المجلد السابع

المحتويات

مقدمة

الفكر الاجتماعي

 

أولاً: في طبيعة تكوين المجتمع الإسلامي ومرتكزاته

1- العوامل المؤثرة في وحدة المجتمع وتكوينه

2- المجتمع المسلم والمجتمعات الأخرى

3- الإقليم والوطن والخصوصية

4- الظاهرة القومية في بعديها الإنساني والتاريخي

5- المذهبية والتخلف، علاقة عضوية

6- العصبية والبعد الآخر للجمود والتعصّب

 

ثانياً: ملامح النظرية الاجتماعية

1- الفرد في الإسلام بين المسؤولية والعهد


 

2- الجهاد العلمي والصراع في العلم

3- مفهوم المسؤولية الاجتماعية الشاملة

4- المعرفة أوّل الطريق...

5- الحرية الفكرية والالتزام بالعقيدة

6- الانفتاح على المجتمع الدولي وتجربته

 

ثالثاً: المقاربة الإصلاحية، وظيفة المال والعمل

1- قوام الدنيا

2- نظام التكامل الاجتماعي

3- الفساد...

4- العمل عبادة...

5- المال والقيمة... وأطروحة البنك اللاربوي

 

رابعاً: الأسرة والشباب والتربية

1- التربية الأسرية وأهميتها

2- الأبوَّة والأمومة

3- العلاقة الزوجيّة

4- قضايا الشباب المعاصرة

       أ- الصداقة

       ب- الشباب والدين

       ج- الحرية الجنسية والمساكنة والوقاية من الأمراض

       د- اللهو والعبث وتمضية أوقات الفراغ

 

خامساً: المجتمع، قضايا وإشكاليات

1- الهجرة والمغتربون

  1.  المرأة: قضيَّتها ودورها

3- مجالس عاشوراء بين الممانعة بالعقيدة وذهنية الوجدان الشعبي

4- السكان والتنمية

  1.  القرآن والإنسان والبيئة

6- المسجد مركز للإشعاع الحضاري

7- الأعياد بين التقليد ومسؤولية المؤمن

8- في المخالطة والتفاعل الاجتماعي وأدب الحياة

المراجع والمصادر

 


قضية المرأة

                                                                      

مقدمة : واقع المرأة المسلمة

أولاً: المفهوم الإسلامي عن المرأة

المرأة إنسان- قيمة المرأة الإنسان.المساواة والمرأة

الحرية والمرأة

ثانياً: الزواج في الإسلام

  1. عقد الزواج وشروطه

   - الصيغة

   - الشاهدان

   - وجود رجال دين

   - الفرق بين عقد الزواج المدني والعقود التجارية

   - الالتزام بالزواج

   – المهر

   - العصمة في عقد الزواج

   - إكراه الفتاة على الزواج

   - تعهد الرجل بعدم ضرب زوجته


2- القيمومة

- تفسير الآية

التفسير اللغوي

الاختيار في الزواج

3- أنواع الزواج

تعدد الزوجات

زواج النبي بالنساء

العلاقة الجنسية في الزواج المتعدد

الزواج بالإكراه

الزواج المبكر

الزواج العرفي

زواج المتعة

الزواج من أقارب

الزواج من أجنبية

الزواج من نصرانية

زواج المسيحي بالمسلمة

الزواج المدني

زواج المسيار

زواج الخطيفة

زواج المقايضة

الزواج بنية الطلاق

زواج المرأة الحامل

الزواج بابنة من أقام معها علاقة غير شرعية

 

4- العلاقات الزوجية بين المرأة والرجل

      أ- مفهوم العلاقات الزوجية والمسؤولية المشتركة

      ب- إساءة المرأة إلى زوجها

      ج- إساءة الزوج إلى زوجته

 

ثالثاً: الحجاب في الشريعة الإسلامية

  1. فلسفة تشريع الحجاب
  2. معنى الحجاب وفوائده والحكمة منه
  3. الالتزام بالحجاب والرفض والامتناع والإجبار
  4. استفتاءات السيّد حول الحجاب
  5. الحجاب والعولمة

 

رابعاً: الإرث في الإسلام

1- حق النساء في الإرث

2- توزيع الإرث ومنع الإناث منه

 

 

خامساً: الصلاة والحج للمرأة

1- التكليف بالصلاة

2- الصلاة مع الزوج

3- الصلاة في المسجد

4- الحج من دون محرم

 

سادساً: حقوق المرأة المسلمة

1- حقوق المرأة الإنسانية

2- حق المرأة في النمو العقلي والاجتماعي

3- حق الأم ورضاها

4- الحق في الزواج

5- الحق في الطلاق

6- حق العانس

7- الحق في امتلاك عناصر القوّة

8- الحق في التعلم

9- حق المرأة في العمل

10- الحق في المشاركة السياسية

11- حق المرأة في الإمامة

12- حق المرأة في الاجتهاد الفقهيّ وأن تكون مرجعاً

13- حق التصرف في الأموال

14- دور المرأة في عاشوراء

15- حق الاستشهاد للنساء

16- حق المرأة في الحماية والأمان

17- المرأة وأحكام الزنا

18- حق المرأة في التمتع الجنسي

19- اللقاح الاصطناعي وتأجير الأرحام

 

سابعاً : فتاوى نسائية في أمور متفرّقة

1- وسائل منع الحمل والإجهاض

2- الوشم (دهون الوجه والعطر)

3- وضع العدسات الملوَّنة

4- الصداقة مع المرأة

5- المراسلة في الإنترنت

6- فحص الطبيب للمرأة

7- التبرّج والتظاهر بالفسق

8- الرقص والتمثيل والموسيقى والغناء والإنشاد..

9- إجهاض المشوهين

10- خيَّاط النساء

11- تحديد المولود

12- الحبّ والغزل

13- الجمال

14- السباحة

15- مصافحة النساء

ثامناً: صفات المرأة

1- الزهراء

2- زينب

3- صورة المرأة في عاشوراء

4- دور المرأة المسلمة المعاصرة


الأخلاق

 

أولاً: مفهوم الأخلاق

ثانياً: محاولة في رسم المنهج

ثالثاً: القيم والسلوك

1- العدل

2- الأمانة

3- الصدق

4- العهد

5- الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة

6- التواضع

7- الصبر

 

رابعاً: القيم السلبية أو (الأخلاق السلبية)

1- السباب

2- الخيانة

3- الكذب

4- الغدر

5- النفاق

6- الغيبة والبهتان


إنسانية الإنسان

أولاً: الخلافة التي جعلها الله للإنسان

ثانياً: المسؤولية الإنسانية للفرد في المجتمع

ثالثاً: الإسلام دين توحيد في العقيدة والمجتمع

رابعاً: التوازن بين الفرد والمجتمع

خامساً: الإنسان بين التاريخ والنظام الكوني

سادساً: ربط الناس بالرسالة

سابعاً: التفريق بين الالتزام والعصبية

ثامناً: الإنسان هو صانع التغيير

تاسعاً: الطرح الإنساني للإسلام

عاشراً: البعد الإنساني للدعوة

حادي عشر: الإنسان في المفهوم الديني

ثاني عشر: أهداف الإسلام للإنسان

ثالث عشر: الإنسانية غير الظالمة

رابع عشر: دعوة إلى اكتشاف الذات

خامس عشر: الدين والإنسان والكون

سادس عشر: الإنسان، الدين، الحبّ

سابع عشر: العقل والإرادة والواقعية

ثامن عشر: دولة الإنسان

تاسع عشر: بين دولة الإنسان وطهارة الإنسان


الفكر التربوي

 

أولاً: أهداف التربية

ثانياً: أهميّة مرحلة الطفولة

1- أهمية مرحلة الطفولة

2- تمرير مرحلة الطفولة

أ- مرحلة الطفولة الأولى

ب- مرحلة الطفولة الثانية

ج- مرحلة الطفولة الثالثة

ثالثاً: عوامل مؤثّرة في تربية الطفل

1- دور الفطرة

2- دور الوراثة

3- دور البيئة

4- دورة الأسرة

5- دور المدرسة

أ- المعلّم واسع الاطّلاع ومتمكّن في مادّته

ب- المعلّم عارف بطبيعة المتعلّم

ت- المعلّم النامي المتجدّد والناقد لذاته

ث- المعلّم المتحدّي لعقول تلاميذه

ج- المعلّم الأب والمعلّمة الأُم

ح- المعلّم القدوة

خ- المعلّم عادل في تعامله مع المتعلّمين

د- المعلّم صائن لنفسه عن المفاسد

ذ- المعلّم المسؤول

رابعاً: طرائق التربية الإسلامية وأساليبها

1- التربية القدوة

2- التربية بالموعظة

3- التربية بالقصة

4- التربية بالترغيب والترهيب

5- التربية بالحوار

6- التربية بالأحداث

7- التربية بتفريغ الطاقة

خامساً: عناصر أساسية ينبغي أن تراعى في طرائق التربية وأساليبها

1- الرفق لا العنف والقسوة

2- المحبة

3- الوقاية خير من قنطار علاج، وبناء شخصية متوازنة

4- مراعاة المستويات المختلفة للتلاميذ

سادساً: دور الخادمة

سابعاً: دور الصاحب الصديق والرفيق

ثامناً: مرحلة المراهقة

1- تعريف المراهقة

2- المراهقة من وجهة نظر إسلامية

3- المراهقة حالة طبيعية

4- التوجيه للمراهق

تاسعاً: أبعاد في التربية الإسلاميّة للطفل والمراهق

1- البعد الروحي

2- البعد العبادي

3- البعد الفكري

4- البعد الأخلاقي

5- البعد النفسي

6- البعد الرياضي

7- البعد الجنسي

8- البعد السياسي

الخاتمة

المراجع والمصادر


مقدمة

يتوقّف المجلد السابع عند تفاصيل الفكر الاجتماعي عامة، وعند قضايا المرأة والأخلاق وإنسانية الإنسان والفكر التربويّ خاصّة.

ثمّة دراسات حول المجتمع الإسلامي والمقاربات الإصلاحية له، إضافةً إلى قضايا الأسرة والشباب.

وفي قضية المرأة، نجد تفاصيل عن المرأة الإنسان، والمرأة الزوجة، إضافةً إلى أنواع الزواج، والإرث، والحجاب، وحقوق المرأة. وثمّة فتاوى تتعلّق بمسائل اجتماعية في حياة المرأة.

وفي دراسة الأخلاق، هناك تحديد للقيم والسلوك الإسلامي من خلال العدل والأمانة والصدق والعهد والكلمة الطيبة والتواضع والصبر، في مقابل قيم سلبية مثل: السباب والخيانة والكذب والغدر والنفاق والغيبة والبهتان.

أمّا عن إنسانية الإنسان، فإنّنا نلاحظ التركيز على المسؤولية الإنسانية وعلاقتها بالدين والحياة، وعلى أهداف الإنسان من خلال الإسلام، وكيف يتوازن الإنسان الفرد مع المجتمع في قضايا الحياة.

وفي دراسة شاملة للفكر التربوي، نجد أفكاراً محددة حول أهداف التربية، ومرحلة الطفولة، وطرائق التربية الإسلامية وأساليبها المختلفة، ومفاهيم الصديق والرفيق والمراهقة، ودور الأسرة والمدرسة في التنشئة التربوية.


الفكر الاجتماعي

                                                               عبد الغني عماد

                 كاتب لبناني، أستاذ جامعي في علم الاجتماع

 

أولاً: في طبيعة تكوين المجتمع الإسلامي ومرتكزاته

1- العوامل المؤثّرة في وحدة المجتمع وتكوينه

2- المجتمع المسلم والمجتمعات الأخرى

3- الإقليم والوطن والخصوصية

4- الظاهرة القومية في بعديها الإنساني والتاريخي

5- المذهبية والتخلّف، علاقة عضوية

6- العصبية والبعد الآخر للجمود والتعصّب

 

ثانياً: ملامح النظرية الاجتماعية

1- الفرد في الإسلام بين المسؤولية والعهد

2- الجهاد العلمي والصراع في العلم

3- مفهوم المسؤولية الاجتماعية الشاملة

4- المعرفة أوّل الطريق...

5- الحرية الفكرية والالتزام بالعقيدة

6- الانفتاح على المجتمع الدولي وتجربته

 

ثالثاً: المقاربة الإصلاحية، وظيفة المال والعمل

1- قوام الدّنيا

2- نظام التكامل الاجتماعي

3- الفساد...

4- العمل عبادة...

5- المال والقيمة...

 

رابعاً: الأسرة والشباب والتربية

1- التربية الأسرية وأهميتها

2- الأبوَّة والأمومة

3- العلاقة الزوجيّة

4- قضايا الشباب المعاصرة

       أ- الصداقة

       ب- الشباب والدين

       ج- الحرية الجنسية والمساكنة والوقاية من الأمراض

       د-  اللهو والعبث وتمضية أوقات الفراغ

 

خامساً: المجتمع، قضايا وإشكاليات

1- الهجرة والمغتربون

2- المرأة: قضيَّتها ودورها

3- مجالس عاشوراء بين الممانعة بالعقيدة وذهنية الوجدان الشعبي

4- السكان والتنمية

5- القرآن والإنسان والبيئة

6- المسجد مركز للإشعاع الحضاري

7- الأعياد بين التقليد ومسؤولية المؤمن

8- في المخالطة والتفاعل الاجتماعي وأدب الحياة


 

الغوص في فكر السيّد محمّد حسين فضل الله ليس مهمةً سهلةً على الإطلاق، وخصوصاً عندما يريد الباحث أن يقوم بتصنيف هذا الفكر في الإطار الكلاسيكي المتعارف عليه، فيظنّ أنّه سوف يكون أمام فكر اجتماعيّ خالص هنا، وفكر سياسيّ خالص هناك... الخ. هذا النوع من التصنيفات، لا ينطبق بأيِّ حال على هذا النَّوع من النصوص التي تتميّز بمقاربتها ذات الطابع الشمولي للظاهرة الاجتماعية بكلِّ أبعادها، وهي فضلاً عن ذلك، نصوص تمتلك سياقاتها التحليلية ومنهجها المنطقيّ الحواري المتماسك الذي يتميَّز به السيّد.

يقف القارئ والباحث أمام النصّ الذي يقدمه السيّد مشدوداً إلى مرجعية الواقع والعقل بشكل دائم، وهي مرجعية مشحونة بالروح الإيمانية العميقة. يقول السيّد في أحد نصوصه: "أنا لا أستطيع أن أتصور إنساناً يعيش المعرفة ولا ينفتح على كلّ اهتزازات الواقع وكلّ حركة البؤس والشقاء وحركة المستكبرين في اضطهاد المستضعفين. لذلك أقول: كلّما كنت مثقَّفاً أكثر، وكلَّما كنت إنساناً أكثر، كنت إنسان الحياة الذي تدخل الحياة إلى عقله ليفكّر للحياة دائماً، لا لينطلق في التجريد ليعيش بعيداً عن الواقع... وكلمتي إلى الجميع، أن يعود الجميع إلى شروط الحوار الموضوعية من معيارية ثابتة واضحة، لكي لا يتورط المتحاورون بامتهان عقولهم من خلال امتهان المعرفة وتشويهها، لأنّ الخسارة الفكرية في مثل تلك الأجواء المحمومة بالجهل وجاهليات التعصب، هي خسارة للجميع".

   لهذه الأسباب، لم تكن مهمتنا سهلةً، ففي كلّ نص من نصوص السيّد، تجد الواقع بين يديك متحركاً في ميزان الشريعة، قابضاً على مفاتيح العقل، متمسكاً بالحوار الموضوعي الهادئ ومنهجية التحليل المنطقي وأدواته الإقناعية ومصطلحاته المتميزة، والتي أصبحت علامةً خاصةً في أدب الحوار والدعوة عنده.

مع ذلك، خرجنا بخمسة عناوين أساسية حاولنا فيها حصر ملامح الفكر الاجتماعي عند السيّد محمّد حسين فضل الله، وتحت كلّ عنوان منها تندرج موضوعات متفرعة، وقد حاولنا في العنوان الأول تقديم مقاربة السيّد لطبيعة تكوين المجتمع الإسلاميّ، ومميزات هذا المجتمع ومرتكزاته، وفي الثاني، حاولنا تقديم ملامح من نظرته الاجتماعية والإشكاليات الكبرى في عالم اليوم، وفي العنوان الثالث، قدّمنا جوانب أساسية من مقاربته الإصلاحية ونظرته إلى وظيفة المال والعمل ونظام التكافل الاجتماعي، وقدّمنا في العنوان الرابع رؤيته لعالم الأسرة والشباب والتربية، وهي من المسائل الحيوية في عالم اليوم، أمّا في العنوان الخامس، فاخترنا له مقاربةً عامةً تحت عنوان المجتمع، قضايا وإشكاليات، وفيه استعرضنا جملةً من المسائل الشائكة التي عالجها السيّد وقدَّم فيها رؤيةً متميزةً.

لسنا نزعم أنّ هذا التقسيم الذي اعتمدناه مثاليّ، لكنّه كان عملياً جداً وأكثر ترابطاً من أيّ تصنيف آخر قمنا بالتفكير فيه، ذلك أنّه أتاح إمكانية المقارنة والتتابع والترابط بين المواضيع العديدة التي تحتويها مئات النصوص التي بين أيدينا، والتي يتحدّث فيها السيّد عن مواضيع يتداخل فيها الاجتماع بالاقتصاد بالسياسة والتربية. فنحن لسنا أمام نصوص أكاديمية، بل أمام نصوص فكرية مشحونة بهمّ إصلاحي ونهضوي يتجاوز حدوده الضيقة، ويتطلّع نحو الأمة بكلّ اتساعها والتحديات التي تواجهها. فعسى أن نكون وفِّقنا لذلك.

أوّلاً: في طبيعة تكوين المجتمع الإسلامي ومرتكزاته

1- العوامل المؤثِّرة في وحدة المجتمع وتكوينه

في طبيعة تكوين المجتمع الإسلامي ومرتكزاته، يرفض السيّد النظرة التي تعتبر العوامل القومية والعرقية والطبقية هي العوامل الأصلية المؤثِّرة في وحدة المجتمع وتكوينه، لأنّ مؤدّى ذلك، هو اعتبار الأديان والمبادئ عناصر طارئةً على كيان الأمة، وغريبةً عن شخصيّتها الذاتية، فلا تصلح لأن تكون دافعاً للوحدة، فضلاً عن أن تكون العنصر الأساسي فيها. الفكرة الثانية التي يرفضها السيّد، وهي سائدة وسط لفيفٍ من مفكّري المدرسة المادية، ترى أنّ الأديان، ومنها الإسلام بطبيعة الحال، هي نتاج قومي أو طبقي ظهر في مراحل معينة منطلقاً من حاجات الجماعات في اتجاه تحقيق مصالحها الحيوية الآنية والمستقبلية. يرفض السيّد هذا النوع من المقاربات التحليلية للمجتمعات الإنسانية، فالإسلام دين سماوي أنزله الله على رسوله ليقوّم الناس بالقسط، ويعلّمهم الكتاب والحكمة، هكذا أنزله الله من أجل أن يحلّ للإنسان مشاكله على مدى الحياة، من دون أن يكون منبعثاً من مشاعر قومية أو طبقية أو محتسباً للناس ألواناً وأنساباً. الجانب المركزي والأساسي فيه هو الجانب العقيدي والروحي والعملي الذي يعتبر عنصراً حيوياً وفاعلاً في تكوين المجتمع وتوحيده.

مع ذلك، لم يغفل الإسلام عن وجود فوارقَ عرقيّةٍ وقوميّةٍ وطبقيّةٍ في حياة الإنسان كواقع طبيعي يفرض نفسه، بل واجهها وعالجها. يستعرض السيّد العديد من الآيات التي تشهد على عظمة الخلق، والتي توحي بعظمة الخالق: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}(الروم: 22)، كما يستشهد بآيات عديدة أخرى، ومنها: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ}(الأنعام: 165). وهي تفيد اختلاف الدرجات في الرزق والمعيشة الناشئ من ظروف طبيعية، وليس باعتبار ذلك قيمةً دينيةً تجعل المرتبة العليا في مستوى القيمة، وتجعل المرتبة الدنيا في مستوى ضدّ القيمة، ليكون من ذلك تكريم الله للغنيّ وعدم تكريمه للفقير، بل من أجل أن يكون ذلك اختباراً للوقوف مع المبادئ الأساسية للحياة، التي تجعل الإيمان الثابت يصمد أمام التجربة، في الوقت الذي ينهار الإيمان الضعيف أمام الاختبار الصعب، أو من أجل أن يكون اختلاف الدرجات موجباً لتنوّع الحاجات الموجب لتبادل الخدمات. وهكذا، لا نلمح أيّ إشارة إلى اعتبار هذه الفوارق التي أريد للمجتمعات أن تقوم عليها، أساساً للتقييم أو التوحيد، بل كلّ ما هناك، أنّ هذه الفوارق قد تمنح كلّ فئة بعض الخصائص دون فئة أخرى، ما يجعل من الحياة مجمعاً للخصائص المتبادلة بين الأفراد.

وهذا هو جوهر "التعارف" الذي توحي به الآية الكريمة التي يتوقف عندها السيّد شارحاً أبعادها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(الحجرات: 13). قد يكون لهذه العناصر قيمة في التوحيد من دون أن يكون لها أساس في التقييم. فالإسلام لا يريد من الناس أن يفقدوا المشاعر الطبيعية إزاء العلاقات الخاصة بقومهم، فليس من العصبية أن يحبُّ الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم، كما في حديث الإمام عليِّ بن الحسين زين العابدين (ع).

لهذه الأسباب، يرى السيّد أن التكوين السياسي للمجتمع الإسلامي يعتمد الأساس الإيماني، فهو يرفض في نظرته إلى الإنسان والحياة، وفي تشريعه المتحرك في كلِّ اتجاه، ما يجعل من اللون والدم والنسب والطبقة قيمةً فكريةً واجتماعيةً تمنح على أساسها الحقوق وتفرض الواجبات، فهذا التمييز غير موجود في واقع الدنيا وواقع الآخرة، الأمر الذي يؤكّد مركزيّة الرابطة الإيمانية في تفكير السيّد، وتأثيرها في العلاقات الإنسانية التي تكوّن وحدة المجتمع من خلال وحدة العقيدة والعاطفة والعمل، من دون أن يعني ذلك عدم الاعتراف بوجود عقائد أخرى في المجتمع يحدِّد الإسلام علاقته بأتباعها في "نظام تعاقدي" شامل يعطي للإسلام مجاله في السيادة، ويعطي للعقائد الأخرى مجالها في ممارسة أفكارها وعملها.

2- المجتمع المسلم والمجتمعات الأخرى

يحدّد السيّد القاعدة المركزية التي تحكم العلاقة بين المجتمع المسلم والمجتمعات الأخرى، فيرى أنّها تقوم على قاعدة التعامل مع الواقع الذي وجد فيه على الدوام قوى أخرى تختلف مع الإسلام في فكره وشريعته ونظام حياته، الأمر الذي يفرض ضرورة التعامل معها، ما يجعل قضية التعايش السلمي قضيةً حيويةً لاستقرار المجتمع الإسلامي وأمنه وواقعيّته، لأنّ قضايا الصراع في كلّ مراحل الحياة، تحتاج إلى ظروف موضوعية قد لا تكون متوافرةً أو قد لا تفضي إلى حلول. لذلك وجدنا خطوات الإسلام العملية تختلف في بداية الدعوى ونهايتها مع المشركين، من موقف المهادنة، إلى الحرب، إلى الصلح الذي انتهى بفتح مكّة الذي أنهى كلّ المواقف السلمية فيما يتعلَّق بوجود المشركين في المنطقة الإسلامية. يخلص السيّد إلى أنّ الإسلام يؤمن بالتعايش السلميّ بينه وبين الأديان الأخرى في نطاق حاجة الواقع، بالمستوى الذي لا يمسّ سعيه الدائب من أجل الوصول إلى سيطرته على نظام الحياة من جهة، ولا يسيء إلى مفاهيمه العامة من جهة أخرى. لذلك كانت أساليب التعايش السلمي في التشريع الإسلامي، والتجربة العملية في حياة النبيّ (ص) والذي تعتبر سيرته شريعةً للمسلمين، مثالاً للمرونة، وتجسيداً للحكمة التي انطلقت الدعوة في خطها المستقيم، سواء كان ذلك في مجال التبليغ، أو في مجال الواقع المتحرك الذي جاء الإسلام من أجل تعليم الناس كيف يتعاملون معه بالحكمة.

ويرى السيّد أنّ هناك سعةً فكريةً اجتهاديةً لتحديد وضعيات المجتمعات غير الإسلامية تجاه المجتمع المسلم في العلاقة الموضوعية التي تربطهما، منها الخاص، والذي يتحدّد بنظام الذَّمة الذي يحدّد طريقة التعايش الدائم مع أهل الكتاب، وينظم الحياة العامة التي تحكم علاقتهم بحياة المسلمين، وهو نظام يجعل الأقلية الدينية في ذمّة الأكثرية الإسلامية المتمثّلة بالدولة، بمعنى حمايتها لهم والدفاع عنهم والعدل فيهم ومنحهم الحريات العامّة والحقوق الإنسانية بما يتناسب مع النظام العام، وعدم فرض المشاركة في الحروب الإسلامية مع الآخرين، ولا سيّما إذا كانوا من أتباع دينهم، إلاّ إذا اختاروا المشاركة بالتوافق مع الدولة، وهو نظام يمنحهم حرية ممارسة عقيدتهم وتطبيق شرائعهم وطقوسهم. يرى السيّد أنّ للسلطة الشرعية صلاحيات في مجال التطبيق تحتفظ للنظام بمرونة نادرة رائعة. أما العام الذي يحدّد علاقات المسلمين بغيرهم، فهو نظام التعاهد الذي يقوم على أساس عقد المعاهدات التي تجعل للحقوق والواجبات المتبادلة وضعاً قانونياً تعاقدياً ينطلق من الالتزام العقدي المتمثّل بطرفي العقد. ومثل هذا النظام قد يسري على أهل الكتاب وعلى غيرهم، وبعض الفقهاء يرى أنّ نظام التعاهد لا يحتاج إلى وجود سلطة شرعية إسلامية تنشئ هذا العقد مع سلطة الآخرين، بل يمكن أن يحدث ذلك في نطاق فقدان السلطة الشرعية، مع التزام المجتمع المسلم بمعاهدات السلطة غير الشرعية التي تحكم المسلمين، كما في ميثاق الأمم المتحدة الذي تلتزم به كلّ الشعوب تلقائياً، فيما لا يناقض أو ينافي التشريع الإسلامي طبعاً. ما يعرضه السيّد في هذا المجال، ليس لمناقشة هذا الرأي أو ذاك أو تأييدهما كما يقول، ولكن في مجال عرض المساحة الفكرية الاجتهادية الكبيرة التي يمكن للعقل الإسلامي المعاصر أن يعمل فيها ويبدع صيغاً وأفكاراً في هذه الموضوعات، وهو يرى أن التجربتين قد وجدتا بصيغ متعدّدة في الواقع الإسلامي التاريخي، وتعرَّض بعضها لنكسات واقعية وتعقيدات تطبيقية، ولكنّهما بقيتا في بعدهما الفكري الإنساني تشيران إلى ضرورة الوقوف على الكلمة السواء التي دعا إليها الله، انطلاقاً من اعتراف الإسلام بالأديان الأخرى: {كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}(البقرة: 285).

3- الإقليم والوطن والخصوصية

يتناول السيّد مسألة الانتماء الإقليمي للمسلمين، حيث إنّ لكلّ إقليم شخصيته وطابعه وقضاياه ومصالحه، فيقول إنّ الإقليمية أصبحت تمثّل عمقاً شعورياً وفكرياً إلى حدّ ما في الشخصية الإسلامية، وذلك من خلال تجزئتها واقع الأمة إلى دول متعددة، حيث استطاعت الأوضاع الرسمية لهذه الدولة أو تلك أن تصنع للإنسان شخصيةً خاصةً، بحيث يشعر من في داخل الدولة بأنّهم مواطنون مهما اختلفت أفكارهم، بينما يكون الذين هم خارج الدولة أجانب، ينظر إليهم كما ينظر إلى أيّ شخص أجنبي، حيث يتحرّك الناس شعورياً إلى مواجهة تحركاته. وبهذا واجهت الحركة الإسلامية واختزنت في داخلها مشاكل ذاتيةً في هذا الاتجاه، حيث تحوَّلت الإقليمية إلى حالة من الحساسيات المعقَّدة التي ربّما يشعر فيها المنتمي إلى الحركة الإسلامية إذا كان من إقليم معين، ببعض الحساسيات تجاه بعض المواقع أو الأدوار عندما تعطى لجماعة من إقليم آخر.

لا شكّ في أنّ إثارة هذه النقطة ومناقشتها من قبل السيّد فيها حكمة بالغة، ذلك أنّ تداخل الظاهرة الإقليمية مع الظاهرة الوطنية، أنتج تعقيدات إضافيةً تأثرت بها المشاعر وثارت فيها الانفعالات، وهذا ما يحدث، خصوصاً عندما يتصادم العمل في بلد ما مع خصوصيات بلد آخر، وتشعر قيادته بضرورة استقلالها، حين ترى امتداداً من قيادة أخرى في بلد آخر يفسَّر تدخلاً في القضايا الداخلية. يشير السيّد أيضاً إلى مظهر آخر من المشكلة، يتمثّل باستغراق بعض الحركات الإسلامية في مشاكل إقليم إسلامي معين، لأنّ الأكثرية في داخل هذه الحركات تنتمي إلى هذا القطر، في الوقت الذي تعيش الأقطار الأخرى مشاكل صعبة لا تقلّ عن مشاكله. يعترف السيّد بأنّ الاهتمام بإقليم معين قد يكون نتيجة كونه يمتلك مركزاً حيوياً، لكنّه في الوقت نفسه، لا يستبعد النـزعة الإقليمية المختبئة داخل اللاشعور لدى الكثيرين من العاملين في القضايا الإسلامية. ومن الآثار السلبية للاستغراق في المشكلات الخاصة التي يشير إليها السيّد، مسألة الانكماش الفكري في فهم المشكلة، فالتفكير في الخصوصية يفرض على العاملين أن يتلمَّسوا مفردات المشكلة في دائرةٍ ضّيقةٍ تبعدهم عن دراسة جذورها العميقة والبعيدة.

ما العمل في مواجهة الواقع الإقليمي وتجلّياته المختلفة؟ يحاول السيّد في تحليله وتفكيكه لهذه الظاهرة، أن يجعلها عنصر قوة لا عنصر ضعف، فهو يرفض الحلّ الذي يطرحه البعض تحت شعار إزالة الفوارق والخصوصيات، واللقاء عند القضية الإسلامية الواحدة، واحتواء النوازع الذاتية بالمشاعر الكلية الشاملة، فهو يعتبر مثل هذا الطرح تبسيطاً لا يلامس الواقع ولا يقترب من الجذور، لأنّ الخصوصيات الفاصلة بين الأقاليم لم تعد حدثاً طارئاً خارج نطاق الذات، بل أصبحت من الأشياء النابعة من حركة الواقع اليومي الذي يلتقي فيه الإنسان بخصوصياته الذاتية، وبالتالي، لا يمكن إهمالها تماماً أو إسقاطها من الحساب، بل يجب مراعاتها حتى يكون الحلّ واقعياً.

إنَّ الالتقاء بالخصوصيات يربط الإنسان بالمشاعر الحقيقية للواقع، ما يجعل من عملية التفاعل عنصراً بارزاً في تحقيق النتائج العملية بشكل أكبر وأعمق، بعدها تأتي الخطوة الثانية بإيضاح أنَّ هذه الخصوصيات تلتقي بالخطّ العام للمشكلة، وبالعمق الممتدّ في حياة الآخرين على مستوى الأمّة، حتى يشعر الجميع بأنّهم يواجهون مسألةً كبيرةً واحدةً تلتقي فيها خصوصياتهم، وأن الإطار الإسلامي الذي يجمعهم أشمل من الواقع الإقليمي الذي ينحشرون فيه. عند ذلك، لا يمكن للمحاولات المضادَّة أن تثير التناقضات الداخلية بين الأقاليم المختلفة لتحرمها من القاعدة الإسلامية المشتركة. هكذا نجد أن السيّد لا يلغي في تحليله المشاعر من النفوس، ولا يقفز فوق وقائع الجغرافيا وحقائقها ومعطياتها الاجتماعية والسياسية، بل يطلب أن تأخذ حجمها الطبيعي، وأن تحتلَّ مكانها في المشاعر الذاتية للإنسان، وهذا أمر منحه الإسلام للإنسان.

4- الظاهرة القومية في بعديها الإنساني والتاريخي

تحليل الظاهرة القومية أيضاً تناوله السيّد باعتبارها تمثّل بعداً أشدّ خطورةً، كونها تمثّل بعداً إنسانياً يتصل بوحدة التاريخ وبوحدة اللغة وبوحدة الأرض، ما يجعل هذه الشخصية تدخل في الحالة الشعورية بشكل عميق. فالإنسان ينجذب إلى من يتحدث بلغته أكثر من انجذابه إلى من لا يتحدّث بها، كما أنّ الألفة التي تخلقها وحدة الأرض والذاكرة التاريخية، تجعل التاريخ متفاعلاً مع شخصياتهم وحركتهم. لذلك يرى السيّد أنه ليس حراماً أن تفتخر بالقيم الموجودة في الأمة العربية، ولكن لا يجب أن تحوّل قوميتك إلى صنمٍ تعبده، أو أن تكون قوميتك متعصّبةً تنكر على الآخرين قوميتهم. فلا مانع في الإسلام من أن يعيش كلّ واحد قوميته. يقول السيّد: أنا عربي لا أنكر عروبتي، وللعرب فضائل وقيم، ولهم أيضاً رذائل كما لكلّ الشّعوب الأخرى، ويستحضر حديث الإمام زين العابدين (ع). "وليس من العصبية أن يحبُّ الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم".

إنّ الإسلام لم يلغ الجانب القومي في حياة الناس كحالة شعورية، لأنّه لا يستطيع أن يلغيها، باعتبار أنّ بعض الحالات تتّصل بالذّات، تماماً كما لا يستطيع أن يلغيَ من الإنسان ذاته أو الجوانب المرتبطة بمنطقة الإحساس والشعور. لذلك عالج الإسلام، كما يقدّمه السيّد، المشكلة القومية، فحاول تهذيب الجانب الشعوري من خلال الخطّ الفكري، فهو لم يفصل الإنسان عن لغته وأرضه ونسبه، ولكنه حدَّد له الموقف من خلال انتمائه الإسلامي مع أبناء قومه وأبناء دينه على أساس القرب أو البعد من الله تعالى. فقد يفرض عليه الموقف الإسلامي أن يقف إلى جانب المسلمين ضدَّ أبناء قومه إذا تطلَّب الموقف الشّرعي ذلك، كما حدث في بدايات الدعوة الإسلامية، وكما حدث خلال هذا العصر في حرب العراق ضدّ الجمهورية الإسلامية، حيث وقف الكثير من المجاهدين وهم من العرب، إلى جانب المجاهدين الإيرانيين ضدَّ أبناء قوميّتهم، بل إنّ الكثير منهم حارب ضدّ أبناء وطنه. لقد كان الموقف الشرعي أكبر من الشعور القومي والإقليمي، وكان الانتماء إلى الإسلام أقرب من الانتماء إلى القوم أو الأرض أو التاريخ.

وهذا يعني أن الإسلام قد جعل للمسلم قوميةً جديدةً كما يعبِّر السيّد، بحيث إذا تعارضت هذه القومية الواسعة مع القومية الضيِّقة، فإنّ الحالة الشعورية يجب أن تتحرّك مع القومية الواسعة، أما إذا لم تتعارض القوميتان، فإنّ من الممكن للإنسان أن ينفتح على قوميته بشكل طبيعي، بحيث لا يعدُّ الانفتاح على قوميته في الجانب الشعوري قيمةً سلبيةً. وفي هذا المجال، يقدم السيّد نصيحته إلى العاملين بالإسلام، أن يراعوا هذا الجانب، فلا يقفوا ضدّ المشاعر الذاتية القومية ما دامت هذه المشاعر تتحرك في مجالها المسموح به، من دون أن تتضخّم على حساب الانتماء الإسلامي، ومن دون أن تقترب من الجانب العصبي على حساب الأخوّة الإسلامية والولاء الإسلامي. ويحذِّر في الوقت نفسه من تغليب مواقع قومية معينة على حساب مواقع قومية أخرى، على رغم إمكانية حدوث مثل هذه الحالات بشكل عفوي. ويرى أنّ الحركة الإسلامية تحتاج إلى موازنة دقيقة بشأن التعامل مع القومية، فلا تنظر إليها على أنّها عقدة كبيرة، كما لا يجب أن تتعامل معها بسذاجة، فتترك الإحساس القومي ينمو في الخفاء من دون أن تشخِّصه في الظاهر.

5- المذهبية والتخلّف: علاقة عضوية

ولا يفوت السيّد أن يتصدّى للشكل المذهبي المعقَّد، فيرى أنّه لا بدَّ في البداية من محاولة نقل الخلاف من الحالة الشعورية إلى الحالة الفكرية، حتى يمكن إخضاع الاختلاف في وجهات النظر للحوار العلمي الموضوعي. وهذه النقلة المنهجية في التفكير التي يعمل عليها السيّد، هي المدخل لمعالجة الاختلافات والخلافات. فالمشكلة عميقة الجذور، وهي بدأت في العصر الأول للإسلام نتيجة الموقف من الخلافة والإمامة، فكان للعقيدة جانبٌ كبير فيها. ثم جاءت أحداث التاريخ والوقائع السياسية لتعمِّق المشكلة بين السنَّة والشّيعة، الأمر الذي أحدث حالة فرز فيما بينهم، عمَّقته سياسات الدول وأجهزتها الاستخبارية. ويعتبر السيّد أنّ المشكلة المذهبية تغذَّت من حال التخلّف الكبير، حتى أصبحت عوامل التخلّف تكمن في الجذور الحقيقية لهذه المشكلة.

وهو يعتبر أنّنا لا نزال نشعر بثقل هذه المشكلة، وعلينا أن نفكّر في هذه المسألة من ناحيتين:

  ــــ الأولى: تنطلق من اعتبار أنّ اختلاف وجهات النظر بين المسلمين ليس بدعاً من القضايا الإنسانية، فهناك أكثر من دائرة إنسانية لا علاقة لها بالدين، هناك اجتهادات مختلفة ومتنوّعة في نطاقها، ومن الممكن أن تتعايش الاجتهادات في ما بينها، وأن تسلك سبيل الحوار في الوصول إلى النتائج الحاسمة في ما يختلف فيه المسلمون، على الطريقة الإسلامية التربوية في أسلوب الحوار وفي حركته وأجوائه، مع ملاحظة أنَّ ما يتفق عليه المسلمون أكثر مما يختلفون فيه، وأنّه إذا كانت الاجتهادات بين السنة والشيعة في مسألة الخلافة لم تستطع الوصول إلى حلٍّ حاسم، فهناك أيضاً اختلافات أخرى داخل المذاهب الفقهية نفسها، في الدائرة السنية وفي الدائرة الشيعية، لم يتمّ الاتفاق حولها، الأمر الذي يحتّم إمكانات التعايش ونقل مسألة الخلاف من الحالة الشعورية إلى الحالة الفكرية التي تضع الخطوط العامَّة للوفاق، وتدرس الخطوط التفصيلية للخلاف بعقلية إسلامية علمية.

وكمداخل عملية على هذا الطريق، يرى السيّد أنّه لا بدّ من تربية الجيل الإسلامي على ذلك، حتى تخرج المسألة من الجانب الشعوري الحساس، وترتفع إلى الحيزّ الفكري الموضوعي. ويقترح التقدّم خطوةً بعقد جلسات حوارية بين مفكّري السنة والشيعة وعلمائهم، ولو في دوائر ضيقة بعيدة عن الإعلام، حتى نستطيع أن نقدّم تجارب محدودةً ناجحةً إلى المجتمع الإسلامي، ولا سيّما مع تقدّم الفكر الموضوعي والعلمي في العصر الحديث، حيث أصبح في الإمكان، ولو في بعض الدوائر المحدودة، أن تتدخَّل عملية الفكر لتقلّل الكثير من الحالات الذاتية.

ــــ الثانية: إمكانية أن تكون المسألة السياسية مدخلاً للوحدة الإسلامية، استناداً إلى التهديدات الجدية التي يتعرّض لها العالم الإسلامي من قبل القوى المعادية. فالخطر على حاضر الإسلام ومستقبله يمكن أن يشكِّل، كما يرى السيّد، مدخلاً لوحدة إسلامية شعورية تطرد الكثير من المشاعر الخاصَّة المعقَّدة المعادية. لذلك يجب التركيز على الوعي السياسي الإسلامي الذي يمكِّن المسلمين من الانفتاح على المسائل العامّة على المستوى الثقافي، وعلى المشاكل العامّة للإسلام على المستوى السياسي. ويقدّم المسألة الفلسطينية كمثال يمكنه أن يجتذب كلّ المسلمين من دون أن تعتبر مسألةً سنيّةً، بل نجد أن الشيعة أصبحوا أكثر ارتباطاً بالمسألة الفلسطينية، باعتبارها مسألةً إسلاميةً، وذلك بعدما استطاع الإسلام أن يعيش في الدائرة الشيعيّة معمِّقاً الشعور الإسلامي في حركتهم السياسية. يخلص السيّد إلى إمكانية وقوف المسلمين جميعاً بعيداً عن مذهبياتهم أمام قضيةٍ قد تحمل خصوصيةً شيعيةً أو سنيةً، ولكنّها تحمل في دائرتها الواسعة بعداً إسلامياً، تعني أنّ المسلمين يمكن أن يلتقوا ويتوحّدوا في أيِّ وقت.

مع ذلك، يؤكِّد السيّد أهمية التربية الإسلامية السياسية والفكرية الموضوعية في تخفيف الحالة الشعورية المذهبية أو محاولة إلغائها تماماً، ويشير إلى أنّ قضية الوحدة الإسلامية هي من الممنوعات الدولية في نطاق السياسة الاستكبارية العالمية، لذلك، فإنّ حركة الوحدة الإسلامية ترتبط ارتباطاً جذرياً بحركة التحرّر من الاستكبار العالمي الذي يعمل على منعها باعتبارها أحد عناصر القوّة للمسلمين، وعلى مثل هذا الفهم يجب تربية المسلمين.

يعترف السيّد أنّ مثل هذا الحلّ في مواجهة الحالة المذهبية المعقَّدة ليس سهلاً، لكنّه يعتقد أنّه واقعيّ، بمعنى أنّ واقعيّته ليست واقعية مرحلة واحدة، بل واقعية مراحل كثيرة لا بدَّ من اجتيازها للوصول إلى الهدف المطلوب.

6- العصبية والبعد الآخر للجمود والتعصب

يتصدّى السيّد لإشكالية العصبية وموضوعاتها في مجتمعاتنا بعمق، ويخصص لها محاور عديدة في محاضراته وخطبه، ما يعكس إدراكه لخطورتها في مجتمعاتنا المعاصرة كما كانت أيّام الرسول (ص) وأهل بيته (ع). وهو يعتبر العصبية نوعاً من الحميّة، كحميّة الجاهلية، تنطلق أساساً من الانفعال الذي يعيش في نفوس أهل الجاهلية، والذي يجعلهم يعيشون الحال العصبية عندما يدعون إلى ما يخالف عقائدهم التي ورثوها عن آبائهم. وهو يستوحي موقفهم هذا من إنكارهم للنبيّ عندما كان يدعوهم إلى التّوحيد وإلى رفض الأصنام والالتزام بالرسالة التي أوصى الله بها إليه. حميّة الجاهلية هذه وعصبيتها، واجهها المؤمنون بالتزام كلمة التقوى والحوار مع الآخر والارتباط بالحقّ والالتزام بالحقيقة، سواء فيما يفكّرون فيه ذاتياً، أو فيما يتعلّمونه من الآخرين، أو فيما يستوحونه من خلال رسالات الأنبياء في هذا أو ذاك، إيماناً بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}(الفتح: 4).

يخلص السيّد في تعريفه للعصبية باعتبارها تؤدّي إلى الكفر، والخروج منها يفتح القلب على الإيمان والعقل الهادئ والنفس المطمئنة من خلال التوازن والاتزان. وهذا هو الخطّ الفاصل بين المؤمن والمتعصّب. يقول السيّد: نحن في الشرق عاطفيون، وليس سلبياً أن تكون لك عاطفة، بل السلبية أن لا تكون لك عاطفة، لأنّ الله يذمّ قسوة القلوب، لكنّ المسألة هي أن تتحوّل العاطفة التي هي مجرّد نبضة قلب وخفقة إحساس، إلى عصبيةٍ تتحجَّر فيها القلوب والأحاسيس، هنا تصبح حالةً صنميةً، فيتحوّل الشّخص من متعصّب له إلى وثن نعبده، وهو ليس بوثن، ولكن العلاقة به والإحساس بهذه العلاقة تشبه الوثنية.    

  لذلك، يميّز السيّد بين العصبية والالتزام؛ فالتعصّب أعمى، والالتزام مبصر، التعصّب يغلق العقل والقلب عن الآخر، والالتزام ينفتح على الآخر حتى ولو اختلف معه، التعصّب ينطلق من خلال العبودية لمن يتعصّب له والحقد على من تتعصَّب ضدّه، والالتزام يبقى مع الفكر ومع كلّ من التزم بخطّ الفكر، ويختلف مع الآخر وهو يدرس فكره من خلال حوار الفكر.

يعتبر السيّد أنّ من تعصّب حزبياً أو طائفياً أو عشائرياً أو شخصياً فإمامه إبليس، مستوحياً بذلك حديث الإمام عليّ (ع)، فإبليس "إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين"، فهو من افتخر على آدم بخلقه وتعصَّب عليه بأصله، لأنّه خلق من نار بينما خلق آدم من تراب. أمّا ملامح العصبية التي يحذّر منها السيّد، فيستحضرها من خلال حديث الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع): "العصبية التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحبّ الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم". ويستدلّ من الحديث على أنَّ الإنسان مفطورٌ على أن يحبَّ أهله وعشيرته، ولكنَّ هذه المحبّة تتحوَّل إلى عصبية إذا وصلت إلى المدى الذي يجعل هذا الحبّ يفقد مبادىء العدالة القيِّمة.

استحضار السيّد للعصبية كخطٍّ يرفضه الإسلام وكخطٍّ مرتبط بالجاهلية وحميّتها، إنّما يوظِّفه بشكل مباشر للتحذير من الفتنة بين السنَّة والشيعة والعصبيّات المذهبية بشكلٍ عام، فيلاحظ أنّ بعض الناس استحضروا مفردات الفتنة والصراع من التاريخ، مع أنّ الأرض تهتزّ من تحت أقدامهم. وهو يتساءل: هل إنّ مشكلتنا الآن هي ما عاشه أجدادنا وآباؤنا في الماضي؟ هل هذه هي مشكلتنا التي نتنازع عليها ونختلف حولها ويضلّل بعضنا بعضاً بسببها، والتي وصلت إلى أن يرفض البعض الأكل من ذبائح البعض الآخر، أو يحرِّم الزواج منه؟ وهو ما يستهجنه السيّد، بل يرى أنّ المسألة العصبية امتدت خارج الواقع الإسلامي، فخلقت بين المسلمين وأهل الكتاب الكثير من الأحقاد، وتحوَّلت في بعض الأحيان إلى سلوك عدواني.

الملاحظات النقدية التي يسوقها السيّد، شملت مناخات تعصبية امتدت داخل المذاهب نفسها، فيقول: "بتنا نرى شخصاً يقلّد مرجعاً ليس مستعداً لأن يتزوج امرأةً تقلِّد مرجعاً آخر"، هذا فضلاً عن إشاراته الواضحة إلى تأثير العصبية في المسألة السياسية، والتي تتطوّر سلبياً إلى حالات عدوانية مباشرة. كلّ هذه الحالات التي يعرضها السيّد من خلال حركة الواقع، يخلص في نتيجتها إلى القول إنّ الذهنية الجاهلية العصبية هي حالة لا تنظر في خلافاتها مع الآخر إلى الجانب القيمي أو المضموني، بل تنظر إلى الجانب الذاتي، وهذا ما جعل التراث الإسلامي يؤكِّد أن العصبية في النار، وأنّها "مصيدة إبليس العظمى... ومكيدته الكبرى"، كما ورد في الخطبة الطويلة المسماة (القاصعة) للإمام عليٍّ سلام الله عليه.

العصبية نقيض الموضوعية والعقلانية، لذلك فالإنسان عند السيّد مدعوٌّ إلى دراسة العناصر المتمثّلة في شخصيته وفي شخصية الآخرين بشكل عادل ومنصف، ليعطيَ كلّ ذي حقّ حقّه، وليعرف أساس التفاضل بينه وبين الآخرين، وأنّ وجود عنصر من العناصر المميّزة له، لا يمنع وجود عناصر أخرى عند الآخر، لأنّ الإنسان لا يملك كلّ العناصر الإيجابية، وهذا ما لا يجعل إنساناً أفضل من إنسانٍ آخر بالمطلق. فالأمور دائماً نسبية. وإذا كان لا بدّ من العصبية، فلتكن كما يقول السيّد، لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور التي تفاضل أهل الشرف والشجاعة والأخلاق المحمودة والعقول النيّرة فيها.

ولعلّ السرّ في تخلّف مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هو الجمود على ما وصل إلينا، والانشغال بحال الصراع الغريزي، والتعصّب لما نلتزم به، كما يرى السيّد، بعيداً عن التفكير في الآفاق الواسعة والتطوّرات الحادثة والتحدّيات الدائمة.

 

ثانياً: ملامح النظرية الاجتماعية

يرى السيّد أنّ الإسلام يحتضن فكرة الدولة في مفهومه للحياة وفي تشريعه الذي يتّسع لمختلف جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلاّ أنّه على الرغم من الغنى الروحيّ والفكريّ والاجتماعيّ والسياسيّ، يدعو إلى مقاربة فقهية جديدة تضع في حسابها صياغة الفقه الإسلامي بأسلوب قانوني على أساس لغة العصر وحاجاته.

يعتبر السيّد أنّه ليس في الإسلام مساحات مغلقة يعيش فيها المسلم في عزلة عمّا يحيط به في العالم، فيطرح مفهوم الدوائر المنفتحة بعضها على بعض، حيث تنفتح دائرة العائلة على المحلّة، والمحلّة على المدينة، ثم تنفتح دائرة الوطن على الأمة، ودائرة الأمّة على الإنسان والإنسانية. وهذا هو البعد المعرفي الذي يقرأه السيّد في الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات:13). إنّها دعوة قرآنية صريحة إلى التّعارف بين الشعوب وتبادل الخبرات والتجارب، وخصوصاً في عالم اليوم الذي يصفه السيّد بأنّه عالم شديد التداخل والتشابك. لذلك يميّز السيّد بين الالتزام والتعصُّب؛ فالأوّل مطلوب، والثاني مذموم، فمن حقّ الإنسان أن يلتزم بما يؤمن به، ولكن عليه أن لا يتعصَّب له، لأنّ العصبية تجعل الإنسان يغلق باب العقل والقلب.

1- الفرد في الإسلام بين المسؤولية والعهد

يؤكِّد السيّد أهمية مفهوم "العهد" في حفظ التوازن الاجتماعي، فالإسلام طرح هذه المسألة واعتبرها مسؤوليةً ترقى إلى أن تكون عهداً بين الناس والله بشكل غير مباشر، وقد أكَّد القرآن ذلك في أكثر من آية (المائدة: 1)، و(الإسراء: 34)، و(البقرة: 177) و(النحل: 91). ولقد اعتبر الله سبحانه وتعالى العلاقة بينه وبين عباده علاقةً متبادلةً: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}(البقرة:40). مثل هذه الالتزامات هي التي تقيم للمجتمع روابطه التي تمثّل ارتباط المسؤولية بالمسؤولية، وهذا ما يحفظ للمجتمع نظامه واستقراره، وبالتالي، فإنّ نقض العهود هو المدخل لانهيار المجتمع. وهذا ما جعله يطرح مفهوم "المسؤولية الشاملة"؛ فالإسلام عند السيّد أعطى المسؤولية بعداً ممتداً وشمولياً في حياة الناس، فاعتبر العمل الاجتماعي مسؤولية المسلمين جميعاً تحت طائلة العقوبة الإلهية، والقيام بها تبعاً للمساحة التي يشغلها الفرد المسلم، وللدور الذي يمثِّله مركزه، التزاماً بالحديث النبويّ المشهور: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته". ويترتّب على هذا نظام التكافل الاجتماعي الذي قرره الإسلام، في التشريعات الإلزامية، وفي التخطيط الأخلاقي لشخصية الإنسان وسلوكه، وفي مفاهيمه العامة عن الكون والحياة، بل نجد ذلك في المجال المالي وفي نظام الحقوق الشرعية الواجبة والمستحبة التي اعتبرها حقاً أساسياً للفئات المحرومة، بل إنّ فكرة الإحسان "تمثّل فكرة الحقّ"، حتى الحديث الشريف المأثور الذي يردّده السيّد، يصف الفقراء بصفة "الشركاء"، فيعتبر الفقير شريكاً للغني بمقدار الحق الشرعي، بكلِّ ما توحيه كلمة الشريك من تكاليف شرعية، أو أحكام وضعية.

يشدّد السيّد على مفهوم التوازن في الإسلام؛ التوازن في تشريعاته بين السلطة والجماعة، والفرد والمجتمع، فللفرد حقوقه التي تمتد إلى أن تقف عند حدود المجتمع، وللسلطة حقوقها التي لا يمكن لها التعدّي على حقوق المجتمع، لذلك فالسُّلطة في الإسلام لا تملك حقّاً إلهيّاً مطلقاً. والإسلام لا يعطي صاحب السلطة سلطةً مطلقةً، على طريقة ما كان يعرف في أوروبا بالحكم الإلهي الذي يعبِّر فيه مزاج الحاكم عن إرادة الله. حكمة التوازن هي ما يميّز الإسلام ونظامه، فالإسلام ليس مادياً بالمطلق، وليس روحياً بالمطلق، ولكنّها روحيّة تجد روحيّتها في المادة، ومادّية تجد سموّها في الروح. لذلك هو ينتقد ما يسمّى مقامات وقيماً روحيةً، فلكلّ منهم مادة تعيش كلّ سلبيات المادة، لذلك يقول: "ليس عندنا مقامات روحيّة، بل مواقع إنسانية تتخصَّص بالدين الذي هو مزيج من المادة والروح، ونحن من القائلين إن الدين خلق للإنسان ولم يخلق الإنسان للدين".

لهذه الأسباب، يرى السيّد في الإسلام منظومةً فكريةً متكاملةً، فهو يتضمّن ثروةً تشريعيةً ومفاهيميةً واسعةً في الجانب الاجتماعي، في علاقات الناس بعضهم ببعض، وفي حركة المجتمع، وفي مجالات النموّ والإبداع والتغيير، وفي الأسس التي يقوم عليها المجتمع أو تنهار فيها الحضارات. أمّا مسألة صياغة نظرية اجتماعية إسلامية، فهذه مسألة علمية فنية، وإن كان هناك بعض التقصير في هذا المجال، فإنّ هذا لا يمثّل نقصاً في الإسلام، وهناك تجارب جيّدة وإن لم تكن شاملة. ويشير السيّد إلى أنّ الشهيد الصدر كان يفكّر في كتابة النظرية الاجتماعية الإسلامية، لكنَّ جريمة اغتياله حرمتنا شيئاً كبيراً. وفي النِّهاية، لا بدَّ من صياغة تلك النظرية، والشيء نفسه يقال عن فلسفة التاريخ، والسيّد يدعونا إلى أن نستفيد من دراستنا لحركة التاريخ والعوامل المؤثّرة فيه، للخروج بنظرية إسلامية تقف أمام النظريات الأخرى، من ماركسية وغيرها، في فهم التاريخ وفلسفته.

2- الجهاد العلمي والصراع في العلم

من هذا الجانب، يطرح السيّد "الجهاد العلمي"، فيختار مدخلاً يطرح فيه أسئلةً تحفّز العقل على التفكير والنظر في عالم اليوم الذي يشهد ما يسميه الصراع في العلم. فيتساءل في البداية: هل خلق الله شيئاً اسمه الأمّة أو المجتمع؟ فمن هو المجتمع يا ترى؟ إنّه أنا وأنت والآخرون؟ ومن هي الأمّة؟ إنّها أنا وأنت وهذا الشعب وذاك؟ إذاً فطاقات الأمّة موزّعة في طاقات أفرادها، وقوَّة المجتمع موزَّعة في قوى أفراده، إنّه عقلي وعقلك وعقل الآخر، وطاقتي وطاقتك وطاقة الآخر، وعلمي وعلمك وعلم الآخر، هذه هي طاقة الأمّة التي تجتمع لتتكامل وتتداخل وتتوازن، وعند ذلك، يمكن أنّ نقول إنّ تلك طاقة الأمة. يخلص السيّد إلى درّة خلاصته في هذه النقطة ليقول: في عقل كلّ واحدٍ منّا شيء من عقل الأمّة، وفي طاقة أيّ واحدٍ منّا شيء من طاقات الأمة، وفي موقع كلّ واحدٍ منّا موقع للأمة، فمن حجب عن الأمّة طاقته، وحجب عنها علمه وجهده وجاهه وموقعه، فهو سارق للأمّة، وخائن لها؛ إنّه يسرق طاقتها ويرميها في الفراغ.

لذلك يعتبر السيّد أنّ من شِعب الجهاد بالنفس الجهاد بالعلم، أي أن يقدّم الإنسان علمه وخبرته للمجتمع، وطبعاً ليس المراد بذلك العلم الدّينيّ فقط، فالأمّة تحتاج إلى أن تأخذ بكلّ أسباب العلم، لأنّ الصراع في هذا العالم لم يعد بالبندقية فقط، بل أصبح بالعلم، لذلك نحتاج إلى أمة تنتج غذاءها وسلاحها وما يلبّي حاجاتها، حتى تستطيع أن تكون الأمّة التي يحتاجها الآخرون ولا تحتاج الآخرين في القضايا الحيوية.

 

3- مفهوم المسؤولية الاجتماعية الشاملة    

من هذا المنطلق، يطرح السيّد مفهوم "المسؤولية الاجتماعية الشاملة" الذي يوجب على المؤمن ألاّ يكون سجين الإحساس الفردي بعيداً عن المجتمع الذي ينتمي إليه والأمّة التي يرتبط بها، فالإنسان لم ينشأ من خلال جهده الذاتي، بل هو صناعة المجتمع الذي ساهم في تكوين فكره وجسمه وحياته، وكما المجتمع يعطي الإنسان، فعلى الإنسان أن يعيد البذل والعطاء إلى مَن قدّموا له، فلا بدَّ له من أن يصوغ شخصيّته في كلّ سلوكه كجزء من المجتمع وجزء من الأمّة، فلا يستطيع التنصّل من المسؤولية والادّعاء أن لا علاقة له بما يجري حوله، لأنّه جزء من كلّ، فإذا اهتزَّ اقتصاد الناس وأمنهم، فإنّ هذا سيطاله كما يطال الجميع حتى ولو أغلق بابه. فعقلية الحيادي تقود إلى الشلل، تماماً كما يمثّل العضو المشلول مشكلةً وعبئاً للجسد الإنساني، حيث لا يتفاعل معه، فالجسد يتعب من حمل هذا العضو الذي لا ينتج أو يقدم أيّ فائدة. وشبيه هذا العضو هو الإنسان اللامبالي الذي لا يهتمّ بمصير مجتمعه وأمنه. إنّ من سنّة الحياة، وفق مفهوم المسؤولية الاجتماعية الشاملة، أن تستمرّ الحياة وتنتقل الأدوار، فكما كانت رعاية الأجداد لأولادهم، فمن الواجب على الأولاد أن يرعوا أبناءهم الذين يشكّلون غراس المستقبل، وهذا ما يجعل المجتمع قوياً ومنتجاً وفاعلاً، حتى لا يندثر بحيادية الحياديين الذين يميتون الإبداع والخلق والابتكار. بهذا البعد التحليلي، يستعيد السيّد حديث النبيّ عليه الصلاة والسلام: "مَن أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"، ويخصص لهذا الحديث محاضراتٍ عدّةً، لمحاصرة ذهنية الانعزال عن المجتمع والحيادية تجاه المشاكل والتحديات التي تواجهه، سواء على مستوى قضايا الداخل، أو قضايا الأمّة فيما تواجهه من تحديات خارجية.

فالسيّد يرى وفق هذا الحديث، أنّ المسلم ليس مجرّد إنسان يحمل عقيدةً ذاتيةً، أو يتبنّى فكرةً مجرّدةً تتحرّك في واقعه الذاتي، بل هو إنسانٌ يعيش المسؤولية في واقع عقيدته، حركةً وانطلاقاً مع الآخرين في مجالات العمل والحياة. ومتى انطلقت المسؤولية في حركة العقيدة داخل نفس الإنسان، فمعنى ذلك أنّه بدأ يتخلّى عن إطاره الضيِّق في سجن الذات ليدخل الحياة في مجال أوسع وأفق أرحب. ومؤدّى ذلك، أنّ المسلم ما لم يعش الإسلام كعقيدة حيّة تندفع من ذاته لتجعله وجهاً لوجه مع الحياة في اتصال روحي عاطفي، لا يعيش الإسلام في مفهومه الحيّ الذي يتحوّل إلى حركة شعورية وفكرية واجتماعية في حياة الإنسان، بل هو إنسان يعيش الإسلام في إطاره الرسمي؛ هو ليس بمسلم في المفهوم العميق للإسلام، وإن كان لا يخرج عن أحكام الإسلام في الحقوق والواجبات كمواطنٍ مسلمٍ عاديّ. أمّا كيف نهتمُّ بأمور المسلمين، وكيف نثير هذا الاهتمام في نفوس المسلمين، وما هي الوسائل الكفيلة لتحقيق هذا الهدف الإسلامي الأصيل؟ فهي من الأسئلة الصعبة التي يتصدّى السيّد لمحاولة تقديم الإجابة عنها.

4- المعرفة أول الطريق...

المعرفة أوّل الطريق، فبدونها تسير القافلة في التيه، فالحاجة إلى المعرفة تعني الحاجة إلى الخطط التي توضح، والمناهج التي تحدّد، والخطوات التي تنطلق، لكي تسير بقوّة واطمئنان نحو تخطيط المجتمع الإسلامي السليم. أمّا السبيل إلى هذه المعرفة التي يدعو إليها السيّد، فيتجسَّد في تحشيد المشاعر والإمكانات نحو الغاية المنشودة، بإثارة الإحساس بالواقع، وتوجيه الاهتمام إلى دراسة هذا الواقع، بدل كثير من الدراسات العقيمة البائدة التي لا تقدّم للإنسان أيّ فائدة. فالجهل موت، والعلم والمعرفة حياة، والبعد عن المسؤولية موت وخيانة، والتحرّك في قلب المسؤولية حياة متجدّدة، ويستدلّ من الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال، 24). إنّ الإسلام أراد من الإنسان أن يكون مسؤولاً عن الحياة كلِّها، أن يكون إنساناً متحرّكاً في الحياة، ليشعر أنّ الحياة واقعة تحت تدبير الله سبحانه، الَّذي أوكل إلى الإنسان أن يكون خليفته في الأرض، ليتحرّك في مواقع الدعوة لإعمارها من جهة، وليصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الوقت نفسه. فالإسلام كما يقدّمه السيّد، يفتح للإنسان أبواب الحياة، فمعه ليس هناك أفق مغلق يصعب اقتحامه، فالعلم شرّع كلّ الأبواب، وليس هناك علم محرَّم، وهو يعني بالعلم كلّ حقل معرفي من شأنه أن يفتح للإنسان آفاقاً جديدةً بما فيه مصلحته وبناؤه إنسانياً. يقول السيّد: "في التجربة انطلق لتكتشف الحقيقة، لأنّ بعض الحقائق لا تستطيع أن تكتشفها بالتأمّل".

 المعرفة إذاً مفتاح القوّة، ولا يمكن امتلاكها إلاّ بالعمل، لهذا يقوم السيّد بتأصيل المعرفة وفق مفهومين متقابلين في الأخلاق لدعم تحليله المقارن؛ الأوّل له بعد سلبي، وهو مفهوم الطمع، والآخر له بعد إيجابي، وهو مفهوم القناعة. وهو يريد من الموازنة والمقارنة بينهما، أن يبيِّن أنّ بعض الناس قد يفكّر في أنّ القناعة ضدّ الطموح، وأنّها مدعاة للسكينة والقبول بالواقع الاجتماعي والسياسي بكلِّ ما فيه من تخلّف وظلم، وهذا مفهوم خاطئ ديناً وعقلاً، فالله أراد للإنسان أن يكون طموحاً، وأن يظلّ في حركة تصاعدية، ففي الدّعاء: "اللّهمّ اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضيه"، وفي الأذان "حيَّ على خير العمل"، وخير العمل هو أفضله. وفي هذا، فإنّ لكلِّ مرحلة من العمر عملها، أي إنَّ الإنسان لا يجب أن يتقاعد عن العمل في أيّ مرحلة من مراحل عمره، وأن يجلس منتظراً الموت. أمّا بالنسبة إلى العلم، فللإنسان أن يستزيد منه، ذلك أنّ المرء عندها عامٌ ما طلب العلم، كما في الحديث الشريف، من المهد إلى اللحد. أمّا الجانب السلبي، فيتمثّل في الطمع الذي هو ضدّ القناعة، والعمل على تلبية الحاجات بدون جهد، والنظر إلى ما يملكه الآخرون بعين الحسد. يريد السيّد بهذا التحليل المقارن، أن يرسخ قداسة العمل والإنتاج وأهميته بالنسبة إلى الإنسان المؤمن، وضرورته بالنسبة إلى المجتمعات وتطوّرها.

 

5- الحرية الفكرية والالتزام بالعقيدة

يهتمّ السيّد اهتماماً شديداً بالحرية الفكرية وإنماء العقل، ويقوم بتأصيل هذا المفهوم على ضوء حركة الواقع، انطلاقاً من قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}(البقرة: 256) وقوله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(الكهف: 29). هذه الحرية الفكرية التي كفلها الإسلام في إطارها الفكري الخالص، يقدّمها السيّد في حركة الواقع مزيجاً من الحرية والالتزام، فهي ليست حريةً مطلقةً تفسح في المجال للفوضى، أو تتحرّك في حياة الناس وأفكارهم من دون حماية لهم من عوامل الضلال أو عناصر الضعف، أو رعاية لعقيدتهم كي تنمو في جوّ طبيعي، وليست التزاماً مطلقاً يغلق عليهم نوافذ التفكير، أو يحجر عليهم أن يطَّلعوا على الأفكار المضادّة التي يفكِّر فيها الآخرون، فمن حقِّ الإنسان أن يفكِّر كما يريد، ويتبنّى ما يريد، لأنّه هو وحده الذي يتحمّل مسؤولية عقيدته وفكره، ولكن من حقّ الدعوة أن تدافع عن نفسها، ومن واجبها أن تبطل كلّ دعوة على خلافها.

يستشهد السيّد كعادته بالقرآن، الذي تضمَّنت حواراته كلَّ الأفكار التي عاشت في عصره، ما يقرِّبنا من التفكير في أمثالها ممّا يعاند الحقَّ ويدعم الباطل، ثم ينقل إلينا بكل أمانة، من دون زيادةٍ ولا نقصان، ما يتيح للإنسان المؤمن أن يعيش تجربة فكرٍ مقارن، يمنحه قوّة الحركة في إطار حركة الفكر الخاضعة لنظامٍ دقيقٍ من الشُّعور بالمسؤولية والالتزام. وهكذا على الصعيد التطبيقي في تاريخ الدَّعوة، حيث كان العلماء يفتحون قلوبهم ومساجدهم وأفكارهم على الأفكار المضادَّة التي تصل إلى الإعلان عن الإلحاد بكلِّ صراحة، في ميدان الصراع، كما ينقل عن تاريخ الإمام جعفر الصادق (ع) الذي كان يقيم ندوات الحوار مع الزنادقة في بيت الله الحرام، ويمنحهم حرية الكلمة من دون ضغط أو إكراه أو محاولة لإثارة المتحمّسين ضدّهم، إيماناً منه بأنَّ الحرية هي السبيل الوحيد للوصول إلى الإيمان ولقوة الفكر الجديد. ولمزيد من التأصيل، يستشهد السيّد بتاريخ الخلافة العباسية كتجربة تطبيقية في عصر المأمون، حيث عقد للإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) ـــ الإمام الثامن من أئمَّة أهل البيت ـــ ندوةً مفتوحةً، أقام فيها الحوار الشامل مع أهل الفرق والديانات والملل المختلفة، في إطارٍ من الحرية والتسامح الرائع المطلق.

وعليه، فإنّ الخلاصة التي يقدمها السيّد، تتلخَّص في أنّ الإسلام يؤمن بحرية الفكر، كجزء من إيمانه بالحريات العامة للإنسان في الحياة الاجتماعية، ولكن بالقدر الذي لا يسيء إلى النظام الاجتماعي للناس، ولا يسمح لنقاط الضعف أن تعبِّر عن نفسها في حركة تراجع وانهيار، دون حماية فكرية مماثلة تغذّيها بعوامل القوة الكبيرة. لذلك، هو يحاول أن يحتاط لنفسه وللمجتمع، باعتبار أنّ قوّة المجتمع بقوّة عقيدته وبسيطرتها على نظام الحياة.

 النقطة المركزية التي يريد السيّد بلورتها في هذا المجال، تتمثّل في أنّ الإسلام ينظر إلى الفكرة كأساس للتماسك والتوازن الاجتماعي الذي يمثّل الوحدة المرادفة للقوّة... ولذا فالمسؤولية الإسلامية تفرض على المسلمين، أفراداً وجماعات، أن يعملوا على تقوية الفكرة في ذاتها، بالتوافر على جانب العمق فيها، إضافةً إلى جانب الامتداد والشمول، لتحافظ على نموّها الطبيعي المزدهر، وبالتالي، لتكون قادرةً على التحرّك باتجاه الأفكار المضادَّة، أو الجماعات المضادَّة، بكلِّ قوَّة، سواء تمثّل ذلك بالحوار لمن يريد الحوار ويحترم الصراع الفكري في إطاره السليم ويلتزم نتائجه، أو تمثّل بالعنف في الكلمة أو غيرها لمن لا يريد الحوار، بل يصرّ على التخريب أو التهديم بعيداً عن كلِّ مسؤوليّة أو التزام.

6- الانفتاح على المجتمع الدولي وتجربته

ويتساءل السيّد في مواجهة الخائفين من الانفتاح على المجتمع الدولي: لماذا الخوف؟ ويقدّم إجابته عن هذا السؤال: إنّك تخاف لأنّ هناك عنصرَ ضعف في داخلك، ولأنّ هناك عنصر قوّة في داخل الطرف الآخر. من هنا، فإنّ عناصر ضعفك تخوّفك من عناصر قوّتهم. وربّما يكون الخوف أيضاً ناشئاً من حالة فقدان الوضوح للطرف الآخر، ما يجعل الإنسان يخاف هذا الغموض، لأنّه لا يعرف ماذا في داخله. ولعلّنا عندما نخاف من الانفتاح على المجتمع الدولي، نعيش الهاجسين معاً، نخشى الأشياء الخفية والخطط التي تحاك لنا، فنعمل على الابتعاد حتى لا نقع في كهوف الآخرين.

يرى السيّد أنّ الحلّ لا يكمن في الانعزال، لأنّ الابتعاد عن الآخرين لا يعني أنّهم لن يقتربوا منك، وخصوصاً أنّنا نمثّل بالنسبة إلى المجتمع الدولي حاجةً استراتيجيةً على مستوى الموقع والثروة والسوق الاستهلاكية، وبالتالي، فإنّ عدم المبادرة من قبل المسلمين بالانفتاح، يفقدهم الكثير من إمكانات حماية هذا الانفتاح، وبالتالي إمكانية التخفيف من النتائج السلبية التي يمكن أن تحصل من خلال مبادرة الآخرين إلى الانفتاح، وتدخّلهم في شؤوننا، وتقاعسنا في المبادرة والانفتاح على المجتمع الدولي.

أمّا مسألة الغموض والخوف من المجهول والخطط الخفية، فلن يحلَّها الابتعاد عن مواقع الغموض، لأنّ الابتعاد لا يعني أن لا نفاجأ بها في المستقبل. لذلك يرى السيّد أنّ التحصّن داخل الذّات والانغلاق مع الخوف، لا يحمي المجتمع ولا الفرد من السقوط، بل سيؤدّي إلى أن نعيش القلق الذي يمكن أن يسقطنا أكثر ممّا نعيش حال السقوط. لذلك، فإنّ الحماية ليست في الانغلاق، بل بالانفتاح، وبالتخطيط للانفتاح، لأنّه بهذا يستنفر المجتمع مواقع قوَّته، ويدخل في دراسة مقارنة بين مواقع قوّته ومواقع قوة الآخرين، ما يجعل الإنسان يشعر بشخصية جديدة، ويعمل على أساس تنمية القوّة الموجودة لديه، عندما يبادر إلى تأسيس قاعدة لهذا الانفتاح تبدِّد الغموض الموجود لديه عن الآخرين.

يخلص السيّد إلى اعتبار أنَّ الإنسان الذي يرفض الانفتاح على الآخرين هو إنسان ضعيف، والإسلاميون لا يمكن أن يكونوا ضعفاء، وهو يرفض مقولة البعض بأنّ الانفتاح ربّما يسلبنا كثيراً من طهارتنا، فيقول: إنّ الله قد فتح للإنسان المسلم ساحة الصراع بكلّ سعتها، ولهذا، فإنّ معنى أن تدخل ساحة الصراع أن تفقد شيئاً ما، ولكن في المقابل قد تربح أشياء كثيرة. ربّما تفقد شيئاً في البداية، ولكنّك تربحه بشكل كبير جداً في وسط الصراع أو في آخره. لهذا، ينصح السيّد العاملين في السّاحة الإسلامية بالتفكير بطريقة واقعية، لا بطريقة تجريدية خائفة، لأنّ الاستغراق في التجريد يبعد الإنسان عن الواقع، وقد يخرجه من كلّ دائرة الواقع.

ثالثاً: المقاربة الإصلاحية، وظيفة المال والعمل

الرؤية الإصلاحية ـــ التغييرية التي يقدِّمها آية الله، السيّد محمّد حسين فضل الله، هي رؤية متشعّبة الأبعاد، تكاد تشمل كلَّ العناوين الأساسية للحياة الإنسانية، وهي رؤية يشكِّل دائماً النّص الإسلاميّ (قرآن، حديث، اجتهاد) منطلقها، وتسعى إلى مقاربة الواقع المعيش بتطوّراته وتداخله وتعقيداته برؤية إسلامية، مؤكِّداً بذلك أنَّ الإسلام قادر على مواكبة العصر وتقديم حلول لما يعتريه من أزمات وانحرافات قيمية، وهو (الإسلام) عند السيّد فضل الله، المدخل لأيِّ إصلاح حقيقي، والعودة إلى روحيّته هي الخطوة الضرورية لقيام مجتمع فاضل، فاعل، مزدهر وقويّ.

يصعب أن نجد طرحاً إصلاحياً عند السيّد فضل الله لا ينطلق من معطيات إسلامية، فأيّ فكرة يطرحها، إمّا أن تأتيَ في إطار شرحه لحديثٍ أو آيةٍ أو نصٍّ لإمام معصوم، وإمّا من خلال حرصه الشديد على إسناد طروحاته وإبراز بعدها الإسلامي بوضوح.

هذا المنهج عند السيّد فضل الله، يجعلنا مباشرةً أمام البند الأول في رؤيته الإصلاحية، وهو أنّ الإسلام، والتزام نصوصه وقيمه، هو المدخل الضروري لأيّ إصلاح.

طبعاً أيّ رؤية إصلاحية لا تتحقَّق بمجرَّد طرحها، والأفكار وحدها لا تحدث التغيير، وهذا لم يفت السيّد، الذي يعتبر أنّ الفقراء هم قاعدة الإصلاح والتغيير، الأمر الذي يجعلنا نتلمّس البند الثاني الأساسي في رؤيته الإصلاحية.

وفكرة أنّ الفقراء هم القاعدة لأيِّ تغيير وإصلاح، تكاد لا تغادر رؤيته الإصلاحية ـــ التغييرية. لكن لماذا الفقراء؟ الجواب عند السيّد واضح، فهو يعتبرهم أصحاب المصلحة الحقيقية بالتغيير والإصلاح، فواقع الضعف والفقر يجعلهم مسكونين بهمِّ البحث عن حركة تنقذهم من واقعهم، وهم لا يملكون ما يخشون خسارته بتشكيلهم رأس حربة المشروع الإصلاحي ـــ التغييري، خلاف الأغنياء ـــ الأقوياء الذين يزنون مصالحهم بميزان من ذهب، وهم يخشون التغيير خشية أن يحمل مفاجآت تتعارض ومصالحهم. والأكثر من هذا وذاك، أنّهم خلاف الفقراء، أبعدتهم ملذّات الحياة والإحساس بالقوّة عن منابع الصفاء والنقاء، بينما الفقراء يجعلهم واقعهم أقرب إلى البساطة والعفوية، وتالياً، أكثر انجذاباً إلى القيم الروحية الطيّبة التي تحملها الرسالات.

وعليه، فإنَّ قضايا الناس يجب الانفتاح عليها برؤية إسلامية، بدل الانفتاح عليها من خلال مبادئ أخرى، لأنّ الخلل، قطعاً، لا يعود إلى الرؤية الإسلامية.

بعد إبرازه فكرة أنّ الإسلام هو المنطلق لأيِّ تغيير، وتأكيده أنّ الفقراء هم القاعدة له، يتوقَّف السيّد فضل الله عند القول بإخفاء نقاط الضَّعف عن أنظار الآخرين، والتنكّر للذين يثيرونها، على قاعدة أنّ إظهارها لدى الأمّة ينتج سلبياتٍ كبيرةً في حياتها الفكرية والعلمية، ويهزُّ ثقتها بنفسها، ويزيد المطامع بها، ويجعلها عرضةً للانهيار، فيعتبر أنّ هذا الطرح يؤسّس لخوفٍ مرعب من الأخطاء، بالمستوى الذي يحوِّلها إلى عقدة ذاتية، تمنع الشعور بالثقة والقدرة على تخطّي الأخطاء والعيوب، وبدل مواجهتها والتغلّب عليها، نهرب منها وتسقط فرصة تحويلها إلى نقاط قوّة جديدة. لكن السيّد يؤكّد أنّها ليست دعوةً إلى إظهار الأخطاء بشكل استعراضي ساذج، ولا هي موقف من اللّجوء إلى التقيّة في حال الظروف القاسية والإكراه التي أباحها الله للمؤمنين.

إنّ هذا الطرح عند السيّد فضل الله متأتّ من الخشية من أن يشكّل الحرص على إعطاء أعمالنا ومبادئنا صفة الكمال المطلق، عائقاً أمام أيّ طرح إصلاحي.


1- قوام الدُّنيا

ينطلق السيّد محمّد حسين فضل الله من الحديث الشريف: "قوام الدنيا بأربعة: عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلَّم، وجوادٍ لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه" (بحار الأنوار، ج 2، ص: 36، حديث44). يختصر هذا الحديث بكلمات قليلة، أبرز سمات الرؤية الإصلاحية التي يطرحها السيّد، فدور العلماء تتوقّف عليه أوضاع الناس الفكرية والعلمية، الدينية والدنيوية. ويشير السيّد فضل الله في سياق إبرازه أهمية العلم والعلماء في إصلاح المجتمع، إلى أنّ العلم ليس حالةً ذاتيةً، فلا حرية للعالم أن يمنع علمه عن الناس، "ما أخذ الله على الجهَّال أن يتعلَّموا، حتى أخذ على العلماء أن يعلِّموا" (بحار الأنوار، ج 2، ص 78، ب 13). ويرى السيّد أنّ من دور العلماء هو مواجهة الانحرافات الفكرية، لأنّها تؤدّي إلى الهلاك العقيدي أو الهلاك الشرعي، "إذا ظهرت البِدَع في أمّتي، فليظهر العالِم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله" (حديث شريف). ويرفض السيّد الربط بين إظهار العالم علمه والسؤال، بل عليه (العالم) أن يندفع لإظهار علمه، فمسؤولية تعليم الناس واجبة على العلماء. وفي هذا السياق، يؤكّد أنّه ليس هناك مقدّسات في الحوار، فالحقيقة بنت الحوار، والإسلام يريد للعلم أن ينتشر. من هنا، يدعو السيّد الجميع إلى القيام بدورهم، فالعالم مسؤول أن يحرّك علمه في كلّ حاجات الجاهل ليتعلّم، والجاهل مسؤول أن يلاحق العالم طلباً للعلم، فالعلم هو عنوان نمو المجتمعات وتقدّمها وقوّتها. وبقدر ما تمتلك الأمّة من مقدّرات علمية، بقدر ما يحتاجها العالم وتكتسب احترامه.

يدخل السيّد فضل الله إلى الصراع مع الصهاينة اليهود من باب امتلاك القدرات العلمية، فيقول إنّ دولة اليهود التي قامت على الاغتصاب والعدوان وهجرة شذّاذ الآفاق، والتي لا يشكّل عدد سكّانها (وحتى عدد اليهود المنتشرين في العالم) نسبةً تذكر قياساً بعدد العرب والمسلمين، استطاعت بفعل الحرص على العلم واحترام علمائها وتوفير الإمكانات لهم، مواكبة أوروبا وأمريكا على الصّعيد الصناعي، وهي اليوم تصدِّر التكنولوجيا إلى العديد من الدول المتقدّمة.

طبعاً لا يتوقّف السيّد فضل الله عند حدود إبراز أهمية العلم وأسباب تفوق اليهود على العرب والمسلمين، بل يتجاوز ذلك ليؤكِّد أنّ الحرص على العلم ودوره عند المسلمين له بعد ديني ملزم، فالواجبات "النظامية" (أي الواجبات التي يتوقَّف عليها سير نظام الأمة)، يتقدّم العلم ليحتلّ رأس سلم أولويّاتها، ويصل السيّد حدّ القول إنّ بعض الآراء الفقهية تقول بوجوب أن تبذل الأمّة المال، لأولئك الذين تحتاج إلى أن يتعلَّموا، حتى يقيموا لها نظامها على جميع المستويات. وفي سياق تأكيده دور العلم وأهميته في واقع الأمّة، يورد السيّد فضل الله العديد من الآيات القرآنية التي تحضُّ على طلب العلم:

{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه: 114)، و{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الزمر: 9)، وقول الإمام عليّ (ع ): "قيمة كلّ امرئ ما يحسنه".

