قبّل امرأته وهو محرم؟ قال: عليه بدنة وإن لم يُنزل، وليس له أن يأكل منها. [وسائل الشيعة 13: 139، باب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح4].

كما أنّ قوله في صحيحة مسمع: "وإن قبّل امرأته على شهوة فأمنى"، ليس المقصود منه بحسب الظاهر بيان قسم ثالث له حكمه الخاص، مضافاً إلى التقبيل من دون شهوة والتقبيل مع شهـوة، هو التقبيل مع شهوة وإمناء، بل هناك قسمان فقط هما التقبيل من دون شهوة ومعها، وهذا ما جرى التركيز عليه في الروايات، كما في قول الصادق(ع) في رواية الحسين بن حمّاد: إنّما تكره قبلة الشهوة [وسائل الشيعة 13: 139، باب 18 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح5]. فيكون المقصود حينئذ من ذكر الإمناء في صحيحة مسمع، مجرد بيان فرد من أفراد التقبيل بشهوة، حصل فيه الإمناء اتفاقاً أو بسبب شدّة الشهوة.(المقرّر)

([968]) المعتمد في شرح المناسك 4: 98 ـ 99.

([969]) وسائل الشيعة 13: 137، باب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح5.

([970]) وسائل الشيعة 12: 436، باب 13 من أبواب تروك الإحرام، ح2.

([971]) المصدر السابق، باب 12، ح3.

([972]) وسائل الشيعة 13: 135، باب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([973]) المصدر السابق، ح6.

([974]) وسائل الشيعة 13: 131، باب 14 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([975]) المصدر السابق، باب 3، ح16.

([976]) المصدر السابق، باب 7، ح1 ـ 2.

([977]) وسائل الشيعة 13: 133، باب 16 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([978]) المصدر السابق، ح2.

([979]) المصدر السابق، ح5.

([980]) وسائل الشيعة 13: 135، باب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([981]) المعتمد في شرح المناسك 4: 105.

([982]) وسائل الشيعة 27: 147، باب 11 من أبواب صفات القاضي، ح33.

([983]) وسائل الشيعة 12: 435، باب 13 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([984]) وسائل الشيعة 13: 136، باب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح3.

([985]) وسائل الشيعة 13: 135، باب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([986]) المصدر السابق، ح7.

([987]) المعتمد في شرح المناسك4: 109.

([988]) وسائل الشيعة 13: 135، باب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([989]) وسائل الشيعة 13: 132، باب 15 من أبواب كفارات الاستمتاع، ح1.

([990]) وسائل الشيعة 13: 141، باب 20 من أبواب كفارات الاستمتاع.

([991]) وسائل الشيعة 12: 436، باب 14 من أبواب تروك الإحرام، ح1.

([992]) المعتمد في شرح المناسك 4: 113-114.

([993]) وسائل الشيعة 12: 437، باب 14 من أبواب تروك الإحرام، ح4.

([994]) المصدر السابق، ح8.

([995]) المصدر السابق، ح10.

([996]) وسائل الشيعة 12: 437، باب 14 من أبواب تروك الإحرام، ح5 ـ 7.

([997]) البقرة: الآية 283.

([998]) وسائل الشيعة 12: 438، باب 14 من أبواب تروك الإحرام، ح7.

([999]) المصدر السابق، باب 17.