السيّد فضل الله، وفي إطار تفسيره وتحديده للأعمدة الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات والحياة الإنسانية، يشير إلى أهمية طلب الجاهل للعلم، وأن لا يتكبَّر ويأخذه الغرور فيحجم عن طلب العلم.

2- نظام التَّكافل الاجتماعيّ

ومن الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها الحياة الإنسانية وتبنى بها المجتمعات، حقّ الفقير على الغني، حيث يعتبر السيّد فضل الله، أنَّ للفقير حقّاً على الغني في ماله، وأنّ هذا الحقّ لا يرتبط بالإحسان والتفضيل، مستنداً إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ *  لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}(المعارج: 24ـ25)، وإلى الحديث الشريف: "إنّ الله أشرك الفقراء في أموال الأغنياء"، مؤكّداً أنّ من يمتنع عن دفع زكاة ماله وحقّ الخمس، فهو سارق، لأنّ المال الذي امتنع عن دفعه ليس ملكه. والسيّد فضل الله يدرج حقّ الفقير في مال الغني تحت عنوان "التكافل الاجتماعي"، فالمجتمع الإسلامي مجتمع متكافل، يكفل بعضه بعضاً في أمور إلزامية (الزكاة والخمس)، وأمور مستحبَّة، وصورة هذا التكافل تبرز جليّةً في الحديث الشريف: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع" (أصول الكافي، ج 2، ص 668). فالرابط بين الإيمان ورعاية الإنسان المحروم رابطٌ جوهريّ، ورعاية الفقير وتقديم العون له تغني الفقير، فلا يكون أمام الخيارات الصعبة التي قد توصله إلى التهلكة، فيرضخ لبيع آخرته بدنيا غيره، الأمر الذي يرفضه الشرع. ويؤكّد السيّد فضل الله، أنّه بقدر ازدياد التكافل، بأن لا يمسك الغني معروفه، تزداد قدرة الفقير على تخطّي المواقف الصعبة، وتتعزّز فرص صبره إرضاءً لله.

كما أنّ السيّد يبرز أهمية دور القائد والقيادة في بناء المجتمع وتعزيز قوّته وتقدّمه، فيعتبر أنَّ عنصر القيادة في علاقتها مع النَّاس هو أساس، فكلُّ شخص يملك موقفاً في المسؤوليَّة، لا بدَّ له من أن يحرِّك مسؤوليَّته في ما أوكله الله إليه ممّا يحتاجه النَّاس، فإذا لم يقم، انعكس ذلك سلباً على النَّاس الَّذين يحتاجون هذه المسؤوليَّة في حياتهم.

3- الفساد...

الفساد وسبل مواجهته، يشكِّل القضيَّة المحوريَّة في المقاربة الإصلاحية ـــ التغييرية عند السيّد فضل الله، كونه قد يدمِّر المجتمع في أوضاعه العامة، ويبتعد به عن حال التوازن في العلاقات والمعاملات، وفي قضايا السياسة والأمن والاقتصاد.

مقاربة السيّد فضل الله لموضوع الفساد وسبل منعه، تنطلق من حديث الرسول (ص): "إنّما أهلك الّذين قبلكم، أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ. وأيم الله، لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها". (بحار الأنوار، ج 10، ص47، ب 5)، حيث يعتبر السيّد، أنّ التمييز بالحساب والعقاب بين الفقراء الضعفاء والأغنياء الأقوياء، يجعل المجتمعات تفقد توازنها الضروري لاستمرارها وبقائها وتطوّرها، وعندما يتعاظم الخلل بالتوازن، فإنَّه يؤدي إلى الهلاك وتدمير المجتمع، فالذي يقيم المجتمع هو المساواة بين النَّاس في الحقوق والواجبات.

والسيّد، في سياق إبرازه دور الفساد في إحداث اللاتوازن في المجتمع، يحذِّر من الأوضاع الّتي دمَّرت الحضارات في التاريخ، وأسقطت الدول والحكّام، ووجود مثيلٍ لها في الواقع الذي نعيشه، حيث يسيطر الطغاة على المجتمعات بالقوّة السياسية التي توفّرها لهم الدول الكبرى، ليكونوا حرّاساً لمصالحها على حساب مصالح الشعوب، وتالياً، ترتّب الدُّول على قياس مصالح هؤلاء الخاصَّة، وتغيب لغة الحساب والعقاب والعدالة، وتسود لغة الغاب، وهم يلجؤون إلى استخدام كلّ الأساليب العسكرية والأمنية للقضاء على ما يهدِّد مصالحهم.

وهو في حديثه عن الحضارات التي انهارت بفعل الفساد، يبرز مخاطر الترف، ويدعو إلى الاستفادة من هذه التجارب لتحصين مجتمعنا. {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}(يوسف: 111).

الفساد، في رأي السيّد فضل الله، هو بيت الدّاء، والدواء هو التزام المنهج النبوي، فالعدل لا يعرف قوياً ولا ضعيفاً، ولا شريفاً ولا صديقاً ولا عدوّاً، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(المائدة: 8). هذه هي الذهنية الإسلامية التي يؤكّدها السيّد، لنستطيع بناء مجتمع عادل ودولة عادلة. وعليه، فإنّ المطلوب أن نعيش هذه الذهنية الإسلامية القانونية الحقيقية التي تؤكِّد أيضاً أن العدل لا يتجزَّأ، فحين نطالب الآخرين بالعدل، علينا أن لا ننسى أنفسنا، وإلاّ فإنَّنا لن نستطيع مواجهة شريعة الباطل واتباع نهج الإمام عليّ (ع) الذي كان حريصاً على مخاطبة قادة جنده بتذكيرهم دائماً: "فإنّما أهلك من كان قبلكم، أنّهم منعوا الناس الحقّ فاشتروه، وأخذوهم بالباطل فاقتدوه". (نهج البلاغة، كتبه إلى أمراء الأجناد، ك 79، ص 767). والسيّد فضل الله بهذا الاستشهاد، يدخل إلى عنوان آخر من عناوين الفساد، وهو الرَّشوة، حيث يضطر الناس إلى شراء حقوقهم الطبيعية والشرعية والوطنية، وهو الأمر المنتشر في البلاد العربية والإسلامية والّذي ينذر بالويلات. ويقول السيّد إنّ الرشوة لا تقتصر على علاقة الفرد بالدولة ومؤسّساتها، بل تتعدّاها إلى علاقة الدول بعضها ببعض، فيرى أنَّ الدول الصغيرة تضطر إلى أن تدفع من ثرواتها لمنع ضرر الدول الكبيرة. أمام هذا الواقع، يرى السيّد أنّ الأمّة تحيا وتكبر وتتطوّر، إذا أخذت حقوقها غير منقوصة، من دون أن تقدّم أيّ تنازل في مقابل هذه الحقوق.

ويتابع السيّد في موضوع الفساد، فيرى أنّ للمال دوراً مهماً في نشر الفساد، إذا ابتعد أصحابه عن الرؤية الإسلامية للمال جمعاً وإنفاقاً، ويذكِّر بالطاغوت قارون، الذي استعمل ماله في إفساد الناس واستعبادهم، ويؤكِّد أنّنا نشاهد اليوم في مجتمعاتنا من يشبهه ويمارس الدّور نفسه لجهة إفساد الناس والمجتمع والدولة.

وفي موضوع الفساد وخطورته، يؤكّد السيّد فضل الله أنَّ موقع الأمَّة عند الله واحترامه لها وشملها برحمته ولطفه، يرتبط بامتناع أقويائها عن اغتصاب حقوق ضعفائها، وأن تمسك يد القوي لتأخذ منه الحقّ للضعيف، يقول الإمام عليّ (ع): "الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحقَّ له، والقويُّ عندي ضعيفٌ حتى آخذ الحق ّمنه" (بحار الأنوار، ج 39، ص 351، ح 25، ب 90). فالعدل باب الرَّحمة، والخلافات الَّتي تحرِّكها المطامع، هي الطَّريق إلى الفشل، فوحدة الأمَّة أساس قوَّتها، والصِّراع بين أبناء الأمَّة هو صنيعة الفساد وجوهر اختلال التوازن، فبه يهيمن الباطل على الحقّ، ويقوى أصحاب الباطل، كما حدث حين غلب جيش معاوية أصحاب عليّ (ع)، وهذا ما توقَّعه الإمام (ع) حين حدَّث أصحابه بكلماتٍ تختصر الكثير: "إنّي والله لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيدالون منكم، باجتماعهم على باطلهم، وتفرّقكم عن حقّكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحقّ، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم، وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم" (نهج البلاغة، ج 25، ص: 73-74).

إنَّ السيّد فضل الله باستشهاده بقول الإمام عليِّ (ع) هذا، يقدم مقاربةً غاية في الأهمية، مفادها أنَّ القضايا العادلة تنتصر حين يكون أصحابها أهل طاعة لقادتهم بالحقّ، بعيدين عن الفساد والفرقة، وأمّا إذا كانوا خلاف ذلك، فإنّهم يمهّدون لانتصار الباطل على الحقّ، وواقعنا السياسي والاجتماعي اليوم ليس بعيداً من ذلك.

4- العمل عبادة...

يعتبر السيّد فضل الله العمل عبادةً، شرط أن يكون في طلب الحلال، فطلب الحلال وبذل الجهد والحفاظ على حدود الله في العمل، هو كما لو كنت تصلّي من الصباح إلى المساء. ويبشِّر السيّد فضل الله بقول رسول الله (ص): "من بات كالّاً في طلب الحلال، بات مغفوراً له"، وبقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "إنَّ الله يحبُّ المحترف الأمين"، فصاحب الحرفة، طالب الحلال، المجتهد في عمله، بشراه حبُّ الله وغفرانه.

ويقول السيّد، وبالاستناد إلى نصوص الشرع الإسلامي، إنّ المسلم العامل، هو أشدُّ عبادةً من المسلم البطّال، حتى لو انقطع الأخير عن الدنيا طلباً للعبادة والصلاة، ويصل حدّ القول إنّ "تارك الطلب لا يستجاب له"، وإنّ "الله يبغض العبد البطَّال النوّام الفارغ". (الكافي، ج 5، ص: 84)، لأنَّ العبد الذي يترك العمل الحلال، يبتعد عن التقوى، والتقوى هي أن تعمل بما أمرك الله، والله أمرنا بالعمل. ويستشهد على ذلك بقول الإمام الباقر(ع): "مَن طلب الدّنيا استعفافاً عن النَّاس، وتوسيعاً على أهله، وتعطّفاً على جاره، لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر" (الكافي، ج 5، ص: 78). والعمل، عند السيّد فضل الله، هو جهاد، والمسلم العامل هو مجاهد في سبيل الله، لا تقلُّ أهميته ودوره عمّن يحمل السلاح دفاعاً عن الأمَّة.

في سياق تناوله موضوع العمل ودوره في تقدّم الأمَّة، ومكانة العاملين عند الله، يتحدّث السيّد عن أهمية العمل اليدويّ، فيقول إنّ الإسلام يحضُّ عليه، وإنّ النظرة الطبقية إليه خاطئة ولا تنسجم مع تعاليم الإسلام، وإنّ الأنبياء والصَّالحين والأوصياء قاموا به. فالعمل ليس قيمة مضادَّة للموقع، وهو يحثُّ كلّ فرد في الأمّة، وإن كان يشغل منصباً، أن يمارس العمل في أوقات فراغه بدل قضاء أوقات الفراغ بالعبث واللّهو، وبدل أن يتحوّلوا إلى عبء على الأمّة من دون أيِّ فائدة لهم (وخصوصاً رجال الدين)، لتقوم الأمَّة بالإنفاق عليهم.

5- المال والقيمة وأطروحة البنك اللاربوي...

يقول السيّد فضل الله، إنّ الله يريد للإنسان أن ينظر إلى المال في دائرة الحاجة لا في دائرة القيمة، والنَّظرة الواقعية تفرض أن لا يدخل ماله في عقله وقلبه وكلّ ذاته، لأنَّه لا علاقة له بالذَّات، وتالياً، يجب أن لا تنطلق مقاربته للواقع من خلاله، إلاّ بالمقدار الذي يحدّد مسؤوليَّته فيه. فالملكيّة، وفق المفهوم القرآني لها، تمثّل خلافة الإنسان على المال ووكالته فيه من قبل الله، ليتصرّف فيه طبقاً للبرنامج الإلهي في تحريك المال في حاجات الإنسان الفردية والاجتماعية، من دون بغيٍ ولا طغيان: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه}(الحديد: 7). ويتابع السيّد في تحديد نظرة الإسلام إلى المال وأهدافه، فيقول إنَّه في بعده الحقيقيّ، مال الله الَّذي آتاه الإنسان لينفق منه على المحتاجين ويؤتيهم منه كما آتاه الله، وهو ليس مال الإنسان حتى يكون حُرّاً في التصرّف فيه كما يشاء، بل هو أمانة كما أيّ أمانة أخرى.

ويؤكّد السيّد أنّ هذا المفهوم للمال يوحي بالاتزان، فهو يخرجه من الذاتية إلى دائرة المسؤولية، ويجعله عبئاً ثقيلاً لا امتيازاً، هو في خطّ الاختبار والابتلاء، لا في خطّ الكرامة والقيمة الذاتية. لهذه الأسباب، يحذّر من أن يصيب المرء غرورٌ أو انتفاخٌ في الشخصيَّة إذا ما أصاب شيئاً من المال، فيعيش الخيلاء التي تنطلق من الإعجاب المرضي بالنفس، أو تؤدّي إلى الطغيان والاستكبار على الضعفاء، كما يحصل في عالم اليوم، حيث تسيطر قوى الاستكبار في العالم باقتصادها، فتجرف معها السياسة والأمن والثقافة. ويستلهم السيّد في حديثه الإمام عليّ بن الحسين (ع)، الَّذي حثّ على صحبة الفقراء ومجالستهم: "اللَّهمّ حبِّب إليَّ صحبة الفقراء"، لأنّهم الفئة الإنسانية الأقرب إلى الأصالة وإلى الفطرة الإنسانية، ولأنّهم لا يزالون يعيشون معنى القِيَم في كلِّ ما يتحرّكون فيه.

وفي موضوع النظرة الإسلامية إلى المال، يتابع السيّد فضل الله، فيتناول موضوع الدِّين، فيعتبره همَّاً يسكن الإنسان، ويبعده عن الكثير من مسؤولياته، ويملأ فكره بالإرباك، فلا يستطيع أن يتحرّك في خطّ الاستقامة بفكره، وهو يمنع الإنسان من النوم والراحة، ما ينعكس سلباً على مجمل حركته في الحياة. كما أنّ الإنسان المسلم يعرف أن الله سيسأله يوم القيامة عمَّا للآخرين من حقوق عليه، ناهيك بالإحساس بالذلّ والإحراج أمام الدائنين.

وفي السياق نفسه، يتحدّث السيّد عن موضوع صرف المال، فيعتبر أنّ الإنسان عليه أن ينظر إلى المال كطاقةٍ أعطاه إيّاها الله، ولا بدَّ من الحفاظ عليها، حالها حال كلِّ طاقاته، فلا يسرف في ما لا غنى منه ولا فائدة، فالقصد أمر يحبّه الله، والسرف أمرٌ يبغضه. كما أنّ حسن التقدير من المسائل المهمّة، بأن أقدِّر حاجاتي وإمكاناتي، لأحرِّك حاجاتي في مستوى إمكاناتي: "على قدر بساطك مدَّ رجليك"، فلا أستدين. فكثير من الدَّين يتأتَّى من الإسراف والتَّبذير، الَّذي هو صرف المال بطريقة غير متوازنة بالكمّ والنّوع، بحيث لا يستفيد منه الإنسان على مستوى النتائج بشكلٍ طبيعي.  

ويتحدَّث السيّد عن أطروحة البنك اللاربوي شارحاً فلسفتها، والتي تقوم على أن يستفيد أصحاب رؤوس الأموال من أموالهم عندما يودعونها في البنك، أو عندما يعطونها للناس كدَيْنٍ مقابل فائدة، ففي الإسلام، هناك حلٌّ واحد لهذه المسألة، وهو المضاربة، باعتبار أنّ النظرية الإسلامية تقول "إنّ المال لا ينتج مالاً"، بل إنّ الإنتاج يتكوّن من تزاوج شركة المال والعمل. فإذا خسر العامل، يتحمّل حينئذٍ رأس المال الخسارة، وإذا ربح، كان الربح بينهما حسب الاتفاق الجاري بينهما. أما في النظام الربوي، فالخسارة تقع على العامل دائماً، والذي يأخذ المال هو صاحب رأس المال، فهو رابح دائماً. وهذا ما يميّز النظام الإسلامي كما يرى السيّد، والذي يقوم على أساس الشراكة بين العمل ورأس المال، وهو الحلّ الذي ذكره الشهيد الصدر في محاولة إعطاء عناوين شرعية لبعض المعاملات. مع ذلك، يؤكّد السيّد أنّه من الصَّعب جدّاً أن تدخل في حلولٍ شرعيَّةٍ في ظلِّ نظامٍ يختلف عنها في العمق، إلاّ بما يعرف من الحيل الشرعيَّة التي يختلف النَّاس فيها، والتي قد تستخدم من أجل مواجهة الحالات الطَّارئة الصَّعبة التي يعيشها بعض الناس، والسيّد يقول إنّ بعض الناس جعلوها قانوناً، ونحن نعرف أنَّ أغلبها لا يقصد به عناوينها الشرعية.

رابعاً: الأسرة والشباب والتربية

1- التربية الأسرية وأهميتها

يستوحي آية الله العظمى، السيّد محمّد حسين فضل الله، من آيات القرآن الكريم، أنَّ قضية الزواج والنـزوع إلى تكوين الأسرة، ينبعان من الشعور العميق بالحاجة إلى أن يكمل الإنسان ـــ رجلاً أو امرأة ـــ ذاته من خلال ارتباطه بالجنس الآخر، انطلاقاً من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والكامنة في تكوينه الإنساني، الذي تختلط فيه الحاجة الروحية إلى الزوجية، بالحاجة الجسدية إلى إرواء الرغبة في إطار روحي حميم، الأمر الذي يدفع بالإنسان إلى الشعور الدائم بالقلق الروحي الذي يفترس طمأنينته، فيؤدّي به إلى البحث عن الفرصة التي تحقّق له ذلك.

ويستشعر من الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21)، التأكيد على "السَّكن" و"المودّة والرّحمة" كطابعٍ يطبع الحياة الزوجية في مفهوم الإسلام. فالأجواء التي يريدها الإسلام للزوجين، ليست هي الأجواء التي يحقِّق فيها كلُّ واحدٍ منهما مصالحه الذاتية، أو أطماعه الخاصَّة لدى الآخر، وليست هي الأجواء التي تتحفَّز فيها الشَّهوة الغريزيَّة المجرَّدة لتكون الأساس المتين لبناء هذه الحياة، بل هي الأجواء التي تؤكِّد الإنسانية فيها ذاتها، عندما تنطلق العلاقة من منطلق إنساني رحب صاف، يشعر فيه كلُّ طرف بأنّه مشدود إلى طرفه الآخر برباط المودّة والمحبة، الأمر الذي يجعل كلاً منهما باحثاً عمّا لدى الآخر من أسس المحبة الدائمة المرتكزة على التأمُّل والتفكير، لئلا تكون مجرّدَ عاطفةٍ طارئةٍ لا تلبث أن تتضاءل أو تذوب أمام حالات الرغبة المضادّة.

ويرى أنّ الزوجين متى استطاعا أن يعيشا هذا الشّعور العقلاني بالمحبّة والمودّة، فستخضع حياتهما المشتركة للعفوية والعطاء والسّماح، في كلِّ ما يجدُّ فيها من متاعب ومشاكل وآلام.

ويجد السيّد محمّد حسين فضل الله في نظام الأسرة في التشريع الإسلامي، تركيزاً على جانبين أساسيين من جوانب التربية الشخصية الإنسانية، ممّا قد لا يتوافر في غيرها بشكل دقيق:

الجانب الأوَّل: هو التدريب العملي على التدرّج في حمل المسؤولية.

والجانب الثاني: هو الجوّ الروحي والعاطفي الذي يعيشه الأولاد في داخل الأسرة. فالتربية أو الرعاية لا تعتبر في هذا الجوّ وظيفةً يمارسها الأبوان بروحية المهنة، بل تعتبر رسالةً يحملانها من خلال المشاعر الداخلية المشبعة بالعاطفة والحنان.

ويحدّد الشورى طريقاً لبناء الحياة الأسرية، مستنداً إلى قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}( الشورى: 38)، فلا يفرض الأب سلطته على أولاده ليلغيَ فكرهم، ولا يسيطر الزوج على زوجته ليلغيَ فكرها... فالله أعطاها عقلاً كما أعطاه عقلاً، والله أعطى الأب عقلاً وأعطى الأولاد تجربةً عقليةً يتحرّكون فيها ويتصاعدون من خلالها. لذا يدعو أفراد الأسرة إلى التشاور فيما بينهم، ويطلب من الأهل تعويد أولادهم على التفكير، ليستطيعوا أن يصنعوا منهم شخصياتٍ تملك القرار في المستقبل، ويرى ضرورة أن يكون في البيت لجنة شورى، وأيضاً في المحلّة والقرية والبلد وفي كلِّ مجال، كما يرى أيضاً أن على القائد أن يستشير من حوله، أسوةً بالرسول (ص).

فالمسؤولية في الحياة الزوجية، في رأيه، لا تقع على طرف دون الآخر، بل إن كلّ من الطرفين يتحمَّل مسؤوليته تجاه الطرف الآخر، كما أنّهما يشتركان في حمل المسؤولية تجاه الأولاد، ما يحقّق لأيٍّ منهما تجربةً جيدةً في مواجهة المسؤوليات العامّة والخاصّة. ويدعو الزوجين إلى الابتعاد عن الغيرة الزائدة، إن كان من الرجل على زوجته أو العكس، لأنّ هذه الغيرة تؤذي الزوج والزوجة في آنٍ معاً.

ويحدِّد "السيّد" قيمة الأسرة بالجوّ الذي تتيحه للطفل في الارتواء العاطفي الذي يوحي إليه بالمحبّة والحنان والامتلاء، ويجعله موضع الاهتمام والرعاية المباشرة من الأبوين. وفي المقابل، يطلب من الأولاد الإحسان إلى أهلهم، حتى ولو كانوا كافرين، ويرى أنّ الطاعة غير واجبة عليهم إذا كانت تؤدِّي إلى معصية: "لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق".

كما يرى أنَّ على الأهل مواجهة أوضاع أطفالهم، وخصوصاً في فترة المراهقة، ومراقبة التأثيرات السلبية لهذه المرحلة في أخلاقهم وعلاقاتهم وتحركاتهم، ويدعو إلى عدم الأخذ بأسباب التعسف والقسوة في تربيتهم، بل الأخذ بأسباب الحذر والعناية والرعاية، بالطريقة التي يمكن أن تساعدوهم فيها على اجتياز هذه المرحلة بسلام، وتشجيع أولادهم على تقليد النّماذج الحية والجيدة كأسلوبٍ من أساليب التربية، وربط عظمة الشخص بعظمة القيمة.

ويؤكِّد ضرورة عدم الاعتماد على المدرسة في التربية، لأنّ المدرسة في رأيه قد لا تعطي الإنسان إلاّ العلم، ما يفرض على البيت الزيادة في اهتماماته التربوية، ومراقبته لعملية النموّ التي تمثِّل حركة الطفل في أخلاقه وأوضاعه. ويرى أيضاً ضرورة تحويل البيت إلى حالة طوارئ في السنة الدراسية، سواء من الناحية العلمية للتلميذ، أو من الناحية التربوية الأخلاقية.

ويدعو أيضاً إلى المزج بين أسلوب الحوزات العلمية، كالنجف والأزهر، وأسلوب الجامعات، والأخذ بالإيجابيات من هذا وذاك.

أمَّا بالنسبة إلى شخصية الطفل، فإنّ "السيّد" يرفض النظرية التي تقول إنّ الإنسان يولد مجرّد رقمٍ من الأرقام، ليس عنده أيّ شيء في ذاته، مثل الأرض الخالية التي كلّما ألقي فيها شيء قبلته، ويؤكّد رفضه ذلك من خلال الآية الكريمة: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}(الإنسان: 3) وأيضاً الآية الكريمة {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}(البلد: 10)، ما يدلُّ على أنّ هناك شيئاً موجوداً في داخل الإنسان، وهو عنصر الهداية الفطرية، بحيث إذا انطلق الإنسان، فإنَّه يتحرَّك على أساس وجود خيارين.

وعلى هذا الأساس، فهو يقول إنّ الإنسان خلق من خلال العنصر الذي يفتح أمامه باب الهدى، كما أنّ عناصر الوراثة أيضاً تترك تأثيرها في قابليات الإنسان، وأمّا العناصر المكتسبة، فتحتاج إلى التعليم.

ويرفض الاستهانة بالطّفولة، ويؤكّد تحريم الكذب والسّخرية، وأنَّه لا يجوز استخدام أيٍّ منهما حتى مع الأطفال الّذين هم دون سنّ التمييز، وحتى الغيبة التي يرى البعض أنّها مختصة بالكبار، تترك أثرها في شخصية الطفل، فيتأذَّى منها عند ذكر عيوبه.

ويدعو الأهل إلى تربية أطفالهم على العادات الطيّبة، وإلقاء البذور الصالحة في أفكارهم ومشاعرهم، لتنموَ في داخلهم نموّاً طبيعياً يحقِّق لهم النتائج الطيبة في المستقبل، وتعويدهم على الاتَّكال على أنفسهم من خلال جعل الطفل يفكِّر ومرافقته في التّفكير.

وهو يرى أنَّ للتَّفكير الحرّ سلبيات، إلاّ أنَّ له أيضاً إيجابيات أكثر، ولكن هذا التفكير له حدود وضوابط، وفي حال فقدان ذلك، فإنَّ المجتمع سيتحوَّل إلى فوضى.

 

 

2- الأبوَّة والأمومة

يرى "السيّد" أنّ لغريزة الأمومة في الأم، وغريزة الأبوَّة في الأب، سرّ الإنسانية التي تذوب في الإنسان الآخر، حتى كأنَّ وجود الابن يمثّل حالةً اندماجيةً في داخل وجودهما، وبهذا أراد الله للإنسان أن يشكر والديه كما يقدّم الشكر له {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}(لقمان: 14)، لأنّ في عطائهما معنى الإيثار والتضحية والذوبان في الآخر، وغياب الشعور الواعي بالتعويض، فإذا لم يشكر الإنسان والديه، فإنّه لا يمكن أن يعيش الشكر لأيّة جهة أدّت له الخدمة الإنسانية، لأنّ خدمة الأبوين تعلو كلّ خدمة. ويستوحي ذلك من خلال الآيات القرآنية التي تؤكِّد الإحسان إلى الوالدين وإن كانا في الخطّ المضادّ للعقيدة: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}(لقمان: 15)، وقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(الإسراء: 23، 24). ففيهما تأكيد على عبادة الله التي تشمل الطاعة، لأنّه تعالى أساس وجود الإنسان في خلقه له، وتأكيد الإحسان إلى الوالدين في احتضانهما ورعايتهما وخدمتهما، حتى في الحالات الصعبة عندما يتقدّم بهما العمر. أمّا بالنسبة إلى الطّاعة، فيرى أن ليس للأبوين حقّ الطاعة على الولد، لأنّ أبوَّتهما لا تفرض ذلك، ولا تمنحهما موقعاً قيادياً بعيداً عن الوضع العاطفي والتربوي، فلا يجب على الولد طاعتهما في ما لا يرى لنفسه مصلحةً فيه، أو في ما يرى أنّ هناك مفسدةً في السير عليه.

   يعتبر السيّد أنَّ قطع الرحم من مظاهر الفساد في الأرض، والذين يقومون به لا يحترمون العلاقات الإنسانية بكلّ أوضاعها المتّصلة بتوازن الحياة، ويستشهد بقوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}(محمّد: 22). يقرأ السيّد في هذه الآية، أنّ الله سبحانه يريد للمجتمع أن يتحرك على أساس الدوائر الصغيرة التي تنفتح على الدوائر المتوسطة لتنطلق إلى الدوائر العامة في مستوى الإنسان، وهذا هو مفهوم "التعارف" بين الشعوب والقبائل والذكور والإناث. يخلص السيّد إلى اعتبار أنّ صلة الرحم والتعارف هما سنّة الحياة، ويشبِّه الذين يقطعون الرحم بالذين ينقضون عهد الله، استناداً إلى الآية الكريمة: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}(الرعد: 25)، الأمر الذي يعني أنّ قطع الروابط الاجتماعية، ومنها رابطة الرحم، هي بمثابة قطع ميثاق أمر الله به سبحانه.

3- العلاقة الزوجية

يؤكِّد "السيّد محمّد حسين فضل الله" أنّ الحياة الزوجية تقوم على الرحمة والمودّة، مستنداً إلى قول الله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم: 21)، ولذلك، فإنّ تصرّف الرجل مع المرأة يجب أن يكون بما يرحمها فيه، وتصرّف المرأة مع الرجل بما تودّه فيه، فلا مجال للاضطهاد والضغط والتخويف، فالعلاقات الإنسانية ـــ في رأيه ـــ يجب أن تُبنى على الدوام على المعنى الإنساني، الذي يعيش فيه الإنسان مع الآخر بكلّ صفاء وهناء.

ويرجع "السيّد" المشاكل التي تحصل بين الزوجين، إلى أنّ الزواج لا ينطلق ـــ غالباً ـــ من دراسة الرجل للمرأة أو العكس، ما يجعل كلّ واحد منهما كصندوق مغلق بالنسبة إلى الآخر، فيحاول كلّ منهما أن يفرض على الآخر ما يحبّ.

أمّا بالنسبة إلى النّاحية المادية، فيرى أنَّ العلاقة الزوجية هي علاقة مودَّة ورحمة تنتج السكينة والطمأنينة حتى في المسؤوليات المادية، يقول تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(النساء: 34)، باعتبار أنّ القوامة تمثّل الإدارة والمسؤولية عن البيت، من خلال بعض الخصائص الموجودة لدى الرجال وغير الموجودة لدى النساء، لأنّ الأبوَّة لا تعطِّل حركية الرجل، بينما الأمومة في جسد المرأة، حملاً أو إرضاعاً أو حضانةً، تعطِّل دور المرأة.

ويتناول "السيّد" المشاكل التي تعترض الزواج، ومنها قضيّة المهر، ويرى أنّ اعتبار المهر قيمةً يمثّل نوعاً من أنواع عدم ثقة الأهل بقيمتهم في المجال الاجتماعي، لأنّهم يعتبرون قيمة ابنتهم بمقدار ما تعادل مادياً. ويرفض اعتبار المهر العالي ضمانةً للفتاة، لأنّ الشاب الذي لا يخاف الله، يجعلها بمعاملته السيئة تسامحه في مهرها، بل يمكن أن تدفع أكثر للحصول على الطلاق.

وأمّا بالنسبة إلى البيت الزوجي، فهو يدعو إلى عدم التعقيد فيه، حتّى لا يؤدّي ذلك إلى التأخير في الزواج.

ويرى أنّ الاختيار يجب أن يكون بعيداً عن التفكير في المستوى الطبقي، بل الاعتماد على أساس القيم والمبادئ المتمثّلة بالخلق والدين، فالإسلام يوجِّه الإنسان إلى تعميق النظرة إلى العناصر الأساسية في العلاقة الزوجية، بتأكيد الجوانب الدائمة التي تملك الاستقرار والثبات، واستبعاد الأمور الطارئة التي تعيش في إطار زمان معين أو حالة معينة.

ويدعو الأهل إلى عدم الضَّغط على أولادهم في عملية الاختيار، حتى يتحمّل كلّ منهما مسؤوليته تجاه نفسه في تقرير مصيره ومستقبله. وفي الحالات التي يجد فيها الأهل المصلحة في الاتجاه المعاكس، يرى أنّ عليهم العمل على تقديم النصح لهما بمختلف الأساليب الفكرية والعاطفية، وإذا لم يصلوا إلى النتيجة التي يريدونها، فإنّ عليهم ترك الحرية لهما.

وهو لا يرى حرجاً في إعطاء الفتاة حريتها بالمطالبة بالزواج، بل يدعو إلى التخلّص من التقليد الذي يمنعها من ذلك، وذلك بالارتباط بالمفهوم الإسلامي الأصيل الذي يقول ـــ كما في بعض الأحاديث ـــ "لا غيرة في الحلال".

ويطلب من المرأة أن تحتاط لنفسها أمام الشباب الذين يقدِّمون الوعود المعسولة، لأنَّ المجتمع ظالم بالنسبة إلى المرأة، فهو ـــ في رأيه ـــ مجتمع الرجال الذي يحمّل المرأة كامل المسؤولية، ولا يحمّل الرجل إلاّ جزءاً منها.

أمّا بالنسبة إلى الزّواج من مسيحية أو يهودية، فيرى أنّ الإسلام يجيز ذلك مع بقائها على دينها، ولكن ليس للمسلمة أن تتزوج غير مسلم، وذلك لأنّ المسلم يؤمن بالكتاب كلّه، فلا يسيء إلى مقدّسات زوجته، بينما المسلمة عندما تتزوج من مسيحي أو يهودي، فإنّ إساءته إلى النبيّ أو للقرآن حالة طبيعية، لعدم إيمانه بهما.

ويتناول "السيّد" أيضاً موضوع خروج المرأة من بيت زوجها، فهو يرى أنّه لا يجوز لها أن تخرج إذا نافى ذلك حقّ الاستمتاع الكامل أو غيره، أمّا إذا كان في أثناء عمله في الخارج، فلها حريتها في ذلك، وإن كان يستحب لها أن تطيعه، فالمحرّم هو الخروج التمرّدي الذي يتنافى مع حقوق الحياة الزوجية، لا الخروج الطبيعي لحاجة هنا أو قضية هناك ممّا يدخل في أوضاعها الإنسانية.

وحول الزواج المتعدّد، يقول السيّد إنّ الله سبحانه وتعالى عندما أباح للإنسان ذلك، فإنّه حمّله مسؤوليات تجاه هذا الزّواج. فالزّواج الثّاني، بحسب العنوان الأوّليّ، جائز، لكنّه بحسب العنوان الثّانويّ ربّما لا يجوز، لأنّه قد تكون بعض الأشياء جائزةً بحسب العنوان الأوّليّ، ولكنّها تكون محرّمةً بحسب العنوان الثّانويّ، فلذلك، لا بدّ من دراسة الحالة، ودراسة ما إذا كان الزّواج الثّاني سيؤدّي إلى ضياع الأسرة، إذ لا بدّ من أن تتوضّح هذه الأمور بشكلٍ تفصيليّ، حتّى يمكن الحكم بالعنوان الثّانويّ من حيث الحلّيّة أو الحرمة.
4- قضايا الشباب المعاصرة

أـــ الصداقة

يرى "السيّد محمّد حسين فضل الله" أنّ الإسلام اهتمّ اهتماماً كبيراً بتركيز العلاقات الإنسانية على أساس ثابت يخدم عقل الإنسان وقلبه وحياته، لأنّ علاقة الإنسان بالإنسان تترك تأثيرها في الكثير من جوانب حياته الداخلية والخارجية، باعتبار أنّ طبيعة العلاقة تخلق جوّاً من الألفة والمحبة والحميمية، بما يجعل الإنسان ينجذب إلى الآخر حبّاً عقلياً وشعورياً. ولهذا، فقد تحدّث الإسلام في الكتاب والسنَّة عن مسألة الصداقة فيما يحتاجه الإنسان إلى هذه العلاقة، باعتبار أنَّ الصَّداقة تمثّل قيمةً إنسانيّة في الصديق الذي يساعد صديقه ويعاونه ويكون موضع سرّه وأمانته وأنسه، لأنَّ الإنسان لا يطيق الوحدة، بل يحبّ أن يعيش مع الآخر، لأنّه اجتماعي بالطبع.

ولخطورة تأثير الصديق في الصديق، أراد الله من الإنسان أن يعرف كيف يختار صديقه. وقد تحدّث الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد عن الصداقة بشكلها الإيجابي، كما تحدّث عنها بشكلها السلبي.

لذلك يرى "السيّد" أنّ الصداقة في شكلها الإيجابي هي الصداقة المبنية على التقوى والإيمان والوفاء، وأنّ الله سبحانه وتعالى يحدّثنا في كتابه الكريم أنّ هذه الصداقة سوف تستمرّ إلى الآخرة. ولذلك، فإنّ الله سبحانه يدعو عباده إلى مصادقة الأشخاص الذين يخلصون له ويعبدونه ويبتهلون إليه. ومن أجل كلّ ذلك، يؤكِّد "السيّد محمّد حسين فضل الله" أهمية الاختبار قبل الصداقة، ويستشهد بالأحاديث الواردة عن الرسول (ص) وعن الإمام عليّ (ع) وبعض الأئمة، ويذكر أيضاً الأحاديث التي تبيّن عناصر اختبار الصديق، ومنها: عن الإمام عليّ (ع): "عند زوال القدرة، يتبيّن الصديق من العدوّ"، وأيضاً "لا يعرف الناس إلاّ بالاختبار، فاختبر أهلك وولدك في غيبتك، وصديقك في مصيبتك".

ويرى أنّ أفضل الأصحاب، هم الذين يقدّمون العون إلى صديقهم إذا احتاج إليهم ويذكرونه في حال النسيان، مستشهداً بما ورد عن الرسول (ص) "قيل للنبيّ (ص): أيّ الأصحاب أفضل؟ قال: مِنْ إذا ذكرت أعانك، وإذا نسيت ذكرك".

ولم ينسَ "السيّد محمّد حسين فضل الله" ذكر الأحاديث التي تظهر حقّ الصاحب على صاحبه، فعن الإمام عليّ (ع): "أمّا حقّ الصاحب، فأن تصحبه بالتفضُّل والإنصاف، وتكرمه كما يكرمك".

ب ـــ الشباب والدين

يعطي "السيّد محمّد حسين فضل الله" اهتماماً للشباب وعلاقتهم بالدين، لأنّ الدين يركّز للإنسان قواعد أخلاقيةً وسلوكيةً وسياسيةً واجتماعيةً، بحيث يرى نفسه في الخطّ المستقيم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه}(الأنعام: 153)، وأيضاً {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}(فصلت: 30)، ولأنّ فقدان الإيمان من عقل الإنسان وقلبه يُفقده القِيَم التي تجعل حياته مستقرةً.

ويربط السيّد محمّد حسين فضل الله ابتعاد الشباب عن الدين بغياب الشخصيات التي تعمل للدعوة الإسلامية، والتي تملك الوعي والخبرة الإسلامية والثقافيّة، وتملك فهم عقول الشباب وفهم الواقع، مستنداً إلى قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ}(النحل: 125)، إضافةً إلى طبيعة المغريات التي تواجه الشباب، والمشاكل التي يعيشونها، والتحدّيات العامّة التي تفرض نفسها على واقعهم في كلّ زمان ومكان.

والإيمان هو الحاجز الذي يردع الشباب عن فعل المحرَّمات، ويجعل لديهم مناعةً أخلاقيةً.

ولذلك، يؤكّد ضرورة إيجاد الأجواء التربوية من البيئة الصالحة، ومن المنهج الصحيح القويم، ومن الأجواء الملائمة، ومن الذهنية الحركية التي تخلق المناعة لدى الإنسان، فتؤدّي به إلى توجيه غرائزه حيث وجَّهها الله تعالى.

في مسألة الحجاب، يرى السيّد أنّ المسألة منسجمة مع فكرة أخلاقية الإنسان، ولا يعني هذا أنّ كلَّ محجّبة سوف تكون معصومة من الانحراف، لأنَّ جوانب كثيرة تطلّ على الانحراف في هذا المجال، إلاّ أنّ مسألة السفور تنطلق من فلسفة قضية حرية الإنسان في جسده، من فلسفة أنّ مسألة العفّة ليست حالةً جسديةً بل حالة ذهنية. لذلك يقول إنّنا عندما نفكّر بهذه الطريقة، فإنّ علينا أن لا نفكّر في السفور، ولكن أن نفكّر في العري. فالإنسان حسب مفهوم هذه الحرية، مثل الحيوان، يمارس غرائزه الطبيعية أمام الناس. لهذه الأسباب، يرى السيّد أنّ قضية الحرية ليست مطلقةً، فمن حقّ المجتمع والدولة أن يمنعا المخدرات مثلاً، وكذلك الذين يريدون أن يخرجوا عراةً. يخلص السيّد إلى أنّه إذا كانت الحرية حقّاً إنسانياً للفرد، فإنّ هذه الحرية تخضع للتوازنات في شخصية المسلم، في الجوانب التي تتّصل بسلامته الروحية والأخلاقية، إضافةً إلى سلامته الجسدية والصحية.  

ج ـــ الحرية الجنسية والمساكنة والوقاية من الأمراض

لا يعتبر السيّد محمّد حسين فضل الله مسألة الجنس مسألةً محرّمةً إسلامياً من حيث المبدأ، ولكن ينبغي أن تخضع لضوابط مذكورة في القرآن والسُّنّة والأحاديث.

وينظر إلى المساكنة بين اثنين من دون عقد زواج بأنّها هروب من النفس، فإذا كان الاثنان يعيشان معاً، ويرغب كلّ منهما بالآخر، فغير مبرّر امتناعهما عن الالتزام العقدي.

ويتناول أيضاً مسألة الأمراض التي يتعرّض لها الشباب، فيدعوهم إلى الاحتياط منها، وخصوصاً المعدية كالسيّدا، ويكون ذلك من خلال إجراء الفحوصات قبل الزواج.

ولأنّ الإدمان على المخدرات هو من أمراض العصر، فقد أفتى السيّد بحرمة زرع كلّ ما يصنَّع منه المخدّرات وبيعها وشرائها وتناولها، وحتى التعامل بها. والاستثناء الوحيد في حلّيّة زراعتها، هو أن تكون لأغراضٍ طبيّة وعلاجيّة محض، وبإشراف جهاتٍ مسؤولة. فهو يرى أنّ الأمّة التي تفتك بها المخدرات هي أمّة تتّجه نحو الموت الثقافي والسياسي والاجتماعي.

ولذلك يدعو إلى توعية الشباب للمخاطر التي تكمن في تعاطيهم للمخدرات ومراقبتهم حتى لا يتأثّروا بهذا السمّ.

ويرى أنّ معالجة الاكتئاب الذي يصيب البعض، يكون بانفتاح المكتئب على الله تعالى والواقع وفهم ما يدور حوله.

د ــ اللّهو والعبث وتمضية أوقات الفراغ

يعتبر السيّد محمّد حسين فضل الله أنّ الغناء والطرب والتوجّه إلى أجواء اللّهو والترف، ليس هو الطريق الصحيح للتخلّص من المشاكل والهموم، بل على كلّ إنسان يعاني من مشكلة أن يفهم مشكلته ليهتديَ إلى حلّها.

ويعتقد أنّ الإسلام لا يمنع من الوسائل البريئة التي تملأ فراغ الشباب كالألعاب الرياضية والسباحة والأخذ بالموسيقى الهادئة والتصويرية والحماسية، فلا يرى مانعاً من أن يأخذ الإنسان بأسباب اللّهو التي لا يوجد دليل خاص على حرمتها.

وهو يرى أنّ إطلاق الفتوى بتحريم الموسيقى اللاهية أو الخليعة، يجب أن يقابلها توجيه الشباب إلى الموسيقى الهادئة، فالمحرَّم هو اللّهو الغنائي المتناسب مع الفسوق، أمّا اللّهو العام الذي يتحرّك في الأجواء الاجتماعية، فيحكم بحليّته .

ويحرِّم أيضاً ارتياد الأماكن التي يُلعب فيها بالقمار، لأنّها يمكن أن تجذب الإنسان، أو قد تصاحبها بعض المحرّمات، أو قد توجب هتك حرمة المؤمن أو تشويه سمعته، ولا يرى مانعاً من دخولها لحاجة معيّنة. ولأنَّ شرب الخمر من المحرّمات، فهو يدعو إلى إيجاد البديل للشباب، بصنع العصائر المحبَّبة إليهم.

ويدعو الإنسان إلى أن يعيش حياته ويمارس إنسانيّته، فلا يقضي شبابه في السهرات واللّهو والمزاح، لأنّ عليه أن يواجه الحياة من موقع الجدّ لا من موقع الهزل، ومن موقع المسؤولية عن عمره لا من خلال اللامبالاة، لأنّه سوف يُسأل عن كلّ لحظة من لحظات حياته.

ويوجِّه النصائح إلى الشّباب بالتركيز على الهدف في التحصيل العلمي الديني أو الأكاديمي، ومضاعفة الجهد في الدرس للوصول إلى النجاح والتفوّق، لأنَّ القوّة في العلم، وحتى القوّة العسكرية وأيضاً القوّة الاقتصادية.

ويظهر أهمية الجامعات بأنّها ساحة التحديات الكبيرة في الحاضر والمستقبل، لأنّها ساحة الفكر، فشغل النفس بغير الفكر، يؤدّي إلى فقدان هذه الساحة.

وأمّا بالنسبة إلى رؤيته في تغييب دور الشباب عن الحياة السياسية، فهو يؤكّد أنّ الحرية تُؤخذ ولا تُعطى، لذلك فإنَّ على الشباب، ومن يريد منهم المشاركة في الحياة السياسية، أن يفهم السياسة، وأن يملك وعياً سياسياً من خلال التفكير والتحليل، ولذلك يرى أن أيّ حزب أو تيّار أو جهة سياسية، إذا لم تثقِّف أعضاءها بشكل يجعلهم يفكّرون معهم، فسوف يكونون عبئاً عليها ومجرّد قطع شطرنج.

ويدعو الشباب إلى عدم اليأس، لما ورد في قوله تعالى في سورة يوسف: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}(يوسف: 87)، لأنّ فشل ألف تجربة لا يعني فشل الفكرة. ولذلك فهو يدعو إلى التّجربة الواحدة بعد الألف، لأنّ التجربة تعطي دائماً نتائج جيدة.

خامساً: المجتمع، قضايا وإشكاليات

1- الهجرة والمغتربون

يرى السيّد محمّد حسين فضل الله في ظاهرة الهجرة، أنّها تمثّل ظاهرةً إنسانيةً ترتبط بعوامل عديدة، منها ما له علاقة بالجانب الاقتصادي والمعيشي، حيث انطلقت هجرات المجموعات البشرية المتعدّدة عبر التاريخ، طلباً للماء والكلأ، وسعياً لاختيار الموقع الجغرافي الذي يساعد في تحقيق ذلك، ولا يزال هذا العامل يقف وراء هجرات الكثير من أبناء الشعوب الفقيرة والمستضعفة.

وهناك العامل السياسي والأمني الذي يضطرُّ الكثيرين إلى ترك أوطانهم مكرهين، واللجوء إلى بلاد أخرى توفّر لهم الأمن والحماية، ويستشهد بقول الإمام عليّ (ع): "ليس بلدٌ أحقّ بك من بلد، خيرُ البلاد ما حَمَلَك".

والإسلام من حيث المبدأ، لا يرفض فكرة الهجرة بالمطلق، ولا يشجّع عليها بالمطلق، وإنّما المسألة تتحرّك في إطار المصلحة العامة للإنسان، فقد تكون الهجرة محرَّمةً عندما تشكل هروباً من مواقع الصراع والجهاد في سبيل الله، والتشبّث بالأرض التي يُراد استلابها. وقد تكون الهجرة مطلوبةً وواجبةً عندما لا يتمكّن الإنسان من إقامة شعائر الله في بلده، وعندما تحول السلطة أو الظروف العامة بينه وبين القيام بمسؤولياته وواجباته الدينية والسياسية والفكرية وممارسة معتقداته، الأمر الذي يهدّد شخصيته بالمسخ والاستلاب.

ويرى من خلال الآيات القرآنية، أنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يبيّن أنّ الهجرة ليست وسيلةً يشعر فيها الإنسان بالإحباط أو بالسقوط، لأنّه ترك ملاعب صباه ومنازل أهله، حيث يرتبط الإنسان عادةً بالأرض التي ولد فيها وعاش أجداده عليها، لأنّه يشكّل جزءاً من ترابها، وقد تنشَّق هواءها وماءها وأكل من غذائها. لذلك فإنّ علاقة الإنسان بوطنه وبأرضه هي علاقة تدخل في تكوينه الجسدي، وفي كلّ تطلعاته الروحية والفكرية، لكنّ الله سبحانه وتعالى يقول للإنسان إنّ إنسانيّتك هي أفضل من مزاجك، وأفضل من كلّ أحلامك.

فمن الممكن أن تكون الهجرة سبباً للبحث عن العيش بحرية وكرامة وعزّة، فإذا ضاقت بالإنسان أرضه، فعليه أن يبحث عن أرض أخرى، فأرض الله واسعة.

فالهجرة المشروعة هي التي تكون في سبيل الله، وليس المقصود بذلك فقط الجهاد، بل هي تتّسع لكلّ أنشطة الإنسان في خطِّ الخير والحرية، وكلّ ما يرفع مستوى الإنسان، ممّا يحبّه الله للإنسان.

فكلُّ عمل اجتماعي يساهم في وحدة المجتمع ويرفع من مستواه، ويحقّق له الحرية والطمأنينة، هو عملٌ يحبّه الله، وكذلك النشاط السياسي الذي يمنح الأمة حريتها واستقلالها وقوّتها وتوازنها في مواجهة الأمم الأخرى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون: 8)، والعمل الأمني أيضاً الذي يحفظ للأمّة أمنها، وكلّ الأعمال التي يمكن أن تشارك في رفع مستوى الأمة، عندما نحرّك نشاطنا ضدّ الفقر وضدّ الجهل وضدّ التخلّف وضدّ سيطرة المستكبرين وضدّ كلّ العناصر الظالمة وما إلى ذلك. وعليه، فإنّ الهجرة تكون في سبيل الله ضمن تلك الأهداف التي يحبّها الله ويرضاها، والتي أراد للإنسان أن يقوم بها.

ويذكر أيضاً مواصفات أرض الهجرة التي تعني أن تكون بلاد الهجرة ملائمةً للأهداف التي ينطلق نحوها المهاجرون، فإذا كانت هذه البلاد يضعف فيها الدين، ولا يأمن المهاجر فيها على دينه ودين عائلته، فإنّ الهجرة عندئذٍ تكون محرّمة، فلا يجوز اللجوء إلاّ إذا كان المهاجر يأمن على نفسه ودينه وعياله.

وتكون الهجرة محرّمةً إذا كانت تؤدّي إلى وقوع الإنسان في حبائل المستكبرين، سواء من أجهزة المخابرات أو غيرها، ممّن يعملون على استغلال حاجاته ونقاط ضعفه في بلد الهجرة، ليفرضوا عليه أن يكون جزءاً من أجهزتهم ليتجسَّس على أخوانه في الدين، ولينفّذ بعض الخطط الاستكبارية في مواقع المسلمين.

وتحرم الهجرة في رأيه، إذا كان الهدف من ورائها الكسب الحرام، كالاقتراض من البنوك والهرب خارج البلاد، أو التعامل مع شركات التأمين وترتيب حوادث لأخذ تعويض من الشركة، أو الاتجار بالمخدرات وأعراض الناس وغيرها...

وهو يرى أنّ على المغتربين أن يعرفوا أنّ إسلامهم هو سرّ وجودهم وسرّ حياتهم وسرّ مصيرهم، فإذا اضطرّ المسلمون إلى الهجرة عن دار الإسلام إلى دار الكفر، فإنّ عليهم أن يُنشئوا هناك مراكز للدعوة وللعبادة، كالمساجد والمصليات، وأن يستفيدوا من هذه الهجرة، بأن يحوّلوا تلك البلدان إلى بلدان يتنفّس فيها الإنسان ثقافة الإسلام وروح الإسلام، وإنّ عليهم أن يحافظوا على إسلامهم في أنفسهم أكثر ممّا يحافظون على حياتهم، وأن يحافظوا على إسلام أولادهم، وذلك بإنشاء المدارس التي يربّون فيها أولادهم تربية إسلاميَّة "المدرسة قبل المسجد"، والمحاضن الإسلامية والدينية التي يتنفّس فيها أولادهم الأجواء الإسلامية، وحتى النوادي التي تحتضن الهوايات الرياضية والكشفية. فالاهتمام لا يكون فقط بالتعليم والتربية والعبادة، بل حتى باللّهو، حتى لا يضطروا إلى أن يلهوَ لهو الآخرين، ممّا يشتمل على الكثير من المحرّمات، وعليهم أن يتذكّروا قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}(التحريم: 6). ويرى أنّ عليهم أن يحافظوا على إسلامهم في أنفسهم، وذلك بأن يجتمعوا دائماً بعضهم مع بعض، حتى يقوّيَ بعضهم بعضاً، وحتى يكونوا ممّن تواصى بالحقّ وتواصى بالصبر، وليتحرّكوا في خطّ الفلاح. ويدعوهم إلى التكامل والتواصل، "لأنّ أحداً لا يملك الساحة كلّها، ولا يملك العالم كلّه، ولا يملك التجربة كلّها"، في عملية حثّ منطقية من أجل التكامل وتوزيع الطاقات وتنويع الخبرات التي يحتاجها المجتمع الإسلامي، ويحتاجها المغترب في بلاد المهجر.

وهو يرى أيضاً أنّ على بعض المبلّغين والخطباء وعلماء الدين، أن يسافروا ليكونوا مع الناس هناك، حتى يجنّبوهم خطر الانحراف.

وأمّا بالنسبة إلى النّاحية المتعلّقة بسلوك المغتربين، فهو يرى أنّ عليهم أن يكونوا نقطةً حيّةً مشرقةً للإسلام في سلوكهم، وأن لا يسمعوا لأيّ فتوى أو كلمة تبيح لهم بالاتجار بالمخدرات، أو تبيح لهم سرقة أموال غير المسلمين، فإنّه محرّم بالعنوان الأولي، وإذا كان بعض الناس يُفتون بذلك، فإنّه محرّم بالعنوان الثانوي، لأنّ في ذلك إساءة إلى الإسلام والمسلمين، والفتاوى التي تكفّر الأوروبيين وتعتبر أموالهم ودماءهم حلالاً، هي ليست من القرآن ولا من السنَّة في شيء. ولا يجوز التعامل مع الناس الذين يسرقون من محلات تجارية أوروبية وغير إسلامية. ويدعوهم إلى العمل على اكتساب صداقة الشعوب.

ويرى أنّ المنهج في العلاقة مع الآخرين من خلال حركة الواقع، ليس هو مقاطعة غير المسلمين، بل على المسلمين أن لا يكونوا ساذجين بسطاء، وأن لا يفتحوا قلوبهم للذين أغلقوا قلوبهم عنهم، والذين يخطّطون لتدميرهم.

المنهج يقوم على أساس مقاطعة من حاربنا في ديننا، بحيث يعمل على إخراجنا من ديننا في مواقعه الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويجعل كلّ ذلك وسيلةً من وسائل الضغط علينا لنبتعد عن ديننا، أو مقاطعة الذين أخرجونا من ديارنا في أيّ موقع من المواقع، وشرّدونا عن بلادنا. واليهود يقفون في مقدّم هؤلاء الذين شرّدوا المسلمين عن فلسطين واحتلوها وصادروا أراضيهم، ولا يوافقون على إرجاعهم إلى بلادهم، بل يعملون على محاصرتهم في بلادهم ليشرِّدوهم من جديد، ويظاهرون على إخراجهم، بدعم من الدول الكبرى التي ساعدت اليهود على الاستيطان في فلسطين واحتلالها، بما أعطتهم من قوّة عسكرية وسياسية واقتصادية.

ويدعو إلى عدم مقاطعة من ليس لنا مصلحة في مقاطعته، ولا سيّما إذا كنّا لا نملك الاكتفاء الذاتي. فيرى أنّ هناك فرقاً بين أن نقاطع الآخرين وبين أن نكون حذرين منهم.

ويدعو إلى احترام الآخرين في أموالهم ودمائهم وعرضهم وأمنهم، والاستفادة من الجنسية والحصول عليها لصالح المسلمين في الغرب على وجه الخصوص، ولصالح صورة الإسلام بوجه عام، فيصبح صوت "المتجنّس" مقابل خدمة جاليته أو مجتمعه أمراً استثمارياً يؤثّر في تنامي قوّة المهاجرين للحصول على أكبر ربح ممكن على مستوى واقع الإنسان هناك.

ويدعو المغتربين إلى الحفاظ على أمن البلد الذي يعيشون فيه، وألاّ يعرّضوه في أيّ جانب من الجوانب إلى الخلل، لأنّهم ضيوف هذا البلد، ولأنّهم عندما دخلوا إليه، أعطوا عهداً على أنفسهم أن يعيشوا كما يعيش الناس فيه، من دون أيّة إساءة إلى الأمن العام والنّاس. وعليهم الالتزام بالنظام والقانون، ما عدا القوانين التي هي ضدّ الإسلام.

ويدعوهم إلى الانطلاق من أجل العمل لاستخدام علاقاتهم في الدعوة إلى الإسلام بكلّ ما يستطيعون من إمكانات، وأن يعرفوا أنّ وجودهم هناك إنّما هو بفعل الضرورة، وأنّه لا يجوز لهم البقاء في تلك البلاد، لأنّ ذلك يكون من قبيل "التعرّب بعد الهجرة"، مستنداً إلى الآية الكريمة: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(التوبة: 99). والمقصود بكلمة الأعراب هو من لم يتفقَّه في الدين، فالإسلام لا يريد للمسلمين أن يتحوَّلوا ضعفاء في الثقافة والسلوك الديني، بعد أن كانوا يملكون هذا العنصر الذي يمنحهم القوّة في الفكر وفي العمل.

ويرى أنّ دور المسلمين في بلاد الاغتراب هو نشر الدين الإسلامي من خلال حسن المعاملة، فالهجرة مناسبة أو فرصة للدعوة إلى الله ضمن شروط يجب توافرها في الدُّعاة والمبلّغين، منها: أن يكون مثقّفاً إسلامياً، وأن تكون لديه ثقافة عامة، وأن يكون على درجة من التقوى. وهو يرفض فكرة استنساخ التجارب السابقة في عملية التبليغ، لأنّ لكلّ ساحة ظروفها من حيث الزمان والمكان، ويعتبر أنّ من المحرّم على المبلِّغ نقل أمراض ساحته في بلد المنشأ إلى بلد الاغتراب، كي لا تنعكس سلباً على وحدة المغتربين وتواصلهم وتكاتفهم، عدا عن تشويه صورة الرسالة والتشويش على الرساليين، مهما كانت آراؤهم، والتي تؤدّي إلى شعور المغترب بالحاجة إلى الحذر من كلِّ ما يحمله الدين الذي يتمظهر بهذا أو ذاك، من المرجعيات السياسية أو الدينية أو الحزبية.

ولا يجد سماحته حرجاً في انخراط المسلم في الأحزاب الغربية المسيحية للدفاع عن حقوق المسلمين ووجهات نظرهم في الأحداث والقضايا.

ويدعو سماحته المؤمن المسلم إلى التوقّف عن أخذ مال الدولة (في الهجرة) في حال وجد عملاً، لأنّ ذلك يدخل ضمن احترام الالتزام {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}( المائدة: 1)، وينطبق ذلك أيضاً على الشخص الذي دخل بفيزا سياحيّة.

أمّا بالنسبة إلى العمل، فهو يحرِّم العمل في تقديم الخمر في المطاعم، معتمداً على الأدلّة التي وردت في تحريم الخمر، والّتي تجعل مسألة الخمر أعلى من أيِّ محرَّم آخر، أمّا بالنسبة إلى تقديم اللحوم، فهو يعتمد على الرأي الذي يقول إنّ لحم الميتة لمن يستحله جائز، وحتّى لحم الخنـزير لمن يستحلّه جائز، وأيضاً يجيز العمل في بيعه لمن يستحلّه من الكفّار.

ويدعو السيّد محمّد حسين فضل الله المغتربين إلى الحذر في التعامل مع الأشخاص الآخرين (كأجهزة المخابرات) في الدول الغربية، وعدم إطلاعهم على أسرار المسلمين، وخصوصاً القضايا المصيرية. ويحذِّر أيضاً من الأجواء السلبية التي يثيرونها، والّتي تؤثّر سلباً في السّاحة الإسلامية.

ويدعو المرأة المسلمة إلى الحفاظ على التزاماتها الإسلامية مع الكافرين ومع المسلمين، فلا يجوز لها إظهار بعض من جسدها أو شعرها حتى ولو كانت في المجتمعات الأوروبية التي تعتبر التبرُّج من أعرافها.

وأمّا بالنسبة إلى طريقة التعامل مع الاختلاف بين واقع البيت الملتزم والخارج المتفكّك، فهو يدعو العائلة إلى أن تدرس نقطة الضعف عند الشاب أو الشابة، لتنقذهما من هذه الحيرة بين الداخل والخارج.

وفيما يتعلّق بولاية الشرطة التي تعدّ عند الغرب ولايةً بديلةً للأب في حال اشتكى الابن أو البنت عليه، فهو يجد أنّ لهذا القانون مبرّراته في حماية الطفولة من سوء الولاية، ويعتقد أنّنا في البلاد الإسلامية، يمكننا أن نبادر إلى حماية الطفل من أبويه، لأنّ للأب الحماية على أولاده من خلال رعايته لهم وإحسانه إليهم وعدالته في التعامل معهم، أمّا إذا تحوّلت سلطة الأب أو ولايته على ولده إلى ظلم له، ولم تستطع حمايته من أمه وأبيه مع بقائه عندهما، فإنّ على وليّ الأمر أن يأخذه منهما ويسلّمه إلى من يرعاه حمايةً له من أبويه. ولكن المسألة التي قد تفرض نفسها هنا، هي أنّ القِيَم التي يؤمن بها الغرب في العنف واللين بالنسبة إلى الأولاد قد تختلف عن القيم عندنا.

ولذلك، يرى سماحته أنّنا قد نختلف مع الغرب في الموارد التي يرون فيها أنّ الأب والأم يمارسان سلوكاً سيّئاً بالنسبة إلى الطّفل، بحيث يدفع الدولة إلى أخذه وحمايته منهما، ويجد أنّ للأب أن يمارس التأديب لولده ولو ببعض أشكال العنف الذي لا يدمّر نفسيّته ولا يسيء إلى صحّته ممّا قد لا يوافق عليه الغرب. وفي ضوء هذا، فهو يحذّر المغتربين من الوقوع في مثل هذه التجربة الصعبة، ولكي يتفادوا ذلك، عليهم الامتناع عن الوسائل العنيفة مع أولادهم، بحيث يحاولون تربيتهم بطرائقَ ووسائلَ أخرى، وأن يبحثوا عن الوسائل التي لا يملك فيها الولد أو البنت تقديم الشّكوى إلى الدولة عليهم، لأنَّ معنى أخذ الدولة له ضياعه من الناحية الدينية والأخلاقية وما إلى ذلك.

ويرى سماحته أنّ الهجرة المعاكسة ضرورية من أجل الحفاظ على البقية الباقية من الدين، في حال عاش المهاجر خطراً على نفسه أو أهله في تلك الساحة، وهي مطلوبة عند انتفاء الضرورة للوجود في بلاد الاغتراب، لذلك يجب العودة إلى البلد الأصلي.

2- المرأة: قضيتها ودورها

ينطلق السيّد في مقاربته لموضوع المرأة من مفهوم العدل الذي هو عماد النظرية السياسية الإسلامية، وفي هذا، لا خصوصية للرجل أو للمرأة في الحركة السياسية، فالمرأة يجب أن تتمتّع بحقوق الرجل نفسها، وأن تتمتَّع بكلّ الحريات، ومنها حقّ الانتخاب وجميع أوجه المشاركة السياسية والاجتماعية، بل يعتبر أنّ النهضة الحقيقية وسعادة الدول وشقاءها تتوقّفان على هذه المشاركة الفاعلة.

يعود السيّد إلى الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، ليقرأ في نصوصه أنّ أرضيَّة المجتمع الإسلامي تتكوَّن أوَّلاً من العقيدة التي هي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي، وثانياً من المفاهيم التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء والظواهر، وثالثاً من العواطف والأحاسيس التي يتبنّى الإنسان بثّها وتنميتها من ضمن تلك المفاهيم. فالعواطف الإسلامية وليدة المفاهيم الإسلامية، وهي بدورها ناشئة من العقيدة بحدِّ ذاتها. من خلال هذا التأصيل النظري، يضع السيّد فضل الله يده على السبب الذي أوقع الدراسات النقدية في نوع من الارتباك أو عدم الموضوعيَّة في رصد المسألة السياسية وتحليلها، وبالتالي دور المرأة في الاجتماع السياسي. والسبب عنده يتلخَّص بالإغفال التام لدراسة أرضية المجتمع الإسلامي، ودراسة النموّ العقائدي فيه، ومدى صلابة العقيدة ووضوحها والتزام المجتمع بها. فمن المعلوم أنّه إذا ضعف الاتصال بالمصادر الأساسية للعقيدة، يمكنها عند ذاك أن تتحول إلى مصدر للانقسام والتناحر، وقد أدّى الاختلاف العقائدي في التاريخ الإسلامي إلى حدوث انقسامات مزقت وحدة المسلمين. وعندما زال المجتمع السياسي الإسلامي وتفكّك، وتحكمت في الأمة مفاهيم وأفكار وعلاقات جديدة غير العلاقات الإسلامية القائمة على أساس عقيدي، كان من الطبيعي أن تنهار منظومة علاقات اجتماعية، وتقوم بدائل منها غير إسلامية، ومنها العلاقة مع المرأة على أسس غير إسلامية.

انطلاقاً من هذه المقاربة، يعترف السيّد بالواقع المتردِّي للمرأة المسلمة في كثير من البلدان، حيث ابتعد المسلمون عن إسلامهم، وتحكمت فيهم المفاهيم القبلية أو الجاهلية المستوردة. لهذا يرى أنّ من الواجب رفع هذا الظلم عن كاهل القطاع النسوي، وإيجاد الآليات الاجتماعية والقانونية لرفع مستوى المرأة إلى موقعها الإنساني الكريم الذي وضعها الله فيه.

لا يرى السيّد أنّ هناك موانع تشريعية لتولّي المرأة مواقع المسؤولية في الحكم، بل هناك موانع واقعية ناشئة من طبيعة المجتمع الذي لا يزال في كثير من الحالات هو مجتمع رجل.

ويتناول السيّد حركة الذكورة والأنوثة في الذهنية العامة لعلاقة الرجل بالمرأة، والتي قد تعقِّد الكثير من الأوضاع، فتمنع وجود انفتاح إنساني بينهما، فالعلاقة يحيطها في الجانب الشعوري والجانب اللاشعوري الأحاسيس الجنسية التي تتمظهر بطريقة أو بأخرى، لذلك يرى السيّد أنّه إذا نجحنا في إبعاد الذهنية الذكورية والأنثوية عن الجوّ الاجتماعي العام، يمكن لنا أن نصل إلى مستوى يفكِّر به الرجل في المرأة كإنسان يفكّر في إنسان آخر، وهكذا تفكّر المرأة في الرجل. فإذا توصلنا إلى هذا ولو بنسبة معقولة، فإننا نستطيع أن نوازن الحياة الاجتماعية والثقافية، لأننا نملك عند ذلك حياديةً في نظرتنا إلى الآخر في هذه المسألة.

ما يزيد المسألة تعقيداً وإرباكاً في عالم اليوم، وخصوصاً على مستوى الحياة الغربية، أنّ المفاهيم الغربيّة تركّز على جسد المرأة، ما يجعل مسألة الجسد قيمةً فوق العادة، وهو ما يربك العلاقات الاجتماعية، لذلك يرى السيّد أنّه لا يمكن في مجتمعاتنا أن نتحرّك وفق المفاهيم التي تعتبر الجسد قيمةً، وفي الوقت نفسه، نحرّك الأوضاع باتجاه التوازن في العلاقات.

يحذر السيّد من جهةٍ أخرى من المفاهيم الخاطئة المتعلّقة بوضع المرأة، ومنها تفسير مسألة كيد المرأة، حيث يعتبر البعض أنّها تملك عبقريةً خاصةً في هذا المجال، فيعتبر هذا المفهوم ليس دينياً، بل هو مفهوم جاهلي متخلِّف، أما مسألة سيطرة الأب والأخ والابن على المرأة، فهذا أمر ليس له أساس في التشريع الإسلامي، وهو محدود للأب، أمّا الأخ، فليس له أيّة سلطة، أمَّا الزوج، فإنّ سلطته تقف عند حقوقه الزوجية ولا تتَّسع لحياتها العامة، ولهذا فهي حرّة التصرّف في أموالها وشؤونها الخاصة التي لا علاقة لها بالحقوق الزوجية، من دون أن تستشير زوجها أو حتى لو منعها زوجها من ذلك. وعليه، يخلص السيّد إلى أنّه ليس هناك بالمعنى الشرعي سلطة ذكورية للرجل على المرأة من الناحية القانونية في مفردات حياتها الخاصة.

أمَّا مسألة الشرف التي هي من أكثر العادات الجاهلية تخلّفاً، حين تربط قضية الشرف والعار بالأنثى، فيؤكد السيّد في هذا المجال، أنّ نظرة الإسلام إلى الشّرف تنطلق من أنّ أعمال الإنسان تخصّه {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وأنّ إساءة أيّ إنسان إلى شرفه لا يعني الإساءة إلى شرف الآخر. من هنا، فلا معنى لأن يكون شرف العائلة مربوطاً بشرف البنت مثلاً أو الولد. فالإسلام حين تحدَّث عن الزّنا ساوى بين المرأة والرجل ولم يفرِّق بينهما. والسيّد يحذّر من هذه العادات الجاهلية، والتي ترى أنّ عار المرأة في ذاتياتها عار للعائلة كلّها، وبالتالي لا بدَّ من غسله بالدم.

هذه الأمور التي يتصدّى السيّد لتحريكها في الوعي الجماعي، يتطلّع من خلالها إلى "توفير الفاعليات الفكرية والاجتماعية والدينية، من أجل محاربتها واقتلاعها من النفوس، لتتحرّك الحياة في سلوك المرأة وسلوك الرجل على أساس الطبيعة القانونية المتميزة بالعدالة في حياة هذا أو حياة تلك".

3- مجالس عاشوراء: بين الممانعة بالعقيدة وذهنية الوجدان الشعبي

 يتصدّى السيّد لمسألةٍ هي من أخطر المسائل وأعقدها وأشدّها حساسيةً، حين يقدِّم إجابته عن الفكرة التي تدعو إلى حفظ عقائد العوام ورعايتها من كلِّ ما يثير الارتياب فيها، وخصوصاً أنّ هذه الفكرة تواجه مسؤولية التغيير الذي يصطدم باختلاط قيم الفكر والعقائد الثابتة الصحيحة، بقيم العادات والطقوس والتقاليد التي لا تستند إلى نصوص شرعية معتبرة.

في مقاربته لهذه الإشكالية، يعتبر السيّد أنّ الفكرة صحيحة في طبيعتها ومدلولها، فالعامة من الناس يمثلون القوَّة الضَّخمة التي تتحرك، فتحرك العمل الديني في كلّ مجالات الحياة التي تتحرك فيها، وهذا ما يجعل القيمة الكبيرة في توجيه العامّة وإثارة مشاعرهم الدينية لخدمة العقيدة ولحماية الإيمان. لكنّه يستدرك ليقول "إنّ هؤلاء الذين يثيرون هذه الفكرة لا يقصدون منها ذلك، بل يحاولون أن يصلوا بها إلى نتيجة خطيرة تتعلّق ببعض القضايا المنحرفة التي يمارسها العوام باسم الدين، حتى إنّهم اعتبروها من شؤون العقيدة الأساسية التي تصل إلى مرتبة القداسة، بحيث لا يجوز المسّ بها من قريب أو بعيد".

نقطة الانطلاق في تحليل السيّد، هي أنّ الرسالة تضع منهج التفكير ومنهج العمل، كما تضع العمل نفسه في إطاره التشريعي المناسب، وبذلك، فإنّ الأسلوب جزء من العمل. ولذلك، فإنّ الإسلام لم يترك للإنسان في كثير من المبادئ العامة الحرية في اختيار الأسلوب المناسب في تحقيقها أو تطبيقها على الواقع، فقد شرَّع للإنسان العبادة، ولم يتركه ليعبد الله كيف شاء، بل رسم له طريقة العبادة، وشرَّع للإنسان القواعد العامة للنشاط الجنسي، ولكنّه لم يترك الأمر للإنسان ليمارسه تحت أيّ عنوان، بل جعله في إطار العلاقات الزوجية، ثمّ حدَّد الطريقة التي تتحدّد فيها هذه العلاقة، بدءاً من كلمات العقد التي تقال وشروطه... الخ. وعلى ضوء ذلك، يؤكّد السيّد أنّه يجب دراسة العمل نفسه، لأنّه ربّما يسيء إلى الفكرة نفسها من حيث المعنى الذي يطبعها بطابعه.

من هذا المدخل، يقارب السيّد مسألة حبّ أهل البيت عند المسلمين الشيعة، وتعاطفهم مع أجواء المأساة التي تجسَّدت كأقسى ما يكون في تاريخ الأئمّة (ع)، وإعلانهم الاحتجاج المستمرّ المصبوغ بالدم، المتفجّر بالألم، والمتجسّد بالصورة الوحشية والهمجية التي مارسها طغاة تلك العهود ضد هذه الصفوة الطاهرة. فهذا عنده أمر ضروري لإبعاد الناس عن التعاطف مع تاريخ الطغيان وربطهم بتاريخ التضحية والشهادة، كطريقة تربوية لمواجهة الإنسان المسلم بتاريخه في سلبياته وإيجابياته، بعيداً عن كلّ القداسة الزائفة التي يثيرها الماضي في نفس الإنسان لإغفال الأخطاء الكبيرة أو تحويلها إلى مقدّسات اجتهادية تبرّر الخطأ باسم الاجتهاد. وهو ضروري أيضاً لأنّ الإنسان الذي يعيش الاحتجاج الدائم على خطوات الظلم التي صنعت المأساة الدامية، سوف يتحرّك ليمنع القوى الظالمة من صنع المأساة الجديدة للإنسان المعاصر، وذلك عندما يتحوّل مفهوم الثورة على الظلم إلى فكر وإحساس وحركة، وذلك كنتيجة طبيعية للتوجيه المستمرّ والتربية الواعية المتكررة.

  يؤكِّد السيّد أهمية إثارة التاريخ وإحيائه لتحقيق هذين الهدفين، لأنّ ذلك يجعل للتاريخ معنى يتحرّك في الحاضر ويتجسد في الواقع، لا مجرّد ماض يثير الزهو أو يفجر الدموع في الأعين. لكنّه يتوقف عند الأساليب المتَّبعة كتعبيرٍ عن هذا الحزن، فيستعرضها بدءاً بإقامة المجالس وطريقة حديث الخطباء، ثم الخروج بمواكب جماهرية تنشد الأهازيج، والتي قد يصاحبها اللّطم على الصدور العارية أو غير العارية، ومنها ضرب الظهور العارية وغير العارية بالسلاسل الحديدية التي قد تجرح وقد تترك آثاراً سوداء على الجسد، ومنها جرح الرؤوس بالسيوف حتى تسيل الدماء، فتصبغ الأكفان البيضاء التي يلبسونها على أجسادهم، ومنها إقامة الندوات الخطابية التي تتحدث عن المأساة من ناحية مداليلها الاجتماعية والسياسية وغيرها، مع استثارة الجوانب المأساوية بطريقة فنية رائعة، ومنها ما يصنعه بعض الهنود من إضرام نار كبيرة ثمّ المرور عليها بدون أيّة معاناة للألم، كذكرى للنار التي أضرمها قَتَلَة الحسين في خيامه (ع).

يريد السيّد من تعداد هذه الألوان من أساليب التعبير أن يقول إنّ الكثير منها نشأ وانتشر تعبيراً عن عواطف جامحة صدرت عن بعض الأشخاص أو الجماعات، فاستحسنها الآخرون، فأصبحت عادةً عاشتها الشعوب، وفرضت نفسها على الواقع الديني الشيعي كأقوى ما تكون التقاليد، وأعمق ما تكون العادات، لأنّها تنطلق في الأساس من موقع القداسة الدينية، لا من موقع العادات والتقاليد الاجتماعية المجرّدة. وهي ربّما انفصلت عن جذورها الدينية لدى بعض الأشخاص الذين لا يمارسون الالتزامات الدينية في أفكارهم وأعمالهم، ولكنّهم يتعاطفون مع مأساة أهل البيت ويحبّونهم من الأعماق، رغم أنّه لم يثبت وجود أسباب شرعية تستمدّ معناها من نصوص دينية، أو إيحاء من شخصيات دينية معصومة بمثل هذه الممارسات.

يناقش السيّد هذه الفكرة من جانبين: في الجانب الأوَّل، يعرض قضية الانسجام بين المأساة والأسلوب، فيقرّر أنّها مفقودة تماماً، لأنّ الحجّة التي يقدمها أنصار تلك العادات هي المواساة، أيّ إنّهم تعبيراً عن الحبّ لآل البيت، يشاركون في الحزن والألم. هنا يطرح السيّد السؤال: لمن المواساة؟ هل هي للشهداء، أو لمن يتعلَّق بهم؟ فإن كانت للشهداء، فما معناها في الدنيا بعد انتقالهم منها، وما معناها في الآخرة بعد أن كانوا في شغل شاغل عنها؟ وإن كانت لأهاليهم، فهم في رحاب الله، والقضية لا تعيش في هذا الإطار من اهتماماتهم، لأنّهم عاشوا الرسالة، وانطلقوا في التضحية والاستشهاد من خلال شعاراتها العامّة، لا من خلال شعارات الذّات. يرى السيّد أنّ طبيعة المواساة تتبع المأساة، فإذا كانت المأساة ذاتيةً كانت المشاركة من موقع الذّات، أمّا إذا كانت المأساة منطلقةً في طريق الرسالة، فلا بدَّ من أن تكون المواساة منبعثةً من ذلك. وعليه، يحسم السيّد الخيار، مؤكداً أنّ العلاقة الصحيحة مع آل البيت هي خارج العلاقة الذاتية؛ إنّها علاقة الولاية التي تمثّل المحبّة العملية، وتتمثّل بالاتباع والقدوة في السير على الطريق الذي ساروا فيه، والعمل على تحقيق الأهداف التي عاشوا لها. لذلك، يجب أن يكون الحزن سبيلاً للتعبير عن المأساة من خلال القداسة الرسالية لأبطالها، ما يعطي لمعنى الشهادة طابعاً إسلامياً مقدَّساً، يتمثّل في صورة المأساة السائرة في طريق الألم مع خطى الرسالة. وفي هذا الاتجاه، يجب أن يكون الأسلوب عند السيّد منسجماً مع مفهوم هذا الحزن، بحيث لا تفترق فيها المأساة عن وحي الرسالة أو عن تطلّعاتها الإنسانية الإسلامية، فيشعر الإنسان بأنّ هذه المأساة ليست مأساة الإنسان التاريخي، بل مأساة الإنسانية في كلّ مراحل الحياة، لأنّها نتيجة موقف القضية التي تجسَّدت في الذّات، وليست نتيجةً لموقف الذّات في إطار القضية.

يتساءل السيّد في نقده لبعض الأساليب: كيف يمكن التوفيق بين هذا كلّه وبين ضرب الرؤوس بالسيوف أو جرح الظهور بالسلاسل أو إدماء الصدور باللَّطم؟ ماذا تحقّق كلّ هذه الأمور من الهدف الكبير الذي عاشت له كربلاء واستمرت من أجل أن نعيش ونستمرّ في حياتنا؟ إنّها لا تحقّق إلاّ هدفاً عاطفياً ينفعل بشخصية الممثّل ولا ينفعل بشخصية البطل، فضلاً عن أنّ العاطفة لا تلبث أن تزول أمام عصف الرياح الهوجاء المضادة. أمّا النتائج السلبية لمثل هذه الممارسات في الواقع المعاصر، فيرى السيّد "أنّه إذا كان الزمن الماضي يسمح بوجودها لانسجامها والذهنية السائدة حينها، فإنّ الزمن اليوم لا يسمح بذلك، فقد أصبحت مثل هذه الأمور مثيرةً للنقد، لأنّها تعبِّر عن جانب الضعف في أسلوب التغيير، في حين أنَّ قيم الإسلام تدعونا إلى وعي حقيقة الصبر على المأساة. لذلك أصبحت بعض هذه الممارسات ممثّلةً للتخلّف في حياة الفكرة وأصحابها في نظر الناس، ما يلزمنا تغييرها إلى أساليب جديدة تختلف عنها في الشكل والفكرة ".

يدعو السيّد في الجانب الثاني من مقاربته لهذه المسألة، إلى التعمّق في دراسة علاقتها بالامتداد الديني في حياة الناس، بحيث لا يجوز عنده أن تتجمّد أساليب التّعبير عن هذه المناسبة الدّينيّة، فلا تتنفّس خارج نطاقها في أفق جديد وأسلوب جديد، حيث يجب أن يكون للدعوة في كلّ زمان أكثر من أسلوب وأكثر من وسيلة، فيجب البحث عمّا يحقّق الأهداف الأساسية، ثم يفسح لها في المجال لتعيش مع الوسائل القديمة المشوّهة، ليتعوّد الناس على الأجواء الجديدة، فينشأ لديهم ذوق مرهف، يألف الأشياء الموضوعية الرائعة، وينسجم مع الأساليب الهادئة الوديعة التي تنطلق من حياة الناس، لترفع مستواهم الفكري، وتربطهم بقضاياهم الكبيرة، من خلال ما توحيه المعاني الحيّة التي تملأ العقل والروح والحياة. وبذلك تزول الأساليب القديمة المشوَّهة، عندما ينفر الناس منها بشكل عفوي طبيعي هادئ، وهذا ما حدث في كثير من المناطق. يدعو السيّد إذاً وفق هذا الكلام، إلى التدرج والعقلانية في مواجهة هذه الممارسات والعادات، لتفادي سلبيات الصدمة العنيفة التي يحدثها العنف القاسي لإزالتها من الوجود. وفي كلامه تشجيعٌ لكلِّ الشخصيات المعروفة بالدين والاستقامة، للقيام بحملة توعية وتوجيه، ضمن خطة مدروسة تشرح ظروف نشوء مثل هذه العادات والممارسات، مقارنةً بالظروف الجديدة التي تقضي استبدالها بأوضاع أخرى تنسجم والتقدم الثقافي والاجتماعي الذي لا بدَّ من أن يترك أثره في هذا المجال.

4- السكان والتنمية

ينطلق السيّد في تحليله لهذه المسألة التي تثيرها اجتهادات معاصرة، وتقوم حولها مؤتمرات عالمية من قراءة موضوعية مرنة. فيقول: مشكلتنا في حركة الفكر هي الحديث عن المطلق، فنحن دائماً نتحدث عن السلبية المطلقة في هذا الجانب، والإيجابية المطلقة في ذاك الجانب. لكن الكثيرين منّا لا يتحدّثون عن سلب يختزن إيجاباً، أو عن إيجاب يختزن سلباً، وعن خير يختزن شرّاً أو عن شرّ يختزن خيراً. ونحن نعرف حتى في العقيدة الدينية، أن لا مطلق إلاّ الله، وكلّ ما عداه محدود، والمحدودية تعني أنّ الوجود في داخل حدوده هو أن يفقد شيئاً من بعض خصائص وجوده. الخير يختزن بعض الشرّ، والشرّ يختزن بعض الخير: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}(البقرة: 219). أن يكون الشيء خيراً، يعني أن تكون نسبة الخيرية في داخله أكثر من نسبة الشرية. وهكذا في السلب والإيجاب.

بهذا الموقف التحليلي، يقارب السيّد مسألة السكان والتنمية، رافضاً الثنائيات المسبقة أو اختزال أيّ قضية من قضايا الحياة بموقف أحادي مطلق، متسائلاً: هل يمكن أن نقول إنّ كثرة السكان هو موضوعٌ ضدَّ القيمة المطلقة؟ هل يمكن أن نختصر العالم في مشروع واحد هو في مضمونه ليس مشروع فكر، ولكنّه مشروع خصوصيات حياة وعناصر حياة؟ العالم كما يراه السيّد متنوّع في إنسانه وأرضه وفيما تختزن هذه الأرض، إنّه تنوّع في الكمّ وفي الكيف، لذلك من الطبيعي أن تختلف الخصائص والمشاريع بين الأمم. لذا، لا يمكن وضع قاعدة واحدة على كلّ المجتمعات لتخفيض الزيادة السكانية، فهناك عددٌ من المجتمعات تشكو من قلّة عدد السكان، لذلك هي تستورد السكان من بلدان أخرى، وهناك بلدان أخرى على العكس من ذلك. المشكلة أنّ هناك بلداناً تملك الكثير من السكان، لكنّها لا تملك الكثير من فرص التنمية. وعندما ندرس المناطق التي فيها خلل كبير بين حركة التنمية وحركة السكان، نجد أنّ القضية ليست كثرة السكان ـــ في كثير من عناصرها ـــ بل القضية تنطلق من فقدان مشاريع التنمية أو عدم توازنها.

يعتبر السيّد أنّ اعتبار كثرة السكان هو المشكلة غير دقيق بالمطلق، فهي أحد وجوه المشكلة، فمسألة التنمية هي المسألة المركزية التي يجب أن ينصبَّ التركيز عليها، وعند التركيز على هذه المسألة، يتبيَّن أنَّ القضية تعود إلى اللعبة السياسية الدولية التي تعمل على إخلال التوازن في هذا البلد أو ذاك. فالدول الكبرى تعمل على تحقيق الرخاء الاقتصادي لبلدانها على حساب رخاء البلدان الأخرى التي تختزن الثروات الطبيعية، وذلك بمصادرة هذه الثروات أو محاصرتها، سواء من ناحية حركة التصدير، أو حركة التسعير، أو من ناحية إثارة المشاكل والحروب. لذلك يرى السيّد أنّ قضية التنمية حاضرة بقوّة في موضوع تكاثر السكان، ولا يمكن مواجهة هذه المسألة بالتبسيط الذي أراد أن يواجهه مؤتمر السكان العالمي، فقضية التنمية والتكاثر السكاني ليست مواضيع منطلقةً من مسألة ذاتية، وإنّما هي منطلقة من مسألة الظروف الموضوعية لحركة التنمية عملياً. لذلك يرى السيّد أنّه عندما نريد أن نؤسِّس مشروعاً يتوازن فيه النَّاس في إنتاج النَّسل والحاجات أو عناصر الحاجات، فإنَّ علينا أن نفكّر في عالم يعيش إنسانيته، بحيث لا يمكن لقوّة كبرى أن تضغط على قوّة صغرى وتستغلّ مصالحها.

من خلال التجارب، نعرف أنّ مثل هذا العالم ليس موجوداً حتى في الخيال، وهذا يعترف به السيّد، لذلك فالمسألة عنده ليست مسألة إحصائيات سكانية فقط، إنّها مشكلة المجاعة، أو هي بالأحرى مشكلة عدم توازن توزيع الثروة في العالم. المشكلة تكمن ما بين الإنتاج والتوزيع، تماماً كما يصوّرها الأديب "برنارد شو" عندما سئل عن العالم كيف نصوِّره؟ قال: "كلحيتي وصلعتي، كثرة في الإنتاج وسوء في التوزيع"، فبعض الدول، ومنها أميركا، كانت في بعض الأوقات تحرق آلاف الأطنان من القمح، من أجل أن يبقى سعر القمح العالمي محافظاً على مستواه.

مع ذلك، لا يدعو السيّد إلى رجم من يتحدّثون عن ضرورة تنظيم النسل، وبغضِّ النظر عن خلفيات أصحاب الدعوة، يقول إنّ علينا أن ندرس المسألة دراسةً واقعيةً في حركة تقليل عدد السكان أو تكثيرهم، من خلال ظروف هذا البلد أو ذاك. ويطرح السيّد النظرية الإسلامية في هذا المجال باختلافها عن المفهوم المادي للغرب، لأنّها تنطلق من اعتبارات أنّ الإنسان هو صانع حركة الحياة ضمن السنن الكونية والاجتماعية التي تمثّل القوانين التي أودعها الله في الكون وفي حركة الإنسان والمجتمع، وفي هذا، يؤكِّد السيّد أن النظرية الإسلامية لا تتناقض مع نظرية السببيّة، فنحن نقول إنّ الله خلق الإنسان، مع أنّ الله خلقه من خلال نظام التناسل، تماماً كما خلق الزرع من خلال طبيعة القوانين التي أودعها في الأرض وفي البذور وفي الهواء وفي الشمس وما إلى ذلك. وعليه، لا فرق بين أن يكون الإنسان مسلماً أو غير مسلم، حين يفسّر كلّ الظواهر الاجتماعية والتاريخية والكونية تفسيراً علمياً دقيقاً في المرحلة الأولى، فكلّ منهما يرصد الظاهرة، أمّا الفرق بين ذهنية المادي والمؤمن، فيبرز في المرحلة الثانية، أي مرحلة بنيان العلاقة السببية بين الظواهر ومرجعيّتها.

وعلى هذا الأساس، يقول السيّد إنّنا كمسلمين ومؤمنين، نعتبر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والنفسية ليست مجرّد بلاء نزل علينا من الله بلا مناسبة أو من دون ارتباط عضوي؛ قد تحدث أشياء خارج نطاق المألوف، لكن حركة العالم ركّزها الله سبحانه على حسب الواقع الطبيعي. لذلك، يمكن أن نتحدَّث بأنَّ الإنسان يمكن أن ينحرف ويمكن أن يستقيم وأن يتحرّك في حياته من خلال أفكاره، وحركة الأفكار هي التي تمثّل حركة الحياة، لأنّ حركة الحياة هي صورة ما نفكّر فيه. أمّا الفكر المادي وخطّه في الحياة، فينطلق باعتبار الإنسان تماماً كأيّ شيء من الأشياء الموجودة، لا بدَّ من أن يخضع لمؤثّرات الأشياء المادية حوله. فعندما تدرس سعادة الإنسان، فإنَّ عليك أن تدرس مسألة اللذة، ومسألة الاكتفاء، وغيرهما من المسائل المادية في حياته. في مقابل ذلك، يبرز السيّد مفهوم القناعة عند المؤمن التي تجعله يوازن حركة المشاكل في حياته بطريقة لا يستطيع الآخر أن يوازنها، فيشعر بسعادة، انطلاقاً من مفهوم السعادة الروحية التي قد تعوّض ما يفقده من السعادة المادية.

يتناول السيّد مسألة الرزق باعتبار المؤمن ينطلق من أنّ الله هو الرازق، استناداً إلى الآية: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}(الطلاق: 2-3). فالإنسان الذي يختزن هذه الفكرة في داخله، يختلف في نظرته إلى طبيعة المشاكل الاقتصادية أو غيرها عن نظرة الإنسان الآخر في هذا المجال. ومن هذه الخلفية، يناقش الاختلاط الذي حدث بين مسائل تنظيم النسل ووسائل منع الحمل ومسألة الإجهاض والتعقيم، والضجّة التي أُثيرت حول هذه الأمور، فيقول: نحن ربّما نختلف مع الفاتيكان، لأنّ وسائل منع الحمل في النظرة الإسلامية ليست محرّمةً، إلاّ أنّ هناك تحفّظاً على وسيلتين: الأولى هي التعقيم، باعتبار التعقيم يمثّل قتل الطاقة، والله رخَّص لنا أن ننظّم طاقاتنا ونجمّدها. ولم يرخّص لنا قتل الطاقة التي تمثّل جزءاً من الحياة، فقتلها قتلٌ لجزء من حياتك، فأنت قادر على أن تغمض عينيك مدةً طويلةً، ولكن لا يجوز لك أن تفقأ عينك. لذلك، فالتعقيم محرَّم، سواء للرجل أو للمرأة.

والثانية هي الإجهاض، والتي تصوّر بالنسبة إلى المرأة وكأنّها قضية تتّصل بالجانب الذاتي عندها أو عند الرجل فيما يختصُّ بوليدهما. ولكنّ المسألة خلاف ذلك، فهناك شخص ثالث هو الحمل؛ إنّه مشروع إنسان وحياة جديدة. يشير السيّد إلى بعض الاجتهادات التي تقول إنّه إذا كان الحمل يضرّ بالمرأة ضرراً بالغاً جداً، يجوز الإجهاض. وحسب بعض الاجتهادات أيضاً، يجوز للمرأة أن تجهض حملها في حالات محدّدة لكن قبل نفخ الروح، أيّ قبل الأربعة أشهر. مع ذلك، يشدّد السيّد على ضرورة النظر إلى المسألة من الجانب الإنساني. لذلك، يمكن للإنسان أن يفكّر في تنظيم النسل خارج إطار هذين التحفّظين؛ التعقيم والإجهاض، مع تأكيد ضرورة عدم الاستغراق في المسألة، لأنّ القضية الأساس هي الموازنة بين مشاكل السكان ومشاكل التنمية.

يخلص السيّد من خلال استشهاده بحديث النبيّ (ص): "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا أومن قلّة يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السَّيل". في تحليله لهذا الحديث، يقول السيّد إنّ الكثرة هنا ليست ملحوظةً كقيمة، لذلك نجد أنّ الإسلام يرفض اعتبار الكثرة قيمةً بالمطلق. وعليه، يرى أنّه لا بدَّ من العودة دائماً إلى الواقع، ففي بعض الحالات، تكون الكثرة قيمةً سلبيةً عندما لا تتوافر العناصر التي تجعل منها قوّةً، وربّما تكون في حالات أخرى قوّةً. لذلك لا يمكن، حسب السيّد، القول إنّ القلّة ضد القيمة، لأنّ القيمة إنّما تتحرّك في الكثرة والقلّة بحسب النتائج الإيجابية التي قد تحصل في الواقع.  

5- القرآن والإنسان والبيئة

لا يفوت السيّد أن يعالج مسألة البيئة وعلاقة الإنسان بها من المنظور الشرعي، وهو يعتبر أنّ المثيرات البيئية، إمَّا أن تدخل في إطار المادة، كما في الأمور الطبيعية من الهواء والتربة والماء التي توجب انعكاساً في مسار الإنسان وسلوكه، وإمّا أن تدخل في الإطار المعنوي، كما في المحيط الاجتماعي، فتؤثّر في سلوك الإنسان وأخلاقه. ويستشهد السيّد بقصّة انتقال سيدنا إبراهيم (ع) بأهله إلى واد غير ذي زرع، ليستخلص منها أنّ الموطن الجديد أوجب تغييراً في السلوك. مع ذلك، يبقى السؤال عن مقدار هذا التغيير؛ هل هو على النحو المؤثّر الكامل، أو أنّه جزئي، أو يوجب التغيير في الجملة؟

يقول السيّد إنّ أثر الانعكاس البيئي في الجملة، هو على طبق قابلية المحل، ذلك أنّ بعض النفوس لا تؤثّر فيها الطبيعة المناخية، وإن عاش أصحابها ردحاً من الزمن، فالمؤثّر البيئي ربّما ينعدم أو يخفّ تأثيره كلّما تقدّم الإنسان بالعمر. فالإنسان إذا أخذ بسنّ مبكرة، تجده سريع الاستجابة والتفاعل، ويحصل منه القبول، وإن اختلفت نسبة الاستجابة والرفض، إلاّ أنّ لها الأثر في التغيير.

من الواقع، يستحضر السيّد أمثلته الحيّة، فيتحدث عن المسلمين الذين انتقلوا للعيش في الغرب، وما يحدث لهذه الأسر نتيجة ذلك، بدايةً في التأقلم ومشاكله، على مستوى المجتمع الصغير الممثل بالأسرة، والمجتمع الكبير، حيث تصطدم العادات والتقاليد الموروثة بالمجتمع الجديد. فالمجتمع الشرقي ترسَّخت فيه عادات وتقاليد تختلف عن عادات المجتمع الغربي، فإذا جاء الشرقي واندمج بالمجتمع الغربي واقتبس أخلاقهم بالجملة، يحصل الانفصام الأخلاقي والاغتراب الثقافي.

في الخلاصة، يعتبر السيّد أنَّ علاقة الإنسان بالبيئة إن كانت من الأمور التكوينية في الجانب الطبيعي أو المناخي، فارتباطها بالإنسان وتأثيرها فيه بيولوجياً يكون قوياً، أمّا من الناحية الاجتماعية، فهي علاقة جعل واعتبار يمكن أن يتغيّر الإنسان فيها من بيئة اجتماعية إلى أخرى ، لأنّها قائمة على الاعتبار والتغيير الاعتباري، أي أنّها ليست حتميةً بل إمكانيةً، فهناك حاكمية وراء البيئة، سواء كانت من جهة مادية أو معنوية، إلاّ أنّ دور الحاكمية من قبل العقل والشرع، لا يسير بلا ضوابط بكلِّ أطوارها وأشكالها. إذاً هناك ما يحدّد دائرةً لأثر البيئة، ولا يجعلها مرسلة العنان ومطلقة الحرية تتحكّم بالإنسان كيف تشاء، بل هناك موازين وثوابت تتدخّل في الموضوع، وتنطلق من الحكم الشرعي والحكم العقلي.

 

 

6- المسجد مركز للإشعاع الحضاري

يولي السيّد اهتماماً بالغاً بدور المسجد، ففي المسجد يلتقي الناس الذين يؤمنون بالله ليتعارَفوا ويتدارَسوا ويتعاوَنوا ويتوحَّدوا، وليشعروا بأنّهم يقفون صفاً واحداً متراصاً بين يدي الله. يقول السيّد، إن الله سبحانه أراد للمسجد أن يكون ساحةً للوعي، من خلال خطبة وصلاة الجمعة، ومن خلال المواعظ التي يعظ فيها الواعظون، ويبلِّغ فيها المبلِّغون في المسجد، فالرسول (ص) أعطانا كلَّ تراثه الرسالي في ساحة المسجد، كما أنّ عليّاً (ع) أعطانا أكثر حركته الثقافية الإسلامية من خلال المسجد. وهكذا كان المسجد مدرسةً للعلم، وساحةً للسياسة، ومنطلقاً للتدريب على السّلاح، وكان المسجد كلَّ الحياة الإسلامية.

لذلك، فإنّ ابتعاد المسلم عن المسجد، يعني ابتعاده عن ساحة الوعي الروحي، وعن ينابيع الروحانية التي يمكن للإنسان أن يغتسل بها وينهل منها، وعن كلِّ الآفاق الروحية التي يمكن أن يعيشها داخل المسجد. ولهذا، يمكن القول إنّ المسجد هو الموقع الذي يحمي به الإنسان نفسه من الانحراف، تماماً كما يحمي المقاتل نفسه من الرصاص أو القذائف التي توجّه إليه من قِبَل العدوّ.

ففي المسجد، يعيش الإنسان مع الله، فيقوم بعمليَّة حسابٍ لكلِّ الأشياء التي اقتحمت عقله وإحساسه وشعوره، وفرضت نفسها على لسانه وعلى حركته بعيداً عن الله، كما يقول السيّد، لأنّه في المسجد، يمكن للإنسان أن يشعر بحال الصّفاء والنقاء والطهارة الروحية. لذلك هو يرى في ابتعاد البعض عن المسجد ابتعاداً عن روحيّة الإسلام، إذ يبقى الإسلام عندهم مجرّد كلمات واستعراضات لا نبض فيها ولا روح. وفي ملاحظة نقدية لبعض من يتحرَّكون في خطّ المسؤولية، يلاحظ أنّهم بدأوا يعيشون الجفاف الروحي، فلا نبضة روح في كلماتهم ولا في مشاعرهم ولا في علاقاتهم.

ويحيل السيّد مظاهر الانحراف التي بدأت تصيب الجسم الإسلامي، والتي بدأت ترتسم من خلال عدم الوقوف عند حدود الله، ومن خلال كلمات الغيبة والنميمة والسباب والشتائم والقول بغير علم والتباغض والتقاتل، إلى الابتعاد عن المسجد الذي يحمي الإنسان من نفسه ويحميه من غيره ويحميه من الضَّلال. يجاهر السيّد بصوتٍ عالٍ بخوفه من هذا الابتعاد عن المسجد، والَّذي يقول عنه إنّه خوفٌ يشبه "الرعب"، ولا سيّما بالنسبة إلى الذين يمارسون مسؤوليّاتٍ إسلاميةً، فيقول: "لقد أصبحنا نلاحظ أنَّ الإنسان يبدأ في المسجد، ثم عندما يتسلَّم أيّة مسؤوليَّة، فإنّه يودِّع المسجد وداعاً أبدياً، إلاّ لمناسبةٍ سياسيّة يقيمها آخرون في المسجد". وفي صرخة قلب مجروح وعقل نقديّ واع يقول: "لذلك جفَّت ينابيع الروح في قلوبنا، وانحرفت طريق الأخلاق في مسيرتنا، وتقطَّعنا فرقاً وجماعات. ولذلك، فإنّ العدوّ الكافر والمستكبر قد برز إلى الإسلام كلّه، وقد هيَّأ كلَّ وسائل الهجوم. ومن هنا، علينا أن نهيّئ كلَّ وسائل الدفاع، بالعودة إلى متاريسنا، إلى مساجدنا، لنبدأ مع الله من جديد، لنحدّثه يومياً بكلِّ سلبيّاتنا وإيجابيّاتنا، وأن يعيننا بما يعين به الصَّالحين على أنفسهم".

تعكس هذه الكلمات الوعي العميق لدى السيّد لدور المسجد في بناء الشخصية المؤمنة من جهة، والدور الأعمق للمسجد في المجتمع كمركز للإشعاع الحضاري الرسالي، لذلك يخاطب المؤمنين بما يشبه الوصيَّة قائلاً: "إنّ المسجد هو موقع عزّكم وقوّتكم وكرامتكم ورشدكم، فلا تتركوا ذلك، لأنَّكم إذا فعلتم ذلك، فسوف تضيعون في متاهات الكفر والضّلال والاستكبار، ولن تنفع كلُّ الصرخات التي تنطلق من حناجركم، لأنّها لا تعيش في قلوبكم، ولن تنفعكم كلّ الكلمات التي تستعرضون بها ثقافتكم، لأنّها لا تنطلق من أعماقكم... ففي المسجد، في الصلاة، في الانفتاح على الله، في شمولية العلاقة به... نستطيع أن نبقى على الخطّ، على الصراط المستقيم الذي يربط بين العقيدة والسلوك، استناداً إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(الأحقاف: 13)".

ويرى السيّد أنّ حركة المسجد المعاصرة تحتاج إلى دور المرأة وإلى دور الرجل معاً، باعتبار أنّ الله تعالى قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}(التوبة: 71). لذلك، فهناك ولاية مشتركة يعيشها المؤمنون والمؤمنات في حركة الدعوة إلى الله والعمل في سبيله، وإذا كانت المراحل الماضية، بما فيها من أعراف وتقاليد، لم تفسح في المجال للمرأة لتمارس نشاطها المسجدي بقوّة وحيوية، فالظروف اليوم مختلفة، وتفرض على المرأة أن تعمل في المسجد كما يعمل الرجل، لتجتذب النساء، وليواجهن كلَّ التحديات المعاصرة التي تريد أن تنحرف بهنّ عن سواء السبيل. ولا يقبل السيّد العذر السائد الذي يقول "إنّ مسجد المرأة بيتها"، ففي هذا القول تقدير وتكريم لها ولدورها الزوجي والأمومي في البيت، لكن هذا دور المرأة الذاتي، أما المرأة الواعية، المرأة المبلّغة، المرأة الحركيَّة، المرأة التي تشعر بأنَّ الله يحمِّلها مسؤوليَّة القيام بالدَّعوة والجهاد بالكلمة والموقف، فلا يقتصر دورها العباديّ على بيتها، ويرى السيّد في الزهراء (ع) مثالاً وقدوةً في هذا المجال، حيث وقفت في المسجد تخاطب المسلمين من موقع المعارضة المبلِّغة، المنفتحة على قضايا الحقّ والإسلام، ليقول لكلِّ الفاطميات، إنَّ دوركنَّ ليس بعيداً عن المسجد، كما هو ليس بعيداً عن البيت وعن الحياة.

يخلص السيّد إلى أنَّ دور المرأة في المسجد في الظروف الحاضرة، هو دورٌ لا يبتعد في حكمه الشرعي عن دائرة الإلزام والوجوب الكفائي، لأنّها حين تبتعد عن هذا الدور، يفقد المجتمع طاقةً حركيةً حيّةً يمكن أن تساهم مساهمةً كبرى على مستوى الدعوة والتبليغ والجهاد من أجل النصر.

لكلِّ هده الأسباب، يشجِّع السيّد حركة بناء المساجد، لأنّ افتتاح مسجد "يعني أن تفتح للحريّة باباً، لأنَّ المسجد في إيحاءاته العبادية يخاطب الإنسان، أنّك عندما تقف بين يدي ربِّك، فإنّك تكون عبداً لله وحده، وحرّاً أمام العالم كلّه، وليس لأحد، أيّاً كان موقعه، أن يستعبد فكرك، فالله خلق العقل حرّاً، وقال له فكِّر كما شئت، ولكن تحمَّل مسؤولية فكرك... وخلق القلب، وقال له انفتح في كلِّ خفقاتك، ولكن لتكن خفقاتك للحبّ كلّه، للإنسان كلّه، وللخير كلّه".

بهذه الرؤية الإيمانية، يقدّم السيّد المعنى الحقيقي لوجود المسجد في المجتمع المسلم، وهو يذكِّر بأنَّ أوّل مشاريع النبيّ (ص) عندما هاجر إلى المدينة كان بناء المسجد، لأنّه أراد أن يوحِّد المسلمين، وأن يلغي ما كانوا يتفاخرون به من الانتماء إلى هذه القبيلة أو تلك، ففي المسجد، الجميع عبيد الله، موحّدون له ولا يستعينون بغيره. لذلك يطالب السيّد بأن تبقى المساجد لله، وأن لا يتمّ تطييفها أو مذهبتها، لأنّها للمسلمين جميعاً حتى لو اختلفوا في مذاهبهم داخل الإطار الإسلامي. 

ويؤكِّد السيّد أنَّ الإسلام أراد للمسلمين أن يصلّوا معاً، وأن يعبدوا الله معاً، وأن يستمعوا إلى الوعي الإسلامي من خلال الذين يملكون الوعي معاً، لكنّ التراجع الذي أصابنا، جعل المساجد تتمذهب وتتطيَّف، فهذا مسجدٌ للسنَّة ليس للشيعة أن يدخلوه، وذلك مسجد للشيعة ليس للسنَّة أن يدخلوه، حتى صار الإنسان الذي يتمذهب بمذهب غير مذهب أصحاب المسجد، يشعر بالغربة في ذلك المسجد. يرفض السيّد هذا الواقع بشدّة، ويقول إنّ المساجد للمسلمين جميعاً، وعندما يجلس المسلمون بين يدي الله سبحانه وتعالى، يعرفون من خلال هذه الروحانية التي تفيض عليهم في صلاتهم، ومن خلال هذه التقوى التي تمنحهم إيّاها الصَّلاة، كيف يتحاورون، وكيف يحلُّون خلافاتهم مهما كانت، وذلك بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله.

7- الأعياد بين التقليد ومسؤوليَّة المؤمن

يتَّخذ السيّد من الأعياد مناسبةً ليقف الإنسان أمام مسؤوليته في هذا اليوم الذي فقد في الغالب صلته الحقيقية بما يرمز إليه، وتحول إلى مجرد عادات وتقاليد موروثة يتمّ ممارستها من دون اتصال حقيقي بجذورها الدينية والاجتماعية، لذلك هي فقدت الحرارة التي تمدها بالحياة بسبب ما تراكم عليها من ضباب العصور المظلمة وجليدها، والذي جمّد كلّ ما في داخلها من حيوية وإشراق.

لا يريد السيّد هدم العادات والتقاليد وعزلها عن نطاق الحياة، وإنما يريد أن يبعث فيها الدفء والنضارة، لتشارك في دفع عجلة الحياة، ولتكون عاملاً فاعلاً في تحريك الحياة والمشاعر، فتبعث الوعي واليقظة والانطلاق نحو العمل الجدّي والمنتج، ولتحمل في الوقت نفسه المعاني والقِيَم الإسلامية الخالدة التي كانت تتمثَّل فيها عندما دخلت حياتنا لأوّل مرّة.

فالعيد، كما نعيشه اليوم، أصبح كأيِّ تقليدٍ أجوف فَقَدَ معناه، وأصبح عبئاً لا فائدة منه سوى ما يجنيه العابث من عبثه، وتحوَّل إلى مجرَّد يومٍ من الأيام لا يختلف عنها إلاّ برسمياته وشكلياته. العيد الذي يدعو إلى استعادته السيّد، هو الذي نحيا فيه القيمة الإنسانية والتفاؤل والمرح والطمأنينة والاستقرار الروحي، إنَّ مثل هذا العيد هو ما نفتقده، فهو لا يزال يتمثَّل في الصورة التي يتمثّلها الأطفال للعيد، من ملابس جديدة، إلى حلوى وألعاب ونحو ذلك.

يرى السيّد أن هذا ما يطلعنا على ظاهرة جديدة من ظواهر حياتنا الاجتماعية، وهي ظاهرة الطفولة التي لا تزال تعيش في أعماقنا، وتوجّه تصرفاتنا وحركاتنا، حتى لا نكاد نفقه من المعاني الكبيرة إلاّ النذر اليسير. لذلك يرى ضرورة إعادة النظر في كثير من المفاهيم المتداولة عبر المفهوم الروحي للعيد.

فالعيد هو الفرحة التي جعلها الله للإنسان ليدلِّل على سموّ إنسانيّته في مجال القيم، وليشعر وهو في هذا الجوّ الروحي، بالأخوَّة التي تربطه بأخيه الإنسان في فرحة الحياة، وبالوحدة الشاملة في المشاعر، حتى ليشترك مع الطّفل الصّغير في مرحه، ومع الشيخ الكبير في سروره، ومع الشابّ المنطلق في أشواقه وأحاسيسه ومشاعره. من هنا، يجد السيّد التفسير الصحيح لما ورد في الأحاديث المأثورة من استحباب التزاور، والإحسان إلى الإخوان، والصلح في ما بينهم، وغير ذلك من الأساليب التي تجلب المودّة والمحبة والصفاء في أيّام الأعياد. هذه هي أحد المعاني التي يدعو السيّد إلى استلهامها والاستفادة منها في الأعياد، لما تحمله من معان وقِيَم. الأعياد إذاً ليست محطّةً تمثّل الفرح المادي في تطلّعات التوّاقين إلى ساعاتها ولحظاتها في الزمن، لكنّها، كما يرى السيّد، محطة من محطات القيام بالمسؤولية، بحيث تكون منطلقاً للتأمّل على مستوى حسابات الربح والخسارة فيما هي النتيجة في حسابات العمر، ليكون الفرح الروحي الَّذي يشعر فيه الإنسان بالطمأنينة في نطاق خدمته للبشرية، وقيامه بالدَّور المطلوب منه بلحاظ إمكاناته وطاقاته.

فعيد الفطر في المفهوم الإسلامي، يمثِّل محطة الاحتفال بالقيام بالمسؤولية بعد صوم شهر رمضان الذي يمثِّل مساحةً زمنيّةً لصناعة الإرادة والتحلّي بالصبر وتحسّس آلام الناس، كما أنّ عيد الأضحى يمثِّل تخليداً لمفهوم التضحية في استعداد إبراهيم (ع) للتضحية بولده إذا أراد الله منه ذلك، وهو ما يذّكر المؤمن ويطلّ به على البعد الروحي والقيمي للعيد.

يرى السيّد أيضاً، أنّ ميلاد السيّد المسيح يطلُّ بنا على هذه المعاني كلّها، فالسيّد المسيح (ع) لم يكن همّه أن يعيش الجوانب المادية على حساب رسالته للناس، بل كان يتطلَّع إلى السَّلام بكلِّ أبعاده الروحية في حركة الحياة، وإلى العدالة وإلى القيم الروحية التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان.

كذلك الأمر بالنسبة إلى الأعياد الوطنية التي تغلب عليها الطريقة الاستعراضية، إذ يرى السيّد أنّه ينبغي أن تكون مناسبةً للتأمّل والبحث في كيفية تركيز استقلال البلد وتركيز وحدته وصون سلامه الداخلي، فالأعياد تمثّل القيمة من خلال انفتاحها على قضايا الناس وتطلّعاتهم، لكنّها تحوّلت في كثيرٍ من الممارسات إلى مناسباتٍ للَّهو والعبث والسقوط أمام زحمة التقاليد العابثة، وفي ساحات الغرائز المستنفرة. لذلك يشدِّد السيّد على أنّ معنى الاحتفال بالسنة الميلادية أو الهجرية، هو أن ننطلق لنجعل الأمَّة تنفتح على السنة الماضية بكلّ الإرهاصات أو الإنجازات الَّتي تحقَّقت، لتخطِّط للمستقبل بحركة واعية تتجاوز ما أمكن من سلبيات، لنجعل البلد رائداً بين البلدان، والأمة رائدةً بين الأمم.

لا يريد السيّد أن ينكر على الناس فرحهم المادي بالعيد أو بأيِّ مناسبة، لكنّه يريد أن يجذبهم إلى الفرح الروحي في الوقت نفسه، في ربطٍ بين معنى المسؤولية الإنسانية والمسؤوليّة الوطنية، لتكون الأعياد محطّةً للارتفاع بالفرح الإنساني، ولتكون العلاقة المتبادلة في التهاني والزيارات، حركةً في صوغ الأمن الاجتماعي والسياسي، وفي الإطلالة على مستقبلٍ واعدٍ للوطن، يفرح فيه الجميع في تجاوز المحن والأفخاخ التي نصبها أعداء الوطن الّذين هم أعداء الفرح وأعداء الإنسان.

8- في المخالطة والتّفاعل الاجتماعي وأدب الحياة

يولي السيّد هذه المسألة اهتمامه، لأنَّ الإنسان مدني واجتماعي بطبعه، وفي نفس كلّ إنسان فراغ يملأه الآخر، ليس فقط فيما بين المرأة والرجل، بل إنّ الرجل بحاجة إلى الرجل الآخر، بحاجة إلى صداقته ومودّته، وبحاجة إلى التعاون في الحياة كلّها، وكذلك حاجة المرأة إلى المرأة في كلّ ذلك. يستحضر السيّد الأحاديث النبوية ووصايا الأئمة التي تشجع على حسن المخالطة القائمة على الحبّ والخير والتعاون والمساعدة، ومنها ما ورد عن الإمام عليّ (ع) في وصيته إلى الإمام الحسن: "يا بني، اجعل نفسَك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها"، ومنها ما يتعلّق بأسلوب المخالطة: "خالِطوا الناس مخالطةً إن متّم معها بكوا عليكم  ـــ لأنّكم تملأون حياتهم بكلّ هذا الزخم من المشاعر الصادقة الطاهرة ـــ وإن عشتم حنّوا إليكم". لذلك كان للوصايا الأخلاقية في أدب الحياة عند السيّد مكانٌ مرموق، فهو يكرّرها على مسامع مريديه، ويستحضرها من تراث الأئمة وزادهم، ومنها: "كفاكَ أَدَبَاً لنفسك، اجتناب ما تكرهه في غيرك". ومنها: "ولا تقل ما لا تعلم وإن قلَّ ما تعلم"، بمعنى اقتصر على ما تملك ثقافته، ولا تتكلّم بما لا تملك علمه لتحصل على ثقة الناس واحترامهم لك. "ولا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك"، لا تبادر النّاس بالكلمات الّتي لا يحبّونها.

مثل هذه المفردات الأخلاقيّة، تشعر بأنّ للناس حقّاً عليك، تماماً كما أنَّ لك حقّاً على الناس، وأنّ هناك توازناً بينهما. ويبلغ كلام النبيّ (ص) القمّة في ذلك، عندما يربط بين أن تكون مؤمناً وبين هذا المعنى الذي يشدّد عليه السيّد، في هذا الحديث الشّريف: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها".

يطلب السيّد عدم إهمال التحيّة، ففي القرآن الكريم: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}(النساء:86). والمبادر يبقى هو صاحب الفضل. وفي هذا المجال، يستحضر حديثاً للإمام عليّ (ع) يقول فيه: "أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم"، فمن يعجز عن تكوين علاقات الصداقة مع الآخرين، يكن من أعجز الناس، ومن يفرّط بما كوّنه من علاقات مع الآخرين، يكن أكثر عجزاً، فالمهم أن تجتذب أصدقاءك وتحتفظ بأخوّتهم. وفي أساليب إزالة الشوائب التي تعتري هذا النوع من العلاقات، يستشهد السيّد بحديث الإمام (ع): "عاتِب أخاك بالإحسان إليه، واردد شرّه بالإنعام عليه". فليكن العتاب بالسلام والمعانقة والمودة، لأنّ المؤمنين أخوة. ولا يرى السيّد ضرورةً للتكلّف بين الأخوة، فعن الإمام عليّ (ع) أيضاً: "شرّ الإخوان ما تُكلّف له"، لأنّ الأخ الحقيقي لا تتطلّب أخوَّته مثل هذا التعظيم والتكريم والتكلّف.

في أصول المخالطة وأدب الحياة، هل يجب أن نحبّ حبّاً أعمى أو نبغض بغضاً أعمى مائة في المائة؟ يجيب السيّد عن هذا السؤال، مستلهماً قدوته وإمامه عليّاً (ع): "أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما"، ففيه يجد السيّد الجواب الذي يفترض أن يحتفظ كلّ إنسان لنفسه بشيء من التحفّظ والحذر، فيقول: لا تنسف كلَّ الجسور مع مَن تبغضه، بل أبقِ جسراً يمكن أن يعود إليك عبره أو تعود إليه عبره. وهذا ما يراه السيّد، لا يجب أن يقتصر على الجوانب الأخلاقية الشخصية، بل ينبغي أن يشمل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إذ إنّه لا تقاطع ولا تواصل بالمطلق على المستوى السياسي، فلتكن هناك مساحة لا تشملها القطيعة، يمكن الرجوع إليها عندما تتغير الأمور، كأن تكون هناك ضرورات أو وقائع أو مصالح تفرض العودة.

وفي هذا المجال، يشدّد السيّد على إبراز أهمية مفهوم الجار في النصوص الدينية، وفي الخطّ الأخلاقي الّذي يربط الإنسان بالإنسان على مستوى الحقوق اللازمة والمستحبة. ويعتبر أنّ النصوص الإسلامية أعطته مكانةً خاصةً، استناداً إلى الحديث النبويّ الشّريف: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه"، وعن الإمام عليّ (ع) قوله: "إنّ رسول الله قال في صلة الجار المسلم: ما آمَنَ بي مَنْ بات شبعان وجاره جائع". يعتبر السيّد أنّ الحرص الإسلامي الشديد على العلاقة مع الجار، يعود إلى كون القرب بالبيت أو المحلة يجعل الناس الذين يعيشون في دائرته في حال تواصل دائم، ما قد يؤدّي إلى مشاكل دائمة من خلال تصادم الحاجات والمصالح. وعليه، فإنّ حماية المجتمع ووضع آلية تحدُّ من الخلافات وتشيع أجواء التعاون والألفة، مسألة في منتهى الأهمية، وليس هناك أفضل من إدخال العنصر الروحي في العلاقة بين الجيران، حيث يحسُّ الإنسان بالقرابة الروحية التي يرعاها الله، وبالالتزامات الشرعية التي يحبّها لعباده، فيصبح التقرّب من الجار والحرص عليه، والتجاوز عن مساوئه والإحسان إليه، وحسن الظنّ به وغضّ النظر عن محارمه، تقرّباً إلى الله ومرضاة له.

يحذِّر السيّد ممّا يسمّيه "الذهنيَّة العقربيَّة"، تلك الذهنية التي تنفتح على الحياة وعلى الإنسان من موقع العقد السوداء التي تحكم نظرته إلى الواقع وإلى المجتمع، لأنّ من يعيش هذه الذهنية، يتحرّك غرائزياً، ويلسع كلَّ من يلتقي به، كما تلسع العقرب كلّ ما تلتقي به، وهذا نموذج من نماذج المفسدين في الأرض. ومن مظاهر هذه الذهنية، أعمال السحر والألاعيب التي يقوم بها الذين يعيشون على غفلة الناس، وعلى الخداع والتضليل بأنّهم قادرون على أن يفرّقوا بين المرء وزوجه، أو أن يحلّوا بعض المشاكل التي تصيب الإنسان ببعض ما يكتبونه أو ببعض ما يلعبون به، وهكذا، قد يتصوّر بعض الناس، كما يقول السيّد، أنّ الجنّ قد تلبَّسهم، وأنَّ هؤلاء قادرون على إخراج الجنّ من أجسادهم. والسيّد يحذِّر من هؤلاء الذين يحاولون خديعة الناس واستغلالهم حتى يحصلوا منهم على المال.

يذكِّر السيّد بأهمية الكلمة، فكثيرٌ من النَّاس يتكلّمون بدون أن يفكّروا، أمّا العاقل فلا، لأنّ لسان العاقل وراء قلبه، فالعقل سيِّد كلّ الأعضاء؛ وهو سيّد حركة الإنسان. ويستحضر السيّد كلام الإمام عليّ (ع) في هذا المجال، الّذي يفرّق بين الأحمق والعاقل بالكلمة، فيقول (ع): "لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه". فالعاقل يفكّر في نتائج الكلمة قبل أن ينطقها، فإذا رأى نتائجها خيّرةً نطقها، وإذا رأى أنّها تخلق الفتنة بين الناس يقول للسانه أمسك نفسك. هذا هو الفرق. فاللّسان عند السيّد جندي من جنود العقل، والعقل هو القائد، أمَّا الأحمق، فاللّسان هو القيادة، والعقل وغيره من الأعضاء هم الجنود.

لهذا السبب، يتوقَّف السيّد عند ظاهرة السباب والشّتم التي تنتشر في كثير من المجتمعات المتخلّفة، فيعتبر أنّ من يتوجّه بالسباب والشتم إلى آخرين، إنّما يفتح الباب ليستجلب لنفسه وأهله إساءاتٍ مماثلة، وهو يذكِّر بالقرآن الكريم: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}(سورة الأنعام:17). فهذه المعادلة القرآنية واضحة الدلالة تجاه الذين نختلف معهم في العقيدة، هؤلاء الذين يعبدون غير الله، أو يلتزمون نهجاً غير الحقّ، لا يجب أن نسبّهم أو نشتمهم، إذ ما الفائدة من ذلك؟ يتساءل السيّد؛ هل نهديهم سواء السبيل عندما نسبّهم ونسبّ مقدّساتهم ورموزهم، أم نزيدهم تعصّباً ونجعلهم بذلك يبادرون إلى ردّ الإساءة؟ لذلك يطلب السيّد من المؤمنين قول الكلمة الطيبة التي تكون حُجّةً وصواباً. ويستحضر السيّد مثاله الأعلى دائماً، الإمام عليّ (ع)، وهو في ذروة صراعه مع أعدائه، والذي يقول في هذا المجال: "وقولوا مكان سبّكم إياهم: ربّنا احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتّى يعرف الحقّ من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به". هذه هي الروحية التي يريد السيّد تعميمها بين المؤمنين اليوم.

ينادي السيّد بأن يكون مجتمعنا مجتمع الكلمة الطيّبة، لا مجتمع الكلمة الخبيثة، فهي الطريق الأسهل إلى عقول الناس، سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع أو في ساحة العمل السياسي والاجتماعي. أن يكون مجتمعنا مجتمع الكلمة الطيبة، يعني أن نربح بالصبر حتى نجتذب الآخر إلى الحقّ. لهذا يطالب السيّد بتربية النفس على نبذ السبّ والشتم كأسلوب في حلِّ الخلافات، ويعلن أنَّ هذا الأسلوب حرام ومعصية، فلا الزوج حرّ في سبّ زوجته، ولا الأب حرّ في أن يسبَّ ابنه، ولا صاحب العمل حرّ في أن يسبّ العمال لأنّه يعتبرهم عبيداً، كلّ ذلك يعتبر معاصي على المؤمن أن يستغفر الله منها.

ويحذِّر السيّد من الطعن في الناس خلال السبّ والشتم الَّذي يصبح مضاعفاً في هذه الحالة، فإذا اختلفت مع شخص، فما ذنب أبيه وأمه أو عشيرته؟ شرعاً هو أساء إليك، فلماذا تسيء إلى أهله؟ القضايا الشرعية دقيقة جداً، وحسابها كبير، ولا بد للإنسان من أن يسيطر على أعصابه، ويتذكَّر قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}(الهمزة:1). يخلص السيّد إلى ضرورة أن تكون وسائل الصّراع والخلاف مهذّبةً ومعقولةً، حتى يمكن أن نصل إلى النتائج التي تنسجم مع سموّ الرسالة وأهدافها.

 

 


المراجع والمصادر

         مجموعة محاضرات وخطب وحوارات وأحاديث للسيّد محمّد حسين فضل الله:

 

ـ الندوة، سلسلة ندوات الحوار الأسبوعية بدمشق، ج 6، دار الملاك، 1420هـ، 2000م.

ـــ الندوة، ج2، دار الملاك، بيروت، المجلّد الثاني، ط4، 1998.

ـــ الندوة، ج3، دار الملاك، بيروت، ط 1، 1998.

ـــ الندوة، ج4، دار الملاك، المجلّد الرابع، 2000م، 1421هـ.

ـــ الندوة، ج5، دار الملاك، ط 2، 2000م.

ـــ الندوة، ج7، دار الملاك، ط 1، 2000م، 1421هـ.

ـــ الندوة، ج9، دار الملاك، ط 1، 2002م، 1422هـ.

ـــ الندوة، ج10، دار الملاك، ط 1، 2002م، 1423هـ.

ـــ الندوة، ج11، دار الملاك، بيروت، ط 1، 2003م، 1424هـ.

ـــ الندوة، ج13، دار الملاك، ط 1، 2004م، 1425هـ.

ـــ الندوة، ج15، دار الملاك، ط 1، 2005م، 1426هـ.

ـــ الندوة، ج16، دار الملاك، ط1، 1427هـ، 2006م.

ـــ مجلّة المعارج، الأعداد 36 ـ 38 لعام 1998.

ـــ الإسلام ومنطق القوة، دار الملاك، بيروت، ط4، 1423هـ، 2003م.

ـ اتجاهات وأعلام، حوارات فكرية في شؤون المرجعية ، الحركة الإسلامية، دار الملاك، لا. ط، لا.ت.

ـ أسئلة وردود من القلب، دار الملاك، بيروت، ط 4، 2004، حاوره وضَّاح يوسف الحلو وإسماعيل فقيه.

ـــ أسلوب الدعوة في القرآن، دار الملاك، بيروت، ط 6، 1480، 1960.

ـــ العيد في خطِّ الرسالة، من أجل الإسلام، دار الملاك، بيروت، 1425هـ/2000م.

ـــ نداءات للوطن والأمَّة، المركز الإسلامي الثقافي، 2007.

ـــ الإنسان والحياة، دار الملاك، بيروت، ط 3، 1421هـ،2001م.

ـــ دور المساجد في بناء الأمَّة وتأصيل حداثتها، دار التآخي، دمشق، 2007.

ـ المرأة بين واقعها وحقها في الاجتماع السياسي الإسلامي، دار الثقلين (ندوة حوارية)، سلسلة منشورات مركز شؤون العمل النسوي، 1995م، 1415هـ.

ـــ مع الحكمة في خطّ الإسلام، مؤسّسة الوفاء، ط 1، 1406هـ، 1985م.

ـ (الجمعة، منبر ومحراب)، سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، توثيق لخطب الجمعة 1988، إعداد المركز الإسلامي الثقافي، دار الملاك، ط 2، 1418هـ، 1997م.

ـ صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، إعداد شفيق الموسوي، دار الملاك، بيروت، ط 1، 1428هـ، 2007م.

ـــ خطاب الإسلاميين والمستقبل، حوار مع غسَّان بن جدو، دار الملاك، بيروت، 2001.

ـ دنيا الشباب، في حوار مع السيّد محمّد حسين فضل الله، مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت، 1995.

ـــ رسالة إلى المغتربين، دار الملاك، بيروت، 2004.

ـــ على طريق الأسرة المسلمة، دار الملاك، بيروت، 2003م، 1423هـ.

ـــ الأخلاقيات الطيّبة وأخلاقيات الحياة، دار الملاك، 2002م، 1423هـ.

ـــ رسالة التآخي، توزيع دار الزهراء (بدون تاريخ).

ـــ محاضرات حول الصداقة والصديق، دار الملاك، بيروت، 1422هـ، 2001م.

ـــ آفاق الروح في أدعية الصحيفة السجادية، ج 1، دار الملاك، 1420هـ، 2000م.

ـــ بيّنات، حوارات فكريّة في شؤون الدين والإنسان والحياة، دار الملاك، 1420هـ، 1999م.


قضية المرأة

                                                            أمان كبارة شعراني

                                                         رئيسة الإتحاد النسائي اللبناني، أستاذة              

                                                            جامعية في الآداب والتربية

مقدمة : واقع المرأة المسلمة

أولاً: المفهوم الإسلامي عن المرأة

المرأة إنسان- قيمة المرأة الإنسان.المساواة والمرأة

الحرية والمرأة

ثانياً: الزواج في الإسلام

  1. عقد الزواج وشروطه

   - الصيغة

   - الشاهدان

   - وجود رجال دين

   - الفرق بين عقد الزواج المدني والعقود التجارية

   - الالتزام بالزواج

   – المهر

   - العصمة في عقد الزواج

   - إكراه الفتاة على الزواج

   - تعهّد الرجل بعدم ضرب زوجته


2- القيمومة

- تفسير الآية

التفسير اللّغوي

الاختيار في الزواج

3- أنواع الزواج

تعدّد الزوجات

زواج النبيّ بالنساء

العلاقة الجنسية في الزواج المتعدّد

الزواج بالإكراه

الزواج المبكر

الزواج العرفي

زواج المتعة

الزواج من أقارب

الزواج من أجنبية

الزواج من نصرانية

زواج المسيحي بالمسلمة

الزواج المدني

زواج المسيار

زواج الخطيفة

زواج المقايضة

الزواج بنيّة الطلاق

زواج المرأة الحامل

الزواج بابنة مَن أقام معها علاقة غير شرعية

 

4- العلاقات الزوجية بين المرأة والرجل

      أ- مفهوم العلاقات الزوجية والمسؤولية المشتركة

      ب- إساءة المرأة إلى زوجها

      ج- إساءة الزوج إلى زوجته

 

ثالثاً: الحجاب في الشريعة الإسلامية

  1. فلسفة تشريع الحجاب
  2. معنى الحجاب وفوائده والحكمة منه
  3. الالتزام بالحجاب والرفض والامتناع والإجبار
  4. استفتاءات السيّد حول الحجاب
  5. الحجاب والعولمة

 

رابعاً: الإرث في الإسلام

1- حقّ النساء في الإرث

2- توزيع الإرث ومنع الإناث منه

 

 

خامساً: الصلاة والحجّ للمرأة

1- التكليف بالصلاة

2- الصلاة مع الزوج

3- الصلاة في المسجد

4- الحجّ من دون محرم

 

سادساً: حقوق المرأة المسلمة

1- حقوق المرأة الإنسانية

2- حقّ المرأة في النموّ العقلي والاجتماعي

3- حقّ الأم ورضاها

4- الحقّ في الزواج

5- الحقّ في الطلاق

6- حقّ العانس

7- الحقّ في امتلاك عناصر القوّة

8- الحقّ في التعلّم

9- حقّ المرأة في العمل

10- الحقّ في المشاركة السياسية

11- حقّ المرأة في الإمامة

12- حقّ المرأة في الاجتهاد الفقهيّ وأن تكون مرجعاً

13- حقّ التصرف في الأموال

14- دور المرأة في عاشوراء

15- حقّ الاستشهاد للنساء

16- حقّ المرأة في الحماية والأمان

17- المرأة وأحكام الزنا

18- حقّ المرأة في التمتُّع الجنسي

19- اللّقاح الاصطناعي وتأجير الأرحام

 

سابعاً : استفتاءات متفرّقة

1- وسائل منع الحمل والإجهاض

2- الوشم (دهون الوجه والعطر)

3- وضع العدسات الملوَّنة

4- الصداقة مع المرأة

5- المراسلة في الإنترنت

6- فحص الطبيب للمرأة

7- التبرج والتظاهر بالفسق

8- الرقص والتمثيل والموسيقى والغناء والإنشاد..

9- إجهاض المشوهين

10- خيَّاط النساء

11- تحديد المولود

12- الحبّ والغزل

13- الجمال

14- السباحة

15- مصافحة النساء

ثامناً: صفات المرأة

1- الزهراء

2- زينب

3- صورة المرأة في عاشوراء

4- دور المرأة المسلمة المعاصرة


أراد سماحة العلامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله أن يشير إلى حركة واقع المسلمين، ونظرته إلى مجتمعاتهم. وهو واقعٌ يواجه فيه المؤمنون والمؤمنات والمسلمون والمسلمات عدداً من التحدّيات أهمّها ما يواجهه الإسلام في المواقع المتقدمة من الكافرين والمستكبرين، وما يواجهه في داخل مجتمعاته من سيطرة الانحراف الفكري والأخلاقي والعملي. يقول السيّد: "إننا نحتاج إلى أن نجمّد كلّ السلبيات التي بدأت تأكل إيماننا من الداخل، وتأكل كلّ قوة الإيمان في الخارج، وأن نجمّد كلّ الهوامش لننطلق إلى عمق الساحة، لنرى كيف يعلن الكفر كلّه الحرب على الإسلام كلّه، وكيف يعلن الاستكبار الحرب على المستضعفين كلهم، ولنعرف كيف يجب أن نتحمّل مسؤولياتنا، وكيف يجب أن نرتفع بكلّ هذه المسؤوليات إلى الآفاق الكبيرة، حتى ينطلق المؤمنون والمؤمنات معاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معاً في مواجهة الطغيان والاستكبار، معاً في الدعوة إلى الله والعمل في سبيله".

ويضيف السيّد أنّ هذه المرحلة تفرض علينا التزام المسؤوليَّة في أعلى درجاتها، وسوف يحاسبنا الله ويسألنا: كيف استرخيتم، وكيف هربتم من الساحة، وكيف فررتم من الزحف، وكيف بخلتم بطاقاتكم على الإيمان والمؤمنين والإسلام والمسلمين؟!

ويقول السيّد: إنّه "منذ لقائي بالإنسان في مشاكله وقضاياه، شعرت بأنّ المجتمع هو مجتمعٌ ذكوري، وأنّه يضطهد فعلاً المرأة بفكره، بتصنيفها كإنسان من الدرجة الثانية، " واكتشفت أنّ الإسلام الذي تشرَّبته يريد للمرأة أن تكون إنساناً حقّاً، ويريد للرجل أن يشعر بإنسانيتها هذه، وأن يتكامل معها في إنسانيته".

وهكذا تولَّد لديه الاقتناع بأنَّ على المرأة أن تتعلَّم وتبرع في العلم، وأن تطلق العنان لفكرها لتكتشف الحقيقة، وأن تدخل معترك التجربة تماماً كالرجل.

وبما أن السيّد كان ينظر إلى المرأة كإنسان يفكر ويعمل ويشارك الرجل في صنع الحياة، فقد خصَّص الكثير من محاضراته ودراساته وكتبه ومواعظه في مختلف المحافل، لإظهار قيمة المرأة الإنسان في الأسرة والمجتمع، وأن لا فرق بين إنسانية الرجل وإنسانية المرأة، فيما يتميّز به الإنسان كالعقل والعاطفة والطاقة وإمكانية التطور.

ويعتقد السيّد أنّ المرأة ظلمت على مدى التاريخ، وعزلت عن المعرفة والتجربة، ولذلك ظلّ طوال خمسين عاماً يدعو المرأة إلى أن تثق بنفسها وأن تنفتح على خطوط المعرفة من أجل أن تمنح وطنها ومجتمعها وأمّتها الكثير من قدراتها وفكرها وتجربتها.

ولقد قمت بجهد كبير، ولكن متواضع، لجمع كلّ أفكار السيّد وأقواله عن المرأة من مصادر ومراجع جاءت في خطاباته ومحاضراته وكتبه ونشراته الإعلامية وفتاويه، وحاولت أن أصنّفها تصنيفاً يسهل على الباحث أو القارئ الاطّلاع عليها في موضوعات أساسية تناولها السيّد، ومنها:

أولاً: المرأة الإنسان والمساواة والحرية.

ثانياً: الزواج في الإسلام.

ثالثاً: الحجاب في الشرائع الإسلامية.

رابعاً: الإرث في الإسلام.

خامساً: الصلاة والحجّ للمرأة.

سادساً: حقوق المرأة المسلمة.

سابعاً: استفتاءات متفرقة.

ثامناً: استلهام صفات المرأة المسلمة.

تاسعاً: دور المرأة المعاصرة.

وقد عملت جاهدةً في هذا الموضوع على أن أقارب فكر السيّد ولغته بموضوعية، من خلال اقتباسها من مصادرها الأساسية، وأن لا تغيب عنّي فكرة دون وضعها في الترتيب الذي يتّصل بالموضوع.

وأرجو من الله أن أكون قد أدّيت قسطاً بسيطاً من جمع جزء من تراث السيّد الزاخر بالفكر العميق، والقلب الواسع، والروح الطاهرة، والمواقف الجريئة تجاه المرأة المعاصرة والرجل المعاصر، لأنّهما لا يفترقان في عناصر الإنسانية العميقة.

وحرصاً منّا على توثيق المعلومات، ذكرت في الملحق قائمةً بالمصادر التي اعتمدتها في إعداد هذا الموضوع عن المرأة.

واقع المرأة المسلمة

تعيش المرأة العربية اليوم، في رأي السيّد، بين مظهرين؛ فهناك المرأة العربية التي تعيش ثقافتها من الأفلام وقصص الحبّ والغرام، والتي تعتبر أنّ الحرية الجنسية بدرجاتها المتفاوتة هي التي تمثّل حرية المرأة، وفي الدائرة الأخرى، هناك المرأة الملتزمة التي ترتدي الحجاب على أساس احترام إنسانيّتها، لأنّها لا تريد أن تخرج كجسد، إنّما تريد أن تخرج إلى المجتمع كعقلٍ وإرادةٍ وما إلى ذلك. يقول السيّد للمرأة العربية: "إنّ الإعلام العربي، وخصوصاً بعض الفضائيات والمجلات، يحاول أن يقدّم المرأة كمظهر جنسي من خلال إظهار مواضع الإغراء في جسدها، رغم أنّ الجانب الجنسي مشترك بين الرجل والمرأة على حدّ سواء"، الأمر الذي يدلّ على تجاهل المرأة كقيمة عقلية وفكرية، وجعلها مجرّد مظهر جنسي، واضعين بذلك إرادة المرأة وشعورها وإحساسها وعقلها في الدرجة الثانية. ولكن السيّد يريد للمرأة أن تكون كالرجل إنساناً يشارك في الثقافة والعلم، وكذلك في الحياة الاجتماعية والسياسية، مع الحفاظ على الجانب الأخلاقي القيمي.

أولاً: المفهوم الإسلامي عن المرأة

يرى السيّد أنّ الإسلام أبرز المرتكزات والمبادئ الفكرية التي ينهض عليها التشريع الإسلامي الخاص بالإنسان بعامّة، والمرأة تحديداً، فهناك الأحكام العامة المرتكزة على البعد الإنساني في الإنسان، والمتدرجة في إطار المسؤولية العامة للرجل والمرأة.

ويشير السيّد إلى أنّه ورد في القرآن في أكثر من سورة ذكر النساء، وخصوصاً في سورة النساء، وكذلك في سورة المائدة، والنور والأحزاب والمجادلة والممتحنة وغيرها، وقد عالجت هذه السور الكثير من القضايا المتّصلة بالشخصية الإنسانية والقانونية للمرأة.

كما عالج القرآن المسؤولية العامة للمرأة وللرجل، وعالج كذلك المسائل الخاصة بقضايا الكفر والإيمان والأخلاق والمعاملات المالية والعلاقات الحياتية، وجوانب التربية والسياسة.

وبذلك، كانت حركة المسؤولية ممتدَّةً في شخصيَّة المرأة وحياتها في جانبيها الإيجابي والسلبي، كما هي ممتدّة في حياة الرجل في كلا الجانبين، بحيث إنَّ الإنسان، كما يقول السيّد، لا يلاحظ فرقاً في طبيعتها، وإن كان هناك اختلاف في التفاصيل والمفردات.

ثم انطلق القرآن إلى الأحكام الخاصة التي تتناول توزيع المسؤوليات بحسب الدور الذي أعدّه الله لكلِّ منهما، سواء داخل الحياة الزوجية، أو في مواقع الحياة الأخرى في إطار الحكم والقضاء والشهادة.

إنّ النظرة التشريعية المتوازنة للحياة، والأرضية التي تحكم أحكام الإسلام العامّة والخاصّة، مرتكزة في نظر السيّد، على التجليات العقيدية والأخلاقية والحقوقية للإنسان، الّتي تجعل الإنسان لصيقاً بواقعه الإنساني، كما ينبغي أن يكون عليه، وهذا من شأنه أن يجعل الأحكام أحكاماً سمحةً منيرةً في متناول الإمكان العملي والواقعي له.

المساواة

ويقول السيّد إنَّه يجب ألا ننسى النظرة التَّاريخيَّة التقليديَّة إلى المرأة قبل الإسلام، التي كانت تركِّز على الفواصل التي تفصل بين الرجل والمرأة، وإثارة النقاط السلبية لدى المرأة. وكان الحديث يدور لدى بعض الفلاسفة، إذا كانت المرأة ذات روح أم لا، أو إذا كانت شّراً، أو شيطاناً، فكان عقلها موضع شكّ، وكانت إنسانيتها في عمق القيمة موضع إهمال، فلم ينظر إليها من موقع التكامل الذاتي الذي يجمع الروح والعقل في الإطار الإنساني، بل هناك من نظر إليها كأنثى وكأداة للمتعة فحسب. ولما كان هذا الجانب من شخصيتها يوحي بالعار، في ما كان يعيشه الناس من قِيَم مختلفة، كان الموقف منها سلبياً يتمثّل بالأسى والألم والشعور بالمنقصة، كما حدَّثنا القرآن عن ذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}. وفي هذا الجوّ، عاشت المرأة على هامش الحياة، لا قيمة لها بذاتها، بل بما هي حالة تابعة للرجل.

1- المرأة إنسان

إنّ السيّد يؤمن بأنّ المرأة إنسان كامل الإنسانية، كما الرجل، وليس هناك من خصوصية لأحدهما على الآخر في الإنسانية وعناصرها من حيث هو ذكر أو أنثى، فالخصوصية الإنسانية تتبع ما يحقّقه الإنسان، سواء أكان رجلاً أم امرأةً، من معنى إنسانيته، سواء في العقل والفكر، أو في الممارسة والإنتاج. وهو يعتقد أنّ الإسلام أكَّد هذا الجانب عندما ساوى بين الذكر والأنثى في العقل والمسؤولية والنتائج، كما قال تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}(آل عمران:195).

فالمرأة إنسان كما هو الرجل إنسان، والمرأة تتحمّل مسؤوليتها عن الحياة بحجم طاقاتها، كما يتحمّل الرجل مسؤوليته عن الحياة بحجم طاقاته.

والسيّد منفتح على قضايا المرأة، لأنّه يريد للمرأة أن تكون صاحبة عقلٍ كبير، كما يريد ذلك للرّجل، ولا سيّما أنَّ المرأة هي التي تعطي العناصر الأولى لحركة العقل عند الطفل، حيث تنمو هذه البذور في قلبه وروحه وبما يرتفع بحياته.

ويذكر السيّد أنّ المرأة في الإسلام إنسان لا نقصان في إنسانيّتها في كلّ العناصر التي يتميَّز بها الإنسان، كالعقل والعاطفة والطاقة وإمكان التطور، فلا فرق بين إنسانية المرأة وإنسانية الرجل. وبذلك تحدث القرآن الكريم بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}(النساء:1)، وحين ندرس القرآن الكريم، نجد أنّه تحدّث عن الجانب الإيجابي عن المرأة والرجل في خطّ واحد، فهو يقول مثلاً إنَّ الله لا يضيع {عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى}. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سائر القيم والأخلاقيات التي تتمثّل في المرأة والرجل على السواء. فالقرآن في آياته أكَّد بذلك مساواة الرجل والمرأة في العناوين الأخلاقية والعبادية والإنسانية، واعتبر ثواب المرأة وثواب الرجل واحداً.

قيمة المرأة كإنسان

يرى السيّد أنّ قيمة المرأة في حركة المجتمع ليست في أن تكون جسداً، بل بأن تشارك في عملية النمو الاجتماعي والثقافي والسياسي، كما الرجل، ليتكاملا معاً في عملية صنع الإنسان والعقل والقلب والحركة والحياة. فإنقاذ مجتمعنا من التخلّف ينطلق من جهود المرأة والرجل.

والسيّد يدعو المرأة بكلّ جرأة إلى التمرّد على هذه الثقافة التي تريد أن تجعلها تفكّر في أنّ كلّ القيمة هي في كيف تجتذب الآخر جسداً، كما يدعوها إلى أن تنهض بعقلها، ليتفكّر ويحاور ويتطلَّع، لأنّ للعقل نهضته، ونهضته أن يفكّر، وهو ليس شيئاً نرثه، بل نصنعه، كما استطاع الذين تقدّموا، من خلال دور العقل، إنتاج العلم والثقافة والوعي.

وبالتالي، فإنّ على المرأة أن تنمِّيَ ثقافتها، ليكون عقلها منتجاً للمعرفة، وليس اتّباع الثقافة التي تركِّز على الجسد، وتعتمد على الاستهلاك والإثارة.

إنَّ عقل المرأة في نظره ليس بأقلّ من عقل الرجل، فمن التجربة الإنسانية في العالم، نجد أنَّ الكثيرات، كما يقول، تفوَّقن على الرجل وأصبحن مخترعات ومكتشفات في عالم الفضاء وعالم الطبّ وغيرهما، ولا يزال بعض الناس يتحدّثون عن شخصية المرأة وطاقاتها الإداركية بطريقةٍ سلبيةٍ، ما يوحي بأنّها تأتي في الدرجة الثانية. وهكذا، لا بدّ للنّساء من أن يأخذن بالعلم، كما على الرّجال الأخذ به، وقد جاء في الحديث: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة".

ورد في نهج البلاغة للإمام عليّ (ع) كلمة يقول فيها: "إنّ المرأة شرّ كلّها، وشرّ ما فيها أنّه لا بدّ منها".

لكنّ السيّد يشكّك في أن يكون هذا القول للإمام عليّ (ع).

ويربأ بعليّ (ع) أن يتكلّم بهذه الطريقة، وهو الذي أكرم المرأة أيّما إكرام، وأحسن إليها أيّما إحسان، وهو العارف أيضاً أنّ من النساء من تفوق الرجال أدباً وعِلْماً وعملاً، وأنّ في الرجال مَنْ هم في غاية الشّر. ويقول السيّد بعد اطّلاعه على المراجع الكافية، إنّ هذه الكلمة هي في الحقيقة للمأمون العباسي، فقد ذكر في الرواية عنّه أنّه قال: "النساء شرّ كلّهن، وشرّ ما فيهنَّ أنّه لا بدّ منهن".

والله تعالى يقول عن الإنسان، رجلاً كان أو امرأةً: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ أما شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}(الإنسان:3)، ويقول: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}(البلد:10). فالإنسان لم يخلق شرّيراً في أصل خلقته (راجع سورة، الروم)(3).

ويضيف السيّد: فكيف تكون المرأة شرّاً كلّها؟! وأمّا إن كان الشرّ هو الإغراء، فالرجال هم الذين يغرون النساء، وأغلب النساء يخدعهن الرجال بكلماتهم المعسولة.

وإذا ظهر ثمَّة شرّ كعنصر من عناصر شخصية المرأة، فهل نعمِّم ذلك على فكرها وأعمالها وعباداتها وعاطفتها؟ أمَّا إذا كان من جهة النسل، فالرجل كذلك طرف في عملية التناسل، فكيف يكون التناسل الذي يمثّل ضرورةً شرّاً كلّه؟

2- المساواة بين المرأة والرجل

وهناك من ذكر أنَّ السيّد غالى في انحيازه إلى المرأة، ولكنّ السيّد يقول: "أنا مع المظلوم، سواء كان امرأةً أو رجلاً"، ويرى أنَّ المرأة "ظلمت على مدى التاريخ، وأنّها تملك عقلاً كعقل الرجل، وطاقةً كطاقته، وأنّها عزلت عن المعرفة والتجربة، واعتبرت مجرّد لعبة وأَمَةٍ للرجل في هذا المجال".

لذلك يضيف ويقول إنَّه ما زال منذ أكثر من خمسين سنة يدعو المرأة إلى أن تثق بنفسها، وإلى أن تنفتح على خطوط المعرفة من أجل أن تستطيع أن تمنح وطنها ومجتمعها وأمّتها الكثير من عبقريتها وفكرها وتجربتها. فهو لا يرى أنّ الرجل هو أكثر عقلاً من المرأة وأكثر وعياً منها، ولذلك فهو يدعو المرأة إلى أن تتحرك من أجل أن تملك العلم كلّه، وأن تملك القوّة كلّها، وأن تكون إنساناً حرّاً، كما هو الرجل إنسان فاعل حرّ.

غير أنّه يرى أنَّ الإسلام لم يطرح المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في مفردات المسؤوليّة، بل ساوى بينهما في المواقع الإنسانيّة العامة، وفرّق بينهما في خصائصها. وهكذا أراد للإنسانية الاستفادة في نموّها وتطوّرها من موقع التقاء الرجل والمرأة، ومن موقع اختلافهما أيضاً.

وهناك من يقول إنَّ المرأة هي العنصر الإغرائي الذي يستخدمه الشيطان لإغواء الرجل، فيكون ضحيةً لها في هذا الجانب، ويضعون المسؤولية عليها في خروج آدم من الجنّة. ولكن القرآن يصوّر لنا آدم وحواء شريكين في توجيه الله أمره لهما في النهي عن الأكل من الشجرة، وهما معاً خضعا لإبليس.

ويقول السيّد إنّه ليس هناك أيّ حديث قرآنيّ عن تحمّل حواء مسؤوليّة إغواء آدم، إذ إنّ الأمر هنا ليس ناظراً إلى العلاقة الجنسيّة بينهما.

وعندما اتَّبعا إبليس، كان كلّ منهما يتحمّل المسؤوليّة بشكل مستقلّ عن الآخر، وعندما واجها التأنيب الإلهي والعقاب الإلهي، رفعا أيديهما يطلبان المغفرة. فالقرآن لا يحمِّل حواء مسؤولية سقوط آدم أمام التجربة كما يوحي التوراة، بل يرى أنّه كان لآدم وحواء على حدٍّ سواء خيار الطاعة أو المعصية، وخصوصاً أنّه خلق لكلّ منهما عقلاً وإرادةً تملك الصلابة في الموقف، فهما يقفان على قدم المساواة في خطِّ المسؤولية.

فرمزيَّة الشَّجرة تتبلور في أنَّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يقول إنّ هناك ممنوعات وهناك إباحات، وعلى الإنسان ألاّ يسقط أمام الممنوعات والمحرَّمات.

وفي تفسير السيّد للآية القرآنيَّة {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}، يقول إنّها ليست واردةً لتفضيل الذكر على الأنثى بالمطلق، بل في مقام بيان أنَّ امرأة عمران لم تحقّق رغبتها في أن يكون وليدها خادماً لبيت العبادة، لأنّ حملها كان أنثى، والأنثى لا تصلح للخدمة في بيت العبادة.

وذكر أنَّ النساء كنّ يعملن في خطِّ الدعوة تماماً كالرجال، فكما كان الرجال الذين دخلوا في الإسلام أفراداً يعملون على أساس دعوة من يلتقونهم من المشركين إلى الإسلام، كانت النّساء يقمن بالدور الحركيِّ نفسه. وقد كان هذا الدور الحركيّ للمسلمات مبكراً منذ بداية الدعوة، وفي امتداد الواقع، فنجد أمّ المؤمنين "خديجة" تقف إلى جانب الرسول وتعطيه من جهدها ومالها وموقعها الاجتماعي من أجل الدعوة والحركة الإسلامية. وهكذا وقفت فاطمة الزهراء (ع) مع عليّ (ع) تتكلّم وتدافع وتتحدّث وتنتقل من مكانٍ إلى مكان، باعتبار أنّها تريد أن تشاركه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانطلقت زينب (ع) مع الإمام (ع) الحسين في الكوفة والشّام.

حتى إنّ تاريخ السيرة الإسلامية ينقل لنا أنَّ محمّداً (ص) كان يخرج النساء معه في الحرب ليسقين العطشى ويداوين الجرحى، فكانت المرأة في ذلك الحين تعيش في قلب ساحة الصراع، وكانت تتحرّك في خطّ المسؤولية، بينما في مجتمعنا الآن، تُعزل المرأة عن ساحة المجتمع وكلّ مواقع الصراع، فيرى السيّد أنّ ذلك المجتمع كان أكثر وعياً وإحساساً بالمسؤولية، وأكثر التزاماً بالخطّ القرآني الإسلامي.

وفي نظر السيّد، أنّ مسألة تغيير المجتمع لا يمكن أن يقوم بها الرجال وحدهم مهما أعطوا، بل لا بدّ للمرأة من أن تكون كذلك. ومن هنا، فنحن بحاجة إلى مؤمنات مثقّفات متعلّمات يعرفن الإسلام ويعرفن الفقه ويعرفن السياسة ويعرفن كلَّ عناصر الواقع الاجتماعي، ويعرفن كلَّ الأوضاع التي يعيشها المسلمون في السلبيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما إلى ذلك، فلم يفرِّق سبحانه وتعالى بين رجلٍ وامرأةٍ في الجانب الإيجابي أو السلبي.

وأضاف السيّد أنّ القرآن تحدَّث عن أخلاقية الإنسان بلا فرق بين رجل وامرأة، لأنّ الأخلاق ليست مفروضةً على المرأة دون الرجل، وإذا كان الله يريد للمرأة أن تكون عفيفةً، فقد أراد للرجل أن يكون عفيفاً.

وقد استشهد السيّد بسورة الأحزاب (الآية 35)(1)، ليبيّن أنّ الله عزّ وجلّ لم يفرِّق في الجانب الأخلاقي بين رجلٍ وامرأة، واستشهد أيضاً بالآية: {لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى}(آل عمران:195)، وكذلك استشهد بسورة النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}(النور:2).

3- الحرية والمرأة

حرية المرأة كحرية الرجل، تتبع حدود التشريع الذي كلَّف الله سبحانه به كلاًّ منهما، كما يقول السيّد، كما تتبع حدود القيمة الأخلاقية التي يجعلها الإنسان كحدود لممارسته الإنسانية في جوانب مختلفة في الحياة. وبعبارة أخرى، يقول السيّد إنّه ليس لدينا في العالم حرية مطلقة من دون قيود، وإنَّ الحرية دائماً تخضع للفلسفة التي يرتكز عليها الاتجاه الديني أو الفكري أو ما إلى ذلك، فدائماً هناك قيود، والمسألة هي في طبيعة النَّظرة التي يختزنها الإنسان في تقويمه لدينٍ أو فكر أو اتجاه، ليجعل نفسه في إطار الالتزام تجاهه، أو يعتبر نفسه غير معنيّ به.

فالمرأة إنسانٌ يملك حريَّته، ولا تتقيّد حريته إلاّ بما يلتزم به من قيدٍ للحريَّة، كما هو الرجل يقيّد حرّيّته ما يلتزم به. ليس هناك سلطة على المرأة من قِبَل أبيها أو أخيها أو أيّ إنسان آخر في أوضاعها الحياتية وفي أوضاعها القانونية؛ هي كائنٌ مستقلّ، كما هو الرجل كائنٌ مستقلّ. ولكن في الحياة الزوجيَّة هناك قيودٌ يسودها التعاقد ويسودها القانون تماماً كأيِّ قيودٍ أخرى بين متعاقدين. ولكنّ السيّد يضيف أنّ ذلك التعاقد ليس تعاقداً ينطلق من شيء متحجّر جامد، لأنّ الله جعل الحياة الزوجية تنطلق من خلال المودَّة والرحمة.

وأضاف السيّد أنّ الحرية الإنسانية في خطوطها العريضة في الإسلام هي حريّة مسؤولة من خلال القواعد الأخلاقية التي تؤكّد للإنسان إنسانيته في نفسه، وإنسانيّته مع الإنسان الآخر، وإنسانيَّته مع الحياة، فليس له أن يسيء إلى نفسه، وليس له أن يسيء إلى الإنسان الآخر، وليس له أن يسيء إلى البيئة والحياة وحتى إلى الحيوان، إلاّ فيما أباحه الله له. أي علينا أن لا يكون وجودنا ضرراً في وجود الآخرين، لأنَّ طبيعة الحياة أن يتكامل الناس في مواقفهم، لا أن يضرّ أحدهم الآخر في موقعه.

وهناك فلسفة الحرية في الإسلام، والّتي تقضي بحسب السيّد أنّه لا بدّ للإنسان من أن يتحرّك على أساس القاعدة الأخلاقية التي يؤمن بها إيماناً هو اختاره، وبذلك لا تكون القيود التي يتحرَّك في دائرتها اضطهاداً لإنسانيته. والحرية التي ليس هناك أيّة قيود تحددها، تكون فوضى ولا تكون حرّيّة. فالحريَّة المطلقة للفرد تؤكِّد حريته وفرديته بعيداً من كونه جزءاً من المجتمع. هنا يمكن للإنسان أن يتحرَّك كما يشاء، لأنّ القاعدة هنا تكون منطلقةً من الفردية الّتي تعني حريّة الإنسان في كلّ شيء.

وهذه الفلسفة تعتمد على قاعدةٍ أخرى، وهي اعتبار الجنس حاجةً كما الأكل والشرب، وهي مسألةٌ تنطلق في دائرة الحاجة ولا تنطلق في دائرة القيمة، وبالتّالي، لا تُقاس إنسانيّة الإنسان على أساسها.

وعندما تكون المسألة مسألة حاجة، فإنّ الأمر حينها يتعلّق بإشباع هذه الحاجة بشكلٍ متوازن، تماماً كما لا يمكن الأكل حتى التخمة أو الشرب حتى الاختناق، لأنّ القضية تخرج من حدود كونها حاجةً يأخذ منها ما يشاء، إلى حدود كونها مزاجاً يمكن له أن يزيد عن حاجة الإنسان.

فالإسلام كما يقول السيّد، جاء ليؤكّد العدل في الحياة، في كلّ دوائرها الاجتماعية، وحتى في الدائرة الفردية أيضاً، فلا يملك الإنسان حريّة أن يظلم نفسه، ولا أن يدخلها مداخل الضرر أو القتل وما إلى ذلك.

ولذلك يقف الإسلام موقفاً مبدئياً ضدّ الظلم والجور، ولا سيّما عندما يقع ضدّ الفئات المستضعفة اجتماعياً أو تكوينياً، كالظلم الموجّه ضدّ المرأة، سواء في إطار البيت الزوجي، أو في العائلة في شكلٍ عام أو في المجتمع.

وفي رأيه، لكي تمارس المرأة حريتها، ثمّة حاجة إلى التحرّك في خطّين: الأول توعية الرجل فيما هو الدور الإنساني للمرأة في النظرية الإسلامية، والخطّ الثاني، هو أن تبادر المرأة إلى أن تستفيد من كلّ الثغر الموجودة، من طريق التعلّم وتنمية شخصيّتها، لأنّه إذا لم يتوافر هذان العاملان، فإنّها لن تؤمن بنفسها حتى لو أعطاها الرَّجل الفرصة، بل ستعيش الاهتزاز أمام الحرية المعطاة لها...

ثانياً:  الزواج في الإسلام

1- عقد الزواج وشروطه

يقول السيّد إنّ العقد في الزواج يتطلّب رضا الفتاة والشاب، وموافقة الأب ورضاه، لمن اشترط إذن الأب في صحّة الزواج. والسنَّة يشترطون ذلك، والكثير من الفقهاء يشترطون ذلك أيضاً، فإذا تمَّ العقد بشروطه، فالعقد صحيح، ولا يمكن للمرأة أن تتزوّج أيّ إنسان آخر إلاّ إذا طلّقها الأوّل، ولو تراجع الأب وأراد تزويجها من شخص آخر.

وإذا اشترط أحدٌ على زوجته، ضمن العقد، بعض الشروط، فعليها أن تتبعها، كذلك الأمر إذا اشترطت في العقد بعض الشروط، فإنَّ عليه أن يلتزمها. فحاجتها قبل حاجة الرجل، و"عامِل النّاس بما تحبّ أن يُعاملوك به"؛ إنّ زوجتك هي زوجتك بالجسد، ولكنَّها أختك في الإيمان، والحديث يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه".

وإذا كانت الفتاة قد وافقت على الزواج عندما أراد والدها أن يزوّجها من دون أن يكون وكيلاً عنها، فإنّه يكون عقداً فضولياً، أي أنّ الزواج يعتبر موقوفاً، فإذا أجازت البنت ما قام به أبوها في عقد الزواج، صحَّ زواجها، وإذا لم تجز فلا يصحّ.

ولا يجوز العقد على فتاة عقداً منقطعاً وهي غير مقتنعة به، لأنّ العقد لا بدّ من أن يكون إنشاءً من الطرفين، أي أن يكون كلٌّ منهما قاصداً لهذا الزواج، فإذا كان أحدهما غير مقتنع بشرعيّته، أو كان غير قاصد للزواج، فمعنى الكلام يكون غير جدّي ولا يكون هناك تعاقد، وبالتّالي، فإنّ العقد يكون باطلاً.

2- صيغة عقد الزَّواج

يقول السيّد إنّ هناك جدلاً حول صيغة عقد الزواج، فالمشهور لدى العلماء أن يكون اللّفظ (زوّجت) أو (أنكحت) وما إلى ذلك، ولكن هناك بعض العلماء يرى أنّه لا مانع من إنشاء الزواج بكلّ صيغة تدلُّ على الإيجاب والقبول ممّا تعارف الناس أن ينشأ الزواج به. ولذلك، فلو كانت الشروط الشرعيَّة مجتمعةً كلّها في الزوجين من جميع الجهات، وكان عقدهما موثّقاً على أنّه عقدٌ مدني لا زواج مدني، حيث يكون هناك إيجاب وقبول، فعند ذلك يكون العقد صحيحاً، إذ لا يشترط في عقد الزواج في الإسلام أن يعقده عالم دين، بل يمكن أن يعقده أيّ إنسان آخر؛ فعقد الزواج مدني بهذا المعنى، فهو ليس كالزواج الكنسي الذي يشترط أن يشرف عليه عالِم دين.

- الشاهدان في عقد الزواج.

الزواج في الإسلام، سواء كان زواجاً دائماً أو مؤقّتاً على رأي المذهب الإسلامي الشيعي، لا يشترط الشاهدين في أثناء العقد، وإن كان يستحبّ ذلك. فالزواج حالة شخصية بين الزوجين، وقضية التسجيل تكون من أجل توثيق الزواج وليس من أجل شرعيّته. ولكن في رأي السيّد، يستحسن التسجيل ووجود الشهود في الزواجين الدائم والمؤقّت. ولكن عند المسلمين السُّنّة، يعتبر وجود الشاهدين ضرورياً للزواج.

 

 

- وجود رجل الدين في أثناء الزواج عند الشيعة

يوجب أهل السنّة وجود شاهدين في عقد الزواج، ولكنَّ الشيعة لا يشترطون ذلك، ولكنّه مستحبّ كما يقول السيّد.

لا علاقة لرجل الدين في شرعية الزواج عند الشيعة إذا تمَّ بشروطه، ولا في شرعية الطلاق، سوى أنَّ الأوضاع القانونية في عالم الإثبات، تفرض أن يكون رجل الدين قد أجرى الزواج والطلاق حتى تعترف بهما المحكمة التي تسجل عقد الطلاق أو الزواج.

- الفرق بين عقد الزواج المدني والعقود الأخرى

يقول السيّد إنّ هناك فرقاً بين عقد الزواج المدني وغيره من العقود، ويرجع ذلك إلى أنّ هناك شروطاً شرعيةً في الزواج، فمثلاً، لا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير المسلم، لأنّ الدّين شرط في مثل هذا الزواج، كما أنّه لا يجوز الزواج بالمرأة وهي في العدّة، بينما لا تعتبر هذه الشّروط مانعاً في القانون المدني، ولذلك فإنّ العقد المدني يعتبر عقداً غير شرعي، لعدم تحقّق الشروط الشرعيَّة فيه، سواء في الزواج أو في الطلاق، إذ إنّ الطلاق عند الشيعة أيضاً مشروط بالشهود العدول، ولذلك يكون الطلاق المذكور باطلاً لفقدان الشرعية.

وكما يقول السيّد، إذا فرضنا أنّ الزّوجين كانا مسلمين، أو أنّ الزوجة كانت كتابية والزوج مسلماً، وقد وثَّقا زواجهما عند موثق العقود، فالزواج صحيح إذا كان جامعاً للشروط الشرعية، لأنّ الصيغة اللفظية الخاصة ليست ضروريةً وإن كان الأفضل ذلك، أمّا العقود التجارية الأخرى، فإنّها كلّها تعتبر شرعيةً، وكما يقول السيّد، إذا كان هناك عقد زواج لا يخضع للشروط الشرعيَّة، فلا يجوز ذلك، لعدم توافر الشروط الشرعية، أمّا العقود التجارية التي ليس فيها ما يخالف الشريعة، فلا مانع منها.

الالتزام في الزواج

ويؤكد السيّد أنّ هناك التزامات للزوجة بالنسبة إلى زوجها، كما أنّ هناك التزامات للرجل بالنسبة إلى زوجته، فعلى كلٍّ منهما أن يحترم التزاماته، سواء في المسألة الجنسية، أو المعاشرة بالمعروف، أو في مسألة الإنفاق وغيره.

أمَّا في ما عدا ذلك، فالمرأة في نظر السيّد إنسان مستقلّ في الحياة الزوجية، فهي مستقلّة في الأمور الشخصية والقانونية والمالية أيضاً.

وهي، بحسب رأيه الفقهي، شخصية مستقلّة في زواجها، وليس لأحد أن يفرض عليها بالإكراه زوجاً لا تريده، وهي تستطيع، بحسب فتوى السيّد، أن تستقلّ بزواجها بعيداً من العائلة في حال كانت بالغةً رشيدة، وإن كان الأحبّ لها أن تستشير أباها وأهلها في هذا الموضوع.

تعهّد الرجل بعدم ضرب الزوجة

والإنسان، رجلاً كان أو امرأةً، عندما يلتزم بالعقد، فإنّ عليه أن يفيَ بما تعهّد به، سواء في الجانب القانوني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو غيرها من الجوانب.

إنّ بعض الناس قد يتصوّر أنّه ما دام قد تزوّج، فإنَّه يمكن أن يجرب عضلاته في زوجته لأتفه الأسباب، ولكنّ السيّد يقول لهذا الإنسان إنّ زوجتك هي زوجتك في الجسد، وهي أختك في الإيمان، والعقد الزوجي لا يجوّز أن يضرب الزوج زوجته أو يشتمها أو يسيء إليها أو يسخر منها أو يطردها من بيتها، إلاّ في حالٍ واحدة، وهي فيما إذا منعته من حقّه الجنسي، وحتى في هذه الحال، هناك خطوات: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}، فهناك أوّلاً الوعظ، وهو ليس مجرّد كلمة يقولها الرّجل بل إنّ عليه أن يقنعها ويعرض أمامها النتائج السلبية على حياتها وعند الله، أي أن يذكّرها بأنّ ذلك معصية {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ}، والهجر في المضاجع من باب التأديب النفسي، فإذا لم تنفع الموعظة ولا الهجران {وَاضْرِبُوهُنَّ} ضرباً غير مبرح {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}(النساء:34). فالزواج لا يجعل زوجتك أمةً عندك {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة:229).

مهور النساء

يذكر السيّد أنّه لا يجوز للأب التصرّف في مهر ابنته، لأنّه ملكها، ولا يجوز له التصرف في مال أولاده إلا بإذنهم، تماماً كما هو شأنه مع غير أولاده.

العصمة في عقد الزواج

يقول السيّد إنَّ العصمة بيد الرجل، ولكن للمرأة أن تشترط في عقد الزواج أن تكون وكيلةً عن زوجها في طلاق نفسها، يعني أن تقول مثلاً، "زوجتك نفسي شرط أن أكون وكيلةً عنك في طلاق نفسي في الحالات الطارئة أو مطلقاً"، فإذا قبل الزوج ذلك وقال: "قبلت الزواج بهذا الشَّرط، أصبح للمرأة الحقّ في أن تطلق نفسها بحسب الشروط المذكورة في العقد، وهي وكالة غير قابلة للعزل.

القيمومة – الرجال قوّامون على النساء

يرجع السيّد إلى قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(النساء:34).

وهذا يعني أنّ الرجل قائم على المرأة من جهة بعض العناصر التي يفضل بها عليها، بحيث يكون أقدر على إدارة البيت الزوجي منها، ومن جهة أنه يتحمَّل مسؤولية البيت الزوجي.

وعلى هذا الأساس، فلو أنَّ الرجل لم ينفق على زوجته، فإنّ هناك رأياً ذهب إليه كثير من العلماء، ومنهم السيّد الحكيم (رحمه الله)، والسيّد الشهيد محمّد باقر الصدر(رض)، والسيّد يوافقهما الرأي، وهو أنّه إذا منع الرجل زوجته من حقّها، فلها أن تمنعه من حقّه، باعتبار أنّ القيمومة سببها الإنفاق، فمع التخلّف عنه فلا قيمومة، ثم إذا لم ينفق الرجل على زوجته، فللحاكم الشرعي أن يطلّقها بدون رضاه بعد انتهاء الحوار معه إلى طريق مسدود.

ويضيف السيّد أنّ هذه الآية تتحدّث عن الحياة الزوجية فقط، فليس الرجال قوّامين على كلّ النساء، وإنّما الأنبياء والأوصياء فقط هم القوّموان على الرجال والنساء معاً. وإذا قلنا بالولاية للفقيه أو لغيره، تكون لهم القوامة على النَّاس كافةً.

وأمّا الحالة الوحيدة التي يكون فيها الرجل قوَّاماً على المرأة بصفة كونها امرأةً وبصفة كونه رجلاً، فهي في الحياة الزوجية، والدليل على ذلك قوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(النساء:34)، أي أنَّ الحالة الوحيدة التي يجب فيها على الرَّجل أن ينفق على المرأة بصفتها امرأةً هي الزواج، أمّا الأب فإنّ عليه أن ينفق على أولاده ذكوراً وإناثاً، ولا يقتصر إنفاقه على الإناث فقط.

ويقول السيّد إنَّ المراد بالقوامة هي المسؤولية الإدارية للبيت، لأنّ أبوّة الرجل ليست في جسده فقط، وإنما هو يملك حرية الحركة في القيام بمسؤوليّة البيت الزوجي وإدارته، بينما أمومة المرأة في جسدها، ومن الطبيعي أنّ هذا الأمر يسبب لها جهداً في الحمل وجهداً في الإرضاع وفي الحضانة وما إلى ذلك.

فليس التفضيل بمعنى أنّ عقل الرجل أكثر من عقل المرأة، إذ لم يثبت عندنا أنّ عقل الرجل أكبر من عقل المرأة، بل ربّما نرى الكثير من النساء عندما يأخذن بأسباب العلم، ترجح عقولهنّ على الكثير من الرجال، وضرب مثلاً في سورة النحل (الآيتان، 20 و23)(1)، عن ملكة سبأ، في جوابها لسليمان بعد استشارة الرجال، فعرض الرجال عضلاتهم البدنية، ولكنَّها فكّرت، ولم يفكّر الرّجال، وذهبت بنفسها إلى سليمان وسمعت منه واقتنعت وأسلمت معه لرّب العالمين.

فالقوامة مظهرها الوحيد الحياة الزوجية، وفيما عدا ذلك، ليس للرجل سلطةٌ على المرأة إلاّ فيما يتعلّق بالعلاقة الجنسية، بل حتى قضية استئذانه للخروج من البيت هي محلّ مناقشة، حيث يوافق السيّد رأي السيّد الخوئي بأنّ هذا من شؤون الاستمتاع، أي أن الإشكال يرد في خروجها بما ينافي حقّ الاستمتاع، وليس في مطلق الخروج.

يقول السيّد إنّه ليس للرجل على المرأة أيّ حقّ خارج الحقّ في الاستمتاع، أي ليس له أن يضربها، فالرجل عندما يتعامل مع المرأة، تحكمه شريعة الله فيما له من حقوق وفيما عليه من واجبات، تماماً كما أنّ المرأة تحكمها شريعة الله، وذلك قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}(البقرة:228)، وهذه الدرجة قد تتمثّل بالاستمتاع، وقد تتمثّل بالطلاق.

التفسير اللّغوي للقيمومة

يرى السيّد في تفسيره اللّغويّ لمسألة القيمومة، أنّ الله فضّل الرجال على النساء من خلال بعض عناصر التكوين فيهم، فهناك قرينة في قوله: {بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، أي أنّ البعض الأول المراد به الرجال، والبعض الثاني المراد به النساء، من خلال صدر الآية كما يفسّرها السيّد لغوياً.

ثمّ هناك نقطة أخرى، وهي قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}(النساء:34)، أي أنّ القيمومة تعود إلى أنّ على الرجل واجب الإنفاق في الحياة الزوجية.

الاختيار في الزواج على أساس العفة

إنّ العفّة مطلوبة في المرأة كما هي في الرجل. وعفّة الرّجل أن لا يزني ولا يرتكب الفواحش. ولقد سأل أحدهم النبيّ، قال: من أتزوج يا رسول الله (ص)؟ قال: "عليك بذات الدين". فالمرأة المتديّنة يمنعها دينها من القيام بما ينافي العفّة. أمّا بالنسبة إلى الواقع الاجتماعي، فيمكن للإنسان أن يتعرّف إلى ذلك من خلال السؤال والشهود والمعارف.

يقول السيّد إنّ الزواج فيه جانبان حسيّ وعضوي؛ فالحسيّ يرتبط بالجانب الجمالي، أمّا الآخر، فيرتبط بالجانب العقلي والشعوري وما يتّصل بهما.

وزيجات النبيّ لم تكن تراعي الجانب الجمالي فقط كما يقول السيّد، وإنّما كانت أغلب زيجاته عادية جداً، من النساء الأرامل والكبيرات في العمر، ما عدا عائشة، فهي المرأة الوحيدة التي كانت عذراء وصغيرة السنّ. ففي الإسلام، يجب أن لا ينظر الإنسان إلى المال فقط أو إلى الجمال فقط، فالزّواج ليس حالة غريزيةً وحسب، وليس مشروعاً اقتصادياً، بل هو مشروع إنساني بين إنسان وإنسان، ولذلك، فإنّ الأساس ينبغي أن يكون أخلاق الإنسان ودينه، سواء عند الزوج أو الزوجة، فبذلك تكون حياتهما مستقرّةً ومضمونةً من الناحية الأخلاقية والعملية.

وهناك من أشار إلى فارق السن بين الرسول (ص) وعائشة، والّذي كان حوالي أربعين سنة، ولكنّ السيّد يرى أنّ المجتمعات العربية في ذلك الوقت كانت تتقبّل مثل هذا الفارق في العمر بين الزوجين، فلا يمكن أن نطبّق العرف الاجتماعي الماضي على العرف الاجتماعي الحالي السائد.

يضاف إلى ذلك، أنّه لم ينقل عن عائشة أيّة شكوى في حياتها مع النبيّ (ص) على الرّغم من ذلك التفاوت، فالزواج هو تراض بين الزوجين، أمّا الفرق في العمر وغير ذلك، إنّما يرجع إلى الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي، فيخضع للأعراف الاجتماعية السائدة.

تعدُّد الزوجات

استناداً إلى سورة النساء(1)، فإنّ الله سبحانه وتعالى قد تحدّث عن التعدّدية كقاعدة عامّة كما يقول السيّد. والإسلام اعتبر التعدّدية حكماً طبيعياً جدّاً، ولذلك يتحدّث عن الحدود التي يجب أن ينطلق فيها الرجل بين نسائه، إذا لم يستطع أن يعدل بينهنّ في المعاشرة والنفقة وما شاكل.

وقد جاء عن الرسول (ص) تشريع التعدُّد(2)، وهو أوّل من طبَّقه، وكان المسلمون في عهده يطبقون التعدّد أيضاً. ويضيف السيّد بأنّ النظام الإسلامي نظام أبوي، أي أنّه يعتبر أنَّ الأب هو سبب النسب، وأنّ المرأة إذا تزوجت أكثر من شخص فلا يعرف لمن الولد، كما أنَّ حاجة الرجل هي أكثر انسجاماً مع التعدّد، بينما حاجة المرأة بشكل نوعي طبيعي أكثر انسجاماً مع الوحدة، وقد تشذَّ بعض النساء عن ذلك، ولكن طبيعة الرجل في التاريخ الكلّي الإنساني هي طبيعة التعدّد، ولذلك لم يسمح الإسلام للمرأة بأن تتزوَّج أكثر من واحد، كما سمح للرجل.

زواج النبيّ بالنساء

يقول السيّد إنَّ زواج النبيّ (ص) المتعدّد، كان نتيجة ظروف تتعلَّق بالدعوة، ولم يكن دافعه أبداً الرغبة الشخصية المطلقة.

فلو كانت القضية قضيةً شخصيةً ذاتيةً وشهوانيةً، وما أشبه ذلك، فهناك نساء أبكار وجميلات كان يمكن أن يتزوَّج بهنّ، والناس كانوا يتشرَّفون به.

ويقول السيّد: إنّنا نرى أنَّه في الوقت الّذي نسمع الاستنكار على تعدّد الزوجات، لا نرى بأساً عند بعض الناس في إقامة العلاقات غير المشروعة مع النساء على تعدّدها.

ويضيف السيّد بأنّه، إذا كان تعدُّد العلاقات مع النساء أمراً لا تحفّظ عنه، فلماذا التحفّظ عن تعدّد الزوجات؟

ولقد حرّم الزواج على زوجات النبيّ من بعده. فالنبيّ (ص) خيَّرهن {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}(الأحزاب:28)؛ فكان لهن الخيار بين الطلاق والبقاء مع النبيّ (ص). ويمكن أن يكون سبب تحريم الزواج منهنّ بعده، هو منع الاستغلال السيّئ الذي قد يرجع بالأثر السيّئ على الدين والرسالة، والله أعلم بحقائق الأمور.

من المعروف أنّ الإسلام أباح للرجل الزّواج بأربع نساء فقط، ولكنّه سمح للرسول (ص) بعدد أكبر، والحكمة من هذا التعدّد كما يقول السيّد، أنّ هذه من خصائص النبيّ (ص)، وربّما كانت هناك بعض الظروف التي تستدعي أن يعدّد النبيّ في زوجاته بما يتَّصل برسالته، أمّا تفاصيل الحكمة، فقد ذكر بعضها، لكنَّها ليست دقيقةً في جميعها.

أمّا رأي السيّد في تعدد الزوجات، فهو أنّ له سلبيات كثيرة، ولكنّ له ايجابيات كثيرة أيضاً. فالسلبيات سببها التأثيرات النفسية عند هذه الزوجة أو تلك، وبعض التأثيرات النفسية في الأولاد، وبعض المشكلات التي قد تحدث بين الزوجين من خلال إثارة هذه المسألة ومن خلال التعدد. لكنّ الإيجابيات كثيرة في نظره، وهي أنّ التعدُّد يقلّل فرص العلاقات غير الشرعية في الحياة العامة، كما يحفظ للمرأة العقيم علاقتها الزوجية بالرجل الذي يحبّ أن يكون له أولاد، إذا كان العقم من المرأة، وكذلك إذا كان هناك مجتمع يقلُّ فيه عدد الرجال عن النساء فإنّ التعدّد يكون حلاًّ للمشكلة.

يقول السيّد، إنّ هناك من يقول إنّه ليس في القرآن حكم بإباحة تعدّد الزوجات، بل القضية على العكس، فهناك تركيز على تحريمه، لأنَّ النص الذي تحدَّث عن إباحة التعدّد، ربط الحكم بشرط غير مستطاع بحسب نصّ القرآن، ما يجعل الحكم غير وارد، لانتفاء الحكم بانتفاء شرطه، كما يقول علماء الأصول.

وهذا نستطيع معرفته، كما يعتقد السيّد، بالمقارنة بين الآيتين {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}(النساء:3) {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}(النساء:129).

فيلاحظ أنَّ الآية الأولى أمرت بالاقتصار على واحدة في حال عدم العدل، ما نفهم منه الإباحة بشرط العدل، وقد جاءت الآية الثانية، لتصرِّح بأنَّ العدل غير ممكن للزوج حتى لو بذل جهده، وإذا لم يكن العدل ممكناً، فكيف يمكننا الحكم بالإباحة مع فقد الشرط؟

وربّما تعتبر بعض الكلمات أنّ هناك تناقضاً بين مضمون الآيتين، لأنّ تعليق الشرط يؤذن بإمكان الشرط، فكيف يصرِّح باستحالته بعد ذلك، كما يقول السيّد.

إنّ الآية، كما يقول السيّد، لم تكن في معرض التركيز على فساد العقد الزوجي لعدم استطاعة العدل، بل وجّهت النداء إلى الزوج ودعته أن لا يتحوّل ميله إلى إحدى زوجاته إلى ممارسة عملية حادّة تجعل الزوجة الأخرى كالمعلّقة، الأمر الذي يؤكِّد شرعية الزواج المتعدّد بدلاً من أن يكون حُجّةً على عدم الشرعية.

ولعلّ السرّ في ذلك،  في نظر السيّد، أنّ العدل المفروض شرطاً في الآية الأولى هو العدل في النفقة وفي سائر الحقوق الزوجية الخاصّة، أمّا في الآية الثانية، فهو العدل في الميل القلبي الذي لا يملك الإنسان أمر التحكّم به، لذلك ركّزت الآية على عنصر بقاء هذا الميل في الداخل، لكيلا يفسد على المرأة حياتها العائلية. أمّا تفسير {فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ} فيعني فيما يتعلّق بالمودّة.

العلاقة الجنسية في الزواج المتعدّد

باعتقاد السيّد، أنّ بعض الرجال قد يصابون بمشكلة في حياتهم الزوجية نتيجة برودة الزوجة، في الوقت الذي يرغب الزوج بتحريك هذه العلاقة وما إلى ذلك، فيحاول البحث عن تلبية هذه الرغبات لدى نساء أخريات بما يمكن أن يشبع حاجته ورغبته، وذلك في غياب إمكانية الانفصال عن زوجته أو استبدالها. وهناك من الرجال من لا يكون عنده مشكلة في حيويّة العلاقة الجنسية مع زوجته، لكنّه يرغب في التنوّع على طريقة {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ}(البقرة:61). وبذلك لا تكون المسألة حاجةً تتعلّق بعدم وجود إمكانية اكتفاء ذاتيّ بالشكل الطبيعي، لكنّها رغبة إضافية، وهذا ما جعل الإسلام يشرِّع تعدُّد الزوجات، استجابةً لهذه الحالة التي تنطلق من رغبة في التنوّع.

لماذا التعدُّد للرجل دون المرأة؟

وقد أجاب السيّد بالآتي:

إنَّ نظام الأسرة الأبوي القائم على أساس شخصيَّة الأب كوجهٍ أصيلٍ للأسرة، هو نظام أساسي في الإسلام. لقد تبنَّى الإسلام هذا النظام الأبويَّ، فاعتبر الأب قوَّاماً على الأسرة وأساساً للانتماء، ومسؤولاً عن الأمور الحياتية، وليس معنى ذلك إلغاء دور الأم أو نسبها، بل اعتبره ثانوياً من هذه الجهات. وفي ضوء ذلك، لا يمكن الإقرار بتعدد الأزواج، لأنّه يخلق مشكلة انتماء الأولاد، فتضيع الأنساب.

ويضيف السيّد أنّ تاريخ الرجل في تعدّد العلاقات الجنسية، سواء في ذلك العلاقات الشرعية أو غير الشرعية، يوحي بأنّ الزواج الأحادي لا يعتبر حلاًّ للمشكلة. أمّا تعدّد الأزواج، فهو حالة شاذّة تاريخياً. ومن مبرّرات تعدّد الزّوجات الّتي يذكرها، أوضاع الحروب التي تفني الرجال بنسبة أكبر ممّا تفني النساء، الأمر الذي يجعل من كثرة النساء وقلّة عدد الرجال حالاً طبيعيةً تفرض التعدّد في علاقات الرجال بالنّساء دون العكس، وذلك لحلّ مشكلة المرأة الجنسية والروحية الباحثة عن العلاقة الطبيعية بالرجل. كما أنَّ غريزة الرجل تدعو إلى التعدّد أكثر من غريزة المرأة. ويلاحظ السيّد أنّ ظاهرة الوفاء في العلاقات الجنسية لدى المرأة أكثر منها لدى الرجل، لأنّها تشعر بالاكتفاء بالعلاقة الواحدة في حالتها الطبيعية، في ما يحقّقه ذلك من عوامل الإثارة لديها، بينما لا نجد ذلك الشعور نفسه لدى الرجل. فالحقيقة تفرض الحاجة إلى التعدُّد لدى الرجل من ناحية الغريزة والحالات الإنسانية العامّة، ما يجعل ثمّة حاجة إلى معالجة هذه الظاهرة عبر إيجاد حلّ عمليّ لها.

الزواج بالإكراه

في رأي السيّد، ليس للأهل ولاية على المرأة البالغة الرشيدة، ولا سيّما إن كانت ثَيِّباً، ولكن عليها ملاحظة النتائج الاجتماعية المترتبة على الزواج من دون إذن أهلها، ولا سيّما أنّ هناك من يرى ولاية الأب أو الجدّ للأب على المرأة إذا كانت لا تزال بكراً.

ويرى السيّد أنّه لو زوِّجت امرأة مكرهةً، وبقيت غير راضية بزيجتها وعقد زواجها، فالعقد يكون باطلاً، ولها أن تتزوّج بمن شاءت ويكون عقدها الجديد صحيحاً وعقدها السابق باطلاً.

كذلك، فإنّ زوجها الإكراهي ليس حلالاً، وحتى إنّه إذا عرف الزوج أنّها مكرهة، فلا يجوز له أن يمارس معها ما يمارسه الزوج مع زوجته. أمّا حكم الأولاد من الزواج الإكراهي بالنسبة إلى هذه الزوجة، فإنّهم شرعيون، أمّا بالنسبة إلى الزوج إذا كان عالماً بذلك، فأولاده غير شرعيين، وإذا لم يكن عالِماً بذلك، فعليها أن تعلمه به، وإذا لم تعلمه، فالأولاد أولاد شبهة، ويرى السيّد أنّه في هذه الحالة، يجب على الزوجة المكرهة إمّا أن تقبل به زوجاً، أو تنفصل عنه إلزاماً.

الزواج المبكر

الزواج المبكر هو الذي يحمي الإنسان من الانحراف، وفي الإسلام أحاديث كثيرة تشجّع على الزواج المبكر للفتاة وللشاب معاً، من أجل تحصينهما من الانحراف، باعتبار أنّ الغريزة تمثّل جوعاً، والجائع إذا لم يجد ما يشبع جوعه، فإنّه قد يكون مرتعاً للشيطان.

إنّ الإسلام واقعي في هذا المجال، كما يقول السيّد، ويحترم حاجة الإنسان الغريزية كغريزة الطعام والشراب، وهو لا يريد للإنسان أن ينحرف. يقال إنّ الزواج المبكر له مشاكله، كعدم وعي الحياة الزوجية، وعدم توافر الإمكانات المالية. ولكنّ الزواج المتأخّر له مشاكله أيضاً، إذ قد يؤدّي التأخّر في الزّواج إلى انحرافٍ وفسادٍ في واقع العلاقات بين الرجل والمرأة، إضافةً إلى تأثيراته الكبيرة، من جهة تدمير روحية المرأة والرجل. فالزواج المبكر قد يحمل عدم النضج، وهذا ليس دائماً، ولكن عدم الزواج المبكر قد يحمل الكثير من الّسلبيّات، وخصوصاً في مجتمعاتنا التي لا تزال تتحكّم بها التّقاليد... فالإسلام نظَّم العلاقة حتى تتمّ في شكل طبيعي من دون رقابة اجتماعية، ومن دون الإحساس بالذنب.

أمّا ما يرد من إشكال في أنّ الزواج المبكر قد يؤدّي بالرّجل إلى علاقات خارج المؤسّسة الزّوجيّة، فإنّ المرأة إذا كانت واعيةً، فإنّها تستطيع أن تلاحق عملية التغيير التي يعيشها الرجل، وهي بأسلوبها قادرة على تجديد العلاقة بالبحث عن وسائل متجدّدة ومتطوّرة تواكب تغيّرات الرّجل النّفسيّة والعقليّة وطبيعة المؤثّرات التي يخضع لها، عندئذٍ يكفّ الرجل عن التحرّك خارج نطاق المسؤولية، وأمَّا إذا أصبحت الحياة لا تطاق، فالإسلام فتح باب الطلاق.

الزواج العرفي

يرى السيّد أنَّ الزواج العرفي هو الزواج غير المسجَّل رسمياً، وهو ليس حراماً، لأنّ التسجيل الرسمي هو عملية تدقيق للزواج، والسيّد لم يحرّم الزواج العرفي، ولكنّه ينصح النساء بأن لا يلجأن إلى هذا الزواج، لأنَّ حقوقهن قد تضيع بذلك.

زواج المتعة وطبيعته وشروطه

يقسم الفقهاء الشّيعة الزواج إلى زواج دائم ينطلق من حاجة الرجل والمرأة إلى السكينة والاستقرار والطمأنينة ليتعاونا معاً على أمور الحياة كلّها، حيث يتحقّق الاندماج الروحيّ والحسّيّ والحياتيّ بين الطرفين، كما هو التعبير القرآني: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، وكأنَّ المرأة تلبس الرَّجل كي يمثِّل كلَّ كيانها، والرَّجل يلبس المرأة ليؤكِّد وحدة الكيان بينهما. وهناك حاجة أخرى في الزواج تنطلق من الحاجة الجنسية التي تلحُّ على الإنسان بشكلٍ وبآخر. وقد يكون لديه ظروف واقعية على المستوى الماديّ والاجتماعي وما إلى ذلك تمنعه من الزواج. وهنا جاء الزّواج المؤقّت الذي يسمّى زواج المتعة، باعتباره تلبيةً لحاجة جنسية. هناك من ينكر هذا الزواج باعتباره أداةً للجنس، وأنّه يسقط إنسانية المرأة.

ولكنّ السيّد يقول إنّ المسألة تتجاوز هذا المعنى، لأنّ الإسلام كان إنسانياً واقعياً طبيعياً في مسألة تنظيم الجنس، فاعتبره حاجةً طبيعيةً، تماماً كما هو الأكل والشرب وما إلى ذلك. وليس هذا عيباً ولا قذراً، حتى إنّه في أكثر من نصّ قرآني يذكر الجنس بشكلٍ صريح، وليس هناك مشكلة في الحديث عن الأعضاء الجنسية أو عن المعرفة الجنسية، سواء للمرأة أو للرّجل. هذا النوع من الزواج قد يكون بمثابة حلّ لمشكلة المرأة التي قد لا تمتلك فرص زواج، كذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل. رّبما يقول البعض في هذا المجال إنَّ الزواج المؤقت يمثّل علاقةً جنسيةً قد لا تفرق عن العلاقات الجنسية غير الشرعية. ولكنَّ المسألة ليست صحيحةً بهذه الدقّة، لأنّ ما يميِّز العلاقة الشرعية والعلاقة غير الشرعية هو الجانب القانوني الذي يخضع له شكل هذه العلاقة، والمسلمون لا بدّ من أن يكون لهم قانون يضبط كلّ علاقة، بحيث تكون خاضعةً للتشريع الإسلامي.

لذلك، فإنّ المسلمين الشيعة شرَّعوا هذا الزواج المؤقّت، لأنّ هناك عقداً وهناك مهراً، وإذا حصل حملٌ يكون المولود شرعياً. ومن شروطه الشرعية أن تكون المرأة بلا زوج، وأن تكون بالغةً راشدةً، ويكون الزوج بالغاً وراشداً، مع مفردات قانونية هي تلك الموجودة في قانون الزواج. والزواج المؤقّت يمكن أن يحصل بين أيِّ رجل وامرأة. ولا مانع من أن يعقد الرجل المتزوّج زواج متعة مع فتاة غير متزوجة، إذا كان لديه حاجة مثلاً في حال السفر أو كانت زوجته مريضة.

إنّ الفتاة البكر، في رأي بعض فقهاء الشيعة، لا يجوز لها حتى لو كانت بالغةً أو راشدةً أن تعقد عقد زواج، سواء زواجاً مؤقّتاً أو دائماً، إلاّ بإذن أبيها أو جدّها لأبيها، والتحفّظ في رأيهم يعود إلى أنّ قلّة تجربتها قد تعرّضها للخديعة.

ويقول السيّد إنّ ولد الزواج المؤقّت كولد الزواج الدائم، يملك كلّ الشرعية والحقوق، ولذلك فهو يدعو إلى توثيق الزواج المؤقّت، كما الزواج الدائم، على أساس حمايته من النتائج السلبية التي تحصل، ومنها الولد.

إنَّ الإخوان السنَّة يرون أنّ الزّواج المؤقّت محرّم، لأنّهم يعتبرون أنّ النبيّ أباحه ثمّ نسخه، فأصبح غير شرعي في نظرهم، ولكنّ السيّد يعتقد أنّ الذي حرَّم زواج المتعة هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

وعلى المرأة التي انتهت مدّة زواج المتعة الذي ارتبطت به أن تعتدّ، أي أن يمرَّ بها حيضان قبل أن ترتبط بأيّ عقد زواج جديد.

ويحقّ للرجل أن يقيم أكثر من زواج متعة مع أكثر من امرأة، على غرار تعدّد الزوجات، ولكن لا يحقّ للمرأة ذلك، بسبب مسألة النّسب.

 وعلى المحكمة الشرعية أن تلتزم الأصول الشرعية المعتمدة في المذهب الإمامي، ولكن المجتمع لم يصل إلى مرحلة يتقبل فيها زواج المتعة، وحتى في المجتمع الشيعي، حيث إنّ الناس لا يريدون لبناتهم أن يعيشوا حياةً غير مستقرّة، وزواج المتعة ربما يكون تلبيةً للرغبة الجنسية، ولكنّه لا يؤمّن استقراراً للطرفين.

وقد شرَّع الإسلام الضوابط لهذا الزواج، فجعل قوانين وحدوداً، ولكن بعض الناس يأخذون بالجزء من القانون الذي يتوافق مع مصلحتهم، وهذا خطأ.

وللمرأة حقوق في زواج المتعة، فما تشترطه على الزوج في أثناء العقد عليه أن يلتزم به.

وعادةً، تنتظر المرأة الرجل ليقوم بإجراء طلب إقامة زواج المتعة، مع العلم أنّه يجوز أن تعرض المرأة الزواج وتطلبه، فهناك حقّ للمرأة في أن تطلب ذلك من أجل حاجات خاصَّة.

وذكر السيّد أنَّ أهل السُّنَّة يقولون إنَّ المتعة شرِّعت في زمان النبيَّ (ص)، ثم نسخت، على طريقة أن بعض الأحكام قد ينسخ بعضها بعضاً.

وهم يصرُّون على ذلك حتّى الآن في بحوثهم الفقهية... أمّا علماء الشيعة، فهم ينطلقون من خلال أدلة فقهية شرعية، ومن خلال أحاديث أئمّة أهل البيت، للقول إنّ المتعة شرِّعت وستبقى في الشريعة الإسلامية إلى يوم القيامة، كما هو الزواج الدائم، وإنّ عمر بن الخطاب لم يحرِّم زواج المتعة تحريماً تشريعياً، لأنّه لا حقّ له في التشريع بعد النبيّ (ص)، لكنّه حرَّمه تحريماً إدارياً، كما يمنع الإنسان الأشياء المحلّلة لضرورات إدارية.

ويرى السيّد أنّ هذا التشريع لا بدَّ من أن يحلّ مشكلة الإنسان بالكامل، ومن الطبيعيّ أنّ الزواج شرّع في الديانات كلّها من أجل حلِّ مشكلة الجنس، ومن أجل إيجاد الأجواء الطبيعية لعملية التناسل.

وقد سمّي الزواج المؤقّت زواج المتعة، باعتبار أنَّ الهدف منه ليس إقامة بيت يسكن فيه الرجل والمرأة، بل الاستمتاع.

ويضيف السيّد أنّ الإسلام يقول بشرعيَّة زواج المتعة أو الزواج المؤقّت، ويريد له أن يستمرّ إلى مدى سنة أو سنتين أو حسب اتفاق الزوجين. وهذا الزواج لا يتحمّل فيه الزوج الإنفاق على البيت الزوجي، ويمكن أن تشترط الزوجة ذلك، كما يمكن أن لا تشترط عليه شيئاً آخر. وهذا الزواج يتم بعقد ومهر، والولد الذي يأتي نتيجة هذه العلاقة الزوجية يكون شرعياً مائة في المائة، له كلّ ما للولد من الزّواج الدائم من امتيازات وحقوق. وعندما تنتهي العلاقة الزوجيَّة، لا بدَّ للمرأة من أن تعتدَّ حتى يُعرف ما إذا كان هناك حمل. إذاً هو يحمل كلَّ حدود ضوابط الزَّواج الدائم ما عدا النّفقة. وإنهاء العقد يكون بيد الزوجين معاً عندما يتَّفقان على المدَّة.

زواج المتعة المؤقَّت من عذراء

يقول السيّد إنّ هناك جدلاً بين الفقهاء لزواج المتعة من عذراء، فمنهم من يقول إنّ زواج العذراء يحتاج إلى إذن الولي؛ الأب أو الجدّ للأب، وهناك من يرى أنّ البالغة الرشيدة العذراء لا تحتاج في الزواج إلى إذن أبيها أو جدّها لأبيها، لأنّها تملك أمر نفسها، وتملك الحرية في التصرّف في أحوالها وأوضاعها الخاصّة، أيّ التصرّف في زواجها، سواء كان زواجاً دائماً أو مؤقّتاً. غاية ما هناك، أنّ على الفتاة أن تراعيَ الظروف الموضوعية التي قد تجعل الزواج المؤقّت في دائرة الحرمة، إذا أدّى إلى نتائج سلبية كبرى. وفي الوقت نفسه، إنّ شرعية ذلك يتوقّف على انتمائها إلى المذهب الذي يشرِّع ذلك، عندئذٍ يكون الزَّواج شرعياً. والسيّد يفتي باستقلال البالغة الرَّشيدة في كلِّ شؤونها، سواء من حيث الزواج أو من حيث التصرّفات الماليَّة وما إلى ذلك، ولكنّه يتحفَّظ أمام الظروف الطارئة التي قد تجعل من هذا الزواج مفسدةً لها، عندها يستحسن أن تستأذن وليَّ أمرها باعتباره أدرى بمصلحتها.

ولقد اعتبر السيّد أنّ زواج المتعة يمثّل احتياط الحلّ للمشكلة الجنسية الذي عصي الزواج الدائم على مرّ التاريخ عن حلّها، لأنَّ الزنى لاَزَمَ الزيجات لدى كلِّ الشعوب.

الزواج من أقارب

يرى السيّد أنّ زواج الأقارب غير مكروه، ولكنّه غير محمود، فالحديث يقول: "أبعدوا في النّكاح لا تضووا"، فالغاية من الزواج بين المتباعدين هي من أجل أن يكتسب النسل خصائص جديدة. ففي زواج الأقارب، تبقى الخصائص ذاتها تتكرَّر، بينما في زواج الأباعد، ولو من طرف واحد، يمكن أن تتجدَّد تلك الخصائص، وفي هذا غنى للنسل الجديد للإنسانية.

والمعروف أنّ بعض الأطبَّاء ينهون عن الزواج بالأقارب خوفاً من ظهور بعض الأمراض الوراثية، ولكنّ السيّد يقول إنَّ الأمراض الوراثية يمكن أن تكون حتى عند الأباعد، إذ يمكن أن تكون هذه الزوجة من غير أقاربك مصابة بأمراض وراثية من قبل أهلها، ولكن "أبعدوا في النّكاح لا تضووا"، لأنّه عندما تستهلك الخصائص الوراثية نفسها، فحينئذٍ لن يكون هناك خصائص جديدة، وربّما يكون هناك ضعف أكثر، أو يتوقّف نموّ الصفات الجديدة للوليد الجديد.

الزواج من أجنبية

إذا تزوّج الرجل من أجنبية، وهي مستعدّة لأن تسلم وتتبع طريقته، وتلتزم بالإسلام، فليست هناك مشكلة من حيث المبدأ، ولكن التجارب أثبتت أنّ نتائج هذا الزواج لا تكون عمليةً، لأنّ هناك الكثير من الأجنبيات اللواتي تزوَّجن بمسلمين ثمّ انقلبن، فأخذن الأولاد بحسب قانون حكومات بلادهن.

ثم هناك نقطة أخرى في هذا المجال، وهي أنّ تقاليد الغربيين وعاداتهم تختلف عن تقاليدنا وعاداتنا، فالخيانة الزوجية هناك طبيعية جداً، سواء خيانة الزوج لزوجته أو خيانة الزوجة لزوجها، ومن الصعب في رأي السيّد أن يحدث نوعٌ من الانسجام في ظلِّ اختلاف هذه العادات والتقاليد.

الزواج من نصرانية

إنَّ السيّد لا يحبّذ الزواج من نصرانية، وخصوصاً إذا بقيت على نصرانيتها، باعتبار أنّ على المسلم أن يبحث عن بيتٍ مسلمٍ يتنفَّس فيه هو وأولاده وزوجته الإسلام، ومثل هذا الزواج ينعكس سلباً على تربية الأولاد، لكنّه جائز في نفسه.

 

زواج المسيحي بالمسلمة

يجوز زواج المسلم من المسيحيّة وليس العكس، حيث يجوز للمسلم أن يتزوّج المسيحية أو اليهودية مع بقائها على دينها، وإن كانت بعض الفتاوى تتحفَّظ عن ذلك. والسيّد يوافق السيّد الخوئي في تفسير الآية التي لا تدلّ في نظرهما على زواج المسيحي من مسلمة، بل تدلّ على جواز زواج المسلم من الكتابية المحصنة(1).

أمّا تفسيره للآية التي تقول: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}(البقرة:285)، فإنّ السيّد يقول إنّ هناك فرقاً بين دين المسيح وعقيدة المسيحيّين، لأنَّ المسيحيّين لا يعترفون بالنبيّ (ص) ولا بالإسلام، لذلك فإنّهم لا يحترمون كتاب الإسلام، ولا دين الإسلام، من خلال عقيدتهم القائمة على إنكار الإسلام كدين، والقرآن كوحي، ومحمّد (ص) كنبيّ، فإذا تزوّج المسيحيّ امرأةً مسلمةً، فإنّه لا يحترم دينها من خلال عقيدته، وإن كان يمكن أن يحترمها من خلال تهذيبه، ولذلك فهي لا تستطيع أن تأمن على دينها والتزامها معه، ذلك أنّ المسلم يؤمن بالكتاب كلّه، بينما الكتابي لا يؤمن إلاّ بكتابه الخاص.

الزواج المدني

الزواج المدني ينشأ نتيجة الشروط القانونية المدنية لدى الدولة في عقد الزواج لدى موقّع العقود المدني بعيداً من الكنيسة أو الجامع أو ما إلى ذلك، أما الزواج العرفي، فهو الذي يتمّ بين الطرفين من دون أن يوثق لدى السلطة القانونية أو الدينية.

والزواج المدنيّ مختلف عن الزواج في الإسلام كما يقول السيّد؛ فالزواج المدني لا يشترط من الزوجين أن يكونا من دين معيَّن، ولا يشترط أن لا تكون الزوجة في العدّة، كما أنّه لا ينظر إلى مسألة المهر، إضافةً إلى أنّ فسخ الطلاق لا يكون من قِبَل الزوج، وإنّما يتمّ من قبل قاضي المحكمة، فلو طلَّق الزوج دينياً، فلا يقبل منه الطلاق، بل لا بدَّ من أن يقضيَ بذلك الحاكم المدني. والزواج المدني مرفوض إذا كان زواج المسلمة بغير المسلم، أو إذا كان زواج المسلم من ملحدة أو من امرأة معتدّة وغيرها من الأمور الّتي تجعل العقد المدنيّ غير شرعيّ.

زواج المسيار

الزواج هو عقد بين الرجل والمرأة، كما في العقود التي يلتزم فيها كلّ طرف بالحقوق الشرعية للطرف الآخر، ولكن السيّد يقول إنّ إعلان الزواج أفضل من إخفائه.

زواج الخطيفة

لقد ذكر السيّد حديثاً للإمام عليٍّ (على) يقول فيه: "لا تقسِّروا أولادكم على آدابكم، فإنَّهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانكم". فمواجهة المواقف تكون بالحوار، وفي حال لم يتوصّل الشاب والشابة إلى إقناع الأهل بالزواج، فإنّ السيّد لا يشجّع زواج الخطيفة في مثل هذه الحال، لأنّه يجعل بداية حياتهما الزوجية قلقةً وغير مستقرّة، عدا أنّه قد يؤثر سلباً في الواقع الاجتماعي لعائلة الشاب والفتاة، كما هي الحال في المناطق التي ترى في الخطيفة خطراً وعاراً اجتماعياً، مع العلم أنّه ليس هناك مشكلة شرعية في أن يتزوّج الشّاب أو الفتاة من دون رضى أهلهما إذا كانا بالغين راشدين، وإذا كان الأهل متعسفين، وكان سلوكهما مع أولادهما يجسّد اضطهاداً ينطلق من عقدة أو تشوّه أو تخلّف في النظر، لأنّ للشابين الراشدين اختيار ما يشاءان لحياتهما، مع توسّل كلّ ما يمكن لحلّ مشكلة رفض الأهل لخيارهما.

زواج المقايضة

يقول السيّد إنّ المقايضة في الزواج، أي أن يتزوّج رجلان كلّ منهما أخت الآخر بصورة طبيعية شرعية هو زواج شرعيّ، أما إذا قام أحدهما بالزواج أولاً وتراجع الآخر، فلا يستطيع أن يجبره على الزواج بأخته.

وحتى إذا كان ذلك الشخص قد عَقَدَ عليها ولم يعاشرها ويساكنها بالمعروف كان عليه أن يطلّقها، ويمكنها كزوجته أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ليطلقها منه.

 

الزواج الدائم بنيّة الطلاق

إذا فرضنا، كما يقول السيّد، أنّ الرجل كان ناوياً الطلاق عند زواجه، فالزواج صحيح، لكنّه يفتقر إلى الناحية الأخلاقية، وإن كان من الناحية القانونية زواجاً صحيحاً. لأنّ على الإنسان أن لا يغشّ الزوجة التي وثقت به واعتبرت زواجها سيدوم لمدّة طويلة، وخصوصاً أنّها قد تخلص له، وربَّما شكَّل حسن تعامل الزوج وصدقه وإخلاصه سبباً لدخول زوجته التي على غير دينه في دينه.

يريد السيّد للمسلم أن يكون صادقاً مع النّاس من مسلمين أو كافرين، ولا سيّما المرأة التي يتزوّجها على أساس هدف خاص، فليس له أن يخدعها ويصور لها أنّه مستمرّ معها في الوقت الذي يفكّر في أنّه سيتركها عند تحقيق هدفه الخاص، ما قد يدمِّر حياتها النفسية والخارجية، وربما يبعدها عن الإسلام إذا كانت دخلت في الإسلام بسبب ثقتها به، لأنّه حينها يقدم إليها نموذجاً للمسلم الذي لا يلتزم بوعده وميثاقه مع الآخرين.

زواج المرأة الحامل

يصحُّ للمرأة الحامل من الزنا، أن تتزوّج برجل آخر، لأنّه، وفق رأي السيّد، لا عدّة لماء الزاني، لكن الولد هو ولد الزاني وليس ولد الزوج الجديد.

وأمّا فلسفة ذلك، فهي أنَّ الزنا لا حرمة له، والحرمة إنّما تكون للعلاقة الشرعية.

الزواج بابنة من أقام معها علاقة غير شرعية

يقول السيّد إنّ الرجل يجوز له أن يتزوج ابنة من أقام معها علاقة غير شرعية، وذلك باعتبار أنّ الحرام لا يحرِّم الحلال في مثل هذا المورد.

الزواج في الإسلام

جعل الله الحياة الزوجية مبنيةً على الحقوق المتبادلة: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الرُّوم:21).

فالحياة الزّوجيّة قائمة على المودة والرحمة، والمودة والرحمة ليس فيهما حواجز. ويقول السيّد إنّ على الزوج أن لا يشعر أمام زوجته كأنّه السيّد أمام العبد، أو يشعرها بأنّها كمية مهملة، فالزوجة إنسان، والزوج إنسان، وعليهما أن يتعاملا من موقع المودة والرحمة، بأن يعيش إنسانيّتها وتعيش إنسانيته وتحترمها، فالله سبحانه وتعالى يريد للزوجة أن تندمج مع زوجها وأن تحترمه إلى درجة الخضوع لأجل أن تتوازن الحياة الزوجية، وليس من جهة أنّ هذا الشيء مفروض عليها شرعاً.

4- الإسلام والعلاقات الزوجية بين المرأة والرجل والتعامل مع الأسرة

         أ- مفاهيم العلاقات

هناك خصائص للمرأة تفرض عليها أن تقوم ببعض الأعمال ولا تقوم بأعمال أخرى، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الرّجل، وعلى الرجل والمرأة أن يعرفا حقوقهما ولا يتجاوزاها.

ويقول السيّد إنّ بين حقوق المرأة على الرجل وحقوق الرجل على المرأة مساحة واسعة، يمكن لكلّ منهما أن يقدم العطاء للحياة الزوجية من موقع لا يجب عليه، ولكن يستحبّ له طلباً لما عند الله، وأملاً بالثّواب من عند الله.

فالزواج ميثاقٌ غليظٌ شديد، ويجب على الطّرفين الانطلاق من احترام العقد. راجع سورة (النساء:20-21). والرّجل هو الذي يملك القوة، والمرأة هي العنصر الضعيف في وضعها الاجتماعي، فعليه أن يحميها من نفسه أولاً، وأن يحميَها من انفعالاته ونزواته. فمثلاً، كيف يمكن أن يأخذ المهر الذي أعطاها إياه، أو أن يضغط عليها ضغطاً غير مشروع؟

السرّ في العلاقة الزوجية

يقول السيّد إنَّ الإنسان قد يتزوّج ويواجه في زواجه بعض المشاكل التي تثير في نفسه إحساساً سلبياً تجاه زوجته، وربما يتحوّل هذا الإحساس إلى الحكم عليها بالشرّ أو الحكم على العلاقة الزوجية كلّها بالشرّ، في حين نرى أنَّ الله عزَّ وجلّ يعالج هذه المسألة بقوله: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النّساء:19).

ويضيف السيّد أنّ الإنسان عندما يعيش بشكل واقعي، فإنّه لا يستغرق في السلبيات ليحكم على الآخر من خلالها، بل يحاول دائماً أن ينظر إلى الايجابيات، وأن يقارن بين الأشياء الحسنة والأشياء السيئة بعقلٍ باردٍ هادئ لا يدخل فيه توتّراته النفسية وانفعالاته الشعورية، لأنّ الانفعال ينطلق من حال الغضب، وقد يغضب نتيجة سرعة الإحساس بالأشياء، فربما أزعجتك زوجتك في كلمة وفي بعض تعاملها معك في البيت، ولكن انظر إلى إخلاصها لك، وإلى ماضيها معك، وانظر إلى خدماتها وما بذلته تجاهك، وما إلى ذلك من العناصر الإيجابية في شخصيتها، ولا تستعجل الحكم على الأشياء والأشخاص، ولا تجعل حكمك خاضعاً لإحساساتك البدائية، بل اجعل  حكمك خاضعاً لدراستك الواقعية للأشياء.

أسلوب التعامل مع الزوجة

يقول الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ}(يوسف:87). ودلالة هذه الفقرة من القرآن الكريم، كما يفسّرها السيّد، هي أن يعامل الزّوج زوجته بالأسلوب الأفضل الذي لا يحوّل النصح، حتى لو كان فيه مصلحة، إلى عقدة في نفسها والى شعور بالإذلال وما إلى ذلك، بل أن يعطيَ النصائح بشكلٍ من الحيوية والمحبّة والحنان، وبأسلوب الحوار معها بطريقة وبأخرى، فلعلّها تنفتح بذلك على زوجها، لأنّنا عندما نخطئ في الأسلوب، فإنّنا لا نحصل على ما نريد. ولذلك لا بدَّ من تطوير الأساليب لفتح القلوب، ويستشهد السيّد بالآية: {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ}(يوسف:87).

وعلى ضوء ذلك، يقول السيّد إنّه من الأفضل الحوار مع الزوجة حول تنمية قدراتها الثقافية والرّوحية بالمطالعة، وحيوية الروح والعمل، وأن تكون علاقتها بأهله وأهلها علاقة وعي وحديث في الأمور النَّافعة.

الرفق

يقول السيّد إنَّ هناك حديثاً بأنّ الزَّوج والزوجة عندما يعيشان في البيت، فإنّ أعظمهما أجراً عند الله أرفقهما بصاحبه، وإنَّ أحبهما إلى الله أرفقهما بصاحبه(1).

فيرى السيّد أنَّ الأزواج الذين يعتبرون أنفسهم في الموقع الذي يجب فيه على الزوجات أن يتعبن ليرتاحوا، أو يتألّمن ليسرّوا، أو يسهرن ليناموا، بحيث يرون ذلك من واجبات الزّوجة، يرى أنّ هؤلاء قد يحصلون على بعض الراحة والسرور والطمأنينة، لكنّهم يخسرون من الأجر الكثير عند الله تعالى، ويخسرون الكثير من حبّ الله إذا كانت الزّوجة أرفق بزوجها.

ولذلك، فإذا رأى الزوج أنّ زوجته ترفق به، فإنّ عليه أن يبادلها رفقاً برفق، ورعاية برعاية، ومحبّة بمحبّة، حتى ينطلقا معاً ليكون كلٌّ منهما رفيقاً بصاحبه على محبّة الله وعلى أمل الأجر منه.

المودَّة والحبّ والمحبة

يقول السيّد إنّ المودّة والرحمة مفهومان أخلاقيان إسلاميان قرآنيان ترتكز عليهما العلاقات الزوجية (سورة الروم 21).

وليس المفروض أن تسبق المودّة والرّحمة الزواج، كما يفكّر بعض الشباب والشابات عندما يتحدّثون عن الحبّ قبل الزواج.

يقول السيّد إنّ مسألة أن تكون زوجاً، يعني أن تعيش المودّة في قلبك لمن تزوّجتها، والمفروض في الزوجة أن تعيش المودّة في قلبها لمن تزوّجته، وأن ترحمه في عقليته عندما تدرس حدود عقليته، وأن ترحمه في ظروفه عندما تفهم طبيعة ظروفه، وأن ترحمه في أخطائه عندما تصدر عنه بعض الأخطاء.

ذلك هو الذي يجعل من الزواج وضعاً اجتماعياً قائماً على المرونة والانفتاح وعلى كلّ ما هنالك من عاطفة تتحرّك في خطّ واقع العلاقة، ورحمة تحكم كلّ مشاكل العلاقة.

الحبّ

يقول السيّد إنّ الإسلام لا يحرِّم الحبّ من حيث الأصل، لكنّه لا يريد لهذا الحبّ أن ينطلق في الاتجاه الغريزي الذي يقود الإنسان إلى المعصية، في حين يرى أن أغلب حبّ الشباب هو حبّ مراهقة. والمراهقة حالة وليست عمراً أو سنّاً معينة. هي حالةٌ تغلب في سنّ البلوغ وما بعده. ولكن بعض الناس قد يصبح مراهقاً في الأربعين أو الخمسين، فالإسلام يعتبر الحبّ قضية إنسانية تتّصل بالعاطفة، ولا يريد الله تعالى للإنسان أن يكون قاسي القلب، بل يريده أن يكون رقيق القلب يحبُّ الناس. وعلينا أن نفرّق في النّظرة بين الحبّ الذي هو غريزة في الجسد، والحبّ الذي هو طاقة طهر أو عاطفة نبيلة في القلب، فالحبّ السريع الاشتعال سريع الانطفاء، لا يمثّل عاطفةً صادقةً، بل يمثّل أحلاماً وأمنيات. لذلك يقول السيّد للشبّان إنّه يجب أن يكون الزواج 75% عقلاً و25%عاطفة. أمّا عندما يكون العكس، فمن الصعب أن ينجح الزواج.

الأنس

لا بدَّ للإنسان من أن يعيش هذا التصور لعلاقته بزوجته، فهي الإنسان الذي يأنس به ويخفف من وحشته، ولذلك لا بدَّ من أن يحافظ في علاقته معها على أجواء الأنس، فلا يعكِّر صفوها أيُّ جوّ يوحي بالأذى.

والسكن، كما ورد في القرآن، في تفسير السيّد، ينطلق من خلال معنى السكينة، بحيث تشعر أنّك تسكن إليها كما تسكن هي إليك، لتحسّ بالطمأنينة معها، ولتحسّ بالطمأنينة معك، وهو يعني أن يرتاح الإنسان الآخر، بحيث يشعر بالراحة الفعلية والراحة العاطفية والراحة الجسدية والراحة الاجتماعية في هذه الخلية الاجتماعيّة الصغيرة والمهمة، أي الأسرة.

حقّ الزوجة على زوجها في التزيّن

يذكر السيّد أنّ هناك حديثاً يقول في هذا الصدد: "تزيَّنوا لهنَّ كما تتزيّن لكم، فإنَّهن يحببن منكم ما تحبّونه منهنَّ".

فإذا رأى الزوج في زوجته نوعاً من أنواع الخضوع للروتين أو الانسحاب من الحياة يجعلها أقلّ تجاوباً مع حياته وحاجاته، فعليه دراسة الأسباب التي أدّت بها إلى هذه الحالة.

حقّ الزوجة في التّصرف في أموالها

يقول السيّد إنّ الإسلام حمّل الرجل مسؤولية الإنفاق على البيت الزوجي وعلى المرأة والأولاد، ويعني ذلك، في التشريع الإسلامي، أنّ المرأة حتى لو كانت غنيةً، غير ملزمة في أن تنفق على البيت الزوجي، ولكن أن تتبرَّع أو تتطوَّع فهذا أمر إنساني، كما أنّه ليس من واجبها أن تصرف على أولادها، حتى إنّ القرآن الكريم نصَّ على حقّها بأن تأخذ أجراً على الرّضاع، وأيضاً لم يكلّفها الإسلام بأن تقوم بخدمات البيت، إلا إذا اشترطت ذلك على نفسها.

إنَّ المرأة حرّة والزوجة حرّة في التصرّف في مالها، حتى لو رفض زوجها ذلك. أمّا بالنسبة إلى مال زوجها، فليس لها أن تتصرّف فيه إلا بإذنه. أمّا إذا أرادت أن تخرج خمس المال دون معرفته للقيام بالأعمال الخيرية والإنفاق في الخير، وإذا لم تكن هناك أيّة طريقة لإجباره، فإنّها ترجع إلى الحاكم الشرعي، فإذا رخّص لها في هذا الأمر فيجوز لها ذلك.

الحقّ في العمل

ليس للزوج أن يرفض عمل زوجته إذا كانت في حال العقد عاملة أو موظفة، وكان هناك شرط ضمني أو فعلي من ضمن العقد باستمرارها في العمل أو في الوظيفة، وليس له الحقّ في منعها من ذلك، وذلك، بحسب رأي السيّد الفقهي، إذا لم يكن عملها منافياً أو مناقضاً لحقّه في الاستمتاع في الجانب الجنسي.

أمّا في الحالات الأخرى، فقد يكون له الحقّ في الرفض في صورة منافاة العمل للعلاقة الزوجية بلحاظ الالتزام العقدي، وله في هذه الحالة، أن يطلب منها المشاركة في نتائج عملها أو في راتب وظيفتها في مقابل السماح لها في العمل على أساس التعويض عن التنازل عن حقّه في المنع.

ب- إساءة المرأة إلى زوجها

النشوز

{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}(النساء:34).

يفسر السيّد هذه الآية بأنّها لا تعني الانحراف الأخلاقي، أي أن تزني المرأة أو تنحرف، بل النشوز هنا هو حقّ الزوج في الاستمتاع الذي التزمته الزوجة على نفسها في العقد الزوجي، فالله تعالى لم يفرض على المرأة أن تستجيب للرجل في حاجته الجنسية فرضاً فوقياً، لكنّها التزمت على نفسها في قولها: زوجتك نفسي، أي أنّني ألتزم بكلّ النتائج التي يفرضها الزواج على المرأة، وخصوصاً أنّ الجانب الجنسي هو الأساس في الحياة الزوجية من حيث طبيعة العلاقة.

 

كيد النساء ومكرهن

قال تعالى في سورة يوسف: {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}(يوسف:28). يقول السيّد إنّه ليس هذا ما قرّره الله، ولكنّه يقصُّه عن العزيز زوج هذه المرأة، أي ذكر القصّة في سياقها، وقد يقول بعض الأشخاص إنّ اضطهاد الرجال للنساء ومنعهنّ من أن يفجّرن طاقاتهن العقلية والفكرية في العلم وفي الثقافة وما إلى ذلك، جعل المرأة تحرّك عبقريتها في هذا الكيد، بحيث أصبح كيدها عظيماً، فانطلقت كلُّ عبقريتها من أجل حماية نفسها من كيد الرجل ليكون كيدها أعظم من كيده، لتحفظ نفسها في ذلك. ولكن السيّد يقول إنّ القرآن لم يقرّر ذلك كحقيقة إيمانية أو إنسانية، وإنّما تحدَّث بذلك عن لسان عزيز مصر في حقّ زوجته.

الجنس والعلاقات الزوجية

يعتبر السيّد أنّ قضية الجنس في الحياة الزوجية هي حقّ للطرفين، وبحسب رأيه الفقهي، ليس للمرأة أن تمتنع عن بعلها في حاجته إليها، إذا لم يكن هناك مانع. وكما أنّه ليس للمرأة أن تمتنع عن بعلها في حاجته إليها، ليس للبعل أن يمتنع عن المرأة إذا كانت بحاجة جنسية في هذا المقام، خلافاً للفقهاء الذين يحدّدون مدةً طويلةً لهذا الأمر.

هذه الحالة عالجها القرآن بهذه الطريقة: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}. والنشوز هو الارتفاع عن الطاعة وعن الالتزام، {فَعِظُوهُنَّ} أي اجلس مع زوجتك وحاول أن تتحدّث معها بالنتائج السلبية التي تحدث نتيجة امتناعها عن الاستجابة لبعلها، باعتبار أنّ ذلك يؤدّي إلى انحرافه وطلبه لحاجاته في الخارج. والموعظة تغطّي كلّ الأساليب وكلّ الوسائل التي تقنع الآخر.

{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}، وهي التأديب النفسي، كأن ينام الرجل في غرفة منفصلة عن الغرفة التي تنام فيها زوجته، فتشعر هي بالمهانة في هذا المجال. {وَاضْرِبُوهُنَّ} ضرباً غير مبرح، يعني الضرب الذي يراد به إرجاعها إلى التزاماتها الزوجية.

فالشريعة الإسلامية في نظر السيّد، لم تسلّط الرجل على المرأة بالضرب إلاّ في حالٍ واحدة وهي حال النشوز، أي تمنّع المرأة عن إعطاء الرّجل حقّه الخاص في مقاربتها بعد أن تعقد العقد، بحيث تمنعه من هذا الحقّ باستمرار من دون أيِّ عذرٍ صحّي أو نفسي أو إنساني. وقد كان الرجل في الفتاوى التقليدية في الإسلام هو الممسك بمفتاح المبادرة الجنسية، سواء إقداماً أو اعتكافاً، أمّا فتوى السيّد في هذا المجال، فقد أعادت التوازن إلى هذه العملية، لأنّه انطلق من أنَّ الإسلام اعتبر الزواج تحصيناً للمرأة والرجل، وأراد أنّ يحقّق الوسائل الواقعية لالتزام المرأة بالعفّة من خلال تلبية حاجاتها الجنسية، كما أراد للرجل ذلك. وعلى هذا الأساس، فإنّ المرأة تساوي الرجل بحسب هذه الفتوى، وإنّ عليها أن تستجيب لحاجاتها الجنسية، إذا كانت تعيش مثل هذه الحاجة بشكل كبير، كما أنّ عليه أن يستجيب لحاجاته الجنسية أيضاً.

إنفعال الزوجة

إنَّ النقاش بين الزوجة والزوج يؤدّي أحياناً إلى بعض المظاهر الانفعالية، كالصراخ مثلاً من قِبَل الزوجة، فيقول السيّد إنَّه لا يجوز لها ذلك، وعليها أن تأخذ بأخلاق الإسلام، بأن تستمع إلى زوجها وتجاريه، وإذا كان لديها وجهة نظر أخرى، فعليها أن تناقشه بهدوء وعقلانية، لأنّها بهذا الأسلوب الانفعالي لن تقنع زوجها ولن تحلَّ مشكلتها إذا كانت هناك مشكلة.

طاعة الزوج

يقول السيّد إنّه لا يحرم على الزّوجة مطلق الخروج من دون إذن زوجها، بل يجوز لها الخروج إذا لم يكن الزوج محتاجاً إليها، بأن لا يكون خروجها منافياً لحقّ استمتاع الزوج.

أما بالنسبة إلى الناس الذين يحبسون زوجاتهم ويقفلون عليهن، فهو ينتقد تلك الحالة التي تعتبر أنّ بيت الزوجية هو سجن للمرأة لمجرّد أنّه يوفّر لها الطعام والحاجات والخدمات، ولا يسمح لها بالخروج إلاّ في حال الضرورة القصوى، كالذهاب إلى المستشفى، لأنّ ذلك ليس من المعاشرة بالمعروف، والله سبحانه يقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(النساء:19).

تعامل المرأة مع الرجال

يرى السيّد أنّه على المرأة أن تتحفَّظ في حديثها مع الرجال عند الشراء وغيره، لضمان عدم حصول ما لا تحمد عقباه في حال الكلام الزائد {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}(الأحزاب:53).

الزوجة الكذوب

إنّ الكذب لا يجوز لا على الزوج ولا على غيره، لأنّ حرمة الكذب تنشأ من خلال الكاذب لا من خلال من يكذب عليه، وعلى الزوج أن يعمل على ترويض زوجته على الصدق بمختلف الوسائل، حتى لو كانت وسائل ضغط، على اعتبار أنّ الكذب يؤثّر في نفس الزوجة في تعاملها الاجتماعي ويؤثّر في أولادها بما يتعلّق بمستقبلهم الأخلاقي والتربوي.

المفشية للأسرار

يقول السيّد إنّه إذا كانت الزوجة تفشي أسرارها وحياتها الزوجية الخاصة والعامة أمام الناس، رغم تحذيرات الزوج، فعليه أن يدرس أفضل الوسائل لردعها عن ذلك، وإفهامها أنّ ذلك يضرّ بعلاقتهما الزوجية.

إساءة التعامل مع الزوج

إنَّ إساءة التعامل مع الزوج أمر غير أخلاقي وغير إسلامي كما يقول السيّد، لأنّه يتنافى مع المودة والرحمة اللتين جعلهما الله تعالى بين الزوجين، كما يتنافى مع المعاشرة بالمعروف التي هي عماد الحياة الزوجية التي يتعين على كلّ من الزوجين رعايتها لتستقيم وتسعد. وينبغي للزوج أو للأهل أو للأصدقاء القريبين من العائلة القيام بتحذير الزّوجة من النتائج السلبية المترتّبة على ذلك على مستواها الشخصي أو على مستوى الأسرة.

تعامل الزوج السيئ مع زوجته

يرى السيّد أنّ تفاعل الزوجة السيّئ مع زوجها ربما يكون رد فعل لتعامل الزوج السلبي مع زوجته، ومهما يكن من أمر، فالتعامل غير اللائق مرفوض من قبل كلا الزوجين.

علاقة الزوجة السيئة بأهل زوجها

يقول السيّد إنّه لا يجب على الزوجة البرّ بأهل زوجها وأقاربه، ولكن يحسن لها ذلك، وهذا أيضاً من الجهاد، لأنّها إذا أرادت أن تعيش حياةً طيبةً مع زوجها، فعليها أن تقدر ظروفه، ولعلّ هذا هو معنى {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم:21)، فالرحمة هي أن يرحم كلّ واحد منهما الآخر، فيقدر ظروفه النفسية والعائلية وغير ذلك، فيبقى للزوجة أن تلاحظ مشاعر زوجها في رعاية أبيه وأمه وأهله، كما على الزوج أيضاً أن يلاحظ ذلك بالنّسبة إلى زوجته.

الغيرة

يقول السيّد إنّ المرأة عندما تصاب بالوساوس التي تثير الهواجس المرضية، فإنّها تدمِّر البيت الزوجي بإثارة المشاكل اليومية في داخله، فالّتي لا تثق بزوجها لماذا تزوجته؟ ثم عليها أن لا تغار ممّا أحلّه الله سبحانه، بشرط أن يكون الرجل إنسانياً ومعقولاً، بحيث يعدل بين نسائه عند أخذه بتعدُّد الزوجات.

منع الزوجة من الخروج من المنزل

هناك من يفسّر قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} بمنع الزوجة من الخروج من البيت، وقد كان هذا التوجه بلحاظ بعض الظروف التي كانت موجودةً في زمن الرّسول(ص)، كما يقول السيّد، حيث كان يحرم على النّساء المسلمات أن يخرجن متبرّجات كما كانت عليه حال النّساء في الجاهلية.

وقد أصدر السيّد فتوى في هذا المجال، فيقول إنّه يحرم على المرأة الخروج التمرّدي لا الخروج الطبيعي. فهو لا يعتقد أنّ على الزواج أن يتحوّل إلى سجن مؤبّد للمرأة.

فإذا كان الزّوج في عمله أو غائباً عنها، فإنّها تستطيع أن تذهب لزيارة عائلتها وأهلها والناس الآخرين ضمن الحدود الأخلاقية التي تحفظ أمانتها الزوجية وما إلى ذلك، استناداً إلى قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. إذ ليس من المعاشرة بالمعروف أن يمنع الرجل الزوجة من زيارة أهلها أو من الخروج إلى حاجاتها الطبيعية فيما تشتري وفيما تتحرّك، وحتى فيما تتنزَّه، عندما لا يكون بحاجة إليها.

السبّ والشتم والضرب

لا يجوز للرجل، كما يقول السيّد، تحت أيّ اعتبار، أن يضرب زوجته أو يسبّها أو يتحدّث معها بأسلوب رديء يهين كرامتها، لأنّها إنسان محترم مستقلّ لا سلطة له عليها في هذا الجانب، كما أنّه لا يجوز لها أن تشتم بعلها أو تضربه أو تهينه. وعندما أصدر السيّد الفتوى في دفاع المرأة عن نفسها، أشار إلى أنّه إذا كان الرجل يعيش حال الجنون الذكوري أو العنفوان الرجولي في هذا المقام، وأخطأت المرأة خطأً في كلمة أو في ما لا يجب عليها، فلم تقم مثلاً برعاية طفلها بطريقة أو بأخرى، أو لم تنظّف البيت بالطريقة التي يحبّها الرجل، فقام الرجل بضربها ضرباً عنيفاً قد يصل إلى حدّ الإدماء أو إلى حدّ الكسر، ولم يكن يوجد أحد في البيت لتستعين به، ففي هذا المجال، من حقّها الدفاع عن نفسها، وهذا أمر ينطلق به السيّد من القرآن {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وهذا يعني حقّ ردّ الاعتداء بمثله.

وقد حصلت بعض الردود على هذه الفتوى بحجّة "القوامة"، لكن السيّد يرى أنّ القوامة داخل البيت الزوجي، وليس الرجل قوّاماً على المرأة في كلِّ شؤون المجتمع الإنساني. فالمرأة حرّة في نفسها، كما أنّ الرجل حرّ في نفسه، ولها أن تتصرّف في أموالها وفي نفسها في الحدود الأخلاقية. فالقوامة لا تعني السيادة، ولا تعني التملك، أي أنّ الرجل لا يتملّك المرأة. فالقوامة في رأي السيّد هي قوامة الإدارة في البيت والإنفاق.

وليس من حقّ الرجل في العقد الزوجي تأديب المرأة بالضرب كما يذكر السيّد، بل له أن ينصحها وأن يعظها. أمّا قضية الضرب في حال النشوز، فلأجل إرجاعها إلى التزاماتها الزوجية في هذا المقام، لا من جهة التأديب الذاتي.

إن السب والشتم أمرٌ غير جائز، فالزوجة أخت الزّوج في الإيمان وإن كانت زوجته في الجسد. فعلى الزوج أن يحترمها بما يحترم به أخاه المؤمن وأخته المؤمنة، والإنسان العاقل هو الذي لا يطلق كلماته وأحكامه جزافاً نتيجة انفعاله ونتيجة فعل ورد فعل، فإنّ هذا من موارد الندم في أغلب الأحيان.

الكذب على الزّوجة   

يقول السيّد إنّ الكذب محرَّم على الزوجة وعلى الولد وعلى الأقرباء وعلى الأبعدين وعلى المسلمين وعلى الكافرين، إلا في حالات الضرورة القصوى، عندما تكون هناك مصلحة ملزمة أو مصلحة راجحة في الكذب، فالكذب محرَّم بالنسبة إلى شخصية الكاذب.

فبعض الفتاوى تقول بجواز الكذب على الزوجة، لأنّها تلاحق زوجها بطلباتها، وتخلق له مشاكل في ذهابه وإيابه، فهو يكذب عليها ليريح باله. لكن ذلك لا يجوز، ويجوز التورية التي قد تكون كذباً في الظاهر، لكنَّها صدق في الواقع. إنّ على الإنسان أن يكون صادقاً، فالكذب والصدق يتَّصلان بالأمانة، وفي الحديث: "لا يكذب الكاذب وهو مؤمن".

السهر بعيداً عن الزوجة

هناك بعض الفتاوى التي تجيز التسلية من قبل: "روّحوا القلوب ساعةً بعد ساعة"، على أساس أن لا تستهلك كلَّ وقت الرجل بحجَّة أنَّها حلال، فقد ضرب السيّد بعض الأمثال في هذا السياق، فإذا كان لحم الغنم حلالاً، فهل يأكل الإنسان عشرين رطلاً بحُجّة أنّه حلال، وهل يشرب 50 ليتراً من الماء بحُجّة أنّه حلال؟ صحيح أنّ ذلك حلال، ولكن عليك أن تعرف كيف تمارس الحلال بما لا يثقل جسدك ولا يثقل حياتك ولا يثقل مسؤولياتك.

الغشّ في الزواج

إذا أراد شيعي أن يتزوج امرأةً سنيةً، وكان يعلم أنّها إنّما تقبل به لاعتقادها أنّه على مذهبها، فلا يجوز له التكتّم على مذهبه، لأنّ ذلك، كما يقول السيّد، من الغشّ، و"ليس منَّا مَن غشَّنا"، فالزواج يحتاج إلى الصراحة والوضوح، وهذا ما يسيء إلى العلاقة الزوجية وإلى العلاقة الاجتماعية.

مقاطعة المرأة المذنبة

إذا أذنبت المرأة، لا يجوز أن يكون العقاب مقاطعتها مقاطعةً تامّةً، وحتى إذا كانت في البيت نفسه.

والله يقول: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة:229). لذلك يقول السيّد إنّه إذا كانت المقاطعة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتجوز، مع عدم الإخلال بحقوق المرأة في النفقة والعلاقة الزوجية الخاصة.

اغتياب الزوجة للزواج بغيرها

إذا رغب رجل متزوّج في الزواج مرةً ثانيةً، وقام بالتكلّم عن أخطاء زوجته ونقائصها وسلبياتها لإقناع الآخرين بضرورة الزواج ثانيةً، فيعتقد السيّد أنّ هذا حرام لأنّه غيبة، والغيبة أن تذكر أخاك بعيب مستور، كما أنّ هذا يمثّل حال تشهيرٍ بها وهو ما لا يجوز. فبدلاً من أن تحدّثهم عن نقائص زوجتك، حدِّثهم عن كمالاتك.

الزوج السكّير

إنّ تناول الزوج الخمر، يؤدّي إلى تدمير الحياة الزوجية والعائلية، فعلى الزّوجة، كما يقول السيّد، ما أمكن أن تمتنع عن الجلوس معه أو عن مساعدته في شرب الخمر، وقد وردت آية في القرآن توجّه المرأة في تصرفها معه!

 

ثالثاً: الحجاب في الشرائع الإسلامية

    1- فلسفة تشريع الحجاب

يقول السيّد إنّ الحجاب الإسلاميَّ يعني ستر المرأة جسدها كلّه ما عدا وجهها وكفّيها بالطريقة التي لا تخرج فيها إلى المجتمع المختلط كأنثى في زينتها أو استعراضها الجسديّ بشكلٍ أو بآخر، فهو يجد أنّه يمثّل نوعاً من آلية حركة القيمة في الطريقة الواقعية في حياة الإنسان، لأنّ الله سبحانه وتعالى، أراد للإنسان، رجلاً كان أو امرأةً، أن يعيش الانضباط في الحياة الجنسية، بحيث لا تتجاوز مؤسّسة الزواج.

هناك عبارات في الأحاديث التشريعية تحتاج إلى توضيح، مثل المرأة كلّها عورة(1). ويفسّر السيّد أنّ العورة هنا من جهة عالم الستر، أيّ لا يجوز النظر إليها كما لا يجوز النظر في البيوت، فهي محلّ الحماية والستر والإخفاء، لأنّه، كما هو معروف، على المرأة أن لا تكشف إلاّ عن وجهها وكفيها، فمعنى أنّ جسدها عورة، أنّه لا يجوز النظر إليه، أمّا ما يجوز النظر إليه، كالوجه والكفّين فللمرأة أن تظهره، ولكن جواز النظر مشروط بعدم التلذّذ والريبة.

ويضيف السيّد أنّ الحجاب إذا كان محتشماً، فإن الفتاة توحي إلى نفسها بأنّها ليست مجرّد جسد يشتهيه الشبّان، ولكنّها عقل وروح وقيمة وحركة إنتاجية، سواء كانت في المدارس المختلطة والجامعات، أو في المكاتب والوظائف والشارع العام. ولكن يقرّ السيّد إنّ ذلك لا يعني أنَّ المحجَّبة لا ينظر إليها الناس نظرةً فيها شيء من الجنس، ولكن نسبتها ضئيلة جداً.

إنَّ الحجاب من القضايا الشرعيَّة في رأي الدين الإسلامي، ولا يظنّ السيّد أنّ هناك علماء وفقهاء من المسلمين السُنّة والشيعة في الماضي والحاضر لا يرى الحجاب واجباً. وهناك من يقول إنّه اجتهاد فردي، ولكنَّ هذا غير صحيح.

 

2- معنى الحجاب وفوائده والحكمة منه

 إنّ الحجاب كان منذ بدء الدعوة الإسلامية في المدينة، وهو، كما يقول السيّد، ليس ظاهرةً مستوردةً كما يعتبر البعض.

فالحجاب يمثّل حكماً شرعياً والتزاماً إسلامياً وليس حالاً مستوردةً من الآخرين كتقليد ديني، لأنّ للحجاب أصالته في عمق التشريع الإسلامي.

وأشار السيّد إلى أنّ الحجاب ليس مسألةً مختصةً بمسؤولية الدولة في نطاق نظامها الاجتماعي، ولكنّه مسألة شخصية تتّصل بحرية الإنسان في ما يختاره في لباسه، تماماً كالحريات الخاصة، فالعلمانية في جذورها الفكرية لا تضطهد الحريات الدينية، بل تقتصر على عدم اعتبار الدين قاعدةً للحكم والقانون في الدولة. والحجاب، في رأي السيّد، على مستويين:

- الحجاب الجسدي أي الظاهري، والحجاب الأخلاقي أي الباطني.

  فالحجاب المادي الظاهر هو مظهر المرأة وفق شروط التحجّب. والحجاب الأخلاقي هو التزام المرأة أخلاقياً بمعنى الحجاب العميق بأبعاده. فالإسلام يفرض الحجابين في قالب واحد، وإلا يكون الحجاب الجسدي مجرّد مظهر. فعلى المرأة أن تلتزم بالحجاب الأخلاقي الذي يمنعها ويحميها من الانحراف. وفي هذا المفهوم يكمن سرّ ارتداء الحجاب في الظاهر والاقتناع به.

فالحجاب يقلّص من جمال المظهر، وتباعاً يحمي من النظر، أي أنّه يحجب نظر الرجال عن النساء، والأفكار والأحاديث التي قد تنجم عنه.

إنّ الحجاب، في نظر السيّد، يعطي المرأة انطباعاً باحترام شخصيتها، باعتبار أنّها تخرج إلى المجتمع كإنسانة تبعث على الاحترام، بينما إذا خرجت من دون حجاب، فإنّ المجتمع ينظر إليها كأنثى، وهذا ممّا يفقدها معنى احترام إنسانيتها لدى الآخر الذي يفكّر فيها كجسد للاشتهاء، لا كامرأةٍ صاحبة تفكير ووعي. ومن جهة أخرى، فإنّ عدم الحجاب يخلق مشكلة للمجتمع، إن للرجال أو للنساء، إذ يعتبر البعض أنّ المجتمع من خلال هذه المظاهر الخلاعية يعيش حالة طوارئ جنسية.

ومن أهمّ الفوائد التي تحصل عليها الفتاة بارتداء الحجاب في نظره، أن لا تعيش في نفسها أنّ جسدها في جماله هو القيمة، بل إنّ عقلها وروحها وأخلاقيتها وإنسانيتها هي القيمة، لأنّ السفور، ولا سيَّما في الأوضاع التي نعيشها في العالم، يحمل إيحاءاتٍ لنفس المرأة السافرة بأنَّ قيمتها تكمن في مستوى جمالها ورغبات الآخرين في جسدها، وذلك يسقط إحساسها بقيمتها الإنسانية، لأنّها تعيش كونها جسداً يتطلّع إليه الآخرون باشتهاء. فالجمال ليس قيمةً روحيةً، لأنّ حركة الأزياء وانتخابات ملكات الجمال وحركة الإعلانات وغيرها تتحرّك في خطِّ الغريزة لا في خطِّ القيمة الإنسانية، ما يترك إيحاءً سلبياً على نفسية الفتاة.

تكلّف الفتاة شرعاً في سنّ البلوغ كما يقول السيّد، ولكن من المستحبّ التعليم والإعداد له قبل التكليف، وإذا رفضت البنت ارتداء الحجاب، فلا يجوز ضربها بتاتاً، ولكن يمكن أن يتمَّ ذلك من طريق الإقناع والتَّرغيب. ويمكن أن يكون التَّرغيب من طريق الحوافز المادية، كالألعاب والهدايا وغيرها، والحوافز المعنوية، كتشجيعهنَّ وشرح أجر ذلك عند الله ورفع معنوياتهنّ.

 

 

 

ج- الحشمة من شروط الحجاب

لا يجوز للمرأة أن تخرج إلى المجتمع المختلط بما يوجب الإثارة، وبعبارةٍ أخرى، كما يقول السيّد، يلزمها أن تخرج كإنسان لا كأنثى، وهذا هو الخطّ العام.

أمّا العرف، فله دخلٌ في تحديد موضوع الحكم الشرعي، وهو يختلف من مكان إلى آخر. فالنظر في ارتداء البنطلون نفسه ليس واحداً، وينبغي أن يعلم أنّ هذه القضايا تفصيلية، والفقيه يُعنَى بالحكم الكلّي، بمعنى أنّه يعطي الضابط العام، وهو أن تكون المرأة في مجملها مستورة الجسم مع الاحتشام، إذ لا يكفي الستر من دون الاحتشام.

وذلك يعني أنّ على المرأة أن تخرج إلى الشارع والى المجالس الدينية والمساجد كإنسان لا كأنثى، فكلّ ما يخلق الإثارة، سواء في التفصيل للجسم، أو في لون الثياب، ممّا يثير الغريزة، هو حرام.

د- الحجاب والملتزمات به

يقول السيّد إنّ الحجاب لم يمنع النساء الملتزمات من أن يدخلن ساحة الصراع في المجتمع، ولم يمنع سيّدة النساء فاطمة (ع) أن تدخل ساحة الصراع، فتخطب في مسجد رسول الله، وتتحدّث هنا وهناك بالطريقة التي ترى فيها أنّها تبلّغ رسالات الله كما تواجه الباطل، ولم يمنع الحجاب السيّدة زينب (ع) من أن تقف في كربلاء تلك الوقفة البطولية الشجاعة، وتقف في الكوفة في مجلس ابن زياد ويزيد وتخطب في أهل الكوفة.

3- الرفض، الإقناع، والإجبار

يجب على المرأة الرافضة للحجاب، أن تعلم أنّ الحجاب ورد في الكتاب والسنة. ويقول السيّد إنّ القضية لا تختصر بحجاب أو سفور، بل هي قضيّة حدود وضوابط للإنسان وللإنسانية، وإذا قلنا إنّ هناك ضوابط للإنسان في جسده، فعلينا أن ندرس هذه الضوابط للوقاية من المزالق والانحرافات، حتّى لا تجعل ابنتك أو أختك أو زوجتك في المحرقة، ثم تقول لهن لا تحترقن، إنّ هذا أمر غير طبيعي.

أمّا إذا كانت المرأة مكرهةً على ترك الحجاب، وكان بقاؤها على الحجاب يؤدّي إلى الطّلاق، وكان الطلاق حرجاً عليها، فإنّها لا تكون مأثومة في تركها الحجاب، ولكن عليها أن تقتصر على المقدار الضروري، ففي الحالات التي لا يكون فيها زوجها موجوداً، كما لو خرجت إلى الشارع وحدها أو ما إلى ذلك، فإنّ عليها أن تلتزم بحجابها، والضرورات تقدَّر بقدرها.

أمّا للواتي يتحليّن بالأساور والحلي ويبرزنها، أو يبرزن مقدم شعرهن، فهذا ليس حجاباً، بل هو نوع من الحجاب "المموّض". والمهم أنّ الإنسان إذا أراد أن يطيع الله، فعليه أن لا يتعدّى حدوده في الحجاب وغيره.

    الإجبار على الحجاب

ينظر الإسلام إلى الحجاب على أنّه وسيلة من وسائل التوازن في العلاقة بين الجنسين في مجتمعنا. فقضية الحرية ليست من الأمور التي يمكننا أن نعالجها بشكل مطلق كما يقول السيّد. إذ ليست عندنا حرية مطلقة.

نعم، الشَّارع العام ملك المجتمع، فأيّما شخصٍ يقوم بأيِّ عملٍ يؤدِّي إلى السلبيات الأخلاقية والاجتماعية أو الأمنية، فمن حقّ الدولة أن تضغط عليه بطريقة أو بأخرى حفاظاً على الأمن أو الجوّ العام الذي لا يجوز لفرد أن يخرقه. وإذا كانت الحرية حقّاً إنسانياً للفرد، فإنّ هذه الحرية تخضع للتوازنات في شخصية المسلم في الجوانب التي تتّصل بسلامته الروحية والأخلاقية، إضافةً إلى سلامته الجسدية، كما أنّها تتّصل بسلامة المجتمع في حركة التوازن في قضاياه الحيوية الكبرى، فإذا تعارضتا، كانت حرية المجتمع هي المقدَّمة.

4- استفتاءات السيّد حول الحجاب

   خلع الحجاب لالتقاط الصور

يُطلب من المسلمات في دول الغرب، من قبل الدوائر والسلطات المختصّة، صوراً بدون الحجاب، وذلك لمنح الجوازات أو الإقامة، والسيّد يرى أنّ هذا جائز إذا كانت التي تلتقط الصورة امرأةً، أما إذا كان رجلاً، فلا يجوز إلاّ في حال الاضطرار.

يرى السيّد جواز إظهار الفتاة قدميها عند الخروج، ولكن الأفضل عدمه.

  - صالون الحلاقة

يرى السيّد أنّه لا يجوز للرجل أن يكون حلاّقاً للنسّاء.

- مصافحة الرَّجل للمرأة

إنَّ مصافحة الرَّجل الأجنبي للمرأة الأجنبية محرَّم، والتشريع في رأي السيّد يحاول أن يجعل هناك هيكليةً متكاملةً في ضوابط علاقة الرّجل بالمرأة. فالمصافحة قد تنقلب إلى أمورٍ أخرى، وقد تؤدّي في النتيجة إلى أمورٍ محرّمة.

5- الحجاب والعولمة.

 يقول السيّد إنَّ الحجاب مستند مهمّ يعتمد عليه الغرب ليصف الدين الإسلامي بالانغلاق الحضاري، ويتَّهم الإسلام بالتعسّف والاستبداد حين يفرض على المرأة حجب جسدها عن الآخرين، وهذا ما يعتبره الغربيون شكلاً من أشكال الاضطهاد وكبتاً للحرية الشخصية، فيربط الحجاب باستعباد المرأة وإبقائها في المنزل، ولذلك يؤمن الغرب بحاجة الشرق إلى دعمه لمحاربة الجهل والتخلف. وأوّل محاولة له في هذا المجال هي حثّ المسلمين على نزع الحجاب ومعارضة ارتدائه. ولكن من الواضح أنّ هذه المحاولة قد باءت بالفشل مع الارتفاع المستمرّ لعدد المحجّبات في المجتمعات الإسلامية.

ويعدّ هذا الارتفاع ردّاً كاسحاً على رفض العولمة، وتأكيداً أنّ الإسلام هو البديل المثالي للغرب، والنقيض الذي يجلّ المرأة وجسدها، مقارنةً بالتحقير الذي يتعرّض له جسد المرأة الغربية نتيجة إباحته وعرضه أمام عيون جميع الرجال.

استناداً إلى السيّد، يتطلَّب الدين الإسلامي من المرأة، حين تبلغ سنّ البلوغ، الحجاب الشرعي، وأن تستر كلّ أجزاء جسدها ما عدا الوجه والكفين، بهدف حجب مفاتن جسدها عن الآخرين، وخصوصاً الرجال. فجسد المرأة هو الدافع الأول لإثارة الغرائز عند الرجل، وحجبه يساهم في الحدّ من الفساد والفسق، وفي تعزيز القِيَم الاجتماعية والأخلاقية التي يقدّسها الدين الإسلامي، وخصوصاً المجتمعات الشرقية بعامّة. كما يفرض الإسلام على المرأة عدم التبرّج في العلن، ويتضمن التبرّج ارتداء الملابس الضيقة والجواهر والمكياج والعطور وأيّ نوع آخر من الزينة.

إنّ السيّد يرى أنّ هذا الحظر لعدم ارتداء الحجاب الممارس على المرأة في أيّ بلد، يعتبر اضطهاداً للمرأة المسلمة، وهو نوعٌ من أنواع العنف الذي يمارس ضدّها، وهو اعتداء عليها وعلى شخصيّتها وخياراتها وعلى الحريّة التي لطالما تغنّى بها هؤلاء وغيرهم.

إنّ الطبيعة الديمقراطية لأيِّ نظام، كما يرى الملتزمون به، يجب أن تسير قدماً في طريق رفع الحظر عن الحجاب في المدارس والجامعات، بعيداً من كلّ الضغوط التي تنطلق من هنا وهناك. هذا ما يؤكّده السيّد، إضافةً إلى تأكيده أن ينطلق الحوار الإسلامي العلماني المنفتح على كلِّ القضايا، بما فيها القضايا التي تدخل في نطاق التنسيق والتعاون في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.

رابعاً: الإرث في الإسلام.

1- توزيع الإرث 

ينطلق السيّد في تفسير الآية القرآنية: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} من أنّ الإسلام كلَّف الرجل بإدارة البيت الزوجي اقتصادياً، فعليه الإنفاق على زوجته حتى وإن لم تكن محتاجةً مادياً، بينما لم يكلّف المرأة مسؤولية الإنفاق لا على الزوج ولا على الأطفال.

إنّ القانون لا يفرض على المرأة شيئاً من الإنفاق، وبهذا يكون الإسلام قد وازَنَ بين الحقوق والواجبات، وعندما أخذ شيئاً أعطى في المقابل شيئاً آخر.

الآية تقول: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.

يقول السيّد إنّ على الرجل أن يطالب بالمساواة مع المرأة في هذا المجال، باعتبار أنّ المرأة العاملة لا يترتّب عليها أن تقدم راتبها لزوجها، إلاّ في الحالات الإنسانية القائمة على المودّة والرحمة بينهما، وإلاّ إذا كان هذا الشرط ضمن العقد.

والبنت العاملة من واجباتها شرعاً الإنفاق على والديها، إذا كانت أحوالهما متّجهةً إلى الفقر، ويجب أن تكون علاقتها بهما مستندةً إلى الإحسان والبرّ والتّعامل بالمعروف.

أمّا إذا كان الرجل عاطلاً من العمل، فلا تتحمّل الزوجة أيّة مسؤولية شرعية في صرف راتبها على البيت الزوجي، ربّما من واجبها الإنفاق على أولادها إذا لم يكن هناك من يتولّى الإنفاق عليهم في حاجاتهم الضرورية أو شبه الضرورية، أمّا بالنّسبة إلى الزّوج فلا تتحمّل أيّ مسؤولية مالية تجاهه إلاّ من باب المودّة والرّحمة.

لا يجوز للآباء أن يحرموا بناتهم من الإرث كما يقول السيّد، فنظام الإرث كما وضعه الله تعالى من أروع أنظمة الإرث، فلقد قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}(النساء:11)، وهو عندما ركَّز نظام الإرث، فإنّما بناه على أساس الحكمة.

ولكن مشكلة بعض الناس أنّهم يتدخلون فيما وضع الله له نظاماً، وحمّلهم مسؤوليّته، فلقد أعطى الله الإنسان حقّ الإيصاء بالثلث من ماله، فإذا أراد أن يخصّ بعض أولاده، فيمكنه أن يوصي بالثلث، ولكن عندما يميز بين ولد وآخر، أو بين ذكر وأنثى، فهو يقوم بعملية تعقيد أولاده ضدّه وضدّ بعضهم بعضاً، وللأسف، يخرّب ما بناه الله فيما أوكله إلينا. وقد تحتاج البنت إلى أن تعطيها أكثر من الولد.

 

خامساً: الصلاة والحج للمرأة

1- التكليف بالصلاة

يرى السيّد أنّ الإنسان الذكر يكون مكلّفاً عندما يبلغ سنّ الخامسة عشرة أو عندما تظهر عليه علامات البلوغ الأخرى، أمّا بالنسبة إلى المرأة، فلدى بلوغها سن الثالثة عشرة أو عند البلوغ الطبيعي الذي يتحقّق بالحيض، والبعض يقول عند بلوغها تسع سنين، وهو الأحوط. وقد قال الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}(النساء:6) في إشارة إلى البلوغ الطبيعي.

 

2- الصلاة مع الزوج.

يقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ}(النحل:125). والسيّد يرى أنّ من يريد أن يتزوج، فإنَّ عليه قبل كلّ شيء أن يفهم الشخص الآخر، ويفهم نقاط الضعف والقوة لديه، فإذا كانت الزوجة لا تصلّي، فيجب التعامل معها من منطلق الفهم الواعي لكلّ جوانب شخصيّتها، بحيث تركِّز وتنمّي الجانب الإيجابي عندها، وتقلّل وتزيل الجانب السلبي لديها، وكلّ ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، لا بالإكراه والتعنيف وإثارة ردود الفعل السلبية أو العكسية.

إمامة الزوج للزوجة

يقول السيّد إنّه يمكن للمرأة أن تصلّيَ خلف زوجها جماعةً، إذا كانت تثق بعدالة زوجها.

 

صلاة المرأة بمحاذاة الرجل

يقول السيّد إنّه يجوز صلاة المرأة بمحاذاة الرجل، وإن كان رأي الفقهاء الآخرين أن يكون هناك فاصل شبر، وبعضهم يقول أكثر من ذلك.

وجوب صلاة الجمعة للنساء

لا تجب على النساء صلاة الجمعة، وإن كان يصحُّ منهنّ الصلاة، وإذا صلّينها، فإنّها تغني عن الظهر.

شروط الجماعة للنساء

تصحُّ الصلاة مع وجود حاجز بين الرجال والنساء، مع لحاظ الاتصال بينهما في غير ذلك.

المسح على الشعر الاصطناعي

يرى السيّد أنّ الشعر المزروع اصطناعياً من قبل الأطباء والباروكة لا يعتبران جزءاً من الجسد، ولذا لا يجزي المسح عليه في الوضوء.

3- الصلاة في المسجد

يعتقد السيّد أنّه لو كانت هناك كراهة في حضور المرأة إلى المسجد والصّلاة جماعةً، لما كان رسول الله يرخّص بذلك، ولكان صدر عنه تحذير منه.

ولا يجوز لإمام المسجد أن يمنع النساء من المجيء إلى المسجد، إلاّ إذا كانت ثمّة مفسدة تنشأ من ذلك، وحتى لو كان الإمام ولياً على المسجد، فإنّ عليه أن يستعمل ولايته فيما أعدّ المسجد له، وقد كانت النساء يخرجن ليصلّين الجماعة مع النبيّ(ص)، كما هي بعض الرّوايات، حتى وقت الفجر.

ولذلك يقول السيّد إنّ ابتعاد المرأة عن المساجد هو من مظاهر التخلّف، من خلال طبيعة النظرة إلى المرأة ودورها، وإذا كان البعض يقول إنَّ مسجد المرأة بيتها، فإنّ الملحوظ أنّ الله يعطيها ثواب المسجد للصلاة في بيتها إذا كانت تذهب إلى المسجد لمجرّد حصول ثواب الصلاة، أمّا إن كانت تذهب إلى المسجد لحضور صلاة الجماعة أو للاستماع إلى الوعظ والإرشاد، أو لتزداد روحانيةً، فلا يجوز منعها من ذلك إلاّ إذا كانت هناك مفسدة كبرى.

صلاة المرأة بجانب الرّجل

يرى السيّد أنّه يجوز للمرأة أن تصلّي إلى جانب الرّجل، سواء كان من أرحامها أو من غير أرحامها. وفي رأي العلماء الآخرين، لا بدّ من فاصل شبرٍ أو ذراعٍ أو عشرة أذرع، وكلّ مقلّد يتبع مقلّده في ذلك.

4- الحجّ من دون محرم

يقول السيّد إنّ المذهب الإمامي الإثني عشري لا يشترط في سفر المرأة أن يكون لها محرم، بل يكفي في جواز سفرها أن تأمن على نفسها حسب الظروف المحيطة بها، وربّما كانت قضية المحرم سابقاً، لأنّ المرأة كانت تركب على الجمل مثلاً، وتحتاج إلى أحد يعينها في النزول والصعود، ما يفرض وجود المحرم الذي يقوم بذلك من الناحية الشرعية، وربّما كانت الظروف الأمنية صعبةً، بحيث تتعرّض المرأة للكثير من المصاعب.

أمّا في هذه الأيام، فالوضع الأمني في الطيارات والسيارات وغيره متوافر، ومع ذلك، فلو فرضنا أنّ المرأة تخاف على نفسها، فلا يجوز في هذه الحالة السفر وحدها، ولا فرق في هذه المسألة بينها وبين الرجل.

 

 

حجّ الزوجة دون إذن الخروج

إذا كان الحجّ واجباً على الزوجة، فلا قيمة لرفض الزوج، لذا يجوز لها الذهاب إلى الحجّ، أمّا إذا كانت غير مستطيعة للحجّ، أو لم يكن الحجّ واجباً عليها، فلا يجوز لها الذهاب، لأنّ عملها حينئذٍ يكون معصيةً.

الذباحة

لا فرق بين الرجل والمرأة في الذباحة، فكما تجوز للرَّجل تجوز للمرأة، ولكن مع توافر الشروط الشرعيَّة من التسمية والتوجيه نحو القبلة وغيرها من الشُّروط المعتبرة.

سادساً: حقوق المرأة المسلمة

يتحدّث القرآن عن النساء في أكثر من سورة، ومنها سور البقرة والمائدة والنّساء، والنور والأحزاب والتحريم والطلاق... وقد عالجت هذه السور الكثير من القضايا المتّصلة بالشخصية الإنسانية والقانونية للمرأة، وتحدّثت عن الحقوق والواجبات الزوجية المتبادلة بين المرأة والرجل، والذي يظهر منها جليّاً أنّ الإسلام ينظر إليها ككائن إنساني مستقلّ في رأيه وتصرّفاته وإيمانه، فلا سلطة لأحد عليها، إلاّ في ما تتنازل عنه من ذلك.

1- حقوق المرأة الإنسانيّة (حقوق وأدوار)

لم يقصّر الإسلام مع المرأة في الحقوق، ولكنَّ المجتمع هو الذي يقصّر معها، فالإسلام شيء والمسلمون شيء آخر. وبشكل عام، فإنَّ الرجل يعتبر نفسه رأس المرأة وسيّدها حسب الذهنية الشائعة، بل هي إنسان بنظره من الدرجة الثانية والثالثة. فمن جانب التطبيق، نحتاج كما يقول السيّد، إلى تجسيد القيم الإنسانية في احترام الإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأةً. وليس معنى المساواة أن تكون المرأة كالرجل في كلّ شيء، بل في حقّ الإنسانية. فالإسلام وزّع الوظائف بين الرجل والمرأة بشكل تكاملي وبما تستقيم به الحياة. فكما أنّ للرأس وظيفةً فللأطراف وظيفةً. وكلّ هذا يمثّل الكيان الكامل للإنسان, وكذلك المجتمع، فالرجل والمرأة هما نوعان من الإنسان، وهما يختلفان في بعض النّواحي. فلا بدّ لكلٍّ منهما من أن يأخذ حقّه من خلال طبيعة تكوينه، ومن خلال التكامل في بناء المجتمع.

2- حق المرأة في النموّ العقلي والاجتماعي

استشهد السيّد بقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}(الزُّمر:6). وأضاف أنّ التاريخ امتداداً إلى مرحلتنا كان يتحدّث عن المرأة كمخلوق ضعيف، وقد يفكّر البعض أنّ هذه الصفة (الضعف) هي صفة دينية، ولكن القرآن يشير إلى ضعف الإنسان بشكل عام: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}(النّساء:28). فالإنسان يعيش عناصر الضعف في الجسد، وقد أراد الله له عدم الاستسلام لضعفه، بل أن يحاول أن يجعل الضعف قوةً في نموه الجسدي، ولذلك فإنَّ الإنسان يمكن أن يطوّر القوّة الجسدية من خلال الوسائل التي تنمّي أعضاءه، رجلاً كان أو امرأةً.

صحيح أنّ المرأة تعيش بعض الضعف في جسدها، ولكنّها أهملت جسدها ولم تقوّه ولم تطوره ولم تنمّه، لذلك بقي ضعيفاً تستهلكه كما الأشياء الكثيرة. من هنا، للمرأة أن تأخذ بأسباب القوّة، فلا مشكلة شرعيّة في أن تأخذ المرأة بالفنون الرياضية المختلفة، لأنّ الآخرين قد يستضعفون المرأة فيعتدون عليها. لهذا يجب أن تأخذ بأسباب القوّة لتوازن قوّتها بقوّة الرّجال، فالكثير من النساء يتعرّضن لعدوانٍ من الناس ضرباً أو جرحاً أو اغتصاباً، ما يفرض على المرأة أن تكون قويةً في جسدها مع احتفاظها بأخلاقية القوّة وإنسانية الموقف، فالقوّة لا تعني العدوانية، بل المسوؤليَّة كما يقول السيّد. وهناك اتّهام آخر في التاريخ، وهو أنّ المرأة لا تملك عقلاً كاملاً، وربّما تبرَّع بعضهم بالقول، إنّها  بربع عقل أو بنصف عقل، لهذا لا بدَّ لها من أن تعيش عنفوان إنسانيّتها، وتنفذ إلى عقلها لتطوّره وتقوّيه وتنمّيه بالقراءة والحوار والتجربة والعلم، ولا بدَّ من التمرّد على الاستضعاف لتكون عقلاً يعطي الآخرين عقلاً.

3- حقّ الأم ورضاها

الأم هي الّتي حملتك في أحشائها تسعة أشهر في اللّيل والنهار، تغذّيت بدماء قلبها، وساعدتك بكلِّ طاقاتها، وعندما خرجت إلى الحياة، أعطتك أفضل ما عندها, وسقتك من ثدييها، وعاشت معك أمومتها بكلّها، فلم يبقَ هناك شيء فيها إلاّ وقدّمته لك. والفرق بين الأمومة والأبوّة، أنّ أمومة المرأة داخل جسدها، أمّا الأب، فالأبوة لا تكلّفه شيئاً إلاّ الإنفاق بعد ذلك.

لذلك، فإنّ الأمومة تقيِّد حركة الأم، ولكن الأبوّة لا تقيّد حركة الأب، لذا تحدّث الله في القرآن الكريم عن الوالدين معاً في آياتٍ، وتحدّث عن الوالدة بشكل خاص في آيات أخرى.

4- الحقّ في الزواج

إذا أحجمت المرأة عن الزواج، لأنّها تعتبر أنّ العلاقة الزّوجيّة غير طاهرة، وغير نظيفة، وبالتالي تريد السموّ عنها، فهذا سموٌّ لا معنى له في الإسلام كما يقول السيّد.

أمّا إذا كان إحجامها بسبب تهرّبها من عقدة نفسية تختزنها نتيجة فشل عاطفي، فإنّ الإسلام لا يريد للإنسان أن يستسلم لعقدته، وإنّما يعمل على حلِّها بطريقة واقعيّة، إن كان رجلاً أو امرأةً، وينصح السيّد بالتخفيف من تقاليد الزواج بالنسبة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة. ولا مانع في الإسلام من تنظيم النسل، أي الامتناع عن الإنجاب في بداية الزواج، لأنّ ذلك من الناحية الشرعية ليس محرَّماً إذا كان عبر الوسائل المشروعة.

5- الحقّ في الطّلاق

هناك استثناءات موجودة في الشرع الإسلامي كما يقول السيّد: إذ تعطى المرأة حقّ الطلاق إذا اشترطت على الزّوج أن تكون وكيلةً عنه في طلاق نفسها، فلها أن تطلِّق نفسها بحسب الشروط التي تتضمّنها وكالة الطلاق، ويحقُّ لها ذلك أيضاً إذا لم يقم الزوج بتأدية ما لها عليه من حقوق، فإن لم ينفق عليها أو لم يؤدِّ لها الحقّ الجنسي الّذي تحتاجه، أو تعسَّف وأضرّ بها بممارسة العنف معها، فإنّ كلّ ذلك يجعل لها الحقّ أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيطلّقها إذا طلبت الطلاق. فالإسلام لم يجعل الزواج سجناً تسجن فيه المرأة حسب أهواء الرجل، بل أعطاها مجالاً لأن تقوم هي بالطلاق إذا اشترطت ذلك في عقد الزواج، أو إذا لم يقم الزوج بتأدية حقوقها الشرعية.

"العقد شريعة المتعاقدين"، فاشتراط الوكالة عن الزوج بالطلاق، معناه أنّ الزوج أعطى المرأة الوكالة التي له، أي تنازل عن حقّه بالطلاق وأعطاها إيّاه حسب هذه الوكالة، وهي وكالة غير قابلة للعزل.

ولا يحقّ لأيّ قاضٍ أو رجل دين أن يرفض إجراء عقد زواج يتضمّن شرط إعطاء حقّ الطلاق للمرأة، لأنّ العقد مسألة اختيارية للرجل والمرأة، وليس من حقّه التدخل إلاّ من قبيل النصح والإرشاد.

 

6- حقّ العانس

إنّ للبنت التي لا تتزوَّج، والتي تخدم أبويها أو أخوتها، حقوقاً كبيرة عليهم، فعليهم أن يعملوا من أجل أن تعيش حياتها كإنسانة سويّة، كأن يبحثوا لها عن زوج، ويوفّروا لها ما يؤمّن استقرار حياتها. لكن التقاليد الجاهلة، كما يقول السيّد، جعلتنا ننكر على المرأة حقّها في أن يكون لها زوج، فالعادة عند الناس أن يسعوا لتزويج أولادهم وليس بناتهم وأخواتهم. فالمسألة لا تزال تدور في نطاق العيب، حتى إنّ الفتاة لا تستطيع أن تصرِّح لأبويها برغبتها في الزواج، وهذا من بقايا الظلم، والذي يمارسه المجتمع ضدّ المرأة. لذلك، فإنّ كثيراً من النساء قد يبقين عوانس، لأنّ أنانية الأب ترفض أن يزوّجها من الشخص المناسب، إمّا لوجود عداوة بينه وبين عائلة الولد، أو لأنّ الأب يريدها خادمةً في بيته، وما إلى ذلك، أو لأنّ عصبية الأخ وأنانيّته تمنعها من ذلك.

والسيّد يرى أنّ هذه مشكلة اجتماعية حقيقية تحتاج إلى حلّ لرفع الغبن والظلم عن بناتنا ونسائنا.

فالمشكلة في الشرق العربي، أنّ البنت عندما تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، تتحوّل في نظرهم إلى عانس، أمّا الرجل، فحتى لو كان عمره أربعين سنة وأراد الزواج من بنت الرّابعة عشرة فلا مشكلة.

فالموقف الإسلامي الإنساني أن لا تشعر العانس في البيت بأنّها كميّة مهملة.

7- الحقّ في امتلاك عناصر القوّة

هناك خطأ حول مفهوم المرأة القوية الشخصيَّة، فبعضهم يعتبرها شيطاناً، ولكن السيّد يشير إلى أنّ القرآن قدّم نموذجاً عن المرأة القوية في قِمّة السلطة، وهذا النّموذج هو ملكة سبأ، التي عندما جاءها كتاب سليمان (ع)، جمعت قومها واستشارتهم، وبهذا كانت المرأة المسؤولة التي لا تستبدُّ برأيها، بل تحاول أن تتفهّم النتائج من خلال الشورى، وعندما واجهها الرجال بعرض عضلاتهم أمامها واستعدادهم للدفاع عنها، بدأت تتكلّم معهم بلغة الفكر. راجع (سورة النحل:34).

لقد صوَّر لنا القرآن هذه الملكة امرأةً قويةً في مظهرها، وقدّم لنا نموذج امرأة فرعون الّتي كانت أقوى من الإغراء وأقوى من فرعون. وبذلك نلاحظ أنّها كانت تمثّل المرأة القويّة التي تبعث على الاحترام.

وربّما كانت مسألة الحديث عن الشيطنة في المرأة الذكية القوية، منطلقةً من الواقع الذي أريد له أن يحاصر المرأة على مدى التاريخ ويقيّدها، وهو ما فجّر لها عبقريتها في الكيد والمكر، والحيلة والدهاء، من أجل أن تحقّق نفسها في هذا الواقع.

إنّ مفهوم أنّ المرأة ضعيفة الفكر هو مفهوم جاهلي لا بدَّ لنا من أن نقوم بتوعية النّاس لجعلهم يبتعدون عنه.

8- الحقّ في التعلُّم

إنّ المرأة المسلمة، كما يقول السيّد، يجب أن تأخذ دورها في الحياة الاجتماعية والثقافية، وأن لا تكون معزولةً عن حركة الحياة. ولا بدّ لها أوّلاً من أن تحترم نفسها، بأن تحترم عقلها وإنسانيّتها وثقافتها.

فالعقل الفارغ من الثقافة يبقى طفلاً حتى وهو في الخمسين. لذلك عليها أن تتعلّم، ليس فقط بدخول المدارس والجامعات، بل بكلّ ما يؤمّن لها ثقافةً واعية.

لذلك لا نريد المرأة المسلمة الجاهلة، كما لا نريد الرجل المسلم الجاهل {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الزمر:9). ويرى السيّد أنّ على المرأة مشاركة الرجل في إنتاج العلم وحركة المعرفة وصنع الحضارة، والمشاركة في صنع القرار السياسي، وحركة القوّة والانفتاح على العالم، والمشاركة في كلّ مجالات العلم، لأنّ المرأة عندما تأخذ بأسباب القوّة في مجالات العلم، يعني أن تتخصَّص كما الرجل في كلِّ مجالات العلم، وهي معنيّة، كما الرّجل، بقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه:114).

فالمرأة في الإسلام حرّة أن تتعلّم كلّ شيء.

9- حقّ المرأة في العمل

صحيح أنّ الأمومة تعتبر مسؤولية المرأة بالحمل والإرضاع والحضانة، ولكن يبقى هناك فراغ تستطيع معه أن تعمل وتتثقّف. فإنَّ "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة".

فالإسلام في كلّ تشريعاته، لم يكلّف المرأة بأيِّ شأن من شؤون البيت، حتى الإرضاع، بل يجوز، كما يقول السيّد، أن تطلب من الرجل أن يعطيها الأجرة عليه.

فالإسلام في نظره لم يفرض على المرأة أن تعمل في البيت، وهي إن عملت، فإنّها تعمل من باب التبرّع والتطوّع، وإلاّ فإنّها غير مسؤولة شرعاً. نعم، يستحبُّ لها ذلك، وهذا جانب أخلاقي، بمعنى أن تعطيَ ما لا يجب عليها، وعند ذلك يفهم الرجل مقدار تضحية المرأة وهي تربّي الأولاد وتقوم بكلّ ما يتَّصل بإدارة المنزل.

فالأمومة لا تمنع المرأة من القيام بالعمل وتحمّل مسؤوليات الإسلام، ولكن ربّما كان وقت المرأة أضيق من وقت الرجل، وربّما كانت أعباء المرأة أكثر فيما يتّصل بحركتها الذاتية من جهة أطفالها، ولكن يبقى لها هامش من الواقع تستطيع من خلاله أن تقوم بدورها في العمل وفي المجتمع، لتدعو إلى الله، ولتواجه الظلم كلّه والانحراف كلّه والشرّ كلّه، في الحدود الشرعية المرسومة، أي أن لا تكون المرأة شيئاً معزولاً عن ساحة الصراع وعن ساحة قضايا المجتمع. ففي سورة التوبة، نقرأ عن انطلاق الرّجل والمرأة معاً إلى الصلاة، والقيام بالزكاة، وإطاعة الله ورسوله... وهذا هو الخطّ العام الذي يجعل المؤمنين والمؤمنات في حالة تكامل في طاعة الله ورسوله.

 

10- الحقّ في المشاركة السياسية

يقول السيّد: إنّ الإسلام منح المرأة الحقّ في إعطاء رأيها في القضايا الفكرية والسياسية التي يطلب فيها رأي الإنسان، ولها الحقّ مثلاً في أن تنتخب من تشاء للمواقع التمثيلية أو القيادية، ولها الحقّ في أن تُنتخَب أيضاً لإدارة شؤون البلاد... وأن تكون في المواقع الإدارية والسياسية، وحتى في المواقع الرئاسية بشروط معيّنة.

ذكر السيّد رأي الإمام الخميني في هذا المجال بالنسبة إلى المرأة، إذ دفع بها إلى ساحة الصراع وجعلها تشارك الرجل جنباً إلى جنب في التظاهرات الاجتماعية وفي تنظيم الأوضاع السياسية في مواجهة الطغيان آنذاك، والمعروف أنّ السيّد الخميني (رحمه الله) قال كلمةً عن المرأة تدلّ على عظم دورها: "المرأة كالقرآن، كلاهما أوكل إليه مهمّة صنع الرّجال". فعندما يوكل إلى المرأة مهمّة صنع الرجال، فإنَّ عليها كما تصنع الرجال في طفولتهم، أن تصنعهم أيضاً في مرحلة الشباب والرجولة، وكما قيل، إنّ "وراء كلّ عظيم امرأة".

ويقول السيّد إنّ المرأة يمكن أن تتحرّك مع الرجل في مواجهة الواقع السياسي والاجتماعيّ، وتاريخ المرأة المسلمة في عهد النبيّ (ص) كان أفضل من تاريخ المرأة المسلمة في عهودنا.

وفي رأيه أنّه من حقّ المرأة الواعية المثقّفة المتعلّمة الجيدة أن تشارك في العمل السياسي في المجالات على مستوى النيابة والوزارة أو أيّ موقع من مواقع المسؤولية في هذا المجال، لأنّ لها عقلاً وحركةً إنسانيةً وتفكيراً كما للرجل، وما عليها سوى التكامل معه لإنقاذ البلاد والانفتاح على القضايا كلّها وصناعة المستقبل. ولعلَّ أمومة المرأة لا تقتصر على الرضاعة والاهتمام برعاية الأطفال، بل الارتفاع بالأبناء ليعيشوا في وطن حرّ متعلّم مثقّف، وهذه هي مسؤولياتها الشرعية. وينصح السيّد النساء بالقول: "عليكن أن تثقن بأنفسكن"، لأنّني أخشى أنّ المرأة لا تثق بالمرأة، وإنّني أدعو إلى الثقة بالنفس، لا الغرور، من خلال العلم والمعرفة والخبرة، وأن تنطلق في المجتمع ليثق بها الآخرون جميعاً.

المشهور أنّه لا يجوز للمرأة ممارسة دور القضاء، ولكن بدأت بعض المناقشات الفقهية حول الموضوع، كما يقول السيّد.

وفي سؤالٍ طُرِحَ على السيّد حول عملها في القضاء، أجاب: نحن لا نرى مانعاً من ممارسة المرأة لمهنة المحاماة، إذا كان للدفاع عن الحقّ لا عن الباطل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى القضاء إذا كان يقضي بما حكم الله سبحانه وتعالى، وهو الأمر نفسه الّذي ينطبق على الرّجل.

حقّ الشهادة للمرأة

في مسألة شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد، يفسّر السيّد بأنّها لا علاقة لها بانتقاص المرأة، لأنّ الله تعالى قال: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}(البقرة:282). والملحوظ في الآية أنّ المرأة هي التي تذكّر المرأة، وهو ليس نقصاً، بل هو تعبير عن حالة إنسانية سلبية. ولو كانت المسألة تختزن النقص، فكيف يكمل الناقص الناقص؟! إنّما هو احتياط في العدالة، كما هو حال احتياط العدالة حين لا تقبل البيّنة إلاّ بشهادة شاهدين، دون أن يعني ذلك نقصاً في إنسانية أحد الشاهدين، إنّها مسألة تتّصل بالاحتياط للعدالة في هذا المجال.

حقّ ترشح المرأة لمجلس الشورى (البرلمان)

أصدر السيّد فتوى في هذا المجال بطلبٍ من بعض المؤمنين في الكويت حول مسألة ترشح المرأة لمجلس الشورى، وكان جوابه أنّه لا مانع للمرأة من أن تشارك في الانتخابات وتترشّح، بشرط أن تدافع عن الإسلام وأن لا تؤيّد أيّ قانون على خلاف الإسلام.

11- حقّ المرأة في الإمامة 

يجوز للمرأة، كما يقول السيّد، أن تؤمّ النساء، ولكن أن تؤمّ الرّجال، فربما كان هذا النوع من الفروقات أو التمايزات بين الذكر والأنثى بحيث لا يناسب أن تؤم المرأة الرجال.

12- حقّ المرأة في الاجتهاد الفقهيّ وأن تكون مرجعاً

ربّما كان رأي الفقهاء المعاصرون، كما يقول السيّد، أنّ المرأة لا يمكن أن تكون مرجعاً، لأنّ المرجع ينفتح على الناس ويجلس معهم، والمرأة فرض عليها الحجاب، ولكن السيّد يقول: "يجوز للمرأة أن تكشف وجهها وكفّيها، ولا مانع من أن تتحدّث مع الرجال، فالنساء المؤمنات في زمن النبيّ (ص)، وفي زمن الأئمّة (ع)، كنّ يتحدّثن مع الرجال".

كما يمكن للمرأة أن تقدّم رأيها الفقهي من خلال الرسالة العملية، كما يوصل أكثر المراجع آراءهم  بواسطة الرسائل العملية أو بواسطة الهاتف أو أيّ وسيلة في الفاكس والإنترنت من دون أن تبرز بين الرجال.

وبما أنّ البعض يقول إنّ الواقع الإسلامي درج على أن تكون بعض المراكز للرجال، مثل مركز المرجعية، ولا يتقبّل أن تكون امرأة مرجعاً، فالسيّد يقول إنّ التاريخ يثبت أن المجتمع كان مجتمعاً للرجال، ولذلك فإنّ خطاب الرجل لا ينطلق من خصوصية فيه، وإنّما ينطلق من واقعية المسألة، لأنّ الرجل هو العنصر الذي يتحرك في الساحة ويتحمل المسؤوليات هنا وهناك.

ولكن في غير موضوع المرجعية، يقول السيّد إنّ المسلمين تقبلوا في تاريخهم مسؤولية بعض النساء، كما الأمر بالنسبة إلى ملكة سبأ الّتي ذكرها القرآن الكريم، وذكر أنّها أعقل من الرجال وغيرها من النساء.

نعم، يمكن للمرأة، كما يقول السيّد، أن تصل إلى مرتبة الاجتهاد، ويمكن أن تصل إلى المواقع العلمية في القضايا العلمية الدقيقة والصعبة. لأنَّ الفقه علم كبقية العلوم، ولا مانع من أن تكون مرجعاً، ولكن الواقع الاجتماعي الإسلامي لا يسمح بذلك، أمّا الجانب الشرعي فلا إشكال فيه، حتى إنّ السيّد محسن الحكيم والشيخ محمّد حسين الأصفهاني وكثيرين يقولون إنّه لا يوجد هناك مانع فقهيّ من ذلك، ولكنّ المرأة الآن لم تدرس الدراسات الفقهية بالمستوى الذي تستطيع فيه أن تصل إلى هذا المستوى. ثم هناك بعض القيود والظروف الاجتماعية التي قد لا تجعل هذه الفرضية فرضيّةً واقعيّةً.

أما رأي السيّد في فكرة تخصّص المرأة في الفقه، فالفقه الواسع قد لا يستطيع مجتهد واحدٌ أن يحيط به، لذلك لا بدَّ من التخصّص، فليتخصّص مجتهد في فقه العبادات، وآخر في المعاملات، أو تتخصّص امرأة في أحكام النساء مثلاً، وفي هذه الحالة، نسمّي هذا الشخص المتخصّص بالمجتهد المتجزّئ، ولا مانع من الرجوع إليه في مواطن اجتهاده.

 وخلاصة القول، كما يقول السيّد، إن القاعدة العلمية تقضي أن لا فرق بين الرجل والمرأة في الاجتهاد والفقه، والسيّد يوافق السيّد محسن الحكيم الرّأي وكذلك الشيخ محمّد حسين الأصفهاني في آرائهما، والنصّ القرآني يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(النحل:43)، فقد يكون الرجل من أهل الذكر، وقد تكون المرأة من أهل الذكر، فأهل الذكر هم المختصون، وفي العلم ليس هناك فرق بين المرأة والرجل، فقد تكون المرأة أفضل، وقد يكون الرجل أفضل، وكما نرجع إلى المرأة المهندسة أو الطبيبة، كذلك يمكن الرجوع إلى المرأة الفقيهة المجتهدة العالمة الورعة التقية المتخصصة.

فالأساس الذي نرجع فيه إلى العالمة في أي حقل من حقول المعرفة، هو نفسه الذي نرجع فيه إلى المجتهدة، وغاية ما هناك أن العلماء يتحفظون في الفتوى.

والمشكلة في الواقع الإسلامي، أن هناك نظرة دونية للمرأة، وهي نظرة غير إسلامية، بينما القرآن الكريم يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(البقرة:228).

13- حقّ التصرف في الأموال

ليس للزّوج سلطة على أموال الزوجة، ولا الأخ له السلطة على أموال أخته، فالمرأة تملك مالها ملكاً مطلقاً، وليس لها أن تستأذن أباها أو زوجها أو أخاها في التصرّف إذا كانت بالغةً رشيدةً. هذا من ناحية مالها الخاصّ، أما مال زوجها، فليس لها أن تتصرّف فيه إلا بإذنه. إلاّ إذا كان ممتنعاً عن الإنفاق عليها وعلى أولادها.

وفي حال تطليق الزوجة، فليس الطلاق بيد المحامي الموكل، بل بيد الحاكم الشرعي، فإذا رأى أنّ الزوج لا ينفق على زوجته ولا يقوم بحقوقها عليه، فإنّه ينذر الزوج، فإن استجاب، فإمّا أن يطلّق أو يرجع إليها {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة:229). وإلاّ فالحاكم الشرعي هو الذي يطلقها.

14- دور المرأة في عاشوراء

يقول السيّد، إنّ المرأة هي إنسان كما الرجل إنسان، وقد كانت عاشوراء هي عاشوراء المرأة وعاشوراء الرجل.

وقد كانت النساء في عهد الدعوة الأول يقمن بالدعوة، كما كان الرجال يقومون بها، حتى إنّ سميّة استشهدت في سبيل الإسلام لتأكيد الثبات على الإسلام والتوحيد إلى جانب زوجها ياسر الذي استشهد أيضاً في سبيل الثبات على الإسلام. وقد كان النبيّ (ص) يخرج المرأة كما يخرج الرجال إلى الحرب، لتقوم النساء بسقي العطاشى ومداواة الجرحى. وقد كان للمرأة دورٌ في عاشوراء في امتدادها الزمني، وعند انطلاقتها، إذ نجد السيّدة زينب (ع) المرأة القائدة التي انطلقت بكلِّ صلابة وقوّة وشموخ، وبكلّ عنفوان وصبر ومواساة لتكون مع أخيها الإمام الحسين (ع) حتّى شهادته، ولتقوم من بعده برعاية الأسرى والسبايا وحماية الإمام زين العابدين (ع)، وهي التي وقفت أمام ابن زياد بكلّ العنفوان الإيماني الإسلامي العلوي لتخاطبه بكلّ قوّة. وهكذا عندما وقفت في جموع أهل الكوفة لتخاطبهم بكلّ قسوة على خذلانهم أو على مواجهتهم الحسين (ع). فقد كانت زينب (ع) تمثّل القاعدة في حركة المرأة عندما يفرض الإسلام على المرأة أن تواجه بحسب الظروف المحيطة بها وبحسب إمكاناتها. فالسيّد يؤكّد هذه الحركيّة حاضراً ومستقبلاً من طريق وعي النساء وثقافتهن، ويؤكّد حركية المرأة في المسألة الإنسانية، لأنّها تنسجم مع الخطّ الإسلامي الذي وضعه المذهب الإسلامي للمرأة، كما يؤكّد المنهج الإسلامي الأخلاقي للرجل.

15- حقّ الاستشهاد للنساء

يرى السيّد أنّ مسألة دخول الاستشهاديات ساحة المعركة، تدخل في قضية الجهاد. وقد يشكّل الجهاد حالةً واحدةً للرجال والنساء معاً. وصحيح أنّ الإسلام لم يكلّف المرأة بالجهاد، ولكنّه أجاز لها أن تجاهد، ولا سيّما إذا كانت ضرورات الحرب الدفاعية تتطلّب أن تنطلق النساء في أيّة عملية عسكرية أو استشهادية، لذلك، فإنّ اللواتي ينفّذن العمليات الاستشهادية هنّ من الشهيدات اللواتي يصنعن تاريخاً جديداً ومجيداً للمرأة العربية المسلمة.

والسيّد يتحفّظ عن كلّ الكلمات التي تحفّظت عن عمليات المرأة الاستشهادية، ويقول إنّها جهاد كأيّة عملية جهادية أخرى، لأنّ الله لم يحدّد لنا آلية الجهاد، لأنّ الآليات تفرضها حاجة المعركة.

لقد أشار السيّد إلى الآية في القرآن: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(التوبة:71)، فالله يؤكّد حقّ المرأة في القيام ضدّ الظلم والاستعمار، لأنّه منكر، فإذا قامت المرأة بأعمال ضدّ العدو الإسرائيلي مثلاً، فرأي السيّد أنّ عليها في هذه القضية أن توازن بين الجهاد ومسؤوليّتها العائليّة، وأن تتحرّك ضمن خطة، إذ ليس من المفروض أن ينطلق كلّ الناس ليكونوا في المعركة، بعض الناس يخدم في الخطوط الخلفية أكثر مما يخدم في الخطوط الأمامية. المهمّ أن يفكّر الرّجل والمرأة عندما يريد أيٌّ منهما أن يتحرك ليكون تحرّكه ضمن خطّة.

16- حقّ المرأة في الحماية والأمان

يقول السيّد إنّه بالرغم من كلّ التقدم حيال النظرة الإنسانية إلى المرأة، إلاّ أنّ المرأة لا تزال تعاني من العنف الممارس ضدّها، والذي يأخذ أشكالاً متعددةً، ولا يقتصر على دائرة دون أخرى، كما لا يأخذ هوية شرقية، بل نجده شاملاً في مستوى العالم، وإن كان قد يختلف شكل العنف وحجمه من مكان وآخر. فلا تزال المرأة، أختاً كانت أو بنتاً أو زوجةً، عرضة لتسلط الرجل عليها، سواء كان أخاً أو أباً أو زوجاً، ويأخذ العنف في ذلك أشكالاً متعدّدة؛ فهناك العنف الجسدي الذي تتعرَّض فيه المرأة للضرب، وهذا يجعل الرجل في أحطّ حالات الإنسانية، لأنّه يدلّ على فقدانه المنطق الذي يمكن أن يفرضه على الآخر من موقع الالتزام والاقتناع، كما أنّه لا يدلّ على قوّة الرجل، بل على ضعفه، لأنّه "إنّما يحتاج إلى الظلم الضعيف"، وقد يصل العنف في هذا المجال إلى أقصى مستوياته وأقساها، عندما تتعرض المرأة للاغتصاب الذي قد ينتهي بموتها. وقد ذكر السيّد أنواعاً عدّة من العنف:

العنف النفسي: الذي يهدّد فيه الزوج زوجته بالطلاق أو بغيره، أو عندما يتركها في زواجها كالمعلّقة، فلا يعاملها كزوجة ولا يطلقها، أو الذي يستخدم فيه الطلاق كعنصر ابتزاز لها في أكثر من جانب، فتفقد بالتالي الاستقرار في زواجها، ما ينعكس ضرراً على نفسيتها وتوازنها.

العنف المعيشي: الذي يمتنع فيه الزوج أو الأب عن تحمل مسؤوليّاته المادية تجاه الزوجة والأسرة.

العنف التربوي: الذي تمنع معه المرأة من حقّها في التعليم والترقي في ميدان التخصص العلمي، فتبقى في دوَّامة الجهل والتخلّف، ثم تحمَّل المسؤولية في قلّة الخبرة والتجربة التي فرضها عليها العنف.

العنف العملي: الذي يميِّز بين أجر المرأة وأجر الرجل من دون حق، مع أنّ التساوي في العمل يفرض التساوي في ما يترتّب عليه من أجر. ويؤكِّد السيّد عشر نقاط في تأمين الحماية والأمان للمرأة ضدّ ممارسة العنف، وهي الآتية:

أ- يشكّل الرفق منهجاً مركزياً في الإسلام، ويكتسب الأولويّة على العنف الذي لا ينبغي أن يؤخذ به إلاّ في حالات استثنائية قد تقتضيها ضرورة التربية أو ردّ العدوان.

ب- إنّ قوامة الرجل على المرأة لا تعني سيادة الرجل عليها، بل تعني تحميل الرجل مسؤولية إدارة الأسرة التي لا بدّ من أن لا يستبد بها، بل أن يتشارك مع الزوجة في كلّ الأمور المشتركة بينهما كزوجين.

جـ- إنّ إقبال المرأة على العمل المنزلي والاضطلاع بأعبائه من خلال إنسانيتها وعاطفتها وتضحيتها، في الوقت الذي لم يكلّفها الإسلام أيّاً من ذلك، حتى فيما يخصُّ الحضانة وشؤونها، واحترام عملها حتى افترض له أجراً مادياً، لا بدّ من أن يدفع الرجل إلى تقدير التضحية التي تبذلها المرأة في رعايته ورعاية الأسرة، فلا يدفعه ذلك إلى التعسف والعنف في إدارة علاقته بها.

د- لقد وضع الإسلام قاعدة "المعروف" فقال الله تعالى في القرآن الكريم: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. هذه القاعدة الشرعية يمكن أن تنفتح على أكثر من حكم شرعي ينهي الزواج إذا تحوّل ضدّ " المعروف".

هـ- اعتبر الإسلام أنّ المرأة في إطار الزواج كائن حقوقي مستقلّ عن الرجل من الناحية المادية، فليس للرجل أن يستوليَ على أموالها الخاصة، أو أن يتدخل في تجارتها أو مصالحها التي لا تتعلّق به كزوج، أو لا تتعلّق بالأسرة التي يتحمّل مسؤوليّة إدارتها.

و- إنّ الإسلام لم يبح للرجل أن يمارس أيّ عنفٍ ضدّ المرأة، سواء في حقوقها الشرعية التي ينشأ الالتزام بها في خلال عقد الزواج، أو في إخراجها من المنزل، وحتّى في مثل السبّ والشتم والكلام القاسي السيّئ، إذ يمثل ذلك خطيئةً يحاسب عليها القانون الإسلامي.

ذ- يؤكّد الإسلام أنّه لا ولاية لأحد على المرأة إذا كانت بالغةً رشيدةً مستقلّةً في إدارة شؤونها، فليس لأحد أن يفرض عليها زوجاً لا تريده، والعقد من دون رضاها باطل لا أثر له.

ح- الحفاظ على الأسرة، إذ ينبغي للتشريعات التي تنظّم عمل المرأة أن تلحظ المواءمة بين عملها وواجبها الأسريّ، وأنَّ أيّ إخلال بهذا الأمر قد يؤدّي إلى تفكّك الأسرة، ما يعني أنّ المجتمع يمارس عنفاً مضاعفاً تجاه تركيبته الاجتماعية ونسقه القيمي.

طـ- لقد أكثر الإسلام تأكيد موقع المرأة إلى جانب الرجل في الإنسانية والعقل والمسؤولية ونتائجها، وأسس الحياة الزوجية على أساس من المودّة والرحمة، ما يمنح الأسرة بعداً إنسانياً يتفاعل فيه أفرادها بعيداً من المفردات الحقوقية القانونية التي تعيش الجمود والجفاف الروحي والعاطفي، وهذا يمنح الغنى الروحي والتوازن النفسي والرضى الثقافي والفكري للإنسان كلّه، رجلاً كان أو امرأةً، فرداً كان أو مجتمعاً.

ي- ويعتبر السيّد أنّه إذا مارس الرجل العنف الجسدي ضد المرأة، ولم تستطع الدفاع عن نفسها إلاّ بأن تبادل عنفه بعنف مثله، فيجوز لها ذلك من باب الدفاع عن النفس. كما أنّه إذا مارس الرجل العنف الحقوقي ضدّها، بأن منعها بعض حقوقها الزوجية، كالنفقة أو الجنس، فلها أن تمنعه تلقائياً من الحقوق التي التزمت بها من خلال العقد. وقد أفتى السيّد ذلك، داعياً في الوقت نفسه إلى رفع العنف عنها، سواء كان عنفاً جسدياً أو اجتماعياً أو نفسياً أو تربوياً أو داخل البيت الزوجي أو ما إلى ذلك.


17- المرأة وأحكام الزنا

يؤكّد السيّد خطورة ما يسمّى "جرائم الشرف"، التي يقتل فيها بعض الرجال أخواتهم أو بناتهم أو قريباتهم بحُجّة ارتكابهنّ أعمالاً منافيةً للعفّة والشرف، ويشير إلى أنّ جريمة الشرف تمثّل عملاً منكراً ومحرَّماً من الناحية الشرعية، وتترتَّب عليها كلُّ تبعات الجريمة من دون أن تحمل أيّ عناصر تخفيفية لمن يرتكبها. ويذكر السيّد أنّ هذه الأعمال نفسها لا تثير حفيظة الرجال عندما يرتكب الذكور من أقربائهم أموراً مماثلة، وكأنّ الضريبة على المرأة وحدها.

إنّ ذلك في الحقيقة لا ينطلق من دواعي الغيرة والكرامة والشرف، بقدر ما ينطلق من العقلية الذكورية القبلية التي لا تزال متحكّمةً في نفوس الكثيرين، كما يقول السيّد.

وقد تقدّم السيّد بفتوى في هذا المجال، إذ قال: "نرى جريمة الشرف عملاً منكراً ومداناً ومحرَّماً من الناحية الشرعية، وجريمةً كاملةً تترتَّب عليها كلّ تبعات الجريمة، من دون أن تحمل أيّ عناصر تخفيفية، لأن هذه الجرائم ترتكب دون إثباتات أو أسس شرعية، وتجري في الغالب الأعمّ على الشبهة، على أنّ الرجل، زوجاً أو أباً أو أخاً أو قريباً، لا يملك ولاية تطبيق القانون ومعاقبة المرأة، وإنّما ذلك من صلاحيات السلطة القضائية العادلة، وإنّ من يقوم بذلك خلافاً للموقف الشرعي، يستحقُّ العقاب في الدنيا، كما أنّ هذه الجريمة من الكبائر التي يستحقّ مرتكبها دخول النار".

18- حقّ المرأة في التمتع الجنسي

من الطبيعي أنّ العلاقة تنطلق بين الرجل والمرأة في البداية من أجل اللذة... فاللّذّة هي التي تجتذب، وهي الّتي تهيّئ الجوّ، وهي التي تضع عناصر الإثارة في الجسد، ثم يكون التناسل هدف اللّذة الواقعي في الحياة.

والمعروف أنّ جانب الإثارة لدى الرجل أكثر سرعةً من جانب الإثارة عند المرأة، لأنّ الإحساس الجنسي لدى المرأة قد يحتاج إلى عناصر متعددة حتّى تتمكّن من الانفتاح عليه في جسدها بشكل طبيعي.

لذلك تجد المرأة لا تنجذب إلى العلاقات الجنسيّة المتنوّعة، بينما رأي السيّد أنّ الرجل يعمل على تنويع العلاقات الجنسية بفعل الحاجة المتحرّكة نتيجة طبيعة الشهوة المتحرّكة.

ويلاحظ السيّد أنّه حتى في المجتمع المتحرّر الّذي يمكن للرجل أن يجد فيه الإشباع الجنسي لدى أكثر من موقع وبشكلٍ حرّ، يعمد إلى اغتصاب طفلة أو امرأة، باعتبار أنّ عنصر الإثارة لديه يجعله يندفع إلى تلبيته بسرعة.

ويقول السيّد إنّه إذا نظرنا إلى الحركة التاريخية، نرى أنّ المرأة كانت رمز الجنس، بمعنى أنّها رمز الإثارة، وعلى هذا الأساس، كان أكثر التاريخ الأدبي هو تاريخ الغزل بالأنثى، إذ كانت المرأة هي رمز الجمال والأنوثة والشهوة، باعتبار جسد المرأة هو الجسد الذي يجتذب الشهوة ويوحي باللّذة وما إلى ذلك، وهو ما جعل من المرأة رمزاً للإثارة من خلال تأثير ذلك في الذهنية الإنسانية. وللمرأة الحقّ في التمتُّع الجنسي في العلاقة الشرعية بينها وبين الرجل. وفيما يتعلّق بقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}.

يحاول البعض من الناس أن يستدلّ بهذه الآية على جواز العلاقة الجنسية في الدبر، ولكن السيّد يقول إنّ الآية مفسّرة في أحاديث الأئمّة من أهل البيت، وإنّ المراد بـ {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} أي من أيّ مكان يؤدّي إلى الحرث، وهو موضع الولد، فيمكن أن يأتي الإنسان زوجته من (قبل)، سواء من الأمام أو من الخلف، لأنَّ اليهود كانوا لا يجيزون ذلك، ففي كلا الحالتين، تكون العلاقة الجنسية في الموضع الطبيعي، لأنّ الموقع الثاني(الدّبر) ليس حرثاً.

19- اللّقاح الاصطناعيّ واستئجار الأرحام

يرى السيّد أنّ عملية التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب جائزة شرعاً شرط حدوث التلقيح بحيوان رجل ونطفة امرأة متزوجين من بعضهما بعضاً، والطفل يكون شرعياً، أمّا إذا كان التّلقيح من غير الزوج، فهذه الحالة ليست شرعيةً، لكنّها ليست في مقام الزنى، إلاّ أنّ الولد لا يكون ابن الزوج بل ابن صاحب النّطفة. ويضيف السيّد: "لو فرضنا أخذنا المنيّ من الزوج ولقحنا به بويضة امرأة أخرى غير الزوجة، ثم زرعناها في رحم الزوجة، فهذا عمل ليس محرّماً، ولكنّه الاحتياط يقضي أن يعقد الرجل قرانه على المرأة التي تهب بويضتها لزوجته، ليتمّ تلقيحها بمنيّه، والسيّد يتبنّى الرأي القائل بأنَّ الولد في الحالة السالف ذكرها، هو ابن صاحبة البويضة لا الحامل.

إنّ بعض الفتاوى تجيز ذلك، ولكن الولد يتبع صاحبة البويضة لا المرأة الحامل، لأنّه نتيجة اجتماع النطفة والبويضة في عملية التلقيح، الأمر الذي يجعل صاحبة البويضة شريكةً في تكوينه، أمّا الحامل، فلها دخل في نموّه، ولكنَّ الولد إذا جاء وكانت النطفة من الزوج فالولد شرعي. وأمّا من غيره، فلا يجوز أن توضع النطفة في رحم غير الزوجة، بمعنى أنّه لا يجوز للإنسان أن يضع نطفته في رحم من تحرم عليه كما جاء في بعض الأدلّة، سواء بويضة المرأة ذاتها، أو بويضة أخذت من الخارج كما يرى السيّد.

إنّ الإسلام يريد لعملية النسب في مسألة التوالد أن تخضع لضوابط دقيقة في العلاقة الزوجية، ما يجعل استحداث الوسائل الجديدة، كالأرحام المستأجرة التي يختلف فيها صاحب النطفة وصاحبة البويضة عن صاحبة الرّحم المستأجر، سبباً للفوضى وللتعقيدات الاجتماعية، ما قد يحدث من خلالها من مشاكل، ولذلك فإنّ السيّد يفتي بعدم شرعيتها من حيث المبدأ؛ والله العالم.

 

سابعاً: استفتاءات للسيّد في أمور متفرقة

1- وسائل منع الحمل والإجهاض

بالنسبة إلى السيّد، إنّ الواقي الذكري هو إحدى وسائل منع الحمل، وهو أمر جائز بشرط أن لا يضرّ بالمرأة، ولكنّه غير مستحبّ، باعتباره قد يمنع المرأة من أن تبلغ حاجتها من العملية الجنسيَّة.

أمّا بالنسبة إلى تنظيم النسل، فهو أمر جائز شرعاً، غاية ما هناك، أنّ هناك بعض الوسائل الشرعية المحرمة مثل الإجهاض. ولكنَّ هناك تحفظاً حول بعض الحالات، كما إذا حملت المرأة وكان حملها يؤدّي إلى مرض بالغ لا تستطيع تحمّله، وكان الحمل في الأشهر الأولى، وهو ما يعبّر عنه بحالة ما قبل نفخ الروح، أي قبل أن يتكامل كإنسان، أمّا ما بعد نفخ الروح، فلا يجوز الإجهاض إلاّ في حالة واحدة، وهي حالة ما إذا شكَّل الحمل خطراً على حياة الأم؛ في هذه الحالة، في رأي السيّد، يجوز للأم أن تجهض نفسها من باب الدفاع عن النفس.

2- الوشم (دهون الوجه والعطر)

الوشم عند المرأة، كما عند الرّجل، ليس حراماً ولا مكروهاً من حيث المبدأ، كما يقول السيّد، إلاّ أنّه يمكن أن يصبح حراماً بالعنوان الثانويّ إذا أدّى إلى ما يوجب التّحريم، كهتك حرمة صاحبه، أو إذا كان من مثل الزينة المثيرة بالنسبة إلى المرأة... وهكذا بحسب العناوين الطارئة.

بالنّسبة إلى تعديل حاجب المرأة أو وشمه بالليزر، يرى السيّد أنّ الوشم الذي يتحدّث عنه اليوم إذا كان فيه تدليس على الزوج بالإيحاء بجمال ليس طبيعياً، وكان من نوع الغشّ، فهو حرام، أمّا إذا كان ذلك من طبيعة زينة المرأة فليس محرَّماً.

3- وضع العدسات الملونة

يجوز للمرأة وضع العدسات الملونة لأجل أن تبدو أجمل أو لأسباب أخرى، ولكن المهمّ أن لا يكون ذلك من الزينة المثيرة بحسب الصدق العرفي.

4- الصداقة مع المرأة

يقول السيّد إنّ إقامة علاقات صداقة وأخوّة من قبل رجلٍ مع فتيات مسلمات ملتزمات وضمن الضوابط والحدود الشرعية هو ليس محرّماً في ذاته، ولكن كيف يمكن للشاب والفتاة أن يحفظا الحدود الشرعيّة، ومعلوم أنّ الشيطان يدخل في ذلك؟!


5- المراسلة عبر الانترنت

إذا كانت المراسلة بين الرجل والمرأة من طريق الإنترنت لغرض علميّ أو ديني، وكانت بعيدةً من الأجواء المثيرة، فلا حرمة عندئذٍ. ولكن السيّد لا ينصح بذلك، لأنّها قد تؤدّي بفعل الأجواء الحميمة إلى ما لا تحمد عقباه، وقد تخضع بعض النساء للإغراءات في الزواج أو في علاقات غير شرعية من خلال بعض أساليب التخاطب.

6- فحص الطبيب للمرأة

يجوز للطبيب، كما يقول السيّد، أن يفحص المرأة التي تعاني من مرض جلدي في منطقة معينة لا يجوز النظر إليها من قبل الرجل إذا لم يكن هناك طبيبة مختصة بهذا المجال. وقد ورد في بعض النصوص المعتبرة جواز ذلك لها وله إذا كان الرجل أرفق بعلاجها من النساء.

7- التبرّج والتظاهر بالفسق

يرى السيّد أنّ التبرّج والسفور حرام، والتجاهر به تجاهرٌ بالفسق، والإصرار عليه كبيرة. ولكن الردع عن الحرام قد يكون بالمقاطعة الاجتماعية، وقد يكون بمواصلة الوعظ والإرشاد، فقد تكون بعض النساء متبرجةً لأنّها عاشت في بيئة غير مؤمنة وغير متدينة، فالوسيلة الطبيعية في جعلها ترتدع هي أن نُوَعّيها وأن نفهّمها، علّها تعود إلى الطريق الصحيح.

- موادّ تلطيف الوجه

يقول السيّد إنّه إذا كان دهن الوجه بشكلٍ طبيعيٍّ ولم يخرج عن المقدار الطبيعيّ، ولم يشكّل عنصر إثارة، فلا إشكال في ذلك.


- العطر

إنّ العطر مستحبّ إسلامياً، وبالنّسبة إلى المرأة، فلها أن تتعطّر في الدائرة التي لا تتحرّك فيها عناصر الإثارة.

8- الرقص والتمثيل والموسيقى والغناء والإنشاد..

- الرقص

إنّ رقص العروسين في حفلات الخطوبة أو الزواج غير جائز، وإذا كان بعض العلماء يرى جوازه للمرأة، كما يقول السيّد، فإنّه يخصّه بالرقص غير الخلاعي، ويقصره على الرقص للزوج، أمّا الرقص في الأماكن التي يختلط فيها الجنسان، فلا يجوز لا للمرأة ولا للرجل.

- التمثيل

يرى السيّد أنّ التّمثيل أسلوب من أساليب التعبير الفنيّ الأدبيّ، ويختلف باختلاف طبيعة الرواية، وما إلى ذلك. وهو جائز للرجال والنساء شرط الالتزام بالضوابط الشرعيّة.

 

- الموسيقى

في رأي السيّد، إنّ المحرّم من الموسيقى هو ما يثير الغرائز، وما يعبَّر عنه في المصطلح الفقهي بألحان أهل الفسوق، أي التي توحي بالفسق، وتجعل الإنسان من حيث نوع اللّحن في حال طوارئ جنسيَّة، وكذلك الموسيقى التي تدمّر الأعصاب. أمّا الموسيقى الكلاسيكية والهادئة والحماسية، فهي حلال في نظره الفقهي، لأنّها ترتفع بالروح وتملأها بالفرح الهادئ والسكينة والطمأنينة والسّمو والإبداع.

- الغناء

إنّ رأي السيّد في مسألة الغناء موافق لرأي الكاشاني، وهو أنّ الغناء المحرَّم هو ما كان مضمونه باطلاً، لقوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}(الحج:30)، وهو قول الباطل، ويقول الله تعالى في آية أخرى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(لقمان:6). أمّا أن يكون الغناء سبيلاً لجذب الناس إلى الله سبحانه وتعالى، أو كان في مدح النبيّ (ص) أو الأئمّة (ع)، فلا إشكال في أنّ هذا لا يضلّ عن سبيل الله، بل يهدي إلى هذا السبيل.

وإذا قرأت النساء على مسمع الرجال، فلا يعتبر محرّماً، فالمحرم هو الصوت المثير، من خلال الآية التي تقول: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}(الأحزاب32).

- الإنشاد

يقول السيّد إنّه لا مشكلة شرعية في أن تنشد المرأة في حفل يحضره الرجال. فإذا كانت المرأة تنشد بشكل طبيعي، فليس هناك مشكلة شرعية، وحتى لا مشكلة في الغناء إذا كان مضمونه وطريقة لحنه ليسا مما يتضمن الإثارة ولا يؤكّد الباطل، فهو أيضاً لا مشكلة شرعية فيه، ولا مشكلة في أن تؤدِّيَ المرأة ذلك وليس محرَّماً.

- التّصفيق والزغاريد

أمّا التّصفيق والزّغاريد، فهي ليست حراماً، إذا كانت إعجاباً وفرحاً وتقديراً.

9- إجهاض المشوّهين

إذا كان الإجهاض للمشوهين يحصل قبل ولوج الروح للجنين، فيجوز الإجهاض بلحاظ حال الحرج التي تصيب الأم في حمله وولادته وتربيته في المستقبل، في الوقت الذي لا يصدق عنوان قتل النفس، فيشمله دليل الحرج. أمّا إذا كان بعد ولوج الروح، فلا يجوز ذلك. فلو جاز لنا قتل الطفل المشوّه، كما يقول السيّد، لجاز قتل المشوّهين من دون استحداث مصحّات لهم، لأنّ الروح بيد الله.

10- خيَّاط النساء

لا يجوز ملامسة الرجل الخياط للمرأة لقياس الطول والعرض وتقصير الملابس وتضييقها، أمّا من وراء الثياب، فيجوز دون شهوة أو ريبة، ولكنّ السيّد لا ينصح بذلك، لأنّ ذلك يوجب الفتنة.

11- تحديد المولود

يجوز تحديد جنس المولود عند انقسام البويضة، ولا مانع من ذلك {عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(العلق:5)، فإنّ الله قد هدانا لنكتشف بعض أسرار الخلق، فعندما ننطلق بما وهبه الله لنا من عقل وتجربة، فإنّ ذلك لا يعني أنّنا نتعدّى على سلطانه.

 

12- الحبّ والغزل

إنّ الحالة النفسية التي يستغرق فيها الإنسان في الشخص الذي يحبّه، قد تتحوَّل إلى حالة عبادة كما يقول السيّد، وهذا ما نراه في تعبيرات كثيرة من الشعراء والأدباء والناس. وإنّ هذه الحالة قد لا تختصُّ بما يسمّى الحبّ بين الرَّجل والمرأة، بل تنطلق في علاقات الناس بالعظماء والأبطال في المجتمع، بحيث يستغرق المحبُّون في ذات هذا الشخص، وينسون كلّ شيء ما عداه.

إنّ هذا قد يقرب من الشّرك الخفيّ الّذي يختزن في داخل الإنسان تقديس شخصيّة إلى جانب الله سبحانه وتعالى في نفسه، وهذا ما عبَّر عنه الله تعالى في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}(البقرة:165).

13- الجمال

الجمال في نظر السيّد هو حالة في الجسد كما هو حالة في الواقع في الأرض وفي السَّماء، وما إلى ذلك من مواقع الجمال في الكون، وهو في ذاته قيمة معينة يتميَّز بها الحسن من القبيح، لكن يبقى أن نبحث عن حركة هذا الجمال.

 

14- السباحة

السباحة في نظر السيّد أمر راجح، ولكنَّه ضدّ السباحة المختلطة أو تلك التي تستعرض فيها المرأة مفاتنها أمام الرجال. ولكن لا مانع من أن تسبح المرأة بعيداً من مسبح الرجال.

 

15- مصافحة المرأة

هناك من يعتبر أنّ عدم مصافحة المرأة المسلمة لأجنبي إهانة وامتهان للمرأة، ويتّهمون الإسلام بامتهان كرامة المرأة، ما يزيد في دعايتهم ضدّ الإسلام.

وإذا كان هناك استهتار في التعاطي مع هذه النّظرة، فإنَّ من الممكن أيضاً أن يتّهم الذي لا يشرب الخمر بأنّه مخالف للجوّ وللّياقات العامة والآداب في مفهومها الغربي.

ولذلك يقول السيّد إنّ علينا أن نؤكّد خطّنا الإسلاميّ في أيّ مكان، وأشار إلى تجربة اليهود الذين لا يأكلون إلاّ طعاماً معدّاً وَفْقَ الشّروط اليهوديّة، وأنّهم يخصّصون في كلّ مسلخ لذبح الحيوانات مكاناً لليهود، بينما لم يستطع المسلمون ذلك مع أنّهم أكثر من اليهود.

يقول الله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}. فإذا كان هناك حرج حقيقي فوق العادة بسبب عدم المصافحة، بحيث يوجب الضرر، فيمكن السماح بالمصافحة كما يرى السيّد، والإنسان هو الذي يقدّر ذلك، فالله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج:78).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثامناً: استلهام صفات المرأة المسلمة من ملامح الصّورة المشرّفة لنساء أهل البيت وللنّساء المؤمنات

1- الزَّهراء

لماذا الاهتمام بالزَّهراء؟ لماذا هي النَّموذج والقدوة؟

يقول السيّد إنّنا نهتمُّ بذكرى الزَّهراء (ع)(1)، لأنّها قضيَّة الرِّسالة في خطِّ الدَّعوة، وفيها نذكر خطَّ الحركة الإسلاميَّة في القضايا المتحرّكة في داخل الإسلام التي كانت الزّهراء عنصراً حيويّاً فيها.

إنّنا نجد في حياتها طفولةً مليئةً بالمعاناة والرُّوحانية المؤثّرة ما قد لا نجده في أيَّة طفولة أخرى، وشباباً قصيراً، لكنَّه غنيٌّ بالقيم والعبر، فحياتها (ع) لم تكن طويلةً، ولكن كانت حياةً عريضةً مشبعةً، كانت تمثّل النموذج الأكمل للمرأة، في عقلها الّذي كان قطعةً من عقل رسول الله(ص)، وفي روحها التي كانت نبضةً من نبضات روح رسول الله (ص)، ولأنّها تمثّل النموذج للمرأة في عملها وحركتها الثقافية، وللمرأة في حياتها الزوجية وحياة الأمومة وحياة الإنسانة التي عاشت حركية المجتمع في كلّ قضاياه.

كانت تقول للمرأة: "كوني إنسانةً ولا تكوني مجرّد أنثى تتحرك بأنوثتها لتسقط إنسانيتها. كوني إنسانةً مع الله ومع النَّاس، كوني إنسانةً بالمعنى الروحي والفعلي والحركيّ، ولا تكوني إنسانةً في الجسد والشّكل".

وقفت إلى جانب الرَّسول بعد وفاة أمها، وهو يتحدَّى من أجل الرّسالة ويواجه التحدّي من خلال الرسالة، فكانت تحسّ بأنّ آلامه آلامها، وكانت تختزن في طفولتها آلام الرسالة وآلام الرسول. وقد نشأت رساليةً في مشاعرها وعواطفها ومواقفها وكلّ حركاتها. وهنا يمكن أن نستوحيَ من ذلك الحنوّ وتلك العاطفة اللّذين ملأت بهما فاطمة قلب أبيها وإحساسه، أن تكون تربيتنا لأطفالنا على أساس تنمية العاطفة وتقوية الحنان.

 

أشبه الناس برسول الله (ص)

كان هناك وحدة واندماج روحي بين شخصية فاطمة وشخصية أبيها، فكان رسول الله أباها والمربي لها ومعلّمها، يعطيها في كلّ يوم من أخلاقه خلقاً، ومن روحه روحاً، ومن عقله علماً ووعياً، تتتلمذ على يديه، وتستمدُّ من علمه وأخلاقه.

وكانت كلّما دخلت عليه، يقبّلها ويجلسها في مجلسه، ويقدّرها ويحترمها، كما كانت ترعى أباها في أشدّ الأوقات حرجاً وأعظمها قسوةً.

وكانت منسجمةً كلّ الانسجام روحياً وعاطفياً مع الخطّ الإسلامي الأصيل الذي انطلق من خلال تعاليم القرآن وسنَّة النبيّ (ص)، وقد أرادت أن تكون ابنة محمّد روحاً وأخلاقاً وتقوى وعبادةً، وكانت أيضاً تعيش أعلى درجات الصبر.

في بيت الزوجية

كانت فاطمة من خلال إيمانها وعقلها وفكرها وروحها وطهرها وجهادها وزهدها كفؤاً لعليّ (ع) الذي كان في المستوى الأعلى من هذه الصفات والمعاني والقيم والآفاق. كانا أقرب الناس إلى الرسول روحاً وإيماناً، وكانت (ع) ترعى زوجها وهو يتنقّل بأعباء الجهاد ومسؤولياته التي جعلته يخرج من حربٍ إلى حرب أخرى من حروب الإسلام. وكانت مثقلةً بتربية الأولاد وهموم البيت، ولكنَّ ذلك كلّه لم يمنعها من أن تقوم بدورها في البيت كزوجة، وأن ترعى زوجها وأولادها، كما ترعى أباها كأفضل ما تكون الرعاية، وتهتمّ بهم أفضل الاهتمام.

وقد جعلت (ع) من بيتها حضناً ومهداً للرسالة، ومنزلاً إسلامياً يفيض بالخشوع والرّحمة، ومنطلقاً للقيم الإسلامية، وقد قسمت هي وعليّ (ع) مسؤولية البيت، فكانت تطحن وتعجن وتخبز، وكان هو يكنس البيت ويستقي الماء ويحتطب، وهذه المشاركة يعتبرها السيّد تتّصل بالإنسانية وقيمة الإنسان في هذه الدنيا، أن يخدم الإنسان الآخر ويخدمه الإنسان الآخر.


ظلاماتها

امتلأت حياة فاطمة (ع) القصيرة التي لم تتجاوز العشرين سنةً ـــ على بعض الرّاويات، بالمعاناة والقسوة، ولقد ماتت غاضبةً على ظالميها. ورغم الجراح والآلام التي تعرَّضت لها الزهراء (ع)، إلاّ أنّها لم تَنْهَرْ وتسقط، بل بقيت صلبةً وقويةً في كلّ مواقفها.

لقد كانت الزهراء معصومةً، لأنّ لها دوراً في طبيعة موقفها وفي امتداد تأثيرها في الحياة، وهذا يعني أنّ الاقتداء يكون بالمرأة المعصومة، كما يكون بالرّجل المعصوم.

إنّ العبادة عندها كانت حالةً يعيش فيها الإنسان عمق الإخلاص والمحبّة لله سبحانه. كان للعلم أهميته عندها، وقد وصل اهتمامها بالعلم وبحديث رسول الله (ص) وبأحكام الإسلام وتعاليمه إلى درجة أنّها كانت تسجل ما تسمعه من رسول الله (ص).

كانت مجاهدةً، لم تعش العزلة، ولكن كانت (ع) تخرج مع أبيها في بعض معاركه وحروبه، وبعد موت الرّسول كان همّها إثبات حقّ عليّ في موقع الخلافة. وعلى هذا الأساس، انطلقت في حماية سياسة الحقّ، وانطلقت بكلماتها وخطبها وكلّ نشاطاتها، وكانت رائدةً في النشاط السياسي للمرأة.

كانت أوّل من قاد حركة المعارضة في الإسلام ضدّ المواقف الخاطئة التي ظهرت بعد وفاة الرسول(ص)، وقد عبَّرت عن معارضتها من خلال خطبتها في المسجد التي تمثّل وثيقةً حيّةً في التشريع الإسلامي والمفردات السياسية. كانت شخصيّتها تجسِّد الرسالة، وكان اهتمامها بالناس جزءاً من رسالتها.

التركيز على إمامة أهل البيت (ع)

كانت خطيبةً بارعةً، ومعلمةً ومدرّسةً لنساء المسلمين، كما كان يأتيها الرجال والنساء لتحدّثهم ممّا سمعته من أبيها (ص).

خطبة الزهراء

إنّ أهمّ المسائل التي ركَّزت عليها الزهراء في خطبتها هي:

1- أنّها حدّدت موقفها من الأحداث الطارئة والحادثة بعد وفاة النبيّ (ص)، ولا سيّما في ما يخصّ الخطّ الإسلامي الأصيل المتمثّل بالأمانة الواعية الشجاعة المنفتحة على الله وعلى الناس والحياة.

2- اختصرت في خطبتها التي هي محاضرة إسلامية تثقيفية غنية أصول العقيدة بركنيها الأساسيين، وهما التوحيد والنبوّة.

3- تحدّثت بشكلٍ مستقلّ عن أسرار التشريعات الإسلامية وحكمها وخصائصها.

4- تكلّمت عن الواقع الذي حدث بعد وفاة الرسول (ص)، والّذي تمثّل بالانحراف عن خطّ الاستقامة والمسار الذي خطَّه الله ورسوله، وتوجّهت إلى الأنصار الذين أحاطوا برسول الله (ص) ونصروه لتؤجّج مشاعرهم وتستنهض هممهم وتستنصرهم.

5- دخلت في قضية إرثها من رسول الله واستحقاقها فدكاً، وناقشت المسألة مناقشةً علميةً تفسيريةً بكلّ حجج القرآن ووقائعه وأسراره، ولم تناقشها مناقشةً عاطفيةً، وإنّما دخلت في الاحتجاج بطريقتها المميزة كامرأة عالمة واعية قوية في الحجج وصلبة في المواقف.

ماذا تعلّمنا من الزهراء؟

 نداؤها للمؤمنات والمؤمنين أن يكونوا للإسلام بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم وحركاتهم وأفعالهم وأقوالهم وكلّ حياتهم.

الجار ثم الدار

كانت تفكّر في الناس قبل نفسها، وفي الجار قبل الدار، لتعطينا درساً بليغاً، أنّ الإنسان، ذكراً كان أو أنثى، عليه أن يتخلّص من أسر ذاته ولا يعيش في سجن الذّات.

الثبات في المواقف

نتعلّم من حياة الزهراء الثبات في المواقف والصبر في الشدائد، فعلينا أن لا نجعل المشاكل الحياتية مبرّراً للابتعاد عن مسؤولياتنا العامّة أو الخاصّة.

 

شرعية العمل السياسي للمرأة

نستوحي من دورها السياسي شرعيّة دخول المرأة في ساحة الصراع السياسي من موقع المسؤولية المنفتحة على الإسلام والمسلمين.

مسؤولية المرأة الثقافية

كانت أوّل مؤلّفة في الإسلام، وكانت تلقي دروساً إسلامية على نساء المهاجرين والأنصار. وتستوحي من ذلك، أنّ المرأة لا بدّ من أن تتحمّل مسؤولية العلم، ومسؤولية ما تقرأ وتدرس وتفعل. فالمرأة عليها أن لا تختصر طاقاتها أو تستصغر إمكاناتها، فقد يكتشف الإنسان نفسه بالتجربة، فإذا لم يجرِّب فلن يكتشف نفسه.

ويقول السيّد إنّ نداء فاطمة للمرأة في العالم، أن تكون المرأة إنسانةً وليس مجرّد أنثى، وأن لا تتحرّك بأنوثتها لتسقط إنسانيتها، فقد انطلقت من المسؤولية الثقافية للمرأة، وذكرت كيف تكون المواجهة والمعارضة للظلم والانحراف.

2- زينب نموذجٌ للمرأة الرّسالية

كانت زينب امرأةً واعيةً، بل انطلقت من وعيها وإدراكها للموقع الذي كانت تقف فيه(1).

فقد كانت بطلة كربلاء، وتحمَّلت مسؤولية كلِّ النساء والأطفال بتنظيم كلّ أوضاعهم النفسية والروحية والحياتية في كلّ المعركة.

ورغم الظروف الصعبة التي كانوا يمرون بها من دون ماء ولا غذاء، تحمّلت هذه المسؤولية من دون اهتزاز، فكانت تستقبل الشهداء، وتهتمّ بالحسين (ع)، ولم تشغلها أحزانها، حتى عندما كان الحسين يتهيّأ للخروج إلى المعركة، احتضنت ابنه عليّ بن الحسين، وعندما انطلق الحسين (ع)، تحمَّلت مسؤوليتها، واقتحمت صفوف العدوّ، وتوجّهت إلى عمر بن سعد، وأنّبته تأنيباً كبيراً، ثم ذهبت إلى الحسين (ع) كما يقال، ثم أطلقت تلك الكلمة: "اللَّهمَّ تقبَّل منّا هذا القربان"، واستنفرت نقاط القوّة في شخصيتها لتستطيع أن تقف تلك الوقفة القويّة.

ويقول السيّد إنّنا نستوحي من السيّدة زينب (ع) الثقة بالنفس، واستنفار العقل والإرادة للقيام بالمسؤولية، وأنّه لا بدّ للمرأة أن تعيش للمسؤوليّة كما الرجل، في كلّ الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والجهادية. وممّا نتعلّمه أيضاً من زينب (ع) أنّ على المرأة أن تملك عقلها ولا تسقط أمام عاطفتها. لقد كانت كاللبوة التي تدافع عن أشبالها عندما قالت: "اقتلني قبل أن تقتله". كانت جريئةً في مواقفها، تواجه التحدّيات، وتتحدّى الطغاة، وتجسّد القوة الإسلامية حتى في شخصية المرأة.

ومنذ أن قتل الحسين (ع)، تسلّمت زينب القيادة، وكان دورها دور المرأة القائدة. كانت جندية بين يدي الحسين (ع)، لكنّها كانت قائدةً في خطّ السير إلى الكوفة وإلى الشام. ولذلك يمكن للمرأة أن تكون قياديةً في أكثر من موقع، كما يمكن للرجل أن يكون قيادياً في أكثر من موقع، وكلٌّ حسب إمكاناته وظروفه. يقول السيّد إنّ زينب في كبريائها الإسلامي هي زينب في عظمتها الروحية الإيمانية، وهي زينب في ثقافتها القرآنية، وهي زينب في بلاغتها الأدبية، وهي زينب في مواقفها البطولية.

إنّ زينب تقول للمرأة المسلمة:  تعالي إلي، فقد انطلقت من خلال أمي التي كانت القِمّة في الموقف الحقّ، ومن خلال جدتي التي كانت المرأة التي أعطت رسول الله عقلها وروحها وعاطفتها ومالها وجاهها وكلّ شيء حتى بقيت فقيرةً معه.

أنا زينب التي أحمل تاريخ حركة المرأة في ساحة الصراع من أجل الحقّ في كلّ تاريخي... أنا زينب التي أريد أن تنطلق مسيرة المرأة المسلمة من أجل أن تقف مع الحقّ في أصعب المواقف، وأن تتمرَّد على كلّ قساوة المأساة في مواقع الصبر، وأن تبقى مع الإسلام كلّه فكراً وكلمةً وحركةً وموقفاً. فهذا هو نداء زينب للمرأة المسلمة، وعلى المرأة المسلمة أن تستجيب لهذا النِّداء، بأن لا تعتبر أن إسلامها يمثل تخلّفها، وأنّه يعزلها عن الحياة ويجعلها تعيش في زاوية مغلقة.

3- صورة المرأة في عاشوراء

إنّ دور المرأة في عاشوراء هو دور ريادي فاعل تستطيع المرأة أن تتعلّم منه القوّة والشجاعة... كما يقول السيّد.

فإنّ الدور الذي مثّلته السيّدة زينب في كربلاء هو دور رائد قد نفتقده في كثير من مواقع المرأة في العالم.

لقد تحمّلت في مستواها مسؤولية كلّ النساء والأطفال، بتنظيم كلّ أوضاعهم النفسية والروحية والحياتية، في بقعة كان يحيط بها العدوّ من كلّ جانب. وكانت إنسانةً تملك عقلها وإرادتها، ولم يسمع عنها أيّة حالة من حالات الاهتزاز، حتى عندما بدأت المعركة وكانت تستقبل الشهداء وتعطي الحزن بعض اللحظات، ولكنّها كانت تهتمّ بالحسين (ع) إضافةً إلى اهتمامها بمسؤولّياتها عن النساء والأطفال.

وقد تحملت مسؤوليتها واقتحمت صفوف العدو وأدارت الأمور خير إدارة. وذلك ما يجعلنا نستوحي القوّة عند المرأة في شخصيتها، ونستوحي الثقة بالنفس وبقدرتها على القيام بدور فاعل حسب قدراتها ومسؤوليتها. وهذا أمرٌ ممكن للمرأة من دون أن تتخلّى عن إدارة بيتها ومراعاة زوجها وأولادها. فالأمومة رسالة ووظيفة، ولكن يبقى للمرأة دور الإنسانة المسلمة الواعية المسؤولة في الحياة. فالسيّد لا يريد للمرأة أن تعيش التمرّد على ظروف مسؤوليتها، كما لا يريد للرجل ذلك، ولكن يريد أن يقول إنّ على المرأة أن لا تفكّر فقط في أنّ كلّ دورها في الحياة منذ أن تخلق والى أن تموت هو في البيت، بحُجّة أنّ دورها في البيت يغني الإنسانية.

والسيّدة زينب (ع) لم تتوقّف عن القيام بدورها الزوجي ومسؤولياتها ودورها الأمومي، وإنما تحركت أيضاً إلى الدور الاجتماعي، أي أنّ على المرأة أن تشارك في بناء المجتمع من خلال مشاركتها في بناء الجانب الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والجهادي.

وهذا يجعلنا نستوحي أنّه عندما تحيط بنا المشاكل وتهتزّ الأرض تحت أقدامنا ونواجه التحديات، وعندما نعيش غموض المستقبل، فعلى المرأة أن تملك عقلها وأن لا تسقط أمام عاطفتها. لقد برهنت السيّدة زينب(ع) عن شجاعة وجرأة لا مثيل لهما عندما أراد ابن زياد أن يقتل عليَّ بن الحسين، فوقفت مثل اللبوة التي تدافع عن اشبالها لتقول له "اقتلني قبل أن تقتله"، وعندما وقفت بجرأة في مجلس يزيد، وقالت أمامه خطبتها الشهيرة. كلّ ذلك يعطينا الفكرة أنّ المرأة المسلمة عندما تقف في ساحة التحديات، وتفرض عليها المسؤولية أن تواجه الطاغية، فإنّ عليها أن لا تختبئ في الزاوية، بل أن تقف في قلب الساحة لتخطب وتعطيَ الوعي للمجتمع وتتحدّى الطاغية، وتجسّد القوّة الإسلامية.

وقد نصح السيّد النساء في ذكرى عاشوراء، أن لا يكون دورهن اعتصار الدموع، بل تحضير عقولهن وقلوبهن لكي تعرفن كيف تتوازن العاطفة مع العقل، وكيف يحسنّ اتخاذ المواقف.

تسلَّمت زينب القيادة بعد الحسين، وهذا يوحي أنّه يمكن للمرأة أن تكون قياديةً في أكثر من موقع، كما يمكن للرجل أن يكون قيادياً في أكثر من موقع، وكلّ حسب إمكاناته وحسب ظروفه.

 

4- دور المرأة المسلمة المعاصرة

المرأة القدوة

يقول السيّد إنّنا نختلف نساءً ورجالاً شيوخاً وشباباً، نختلف في الجغرافيا، نختلف في اللون، نختلف في اللغة... والإنسان يتحرك في آلاف وملايين الخصوصيات في حياته، ولكن هناك نقطة لا بدّ من أن يعيها الإنسان جيداً، وهي أنّ هذه الخصوصيات في حركة الإنسان تتكامل بعضها مع بعض في ساحة الإنسانية.

فخصوصيّات الأنوثة والذكورة ليسا شيئين يفصلان أحد الإنسانين عن الآخر، ولكنّها الإنسانية التي تتوزع الخصوصيات لتتكامل في القاعدة المشتركة، ولتنتج خصوصيةً جديدةً وفكراً جديداً {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}. فالإنسانية في عمقها تتمظهر في الزوجية التي تتكامل من خلالها الذكورة والأنوثة من أجل أن تنطلق الحياة في إنتاج إنسان جديد، وفي إنتاج نوع من الحياة جديد، وفي إنتاج طمأنينة روحية جديدة، لأنّ الله جعل مسألة الزوجية في واقع الإنسان أساساً للطمأنينة.

فالرجل يعيش في نفسه الفراغ الذي يحرّك القلق في روحه، لا فراغ الغريزة فحسب، ولكن فراغ الكيان كلّه، والمرأة أيضاً تعيش الفراغ في شخصيتها، وهنا تأتي الزّوجيَّة ليملأ من خلالها كلّ من الرّجل والمرأة الفراغ الّذي يشعر به {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} ليتخلص الإنسان من القلق الروحي الّذي يعيشه، ويعيش بدلاً من ذلك السّكينة والطّمأنينة {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} لتكون المودّة والرّحمة هما ما يحكمان العلاقة الزوجيّة، لا الموادّ القانونيّة الجافّة.

فالحياة هي اندماج الجسد والعقل والروح والقلب والإحساس، وهذا ما نستوحي منه أنّ مسألة الحياة الزوجية هي مسألة اندماج الإنسان بالآخر، مطمئناً كلٌّ منهما لإنسانيتهما.

وفي رأي السيّد، أنّ النظرة المعاصرة للمرأة حصرت همها بالإطار الإنساني العام الجامع للمرأة والرجل، دون التفات إلى الجوانب الخاصة المميزة لكلِّ منهما، ما أبعدها أيضاً عن مبدأ التوازن. وأهمّ أسباب النظرة المعاصرة أنّ المرأة إنسانة مستعبدة ومظلومة في البيت والعمل وفي علاقات الحياة، فلا بدّ من أن تأخذ حريتها كجزء من حركة الحرية في حياة الإنسان، ولكي تفجر طاقاتها في بناء الحياة والإنسان. فقد طالبت بالمساواة في كلّ شيء، وهذا ما ساهم في إلغاء خصوصية كلّ من الرجل والمرأة. وفي نظر السيّد، فإنّ هذا النّموذج لا يؤدّي إلى تكامل الإنسانية. فالتطوّر الجديد لم يحلّ مشكلة المرأة، بل خلق لها مشكلة أخرى، وهي الفراغ في داخل المرأة وفي داخل الرجل، وأبقت المشكلة قائمةً في مجال الحرية والمساواة.

فالإسلام في رأيه أراد للمرأة أن تكون الإنسان المرأة، كما أراد الرجل أن يكون الإنسان الرجل، من خلال النظرة الواقعية التي تجمع بين الخصوصية والشّمول.

وإنّنا نجد في القرآن الكريم حديثاً عن نماذج من النساء تمثل قدوة الإنسان كلّه، رجلاً أو امرأةً.

فالسيّد يساوي بين الرجل والمرأة في القيمة، وإن فرّق بينهما في الأدوار والمسؤوليات في الحياة تبعاً للتنوعات الطبيعية بينهما.

وقد لحظ أنّ القرآن الكريم جعل المرأة في واقعها السلبي وفي واقعها الايجابي مثلاً للرجال والنساء معاً، ولم يجعل المرأة مثلاً للمرأة ليجعل الرجل مثلاً للرجل، لأنّهما لا يفترقان في عناصر الإنسانية العميقة التي تعيش في كلِّ حركتيهما في الحياة.

وفي الجانب الايجابي، نجد نموذج المرأة القدوة في امرأة فرعون مثلاً؛ هذه الإنسانة القوية في إيمانها، القوية في موقفها، المتمردة على كلّ السلبيات التي تعيش في ساحتها، الرافضة لكلّ الظلم الذي يمارسه زوجها الظالم في موقعه وفي موقفه ضدّ الناس المستضعفين.

والمثل الآخر الذي ضربه الله للذين آمنوا، مريم بنت عمران، الإنسانة التي عاشت الروح كأعلى ما يكون عيش الروح.

لذلك فالمرأة قدوة للرجل والمرأة على السواء، كما هو الرجل قدوة للمرأة والرجل. وعلى أساس هذه الفكرة، علينا أن نتكامل في كلّ خصوصياتنا الإنسانية.

وعندما يتحدّث السيّد عن جانب القدوة للزهراء، فهو لا يتحدّث عن اقتداء النساء بها، بل هي قدوة للرجال والنساء معاً، لأنّ عناصرها كانت عناصر الإسلام، وعناصر الإنسان المسلم، لا المرأة وحدها، وإن كان للمرأة في حياتها دور كبير، فالمرأة تستطيع أن تأخذ الكثير من الزهراء (ع) عندما تعرف كيف تستوعب وقتها، وكيف تنفتح في طاقاتها على العلم والروحانية والحركة بحسب طاقتها وإمكانياتها.

إنّ النماذج الإنسانية العظيمة في مرتبة الأنبياء والأئمة والأولياء، هم القمم التي نقرب إليها كما يقول السيّد، فقد يصل البعض إلى ما يقرب من القمّة، وقد يبقى البعض في السفح، ولكن علينا أن ننطلق لنحصل على السعادة من خلال ما تمثّلوه، لأنّهم تمثّلوا الإسلام، ولم يكن لدى رسول الله (ص) شيء إلاّ القرآن والإسلام، ولم يكن لعليٍّ وفاطمة (ع) إلاّ القرآن والإسلام، ولكن الفرق بيننا وبينهم أنّهم تمثلوا القرآن والإسلام في وجدانهم فيما أعطاهم الله من المعرفة التي لا نصل إليها، لأنّنا لا نملك الوسائل لذلك.

ويقول السيّد إنّنا يمكننا استثمار المناسبات الكريمة، إذ إنّ أسلوب احتفائنا ببعض العظماء هو أسلوب تقليدي جامد لا يدخلنا إلى داخل هؤلاء، فيما يتمثّل فيهم من عناصر العظمة الروحية والثقافية، وفي حركتهم في الواقع فيما يتمثّل من نشاطهم الروحي والثقافي والجهادي والتربوي وما إلى ذلك.

لقد أدمنّا أن نبكيَ هؤلاء ونبكيَ مآسيهم، حتى أصبحوا مجرّد مناسبة للدموع لا مناسبة للقدوة والانفتاح. والسيّد لا ينكر أهميّة الدموع في المأساة، ولكنّه يعتبر أنّ هؤلاء العظماء عاشوا في قلب المأساة من أجل الرسالة، ولذلك فإذا أردنا أن نغيّر المأساة فإنّ علينا أن نغيرها في خطّ الرسالة، لا في خطّ الذّات، وبذلك يمكن لنا أن نفلسف حركة المأساة في وجداننا لننطلق فنمنع الذين يصنعون المأساة في حاضرنا ومستقبلنا.

إنّ مشكلتنا في رأيه، أنّنا نكتفي بالبكاء على المأساة في الحاضر، فنحن الآن نبكي قتل الأئمّة والأنبياء (ع)، ولكنّنا نساعد الذين يتحرّكون من أجل أن يقتلوا السائرين في خطّ الأنبياء، وبذلك نغدو مجرّد أناس يتحرّكون في التاريخ مع القيمة، ولكنّهم يتحرّكون في الواقع ضدّ القيمة، وهذا هو الذي يجعل منا أُمّةً أراد لها الاستكبار أن تبكيَ وتبكيَ فقط، حتى تفقد كلّ معنى للقوّة في داخل شخصيّتها.

أمّا في هذا العصر، فالسيّد يرى أنّ له ثقةً بأنّ المرأة المسلمة في هذا العصر هي امرأة تتحرك في خطّ الوعي والجهاد، حتى تعطينا عاشوراء في كلّ سنة جيلاً من النساء والرجال يتحرّكون على أساس هدى الله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المصادر والمراجع

ندوات، ومحاضرات ومطارحات في العقيدة والتربية والفقه والسيرة، سلسلة ندوات الحوار الأسبوعية بدمشق، آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله.

  1. الجزء الأول، دار الملاك، ط 5،1418 هجري/ 1998 م.
  2. الجزء الثاني، دار الملاك،ط 4، 1419 هجري/1988 م.
  3. الجزء الثالث، دار الملاك،،ط 1،1418 هجري/1998 م
  4. الجزء الرابع، دار الملاك،ط2،1421 هجري/2000 م.
  5. الجزء الخامس، دار الملاك،ط2،1421 هجري/2000 م.
  6. الجزء السادس، دار الملاك، ط1، 1420 هجري/2000 م.
  7. الجزء السابع، دار الملاك، ط1، 1421 هجري/2000 م.
  8. الجزء الثامن، دار الملاك، ط1، 1422 هجري/2001 م.
  9. الجزء التاسع، دار الملاك، ط1 1422 هجري/2002 م.
  10. الجزء العاشر، دار الملاك، ط1، 1423 هجري/2002 م.
  11. الجزء الحادي عشر، دار الملاك، ط1، 1424 هجري/2003 م.
  12. الجزء الثاني عشر، دار الملاك، ط1، 1424 هجري/2004 م.
  13. الجزء الثالث عشر، دار الملاك، ط1، 1425 هجري/2004 م.
  14. الجزء الرابع عشر، دار الملاك، ط 1،1426 هجري/2005 م.
  15. الجزء الخامس عشر، دار الملاك، ط1، 1426 هجري/2005 م.
  16. الجزء السادس عشر، دار الملاك، ط1، 1427 هجري/2006 م.
  17. الجزء السابع عشر، دار الملاك، ط1، 1428 هجري/2007 م.
  18. الجزء الثامن عشر، دار الملاك، ط1،  1428 هجري/2007 م.
  19. الجزء التاسع عشر، دار الملاك، ط1، 1429 هجري/2008 م.
  20. خطاب الإسلاميين والمستقبل، حوارات مع سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، إعداد غسان بن جدّو، دار الملاك، ط3، 1422 هجري/2001 م.
  21. خطاب الإسلاميين والمرأة، وما هي الفلسفة في تشريع الحجاب الإسلامي(145-150).
  22. بيّنات، حوارات فكرية في شؤون الدين والإنسان والحياة، سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، واقع المرأة (253- 256).
  23. السيّدة الزهراء (ع)، المباهلة (411- 414).
  24. صلاة الجمعة، الكلمة والموقف سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، إعداد وتنسيق السيّد شفيق محمّد الموسوي. دار الملاك، ط1، 1419 هجري/1998 م.
  25. الزهراء في ذكرى وفاة سيّدة نساء العالمين (ع) الزهراء المعصومة (170-177)
  26. فدك الولاية (216) الخطّ الأصيل، رعاية النبي، وطهارة فاطمة (ع)، وعلم عليّ (ع)

( 276-279).

  1. مؤسّسة سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، مجلّة نيوزويك، 31/7/2007.
  2. توثيق لخطاب الجمعة 1988، منبر ومحراب، إعداد المركز الإسلامي الثقافي، دار الملاك، ط2، 1418 هجري/1997م.
  3. كيف نستفيد من الذكرى الحسينية، مواقف زينبية(545-549).
  4. زينب (ع)، عقيلة بني هاشم، حياة حافلة في رحاب الإمامة المتحرّكة، ( 225-232).
  5. الزهراء (ع) الصابرة على الأذى والمظلومية (237- 246).
  6. مع الزهراء (ع) النموذج الأمثل للمرأة المسلمة، (301- 308).
  7. لتكن الزهراء القدوة والمثال، (256- 261).
  8. عصمة السيّدة الزهراء (ع) ( 78-87) – (112).
  9. أهل البيت (ع) ومسألة المظلومية (20- 25).
  10. الرابطة اللبنانية الثقافية، 22-12-1994.
  11. مؤتمر الزهراء الأول، العهد، العدد 445، 8 رجب 1413 هجري/ 1 كانون الثاني 1993 م.
  12. دور المرأة المسلمة في الحياة، الزهراء وكريمتها زينب(ع) وجهان للعصمة والكمال، (943-983)- (987-992).
  13. الجزء الأول، الزهراء، زينب، دار الملاك، ط5،1418 هجري/1998 م.
  14. بيان شرعي للتصدّي لكلّ أنواع العنف الذي يستهدف المرأة: يجوز للمرأة الدفاع عن نفسها ضدّ عنف الرجل 27/تشرين الثاني 2007، 17 ذو العقدة، 1428 هجري.
  15. الوكالة الوطنية للأنباء، 10-9-2008، الإفطار السنوي لجمعية المبرات حول "حق المرأة أن تشارك في العمل السياسي".
  16. المكتب الإعلامي لسماحة آية الله السيّد محمّد حسين فضل الله حول " زواج المتعة حل لمشكلة المرأة والرجل اللذين لا يملكان فرص الزواج"، 4-6-2003، العدد 141.
  17. محاضرة  في كلية الحقوق حول "ولادة الزهراء"، البلاد، رقم 037135 العدد162، 25/12/1993.
  18. البلاغ حول "مشروعة الخطيفة وعلاجها"، رقم 039139.
  19. البلاغ  حول " لماذا التعدد للرجل دون المرأة "، رقم 039145.
  20. للإنسان والحياة، آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، إعداد وتنسيق السيّد شفيق الموسوي، دار الملاك، ط3،1421 هجري/2001 م، " الإسلام والمرأة "(111-156).
  21. الإسلام وقدرته على التنافس الحضاري، آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله: محاضرة ألقيت في طرابلس بدعوة من الرابطة الثقافية في معرض رشيد كرامي الدولي، 22 محرم 1420 هجري/الموافق 7أيار/1999م، دار الملاك، ط1، 1420 هجري/1999م، الرجل والمرأة(60-62)، المرأة المسلمة(68).
  22. جريدة النداء، 14/8/1988، ملف المرأة، قضيتها وحريتها ودورها والتساؤلات المقلقة.
  23. محاضرة في كلية الحقوق حول " ولادة الزهراء، الجزء 2 البلاد، العدد 163، 1/1/1994، رقم 037134.
  24. المكتب الإعلامي لسماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، محاضرة حول "نهضة المرأة أمام تحديات الواقع" بيروت، في 15 كانون الثاني 1998م، رقم 011976.
  25. مقابلة صحفية لسماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، حول المرأة، 30/2/1430 هجري/25/2/2009 م، رقم 059804.
  26. من ضمن نص الحوار الفكري والثقافي الذي أجرته جريدة نداء الوطن اللّبنانية على حلقتين مع آية الله العظمى سماحة السيّد محمّد حسين فضل الله، بتاريخ 22،23، كانون الأول 1992، الموافق في 27-28 جمادي الثاني 1413 هجري، نقلاً عن كتاب في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، دار الملاك، ط3، 1426 هجري/2005م، النظرة إلى المرأة (432-433).
  27. جريدة الأنوار، 31/7/1991، أسئلة وأجوبة في العلامات الفارقة، رقم037186.
  28. جريدة الحياة، 5/1/1999، رقم 007738، حول "المرأة" ومقابلة إذاعية لمونتي كارلو على حلقتين بتاريخ 4/1/1999 وفي 11/1/1999.
  29. مكتب سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، جواب حول مسألة "تجارة الأرحام" لمجلّة سنوب الحسناء، بتاريخ 23 صفر1422 هجري، 17أيار 2001 م، رقم 011880.
  30. مكتب سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، "دعا السلطات التونسية إلى التّراجع عن موقفها من الحجاب في منعه وطنياً بحجة أنه ظاهرة مستوردة أو بزعم أنه حال طائفية لا علاقة لها بالإسلام"، بتاريخ 7 شوال 1427 هجري، الموافق 29 تشرين الأول 2006 م، رقم 014532.
  31. مكتب سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، " يفتي بحرمة جرائم الشرف وأكد أن من يرتكبها يستحق العقاب، بتاريخ 17رجب 1428 هجري،الموافق 1/8/2007 م، رقم 031385.
  32. مكتب سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، " دعا البرلمان التركي إلى إقرار رفع الحظر عن الحجاب في المدارس والجامعات"، بتاريخ 31 كانون الثاني 2008م، الموافق 22 محرم 1429 هجري، رقم 037604.
  33. مجلّة الحسناء، العدد 1784، كانون الثاني 2008، حول "العولمة والمرأة، والحجاب"، رقم040652.
  34. مجلّة الحسناء، العدد 1784، كانون الثاني 2008، حول "شرعية عملية التلقيح الاصطناعي"، رقم 040650.
  35. إرادة القوة، جهاد المقاومة في خطاب سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، إعداد وتنسيق السيّد د. نجيب نور الدين، دار الملاك، ط1، 1420 هجري/2000م، المرأة والمقاومة(517-518).
  36. حديث عاشوراء آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، إعداد وتنسيق السيّد جعفر فضل الله، دار الملاك، ط2،1418 هجري، 1998 م, ماذا يعني الاقتداء بزينب(ع) (153-154).
  37. الشعائر الحسينية، حكم الأطوار الغنائية في العزاء، وقراءة النساء بمسمع الرجال (248-251).
  38. دور المرأة في الإصلاح (263-265).
  39. التفاضل بين زيارات مقامات النساء اللواتي ينتسبن إلى أهل البيت(ع)، (299-300).
  40. مجلّة الحوادث، مواضيع مهمة، أسباب التحريم، الخمر، وشرعية الزواج المؤقت، والعصمة واستنساخ الحيوان. العدد، 2134، رقم020777.
  41. مكتب سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، أفتى بجواز أن تقوم المرأة الفلسطينية بعملية استشهادية، بتاريخ 18 محرم 1423 هجري/1 نيسان 2002 م، رقم 032049.
  42. مجلّة المرأة اليوم، حوار شامل وصريح، العدد 131، بتاريخ 9أيلول/2003، رقم 032429.
  43. موقع القرية نت الإلكتروني، حوار مع العلامة في يوم المرأة العالمي، ويؤكّد فيه المساواة بين المرأة والرجل ورفض العنف ضد المرأة وختان الإناث،  21/3/2009، رقم 059606.
  44. مجلّة العهد، 21 تشرين الأول 1994، دور المرأة المسلمة إزاء التحديات المعاصرة، رقم 019267.
  45. ندوة حوارية  حول "حرية المرأة والتحدي الحضاري"، بدعوة من " الرابطة اللبنانية الثقافية، بتاريخ 21/12/1994, رقم 008394.
  46. البلاغ، المرأة إمامتها... شهادتها، رقم 0391146.
  47. مجلّة الشراع، العدد 1320،24/12/2007، رقم 039510.
  48. مجلّة لها، مقابلة حول " حجاب المرأة، 16/7/2008 رقم، 044545.
  49. تحديات الإسلام بين الحداثة والمعاصرة، آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، محاضرة ألقيت في طرابلس بدعوة من الرابطة الثقافية، الواقع 16 ربيع الأول 1419 هجري، الموافق 10 تموز 1998. دار الملاك، ط1، 1419 هجري/1999م، المرأة ومعركة الحياة (55- 58).
  50. مجلّة لها  حول "راتب المرأة: الزوجة والأم والابنة،" 15/10/2008 رقم 047347.
  51. صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، توثيق لخطب الجمعة 1989، دار الملاك، ط1، 1425 هجري/2004 م، العهد والعقد والموقف، مودة العلاقات ورحمتها، معنى عقد الزوجية(631-637).
  52. مجلّة الحسناء، حول "الزواج والعنس، ومفهوم الزواج في الإسلام"، العدد 1178، 4 تشرين الأول 1985.
  53. جريدة الأنوار، 31/7/1991، أسئلة في العلامات الفارقة، رقم 037186.
  54. مجلّة الحسناء، حول "الجنس حاجة طبيعية للمرأة كما الرجل"، 15 كانون الثاني 1990، رقم 008367.
  55. خطاب الإسلاميين والمستقبل، حوارات مع سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، إعداد غسان بن جدو، دار الملاك، ط 3، 1422 هجري/2001 م، خطاب الإسلاميين والمرأة (145-150).

الاستفتاءات الحديثة والمستجدة:

  1. إرث الزوجة من العقار، الندوة 13، (623-624).
  2. موقف الإسلام من جريمة الشرف: الندوة 12، (633-634).
  3. لبس البنطلون كلباس شرعي: الندوة 75، (682).
  4. إجهاض المشوهين: الندوة 11، (785).
  5. سفر المرأة من دون محرم: الندوة 13، (638-639).
  6. وقت الإفطار: الندوة 12، (584).
  7. طاعة الزوج: الندوة 12، (600- 601).
  8. صلاة المرأة مع الميكاج: الندوة 12، (582).
  9. كريم الشعر في الوضوء: الندوة 12، (583).
  10. لبس المطلي بالذهب: الندوة 12، (583).
  11. تعامل المرأة مع الرجل: الندوة 12، (664).
  12. صيد السمك في موسم التكاثر: الندوة 12، (664).
  13. تخدير الذبيحة: الندوة 12، (665).
  14. التعامل مع غير المسلمين: الندوة 12، (665).
  15. حكم صورة محجبة بدون حجاب: الندوة 12، (631).
  16. لا مانع من ممارسة المحاماة: الندوة 14، (631-632).
  17. تناول النبات: الندوة 14، (633).
  18. عرض الأخبار والروايات في الكتب: الندوة 14، (633).
  19. التعظيم للأولياء والصالحين: الندوة، (633).
  20. الحدود الشرعية بين المرأة والرّجل: الندوة 14، (639).
  21. الصيد بالبندقيّة: الندوة 14، (641).
  22. خواتم عليها أسماء الأئمة: الندوة 14، (642).
  23. اجتماع الحيض والحمل: الندوة 13، (572).
  24. صلاة المربية: الندوة 13، (584-585).
  25. الصلاة في الحرمين الشريفين: الندوة 13، (587).
  26. الزكاة ليتيم غير مسلم: الندوة 13، (698).
  27. حجّ الزوجة من دون إذن الزوج: الندوة 13، (600).
  28. تأخّر الحاج في الوصول إلى منى: الندوة 13، ( 604-605).
  29. الرضاع من الجدّة: الندوة 14، (617).
  30. الدفن بالتابوت: الندوة 14، (618).
  31. توكيل في مال: الندوة 8، (699-700).
  32. شحم الخنزير في معجون الأسنان: الندوة 11، (713).
  33. السفر لغير العمل: الندوة 11، (716-717).
  34. شروط  صلاة الجماعة للنساء: الندوة11، (725).
  35. عملية ربط للرجال: الندوة 14، (602).
  36. حقّ الاختراع: الندوة 14، (607).
  37. فائدة زيارة الموتى: الندوة 12، (650-651).
  38. المراسلة عبر الإنترنت: الندوة 12، (652).
  39. صيغة العهد لله سبحانه بدم الحسين(ع): الندوة 13، (639).
  40. عدم الحشمة في الستر: الندوة 13، (640).
  41. الموت الدماغي: الندوة 12، (661).
  42. تصنيف المسجد: الندوة 12، (662).
  43. تداوي المرأة عند الطبيب: الندوة 12، (663).
  44. الوشم: الندوة 13، (648).
  45. وضع العدسات الملونة للمرأة: الندوة 13، (648).
  46. قضاء المرأة: الندوة 13، (559).
  47. بلوغ المرأة الاجتهاد: الندوة 13، ( 562- 563).
  48. الزواج بالإكراه: الندوة 12، (602-603).
  49. التعامل مع الزوج: الندوة 12، (604).
  50. شراء بطاقات اليانصيب: الندوة 12، (608-609).
  51. بيع المواد المسروقة من دوائر الدولة: الندوة 12، (620).
  52. الإنفاق على الوالدة: الندوة 12، (620).
  53. هبة الأعضاء عند الموت: الندوة 12، (620-621).
  54. العمل في مؤسسات النظام الجائر: الندوة 13، (633).
  55. خلع الحجاب لالتقاط الصور: الندوة 13، (635).
  56. بيع الشّيعيّ للسني: الندوة 1، (833).
  57. مصافحة الزميلات: الندوة 1، (834-835).
  58. الردّ على الطارق أثناء الصلاة: الندوة 3، (594).
  59. الصلاة على النبيّ في الصلاة: الندوة 3، (594).
  60. الذهب والمكياج في الصّلاة: الندوة 3، (596).
  61. الكاميرات الخفية: الندوة 3، (663).
  62. خبز الخباز السكير: الندوة 3، (664).
  63. النظارات كزينة: الندوة3، (665).
  64. تعطر المرأة: الندوة 3، (666-667).
  65. الاختلاط المحرَّم وغير المحرَّم: الندوة 4، (612).
  66. تعليق الصور في المساجد: الندوة4، (614).
  67. تقليد السنيّ للشيعيّ: الندوة 3، (579).
  68. مضمون الرواية المطابق للعقل: الندوة 3، (579).
  69. المسح على الشَّعر الاصطناعي: الندوة 3، (584).
  70. الأظافر الطويلة: الندوة 3، (584).
  71. بيع الذهب الخام: الندوة 4، (579).
  72. راتب الزوجة الموظّفة: الندوة 4، (584-585).
  73. عمل يدعو إلى الاختلاط: الندوة 5، (689).
  74. المعالجة عند الطبيب غير المماثل: الندوة 5، (689-690).
  75. ضرب الأم لطفلها اليتيم: الندوة 5، (690).
  76. شهادة من لم يرض أهله عن جهاده: الندوة 5، (691).
  77. صلاة الأخ مع أخته: الندوة 5، (633).
  78. الحبر ليس حاجباً: الندوة 5، (634).
  79. الكحل في الوضوء: الندوة 5، (635-636).
  80. تقاضي ثمن الخنزيز: الندوة 5، (659).
  81. إرضاع ابنة البنت: الندوة 6، (693-694).
  82. منع الحمل بدون إذن الرجل: الندوة 6، (698).
  83. سرقة المياه والكهرباء: الندوة 6، (719).
  84. هبة الأعضاء وبيعها: الندوة 6، (679-680).
  85. إذن الولي بزواج البكر من الكفؤ: الندوة 6، (693).
  86. تسمية الفتاة (ملاك): الندوة 7، (694).
  87. تشييع المرأة الجنازة: الندوة 7، (688).
  88. بناء صالات الأفراح الإسلامية: الندوة 7، (689).
  89. صوت المرأة العالي: الندوة 7، (687).
  90. مصافحة الأجنبية من قبل الطبيب: الندوة 6، (723).
  91. الزواج العرفي: الندوة 7، (661).
  92. حقوق الطبع محفوظة: الندوة 7، (673).
  93. الالتزام بقانون الدول المضيفة: الندوة 8، (726).
  94. وشم حاجب المرأة بالليزر: الندوة 8، (726).
  95. التصفيق والزغاريد: الندوة 8، (721).
  96. تخميس أموال الأطفال: الندوة 8، (663).
  97. استئجار الرحم: الندوة 8، (678-679).
  98. فصل التوأمين: الندوة 8، (680).
  99. زواج الزانية أثناء الحمل: الندوة 8، (681).
  100. جواز النظر إلى الأجنبية العارية: الندوة 8، (727).
  101. زرع البويضة: الندوة 8، (681-682).
  102. نسيان الإمام آية في الصلاة: الندوة 8، (637).
  103. صلاة المرأة بمحاذاة الرجل: الندوة 8، (642).
  104. الصلاة على القماش جهلاً: الندوة 8، (648).
  105. الزواج بالإكراه: الندوة 9، (746).
  106. اليانصيب ليس قماراً: الندوة 9، (784).
  107. الأم صاحبة البويضة: الندوة 9، (742-743).
  108. حكم الأكل بمطاعم الغرب: الندوة 11، (796).
  109. تعطر الصائمة وغير الصائمة: الندوة 9، (716).
  110. إظهار القدمين للفتاة: الندوة 11، (780).
  111. تحديد التكليف: الندوة 11، (781).
  112. الاستنساخ البشري: الندوة 11، (794).
  113. العمل في حلاقة مختلطة: الندوة 11، (795).
  114. لباس الشهرة: الندوة 11، (795-796).
  115. التعزية بوفاة غير المسلم: الندوة 11، (786).
  116. الخياطة للنساء: الندوة 11، (786).
  117. التعامل مع الكيان الصهيوني: الندوة 5، (659).
  118. الزواج من ابنة المزني بها: الندوة 5، (682).
  119. زواج المكرهة: الندوة5، (683).

الفرق بين العقود التجارية مع الغرب وعقد الزواج المدني: الندوة 11، (752-753).


الأخلاق

                                                                   محمد حمود

                                                                   كاتب لبناني، أستاذ جامعي في الآداب

 

أولاً: مفهوم الأخلاق

ثانياً: محاولة في رسم المنهج

ثالثاً: القيم والسلوك

 

رابعاً: القِيَم السلبية أو (الأخلاق السلبية)

1- السباب

2- الخيانة

3- الكذب

4- الغدر

5- النفاق

6- الغيبة والبهتان


ما من فكر، أو فلسفة، أو دين، في القديم أو الحديث، اهتمّ بتنشئة الإنسان، وتربيته الأخلاقية، كما فعل الإسلام، فقد جعل الدين الحنيف هذا الأمر من صلب الإيمان، ويظهر ذلك في الآيات القرآنية الكريمة، وفي الأحاديث النبوية الشريفة على حدّ سواء. بل اعتبر هذا الأمر هدفاً مهمّاً من أهداف الرسالة، قال رسول الله (ص): «إنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صالح الأخلاق». وعندما مدح الله عزَّ وجلّ نبيّه، مدحه بالأخلاق الرفيعة، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4).

ويعتبر موضوع القيم الأخلاقية، وطريقة اكتسابها، موضوعاً معاصراً بامتياز، وذلك بسبب ما تعانيه المجتمعات البشرية كافةً ـ ما يعتبر منها "متقدّماً" وما يعتبر "متخلّفاً" على حدٍّ سواء ـ من مشاكل وانحرافات وارتكاب جرائم وسرقات... إلخ، ما دفع كلّ المؤسّسات التربوية ـ ومؤسّسات المجتمع المدني بخاصة ـ إلى الاهتمام بهذا الموضوع، وإدخاله في المناهج التعليمية على المستويات كافةً، وتأسيس الجمعيّات والنوادي، بل وابتكار أنشطة اجتماعية مخصوصة، بهدف غرس الأخلاق الإيجابية في نفوس مواطنيها واستبعاد الأخلاق السيئة أو السلبية، بل واقتلاعها إذا أمكن ذلك.

ونظراً إلى أهمية المسألة، أرى من الضروري البدء بتعريف موجز ما أمكن لكلمة الأخلاق، هذه الكلمة الموازية في اللغة الفرنسية لكلمتي (Morale, Ethique)، وفي الإنكليزية لكلمتي (Morals, Ethics)، وهي في اللغة جمع خُلُق، وهو العادة، والسجية، والطبع، والمروءة والدين. وعند القدماء، ملكة تصدر بها الأفعال عن النفس من غير تقدّم روية وفكر وتكلّف. فغير الراسخ من صفات النفس لا يكون خلقاً، كغضب الحكيم، وكذلك الراسخ الذي تصدر عنه الأفعال بعسر وتأمُّل، كالبخيل إذا حاول الكرم.

وقد يطلق لفظ الأخلاق على كلّ الأفعال الصادرة عن النفس، محمودةً كانت أو مذمومةً، فتقول: فلانٌ كريم الأخلاق، أو سيّىء الأخلاق. وإذا أطلق على الأفعال المحمودة فقط، دلَّ على الأدب، لأن الأدب لا يطلق إلا على المحمود من الخصال، فإذا قلت: أدب القاضي، أردت به ما ينبغي للقاضي أن يفعله، وكذلك إذا قلت: آداب الوزراء والكتّاب والمعلمين والمتعلمين... وفي كتابي "الأدب الكبير" و"الأدب الصغير" لابن المقفّع، وكتاب أدب الدنيا والدين للماوردي، أمثلة كثيرة تفسر هذا المعنى.

والفرق بين الأدب والتعليم، أنَّ الأدب يتعلّق بالعادات، والتعليم بالشرعيات. الأول عرفي دنيوي، والثاني شرعي ديني. وقد يطلق الأدب على السنّة أو على الورع وصون النفس. وله عند العرب مصادر عدّة، وهي الشعر الجاهلي، والقرآن والحديث، والسير، وهو متقدّم على علم الأخلاق المشتمل على الكثير من العناصر اليونانية والفارسية والهندية.

ويسمَّى علم الأخلاق علم السلوك أو تهذيب الأخلاق، أو فلسفة الأخلاق، أو الحكمة العملية، أو الحكمة الخلقية، والمقصود بها معرفة الفضائل، وكيفية اقتنائها، لتزكو بها النفس، ومعرفة الرذائل لتتنـزه عنها النفس، على حدٍّ ما جاء في كتاب "تهذيب الأخلاق" لمسكويه.

ولمعرفة ما يجب على الإنسان فعله لبلوغ العادة، تكلم الفلاسفة على طبيعة الوجدان والضمير، وطبيعة الخير والعدل، والواجب، والمحبة، وبنوا كلّ المفاهيم الخلقية التي تصوروها على الأسس المستمدّة من مبادئهم الفلسفية العامة.

ونحن نطلق اليوم لفظ الأخلاق على المعاني التالية:

1- الأخلاق النسبية، وهي مجموع قواعد السلوك المقررة في زمان معين لمجتمع معين (راجع: ديركهايم). تقول: أخلاق العرب، وأخلاق الفرس، وأخلاق الروم... فلكلّ شعب أخلاقه المتفقة مع شروط وجوده، ولا يمكنك أن تحمله على أخلاق غير أخلاقه من دون تعريض نظام حياته للاضطراب.

2- الأخلاق المطلقة، وهي مجموع قواعد السلوك الثابتة التي تصلح لكلّ زمان ومكان. ويسمّى العلم الذي يبحث في هذه الأخلاق "فلسفة الأخلاق"، وهي الحكمة العملية التي تفسّر معنى الخير والشرّ، وتنقسم إلى قسمين: أحدهما عام مشتمل على مبادئ السلوك الكلية، والآخر خاص مشتمل على تطبيق هذه المبادئ في مختلف نواحي الحياة الإنسانية. وجماع ذلك كلّه، تحديد ما يجب أن يكون، لا وصف ما هو كائن في الواقع.

3- الأخلاق النهائية والأخلاق المؤقتة: وقريب مما تقدم، ما تحدث عنه ديكارت في "مقالة المنهج"، عندما فرَّق بين الأخلاق النظرية أو النهائية المبنية على المبادئ الفلسفية، والأخلاق المؤقتة المشتملة على بعض القواعد العملية التي تصلح للحياة في مجتمع معين.

4- وهناك أخلاق المواقف، وهي الأخلاق المبنية على تحديد المعطيات المعقّدة الخاصة بكلّ حالة من حالات الحياة، لا الأخلاق المستنبطة من القوانين العامة.

وإلى جانب لفظ الأخلاق، لا بدَّ من الإشارة إلى ثلاثة ألفاظ أخرى هي:

الأخلاقي، وهو المنسوب إلى الأخلاق أو إلى قواعد السلوك المقررة في زمان معين، مثال ذلك قول ديركهايم: لا يكون الحادث الأخلاقي سوياً في مجتمع معين، إلا إذا كان شائعاً في العدد المتوسط من المجتمعات الأخرى التي هي من نوع ذلك المجتمع. تقول بهذا المعنى: الحقيقة الأخلاقية، والواقع الأخلاقي، والحسّ الأخلاقي. والأخلاقي مقابل اللاأخلاقي، ويطلق على الأفعال الحميدة المطابقة للأخلاق أو لقواعد السلوك العملية. كما هناك فرق بين الأخلاقي والأمر الذي هو بمعزل عن الأخلاق، كسلوك الحيوان أو فاقد العقل، فهو سلوك محايد لا يوصف بالأخلاقي أو باللاأخلاقي، لأنّ هاتين الصفتين تقتضيان تصوّر الفعل والقصد إليه، أو البعد عنه، وليس ذلك شأن الحيوان أو المجنون.

5- المذهبية الأخلاقية، وهي النظرية التي تقرّر أنّ للأخلاق قيمةً مطلقةً، وقد تؤدّي المبالغة في المذهبية الأخلاقية إلى التشدّد والتعصّب، والمذهبية الأخلاقية هي ضدّ المذهبية اللاأخلاقية التي تنكر قيم الأخلاق أو تغير ترتيبها الموضوعي، كما هو الحال في بعض الفلسفات (نيتشه على سبيل المثال).

6- وتطلق الأخلاقية كصفة على الأمر الذي يتضمن معنى الخير والشر، بخلاف الأمر الذي هو بمعزل عن الأخلاق. وهي إيجابية أو سلبية، فالإيجابية تتعلّق بالأفعال الحميدة، والسليبة تتعلّق بالأفعال المذمومة.

غير أنّه في إطار الحديث عن القِيَم والتربية في شكل عام، والقِيَم والتربية الدينية في شكل خاص، لا بدّ من وضع هذه التعابير في السياق الحضاري المعاصر. فالقِيَم كمفهوم متكامل هي حديثة العهد، ولم تتعرّفها الحضارة العالمية إلاّ في القرنين الأخيرين، بينما عرف العالم في مجتمعاته المختلفة، عرف الأخلاق كجزءٍ لا يتجزأ من الثقافة الخاصة بكلّ مجموعة من مجموعاته. ولأنّ الدين عامل أساسي في صوغ الثقافة المحلية، كان من الطبيعي أن نتساءل عن العلاقة الممكنة بين أخلاقيات تراثها في ثقافة متأثرة بالدين، وقيم تصوغها الحضارة العالمية. ويزداد الأمر خطورةً وصعوبةً اليوم، بسبب ما اعتدنا على تسميته "العولمة"، والذي نخشى أن يستلبنا شيئاً من خصوصيّتنا، فتذوب ثقافتنا عوض أن تتألق باحتكاكها بالثقافات الأخرى.

ويرى عدد من المفكّرين، نذكر منهم "فول"، أنّ "الأخلاق نسبية، أمّا القِيَم فمطلقة"، نسبية الأولى عائدة إلى ارتباطها بواقع اجتماعي وديني واقتصادي محدّد، ولذلك تأخذ صيغاً محددةً في زمن معيّن، وفي بيئة معيَّنة، وتحت وطأة ظروف معيَّنة. ويكمن الخطر هنا في تجميد الصيغ على الرغم من تبدّل الظروف، فتصبح المرجعية هي النصّ وليس روح النصّ. أمّا الإطلاق في القِيَم، فمرتبط بشموليتها وتعميمها وقبولها مبدئياً من قبل المجتمعات كافةً. هذا لا يعني طبعاً أنّه من السهل توضيح الفرق بين هذه وتلك، لا على صعيد التعابير، ولا على صعيد ترجمة القِيَم في الواقع من دون الرّجوع إلى الخلفيات، "العقدية"، من دينية أو غيرها، التي تكمن وراء المقاربة الأخلاقية. فالقول بالمطلق يمكن أن يعني تخطي الإرث الثقافي المحلي بشيء من الاستعلاء، من دون الوعي لضرورة اكتساب المجموعة المحلية القدرة على التعامل مع ما تحمله هذه القِيَم من تماس جدّي مع عمق الموروث. أمّا القول بالنسبي، فيمكن أن يعنيَ الابتعاد عن الانفتاح على خبرة الغير في سيرورة العيش المشترك، وهذا أيضاً موقف استعلائي لا يقبل بحوار الثقافات وتنوّعها وإمكان تناغمها من أجل صوغ حضارة إنسانية رحبة.

إنّ ما نشهده على العموم، هو غلبةٌ للتقنين الأخلاقي على رحابة المفاهيم القيمية، بحيث إنّ الميل إلى حدّ المفاهيم القيمية في منظومة الأخلاق بمعناها المتحجّر، يمكّن الهوى المتطيف أو المتمذهب (دينياً) أو المؤدلج (سياسياً) من أن يجرفها في أيّة لحظة. هل هذا يعني أنّ تعليماً ما حول ظرفية الأخلاق ونسبيتها ومحدوديتها يجب أن يعتمد؟ إنّ هذا يتحقّق بتبنٍّ لتعليم ديني يقيم الفرق بين الإيمان وانعكاساته العقدية ذات الطابع الأخلاقي، على أن تكون الأولوية في التوجيه الديني للثوابت المطلقة التي تبنى عليها القيم، على حساب موروثات ثقافية محلية. وإذا كانت هذه هي الحال المنشودة، فمن يقرّر هذا المطلق، وبناءً على أيّة أسس، وبأيّة طريقة، حتى تتجانس التربية الدينية مع التأهيل لممارسة القيم في التعاطي المجتمعي على اختلاف أنواعه؟ ذلك أنّ للأخلاق طابعاً شخصياً ومجتمعياً في آن، وكذلك القيم. من هنا، فإنّ التعاطي فيها ليس مقتصراً على تصرف الأفراد، بل من المتوقع أن ينظر إلى إقامة تناغم بين تصرّف الأفراد وتصرّف المجموعة. وكم هو غريب أن نلاحظ في عالمنا المعاصر، أنّ جماعاتٍ معيَّنةً تسمح باعتماد سياساتٍ قهريةٍ (عسكرية أو اقتصادية لا فرق) لجماعات أخرى، وترفض هذا الحقّ للأشخاص الذين ينتمون إليها. كما لو أنّ "قيمة" الإنسان في مجموعة معيَّنة تفوق قيمته في مجموعة أخرى.

تكمن أهمية أسئلة كهذه في الدور المهم الذي تضطلع به التربية بعامة في بلورة التعبير عن ثقافة معينة في سياق حضاري معين. فكم بالأحرى في مجتمعات متعددة الدين أو الأثنية، كما في العديد من بلدان عالمنا العربي والإسلامي، وخصوصاً في بلد كلبنان. وما هو صحيح بالنسبة إلى التربية عامةً، يصبح أكثر دقةً بالنسبة إلى التربية الدينية: فإمّا أن تلعب التربية بعامة (والتربية الدينية بخاصة) دور العامل الإيجابي في تقوية اللّحمة المجتمعية حول مفاهيم قيمية جامعة، أو أن تلعب دوراً سلبياً في تمزيق المجتمع على صعيد طائفي بالرجوع إلى أخلاقية "عقدية". هذا الدور المطلوب للتربية، ليس، كما يمكن أن يخيّل إلى البعض، مسعى تلفيقياً، لكنّه سعي حضاري للتفتيش عن المطلق الذي يجمع مقاربات مختلفة، فيصوغ منها أرضية لقاء بين المواطنين تحترم الخصوصية دونما تكفير أو استكبار من قبل أحد على أحد.

ربّما كان هذا أبرز ما يلفت انتباه المتابع للأهمية التي يوليها سماحة السيّد محمّد حسين فضل الله في أحاديثه وكتاباته للقيم والأخلاق، أعني نجاحه اللافت في العودة إلى الإشراقة الإنسانية المتمثلة بقول جدّه أمير المؤمنين عليّ (ع) إنّ البشر صنفان: «إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لكَ في الخلق»، وبالتالي، هذه القدرة على صياغة أرضية لقاء في مجتمع تجتاحه شتّى أنواع العصبيات المناطقية والدينية والمذهبية، بحيث يحظى بمناصرين له ومريدين في مختلف هذه الأوساط، كما يجد معارضين لنهجه التوفيقي الإصلاحي في أوساطهم جميعاً، لا لشيء إلاّ لأنّه صادق في دعوته إلى الالتزام بأخلاقية الإسلام مع الناس جميعاً، لأنّ أخلاقية الإسلام لا تفرِّق بين إنسان وآخر، فالله يريد للإنسان المسلم أن يعيش أخلاقيته في نفسه، بحيث يكون إنسان القيمة الإسلامية، ويريد له أن يقتديَ برسوله (ص) الذي كان يعيش قِمّة الأخلاق مع الكافرين قبل المسلمين (الندوة، ج 6، المحاضرة الرابعة والعشرون: 311). وسأحاول في ما يأتي تبيان جهده المشكور في عمله هذا، بالاستناد إلى نتاجه، مبتدئاً بعرض مفهومه للأخلاق وأهميتها في حياة الإنسان والمجتمع.

أولاً: مفهوم الأخلاق

يرى صاحب السماحة أنَّ للأخلاق معنى التوازن الحركيّ الداخلي والخارجي في شخصية الإنسان الذي تحفل إنسانيته بالانفتاح على كلّ امتدادات سلوكياته في الحياة على مستوى ما يفكّر فيه، أو يحلم به، أو ينطلق فيه من أوضاع، أو يواجهه من صدمات وتحديات، أو يتحرّك به من أعمال، أو يتحدّث به من أقوال، أو ينفتح عليه من حاجات، أو يلتقي به من أحداث أو أشخاص. ولذلك، فإنّ الحديث عنها هو حديث عن الإنسان كلّه، في دوره الإيجابي أو السلبي في حركة الحياة في داخله أو من حوله. (آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، في رحاب دعاء مكارم الأخلاق: 14).

ويرى السيّد في غير مكان "أنّ في الأخلاق خطوطاً سلبيةً، وهي الأخلاق التي لا يريد الله للإنسان أن يتَّصف بها، وخطوطاً إيجابية يريد له أن يتّصف بها". (الندوة، ج 6، المحاضرة الرابعة والعشرون: 311).

كما يرى أنّ للأخلاق في الإسلام سرَّ العمق في خصائصه الحركية، في مفاهيمه ومناهجه وتشريعاته، بحيث تتَّسع الأخلاق باتّساع مفرداته الشرعية، فنجد للعبادة أخلاقيتها الروحية، ونجد للإنسان أخلاقياته الإسلامية، في طعامه وشرابه ولذته وحزنه وفرحه، وعمله وكلامه وحركته المتنوّعة، في حربه وسلمه وصداقاته ونداءاته، وإنتاجه واستهلاكه وانفعاله بالواقع الخارجي من حوله، وخضوعه للمؤثرات الذاتية في داخله، ولكلّ الأمور المتّصلة بحياته وأخلاقه التي تتناسب مع كلّ مفردة من مفردات حياته، وهذا ما نستوحيه من الحديث المأثور عن النبيّ محمّد (ص) حين قال: «إنَّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»، الأمر الذي يوحي بأنّ مكارم الأخلاق تمثّل العنوان الكبير للرسالة الإسلامية التي بعث بها النبيّ محمّد (ص)، تماماً كما لو كانت المهمّة النبوية في واقع الإنسان مهمةً أخلاقيةً، ليكون التشريع الإسلامي في كلّ تفاصيله تعبيراً عن المفردات الأخلاقية في جزئياتها العملية.

حتى إنّ الأخلاق تتّسع للدوافع النفسية، والنيّات الذاتية، فنجد أنّ هناك دافعاً غير أخلاقي إلى جانب الدافع الأخلاقي في موقع آخر، كما أنّ هناك نيةً خيرةً إلى جانب النية الشريرة. وهكذا تشمل الأخلاق حركة الكلمات في حياة الإنسان الذاتية وحياة الآخرين، تبعاً للنية التي أطلقت الكلمة، أو للنتائج التي تتحرك فيها، ما قد يوحي بأنّ الأخلاق هي الحياة كلّها، في كلّ مواقفها ومواقعها وعلاقاتها وحركتها في الإنسان وفي الوجود كلّه، (في رحاب دعاء مكارم الأخلاق: 14 -15).

وللأخلاق توازناتها التي تخضع لها حدود الأفعال تبعاً للعناوين الذاتية التي تكمن في طبيعة ذاتياتها، أو التي تطرأ عليها من الخارج، فقد يكون الفعل الواحد أخلاقياً في حالة، وغير أخلاقي في حالة أخرى، لأنّ العنوان الذي انطبق عليه في الحالة الأولى كان خيراً، بينما كان العنوان الآخر شريراً في الحالة الثانية، كما في ضرب اليتيم الذي قد يكون قبيحاً إذا كان ناشئاً من حالة نفسية معقّدة في حركة الانفعال في الذّات، وقد يكون حسناً إذا كان منطلقاً من حالة التأديب العملي، الأمر الذي يجعل حركة الأخلاق في أفعال الإنسان وأقواله حالةً نسبيةً خاضعةً للواقع الذي يتمحور الفعل أو القول فيه. فلا بدّ من دراسة الموضوع من أكثر من جانب من خلال الخصائص الكامنة فيه والطارئة عليه، قبل الدخول في تقويمه من الناحية الأخلاقية، في الدائرة الإيجابية أو السلبية، ولا بدّ في ذلك من وعي الإنسان للمسألة الواقعية في حدود الأشياء، وعناوينها في الآفاق البعيدة والقريبة على مستوى الداخل والخارج. (في رحاب دعاء مكارم الأخلاق: 15).

وإذا كانت الإرادة الإنسانية هي السبيل العملي لتأكيد المضمون الأخلاقي في الشخصية، من خلال العوامل الداخلية التي تترك تأثيراتها السلبية والإيجابية في الذات، فقد يكون للعامل الإيماني الروحي الدور الكبير في تربية الإرادة وتنميتها وتقويتها وتفعيل حركيتها، من خلال العنصر الإيحائي الذي ينقل الفكرة إلى الإحساس، بحيث يتحوّل الإحساس إلى هزّة نفسية ضاغطة على مواقع القرار الداخلي، ويعمق الأثر الفكري أو الروحي أو الأخلاقي في عمق الإنسان... إنّ التنشئة الأخلاقية ليست مجرّد حركة تدريبية على مستوى الممارسة، ولكنّها إضافةً إلى ذلك، فكر يطلُّ على آفاق المعرفة، وشعور يلتقي بالفكر، وحالة إيحائية نفسية وروحية. (م.ن: 15-16)

حاولت في ما تقدّم تبيان حدود الموضوع وأهميته بإيجاز شديد في الفكر بعامّة، وفي فكر سماحة السيّد بخاصة، لأنتقل بعد ذلك إلى محاولة رسم المنهج الذي اتّبعه السيّد في عرضه لأفكاره وموضوعاته وتنشئة الإنسان المسلم، بل الإنسان بعامّة.

ثانياً: محاولة في رسم المنهج

يعيش عالمنا المعاصر أزمة قِيَم مستفحلة كما سبق وأشرنا، سواء في الغرب أو في الشرق، في الشمال كما في الجنوب، في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، ما دفع العديد من المفكّرين والمربين والمسؤولين إلى الانكباب على دراسة أفضل الوسائل لتربية الناشئة على القِيَم المعتبرة فاضلةً في تلك المجتمعات، (والتي تتماثل كلَّما تخلَّت عن الخصوصية ولامست الإطلاق كالصدق والأمانة...). وقد تنوّعت هذه الوسائل، وتعدَّدت، وتشعَّبت إلى حدّ أصبح من الصعب تأطيرها وتحديدها في عناوين مقتضبة. لذلك سنكتفي بالإشارة إلى بعضها.

فقد اهتمَّت بعض الدول بإعداد المعلم وتحضيره ليكون قادراً على استخدام مختلف الاستراتيجيات التربوية لتلبية حاجات المتعلّمين وزيادة فهمهم (جامعة واشنطن)، كما سعت إلى مواجهة تحديات التنوّع والاختلاف عند المتلقين والتعلّم الخدماتي الميداني والخبرات الميدانية (جامعة تولاين، لويزيانا)، ومعرفة قضايا المجتمع وحركته وتحفيز نموّ الفرد عقلياً ووجدانياً وروحياً وجسمياً. أمّا ألمانيا التي أدركت صعوبة هذه المهمة، فقد تركت الحرية للأساتذة في اختيار طرائقهم. كما لجأت بعض الدول إلى اعتماد الوضعية ـــ المشكلة في مقاربة المواضيع الأخلاقية والقيمية (بلجيكا، كندا، فرنسا)، كما أنّ المنهج الفرنسي يولي المناظرة البرهانية شأناً رئيساً في تدريس التربية المدنية والقانونية والاجتماعية.

وكذلك تركِّز العديد من الدول على ما يسمى في المعجم التربوي "الأنشطة اللاصفية" لتدعيم اكتساب القيم. كلّ هذا بهدف التوصل إلى منهجية تركز على الأنشطة التفاعلية، لإعداد أذهان المتلقّين للتفكير من طريق عمليات الربط، والتحليل، والاستدلال النصيّ والمنطقي، إضافةً إلى التفاعل الاجتماعي الإيجابي والتواصل البنَّاء. مع التشديد على أنّ الوسيلة الأكثر فاعليّةً لترسيخ القيم وتثبيتها، تقوم على توضيحها لا على تعليمها، مع اقتران ذلك بتقديمها من طريق القدوة والتمثُّل. بمعنى آخر، تطبيق قول أمير المؤمنين (ع): «من نصب نفسه إماماً للناس، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه».

ولا أرى بأساً في تبيان أساليب إكساب القِيَم المعتمدة في العديد من بلدان العالم بعبارات موجزة واضحة، وهي مجتمعة:

- إعداد المتعلّم ليكون قادراً على تلبية حاجات المتلقين وزيادة فهمهم.

- الأخذ في الاعتبار التنوّع والاختلاف بين المتلقين.

- معرفة قضايا المجتمع وحركته.

- تحفيز نموّ الفرد عقلياً ووجدانياً وروحياً وجسمياً.

- اعتماد الوضعية ـ المشكلة في مقاربة المواضيع الأخلاقية والقيمية.

- اعتماد المناظرة البرهانية.

- التوضيح لا التلقين، وتقديم القدوة.

هذا بإيجاز شديد أهمّ ما توصَّلت إليه مراكز البحوث والدراسات في العديد من دول العالم، لتعتمد أسلوباً أو أساليب في تنشئة الإنسان الصالح، أو تقويم اعوجاجه، توصلاً إلى مجتمع أفضل. (الدراسة المسحيّة لتعليم القيم في عدد من دول العالم التي أعدَّها عدد من خبراء مركز البحوث التربوية).

غير أنّ أهمية موضوعنا هنا، هو أنّ المرجعيات التي تصدر عنها القيم في غالبية هذه البلدان، مختلفة عن المرجعية التي تصدر عنها القيم لدى سماحة السيّد، فالقيم التي يؤمن بها السيّد هي قيم إسلامية خالصة، وهذا قد يسهِّل العمل ويزيده صعوبةً في آنٍ معاً، سواء على المستوى المحلّي أو العالمي، إذ يتحدّث الفرنسيون، على سبيل المثال، عن "قيم الجمهورية"، ويتحدّث الأميركيون عن قِيَم "الديمقراطية"، ويتحدّث النظام الجمهوري في تركيا عن قيم العلمانية...

اللافت في منهج السيّد، هو هذه المقدرة المميزة على تطبيق أبرز ما قدمته المفاهيم التربوية الحديثة، من تقديم الأستاذ لنفسه على أنّه أحد المتعلمين، وكذلك إدراكه أنّ الأهداف التربوية هي أهداف عملانية تطاول المعرفة في شكلها الإجرائي، بينما الأهداف التعليمية تقتصر على المعرفة في شكلها الوصفي، ومن هنا حرصه الدائب والمستمرّ على الربط بين القول والفعل، بين الواقع والمرتجى...

وعلينا ألا نُخدَع بالتصوّر أنّه بحكم كونه رجل دين ينطلق سلفاً من موقع قويّ، فهذا تصوّر يفتقر إلى الدقّة، إن لم نقل هو قول مردود.

ذلك لأنّ صورة رجل الدين في زمننا هذا، ليست بالصورة الزاهية ـ في أوساط النخب بخاصة ـ وذلك لأسباب شتّى لا مجال للخوض فيها الآن ـــ إضافةً إلى تصوّر آخر سائد، وهو أنّ رجل الدين "لن يأتيَ بجديد"، حتى ليخال المستمع إليه أنّه يعرف سلفاً ما سوف يقول. وكانت المفاجأة مع السيّد بالقضاء على هذه الصورة، إذ أدرك بسرعة أنّ الدين في شقّه الإيماني تجريد غير قابل للفحص العلمي، فهو تسليم بمسلّمة فوقية تكون مرجعية احتكام (كالإيمان بالله الواحد). لكن هذا لا يعني أنّ هذا التسليم هو استقالة للعقل، فالعقل يفحص كلّ شيء على ضوء الإيمان، مؤكّداً ضرورة تماسك المعطى الإيماني، فلا تسلب إنسانية المؤمن على حساب سلفية تجعل من الحجة الإيمانية سلاحاً لتعطيل العقل. فالعقل مدعوٌّ ليستنير بالإيمان لا أن يتعطَّل بسببه. لذلك فللإيمان مسلَّمات مطلقة، تصلح لتكون مجال فحص للقيم. أمّا ما ليس من صلب الإيمان، فهو ظرفي وقابل لامتحان العقل على ضوء المتغيّرات المجتمعية والحضارية.

أدرك سماحة السيّد أنّ من شأن مسعى البعض في نسب كلّ شيء إلى الإيمان، أن يضع الدين في تضادّ مع تحقيق الإنسان لإنسانيته على حسب مقتضيات القصد الإلهي، كما أعلن عنه الدين نفسه، من هنا مواقفه المميزة في العديد من القضايا الحساسة التي طالما أربكت العالم الإسلامي، كما في العديد من القضايا المطروحة في عالمنا المعاصر.

رأى السيّد أنّ التربية الدينية هي معرفة تطلق العقل، بينما يمكن التعليم الديني أن يتحوّل إلى نوعٍ من المعرفة من شأنها استبعاد العقل. التربية الدينية تؤكّد تناغم الفعل مع المسلَّمة الإيمانية، بينما يجعل التعليم الديني من الشكل (في التعبير العقدي كما في الشعائر أو في القواعد الاجتماعية) محور المعرفة الدينية الوحيد. (وما أبعد ما قام به السيّد وما يقوم به عن هذا).

تواجه التربية الدينية اليوم تحدياً متمثلاً بهذا السؤال: ما مقدار التجاوب الذي يمكن أن توفّره هذه التربية مع طروحات تصرُّ على قيام تناغمٍ بين التعليم والحياة؟ وبشكل محسوس، هل ستستمرّ العصبيات الدينية باللجوء إلى "الأخلاقيات" الموروثة لتبرير تصرفات هي في تضادّ مع الفحوى الإيماني، ولو التزمت بموروثاتها الشكلية؟

على أهمية ما تقدَّم ـــ من وجهة نظري على الأقل ـــ لا ينسى السيّد لحظةً واحدةً أنّ "لكلِّ مقام مقالاً". فيراعي "الشكل" بالقدر نفسه الذي يراعي فيه "المضمون"، فينوّع في طريقة العرض وأساليب الكلام، فعندما يتعلّق الأمر بندوة أو محاضرة، يبدأ بتحديد الموضوع، ثم ينطلق من النص القرآني، فالحديث النبويّ، فأحاديث الأئمة (ع) وسيرهم، وصولاً إلى الاستنتاج والربط بالواقع المعاصر، كلّ هذا بأسلوب منطقي شديد الترابط.

كما يلجأ السيّد إلى أسلوب آخر مختلف، لطالما شكَّل نهجاً مفضَّلاً عند كبار المصلحين العالميين منذ سقراط وأفلاطون، وصولاً إلى عالمنا المعاصر، أعني بذلك نمط الأسئلة والأجوبة، حيث تصبح العبارة أكثر بساطةً، والكلمة أكثر "دفئاً" (والسيّد شديد الحرص على دفء كلماته)، والمسائل المطروحة أكثر واقعيةً وارتباطاً بحياة الناس، حتى ليمكن القول إنّنا نجد في بعضها قيماً سوف تنتقل على الفور من حيِّز التصوّر والفهم إلى حيِّز الممارسة والتطبيق.

من هنا كانت مناقشتي أحياناً لمن كان يطيب له أن يتحدّث عن "دروس دينية" يقدّمها السيّد، وعدم تسليمي بهذا المصطلح، إذ في رأيي أنّ السيّد هو "مدرسة" دينية ـ أخلاقية، المعرفة عنده وسيلة للانتفاع بها، وتحويلها إلى ممارسة يومية.

بقي هناك نقطة غاية في الأهمية يركِّز عليها كبار المربين العالميين، وهي تعامل العملية التربوية مع المتعلم ككل من مختلف جوانبه البدنية والعقلية والوجدانية، ويتحدّث السيّد عن هذا الموضوع مؤكِّداً أن "القلب يحتاج إلى تنشئة وتنمية وإلى تربية، حتى يكبر فتكبر عاطفته. فكما أنّ العقل عندما يكبر في علمه، يكبر الفكر فيه، فإنّ القلب عندها يكبر وينمو تكبر عاطفته" (الندوة، ج 8: 169). ثمّ يمضي بعد ذلك إلى الحديث عن "المنهج الأخلاقي الإسلامي" بما يوضح الفكرة ويرسِّخها، "يقول لك الإسلام: لا تنمِّ جانباً واحداً من ذاتك لتترك الجوانب الأخرى، بل اجعل ذاتك تنمو في عملية تكامل، بحيث ينمو الجسد، وينمو العقل والقلب والطاقة والموقع والهدف معه، لأنّ الإنسان لا يمثّل بعداً واحداً في شخصيته، فهو عقلٌ وروحٌ وجسدٌ وعاطفةٌ وإحساسٌ وحركة".

وتحسبُ أنّك جرمٌ صغيرٌ

وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ

 

فالإنسان عالم متحرّك نام، وعندما يكون عالماً متعدد الجوانب، فلا بدّ لكلّ جانب من أن ينموَ ويكبر. ولعلّ مشكلتنا هي أنّنا في مواقع التخلف على مستوى الدول والشعوب، إنّما نعمل على تنمية جانب ونهمل بقية الجوانب، فيكون الإنسان كبيراً في جسده، طفلاً في عقله، ويكون كبيراً في عقله، طفلاً في قلبه، ويكون طفلاً في طاقته يتحرّك كما يتحرك الأطفال، لأنّه لم ينمِّ طاقته الحركية في مسؤوليته في الحياة. لذلك يقول لك الإسلام: "حاول دائماً أن تستشعر جوانب النقص فيك، لتتحرّك من أجل سدِّ هذا النقص وإكماله، كن في حالة تطور دائم... كن المفكِّر دائماً... الإسلام يريد لك أن تعيش مع إنسانيّتك التي فيها عقل بحاجة إلى النموّ، وقلب بحاجة إلى النموّ، وغرائز بحاجة إلى التصقيل، ومشاريع بحاجة إلى الكمال". (الندوة، ج 8، 169 - 170). وهذا ما سبق أن أشرنا إليه من أنّ التربية الدينية مع السيّد هي معرفة تطلق العقل.

من كلّ ما تقدَّم نلاحظ مدى وعي السيّد لخطورة المهمة التي انتدب نفسه لها خدمةً لدينه وأمته وشعبه، ومدى إدراكه لصعوبتها، وفهمه لخفاياها، ولأفضل الأساليب الناجعة في مواجهة المشاكل المعقَّدة، توخياً لبلوغ أفضل النتائج المرجوة.

ننتقل بعد هذا، من المجال الإدراكي والمفهومي والتنظيري أو شبه التنظيري، إلى النطاق العملي، لنستعرض كيفية تقديم السيّد لما يراه في صالح دينه وأمته ومجتمعه وشعبه.

ثالثاً: القيم والسلوك

يعترف كلّ دين بمجموعة من التصرّفات التي يصفها بـــ"الأخلاقية"، والتي يعتبرها على شيء من الأهمية بالنسبة إلى متبعيه، وتشكّل محوراً أساساً من محاور التعليم الديني الذي يتبنّاه. لكن السؤال يبقى: هل إنّ مجموعة تصرّفات "أخلاقية" مطلوبة في التعليم الديني هي بالضرورة منظومة قِيَم ثابتة تصل إلى حدّ الإطلاق، أم أنّ هناك فرقاً بين التصرّف الأخلاقي والقِيَم في حدّ ذاتها؟ وإذا شئنا العودة إلى تعبير كلاسيكي مستمدّ من موروثنا الإسلامي، قد تقترب هذه الإشكالية من إشكالية التفريق بين العادات والعبادات.

تكمن المشكلة هنا في الفكر النقدي الذي يمكن أن تسند إليه المقاربة الأخلاقية. فهل هي قريبة من المعطى "القيمي"، أم هي مرتبطة في شكل جامد برؤية إيمانية نحدّد نحن مداها؟ وأرى أنّ المحكّ الأساس يكمن في السلوك وممارسة القيم بعد إيضاحها، وهذا ما سأحاول تبيانه في ما سيأتي، مبتدئاً بما أراه غايةً في الأهمية، والّذي أولاه السيّد عنايةً خاصةً في غير مناسبة، أعني العلاقة مع الآخر.

هنا لا بدَّ من التأكد أنَّ "الآخر" تعبير فعليّ عن وجود الإنسان بالمطلق، فالكلام على الإنسان والإنسانية كلام عام، لا يتحمَّل المرء من جرائه أيّة مسؤولية فعلية. من هنا، فإنّ مفهوم "الآخر" يشكِّل موقع اختبار مصداقية الكلام على الإنسان وعلى الإنسانية، وعلى شأن التعامل الإنساني بعامة، فيما قيمة الكلام على الحريّة وعلى المساواة وعلى الديمقراطية وعلى حقوق الإنسان... في عالم كالعالم الذي نعيش فيه؟

"الآخر" هو عنوان مصداقية الالتزام الديني المؤدّي إلى القيم المجتمعية، فكلّ تربية دينية لا تركِّز على احترام خصوصية الآخر في التعامل معه، وحرية ممارسة مستلزمات خياراته الفكرية، وإقامة جسور حوارية لمعرفته في شكل دقيق ومنفتح، هي تربية على الخصومة، لا علاقة لها بالدين كإعلان إلهي. تربية كهذه هي تعليم على جعل أهوائنا كأصنام تعبد بغية الحفاظ على مكتسبات سلطوية الدين منها براء (في بلد كلبنان يأخذ هذا الموضوع بعداً مهمّاً للغاية).

يدرك السيّد أهمية هذا الموضوع وخطورته، وقد توقف عنده، كما سبقت الإشارة، في غير مناسبة، "فأخلاقية الإسلام لا تفرّق بين إنسان وآخر" (الندوة، ج 6، المحاضرة الرابعة والعشرون: 311).

وتشكّل «المحاضرة السابعة والعشرون من الندوة في جزءها الثالث: 325 - 333» منهجاً يقترحه السيّد ليطبَّق في التعامل مع الآخر، كما تعتبر صورةً ممتازةً لمنهجه في الإصلاح القائم على التوضيح والإبانة والتفسير ـ على حدِّ ما نادت به المفاهيم التربوية الحديثة ـ لا على مجرّد الوعظ والإرشاد، مما هو مألوف في أوساط رجال الدين بعامة، ورجال الدين عندنا بخاصة!

ينطلق السيّد من رواية ينقلها عن الإمام زين العابدين (ع) لما ورد في إحدى خطب الرسول: «طوبى لمن طاب خلقه، وطهرت سجيته، وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، فأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، وأنصف الناس من نفسه»، فصاحب الخلق الطيّب يتنفّس الناس الطيّب والطيبة من أخلاقه، وطهر السجية يبعده عن قذارة النفس وفعل السوء، وصلاح السريرة يعني أن لا يحمل المرء في نفسه للناس إلاّ كل صلاح وكلّ خير، وحسن العلانية أن يكون ظاهرك عندما تتعامل مع الناس، وعندما تتحرّك معهم، وتتعايش معهم، حسناً تماماً كما هي سريرتك، وإنفاق الفضل من المال فيه مساعدة للآخر المحتاج والمستحقّ، وأمّا فضول القول، فهو الذي لا ينفع الناس ولا ينفعك، بل ربّما يضرّك. أمّا العبارة الأكثر التصاقاً بموضوعنا ـــ والتي ربما كانت نتيجة للعبارات السابقة ـــ فهي: «وأنصف الناس من نفسه». "فإذا كان الإنسان طيّب الخلق، طاهر السريرة، صالح العلانية، يعطي من ماله، ويمسك عن الناس الفضول، فمن الطبيعي أن تكون روحيته روحية الإنسان الذي لا يظلم الناس عندما يكون لهم حقّ عليه، سواء كان حقّاً في الكلمة، أو في الموقع، أو في الموقف". (الندوة، ج 3: 326 - 327).

بعد ذلك، يخبرنا السيّد عن رجلٍ سأل الرسول(ص) أن يعلِّمه عملاً يدخل به الجنة، فأجابه(ص): «ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأته إليهم، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم...». يرى السيّد أنّ قيمة هذا الحديث، أنّه يقول لهذا الرجل، إنّ هذا العمل وهذه الروحية، وهذا السلوك الإنساني مع الآخرين، يمثّل أحد الدروب التي تسلك بك إلى الجنّة. ونحن نعرف أنّ جائزة الجنّة كبيرة، فعلينا أن نتحمّل كلّ الحساسيّات المضادّة التي تمنعنا من أن ننفتح على الآخرين لنفكّر فيهم كما نفكّر في أنفسنا. ولا ينسى دعوتنا إلى أن "نرتفع بإنسانيتنا في مجتمعنا ليكون مجتمعاً إنسانياً في أخلاقه، وأن تكشف للإنسان الآخر أنّك بمقدار ما تكون مسلماً أكثر، تكون إنساناً أكثر...". (الندوة، ج3: 326 - 327).

ينتقل السيّد بعد ذلك إلى حديث للرسول(ص) رواه الإمام الباقر(ع): «ثلاث خصال من كنَّ فيه أو واحدة منها كان في ظلّ عرش الله يوم لا ظلَّ إلاّ ظله: رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم، ورجل لم يقدِّم رجلاً ولم يؤخر رجلاً حتى يعلم أنّ ذلك لله رضا، ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيبٍ حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه، فإنّه لا ينفيَ منها عيباً إلاّ بدا له عيب، وكفى بالمرء شغلاً بنفسه عن الناس». إذاً، على الإنسان أن يعطيَ الناس من المشاعر، ومن المواقف، ومن المعاملة، ما يطلب أن يعطوه مثله، وإذا أردت أن تعيب الناس فخذ حريتك، شريطة أنّك إذا كنت تريد أن تعيب الناس بعيب، فلا تعبهم به إلاّ بعد أن تحرز من نفسك أنّك سالم منه أو من عيب مماثل، وإذا لم تكن معصوماً من العيوب، فلماذا تشغل نفسك بعيوب الناس، قبل أن تشغل نفسك بتطهير نفسك من عيوبها؟!

يتوقف السيّد طويلاً عند مفهوم "إنصاف الناس من النفس"، فيروي عن الإمام الصادق(ع) حديثه: «أوحى الله عزَّ وجلّ إلى آدم أنّي سأجمع لك الكلام في أربع كلمات. قال: يا ربّ، وما هنّ؟ قال: واحدة لي وواحدة لك، وواحدة فيما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين الناس، قال: يا ربّ بيِّنهن لي حتى أعلمهن؟ قال: أمّا التي لي، فتعبدني لا تشرك بي شيئاً، وأمّا التي لك، فأجزيك بعملك أحوج ما تكون إليه، وأمّا التي بيني وبينك، فعليك الدعاء وعليَّ الإجابة، والتي بينك وبين الناس، فترضى للناس ما ترضى لنفسك، وتكره لهم ما تكره لها».

ويدعم السيّد أخيراً رأيه بقولٍ للإمام الصَّادق(ع) يخاطب فيه أحد أصحابه: «ألاَ أخبرك بأشدّ ما فرض الله على خلقه (ثلاث)؟ قلت بلى. قال: إنصاف الناس من نفسك، ومواساتك أخاك، وذكر الله في كلّ موطن». وممّا لا شكّ فيه، أنّ من أصعب الأمور على الإنسان ـ خلافاً لسهولة قول ذلك ـ إنصاف الناس من النفس، والاعتراف الفعلي والعملي لـ"لآخر" بالحقوق نفسها التي يدَّعيها القويّ والمسيطر لنفسه.

وإذا كان السيّد قد أولى هذا الموضوع هذه الأهمية، فلأننا في أمسِّ الحاجة إلى "الاعتراف" بالآخر المختلف، سواء على مستوى بلداننا أو على مستوى العالم، كما أنّنا في أمسِّ الحاجة إلى "اعتراف" الآخر بنا في عالمٍ لا يزال يعيش حال تجاذب مخيفة بين مفهومي صدام الحضارات وتكاملها.

إذ لا شيء يؤلم السيّد كعودة التعصُّب إلى الساحة الإسلامية، بحيث بات يرى أنّ المشكلة هي مشكلة أخلاقيَّة الإنسان، وهو يدعو إلى بناء "إنسان الحوار بدلاً من إنسان التعصّب"، من خلال الخطّ الإسلامي في الأخلاقية الحوارية، فيما أكّده من قول الكلمة التي هي أحسن، وذلك قي قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، أو قوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وغير ذلك من العناوين المنفتحة على العنصر الإنساني الإيجابي في حركة العلاقات، بحيث تحمل الشخصية الإسلامية على أن تخاطب الإنسان الآخر بالطريقة التي تثير مشاعر الخير في نفسه، بدلاً من مشاعر الشرّ فيها، في سبيل إيجاد حال من اللقاء في مواقع الفراق، فلا تنطلق من ذاتية العقدة، بل تتحرّك من طبيعة الرسالة، ليكون الجدال في خدمة الدعوة التي تبحث عن أفضل السبل للوصول إلى قناعات الآخرين، وبذلك يفقد الإنسان إحساسه بالمشاعر الذاتية السلبية تجاه الإنسان الآخر، فلا تملك أيّة حريّة في تحريك ذلك في أسلوب المعالجة للمشاكل الفكرية أو الحياتية تجاه الآخرين". (الأزمة الأخلاقية والوحدة 248 ـ 250).

وتصل الروحية الأخلاقية العمليّة إلى الذروة في قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}(فصِّلت:34-35).

ففي هذا الجوّ، يطرح الإسلام الهدف الكبير في أسلوب معالجة الخلافات، وهو أن يحوِّل الإنسان أعداءه إلى أصدقاء. ومثل هذا الأمر لا يتحقق إلا بمعاملة الناس بمثل ما نحبّ أن نعامل: «عامل الناس بما تحبّ أن يعاملوك به»، بل يذهب السيّد إلى حدّ القول، إنّه حتى "حبّ الذات يعني أن تحبَّ الآخر في ذاتك، أن تفكِّر أنّك لن تعيش وحدك، بل أنت والآخر، فالكون كلّه، وبحسب كل ّحركته في الوجود، وفي كلّ الموجودات، ليس فيه معادلة أنا لا الآخر، بل "أنا والآخر"، فالآخر وجود أمامك، وجود في حياتك. ولهذا فمسألة أن لا تقرّ وتعترف بالآخر مسألة لاوجودية وتخالف الواقع... وأن تعترف بالآخر أي أن لا تلغيَه، لأنّك لا تملك أن تلغيَه من الوجود الإنساني، لأنّه لا يمكن لإنسان أن يلغي إنساناً، قد يحجِّم إنسان إنساناً، قد يحاصر فكره، ولكنّه لا يمكنه أن يلغيَه إن لم يلغِ نفسه، فإذا لم تلغِ أنت نفسك، فلن يلغيَك أحد.

وإذا كان من حقّك أن تختلف مع الآخر، فلماذا لا يكون من حقّ الآخر أن يختلف معك، هذه وحشية وليست إنسانيةً. والمؤسف أنّنا أدخلنا هذه الوحشية في القومية، وفي الوطنية، وفي كثير ممّا يراد له أن يجمع الناس ليؤنسنهم، فحاولنا أن نفصله عن كلّ معنى الإنسانية. وينبذ السيّد كلَّ شكل من أشكال التعصّب، ويرى أن لا علاقة له بالإيمان، "فالمؤمن ملتزم وليس متعصّباً، لأنّ التعصّب فيه شيء من العدوان على الآخر، فيما الالتزام فيه شيء من الانفتاح على الآخر". (الندوة، ج11، ط1، 44).

بل إنّه يرى في التعصّب ابتعاداً عن الإسلام، عملاً بالحديث الشريف: «من تعصَّب أو تعصِّب له، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».

1- العدل

قيمة أخرى غير بعيدة عن الموقف من الآخر هي قيمة العدل، وهي قيمة توقَّف السيّد عندها طويلاً، ذلك أنّ الإسلام "لم يؤكّد على شيء كما أكّد على العدل، فقد اعتبره الهدف الكبير لجميع الرسالات الإلهية". (من وحي القرآن، ج13، 281). {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}(النحل:90).

وقد تحدّث عنه في الكلمة العادلة التي لا تحابي أحداً حتى لو كان ذا قربى، وفي الموقف العادل، حتى إذا كان لمصلحة العدو ضدّ الصديق، والحكم العادل لكلّ إنسان وفي أيّ موقف، بعيداً من صفته الدينية وموقعه الاجتماعي، وانتمائه الجغرافي والقومي والعرقي، ذلك أنّ المرجع الوحيد في هذا الشأن هو الحقّ الذي يمتلكه صاحبه، فيجب أن يعطى صاحب الحقّ حقّه حتى لو كان كافراً، أمّا من عليه الحقّ، أو من ليس له حقّ، فيخضع للحقّ حتى لو كان مسلماً، وهذا هو شعار الدنيا كما هو شعار الآخرة في قوله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}(غافر:17).

ولعلَّ أهمية تأكيد الله العدل كقيمة إنسانية عامة، أنّه يريد للإنسان أن يعيش العدل في نفسه كإحساس وشعور، وأن يرفض التعاطف مع الظالم وإعانته، لأنّه يسعى لإدخال العدالة في التركيبة الشخصية للإنسان المسلم التقي الذي يصنعه، لذا فهو يرفض الظلم كإحساس كما يرفضه كموقف.

من القرآن ينطلق السيّد إلى السُّنّة، ليتوقّف عند دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد الذي "يمثّل جولةً واسعةً في آفاق الحاجات الأخلاقية التي تمثّل مفردات البرنامج الأخلاقي في الإسلام، في تنوّعه وشموله، في الجانب الذاتي للإنسان على مستوى فرديته، أو في الجانب الاجتماعي المنفتح على العلاقات الإنسانية". (في رحاب دعاء مكارم الأخلاق، ص16).

يتوقّف السيّد عند قول الإمام زين العابدين (ع): «وألبسني زينة المتّقين في بسط العدل...»، فيرى مظاهر متنوّعةً لممارسة العدل تهدف إلى "نشر العدل في الكون في كلّ الأعمال والأحوال والمواقف والعلاقات في الحقوق والواجبات": (م.ن: 70)، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، حقّ التوحيد لله عزَّ وجلَّ، وتأدية الحقّ للنفس بإبعادها عن الخطر والضرر في شؤونها العامّة والخاصّة، وتوجيهها نحو مواقع السلامة في الدين والدنيا، وتأدية حقّ الناس، الأقربين والأبعدين، وتأدية حقّ الحياة بالقيام بكلّ الخطوات العملية التي ترفع مستواها، في اتّجاه الصلاح، والبعد عن الفساد، بتقريبها من الخير، وإبعادها عن الشرّ، وتحريكها في الخطّ الذي يجعل منها ساحةً طيّبةً للإنسان في خلافته عن الله في الوجود الكوني المتّصل بمسؤوليته عن كلّ شيء فيه.

ويؤكّد السيّد أخيراً أهمية كون العدل رسالةً شاملةً، تتوخَّى تشجيع البشر جميعاً على ممارسة العدل في القضايا المرتبطة بمسؤولياتهم، وتحضّ على مواجهة الظلم والظالمين، ومساندة العدل والعادلين، حتى يقوم الناس كلّهم بالقسط في أنفسهم وحياتهم العائلية، وعلاقاتهم الاجتماعية، وأنشطتهم السياسية، وأوضاعهم الحياتية، وقضايا الحكم بين الناس أو حكم الناس، ويكون العدل هو القضية في شكلٍ مباشر أو غير مباشر.

2- الأمانة

ينطلق السيّد كعادته في معالجة أيّة قيمة من القرآن الكريم، فيذكر أنّ الله سبحانه وتعالى قال في صفة المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}(المعارج:32)، أي هم أولئك الذين يحافظون على أماناتهم التي ائتمنوا عليها وعلى عهودهم التي عاهدوا عليها.

بعد ذلك، ينطلق إلى السُّنّة، فيلاحظ أنّ الصفتين اللتين كانتا تمثّلان عناصر شخصية النبيّ محمّد (ص) لدى مجتمعه، هما صفة الصدق والأمانة، فالنبيّ (ص) كان صادقاً مع الناس كلّهم في كل ّكلامه ومواقفه، وكان أميناً مع الناس على ودائعهم، وعلى كلّ ما يتحمّل مسؤوليته.

وقد جاء بعض أصحاب الإمام الصادق(ع) إليه وقال له: إنّي أريد أن أكون قريباً منك بحيث تمنحني صحبتك وصداقتك، فقال له الإمام(ع): «انظر ما بلغ به عليّ (ع) عند رسول الله(ص) فالزمه، فإنّ عليّاً إنّما بلغ ما بلغ عند رسول الله(ص) بصدق الحديث وأداء الأمانة». وروي عن رسول الله(ص) وهو يتحدّث عن المقياس الذي نقيس به الأشخاص: «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة». وفي الحديث عن الإمام عليّ (ع): «أفضل الإيمان الأمانة، وأقبح الأخلاق الخيانة»، وعن الإمام الباقر (ع): «ثلاث لم يجعل الله عزَّ وجلَّ لأحد فيهن رخصةً: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبرّ الوالدين، برّين كانا أو فاجرين». ويقول الإمام الصادق (ع): «إنّ ضارب عليّ بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني واستشارني، ثم قبلت ذلك منه، لأدَّيت إليه الأمانة»، ويقول الإمام عليّ (ع): «أدّوا الأمانة ولو إلى قاتل الأنبياء».

هذا غيض من فيض أحاديث يذكرها السيّد لتبيان أهمية الأمانة وتأديتها "إلى البرّ والفاجر في ما قلّ وجلّ"، يوردها السيّد، لا رغبةً في تراكم كمي، وإنّما لينطلق منها إلى تحديد مضامين إجرائية لممارسة هذه الأمانة في مختلف مناحي الحياة.

فهناك بالطبع أمانة المال، فقد يأتمن إنسان إنساناً آخر على ماله، فعليه أن يحفظ هذا المال وألا يفرط به. وهناك أمانة أخرى هي أمانة العمل والوظيفة، فإذا كنت عاملاً لدى شخص ما، فعليك أن تكون أميناً في عملك، مثل الناس الّذين يلتزمون أعمال البناء والتعهدات على أساس الاتفاقية بينهم وبين صاحب العمل، إذ قد يلجأ بعضهم إلى الغشّ، والإنسان الذي لا يلتزم بالشروط التي وقع عليها هو خائنٌ للأمانة.

والموظّف الذي لا يقوم بواجباته، أو يترك دوامه من دون وجه حقّ أو مسوّغ شرعي، يخون الأمانة.

بل أكثر من ذلك، لنسمع السيّد يقول: "هناك ذهنية لدى بعض الناس، بأنّ هذا المال (المال العام) هو للحكومة الظالمة غير الشرعية! هذا المال ليس مال الحكومة، بل هو مال الناس. الحكومة، من رئيس الجمهورية إلى أصغر موظف، لا تدفع من "كيسها"، بل هي ميزانية الدولة التي تجبى من الضرائب، ولا يجوز لأحد أن يأكل أموال الناس، وهو مال الحكومة. وقد يعطي بعض المشايخ فتاوى بأنّ هذا المال مجهول المالك. هذا ليس مجهول المالك، بل هو معلوم المالك. وحتى لو كان مجهول المالك، فإنّ الحاكم الشرعي الأمين لا يرخص لك ذلك، حتى لو كنت في البلاد غير الإسلامية، وقد قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة:8). لذلك، من يلجأ في بلاد الغرب إلى الاحتيال على شركات التأمين أو البنوك، فإنّه يخون الأمانة". (صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، ذو القعدة 1425 – ذو القعدة 1426هـ/2005م: 195).

وكذلك الحال بالنسبة إلى الأمانة الزوجية، فالزواج هو ميثاقٌ بين الزوج والزوجة، بأن تحفظه في نفسها فلا تخونه مع أحد، وأن يحفظها في حقوقها فلا يسقط هذه الحقوق، وأن يعاشرها بالمعروف، وهناك البعض ممّن يجبر زوجته على أن تعطيَه راتبها... مع أنّه ليس هناك سلطة للزوج على أموال زوجته.

وهناك أيضاً الكثير من الحالات التي يرى السيّد أنّ الإنسان مؤتمن عليها، "صوتك في أيّ موقع، سواء كان صوتاً في انتخابات جمعية أو بلدية أو نيابية، هو أمانة الله عندك، وأمانة الناس عندك، لأنّ صوتك قد يترك تأثيراً إيجابياً أو سلبياً، فقد تكون السبب في إنجاح مرشح مجرم، أو قد تكون السبب في إنجاح مرشَّح نافع للناس. ففي مسألة التصويت، ليس هناك مزح أو مجاملة أو محاباة، لأنّ الله سوف يسألك على أيّ أساس ساهمت في إنجاح فلان أو إفشاله".

بعد التوقّف عند مضامين إجرائية فردية للأمانة، يذكر السيّد أبعاداً دينيةً واجتماعيةً وسياسيةً لها، منطلقاً من الآية الشريفة: {إنّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب:72). فهذه أمانة المسؤولية عند الإنسان، أي القيام بالواجبات التي أمرنا الله أن نفعلها وترك المحرَّمات، أمانة مواجهة من يستخدم بعض الناس لإضعاف الدين في نفوس الناس من طريق المال والإعلام. وبعد أمانة الدين، هناك أمانة الوطن، فالوطن هو أمانة الله عندنا، فلا يجوز لنا أن نمكِّن العدوّ من أرضنا ووطننا، فمن أعان عدوَّه ليستولي على أرضه بكلمة أو موقف أو بأيّ وسيلة من الوسائل، كان خائناً لله ولرسوله وللأئمة... بعض الناس يتجسَّسون بحُجّة أنّ عنده أولاداً ويريد أن يربيهم، ولا يلتفت إلى أنّه بذلك يقتل أولاد الناس، فلا يمكن أن يربّي أولاداً من دماء أهله وإخوانه، فالذين يقاتلون مع العدو لا عذر لهم أبداً". فلا يجوز لك أن تكون جاسوساً لأيّ جهاز محلّي أو إقليميّ أو دولي يمكن أن يجعل الأبرياء في متناول السلطات الظالمة، لأنّ هذه خيانة، وقد ورد في كلام الإمام عليّ (ع): «أعظم الخيانة خيانة الأمة»، ويقول (ع): «من استهان بالأمانة وقع في الخيانة» (ولنا إلى ذلك عودة عند الحديث عن الخيانة).

كما يرى السيّد أنّ وحدة الأُمّة أيضاً أمانة الله عند الناس، وكذلك وحدة المجتمع ووحدة المؤمنين، فمن عمل على إثارة الفتنة بين أبناء الأمة، سواء كانت فتنةً عائليةً أو حزبيةً أو سياسيةً أو اجتماعيةً أو مذهبيةً أو طائفيةً، بحيث جعل الأمة تغرق في تفاصيل ذلك، فيلعنون ويكفّرون ويسبّون بعضهم بعضاً، فإنّ عمله يكون خيانةً من أعظم الخيانات للأمة، لأنّه بذلك يبعدها عن مواجهة الأخطار التي يحيكها المستكبرون ومخابراتهم وشياطينهم (صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، الخطبة العشرون، توثيق خطب الجمعة لعام 1997: 257).

ويخلص السيّد إلى الدعوة إلى أن نكون الأمة الأمينة على قضايا الناس، وقضايا الأمة كلّها، سواء كانت على مستوى القضايا المالية أو الاجتماعية أو السياسية، حتى يلقى الإنسان ربّه وهو راضٍ عنه، لأنّ الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}(النساء:58)(م.ن: 196).

ولا ينسى السيّد أن يذكر أنّ الأمانة لله ولرسوله تتطلّب منّا أن نصون أرض المسلمين وواقعهم. قال الإمام عليّ (ع): «عباد الله، اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم»، وبالتالي، فنحن مسؤولون عن الأرض بألّا نجعلها محتلةً ومستعبدةً لفريق آخر، لأنّ الأرض عندما يحتلّها الآخرون، فإنّ ذلك يعني احتلال الإنسان واستعباده، فحرية الإنسان مرتبطة بحريته في أرضه ووطنه، "ومسألة أن نحميَ أرضنا من أن يستعبدها أحد، هي نفسها مسألة أن نحميَ أنفسنا من أن يستعبدها أحد". (صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، الخطبة الرابعة 20 محرّم 1417هـ/7/6/1996، ط 1، 1998: 37).

3- الصدق

يرى السيّد أنّ الصدق من أسس الإيمان، مستنداً إلى قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(الصف:2-3). إنّه الصدق في الكلمة، بأن تكون كلمتك مطابقةً للحقيقة، فلا تتكلّم بكلمة كاذبة، فإذا كنت كاذباً في الكلمة فأنت تغشّ الناس.

ثمّ هناك الصدق في الموقف، بحيث إنّك عندما تعطي وعداً مثلاً، فلا بدّ من أن تصدق في وعدك، لأنّك إن لم تصدق في ذلك، فإنّك تبتعد بالناس عن كلّ ما يفرضه الوعد.

وهناك مسألة أخطر من ذلك، وهي أنّك عندما تكون شخصيةً مسؤولةً في المجتمع، بحيث تتّصل قضايا المجتمع بما تقرّره، أو بما تخطّط له لأنّك في الموقع القيادي، سواء كان هذا الموقع القيادي دينياً يتّصل بحياة الناس في المسؤوليات الدينية، أو سياسياً يتّصل بأوضاع الناس في الحياة السياسية، أو أمنياً يتّصل بحياة الناس الأمنية أو الاقتصادية، فإنّك عندما تطلق الوعد أو البرنامج، فإنّ الناس ينجذبون إلى ما تحدّثت به، ويعقدون آمالهم عليه، ويرون أنّ هناك مستقبلاً تصنعه وعودك وخططك وبرامجك، في ما تخطّط له وتبرمج له، فإذا لم تصدق في وعدك وعهدك وبرنامجك، فإنّك في ذلك تدمّر آمال الناس وتقودهم إلى اليأس، وتدفعهم إلى الإحساس بالإحباط، وذلك هو الذي يشارك في الكثير من السلبيات على مستوى حياة الناس. وهذا ما نلاحظه في الكثيرين ممّن يملكون المواقع القيادية، أياً كان حجم ذلك الموقع، فينجذب الناس إليهم من خلال وعودهم، ولكنّهم لا يفون بالتزاماتهم. وهذا السلوك يمثِّل مقتاً عند الله، لأنّه تعالى لا يريد لك أن تكذب في كلمتك أو وعدك أو عهدك أو في مواقفك تجاه الناس، وقد ورد أنّ من علامات المنافق أنّه: «إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».

وينطلق السيّد من آيتين في سورة البقرة، ليصوِّر لنا واقعنا المعاصر في ما ابتلينا به في أيامنا هذه من قياداتٍ منحرفةٍ في مختلف نواحي الحياة السياسية والاجتماعية وحتى الدينية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، يتحدّث بالإصلاح والتغيير، وبكلّ المواقف والمواقع التي تجعل من الأمَّة في أعلى الدرجات. {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}، على أنّه صادق ومخلص وأنّ فعله مطابقٌ لقوله.  {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}. وهو الشخص الذي يعيش الخصومة الشديدة للحقّ والناس. {وَإِذَا تَوَلَّى} حمله الناس على أكتافهم وهتفوا له وجعلوه القائد الذي يسيرون وراءه، ومنحوه كلّ تأييدهم بكلّ الأساليب، كما نفعل كثيراً، وخصوصاً في أوقات الانتخابات النيابية والرئاسية، وحتى في الجمعيات والمنظمات. {سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا}، ليفسد السياسة والأمن والاقتصاد وأخلاق الناس وقيمهم {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ}، من خلال خططه الزراعية التي تمنع الأرض من أن تنتج، وتعطّل على الناس أعمالهم الزراعية، {وَالنَّسْلَ} عندما يثير الفتن وينتج الحروب. {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}. {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ} يا فلان، لقد كنت تحدِّثنا عن الإصلاح، وتشهد الله على ما في قلبك، فاتّقِ الله، {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} أنا الذي أعظ النّاس لا أنتم. وهذه مسألة يتحدّث بها كثيرون من الرموز الدينية والسياسية والاجتماعية المنحرفة، لأنّهم يعتبرون أنفسهم فوق الموعظة. {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}(البقرة:204-206) (صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، ذو القعدة 1425هـ - ذو القعدة 1426هـ/2005م: 226 - 228).

فالسيّد فضل الله يبرز هذه القيمة الإسلامية بصياغة معاصرة، داعياً المسلم إلى أن يكون الصادق في الكلمة والإيمان والوعود والعهود؛ أن يكون الصادق في كلّ ما يتحرّك به في مواقع المسؤولية والقيادة، اقتداءً برسول الله (ص) الذي حدثنا الله عزَّ وجلَّ عنه بأنّه {جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}(الزمر:33). وعندما ينفتح على الحقّ، فإنّه يلتقي بالله. علينا أن نكون مع الصادقين إذ يقول الله في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(التوبة:119)، وأن نكون معهم في كلّ مواقع الصدق.


4- العهد

ومسألة الوفاء بالعهد غير بعيدة من مسألتي الأمانة والصدق، لذلك كان طبيعياً أن يدعونا الإسلام إلى التحلّي بهذه الفضيلة، وأن يسعى سماحة السيّد جهده إلى تبيانها وتقريبها إلى أذهان الناس، لتتّخذ عندهم حال الممارسة العملية، لا أن تبقى مجرَّد فهم. قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ...}(النحل:91-92)،  {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(النحل:95).

فالسيّد يرى "أن من بين الالتزامات التي يلتزم بها الإنسان أمام الله تعالى في كلّ الأمور التي ترتبط بعلاقته بالله، أو بعلاقته بالناس، هي مسألة العهد "الذي قد يصدق على أشكال عدّة: فهناك العهد الذي ينشأ بين الإنسان والناس الآخرين، عندما تكون هناك بعض القضايا المرتبطة بمعاملاتهم ومواقفهم وقضاياهم، فقد يدخل الإنسان في علاقةٍ مع بعض الجهات، قد تكون تنظيميةً، وقد تكون حركيةً، وقد تكون هذه العلاقة من خلال معاملات، وما إلى ذلك، فيطلب القائمون على هذه الجهة أو تلك من الشخص أن يعطيهم العهد على ما التزم به معهم، بحيث تكون التزاماته عهداً منه لهذه الجهات أمام الله في الأمور التي يعاهد فيها الآخرين، ليؤكّد التزامه بالعهد القائم بينهم" (صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، الخطبة 22، 3 جمادى الأولى 1426هـ، 10/6/2005م، 1428هـ/2007م: 201). وقد يتمثّل العهد بكلمة العهد أو العقد، كالعقود التي تحدث بين الناس من بيع وإيجار وشركة وعقود زواج.

وهناك التزامات تسمّى الشرط، وهي الالتزامات التي تكون داخل العقد، كأن يبيع الشخص شيئاً ويشترط على الطرف الآخر أن يفعل كذا وكذا، أو كالشروط التي توضع عامّة، وخصوصاً تلك التي يشترط فيها البائعون على المشترين، أو المشترون على البائعين، من قبيل بيع الشقق أو الأراضي، فالشرط في مثل هذه الحالات نوع من العهد، وقد ورد في الحديث الشريف: «المسلمون عند شروطهم، إلاّ شرط حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً». «فالشروط التي يشترطها طرف على الآخر ملزمة للأخير، والمؤمن يقف عند شرطه ولا يتجاوزه إلى غيره، بل لا بدَّ له من أن يلتزمه من الناحية الشرعية» (خطبة الجمعة، الكلمة والموقف، الخطبة 22: 202).

وبالتالي، يرى السيّد أنّ على المؤمن ألا يعطيَ عهداً على نفسه لأيِّ حزب أو حركة أو جهة أو نقابة قبل دراسة مضمون الأمر الذي سوف يعطي العهد عليه، هل هو حرام أو حلال؟ هل هو راجح أو غير راجح؟ هل فيه مصلحة للناس أو مفسدة؟ عليه أن يعرف، هل إنّ لله رضى في ما يعاهد عليه أو يعاقد عليه أو يوقع عليه؟ هل يجوز له أن يؤيّد ظالماً أو قاتلاً أو منحرفاً أو خائناً أو عميلاً على أساس أنّه أعطاه العهد في أن يلتزم معه بكلّ شيء؟!

ومسألة اليمين هي نوع من العهد، سواء أعطيت هذه اليمين للآخر أو ألزمت به نفسك، كالذين يريدون الامتناع عن التدخين أو بعض العادات السيّئة، فيبادرون إلى حلف اليمين، وفي هذه الحال، لا يجوز أن ننقض اليمين، وقد جعلنا الله شاهداً على ذلك {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}(النحل:91). وكذلك الحال بالنسبة إلى النذر، فعندما تقول: «لله عليَّ نذر أن أفعل كذا»، فمعنى ذلك أنّك تلتزم لله (صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، الخطبة 22، ط 1، 1428هـ: 203).

ولا يغيب عن بال السيّد أن يدعم رأيه في هذا الموضوع بآراء الأئمة(ع) وأفعالهم، فيذكر ما جاء عن الإمام علي(ع): «إنَّ العهودَ قلائدُ في الأعناقِ إلى يوم ِالقيامةِ (فهي كالقلادة تحيط بعنقك)، فمن وصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ نَقَضَهَا خذلَهُ اللهُ، ومن استخفَّ بها خَاصَمَتْه إلى الذي أَكَّدَها وأخذ خَلْقَهُ بحفظها». وعن الباقر (ع): «ثلاثٌ لم يجعل الله عزَّ وجلّ لأحدٍ فيهنَّ رخصةً: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر...».

ويقول عليّ (ع) لعامله على مصر مالك الأشتر: «وإن عَقَدْتَ بينَكَ وبينَ عدوِّك عُقْدَةً، أو أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عهدَكَ بالوفاءِ، وارعَ ذِمَّتَكَ بالأمانةِ، واجعلْ نفسَكَ جُنَّةً دونَ ما أَعطيتَ، فإنّه ليسَ من فرائضِ اللهِ سبحانَهُ شيءٌ النّاسُ أَشَدُّ عليهِ اجتماعاً مَعَ تَفَرُّقِ أهوائِهم وتَشَتُّتِ آرائِهم من تعظيمِ الوفاءِ بالعهودِ، وَقَدْ لَزِمَ ذلك المشركون فيما بَيْنَهُم دونَ المسلمينَ، لِمَا اسْتَوْبَلوا من عواقبِ الْغَدْرِ. فلا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، ولا تَخيسَنَّ بعهدِكَ، ولا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ!».

وفي الحديث عن النبيّ (ص)، إنّ الأمّة، إذا نقض أفرادها العهد ولم يفوا به، «سلَّط الله عليهم عدوَّهم»، وعن الإمام الصادق (ع): «إذا خفرت الذمّة، نُصِرَ المشركونَ على المسلمين».

ويتحدَّث النبيّ (ص) عن غير المسلمين الذين يعطيهم الإنسان عهداً ثمّ يظلمهم: «من ظلم معاهداً كنت خصمه»، فالنبيّ (ص) هو من سيقف ليدافع عن غير المسلم يوم القيامة. ذلك أنّه «لا دين لمن لا عهد له».

وهناك أخيراً عهد الإنسان لله تعالى، يقول عزَّ وجلَّ مخاطباً البشر: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ*وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(يس:60-61).

وخلاصة القول، إنّ مسألة الوفاء بالعهد هي من المسائل التي أراد الله للناس أن يلتزموها أمامه، وأن يلتزموها في ما بينهم، حتى يتحقَّق للمجتمع توازنه، وحتى يثق الناس بعضهم ببعض، لأنّ ذلك هو الّذي يركّز المجتمع والأمة في حربها وسلمها، وفي عهدها والتزاماتها.

5- الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة

يدعونا السيّد إلى أن نستوحيَ من كلّ القرآن، أنّ الله أراده أن يغدو كلّ حياة الناس، ولعلّ القِمَّة في هذا التجسّد القرآني في الإنسان، تتمثّل بالنبيّ محمّد (ص) والأئمة الهداة من آل بيته، لاعتبار أنّهم القرآن الناطق، "فقد تحوَّلوا إلى كلمةٍ، وتحوَّلت الكلمة فيهم إلى عقل وروح وحركة وحياة، وهذا ما يريده الله منّا، بأن تتحوَّل الكلمة القرآنية عندنا عقلاً نفكّر به في خطّ القرآن، وقلباً نتحسسه في عواطفنا في عاطفة القرآن، وحركةً نعيشها في حركة القرآن، وأن لا تكون الكلمة حروفاً بل إنساناً، بكلّ ما تعنيه إنسانيّته التي تتحرّك من خلال معاني الكلمات القرآنية. وهذه هي قِمّة هدف التربية في الإسلام، بأن نحوّل القرآن إلى شيء نعيشه ونحسّه ونتمثّله ونتحرّك فيه" (الندوة، المجلد الثاني، الافتتاحية السادسة، 20/7/1996: 56).

هذه هي الكلمة الطيّبة، لأنّها تغني الحياة وتعطيها حركيتها وحيويتها، وهي كلمة طيبة للإنسان لأنّها تجعل عقله طيباً ينفتح بكلّ الطيب الذي يتحرّك به الفكر فتشعر بطيب الفكر في عقله، وتجعل القلب طيّباً فإذا بالقلب كلّه محبّة وخير وانفتاح، وتجعل الحركة طيّبةً فإذا بها تنطلق لتعطي فاكهةً فكريةً هنا، وثمرةً روحيةً هناك، ومشروعاً للحياة هنالك.

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(إبراهيم:24-25). "فالكلمة الطِّيبة تمثِّل الكلمة التي تمتدُّ جذورها في أعماق مصلحة الإنسان وحياته وتنطلق من خلال عمق الحقِّ الثابت في الحياة. فلها ثبات من خلال أنّها تمتد في أعماق حياة الإنسان، وفي أعماق الحياة كلّها، في ما تمثّله من الارتباط بعمق الحقّ" (الجمعة منبر ومحراب: 50). "وهي عندما تكون حقّاً، وعندما تكون عدلاً، وعلماً، وعندما تكون خيراً، فهي {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ}. فالخير لا فصل له، فكلّ الفصول فصوله، والحق لا موسم له، فكلّ المواسم، مواسمه، وكذلك العدل وكلّ القيم الروحية" (م.ن: 57).

وأوّل مصداقٍ للكلمة الطيبة هو كلمة التوحيد، أي الإيمان بالله، والإيمان بوحدانيته... والكلمة الطيبة ثابتة، لأنّ ثباتها ينطلق من أزلية الله سبحانه وتعالى، فهو الأول وهو الآخر. (آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، الجمعة: منبر ومحراب، توثيق خطب الجمعة لعام 1988، ط، 1997: 51).

إذا كان هذا حال الكلمة الطيبة، فما حال الكلمة الخبيثة؟ {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}إبراهيم:26). فالكلمة الخبيثة لا جذور لها، لأنّها لا تنطلق من مواقع الحقّ في الفكر، بل هي حالة انفعال، فحين تشتهي شيئاً تدفعك شهوتك إلى الكلمة، وحين تغضب يدفعك غضبك إلى الكلمة، وحين تعادي أو تحبّ يدفعك عداؤك أو محبتك إلى الكلمة، فهي كلمة تنطلق من الحالات الطارئة في شخصيتك، ولا تنطلق من الحالات الثابتة فيها، ولهذا فإنّها سرعان ما تتبخَّر وتنتهي ولا يبقى منها شيء. (الجمعة منبر ومحراب، توثيق خطب الجمعة لعام 1988: 50).

الكلمة الخبيثة هي الكذب، والغيبة، والنميمة، والباطل، والظلم، وهي كل ّكلمة لا تتعّمق في حياة الإنسان، ولا ترتفع إلى الله، فهي قد تترك تأثيراً بين وقت وآخر، لكنّها لا تستطيع أن تصل إلى مستوى الخلود (الندوة، ج 2، الافتتاحية السادسة: 58).

يخلص السيّد بعد ذلك ليؤكِّد أنّ الإسلام هو الكلمة الطيبة التي أصلها ثابت، لأنّه يستمدّ شرعيته من الله، وأنّ الكلمة الخبيثة هي الشرك والإلحاد (الجمعة منبر ومحراب: 51 ـ 52)، داعياً الناس إلى النظر إلى الكلمات الطيبة كيف امتدت، وقد مات الرسل ومات الأولياء، وإلى الكلمات الخبيثة كيف ذهبت مع الرياح، فيما يبقى الله وتبقى كلماته، ويبقى الإنسان يحلق في الكلمات الطيبة التي ترتفع إلى الله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}(فاطر:10). "فهل لنا أن نأخذ بالكلم الطيّب في حياتنا الفردية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حتى ينطلق الكلم الطيّب ليغنيَ حياتنا؟" (م.ن: 58).

6- التواضع

تطرق السيّد إلى هذا المفهوم في غير موضع، مبيِّناً إيجابياته على مختلف المستويات الدينية والاجتماعية والإنسانية، "فالتواضع هو نقيض التكبّر الذي أبغضه الله وبه أنزل درجة إبليس من الجنّة" (تقوى الصوم، المرجع الديني آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، إعداد علي رفعت مهدي، 1423هـ/2003م: 55).

يدعو السيّد الإنسان المؤمن إلى أن يعيش إنسانيته من خلال النظر إلى كلِّ الصفات التي تميِّزه عن غيره نظرةً واقعيةً، فإذا كان يمتاز عن الآخرين بالعلم، فعليه أن يفكِّر في أنّ العلم قد يميّزه بمرتبة معينة، ولكن غيره قد يملك مرتبةً باهرةً في علم آخر. "على المرء أن يعرف أنّ الله لم يجمع لأيِّ إنسان، عدا الصفوة من أنبيائه وأوليائه، صفة الكمال، فلكلِّ إنسانٍ صفة كمال من جهة وصفة نقص من جهة أخرى، ولذلك على الإنسان ألا يشعر بضخامة شخصيته أمام شخصية الآخر، لأنّه ينظر بما يتميّز به عن الآخر، ولا ينظر بما يتميّز به الآخرون عليه" (م.ن: 55).

التواضع هو أن تعيش مع الناس من دون أن تشعر بأنّك فوقهم، وقد تمثّل هذه الحالة التربوية الإمام زين العابدين في دعاء "مكارم الأخلاق"، حيث يقول (ع): «اللَّهم لا ترفعني في الناس درجةً إلاّ حططتني عند نفسي مثلها، ولا تُحدِثْ لي عِزّاً ظاهراً إلاّ أحدثت لي ذلّةً باطنةً عند نفسي بقدرها»، بحيث تدرس نقاط الضعف في نفسك مقارنةً بنقاط القوّة في الآخرين، وتعرف نقاط الضعف عندك مقارنةً بنقاط القوَّة فيها، لتتوازن في نظرتك إلى نفسك، وعند ذلك ينطلق التواضع من خلال وعيك لنفسك ووعيك للآخرين، وكلّما كنت كبيراً أكثر كنت متواضعاً أكثر، لأنّ الإنسان الذي يتكبّر ينطلق من عقدة ضعف، وهناك حديث عن الإمام الباقر (ع) يقول: «ما من امرئ يتيه إلاّ لذلّة يجدها في نفسه». (الندوة،ج 2، آفاق تربوية: 525). ويقدّم إلينا الإمام الحسين (ع) صورةً عن التواضع الاجتماعي: «من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس»، أي أن لا تجعل نفسك في صدر المجلس، فاجلس حيث انتهى بك المجلس: "المكان بالمكين، وليس المكين بالمكان". "فمن التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس، وأن تسلِّم على من تلقى"، فلا تنتظر سلام الآخرين، بل تسبقهم بالتحيّة والسلام، "فالمبادرة إلى السلام تمثّل أخلاقيةً وإنسانيةً سامية، ولقد كان من صفات رسول الله (ص) أنّه يبدأ الناس بالسلام" (تقوى الصوم: 60). ينقل السيّد بعد هذا كلّه جواب سؤال وجَّهه أحدهم إلى الإمام الرضا (ع): «ما حدُّ التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ قال الرِّضا (ع): التواضع درجات، منها أن يعرف المرء قدر نفسه، وينـزلها منـزلتها بقدره». فاعرف حجمك ونفسك وقدرك، حتى لا تتجاوز حجم نفسك وتتحرّك بشكل طبيعي، و"كن المتواضع لله لتكون العقل المليء بالفكر والعطاء، ولا تكن متكبراً فارغاً لا تملك معرفةً ولا ثمراً" (م.ن: 62)، ذلك أنّ التواضع من العقل، فعن الصادق (ع) عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: «إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله» (الندوة، ج 3، المحاضرة الرابعة: 63).

7- الصبر

من الصفات التي ذكرها الله لأولي الألباب، الصبر: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}(الرعد:22)، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(الزمر:10)، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(155-175)...

ينطلق السيّد من تحديد المفهوم، فيلاحظ أنّ الصبر قد ينطلق في موقف الإنسان من حالة خارجية لكي يمدحه الناس على صبره، أو من حالة ذاتية يعيش فيها حالة العجز، ولكنّه في كلتا الحالتين هو الصبر الذي لا ينطلق من وعي الإنسان لموقفه أمام الله سبحانه وتعالى في مسؤوليته عن الحياة كلّها، سواء في أوضاعه الفردية، أو في ما يواجهه من حالات خارجية مع الآخرين.

وإذا كان القرآن والسنَّة قد أعطيا منـزلةً مميزةً للصبر، فالله مع الصابرين إذا صبروا، وأفرد له السيّد المحاضرة الثالثة والعشرين، كما تطرَّق إليه في غير موضع، فذلك لأنّ الصبر هو السلاح الأمضى للتمسّك بالفضائل، والابتعاد عن الرذائل، "فالصبر هو القيمة التي تمثّل خطّ التوازن أمام التحديات" (الندوة، ج 12، المحاضرة الثالثة والعشرون: 297).

فالصبر صبر على الطاعة، لأنّ الطاعة في تنوّعاتها قد تتطلب جهداً، وربّما اصطدمت ببعض الأوضاع والحاجات الذاتية... فالمصالح الذاتية قد لا تسمح للإنسان بالوقوف في وجه الظالم ومساندة العادل مثلاً، وربّما كان أحدنا يعيش في مجتمع ينكر على المؤمن أخذه بأسباب الطاعة، فيحاول أن يتكاسل عن أداء الفرائض حتى لا يسخر منه أحد أو ينتقده، ولهذا كان لا بدَّ من التزام الصبر على الطاعة.

والصبر صبر على المعاصي التي هي في مضمونها الحسّي أو النفعي تثير الإنسان وتحرّك أطماعه وشهواته حسب تنوّع المعاصي (هناك من يرتكب المحرَّمات، ويسير مع الظالمين أو يشعل الفتن لمصلحتهم كي يستفيد...). وهكذا، "فإنّ اجتناب المعصية يشعر الإنسان بإحساس عميق بالحرمان في كلِّ الأمور التي نهى الله عنها، سواء في اللّذات أو الشهوات أو المكاسب أو الأطماع الإنسانية. ولذلك، فإنّه يحتاج إلى الصبر حتى يسيطر على كلّ مشاعر الحرمان التي تفترس توازنه (الندوة، ج 12، المحاضرة الثالثة والعشرون: 298).

والصبر صبر على البلاء، فالحياة ليست مفروشةً بالورود، يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة:155)، {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(آل عمران: 186). ولذلك، لا بدَّ من الصبر على البلاء. "ونحن نعلم أنّ الإنسان حينما يقوم بالدعوة إلى الله، وإلى الخير، ويتحرّك من أجل أن يرفع مستوى شعبه، ويعمل من أجل تحرير أُمّته ووطنه، فلا بدَّ له من أن يقاسي السجن والتشريد والكثير من الخسائر التي تصيبه في أهله وفي أمواله وفي كلّ أوضاعه، فلا بدّ من الصبر على البلاء" {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(النمل:40)(الندوة، ج 12، المحاضرة الثالثة والعشرون: 299).

والصبر صبر على النعمة، أن يتعامل المؤمن مع النعمة على أساس أنّها لطف من الله، لأنّ النعمة قد تصيب الإنسان بالغرور أو التكبُّر، وهذا ما نراه في سلوك الأغنياء تجاه الفقراء، أو في سلوك الكبار بالنسبة إلى الصغار. ولذلك، لا بدَّ من أن يصبر على النعمة على أساس أنّها لطف وهبة من الله ليبتليه أيشكر أم يكفر، كما في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(النمل:40)(الندوة، د 12، المحاضرة الثالثة والعشرون: 299).

والصبر صبر على الفكر الأصيل (ولطالما كابد السيّد هذا الصبر) في التزامه العقدي، في مقابل الموروثات التاريخية التي درج عليها الآباء، مما قد يلتقي بالخرافة، ويبتعد عن الأصالة، ويتحرك من خلال ذهنية التخلف، مما لا بدَّ من مواجهته بالفكر الحقّ المرتكز على أساس علمي عقلائي خاضع للقاعدة الفكرية المنهجية الإسلامية، والتزام النتائج الصحيحة من خلال ذلك، والصبر على مهاجمة المتخلفين والجاهلين الذي يثيرون الغوغاء في انفعالاتهم العاطفية المتخلفة ضدّ أصحاب الفكر الأصيل بأساليب التكفير والتضليل، ممّا لا يملكون فيها أيّة حُجّة سوى استخدام الإرث التاريخي بشكل ديماغوجي بعيداً عن إعمال الفكر النقدي أو حتى تقبّل إعماله.

وأخيراً، يستند السيّد إلى قول للإمام الصادق (ع) ليربط بين الصبر والحرية، يقول الصادق (ع): «إنَّ الحرَّ حُرٌّ في جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكَّت عليه المصائب لم تكسره ولم تقهره وإن استعبد وأسر»، "فإنّك بقدر ما تكون صابراً تكون حرّاً، فالحرية لا تأتي من الخارج، بل تنبع من الداخل عندما تكون في نفسك إرادة الحرية، وإرادة الرفض للطاغية والطاغوت..." (م.ن: 301).

"... ولذلك، فإنّ الكثير من المؤمنين الذين تحمَّلوا السجن والتشريد والتعذيب والتجويع، لم يخضعوا للطغاة أينما كانوا، كما في العراق أو في فلسطين، أو في أكثر من بلد يسيطر عليه الطغاة".

ويخلص السيّد إلى تأكيد أنّ الصبر هو سرّ الحياة، فلا غرو إذاً أن يقول أمير المؤمنين(ع): «وعليكم بالصبر، فإنّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فكما لا خير في جسد لا رأس معه، كذلك في إيمان لا صبر معه»، وأن يقول الإمام الجواد (ع): «كلَّ أعمال البرّ بالصبر». وخصوصاً أنّ للصابرين أجرهم، يقول تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(الزمر:10).

وتقول السيّدة الزهراء (ع): «والصّبر معونة على استيجاب الأجر».

ومن الطبيعي أنَّ الأجر الذي يناله الإنسان على الصبر، يختزن في داخله كلَّ ما يعنيه الصبر من ثبات على المبدأ، ومن صلابة في موقف الإنسان مع الله أمام الشدائد والأهوال والأخطار، لأنّ الله إنّما يثيب الإنسان بحجم ما يصبر، إذ ليس هناك من عملٍ يثاب عليه الإنسان كالصبر. ومن الطبيعيّ أن يثيب الله الإنسان على العمل الذي يرتفع في مستوى القيمة إلى أن يكون القاعدة التي ترتكز عليها التقوى كلّها والإيمان كلّه. (الندوة، المجلّد الخامس، المحاضرة الثامنة: 268).

ولا بأس في أن ننهيَ هذا القسم من الدراسة بالإشارة إلى ما اعتبره السيّد "واقعية الأخلاق الإسلامية"، حيث لاحظ أنّ الأخلاق الإسلامية أخلاق واقعية، تخاطب الإنسان في مشاعره وأحاسيسه، وفي أوضاعه الطبيعية في الحياة، ثم تحاول الارتفاع به إلى الأعلى من موقع إرادته واختياره.

{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(البقرة:194)، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}(النحل:126)، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}(الشُّورى:40). فالخطُّ الإسلاميّ هو أنّ لك أن تأخذ حقّك ممّن اعتدى عليك بالعدل، أي بشرط أن لا تتجاوزه قيد شعرة، {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}(الإسراء:33).

ومع إعطاء هذا الحقّ، فقد دعا الإسلام إلى العفو والتسامح: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(البقرة:194)، {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(البقرة:237)، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}(النحل:126)، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(الشُّورى:40)، {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(الشُّورى:40)، ولكنّه يحبُّ العافين الذين يعفون عن الناس، وقد جعل العافين عن الناس من أهل الجنّة. فأنت إذا عفوت عن الناس، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يتكفَّل بأجرك. وفي آية أخرى، يريد الله لك أن تتخلَّق بأخلاقه، فقد أعطاك القدرة على أخذ حقّك وقال لك اعفُ، وهو القادر على أن يأخذ حقّه منك ومن كلّ العاصين، وقد عفا عنك {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}(النساء:149). فالله هو العفوَّ القدير، فكن أنت العفوّ من موقع القدرة. ففي الحديث: «تخلَّقوا بأخلاق  الله».

وهكذا ركَّز الله سبحانه وتعالى الأخلاق الإسلامية على خطّ التوازن، فلا يعني كونك صاحب حقّ أن تأخذ حقّك كيفما تشاء، فالله أراد لك أن تعفو عمَّن أساء إليك، وما جاء مجملاً في القرآن فصَّلته السنة: يقول (ص): «ألاَ أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمَّن ظلمك، وأن تَصِل مَن قطعك، والإحسان إلى مَن أساءَ إليك، وإعطاء من حرمك».  وهذه الخصال تمثّل عمق الأخلاق الإسلامية. ويقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء مكارم الأخلاق: «اللَّهمَّ وسدِّدني لأن أعارِض من غشَّني بالنُّصح، وأجزي مَن هجرني بالبرّ، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قاطعني بالصلة، وأُخالِف مَنِ اغتابني إلى حسن الذِّكر». هذه هي الأخلاق غير التجارية، وهي أن تعطيَ في الوقت الذي يمنعك الآخر.

والعفو عزّ، يقول الحديث: «عليكم بالعفو، فإنَّ العفو لا يزيد العبد إلاَّ عزّاً، فتعافوا يعزّكم الله»، وكأنّ أمير المؤمنين (ع) يقول: «متى أشفي غيظي إذا غضبت؟ أحين أعجز عن الانتقام فيقال لي لو صبرت، أم حين أقدر عليه فيقال لي لو عفوت؟». فإذاً أنا عندما أغضب سأقف بين حالتين: حالة العجز التي يريد الله منّي أن أصبر عليها، وحالة القدرة التي يريدني الله أن أعفوَ فيها.

ويخاطب الإمام زين العابدين (ع) ربّه بقوله: «اللَّهمَّ إنَّكَ أنزلت في كتابك العفو وأمرتنا أن نعفو عمَّن ظلمنا، وقد ظلمنا أنفسنا فاعفُ عنّا، فإنَّك أوْلى بذلك منّا».

"نخلص من ذلك إلى أنَّ مسألة العفو في الإسلام هي مسألة تتوازن مع مسألة الحقّ. الإسلام يعطيك الحقّ ويطلب منك أن تعفوَ عفو صاحب الحقّ عن حقّه، ويعدك الله بالأجر غير المحدود على عفوك... وبهذا يكون العفو في الإسلام إنسانيةً عندما ينفتح الإنسان على الناس الذين لا يضرّهم العفو، كما هو حال المجرمين الذين لا يزيدهم العفو إلاّ إصراراً على الاعتداء والإجرام. ويبقى الإسلام في أخلاقه واقعياً يدرس الإنسان في نقاط ضعفه ونقاط قوّته، فيجعله يعيش التوازن بين الحقّ والعفو. وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه، بأن نتخلَّق بأخلاق الله {فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}(النساء:149)(الندوة، المجلد الثاني، الافتتاحية التاسعة عشرة: 185).

رابعاً: القِيَم السلبية أو "الأخلاق السلبية"

كما شجَّع الإسلام، بل أمَرَ المسلم بالتحلِّي بالأخلاق الحميدة والصفات الفاضلة، ووعده بالأجر والثواب عليها، فإنَّه نهاه عن الصفات المذمومة، وأمره بالابتعاد عن الأخلاق السيّئة تحت طائلة العقاب، ومن الطبيعي أن تكون هذه الأخلاق المذمومة نقيضاً للأخلاق الفاضلة، فإزاء الصدق هناك الكذب، وإزاء الأمانة هناك الخيانة، وإزاء التواضع هناك العجب والتكبر...

وإذا كنّا قد توسّعنا ـ نسبياً ـ في تبيان الصفات الفاضلة، فإنّنا سنحاول الإلمام بأبرز الصفات المذمومة التي نهانا الإسلام عنها، وخصوصاً تلك الأكثر تأثيراً في واقعنا المعاصر، ومجتمعنا الإسلامي بخاصة، والمجتمع البشري بعامّة، مبتدئين بما يصطلح عليه في أيامنا هذه بالسباب، لما له من أثر على تصديع الوحدة الإسلامية، ولكونه بات سلعةً رائجةً تستخدم لشقّ الصف الإسلاميّ وتمزيقه.

1- السُّباب

توقف السيّد طويلاً عند الموضوع (النّدوة، المحاضرة الأولى: 403 -414، الندوة، ج 6، المحاضرة الرابعة والعشرون: 311 - 320). مبيِّناً مخاطره، كاشفاً أبعاده، مستنداً إلى القرآن والسنَّة وواقع الحال، مبيِّناً موقف الإسلام الذي لا لبس فيه من قضيةٍ باتت موضوع متاجرة من قبل جهلة أو مضلّلين أو متآمرين، وموضع استغلال من قبل أعداء الأمّة الإسلامية لإشعال نار العداوة والفتنة.

ينطلق السيّد في هذا الموضوع الحسَّاس، ممّا أمر به الله من أدب إسلامي حتى مع المشركين والكافرين {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}(الأنعام:108). فالله تعالى لم يحرِّم سباب المشركين لأنّهم لا يستحقّون السبّ، فهم بشركهم وكفرهم وظلمهم للإسلام وأهله يستحقون كلّ الصفات التي تتمثّل بالسباب، ولكن الله أراد للمسلمين أن يأخذوا بالأسباب الاجتماعية لحفظ المقدَّسات الإسلامية من أن تسبَّ من قبل هؤلاء، باعتبار أنّ الفعل يجتذب ردّ الفعل. "فأنت عندما تسبُّ مقدَّسات الآخرين، فإنّهم ـــ بفعل هذا العنف الذي توجِّهه إليهم ـــ سوف يبادلونك عنفاً بعنف مثله، فيسبّون مقدَّساتك" (الندوة، ج 6، المحاضرة الرابعة والعشرون: 312).

وفي بعض الأحاديث عن رسول الله(ص)، أنّه جاءه رجل من تميم فقال: أوصني يا رسول الله، فكان فيما أوصاه أن قال: «ولا تسبُّوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم». "والله يريد من المسلمين أن يحوّلوا أعداءهم إلى أصدقاء، بدلاً من أن يحوِّلوا أصدقاءهم إلى أعداء، أو يحوِّلوا الناس إلى أعداء... والإسلام يستهدف أن نربح صداقة العالم بأساليبنا الإنسانية، لأنّ الإنسان مهما كان معقّداً ومغلقاً، فإنّ الكلمة الحلوة والأسلوب الحلو يزيل تعقيداته ويفتح قلبه" (م.ن: 313).

ويروي أئمّة أهل البيت(ع) عن الرسول (ص) قوله: «سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة»، و«سباب المؤمن فسوق».

ويدعو السيّد مريديه إلى الاقتداء بأمير المؤمنين (ع) في الموقف الذي نتّخذه من الذين نختلف معهم في المذهب والخطّ، هذا الموقف الذي اتخذه في حرب صفّين، فلقد قال، وقد سمع قوماً من أصحابه يسبُّون أهل الشام: «إنّي أكرهُ لكم أَن تكونوا سبّابينَ، ولكن لو وصفتم أعمالَهم، وذَكَرتم حالَهم، كان أصوبَ في القولِ، وأبلغَ في العذرِ، وقلتم مكانَ سبِّكم إيّاهم: ربَّنا احْقِن دماءَنا ودماءَهم، وأَصْلِحْ ذاتَ بينِنا وبينِهم، واهْدِهِمْ من ضلالتِهم»، "ولكنَّنا لا نعيش رحابة عقل عليّ (ع) ولا رحابة قلبه، لأنّنا لا نعيش خطّ عليّ الرسالي، بل استبدلنا الرسالة بالعصبية، ولذلك أصبح المسلمون يعيشون روح التدمير بعضهم لبعض" (الندوة، ج 6: 316).

ويجيب السيّد على من يقول: "إنّ الآخرين يكفّروننا ويضلّلوننا ويفسّقوننا، فلا بدّ من أن نقابل ذلك بالمثل"، فيرفض هذا المنطق، مشبِّهاً من يقول به بما قالته اليهود عن المشركين: {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا}(سبأ:51). ملاحظاً أنّه "قد وصل الحدُّ بنا في التعصُّب في الواقع الإسلامي إلى أن يقول المسلم عن المسلمين الآخرين إنّ الكافرين أهدى منهم، في حين أنَّ المسلم مهما بلغ من الانحراف، فلا يمكن أن يكون الكافر أفضل منه، لأنَّ القضية هي قضية الإسلام، والإيمان، وهي الأساس في ذلك" (م.ن: 317).

وخلاصة الموقف، وبصرف النَّظر عما إذا كان شخصٌ ما يستحق السبّ أو اللّعن، أو لا يستحقّ. "إنّنا نقول إنّ الكافرين والمعاندين والظالمين يستحقّون اللّعن، ولكنَّ ثمّة فرقاً بين استحقاقهم لذلك، وبين حركتك في السبّ واللّعن، باعتبار أنّ النتائج السلبية التي تحصل للإسلام والمسلمين أكثر من النتائج الإيجابية، وليست هناك أيّة نتائج إيجابية في السبّ، (وشتّان) ما بين السبّ والنقد. وعلى ذلك، أطلق حجّتك ولا تطلق كلماتك البذيئة والنابية، حاول أن تدخل في حوار ونقاش ومناظرة، حاول أن تحدِّث الناس بالحقّ والحقيقة ولغة الأرقام... (الندوة، ج 6: 317). ولننظِّف ألسنتنا من السباب كلّه، ونزرع بدلاً منه ورود الحوار كلّها، والموضوعية كلّها، واحترام الإنسان كلّه، واحترام المؤمنين بعضهم لبعض (م.ن:319).

ويأسف السيّد لانتشار السبّ داخل المجتمع الإسلامي الذي تختلف مذهبياته وانتماءاته، فيدعو المسلمين إلى الاقتداء بعليّ (ع) في الموقف الذي سبقت الإشارة إليه (المحاضرة الأولى: 407،408، 409). كما يستنكر السيّد التعرّض للصحابة باللّعن أو السبّ، مهما كانت الدوافع، لأنّ ذلك يضرّ بالإسلام، ولأنّ السبّ لا يمثّل أيّ حلّ لأيّ شيء (الندوة، الجزء الأول: 630).

ومع ذلك، فقد احتاط الإسلام لضعف الطبيعة البشرية، وعدم قدرتها على العفو دائماً، هكذا نجد السيّد يورد أحاديث للرسول تبيِّن حدود السبّ في حال الإقدام عليه. قال رسول الله (ص): «إن كان أحدكم سابّاً لصاحبه لا محالة، فلا يفتر عليه، ولا يسبّ والديه، ولكن إن كان يعلم ذلك فليقل: إنّك لبخيل، أو ليقل إنّك لجبان، أو ليقل إنّك لكذوب، أو ليقل إنّك لؤوم»، بمعنى أنّه إذا سبّك شخص فعليك أن تسبّه بالصفات السلبية الموجودة في أخلاقه، لا أن تسبّ أباه أو تسبّه بشيء لم يفعله (الندوة، ج 8، المحاضرة الأولى: 411).

وجاء رجل برجال إلى عليّ (ع) فقال: «إنّي رأيت هؤلاء يتوعّدونك ففرّوا وأخذت هذا. قال: فأقتل مَن لم يقتلني؟ قال: إنّه سبّك. قال: سبّه أو دع».

وكان عليّ (ع) يقول وهو يعيش هذه الرحابة الإسلامية الرائعة ليحافظ على الذين يخلصون له ويتّبعونه وهم يعيشون في سلطان الحاكم الظالم الذي يجبرهم على سبِّه: «ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني، فإنّه لي زكاة، ولكم نجاة».

وهذا كلّه في سبِّ الناس للناس، وقد خرجنا بحصيلة، وهي أنّ السبّ ليس وسيلةً من الوسائل التي يعبِّر فيها الإنسان عن رفضه للآخر. وقد يقول قائل إنّ الله لعن الظالمين والكافرين والمنافقين، فكيف تحدِّثنا عن رفض السبّ؟

"إنّ هناك فرقاً بين أن تلعن الخطّ، وبين أن تحرّك اللّعن والسبّ في حركة العلاقات الاجتماعية. فنحن نلعن المستكبرين والظالمين الذين ينحرفون ويسيئون إلى الناس، وهذا أمر مطلوب، لأنّه يعبِّر عن رفض الخطّ المنحرف وإبعاد الناس عنه، لأنَّ معنى اللّعن أنّ الله سبحانه وتعالى يبعد هؤلاء عن رحمته. ولكنّنا نتحدّث عن أسلوب السبّ في الواقع الاجتماعي، وذلك من أجل السلامة الاجتماعية، وأن ننفتح على الأسلوب الأفضل الذي يمكن أن يفتح لنا قلوب الناس بدلاً من أن يغلقها. لأنّك لو سببت إنساناً من الصباح إلى المساء، فإنّك لا تستطيع أن تقنعه بخطئه وبصوابك. بل إنّك بذلك تزيده تعصُّباً وحقداً، وتمنعه من الاستماع إليك مستقبلاً عندما تريد أن تناقشه في ذلك، وهذا ما نعيشه في واقعنا الإسلامي (الندوة، ج 8، المحاضرة الأولى: 412).

كلمة أخيرة في هذا الموضوع، وهي أنّنا قد نسبُّ الزمان والدهر والأيام والساعات، ونسب الرياح العاصفة والبرق.. وهو سبّ منهي عنه، ففي الأحاديث عن النبيّ (ص): «لا تسبّوا الرياح فإنّها مأمورة، ولا تسبّوا الجبال، ولا الساعات، ولا الأيام ولا الليالي، فتأثموا وترجع عليكم»، «ولا تسبُّوا الرياح فإنّها من روح الله»، «لا تسبّوا الدهر، فإنّ الله يقول: أنا الدهر، لي الليل أجدّه وأبليه».

إنّ مسألة السبّ تتحرّك في الخطّ الإسلامي لتكون قيمة سلبيةً لا بدّ للمسلمين من أن يبتعدوا عنها، ولا سيّما إذا كان السبّ بطريقة فاحشة وبذيئة. وقد جاء في الحديث: «إنَّ الله حرَّم الجنّة على كلِّ فحّاش بذيء اللّسان، قليل الحياء، لا يُبالي ما قال ولا ما قيل له». ونحن بأمسِّ الحاجة إلى نظافة اللّسان، كما إلى نظافة القلب، كما إلى نظافة الروح والعقل والحياة. هذا هو خطّ الإسلام ومنهج الأئمة من أهل البيت (ع) (الندوة، ج 8، المحاضرة الأولى: 412، 413، 414).

2- الخيانة

"الأمانة" تقابلها الخيانة، يقول تعالى في كتابه المجيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(الأنفال:27). وورد في الحديث: «بُنيَ الإنسانُ على خصال، فمهما بُنيَ عليه، فإنّه لا يُبنى على الخيانة والكذب»، فإذا خان أو كذب، فإنّه ينحرف عن خطّ الإيمان. (الندوة، الجزء الثاني، الافتتاحية العاشرة: 87).

وهكذا نلاحظ من خلال الآية الكريمة تعدّد أوجه الخيانة، فهناك أولاً خيانة الله والرسول، وهي تعني عدم الامتثال لتعاليم الإسلام، ولما بلَّغه الرسول عن ربّه، وهي أمانة الإسلام، بأن نكون دعاةً إليه ومدافعين عنه (م.ن: 88).

وهناك خيانة الأمانة {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}، وللناس أمانات بعضهم عند بعض، فكلّ عقد من العقود في أيّ شأن من الشؤون المالية أو الزوجية أو السياسية، أيّ عقد بينك وبين إنسان آخر إذا كان مستجمعاً للشروط الشرعية، فإنّه أمانة الله عندك، وأمانة الناس عندك، لأنّه يقول: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا}(النحل:91). وأمانة الناس عندك، فإذا لم تفِ بالعقود التي عقدتها مع الناس، فأنت خائن لأماناتهم.

ثمَّ إنّ السرّ أمانة، فإذا أودع الإنسان عندك سرّاً، أيّ سرّ كان، فإنّك إذا أفشيته كنت خائناً لأمانة أخيك، وربّما كانت أمانة السرّ أكثر خطورةً من أمانة المال، لأنّ سرّ الإنسان إذا افتضح فقد يقتله، ولا سيّما إذا أعطي السرّ للظالم، وهنا تأتي مسألة أن يكون الإنسان مخبراً للظالم أو جاسوساً للمستكبرين، إنّه بذلك يكون خائناً لأخيه ولله ورسوله.

لذلك، حذار... حذار من أن يكون الإنسان عيناً أو جاسوساً للكافرين والظالمين والمستكبرين من أعداء الله ورسوله، لأنّه بذلك يخون الله ورسوله في المواقع الكبرى أو المواقع الصغرى، ونحن نقرأ في الحديث المأثور عن أئمّة أهل البيت (ع) ما مضمونه: «يؤتى للإنسان يوم القيامة بقارورة فيها دم، فيقال له: خذ هذا نصيبك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، كيف يكون هذا نصيبي من دم فلان ولم أهرق دماً؟ فيقال له: سمعت كلمةً من فلان، فنقلتها إلى فلان الجبّار فقتله». فكلمتك هي الرصاصة التي أصابت قلب هذا الإنسان... لذلك، حاذروا أن تتحدَّثوا عن أسرار الناس، سواء كانت حديثاً مجانيّاً أو لحساب أيّة جهة من الجهات. الندوة، ج 2: 89).

بل يذهب الإسلام إلى أبعد من هذا، فينهى المسلم عن "خيانة من خانه"، فليس لك أن تخون المال إذا أودعه إنسان عندك حتى لو خانك، فقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق (ع)، أنّ رجلاً قال له: كان لي دينٌ على فلان، فجحد دينه، ثم استودعني مالاً وقبلت وديعته، فهل لي أن آخذ ماله في قبال مالي؟ قال: إذا خانك فلا تخنه. هب أنّه خانك ولكنّه ائتمنك على ماله وقبلت أمانته، وما دمت قد قبلت أمانته، فعليك أن تؤدّي له أمانته حتى لو كان خائناً، لأنّك إذا خنته فأنت مثله، والمؤمن لا يخون. وقد ورد في الحديث عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) أنّه قال: «اعلم أنّ ضارب عليّ (ع) بالسيف وقاتله، لو ائتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأدَّيتُ إليه الأمانة».

أمّا أعظم الخيانة فهي خيانة الأمَّة، يقول الإمام عليّ (ع): «أعظم الخيانة خيانة الأمَّة»، ويفسّر السيّد أنّ "خيانة الأمّة تحصل بالفتنة بين أفراد الأمة ولا سيّما في الأوضاع التي تعيش فيها الأمّة أخطر أزماتها، عندما تتحرّك هذه الأوضاع لتثير مشكلةً تخلق فتنةً، ولتطرح موضوعاً يشعل حرباً، ولتجعل الواقع يخوض في أمور هامشيّة لا تمثّل قضايا المصير، فيما العدوّ يدقّ الباب ليدخل أرضك وبيتك... ويثير الزلزال ليزلزل الأرض من تحت قدميك... إنّ كلّ مثير للفتنة خائن للأمَّة، وهي أعظم الخيانة، لأنّ هناك فرقاً بين أن تخون شخصاً وأن تخون أمَّة، أو بين أن تخون شخصاً في مالٍ تأخذه منه وأن تخون أمَّةً في حرية تسلبها إيّاها، وفي ذلّ تفرضه عليها، وفي ضعف يحلّ بها. (الندوة، ج 2: 90).

ولا ينسى السيّد أن يلاحظ أنّ الاستكبار العالمي الذي هو "الشيطان الأكبر" ـــ كما يسميه ـــ يريد أن يحيط بنا حتى يصادر كلَّ ثرواتنا وكلَّ سياساتنا وكلّ أمرنا وكلّ واقعنا، حتى نتحوّل إلى شيء لا معنى له، بلا ثروة وبلا أمن وبلا سياسة، لنمدّ أيدينا إلى فتات موائده...

وهناك "الشيطان الأوسط" الذي هو إسرائيل، الذي استلب أرض المسلمين، ويريد أن يستلب الأرض الأخرى، ونحن في غفلة عن هذا، يمزّق بعضنا بعضاً، ويشتمّ بعضنا بعضاً، ويتّهم بعضنا بعضاً، ونتحرّك هنا وهناك بعيداً من كلّ القضايا المصيرية.

إنّ أعظم الخيانة في هذه المرحلة هو خيانة وحدة الأمة. هب أنّنا نختلف في أشياء كثيرة، ولكن هل فرّقت إسرائيل بين شيعي وسنّي في (فلسطين)، أو في جنوب لبنان، أو في (الجولان) أو في أيّ بلد آخر؟ وهل يفرّق الاستكبار العالمي بين إيران وأفغانستان والشيشان؟! الشيطان الأكبر يريد لإسرائيل أن تكون سيّدة المنطقة، ويريد أن يقنع هذا البلد العربي وذاك بأنّ الطريق إلى أمريكا تمرّ بإسرائيل. ولذلك يقولون أخلصوا لإسرائيل تخلص لكم أميركا. فهذه خيانة، كلّ من يطبِّع العلاقات مع إسرائيل يخون أمته، كلّ من ينحني لإرادتها يخون أمته، كلّ من يثير الخلافات بين المسلمين لحساب أجهزة خفية تريد الإضرار بالإسلام وبالمسلمين يخون أمّته، وكلّ من يشغل الناس عن قضاياهم المصيرية يخون أمته، ومن خان أمّته فلا يجوز لأحد أن يدافع عنه.

قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا}(النساء:107)، {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}(الحج:38) (الندوة، ج 2: 91، 92).

وهكذا نلاحظ مدى حرص السيّد على الناحية الإجرائية في ممارسة القيمة، سواء كانت سلبيةً أو إيجابيةً، وعلى ربطها بواقع البشرية بعامّة، وواقعنا ومجتمعنا وأمتنا في مرحلتها الراهنة بخاصة.

3- الكذب

يرى السيّد أنّ الكذب "يمثّل وسيلةً من وسائل إرباك المجتمع من خلال إرباك الصورة الحقيقية للأشخاص" (الندوة، المجلد الخامس، المحاضرة الخامسة، ص 79)، ويقسمه إلى ثلاثة أقسام:

الكذب على الله ورسوله: وهو القسم الأخطر، لأنّ هذا النوع من الكذب يزيّف الحقيقة الرسالية، ويحوّل التصوّر من تصوّر للحقيقة إلى تصوّر للباطل باسم الحقيقة، ما يعني تقديس الباطل وتقديس الخطأ. وقد حذَّرنا الرسول الأعظم (ص) والأئمّة من أهل بيته (ع) من الكاذبين، فقد روي عنه قوله: «قد كثرت عليَّ الكذابة وستكثر، فمن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار». كما روي عن الأئمة (ع): «لا تقبلوا علينا خلاف القرآن»، «وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف». "ولعلّ من أكبر المسؤوليات المترتّبة على العلماء والمثقّفين، أن يبقوا في عملية تنقية وتصفية لكلّ هذا التراث الذي وردنا عن رسول الله (ص) أو عن أئمّة أهل البيت (ع) (الندوة، ج 5: 80). وهذه مسألة خطيرة، لأنّ حديث الرسول وحديث الأئمة هو حديث الإسلام، "فإذا كان الحديث مزيفاً، فمعنى ذلك أنّك تقدّم للناس إسلاماً مزيّفاً، وإذا كان الحديث كاذباً، فإنّك تكذب على رسول الله" (م.ن: 81).

وهناك الكذب على الواقع، وهو أن تعطيَ صورةً غير صحيحة عنه: "أن تصوِّر الواقع بغير صورته"، وهذا هو "عمل المنافقين الذي تقوم به الآن بأفضل ما يكون المخابرات المركزية الأميركية والمخابرات الدولية والإقليمية والمحلية في أيّ بلد، فهي تسعى لتقديم صورة غير حقيقية للناس عن الوضع الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الأمني، ولا شكّ في أنّ ذلك يترك تأثيره على سلوك الناس في الواقع" (م.ن: 81).

ويضيف السيّد: "ونحن نعرف أنّ دور المخابرات الدولية، ولا سيّما مخابرات الاستكبار العالمي، ليس دور تجميع المعلومات وحسب، بل أن تصنع الأخبار أيضاً وتثير الإشاعات وتحرّك الكثير من المحلّلين السياسيين، من وكالات أنباء ومثقّفين، من أجل أن يعطوا النّاس صورةً تساعد على تنفيذ المخطَّطات التي يرسمونها لواقعنا. فعلى الإنسان ـــ في أيامنا هذه ـــ أن يكون حذراً بشكلٍ فوق العادة فيما يسمع من أخبار، لأنّ بعض هذه الأخبار مصنوعة في أجهزة المخابرات الدولية...". وإذا كان أمير المؤمنين (ع) قد أوصانا بأن لا نثق بأخينا كلّ الثقة: «لا تثقنَّ بأخيك كلّ الثقة، فإنَّ صرعة الاسترسال لن تستقال»، فكيف الحال مع العدوّ؟!

وعندما ندرس أساليب الدعاية الآن، فإنّنا نجدها تصنع في مطابخ المخابرات التي منها "مطابخ جامعيّة، وأخرى أمنية، وثالثة سياسية، ورابعة اجتماعية، بل هناك مطابخ دينية تدرس فيها كلّ نقاط الضعف بين الأديان والمذاهب، من أجل أن يخلقوا لهذه الطائفة انطباعاً للخوف من الطائفة الأخرى". وهكذا عندما ينطلق خبر من هنا وخبر من هناك، وتتحرّك الشكوك، تأتي الفتنة. "فالكذب الذي يتّصل بصورة الواقع الذي يعيشه الناس كذب خطير... ونحن نعيش في مجتمعاتنا، ولا سيّما الإسلامية، الكثير من هذا النوع من الكذب الذي يبدِّل صورة الواقع، ويغيِّر الحقيقة، ويصوِّر الباطل بصورة الحقّ والحقّ بصورة الباطل، فيضيع الناس بين هذا وذاك" (الندوة، ج 5: 83).

أما الصنف الثالث من أصناف الكذب، فهو الكذب المتصل بالناس، وذلك بأن تنسب إلى إنسان ما فعلاً لم يفعله، أو قولاً لم يقله، أو موقفاً لم يقفه، وأنت تعلم أنّه لم يفعل ذلك، أو تنسب إليه ذلك وأنت لا تعرف أنّه فعل ذلك. وهذا أمر خطير، لأنّه يغيّر صورة الشخص الحقيقية، ويؤدّي إلى إرباك الصورة الاجتماعية لدى الناس في كلّ الشخصيات التي تتحرّك في الواقع، سواء على المستوى العائلي، أو على المستوى الاجتماعي في الجوار والتعامل مع الناس، أو على المستوى الديني، كأن تنسب إلى أتباع ملّة معتقدات لا يؤمنون بها". وهكذا في الصّراعات الدينية بين الأديان المتنوعة، والسياسية بين الأحزاب المتنوعة، والاجتماعيّة بين العوائل والفئات المختلفة، فعندما ننقل عن شخص أو جماعة شيئاً ليس حقيقياً، فإنّ من الطبيعي أن يترك ذلك تأثيراً سلبياً على طبيعة التصوُّر، وبالتالي على طبيعة الموقف، وعندئذٍ يفقد الناس الثقة" (م.ن: 84).

ولا يفوت السيّد الإشارة إلى أمرٍ أكثر خطورةً، وهو ما تتقنه أيضاً أجهزة الاستخبارات، وهو "تلميع" صورة عملائها من "قادة" السياسة والفكر والإعلام، وهذا الأمر هو أن تذكر إنساناً فتمدحه بما ليس فيه. فليس لك أن تتعصَّب لإنسان، بحيث تعطيه من الفضائل والصفات ما ليس فيه، فتضخم صورته في الوقت الذي لا يحمل أي أساس لعناصر الضخامة والصورة، وهذا ما يجعل الناس يتبعون الفاشلين والخائنين والجاهلين، عندما تنطلق الدعاية المضادّة لتهدم جماعةً أو شخصاً أو مذهباً، وأمّا الدعاية الملائمة، فهي التي ترتفع بأناس لا يملكون ما يرفعهم.

ينطلق السيّد بعد هذا ليتصدّى لهذه "المشكلة في واقعنا الاجتماعي"، فيلاحظ الحرص الذي يبديه الأهل لتربية أبنائهم على الصلاة والفروض والنوافل، وإهمال تربيتهم على أخلاقية العلاقات الاجتماعية والحقيقة والسلامة الاجتماعية، فيقول: "فنحن نتعلَّم الكذب من آبائنا وأمهاتنا، عندما يكذب الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، وعندما يكذب الأب على أولاده، ليكذب الأولاد على أبيهم، وهلمَّ جراً، حتى إنّ الكثيرين قد يبرّرون الكذب بالتورية، وهي حتى لو أنقذت الشخص، فإنّها تعطي انطباعاً سلبياً" (الندوة، ج 5: 85).

فالعبادة في الإسلام ليست الصلاة أو الصوم فقط، وإنّما هي أيضاً بالعمل على حماية مجتمعنا من أعداء الإسلام، بل ومن "أصدقاء الإسلام وأتباعه الذين يعيشون الكفر في أخلاقهم وإن عاشوا الإيمان في عباداتهم... فنحن مولعون بالبهتان، ولهذا ضاعت الحقيقة فيما بيننا، مولعون بأن نقلب الحقائق، ونحكم بدون علم، ونعطي الانطباع بدون علم، وهذه هي الصورة السائدة" من الذين ينطبق عليهم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}(الأحزاب:58).

وخلاصة القول: "إنّ الحقيقة هي التي تعمر الديار وتنشر السلام، وتفتح القلوب، وتوحّد المواقف، وتنشر المحبّة، وتصلّب الأرض، وتقوّي المواقع والمواقف. أمّا الكذب، فإنّه يهدِّم الديار، ويمزِّق المجتمع، وينشر الحقد والبغضاء، ويوجِّه الناس إلى تغييم صورة الواقع، فيرون الباطل حقّاً، والحقّ باطلاً، وإذا تبدَّلت الصورة، تبدَّل الواقع وسقط" (الندوة، ج 5: 91).

ولا يمكن أن نطوي هذا الموضوع من دون التوقّف عند نوع من "الكذب" يجيزه الشرع وتسمح به الأخلاق، ذلك "أنّ الحرام ينقلب إلى حلال أو إلى واجب عندما تشتمل الغاية على مصلحة أهم من المفسدة" (م.ن، المحاضرة الثانية عشرة: 177).

فمن الأمور التي يقرّرها الفقهاء، أنّك إذا أردت أن تصلح بين شخصين أو عائلتين أو جماعتين، وكان الإصلاح يتوقّف على أن تكذب، بأن تأتي إلى هذا الفريق وتقول له إنّ فلاناً قد ذكرك بخير، وتأتي إلى الآخر فتحدثه بمثل ذلك... فهذا في الواقع كذب، لأنّك تحدّثت عنهما بما لم يقولاه، ولكنّه كذب تثاب عليه. حتى إنّه جاء في الحديث عن أئمة أهل البيت (ع): «الكلام ثلاثة، صدق، وكذب، وإصلاح بين الناس»، بحيث أخرج الإصلاح بين الناس من حركة الصدق والكذب.

وهكذا، إذا واجهت مشكلة إخبار الظالم أو العدوّ عن أسرار بلدك أو أمتك، أو أن تحدّثه عن مكان شخص بريء ليعتقله أو يقتله، ففي مثل هذه الحالة، يجب عليك أن تكذب، وكذلك إذا طلب إليك أن تدلّ على مكان أخيك: "احلف بالله كاذباً ونجِّ أخاك من القتل". فالصدق هنا حرام والكذب واجب. "لذلك نقول، إذا أردنا أن نصل إلى القضايا الكبرى، واعترضت طريقنا ونحن نخطّط بعض المفردات التي قد تكون محرّمة، فعلينا أن نوازن بين حجم المفسدة الموجودة في هذا المحرم، وحجم المصلحة الموجودة في الهدف والغاية، فإذا كانت أقوى من حجم المفسدة الموجودة في الحرام، تجمّد الحرام وتصبح حلالاً لمصلحة الغاية الكبرى» (الندوة، ج 5، المحاضرة الثانية عشرة: 177). وواضح مدى عمق هذه النظرة الحديثة الواقعية العملانية إلى هذه القيمة السلبية في فكر السيّد، وتبيانه سلبياتها وإيجابياتها.

4- الغدر

الغدر نقيض الوفاء، والمجتمع يقوم على الوفاء بالالتزامات التي تقوم بين أبنائه، "وإذا كفّ عن الوفاء بهذه الالتزامات، فمعنى ذلك أنّ العلاقات تتقطّع، وأنّ الفردية تحكم المجتمع، وأنّ نقض هذه الالتزامات يمثّل مؤشراً خطيراً على انهيار المجتمع" (الندوة، ج 9، المحاضرة التاسعة: 212).  وقد دعا الإسلام إلى الوفاء بالعهود، كما اتّخذ موقفاً متشدّداً من الغدر. ينطلق السيّد في تبيان هذا الموقف، ممّا أوصى به رسول الله أمير المؤمنين (ع) إذ خاطبه قائلاً: «إيّاك والغدر بعهد اللّه والإخفار لذمّته، فإنّ اللّه جعل عهده وذمّته أماناً أمضاه بين العباد برحمته، والصبر على ضيقٍ ترجو انفراجه، خير من غدر تخاف أوزاره وتبعاته وسوء عاقبته».

ينطلق السيّد بعد ذلك للتحذير من الإقدام على الغدر، مبيِّناً رأي أمير المؤمنين (ع) في الإنسان الذي يقدم على مثل هذا الأمر، يقول (ع): «الغدر شيمة اللّئام»، و«الغدر يضاعف السيئات»، و«إيّاك والغدر، فإنّه أقبح الخيانة». ويروي عنه قوله (ع): «أسرع الأشياء عقوبةً رجلٌ عاهدته على أمر وكان من نيّتك الوفاء له ومن نيّته الغدر بك». فإذا ما تعاهد اثنان، وكان أحدهما مخلصاً في عهده، والآخر ينوي الغدر ويبيّته، فإنّ هذا ممّا يعتبره عليّ (ع) من الأشياء التي يعجّل اللّه به العقوبة.

حتى مع العدوّ يحذّرنا الإسلام من الغدر، يقول الإمام (ع) في كتابه إلى مالك الأشتر: «وإن عَقَدْتَ بينَكَ وبينَ عدوِّك عقدةً، أو أَلْبَسْتَهُ منكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عهدَكَ بالوفاءِ، وارعَ ذِمَّتَكَ بالأمانةِ، ولا تَخِيسَنَّ بعهدِك». بل أكثر من ذلك، لا يجوز الغدر بأحد، فقد روي عن أبي عبد الله (ع)، أنّ رجلاً سأله عن قريتين من أهل الحرب (أي ليسوا من المسلمين)، لكلّ واحدة منهما ملك على حدة، اقتتلوا ثم اصطلحوا على أساس معاهدة فيما بينهم، ثم إنّ أحد الملكين غَدَرَ بصاحبه، فجاء به إلى المسلمين، فصالحهم على أن يغزوا تلك المدينة؟ أي أنّه أراد أن يستغلّ عداوة المسلمين للملك الآخر ليغدر به، فقال أبو عبد اللّه (ع): «لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا، ولا يأمروا بالغدر، ولا يقاتلوا مع الذين غدروا».

لكن السيّد يؤكّد أنّه إذا شنَّ المسلمون الحرب، فالخدعة في الحرب وسيلة من وسائل الدفاع، وهي مباحة، أمّا أن يكونوا عوناً في الغدر لفئة على فئة، فلا يجوز لهم ذلك.

ويؤكّد السيّد بالاستناد إلى قول عليّ (ع)، أنّ «الغدر بكلّ أحد قبيح، وهو بذي القدرة والسلطان أقبح». وهو، كما يقول السيّد، "الذي يستعمل قوّته في الغدر، ذلك لأنّ الخلق الإسلامي يتمثّل بالعفو عند المقدرة، لا أن تُتَّخذ السطوة والسلطة كسلاح للغدر والبطش والفتك بمن لا يملك قوّة ولا ناصراً" (الندوة، ج 9: 216).

ينتقل السيّد بعد ذلك إلى الناحية العملية في هذا الموضوع، فيحدّثنا عن بعض الناس الذي يعتبرون منْ يتّقن اللعبة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية ذكياً، فيخطّط من أجل خداع الناس، فيمنحهم الالتزامات التي توحي لهم بالثقة به، فيرتّبون أمورهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على هذا الأساس، ثمّ يضرب ذلك عرض الجدار، فيغدر بمن عاهدهم حتى يسقط أوضاعهم كي يحصل على النتائج الإيجابية لمصلحته من خلال ذلك.

إنّ هذا المخادع الذي يصفه المأثور الشعبي بأنّه يأخذك إلى النهر ويرجعك عطشان، أو أنّه يجيد اللّعب على كلّ الحبّال، أو أنّه يعرف من أين تؤكَل الكتف (الندوة، ج 9: 217)، يحذّرنا السيّد منه، ويرى فيه إنساناً منحرف الأخلاق غادراً في واقع يعتبر فيه الوفاء توأم الصدق.

ويبيّن لنا الإسلام أنّ الالتزام بالوفاء والابتعاد عن الغدر قد يكون باهظ الثمن أحياناً، وهذا ما نراه في حال أمير المؤمنين (ع) مع معاوية، يقول (ع): «واللّه ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنتُ من أدهى الناس، ولكن كلّ غدرة فجرة، وكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة. ألا إنّ الغدر والفجور والخيانة في النار». وقد بلغ حرص أمير المؤمنين على موقفه هذا إلى حدّ جعل البعض يقول: "إنَّ علياً (ع) ليس سياسياً وإنّ معاوية هو السياسي"؟!!

لكن هذا لا يعني الوفاء لأهل الغدر، قال (ع): «الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللّه، والغدر بأهل الغدر وفاء عند اللّه».

وعلى هذا الأساس، فإنّ علينا أن ننطلق في حياتنا الخاصّة والعامّة من الحرص على الوفاء وتجنّب الغدر، "فعلى الرجل أن يفيَ لزوجته حقّها، وعلى الزوجة أن تفيَ لزوجها حقّه، فلا يجوز لأحدهما أن يغدر بالآخر بأن ينقض عهده، ويتحلَّل من التزاماته... وهكذا بالنسبة إلى الالتزامات في الدين والبيع والشراء والإجارة والمضاربة والشركة، فكلّ هذا فيه عهد يمثّل عهد اللّه، ولا يجوز للإنسان أن ينقضه، فنقض العهد يمثّل حالة غدر...

كما أنّنا نعيش في واقعنا السياسي مسألة الوفاء لأهل الغدر، والغدر بأهل الغدر، في المعاهدات التي تحصل بين شعوب العالم الثالث والمستكبرين، حيث يعمل القويّ على أن يتحلَّل من التزاماته إزاء الضعيف على أساس لعبة سياسية أو اقتصادية... علينا أن نواجه المستكبر باستكباره بالحيلة وبالخداع وبالمكر إذا أراد أن يخدعنا ويمكر بنا، وهذا ما نواجهه الآن ممّا يعقد من التزامات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خصوصاً الالتزامات التي وقّع عليها الفلسطينيون ونقضها العدوّ فلم يف بالتزاماته... إنَّ علينا أن نفي بالتزاماتنا مع الآخرين، ولكن علينا أن نكون الواعين اليقظين الحذرين الذين لا نستغفل بالمكيدة، ولا نستغمز بالشديدة، بل نعرف كيف نفيَ في مواقع الوفاء، وكيف ننبذ إلى الذين نخاف منهم الخيانة في مواقعها.

وإنّ على المؤمن أن يكون الواعي لما حوله، ولمن حوله، وأن يكون إنسان الأخلاق الذي يركّز منهجه الأخلاقي مع عدوّه ومع صديقه ليفيَ بالتزاماته، ولكن عليه أن لا يكون الإنسان المغفّل الذي يقيِّده الآخرون بأخلاقه، في الوقت الذي ينقضون كلّ مبادئ الأخلاق" الندوة، ج 9: 221 ـ 222).

 

5- النفاق

يتوقف السيّد طويلاً عند نقيصة النفاق، منطلقاً من عدد من آيات سورة البقرة، فيرى أنّ المنافقين يعلنون الإيمان أمام الناس ليحصلوا على ثقة الناس بهم، ويحسّوا بالأمن إزاءهم، ما يفسح لهم في المجال الواسع للتحرّك بحرية كبيرة في مجالات الدسّ والتضليل، ولكنّهم لا يلتزمون بالإيمان في قناعاتهم الفكرية، فهم يعيشون ازدواجية الموقف بين الظاهر المؤمن الذي يتحرّك في دائرة العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين، والباطن الكافر الذي يعيش في داخل الذّات وفي المجتمع الكافر (تفسير من وحي القرآن، سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، المجلّد الأول: 140).

وبعد الإفاضة في تبيان ظاهرة النِّفاق وعللها وأسبابها، يتوقّف عند سلوك الكثيرين من حملة الأفكار التي تتحرّك في اتجاه إثارة الفوضى والدمار في المجتمع باسم الإصلاح، بما يستهدف تغيير الواقع من خلال نسف جذوره، كما نواجه ذلك في كلمات البعض ممَّن يفسحون المجال في المجتمع للدعوات والأعمال التي يطلقها أصحاب الهوى والفجور والانحلال، حيث يحاولون تبرير ذلك بأنّه ثورة على الجمود، وتحريرٌ للإرادة الإنسانية من عوامل الكبت الداخلي، وتحطيم للعقد النفسية المرضية التي تؤدّي إلى ما يشبه الشلل في حركة الفرد والمجتمع، كما نلاحظ ذلك في الدعوات التي تبرّر الأزياء الفاضحة أو العري المنحل بأنّه يمنح الإنسان صحةً نفسيةً يتعافى بها من كلّ العقد الداخلية (م.ن: 144).

ويرى السيّد أنّ هؤلاء الذين ينتحلون صفة المصلحين، إنّما هم مفسدون يعملون على تحطيم الركائز الأساسية للمجتمع كسبيلٍ من سبل تحطيم الرسالة الشاملة التي تنطلق من هذه الركائز.

ويحرص السيّد على تبيان صفات المنافقين في مجتمعنا المعاصر، فإذا هم يواجهون الرأي العام بمشاعر الكبرياء والعظمة التي تدفعهم إلى احتقار النّاس في مستوى تفكيرهم، إذ عندما يجابهون بدعوة إلى الإيمان يجيبون: "إنَّ هذا كلام غير علمي، وإنَّ هذه الأفكار التي تطرحها علينا هي أفكار العامة من النّاس الذين يعيشون سذاجة الفكر والعقيدة، وليست أفكار المتعلّمين الذين يحملون شهادات العلم والفلسفة" (تفسير من وحي القرآن: 144).

وقد يظهرون الإيمان، ويعملون عمل المؤمنين في صلاتهم وصومهم، ليحصلوا على الثقة الاجتماعية التي ينفذون من خلالها إلى أهدافهم... ثُمَّ يذهبون إلى جماعاتهم الشيطانية، ليبرّروا سلوكهم هذا بأنّه كان استهزاءً بالمؤمنين، واستغلالاً لبساطتهم وسذاجتهم... وقد نجد أمثال هذه النماذج في الكثيرين من الأشخاص الذين ينطلقون مع التيّارات السياسية وغير السياسية في عملية ارتباط وانتماء، ولكنَّهم ـــ في الوقت نفسه ـــ يمثّلون أدوار الإيمان عندما يلتقون بالمؤمنين البسطاء ليخدعوهم، ولينفذوا إلى حياتهم العامّة والخاصّة، من أجل تحقيق الأهداف الشريرة التي لا تلتقي بمصلحة الإيمان والمؤمنين من قريب أو من بعيد.  فإذا ذهبوا إلى مجالسهم الخاصة، أطلقوا الضحكات الفاجرة، وأظهروا السخرية والاستهزاء بالمؤمنين، وبعباداتهم، وبأقوالهم، بمختلف الأساليب التي تثير الاستهزاء والاشمئزاز. (م.ن: 150).

ويخلص السيّد إلى الاستنتاج: فلا بدَّ لنا... من محاولة فهم خلفيات هؤلاء الأشخاص الذين يحتلون مركزاً مميّزاً في التعامل والقيادة والدخول في خصوصيات حياتنا الاجتماعية، واكتشاف منطلقاتهم الفكرية والسياسية. (تفسير من وحي القرآن: 150).

كما يدعو السيّد إلى الابتعاد عن هؤلاء، والحذر منهم، ذلك لأنّهم يتخبَّطون على غير هدى، إنّهم يبقون في قلقٍ روحيّ مدمّرٍ بين النور الخاطف والظلمة الكثيفة، فلا ينفتحون على الدرب، ولا يستقرون في الظلام. إنّها حركة المنافق بين الضوء القادم من القرآن، والظلام المندفع من الكفر. فعلى المؤمن أن يحذر هؤلاء، لما لسلوكهم من آثار مدمّرة على المجتمع.

6- الغيبة والبهتان

{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}(الحجرات:12).

يقف السيّد طويلاً عند هذه الآفة الشائعة، محذّراً منها، لما لها من خطر على الحياة الاجتماعية وبث الفرقة والخلاف. ويذكر السيّد أنّ الغيبة من الكبائر، ويميّز بين الغيبة والبهتان، "فالغيبة هي أن تذكر إنساناً أو مؤمناً أو أخاً لك في الدين بعيب مستور، أي بعيب موجود فيه. فهي تنطلق من ذكر أخيك بعيب مستور قد اطَّلعت عليه، فلا أحد يعرفه سواك، ثم تقوم بنشره بين الناس. أما إذا ذكرت أخاك بما ليس فيه فهو "البهتان"، وهو الكذب والافتراء على الناس، وادّعاء ما ليس حقيقةً ولا واقعاً ولا قائماً (تقوى الصوم: 110).

ويرى السيّد أنّ الغيبة تدفع الإنسان إلى الهلاك، وترتّب عليه الآثار السلبية التي تتوخّى دعائم إيمانه وتجعله يخسر الدنيا والآخرة، وهي قضية تتعلّق بصلب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والعلاقات الأسرية والزوجية والإنسانية. فكلّ ما يخفيه الإنسان عن الناس لا يجوز لأحد أن يشهره ويعلنه من دون رضاه ومعرفته. أمّا مسألة البهتان، فتتعلّق بأن تنسب إلى إنسان ما لم يقل، وهذا محرَّم فوق العادة. ويرى السيّد أنّ هذا ممّا ابتلانا الله تعالى به في حياتنا ومجتمعاتنا ـــ وخصوصاً المؤمنة ـــ في ما يتعلّق بالأمن والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وتحطيم سمعة المؤمنين، وإثارة الشكوك والظنون حولهم بما لا يخاف الإنسان ربّه فيه (تقوى الصوم: 111-112).

بيد أنّ للغيبة مستثنيات، منها: غيبة المظلوم ظالمه: "والظّلم لا يقتصر على ظلم الحاكمين، وإنّما يشمل كلّ إنسان يتَّخذ من موقعه سلطةً على الآخر من دون وجه حقّ: ظلم الرجل لزوجته، صاحب العمل لعمّاله، البائع للمشتري...".

ومن مستثنيات الغيبة النصيحة، وقد ورد في الحديث: «الدين نصيحة»، ويطلّ السيّد بنظرة حديثة، مبرزاً أهمية النصيحة في مختلف القضايا، تقليديةً كانت كمسألة الزواج، أو حديثة، كما في القضايا السياسية المتعلّقة بالانتخابات السياسية والبرلمانية والبلدية وانتخابات الجمعيات، ما يقتضي نصيحة الأمّة والناس، من خلال ذكر مواصفات المرشَّح ومدى أهليته لهذا الموقع، وعلاقاته ومصالحه، حتى لو أضرَّت هذه النصيحة به وفضحت أمره... فإذا توقّفت النصيحة على الغيبة، فإنّ الأهمّ يغلب المهمّ، لأنّ ترك الغيبة في ما يتعلّق بالنصيحة يقفل باب النصيحة، وهو ما يؤدّي إلى كثير من المشاكل على مستوى الحياة الفردية والاجتماعية أكثر من المفسدة الآتية من الغيبة.

ومن مستثنيات الغيبة، العيب الذي يخلق مضرات للناس، ما يوجب على الإنسان الحديث عن مرتكب هذه الأعمال وفضحه، إمّا بهدف ردعه، وإمّا بهدف تحذير الناس من شرّه، أو من أجل الأمرين معاً، ويكون هذا العمل تفصيلاً مضافاً إلى الغيبة في مقام النصيحة، وغيبة المظلوم لظالمه.

ويخلص السيّد إلى القول إنّ الإسلام حركة عملية في أرض الواقع، وهو يدعو إلى أن تكون حياتنا جهاداً للغيبة والنميمة والبهتان والشماتة والتعيير، وانطلاقةً في رحاب الودّ والمحبّة وإصلاح الأمر (تقوى الصوم: 113 - 116).

ولا ينسى السيّد التوقّف بما يلائم عند عددٍ من الآفات النفسية، كالحسد، والغضب، والعجب، داعياً إلى الابتعاد عنها والتخلّص منها، ومقاومتها ما أمكن، لما لها من نتائج سلبية على حياتنا الاجتماعية، وخلق عداوات بين أبناء المجتمع الإسلامي الذي يفترض أن يكون كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء.

كما لا ينسى إبراز أهمية الأخلاق الفاضلة بعامّة، كما التحذير من الغشّ والرياء... منطلقاً في جميع مواقفه من نظرة ثاقبة في التعامل مع القرآن الكريم والسنة المطهَّرة وواقع مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة، متجاوزاً الموقف التنظيري إلى الحركية العملانية والتطبيق الفعلي للقِيَم الإسلامية في مجتمعه بخاصّة، وفي المجتمعات الإسلامية بعامّة، بعيداً من أيّ مذهبية أو مناطقية، بل غالباً ما يركِّز على أنّ القيم الإسلامية هي قيم الفضلاء من أبناء البشرية جمعاء.


 

المصادر

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، تفسير من وحي القرآن، 24 مجلد، ط 3، 1428هـ/2007م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، سلسلة ندوات الحوار الأسبوعية التي كان يلقيها سماحة السيّد بدمشق، 19 جزءاً، دار الملاك، ط 1، 1422هـ/2001م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، الحوار في القرآن، قواعده ـ أساليبه، معطياته، دار الملاك، ط 6، 1421هـ/2001م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، في رحاب دعاء مكارم الأخلاق، مطابع المستقبل، ط 1، 1422هـ/2001م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، مفاهيم إسلامية عامة، دار الملاك، ط 3، 1422هـ/2001م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، تفسير من وحي القرآن، 24 مجلد، ط 3، 1428هـ/2007م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، قضايانا على ضوء الإسلام، دار الملاك، ط 8، 1425هـ/2004م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، أسلوب الدعوة في القرآن، دار الملاك، ط 6، 1418هـ.

- المرجع الديني آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، تقوى الصوم، إعداد: علي رفعت مهدي، طـ 1، 1423هـ/2003م.

- السيّد محمّد حسين فضل الله، في رحاب أهل البيت (ع)، ج 1، إعداد سليم الحسني، دار الملاك، ط 4، 1425هـ/2005م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، تفسير من وحي القرآن، 24 مجلد، ط 3، 1428هـ/2007م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، في رحاب أهل البيت (ع)، ج 2، إعداد وتنسيق شفيق محمد الموسوي وسليم الحسني، دار الملاك، ط 2، 1424هـ/2003م.

- سماحة العلامة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، الحركة الإسلامية ما لها وما عليها، إعداد السيّد د. نجيب نور الدين، دار الملاك، ط 1، 1425هـ/2004م.

- آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، الجمعة: منبر ومحراب، توثيق خطب الجمعة لعام 1988، إعداد المركز الإسلامي الثقافي، ط 2، 118هـ/1997م.

- آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، إعداد وتنسيق شفيق محمد الموسوي، ط 1، 1419هـ/1998م.

- آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، توثيق خطب الجمعة للعام 1997، دار الملاك، ط 1، 1425هـ/2004م.

- آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، صلاة الجمعة، الكلمة والموقف، ذو القعدة 1425 ـ ذو القعدة 1426هـ/2005م، إعداد شفيق الموسوي، دار الملاك، ط 1، 1428هـ/2007.

 

المراجع:

- الدراسة المسحيَّة لتعليم القيم في عدد من دول العالم الّتي أعدّها خبراء في مركز البحوث التربوية.

- القيم والتعليم، الكتاب السنوي الثالث، الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، بيروت 2001.

- د. جميل صليبا، المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والإنكليزية واللاتينية، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 1994.

 

 

إنسانية الإنسان

                                                              نجيب نور الدين

                                                            أستاذ جامعي في علم الاجتماع

                                                             مدير مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر

أولاً: الخلافة التي جعلها الله للإنسان

ثانياً: المسؤولية الإنسانية للفرد في المجتمع

ثالثاً: الإسلام دين توحيد في العقيدة والمجتمع

رابعاً: التوازن بين الفرد والمجتمع

خامساً: الإنسان بين التاريخ والنظام الكوني

سادساً: ربط الناس بالرسالة

سابعاً: التفريق بين الالتزام والعصبية

ثامناً: الإنسان هو صانع التغيير

تاسعاً: الطرح الإنساني للإسلام

عاشراً: البعد الإنساني للدعوة

حادي عشر: الإنسان في المفهوم الديني

ثاني عشر: أهداف الإسلام للإنسان

ثالث عشر: الإنسانية غير الظالمة

رابع عشر: دعوة إلى اكتشاف الذات

خامس عشر: الدين والإنسان والكون

سادس عشر: الإنسان، الدين، الحبّ

سابع عشر: العقل والإرادة والواقعية

ثامن عشر: دولة الإنسان

تاسع عشر: بين دولة الإنسان وطهارة الإنسان

يضع سماحة السيّد الدين في إطار الدائرة الإنسانية الشاملة، ولا يعتبره شيئاً منفصلاً عن حركة الإنسان في الحياة، منذ بدء الخليقة إلى حين الانتهاء من الحياة على سطح الكوكب الأرضي. وعليه، يموضع السيّد الإنسان داخل الدين من خلال ما رسم له من دور في حركة الواقع، لتصبح قصّة الدين من وجهة نظر سماحة السيّد، هي في وظيفته الهادفة إلى "أنسنة" الإنسان.. وهذه الإنسانية ليست منفصلةً عن الإرادة الإلهية، وإنّما هي "تكبر كلّما انفتحت على الله"، لأنّ الانفتاح على ربّ العالمين، يشعر الإنسان بأنّه جزء من العالم الذي يعيش فيه، وذرّة من ذرّات الكون التي تتّحد لتشكّل المشهد العام للحياة بكافّة صورها وأشكالها.

«يصوّر لنا القرآن الكريم مسؤولية الإنسان مقارنةً بكلّ القوى الضخمة في الحياة.. فكم هي السماوات والأرض واسعة وضخمة وممتدّة، فإذا قاس الإنسان نفسه إلى السماوات، هل يكون إلاّ ذرّة، أو إلى الأرض، هل يحسب نفسه أكثر من حبّة.. أو إلى الجبال، هل يكون إلاّ حصاة.. ومع ذلك، يقارن القرآن بين مسؤولية الإنسان وحجم هذا الكون».

ما هو الفارق بين الإنسان الذي يكاد يكون أحد تكوينات الكون الواسع الفسيح، والإنسان كعنصر من عناصر هذا الكون المتّحد في موجوداته من خلال ما أودع الله من إمكاناته واستعدادات داخل عناصره، إنّه بكلّ بساطة حال الأمانة الإلهية والمسؤولية عن هذا الكون وموجوداته وكائناته ومصيره، وهو مكلَّف بأن يرعى مسيرته ويأخذ به إلى حيث ما تسمح وتتّسع به الإمكانات والأماني والطموحات التي أودعها الله في الفطرة الإنسانية، لكن عليه أن يتحمّل مسؤولية ما سيؤول إليه الكون على يديه، لجهة التصرّف بكائناته وجماداته وإنسانه، بعد أن أطلق يده فيه، ووهبه عقلاً وإرادةً ومنحه القدرة على التحكّم والسيطرة والإدارة والهيمنة من دون أن يعوق مسيرته شيء، وهذا بالطبع لا يتحقق إلاّ عبر صيرورة من التطوّر الدائم والمستمرّ، عبر الحقبات التاريخية التي يقطعها الإنسان بالفعل وبالقوّة في مختلف مناحي الحياة ومجالاتها المختلفة والمتنوّعة..

يقول سماحة السيّد عن الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض وأبين أن يحملنها، إنّ الإنسان وقف بكلّ عنفوانه وقال: "أنا صاحب العقل الذي يدير الكون، أنا الذي أملك الحرية والإرادة والحركة بالمستوى الذي أستطيع فيه أن أكتشف أسرار الكون وأديره.. فحمِّلني يا ربّ كل المسؤوليات.. وحدِّد لي البرامج والخطوط، وسأنفذ كلّ هذه البرامج. {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ}، وهو لا يعلم طبعاً ما لثقل هذه المسؤولية من أعباء ومشاكل، فنظر إليها من موقع الامتياز والافتخار، فكان بذلك كما عبَّر القرآن {ظَلُومًا جَهُولًا}([1]).

ورغم أنّ الله ميّز الإنسان عن باقي الكائنات بالعقل والإرادة، إلاّ أنّه مقابل ذلك، حمله المسؤولية الكبرى، بأن جعله خليفةً على الأرض وما عليها، وهذا الأمر هو نتيجة طبيعية لقبوله حمل الأمانة، فالخلافة مشروطة بحمل الأمانة، وإقرار الإنسان وقبوله حمل مسؤولية الأرض ومن عليها، جعله خليفة الله على هذه الأرض.

وهذا ما جاء في فحوى حديث الباري عزَّ وجلّ، عندما قدَّم آدم إلى الملائكة بصفته كائناً مميّزاً أمرهم أن يسجدوا له، لما خصّه من المواصفات التي تفتقر إليها الكائنات الأخرى، والتي جهل، حتى الملائكة كما إبليس، نوعية هذه المواصفات التي فاقت قدرة الملائكة على إدراكها، عندما تصورت الجانب السلبي([2]) لهذه المواصفات والإمكانات الإنسانية، دون أن تلحظ أنَّ الجانب الإيجابي يجعل من هذا الكائن أعظم المخلوقات قدرةً على التصرّف في الكون وكائناته التي سلَّطه الله عليها..

أولاً: الخلافة التي جعلها الله للإنسان

يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(البقرة:30). "يذكر سماحة السيّد لهذه الآية معنى مرجحاً لمعنى الخلافة عن الله، وهو إدارة الأرض وبناؤها وإعمارها على وفق إرادة الله([3])".

ويضيف سماحة السيّد، أنّ الله عزّ وجلّ كان في معرض "بيان الخصائص التي يملكها هذا المخلوق ولا يملكونها هم، ما يؤهّله للقيام بالمهمة الموكولة إليه كخليفة([4]).

أمّا عن طبيعة هذه الخلافة وحدودها، فهنا يظهر الدور الكبير الذي أعدّه اللّه للإنسان، بما أودعه فيه من قوّة المعرفة التي يستطيع من خلالها استيعاب كلّ ما حوله من الظواهر والموجودات، وما أعطاه من طاقة العقل الذي يدرك به الخير والشّر، والصلاح والفساد، ويوازن به بين الأمور التي يواجهها، ليستنتج منها أفكاراً جديدة، ويثير منها الحلول الصحيحة لمشاكل الحياة وقضاياها"([5]).

 ويضيف سماحته: "ولعلّ هذا الدور هو الذي عبّر اللّه عنه بالأمانة في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب:72)([6]).

من هو الخليفة؟:

وهنا قد يطرح السؤال التالي: هل الخليفة لله على الأرض المؤمن ابتداءً، أو أنّه لا خلافة لغير المؤمن، وأنّ المواصفات الإنسانية الذاتية للمؤمن هي غيرها لغير المؤمن، بمعنى أنّ الخلافة هي لمن أطاع الله وسلك سبيله دون غيره من البشر الآخرين، أم أنّ الخلافة هي للإنسان مطلقاً، بقرينة ما احتجّت به الملائكة على المخلوق الجديد، من أنّه يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟.

يقول سماحة السيّد في هذا الصدد: "الظاهر من الآية الكريمة أنّه النوع الإنساني، لأنَّ آدم الشخص محدود بفترة زمنية معينة ينتهي عمره بانتهائها، فكيف يمكنه القيام بهذا الدور الكبير الذي يشمل الأرض كلّها، ويتَّسع لكلّ هذه المرحلة الممتدة من الحياة؟!"([7]).

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، "فإنَّ الملائكة قد وصفوا هذا الخليفة بأنّه يفسد في الأرض ويسفك الدماء، وهذا الوصف لا ينطبق على آدم، بل ينطبق على بعض الجماعات التي يتمثّل فيها النوع الإنساني في مدى الحياة([8])".

ويساجل سماحة السيّد الآراء التي تحصر الخلافة بالمؤمنين المحتجين بقوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}(النور:55)، والذين ينكرون من خلال تفسيرهم لهذه الآية، أنَّ المراد بالخلافة النوع الإنساني كلّه، فيقول: "إنَّ الخلافة على قسمين؛ عامَّة وخاصَّة. أمّا العامَّة، فهي التي جعلها اللّه للنوع الإنساني بشكل عام، في مقابل الفصائل الأخرى من الموجودات الحيّة، من خلال ما منحه من الطاقات والخصائص العامة التي يستطيع أن يستخدمها في ما يريده اللّه، أو في ما يمكن أن يصل به إلى رضى اللّه. أمّا الخاصة، فهي الولاية والسيطرة على الآخرين بشكلٍ مباشر، وهو ما تعبّر عنه هذه الآية التي توحي بأنَّ اللّه سيمكِّن المؤمنين في الأرض ويمنحهم السلطة الفعلية، كما منح من قبلهم، فلا تنافي ما ذكرناه في معنى الآية"([9]).

طبعاً، رغم محاولات سماحة السيّد هنا التوفيق بين المعنيين الآنفين، إلاّ أن تغليبه النّوع الإنساني في المقصود من الخلافة لله، واضح، وخصوصاً أثناء تطوّر مسيرة البشرية عبر التاريخ ومراحله المتنوعة، إلاّ أنّه يشير إشارةً واضحةً إلى أنّه في نهاية المطاف، سوف يصل الإنسان إلى مرحلة من المراحل التي يسلم فيها لله عزّ وجلّ، بعد أن يرى أنّ الإيمان بقدرة الله هي وحدها القادرة على سدِّ عجزه عن القيام بتدارك أعباء الحياة وتداعياتها الكبرى، والتي تفوق طاقة الإنسان على التحكّم والسيطرة، وعندها يصبح التسليم طريقاً إلى وراثة هذه الأرض وما عليها، باعتبار أنّ الصلاح والاستقامة في النهاية هما اللّذان يحدّدان المآل الأخير للخلافة، والمرحلة النهائية لغائية الوجود البشري والكوني.

إذ إنّ استقامة الحياة البشرية والإنسانية لا تتمّ إلاّ عبر اتّباع نظام الحياة الزمني الممتد في كلّ أجواء الكون، منذ "يوم خلق السماوات والأرض"، وأودع الله فيها قوانينها الثابتة التي تتمثّل في سننه في الكون، والتي إن اهتدى إليها الإنسان، ورث هذه الأرض وما عليها، ولا يكون ذلك إلاّ بالاستقامة والسير وفق النظام الإلهي الذي لا يسلكه إلاّ المؤمنون بالله وسننه الكونية، والذي يعدُّ الشرط الأساسي لوراثة هذه الأرض في النهاية.

ما تقدَّم، يبرّر ربّما الحكمة من إرسال الله سبحانه وتعالى لرسالاته السماوية المتتالية عبر التاريخ البشري، والتي نجد أنّها تقوم على جذر أساسي مشترك،  قائم على اختيار أنبياء ورسل من قبله بعناية ودقّة لنشر رسالته بين الناس، لأنّه سبحانه يسعى في كلّ مرحلة تحيد من خلالها البشرية عن جادة الصواب وتنحدر فيها العلاقة بين الناس إلى مستوى غير لائق، يسعى لتذكير الله الناس بأنّ عليهم أن يعودوا إلى رشدهم، وأنّهم مستخلفون في هذه الأرض لإعمارها، وليس للإفساد فيها ودمارها.

ويعتبر سماحة السيّد أنَّ دعوة الله سبحانه للناس إلى التعارف والتعاون، لم تنفك عن الورود في كلّ رسالاته ووصاياه للبشر، وخير دليل على ذلك، الآية الكريمة: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}(الحجرات:13)، وأنّ الأفضلية لبعض الناس على بعضهم الآخر هو بالتزام التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}(الحجرات:13).  

والتقوى، كما هو معلوم، أساس إحقاق الحقّ وإقامة العدل بين الناس، وهذا الأمر ليس معنيّاً به قوم دون آخرين، بل الناس أجمعين، وهذا ما دلّت عليه تعبيرات الآيات القرآنية التي جاء الخطاب فيها إنسانياً عاماً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}(سبأ:28). وفي ذلك دعوة صريحة للإنسان بشكل عام، وليس لفئة أو طائفة أو قوم منهم بشكل خاصّ..

فحين يوجِّه الله الخطاب إلى النّاس عامة، فهو يقوم بذلك من موقع أنّه ربّ العالمين جميعاً، وهو معني بهم وبهدايتهم أجمعين، بمعزل عن ألوانهم وألسنتهم وأماكن عيشهم.. لذلك اتّصفت الرسالات السماوية التي أرسلها على أنبيائه، بالمواصفات الإنسانية التي تصلح للناس كافةً، وخصوصاً رسالاته الكبرى التي أرسلها مع أنبياء أولي العزم، بدءاً بالنبيّ إبراهيم (ع)، وصولاً إلى النبيّ محمّد (ص)، مروراً بالنبي عيسى والنبيّ موسى(ع)، إذ "تبدأ مسيرة الرسالات الواحدة من إبراهيم، فليس هناك تنافٍ بين طبيعة رسالةٍ ورسالةٍ؛ بل هو التنوّع في التفاصيل في النطاق الموحّد الذي تمثّله كلمة الإسلام، فكلّ الرسالات السَّماوية التي جاءت من بعد إبراهيم، تعتبر خطوةً متقدّمةً في طريق إبراهيم نحو الهدف الواحد، لأنّ الحياة لا بُدَّ من أن تخضع للّه في كلّ مجالاتها وخطواتها وتطلّعاتها"([10]).

وهذه الوحدة في الديانات السماوية، تعكس طبيعة النظرة الإلهية الواحدة للناس، وتبيِّن مراد الله من الإنسان بوصفه واحداً، رغم الاختلاف الظاهر في تفاصيل حياته وانتمائه وطريقة عيشه وتفكيره.. "وفي ضوء ذلك، نفهم التقاء الأديان كلّها على القاعدة الأساسية في ملّة إبراهيم، التي تمثّل الموقف الداخلي للإنسان المنفتح على اللّه في استسلام إيماني خاشعٍ، ونكتشف ـــ في هذا الخطّ ـــ معنى الإيمان بجميع الأنبياء في العقيدة الإسلامية، لأنّهم يمثّلون العقيدة الواحدة في خطّ الإسلام الحقّ للّه، فلا معنى للإيمان ببعضهم والكفر بالبعض الآخر ما دامت الرسالات واحدة"([11]).

وبما أنّ الرسالات السماوية واحدة في قاعدتها العقيدية، فهي واحدة في نظرتها وتصورها لما يجب أن يكون عليه الإنسان، وإن تدرَّجت في تصوّر كمالاته، لتتكامل فيما بينها من خلال الرسالة الخاتمة التي أعطت للإنسان الصورة الكاملة له، من خلال ما ظهر من خطاب إنساني إسلامي مميز، إذ "إنّ الخطاب الإنساني لا بدَّ من أن يشتمل في مضمونه على كلّ القضايا التي تهمّ الإنسان، وكلّ القضايا التي يمكن أن يفكّر فيها الإنسان كإنسان، وكلّ الأمور التي تمثّل آلام الإنسان وأفراحه في الحياة"([12]).

ولعلّ هذا الخطاب الإلهي الديني ـــ الإنساني، يختصر بشكل مكثف وظيفة الدين، بحيث يشعر معه الإنسان المخاطب في نصّه بأنّ الإسلام "جاء من أجل أن يثري إنسانيته ويعمّقها ويحرّكها في الاتجاهات التي ترتفع به في علاقته بالله والحياة"([13]).

ويؤكّد هذا التوجّه طبيعة الخطاب ومواصفاته وأسلوبه الذي "يلتقي بكلّ العناصر الحيّة للإنسان الّتي تحترم إنسانيته وموقعه ودوره"([14]).

وعلى هذا الأساس، وحَّد الله الخصائص الإنسانية لكي يغني الحياة والتجربة البشرية، سواء كانت هذه التجربة مستندةً إلى الأديان السماوية، أو إلى التجارب الوضعية المتحرّكة في إطار السنن التي أودعها الله في الكون. وعلى هذا الأساس، دعا الله إلى الوحدة الإنسانية، والانطلاق من أساس "أنّ الإنسان واحد، يعيش في إنسانيّته في مستوى لا يختلف فيه إنسان عن إنسان، سواء في ذلك الإنسان الذي يتميّز بلون معيّن أو بعرق معيّن أو بأرض معينة أو بامتيازات مادية معينة أو بنسب معين أو ما إلى ذلك"([15]).

وعليه، فليس هناك امتياز لإنسان على آخر من حيث كونه إنساناً، لأنّ "الخصائص الإنسانية التي خصّ الله بها الناس بشكل متنوع، لا تمثّل امتيازات تجعل إنساناً أعلى من إنسان، وتتصاعد في حجم الانتفاخ الإنساني لتجعل إنساناً ربّاً لإنسان آخر"([16]). فالناس متساوون من حيث إمكاناتهم واستعداداتهم الأولية الفطرية، ولا يجب أن يكون لأحد فيهم امتياز على آخر في إنسانيّته. وعليه، "يجب أن لا يعلوَ بعضهم على بعض، ولا يستضعف بعضهم بعضاً، عند ذلك، يمكن لنا أن ننطلق في خطّ الرسالات، على أساس مواقع الإنسان الذي تتساوى فيه كلّ خصائص الإنسانية، فلا تتضخّم، ولا تسير به نحو السقوط"([17]).

وفي هذا المجال، يخاطب سماحة السيّد الإنسان فيقول: "لست وحدك "أيّها الإنسان"، أنت وكلّ العالمين تقفون في الدنيا الآن من أجل أن تجسّدوا عبوديتكم له في حركة إنسانيّتكم تجاه أنفسكم وتجاه الحياة، وأن تجسّدوا إنسانيتكم في حركة مسؤوليتكم. وهناك في الآخرة ـــ يوم يقوم الناس لربّ العالمين ـــ تقف مع العالمين في الآخرة، كما وقفت معهم في الدنيا، بينما هنا تقف لتتكامل مع العالمين كلّهم في حركة المسؤولية، لأنّ قصّة الحياة في كلّ مشاريعها وفي كلّ قضاياها، هي أن تتكامل الطاقات وتتوازن وتتعانق، لتكبر الحياة وتقوى"([18]).

وحسب سماحة السيّد، فإنّه لا معنى لإنسانيّتك إلاّ بالقدر الذي تغني فيه معنى الإنسانية وحركة الإنسان في الحياة، وبقدر ما تقدِّمه من خدمة وإنجازات لإنسانية الإنسان في تطوّره ورقّيه وتحضّره. "أن تكون إنساناً، بمعنى أن تعيش إنسانيّتك في إغناء معنى الإنسانية في ذاتك، لتعيش في الأفق الرحب، ولتمتلك القدرة على أنسنة كلّ شيء من حولك، ولتعطي لكلّ ما تدركه وتحسّه وتتنفّسه نفحةً إنسانية.. أن تكون إنساناً، يعني أن تتحسَّس إنسانيتك في الآخر، وتشعر بأنّك لست الإنسان الأوحد في الكون، فحتى لو كنت تحمل الكثير من الفكر ومن الخبرة ومن القوّة، فإنّ هناك إنساناً آخر له تطلعات كتطلعاتك، وأحلام كأحلامك، وآلام كآلامك"([19]).

وإنّ الأديان السماوية أو الأنظمة الوضعية، يجب أن لا تشكّل امتيازات أو حواجز أو موانع، أمام اللقاء بالآخر والحوار معه، وتبادل المعرفة والخبرات حول الحياة بحقائقها وظنونها. وعليه، قد "تختلف مع الآخرين ديناً مع الذين يدينون بدين آخر، ومذهباً مع الذين يتمذهبون بمذهب آخر، وسياسةً مع الذين يتحرّكون في السياسات على اختلافها، وعندما تنطلق كلّ هذه الخلافات، لماذا لا تجعل للآخر الحقّ في أن يختلف معك، وتصرّ على امتلاكك الحصري للحقّ، وتمنع عن غيرك أيّ نسبة فيه..."([20]).

واضح من خلال ما تقدّم، أنّه في مفهوم سماحة السيّد للعلاقات الإنسانية، يتساوى المتديّن بدين، أو المتذهب بمذهب، أو المختلف بالسياسية مع غيره من أبناء الإنسانية، وبالتالي، فإنّه حسب هذا الفهم، يصبح الاختلاف حقّاً من الحقوق التي يتمتّع بها الناس، بل تبدو، في فهم سماحة السيّد، طبيعةً للإنسان لا بدَّ من التعامل معها بواقعية، إذ لا يكفي أن تكون متديّناً لكي تدَّعي أنّك المالك الحصري للحقيقة، لأنّك إنسان، قد يصيب فهمك للدين عيب، ما يجعل جزءاً من حقيقة وعيك لأمور الحياة موجوداً عند الآخر، حتى لو كان هذا الآخر مختلفاً عنك ديناً أو سياسة، وهذا طرح متقدّم وجريء، لأنّ المتديّنين عادةً لا يعتبرون الآخر إلاّ في صفّ الباطل، وكذلك فكره وسياسته، وحتى أخلاقه، فيما سماحة السيّد يفرد مساحةً واسعةً للاختلاف التي تشكِّل محفّزاً للقاء والحوار، بهدف بناء مساحة إنسانية يبنيها الناس معاً من خلال أفكارهم وتطلُّعاتهم وتجاربهم المختلفة والمتنوعة.. وهذا البعد الذي يعنيه سماحة السيّد للإنسان من خلال وجهة نظره الدينية، يكشف عن مناطق جديدة من الوعي الديني، ربّما يفتتحه للمرة الأولى، ويؤسّس على هذا الفهم اتجاهاً جديداً في العلاقات بين أتباع الأديان وغيرهم من الناس الذين يشتركون في صنع حضارة إنسانية واحدة تتلاقى في عدد كبير من القيم، ويقيمون صروحها على أعمدةٍ من الثقة بخير الإنسانية جمعاء..

وفي ضوء ما يعلنه سماحة السيّد، يمكن القول إنّ المختلفين يمكن أن يتعايشوا إلى جوار بعضهم البعض، مهما عظمت خلافاتهم، بشرط عدم الاعتداء والاستكبار أحدهما على الآخر، سواء كان فرداً أو جماعة أو شعباً أو أمة أو حضارة. وبهذا المعنى يصبح الدين "هو الحالة العقيدية الوجدانية التي تتجسّد في الواقع، من خلال نظام القيم والمعايير التي يحملها من الدين أو النظام الأخلاقي الإنساني الذي ينتمي إليه"([21]).

ثانياً: المسؤولية الإنسانية للفرد في المجتمع

في ضوء ما تقدم من نظرة إنسانية لمكانة الإنسان في الأديان السماوية، والتي يجب أن تترجم من خلال علاقة الفرد بالمجتمع، استناداً إلى منظومة القيم والمعايير الحاكمة، وانطلاقاً من نظرة الإسلام إلى هذا النوع من العلاقة، فإنّه يتوجّب على الفرد "أن يقدّم من نفسه ومن حريته شيئاً للآخر، لمساندة قضاياه الخاصة والعامة"([22])، وأن يعتبر أنّ طاقته "هي جزء من طاقة المجتمع التي اؤتمن عليها من قبل الله"، ولا بدَّ من أن "يمنحها للمجتمع ويحركها في مصالحه، سواء كانت مالاً أو علماً أو قوّةً أو أيّ شيء آخر، ولا يستغلّها لحسابه الخاص، ولا يوظفها في غير صالح المجتمع ونموه وتطوره ورقيّه، وإلاّ عدّ: سارقاً وغاصباً ومعتدياً على الشأن العام"([23]). هكذا نفهم الكيفية التي يرى فيها الدين مسؤولية الأفراد تجاه مجتمعاتهم التي ينتمون إليها، لأنّ "الدين في جانبه الأخلاقي والتشريعي، يحمِّل الإنسان الفرد مسؤولية ما يحمله في داخله من عناصر القدرة لأجل حماية المجتمع، لأنّ الشأن الخاص لا بدَّ من أن يتحرّك لحساب الشأن العام في ميزان القيمة"([24]).

ثالثاً: الإسلام دين توحيد في العقيدة والمجتمع

وهكذا نجد أنَّ الإسلام هو دين توحيد في العقيدة ودين توحيد في المجتمع، "فأمّا الأولى، فهو الإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له ولا مثيل، فنحن نستحضر الله في الوجدان الإنساني وليس بالعين المجرّدة... وعندما نستحضر الله الواحد الذي خلقنا وتعهدنا بالرعاية والرحمة والمحبّة، فإنّنا ننفتح على عالم روحي يغني كلّ وجودنا.. فالله هو ربّ العالمين، وليس ربّ فئة دون أخرى، لا يستطيع أحد أن يُعلِّب الله داخل كنيسة أو مسجد"([25]). وعلى هذا الأساس، فإنّ الله هو لكلّ الناس، بل هو ربّ الإنسانية جمعاء، لا يميّز بين عبد وآخر، كما يفعل البشر أو العباد، فكلّهم عنده سواء.

وبهذا المعنى، "لا يحتاج الإنسان إلى شخص معين ليقرّبه إلى الله، فالله دعانا إلى أن ندعوه ونحادثه دون وسيط: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة:186). قولوا لي ما تريدون من دون الخضوع لأيّ وسيط، كائناً من كان هذا الوسيط، شيخاً أو قسّاً أو كاهناً أو غير هؤلاء"([26]).

وهذا الأمر يتَّصل بالجانب الاجتماعي أيضاً، إذ إنّ عدم التفرقة بين العباد، ينسحب من دائرة العقل الإنساني الفردي إلى الدائرة الأوسع، دائرة التفاعل الاجتماعي بين الناس، وهنا تبلغ ذروة المساواة التي ينظر بها الله إلى عباده، والتي أرادها جادة استقامة يريد أن يتمثَّلها الناس جميعاً، أفراداً ومجتمعات، في علاقاتهم الذاتية والاجتماعية، فهو أبلغ الرسول أن ينشر مفهوم التوحيد على كافّة المستويات؛ التوحيد في العبادة والوحدة في المجتمع، فلا فرق بين أحدٍ وآخر"([27]).

رابعاً: التوازن بين الفرد والمجتمع

استناداً إلى ما تقدَّم، يصبح الدين "الحالة العقيدية الوجدانية التي تتجسّد في الواقع، حيث تقيم التوازن بين الفرد والمجتمع"، ولا يمكن لذلك أن يتحقَّق عملياً إلاّ "من خلال نظام القيم والمعايير، بحيث يشعر الفرد بأنَّ من واجبه أن يقدّم من نفسه ومن حريته شيئاً للآخر، لسدّ حاجاته الحيوية، ومساندة قضاياه الخاصة والعامة"([28]).

ويتطوَّر موضوع المسؤولية الإنسانية الفردية من وجهة نظر سماحة السيّد، لتتحول إلى أبعد من كونها مبادرةً فرديةً يتحكم بها بشكل مطلق، لأنَّ طاقة الإنسان المودعة فيه من قبل خالقه، هي مسؤوليةٌ يتحمَّلها في حياته، باعتبار أنّ هذه الطاقة هي "جزءٌ من طاقة المجتمع التي اؤتمن عليها من قبل الله، ولا بدَّ من أن يمنحها للمجتمع ويحرّكها في مصالحه، سواء كانت مالاً أو علماً أو قوةً أو أيّ شيء آخر"([29]). وإذا لم يفعل ذلك، يكون كمن يحبس هذه الطاقة عن موردها الأساسي ويختزنها لذاته، فيتحوَّل إن لم يفد بها المجتمع، أو إن استغلَّها لحسابه الخاص، إلى "سارق وغاصب ومعتد على الشأن العام"([30]).

وهذه الرؤية لسماحته، تعكس نظرته إلى موقع الفرد داخل المجتمع، فالمجتمع "ليس وجوداً متميِّزاً في الواقع بشخصه، بل هو وجود الأفراد الذين يعيشون في ظلّ الرابطة الاجتماعية التي تتمثّل بالتزام الإنسان بالآخر، ما يجعل من طاقة الفرد طاقةً للمجتمع"([31]).

ولا يقتصر الأمر عند سماحة السيّد على انتماء الأفراد الاجتماعي، والصورة الإنسانية المتفاعلة التي ينبغي أن تظهر عليها صورة الإنسان كفرد داخل المجتمع، وكأفراد يشكّلون الكلّ الاجتماعي، وبالتالي، كيف يُنتزع الفرد من شخصانية الفردية ليتحوّل كائناً اجتماعياً، بل يسعى إلى أن يعطيَ للفرد في المقابل اعترافاً بإنسانيّته بكامل أبعادها، إذ بدونها، لا يستطيع أن يكون فرداً ذا طاقة وقدرة على الفعل والتأثير والنماء والتطوّر، ومن شروط ذلك، أن يمنح المجتمعُ الذي يجمع أفراده ويستهلك طاقاتهم الفردية لصالح الاجتماع العام، "الحرية الفردية، فلا سلطة لإنسان على آخر، ولا لقوّة اجتماعية على حالة فردية، إلاّ في نطاق القانون الذي يحدِّد للجميع الحقوق الفردية والاجتماعية"([32]). وهكذا يتحقَّق التوازن المطلوب، فالأمور كلّها محكومة بالقيم والمعايير، ومضبوطة بشكل دقيق بالقوانين التي تحفظ حقوق كلّ منهما في أن تطغى على الآخر، وبالتالي، يتحقَّق التوازن الذي يريده الله من خلال أديانه السماوية، والتي يجسّد الإسلام آخر مصالحها المكتملة.

خامساً: الإنسان بين التاريخ والنظام الكوني

وإذا تجاوزنا مسألة تحديد الدين إلى إطار التصوّر الفردي والاجتماعي للإنسان، فإنّنا نرى له بعدين آخرين مهمّين في سياق تطوّر الحياة البشرية عموماً؛ الأول ضارب في أعماق التاريخ، بمعنى أنّ الإنسان كائن تاريخي يصنع تاريخه وحضاراته وفق سيرورة وجودية واجتماعية تتوالى فصولاً عبر الزمن، إذ "ليس الإنسان شيئاً ضائعاً حائراً في ضبابية وجوده، بل هو وجود يملك تاريخاً ممتدّاً في الماضي.. وهو جزء من مسيرة إنسانية كبرى تؤثّر فيه وتصنع له ذاكرة تاريخيةً تحدّد له إرثه الإنساني منها، وهو ـــ بعد ذلك ـــ يصنع تاريخاً جديداً من خلال جهده، عن طريق المستقبل الذي يصنع قاعدته وجذوره وأبعاده وامتداداته، بفعل مسؤوليته عن صنع التاريخ الجديد للحياة، في الثقافة والسياسة والاقتصاد والحركة الواقعية، على مستوى الأهداف والتطلعات"([33])، وهو أيضاً له بعد كوني، كونه يعيش داخل الكون الفسيح الذي خلقه الله، وعرّف إليه الإنسان، وأطلقه في دورته الحركية، وجعله جزءاً منها، "بحيث يستشعر بأنّه جزء من النظام الكوني في وجوده الذي يقف بحساب، ويتحرّك بحساب، في وعيه لنفسه ولغيره وللحياة من حوله"([34]).

وبذلك، يتحوَّل الكائن البشريّ "إلى كائنٍ حيّ متفاعل مترابط مفتوحٍ على مسؤولية الإنسان في وظيفته الاجتماعية في صنع التاريخ، وفي إدارة الحياة، في عملية انفتاح وتكامل والتزام"([35]).

إنّ الضابطة الدينية لهذه الرؤية الإنسانية الاجتماعية الكونية للإنسان في أبعاده كافّة، تتمثّل في قدرة الدين على ضبط العناصر التكوينية في داخله، التي يمكن أن تقوده إلى الإخلال بهذه الأدوار الإنسانية الرائدة التي أرادها الله له من خلال الدين. فأوّل شرط لتحقيق ذلك، هو الابتعاد عن "الانفعال والتعصُّب الذي يدفع الإنسان إلى الارتباط بعقيدة الآباء أو الانتماء إلى محيطه العائلي أو الحزبي، أو غير ذلك" من الانتماءات الأخرى، سواء كبرت أو صغرت، فالمطلوب "أن يقف حرّاً أمام دائرته الفكرية، كما يقف حرّاً أمام فكر الآخر، بعيداً عن أيّ عدوانية حاقدة"([36]).

سادساً: ربط الناس بالرسالة

وعلى ما تقدَّم، فإنَّ جوهر رسالة الأنبياء، هو ربط الناس بالرسالة الإلهية السمحاء، بعيداً عن أيّ نوع من أنواع العصبية المدمرة، إذ أمر الله النبيّ أن يتحدّث مع الناس "ليربطهم بالرسالة بعيداً عن أيّ تأثير آخر.."([37])، ليبقى هذا الإنسان في دائرة التوازن، دون أن يميل كلَّ الميل باتجاه غرائزه، أو أن يجنح بشكل مفرط باتجاه الغيبيات التي تحوِّل حياته إلى واقع غير ذي معنى واضح ومحدد. إنّ على الإنسان "التفكير في كمالاته كما يفكّر في نقائصه، فنقاط القوّة في الشخصية البشرية يقابلها نقاط ضعف فيها، فيجب أن يدرك الفرد أن كلّ الصفات المميزة هي هبة الله ونعمته.. فما من مخلوق له جهة كمال إلاّ وله جهة نقص"([38]). هذا هو حال الإنسان بشكل عام، أمّا الإنسان المتدين أو الملتزم بمنظومة قيم دينية، فإنّ عليه أن يكون أكثر دقةً في التعامل مع الأمور الناظمة لوجوده، وأكثر انضباطاً ومراعاةً لها"، فالإنسان المؤمن هو إنسان مفكّر، يحرّك عقله في كلّ مفردات الفكر المتّصلة بالوعي للكون في عظمته، ودقّة أسراره، وخفايا أوضاعه، ممّا يطلّ به على عظمة الله في خلقه وإبداعه وتنظيمه وتدبيره، وينتهي به إلى أن يتعرَّف مسؤوليّاته في كلّ أموره.. لذلك فهو يخطّط لتنظيم الواقع كلّه.. وهكذا يكون معنى الزّمن مشدوداً إلى معنى الحركة في إنسانية الإنسان، حتى يتأنسن الزمن في معناه"([39]).

إنّه لمعنى عميق جداً للإنسانية ذاك الّذي يعطيه سماحة السيّد للإنسان، فهذا الإنسان ليس فرداً متفاعلاً في مجتمعه ومع تاريخه ومستقبله فحسب، بل هو مفترض الوجود المتماهي مع الزمن، والمتبادل لحيثيّات الحركة معه، فيصبح هو جزءاً من معنى الزمن، ويتحوّل الزمن إلى التماس معناه من خلال اكتسابه معنى الإنسانية، من خلال التفاعل الوجودي مع الإنسان المرافق لمراحله المتلاحقة والمحايثة له في الحركة والتقدم.

وبهذا المعنى، نفترض الدين للإنسان، من وجهة نظر سماحة السيّد، مهمةً كبرى تتجاوزه كفرد، لتطاول نوعه بامتياز، وهو أنسنة الزمن، بمعنى أن يتحوّل كلّ ما في الزمن من محتوى ومعنى، إلى محيط إنساني يكتسب هويته من كون الإنسان هو العنصر الفاعل الأساسي فيه.. لكن كيف يتحقَّق ذلك بشكل أكثر دقةً، بمعنى كيف نترجم هذا التحقّق بنقله من عالم التجريد المفهومي إلى عالم المحسوس والمعيوش؟ بالتأكيد، يتحّقق ذلك من خلال "الإحساس بوحدة الإنسان مع كلّ الموجودات في الكون: السماء والأرض، الساكن والمتحرّك، المنبسط والشاخص، العالي في الهواء والكامن في أعماق الأرض"([40]).

وأكثر من ذلك، فالإنسان من خلال تحسس وجوده في يقظة الصباح وإغفاءة المساء، باعتباره جزءاً من النظام الكوني، "يولد في نفسه الشعور بالألفة الوجودية والتكامل الكوني معها.. فتكون قضيته قضية الإنسان الذي يتحمل مسؤولية المخلوقات التي وجدت معه، فيتعامل معها من موقع مسؤوليته عنها باعتبارها مجال عمله ([41])". وهذا يتطلَّب مستوى عالياً من الالتزام والأخلاق التي لا بدَّ من أن يتحلّى بها الإنسان ليقوم بهذا الدور الوجودي الرائد، "ولعلَّ من الطبيعي أنّ مثل هذا السموّ الروحي الأخلاقي، يحتاج إلى الكثير من المعاناة والمجاهدة النفسية التي تمنع الإنسان من الاندفاع في ردود الفعل الذاتية"([42]).

ولا يكتفي سماحته بإيراد النصوص النظرية حول المسؤولية ومهماتها وما يقع ضمن نطاقها، بل هناك خارطة طريق واضحة للإنسان، في سبيل تجسيد خطّ الانفتاح على الكون والزمن الذي يريده الله أن يسلكه في الحياة، ويظهر ذلك جلياً من خلال علاقاته وممارساته التي ينتهجها أثناء القيام بواجباته أو بسلوكه الاجتماعي العام، "وهناك خطّ إلهي واضح يحدّده قوله تعالى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(الحجرات:10)، فاختلاف أحدكم مع أخيه لا يجعله كافراً، ولا يخرجه عن خطّ الإيمان العام"، ولا يتوقَّف الأمر عند الموقف من المؤمنين كأفراد، بل يتعدّاهم إلى انتماءاتهم التي لا يجوز أن تبنى العلاقة معهم على أساس العصبيات بكلّ تلاوينها وأشكالها وأنانياتها، لأنّ "عصبيّة الشيطان هي من الأهواء والأنانية، أنانية الذات والحزب والطائفة والحركة والمنظمة والعشيرة، فالأنانية هي التي تسجن الإنسان في داخلها، ولا تسمح له بأن يتنفّس الهواء الذي يتنفّسه الناس الآخرون"([43])، ويضيف سماحته: "كن ابن نفسك وابن عشيرتك وابن حزبك وابن حركتك وابن طائفتك، ولكن لا تجعل هذه الأمور سجناً تسجن فيه ذاتك، بل عش في دائرة واترك فيها باباً ينفتح على الناس، حتى تحاورهم ويحاوروك، وحتى تتفاهم معهم ويتفاهموا معك، لتكتشف خطأك من خلال ذلك، أو يكتشف الناس خطأهم"([44]). ولا يقتصر الأمر في اتباع الهوى على الأفراد، بل ربّما انزلق المجتمع إلى هذا النوع من الممارسات فيصبح "اتّباع الهوى لدى المجتمع، هو الذي يمنعه من أن يمارس عملية الانفتاح فيما بين أفراده"([45]).

وأيضاً، فإنّ الهروب من العصبيات يطاول حتى النشاط السياسي والانتماء السياسي، لأنّ هذا النوع من العصبيات والأنانيات يعيدنا إلى منطق أهل الجاهلية، وهذا ما يريدنا الله أن نمتنع عنه {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ}(الفتح:26)، وأراد لنا أن نلتزم كلمة التقوى، كما التزمها النبيّ (ص) وأصحابه، في مواقفنا السياسية والاجتماعية، وفي كلّ مجالاتنا الاقتصادية والأمنية والعسكرية([46]).

سابعاً: التفريق بين الالتزام والعصبية

ففي الوقت الذي يؤكّد سماحته نبذ العصبيات والأنانيات، ويعتبرها من النوازع الهدامة للأفراد والمجتمعات على حدّ سواء، يوضح الفرق بين العصبية والالتزام، فهناك "فرق بين أن نلتزم بفكر أو خطّ أو بقيادة، وبين أن نتعصّب؛ الالتزام فعل إيمان..([47])"، بينما العصبية فعل جاهلية، وقد تؤدّي بصاحبها إلى المهالك: "لو عصيت لهويت"([48]). وعليه، كيف يكون الإنسان بعيداً عن العصبية ومنفتحاً على الخير للناس كلّ الناس؟

ينطلق سماحته في توضيح وجهة نظره حول هذا الموضوع من الآية الكريمة: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}(النساء:114).

يقول سماحته في هذه الآية، موجّهاً خطابه بشكل عام: "كأنَّ الله يريد أن يقول لكلّ واحد من عباده، إنّ طاقاتكم لم تصنعوها أنتم، بل الله هو الذي صنعها"([49]).

لكنّه أعطى للإنسان حرية الاختيار، بين أن يوجّهها في سبيل الخير، أو يأخذها في سبيل الشرّ، لكن في أيّ الاتجاهين سار الإنسان، فإنّ عليه أن يتحمّل مسؤولية خياراته، لأنّ الله أراد للإنسان أن يحرّك هذه الإمكانات التي منحه إيّاها في اتجاه الخير، ولم يرد له أن يحرّكها في اتجاه الشّر.. "اختر بين أمرين؛ بين أن تُقبل إلى الله وأنت تحمل الشرّ على ظهرك لتواجه العقوبة في ناره، أو أن تحمل الخير في قلبك وعقلك ولسانك وسمعك وبصرك ويديك ورجليك، ليقول لك الله: مرحباً بعبدي الذي عاش حياته من أجل أن يحصل على رضاي، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}"([50])(الفجر:27-30).

لكن السؤال الذي يتبادر بعد كلّ ما تقدّم هو: هل يمكن أن يحصل هذا الأمر، على صعوباته، بدون مجاهدة أو ترويض للنفس على التغيير"؟

يقول سماحته في هذا الصدد: "لقد جاء الإسلام ليغيّر العالـم على صيغته، كدين يبحث في الحياة عن الجذور التي يرتبط بها الواقع، ليقتلعها بقوّة من أجل السماح للجذور الجديدة بالامتداد والانتشار في اتجاه الواقع الجديد"([51]).

ثامناً: الإنسان هو صانع التغيير

الإنسان في منطق سماحة السيّد، هو الذي لا بدَّ له من أن يبادر إلى التغيير؛ تغيير الواقع الفاسد الذي اكتوت البشرية بشروره وآثامه، إلى الواقع الحيّ الذي يدخل الإنسان إلى عالم إنسانيته بإرادته الحرّة، بعد أن أفسح له مجالاً واسعاً للانطلاق في هذه الحياة وحده، بكل الشروط اللازمة للانطلاق إلى تكوين مجتمع الخير للإنسانية جمعاء، وهذه الأمور تبدأ من النفس الإنسانية.. لا بدَّ لك من أن تغيِّر نفسك لكي تغيِّر الواقع، وتغيير النفس يتمّ "من خلال تغيير تصوراتك وأفكارك ومشاعرك تجاه القضايا التي تواجهك، أو الأشياء التي تحيط بك، أو الأشخاص الذين يعيشون معك.. ليلتقيَ التغيير الفكري بالتغيير العملي"([52]). لكن هذا الانتقال من التغيير النظري إلى العملي يحتاج إلى وسائل، "فهل يعتبر الإسلام الوسائل السلمية التي تتمثّل بوسائل الدعوة وطرقها المبنية على الإقناع والهداية التي تبدأ من الفرد، لتنتهيَ بالمجتمع، حيث يلتقي أفراده جميعاً على كلمة اللّه، فتكون قضية النظام وسيطرته نتيجة حتمية لذلك كلّه؟"([53])، سواء على صعيد الجماعات أو الدول، "بالطريقة الديمقراطية أو البرلمانية التي تعتبرها الأنظمة الديمقراطية الطريقة الوحيدة المشروعة للوصول إلى عملية التغيير.. أو أنَّ الإسلام يؤمن، كما تؤمن كثير من المبادئ الثورية، بالعنف والثورة، كأسلوب وحيد من أساليب التغيير، فيمكن لنا ـــ على ضوء ذلك ـــ استخدام القوّة المسلَّحة، واللّجوء إلى كلّ عناصر الإثارة الشعبية.. حتى الفوضى ضدّ الأنظمة الفاسدة التي تتحكّم بها القوى الشريرة، معتبرين ذلك عملاً مشروعاً بجميع نتائجه العامّة والخاصة؟"([54]).

ويجيب سماحته عن هذا النوع من الأسئلة باعتبار الدين الإسلامي ديناً إلهيّاً، يريد أن ينظّم شؤون العباد كأفراد وجماعات ومجتمعات وحتى كأمم، وبالتالي، فهو يترك لعلمائه وخبرائه في شتّى المجالات، تحديد الظروف والوسائل المناسبة لنشر هذا الدين بالوسائل الشريفة التي تقتضيها طبيعة الواقع الذي يتحرّك فيه الإسلام لنشر منظومته العقائدية والتشريعية والاجتماعية والسياسية، وبالتالي، فهو في الأصل يقوم على الرفق واللّين، لكن قد يضطر إلى استخدام القسوة مع الظالمين والمفسدين الذين يخربون حياة الناس، ويقلقون راحتهم، ويفسدون في الأرض، ويمارسون عليهم قهراً وإذلالاً وحرماناً وما أشبه ذلك.

ولعلَّ الإسلام من أشدّ الأديان واقعيةً في هذا المجال، لأنّه يعتبر صالح المجتمع الإنساني له الأولوية على ما عداها من مصالح، سواء كانت مصالح أفراد أو جماعات، لكنّه يوازن بدقّة بين مصالح كلٍّ من أفراده وجماعاته ومجتمعاته، لأنّ الغاية هي الصالح العام الذي يشمل كلّ هؤلاء، بكلّ مستوياتهم المتناسبة والعادلة..

وإذ يؤسّس الإسلام لنفسه هذا الخطّ في عمارة الأفراد والمجتمعات، فإنّه يأخذ بعين الاعتبار وجود الآخر، سواء كان فرداً أو مجتمعاً أو أتباع أديان سماوية أو غير ذلك، ففي الوقت الذي يدعو الإسلام أتباعه إلى تظهير نموذجهم الاجتماعي والسياسي والتشريعي، يطلب إليهم أن لا يتمّ ذلك في إطار الانعزال أو في أجواء الإحجام والعزلة، "فالإسلام لا يفرض على المسلمين العزلة في علاقتهم بالمجتمعات المتنوعة دينياً، بل يمنحهم الرخصة في إيجاد علاقات اقتصادية وأمنية في مواقع الخطر المشترك الذي قد يصدر عن أعداء الوطن مثلاً، في كلّ مواقعه، وبكلّ مواطنيه.

وربّما تمتد المسألة إلى العلاقات السياسية على مستوى قضايا الداخل في الأوضاع المحلية، أو على مستوى قضايا الخارج على صعيد المواثيق والمعاهدات بين الشعوب أو الدول من خلال المصالح المشتركة، وخصوصاً في هذه الظروف التي تطورت فيها الأنظمة والدول، وتحرّكت قوانينها في نطاق التحالفات الدولية، وفي تشريع القوانين التي تسمح بلجوء الشعوب التي تتعرّض للظلم من قِبَل حكامها، ومنها الشعوب الإسلامية، أو تلك التي لا تتوفّر لها فرصة العيش الكريم من خلال فقدان فرص العمل المنتج"([55]). ففي هذا السياق، وخصوصاً حول النقطة الأخيرة، لا يعود الأمر مجرّد تكليف للمسلم بأن يطبق الإسلام دون النظر إلى ظروفه وأوضاعه، وخصوصاً في البلاد التي يكون ضيفاً عليها، بل لا بدّ من احترام أنظمة هذه البلاد وقوانينها، ضمن الحدود التي تضمن انتظام الاجتماع العام في هذه الدول، ومصالح المجتمع الذي يعيش فيه، إذ "في مثل هذه الحالات، لا بدّ للمسلمين المتواجدين في تلك البلدان، أن يحافظوا على الأمن والنظام في تلك الدول، فلا يعملوا على اختراق النظام بشكل سلبي، والإساءة إليه بطريقة عدوانية أو بحالة إرهابية؛ لأنّ هناك عهداً من كلّ مسلم قادم إلى هذا البلد أو ذاك، بالالتزام بقوانين تلك البلاد، فيما لا يتنافى مع التزاماته الإسلامية، لأنَّ الله يأمر المسلمين بالوفاء بالعقود والعهود، من دون فرق بين ما إذا كان بين المسلمين بعضهم مع بعض، أو بينهم وبين الكافرين. هذا هو المنهج الإسلامي في العلاقة مع غير المسلمين"([56]).

وهذا الأمر من الاحترام والتقدير لأنظمة البلاد التي ينتقل المسلمون للعيش فيها، لا يجب أن تمنعهم من ممارسة أخلاقيات دينهم والتزاماتهم، بل ربما كان التصريح بما يؤمن به المسلم من عقائد وأفكار أمراً مستحباً، ولا سيّما إذا كان مترافقاً مع سلوك والتزام أخلاقيين، بحيث يكون السلوك دالاً على عقائد المسلم ودليل الناس إلى ما يعتنقه من أفكار، وما يعتقده من عقائد، وما يمارسه من نظام حياة.. وقد تمارس الدعوة إلى الإسلام في أيّ بلد متواجد فيه، وهذا أمر مشروع إنسانياً وحقوقياً لكلّ صاحب فكر أو عقيدة ليس في غايتها أذيّة الناس أو الاعتداء عليهم، بل قد تكون في كثير من الأحيان سبيلاً لحلّ الكثير من مشكلاتهم بشكل أو بآخر، "لكن هل معنى أن ندعو إلى الإسلام في وطن معين، أن نقول للناس أهملوا وطنكم؟ وهل يعني دعوتنا إلى الإسلام في دائرة قومية معينة، أن نقول للناس اخرجوا من عروبتكم مثلاً؟ ليس الأمر كذلك.. ولكن علينا أن نفهم أنّ الوطن إنسان، وأنّ العروبة تمثّل إطاراً إنسانياً، والله لم يلغِ لنا الإنسانية، ولم يقل لك اخرج من دائرة الأرض التي تعيش فيها"([57]).

وهذه النـزعة الإنسانية بالحنين إلى الوطن، لم يحد عنها حتى الأنبياء أنفسهم، فهذا رسول الله (ص) كان يحنُّ إلى مكة.. وكذلك غيره من الأنبياء والرسل.. "ونحن في لبنان مثلاً لبنانيون، بالمعنى الجغرافي للكلمة وبالمعنى الإنساني، ولكنّنا لبنانيون نؤمن بالإسلام، وعندما نتحدَّث أنّنا لبنانيون نؤمن بالإسلام، فإنّنا نؤمن بالإسلام المنفتح على كلّ الناس.. وعلى كلّ الخطوط العامة التي تلتقي عندها الرسالات.

{أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}(آل عمران:64). وبهذا المعنى، فنحن ننطلق من إسلام لا يعيش في داخل طائفية عشائرية، ولكنّه يعيش في آفاق فكر إسلامي منفتح على الإنسان كلّه والحياة كلّها"([58]).

 

 

تاسعاً: الطرح الإنساني للإسلام

وحسب سماحته، فإنّنا عندما نطرح الإسلام، نطرحه بصيغة إنسانية لا تفرّق بين قوم وقوم، وجغرافيا وجغرافيا، "إنّ العروبة هي حالة إنسانية، تماماً كما هي الفارسية والتركية وغيرهما، ولكنّها مجرّد إطار يبحث عن صورة، والإسلام هو الصورة.. فالإسلام استطاع أن يعطي للعرب كلّ تاريخهم، فتاريخهم قبل الإسلام هو تاريخ ضيّق متواضع، ولا نريد أن نلغيَ كلّ ذلك التاريخ، لكن الإسلام أعطاهم تاريخهم وثقافتهم وحركيتهم، وانطلق بهم إلى العالم.. وبذلك استطاع الإسلام أن يوسع الدائرة العربية من خلال لغته وثقافته، فأدخل الكثيرين من غير العرب إلى التاريخ العربي.."([59]).

وعلى ما تقدَّم، فإن سماحة السيّد لا يعتبر الوطن شيئاً مقدَّساً بذاته، رغم أهميته كإطار للعيش وللحياة وإقامة العلاقات الإنسانية.. بل أكثر من ذلك، لا يعتبر أنَّ الوطن جماد وحالة جامدة وإطار معلّب. يقول: "نحن لا نعتبر الوطن صنماً نعبده، ولا العروبة كذلك، فالوطن حالة جغرافية تتمظهر في حالة إنسانية، والعروبة حالة إنسانية تتمظهر في حركة إنسانية، ونحن نقدِّم الإسلام إلى الوطن، إلى العروبة، إلى العالم([60])".

من هنا، يصبح الإسلام، في نظر سماحة السيّد، روح الأوطان الجامدة، والشعوب الطامحة، والإنسان الذي يصبو إلى كمال إنسانيته ووجوده الاجتماعي والسياسي والأمني، ولكن كلّ ذلك لا يمكن أن يتمّ بطريقة غير إنسانية، إذ إنّنا "عندما نقدم الإسلام (إلى الأوطان، والعروبة والعالم)، فنحن لا نقدّمه بالعنف، بل بالرفق، وبكلّ الأساليب الحضارية، فالله سبحانه قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ..}(النحل:125)، وأراد لنا أن نحوِّل أعداءنا إلى أصدقاء {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصِّلت:34)([61]).

وكمثالٍ حيوي على ذلك، يقول سماحته: "نحن عندما ندعو في لبنان وغيره إلى التعايش، أو إلى العيش المشترك، فليست دعوتنا هذه مجرّد شعار سياسي نطرحه في ظلّ ظروف سياسية معينة، لنسحبه غداً في ظل ظروف أخرى؛ إنّ التعايش الذي ندعو إليه هو دين ندين به، لأنّ الله قال لنا بأن نقول لهم: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}(آل عمران:64)([62])".

عاشراً: البعد الإنساني للدعوة

يتصل موضوع البعد الإنساني للدعوة بأخلاقيات الإسلام في العلاقة مع المسلمين ومع غير المسلمين، فـ"الأخلاق الإسلامية هي أخلاقٌ منفتحة على الآخر؛ لأنّ القيمة الإسلامية هي قيمة مطلقة، فلا تقتصر في عطائها وإحسانها على المسلمين فقط، بل تمتدّ إلى المسلمين وغير المسلمين"([63]).

وما عدا ذلك، أيّ انحراف في الدعوة للإنسان المسلم عن القيم والأخلاقيات الأساسية، لا يعدو أن يكون أمراً متّصلاً بتعقيدات الواقع الذي تعيشه عادةً التجربة الرسالية، هذه التجربة التي جعلت كثيراً من المفاهيم والقيم غير الإسلامية مفاهيم مقدَّسة، وفي ذلك حسب رأي سماحة السيّد، خطورة كبيرة، "لأنّ الأخطاء والانحرافات تحولت إلى مقدَّسات في أذهان الناس"([64]).

ومع ذلك كلّه، فإنّ الإسلام، ورغم الاختلاف بينه وبين الغرب مثلاً في بنيته العقائدية والمفاهيمية، لا يقف موقفاً معانداً كما جاء به الغرب أو أنتجه من قيم إنسانية، وخصوصاً فيما له علاقة بحقوق الإنسان، فمن الممكن جداً "أن ينطلق الدعاة إلى الإسلام والعاملون له، من أجل إتاحة الفرصة لهذه المفاهيم المنتشرة في العالم لتترسخ في ثقافتهم"([65]). ويضاف إلى ذلك، ما يتّصل بالاعتقاد في موضوع قيم الإنسان الغربي واعتقاداته، إذ إنّ هناك فرقاً بين القول إنّ واقع الإنسان الغربي معاد لله، والقول إنّ نسق الحضارة الغربية ونمط حركة الإنسان الغربي على مستوى الواقع المادي لا علاقة لهما بالله"([66])، لأنّه في الوجدان البشري، "يدخل الله في العلاقات الإنسانية على اختلاف مستوياتها، سواء بين الزوجين، حيث يحدد الإيمان به مسؤولية كلّ منهما تجاه الآخر، احتراماً للميثاق الإلهي الذي ربط بينهما، أو بين سائر الناس، حيث يحدّد الإيمان حقوقهم وواجباتهم تجاه بعضهم البعض، حتى إنّ الإيمان بالله يقود الإنسان إلى طلب العلم، ويفرض تغطية حاجات الناس والتعرّف إلى الشريعة"([67]).

ومع ذلك، لا يمكن القول بتطابق النظرة إلى علاقة الإنسان بالله بين الإنسان المسلم والإنسان الغربي، لأنّه "ثمّة فارق بين القاعدة التي ارتكز عليها الإنسان الغربي في حركته الحضارية التي تشتمل على مجموع العادات والتقاليد وأنماط السلوك وحركة الثقافة والعلم ونتائجه.. حيث لا دور لله فيها كليّةً، وبين الإنسان المسلم الذي ترتكز حركته تلك على الإيمان بالله، دون أن تبتعد عن الواقع المادي الذي يرى فيه مظهراً لإرادة الله"([68]).

ومع ذلك، فإنّنا نميّز بين الخطوط الحضارية بين الشرق والغرب، والنظرة إلى الإنسان بالاستناد إلى هذه الخطوط، "صحيح أنّنا لا نعيش الآن واقعاً حضارياً، لأنّنا لا نمارس حضارية الإسلام بالمعنى الشرعي، بحيث تتحوّل تلك الحضارة من خلال طبيعة المفردات الأخلاقية أو الروحية، إلى ظاهرة في مواجهة حضارة الغرب، أي لا يمكننا تقديمها إلى الآخر كهيكلية حضارية واقعية نعيشها في المرحلة الحاضرة، ولكن يمكننا أن نطلَّ بها على الآخر كخطٍ حضاريٍ شكّل في الماضي تجربةً، واستطاع أن يُعطيَ ما تعطي أيّ تجربة حضارية من خير للإنسان"([69]). والمواصفات الأخلاقية للحضارة الإسلامية، سواء التي شكّلت نموذج عيش للمجتمعات الإسلامية في الماضي، أو ما يتضمّنه الخطّ الإسلامي منها، وخصوصاً في البعد الروحي، "قد يمثّل حاجةً ذهنيةً ونفسيةً للغرب، الذي ابتعد ـــ بابتعاده عن الله ـــ عن أيّة حالة إنسانية سلوكية واجتماعية أو سياسية أو ما إلى ذلك.."([70]). ولأنّنا نملك ما نمنحه للغرب من حضارة وإنسانية، فإنّنا نتصوّر "أنّ بإمكاننا الدخول من خلال هذا الجوّ أو هذا الواقع الذي يعيشه الإنسان الغربي، لنعطيه شيئاً من حضارة الإسلام التي تلتقي مع بعض حاجاته"([71]).

وفي هذا السبيل الموضوعي، "نجد في حركة الواقع كثيراً من التقاطعات التي يمكن لنا الالتقاء بها مع الغرب بعملية دعوة أو تأثير، تماماً كما التقينا بها في عالم التأثر"([72]).

وإذا أردنا أن نستمرّ في المقارنة بين ما يحمله الغرب من إيجابيات في النظرة إلى الإنسان، وما يحمله الإسلام، "نجد أنّ المعنى الإنساني (في الغرب) محصور في دائرة الإنسان الغربي، وفي صيغ قانونية واجتماعية يحدُّدها مجتمعه، وليس عنواناً شاملاً للإنسانية. ولذلك، نرى أنّ رؤيته الإنسانية تلك لا تطال الإنسان في العالم الثالث، كما أن نُظمهُ تتنكَّر للإنسان في العالم الآخر، ما يدلّ على أنّ المعنى الإنساني لم يستطع تأكيد نفسه على نحوٍ عامٍ وشاملٍ يتجاوز خصوصية السلوك الغربي"([73]).

من هنا، نحن ندعو إلى التعرّف إلى الإسلام، وما يحمله من مضامين أخلاقية وحقوقية وقانونية للإنسان كلّه، ولأجل ذلك، "نحتاج إلى ثورة ثقافية وروحية واجتماعية قبل الثورة السياسية، من أجل الانفتاح على المفاهيم الإسلامية حول الإنسان، لأنَّ الله سبحانه وتعالى، تحدَّث عن تكريم الله لبني آدم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ}(الإسراء:70)، كلّ بني آدم، وليس جنساً دون آخر، أو شعباً دون آخر، أو إنساناً دون آخر، وجعل للإنسان موقعاً مميّزاً في الكون، وكرَّس المفاهيم التي تحترم إنسانيته، فساوى بين الناس {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}(الحجرات:13)([74]).

من جهةٍ أخرى، فإنَّنا في الوقت الّذي يختلفُ الإسلام عن الغرب في تصنيف الناس أو إجمالهم في العلاقة والنظرة الواحدة، نجد اتّفاقاً في روح الأديان على الرؤية الإنسانية، كون الأديان بشكلٍ عام تنتسب إلى مصدر أوحد هو الله عزَّ وجلَّ، ومن أهمّ هذه الأمور، النظرة إلى حقوق الإنسان، فنحن نفهم معنى حقوق الإنسان انطلاقاً من الآية الكريمة {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ}(الإسراء:70)، "فعمليّة تكريم الإنسان هي من الأمور التي تلتقي عليها كل الأديان"([75]).

ورغم أنّها قد تختلف بين دين وآخر في بعض التفاصيل، فإنّنا نجد "أنّ الإسلام، ومعه المسيحية، يرفضان إعطاء الحرية التي تسقط المسألة الأخلاقية"([76]). من هنا، "فإنّنا قد نختلف في هذا الجانب مع الخطّ الأخلاقي المتمثّل بالحضارة المادية مقارنةً بالحضارة الروحية أو الحضارة الدينية في هذا المجال"([77]).

والإسلام يتجاوز الحديث عن حقوق الإنسان، باعتباره شكلاً من أشكال الاهتمام بالكائن المميّز من المخلوقات، إلى الحديث عن العدالة، فالإسلام هو دين العدل والمساواة.. لذا نقول إنّ الإسلام كان ولا يزال يساوي بين الناس"([78])، ولا يفرّق بينهم في العناوين الكبرى.

ونخلص من هذا العنوان إلى ما أكَّده سماحته من أهمية الدعوة الإسلامية من خلال خطاب الرسول(ص)، الذي انطلق في دعوته في خطّ الرسالة إلى الإنسانية كلّها، فهو انفتح في خطابه على كلّ الناس، وهذا ما عبَّرت عنه الآية الكريمة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(سبأ:28). لذلك، لا بدَّ من أن نخاطب الإنسان من خلال عناصر إنسانيته، والوسائل التي تستثير فيه جانب الفطرة، التي هي سر إنسانية الإنسان"([79])، وخصوصاً أنّ الإسلام يمتلك عناصر الجذب، لأنّه "يشتمل في مضمونه على كلّ القضايا التي تهم الإنسان، وكلّ القضايا التي يمكن أن يفكّر فيها الإنسان كإنسان، وكلّ الأمور التي تمثّل آلام الإنسان وأفراحه في الحياة"([80]).  

حادي عشر: الإنسان في المفهوم الديني

الإنسان في المفهوم الديني ليس قبضةً من طين فحسب، بل هو قبضة من طين ونفخة من روح الله، يقول تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}(ص:71-72).

و"نحن هنا لا نتحدّث أنّ في الإنسان شيئاً من الألوهية، ولكن فيه شيء من روحها وروحانيتها، وبذلك كان الإنسان العقل، وكان الإنسان الشعور والعاطفة.. فالإنسان وحدة متكاملة، ليس هناك مادة منفصلة وروح منفصلة، أي ليست هناك ازدواجية؛ فالمادة تتروحن، والروح تتحرك في قلب المادة"([81]). ولذلك، يبحث الإنسان في عمق ماديته عن شيء يرتفع به عن المادة، "بحيث يشعر بأنّه يمارس حسَّه بشيء من الصوفيّة الروحيّة، وهي قد لا تكون صوفيّةً بالمعنى المصطلح، ولكنّها صوفيّة بالمعنى الديني الذي يجعل الإنسان يستغرق في هذه الأجواء التي تمتزج فيها المادة بالروح"([82]).

ويذهب سماحته في هذا الموضوع إلى جانب متصل، يحاول من خلاله أن يعطي توضيحاً عملياً على فكرته حول المادة والروح في الإنسان، فيتحدث عن العلاقة بين الدين والطب، من خلال ما فهمه علماء الإسلام من مقولة العلم علمان: "علم الأديان وعلم الأبدان"، ويوضح سماحة السيّد أنّ المقصود هو "أن نطلق العلم من أجل أن يحميَ المادة في البدن، ومن أجل أن يحمي الروح في الإنسان"([83]). وحسب سماحته، فإنّ ذلك يحفظ التوازن الضروري، ليستقيم الإنسان مادةً وروحاً، ويكون قادراً على العيش بشكل طبيعي في الحياة.

ثاني عشر: أهداف الإسلام للإنسان

أمّا عن أهداف الإسلام في ما يريده للإنسان من وجوده، "فإنّها أهداف الحياة في امتداد المعرفة وعمقها، في كلّ ما تختزنه من أسرار،  وتثيره من قضايا، وتواجهه من أحداث، وفي ما تستوعبه من معلومات، حتى لتدعوه إلى الإحاطة بكلّ شيءٍ من حوله"([84]). وذلك ليستطيع مواجهة الحياة من حوله من موقع الوعي والفهم والقدرة والحرية، بحيث تعطي هذه الأهداف لحياة الإنسان معناها، و"لتتحرّك فيها القيم الروحية التي تبني للإنسان إنسانيته.. فلا تتجمّد حياته عند حدود حاجاته، بل تتحرَّك إلى البعيد البعيد في نطاق القضايا الكبيرة من أهدافه"([85]).

وفي هذا السياق، تصبح التضحية بالنفس لوناً من ألوان حركة الحياة، "لأنّ الروح تحيا في أهدافها، كما يحيا الجسد في حاجاته"([86]).

وبهذا المعنى، يتحوّل الإيمان والجهاد نسقاً متحداً في خطّ الرسالة، حين تكون إنسانية الإنسان مشروطةً في تحقّقها لأحد مفرداتها المندكّة بشكل أو بآخر في صلب أهداف الإنسان الرسالية المتصلة بإنسانيته وإنسانية المجتمع الذي ينتمي إليه..

وهنا نصل إلى استنتاج أساسي، وهو أنّ لكلّ حياة هدفاً في النهاية، "وأمام كلّ إنسان مسؤولية؛ فللقوة مسؤوليتها.. وللنعمة مسؤوليتها في تنمية طاقات الحياة.. وهذا ما يدفعنا إلى أن نفكّر دائماً في الله، في كلّ إحساس بالقوّة، وفي كلّ مظهر للنعمة، لنشكر الله على ذلك، ولنجعل من الشكر سبيلاً من سبل إغناء تجربة الإنسان المؤمن في حركة الحياة"([87]).

ثالث عشر: الإنسانية غير الظالمة

وبما أنّنا مسؤولون عن كلّ ما وهبنا إيّاه الله من نعم، سواء في المادة أو الروح، في الإرادة أو القدرة، في قوّة البدن أو الفكر، "فلا بدّ لنا من أن نبنيَ إنسانيتنا على أساس أن لا نعيش الظلم في أنفسنا، ولا نعيشه في علاقاتنا بالآخرين، ولا في علاقاتنا بالبيئة التي فيها مخلوقات تريد أن تعيش وتريد أن تحسّ بالراحة، وقد خلقنا الله من أجل أن نكمل للحياة نظامها وحيويتها وغناها"([88]). فالضوابط يجب أن تحكم حركة الإنسان في الحياة، وهي عبارة عن منظومة القيم الإيجابية التي لا بدَّ من أن يتمثّلها في سلوكه وحياته، "فأنتَ لست حرّاً في أن تلوّث الهواء، ولست حرّاً في أن تلوّث الماء، ولست حرّاً في أن تلوّث الأرض بما يرهق الإنسان والحيوان والنبات وما إلى ذلك، لأنّ لكلّ شيء من هؤلاء حقّاً عليك، فلا تظلم الأشياء حقّها"([89]).

إذاً، على الإنسان أن يلاحق حركة إنسانيته في الواقع، وما ينطبق على الأشياء من حولنا ينطبق على علاقاتنا الإنسانية فيما بيننا، فالظلم قد يحصل بشكل مباشر من خلال الاعتداء الجسدي، وقد يحصل بطريقة غير مباشرة من خلال التفكير السيّئ بالناس، "فعندما تفكّر مثلاً في أنّ فلاناً شرّير، وأنّ فلاناً فاسق، وأنّ فلاناً منحرف، وأنّ فلاناً عميل، اسأل نفسك لماذا هذا الانطباع؛ هل رأيت منه ما يؤكّد فسقه؟ هل رأيت منه ما يؤكّد عمالته؟ هل رأيت منه ما يؤكّد انحرافه؟ إنّك تقول سمعت.. لكن الله اختصر المسألة كلّها في قوله: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}(الإسراء:36).

من هنا، وجب علينا أن نتحقّق دائماً من نوايانا وما نسرُّه تجاه الآخر، سواء كان ما تضمره خيراً وصلاحاً للناس، أو شرّاً وشكّاً وظلماً لهم، لأنّك في ظلمك هذا "قد تصل إلى مستوى الجريمة ما دامت في داخل نفسك، لكنّها إذا انطلقت على لسانك وفي سلوكك، فإنّها تمثّل تشويه صورة إنسان، وتدمير موقع إنسان، وذلك يمثّل جريمةً كبيرةً عند الله ورسوله، لأنّه لا يجوز لك أن تكسر مؤمناً "ومن كسر مؤمناً فعليه جبره"، لذلك فلا بدَّ للإنسان من أن يكون دقيقاً"([90]).

ومن هنا، نخلص إلى أنّ "المطلوب من الإنسان أن يتوازن فكرياً، بمعنى أن يحرّك فكره نحو الخير والحق والعدل، بحيث يعمل على أن يجمع لفكره العناصر التي يستطيع من خلالها أن ينتج فكر الحقّ وفكر الخير وفكر العدل، وأن يفتح فكره على الآفاق التي تبيِّن له إنسانيته، وتعمِّق له إحساسه بمسؤوليته"([91]).


رابع عشر: دعوة إلى اكتشاف الذات

بعد أن تأكّدت لنا مسؤوليتنا عن حياتنا وما يتصل بها من مختلف الجوانب، وعن واجباتنا تجاه كلّ المخلوقات التي نشترك معها بنعمة الحياة، فإنّنا مدعوون إلى "أن نتأمّل، أن ننـزل إلى أعماق إنسانيتنا، لنجعلها تفتش عن فكرة قد تكون طائرة في الضباب.. أن نتأمّل، أن ننطلق لنبحث في زوايا إنسانيتنا عن قيمة ضاعت بين الركام، أن نتأمل، أن نستعيد إنسانيتنا، لتصفوَ وتتبلور في هذا الواقع الذي أطبق علينا عشائريةً منغلقةً هنا، وطائفيةً حاقدةً هناك، وزوايا صغيرة هنالك تصغرّ الإنسان"([92]). وهكذا يجب لكي نحفظ إنسانيتنا ونجعلها تنطلق في فضاء الإنسانية الواسع، ونخرج من كلّ الكهوف والظلمات والأماكن الضيقة والمنغلقة، أن نفتح نوافذ قلوبنا ونفوسنا على مدى الحياة الرحب والواسع، على المدى الإنساني المتحرّك في الآفاق المتصلة بإنسانية الإنسان فينا، "ومعنى ذلك، أن نحلّق بإنسانيتنا في كلّ الفضاء ـــ لا الفضاء المادي ـــ فتتحرّك في فضاء الفكر من حيث امتدّ من أوّل مفكّر في الحياة، ولتحلّق في فضاء الروح مع كلّ إنسان عاش قيمةً تحتضن الإنسان، وتحتضن الكون كلّه، لتشعر بالوحدة مع الكون، ولا تعود بذلك مجرد مخلوق يقتحم الكون ليخضعه، بل إنساناً يقتحم الكون ليفهمه ويتكامل معه، ويعيش أسراره، ليصنع منه كوناً جديداً"([93]).

وفي ذلك دعوة لنا بصفتنا الإنسانية؛ أن نتفكّر في الكون من خلال الارتكاز على جوانب تكويننا المادي والروحي، بحيث نراعي التوازن في حياتنا، ولا نغلّب جانباً على آخر، لأن "مشكلة الكثيرين من الناس، أنّهم لا يتأملون ولا يتدبرون، مشكلة الكثيرين من الناس هي هذه المسلَّمات التي توارثوها، دون أن يحدقوا إلى ما في داخلها من عناصر تقدّم أو تخلّف، ومشكلة هؤلاء أنّهم يخافون أن يتأملوا، لأنّهم يخافون أن يكتشف تأملهم أنهم مزيفون ومتخلفون"([94]).

فالناس عادةً يحبّون ما يألفون ويركنون إليه، حتى لو كان خطأً في منطلقاته ونتائجه، لأنّهم يخافون اكتشاف الحقائق إذا كانت هذه الحقائق غير ما آمنوا به وأدمنوا عليه، فهم يفضلون "أن يعيشوا الخطأ الكبير فيما يحترمون من مقدَّسات قدَّسوا التخلّف في داخلها.. لذلك بعضنا يخاف أن يفكّر، لأنّه إذا فكر، فقد يتبدل في كيانه الفكري، ويستوحش من كلّ تاريخ التخلّف الذي عاشه، على طريق المتنبي:

خُلِقتُ ألوفاً لو رجعتُ إلى الصِّبَا     لفارقتُ شَيبي موجَعَ القلبِ باكيا"([95])

وهذا الموضوع، موضوع التغيير في المواقف والقناعات، يقودنا إلى جرأة البحث في علاقة الدين بالحياة، وما هو موقع الإنسان بين الدين والحياة، "هل الدين لما بعد الموت؟ هل دور الدين دور جنائزي، نحدِّق في القبور التي نسكن في داخلها في نهاية المطاف؟ أو أنّ دور الدين هو الحياة؛ الحياة بكلّ ما فيها من تنوعات، ومن تغيّرات وإرباكات وتعقيدات؟ هل الدين جاء من أجل الموت، أو أنّه جاء ليحول الموت في مفهومه إلى حياة، وأن يجعل قصة الموت قصةً جدليةً تتجاوز الجانب المادي في شخصية الإنسان، ليشعر بأنّ الحياة تعيش في قلب الموت ليكون الموت جسراً للعبور إلى حياة أخرى([96])؟ بل أكثر من ذلك، فالترقي في طرح الموضوع يقودنا تلقائياً إلى البحث عن وظيفة الدين نفسه وموقعه من الإنسان، فهل "أنّ الدين جاء لخدمة الإنسان، أو أنّ الإنسان جاء لخدمة الدين؟([97])".

وهذه إشكالية كبرى، يترتب الإجابة عليها وضع سلَّم أولويات من أمور كثيرة، ويتحدد في ضوئها موقع الإنسان من الدين من جهة، ومن الحياة من جهة أخرى. "بعض الناس يتصوّرون أنّ الإنسان جاء من أجل أن يخدم الدين، وبذلك يحولون الدين إلى ما يشبه الموجود الوثني الذي يتعبّد الناس لاسمه دون أن يفهموا ما في داخله، ولذلك، كان الدين اسماً للوثنيين، ولم يكن شيئاً في الحياة، ولذلك نحن عندما نقرأ أي آية في القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال:24)، فهو دعوة إلى الحياة، ومن الطبيعيّ أن من يدعو إلى الحياة، أو ما يدعو إليها، يخدم الحياة ويخدم الإنسان الذي هو عنوان الحياة في حركتها العاقلة المنفتحة على كلّ الوجود الذي يعيش فوقنا، أو تحتنا، أو ما حولنا"([98]).

وهل الحياة إلاّ نحن الذي نملأ فضاءها بأفكارنا وأعمالنا، وحركتنا وسلوكنا وتطورنا، "الحياة هي نحن، هي الحياة المتكاملة التي تختزن عقلاً وإرادةً وقلباً وإحساساً وشعوراً، وبذلك يمكن أن تحتوي العالم:

وتحسبُ أنّكَ جُرْمٌ صغيرٌ                            وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ"([99])

خامس عشر: الدين والإنسان والكون

إذاً، حسب سماحة السيّد، هناك ثلاثية محورية لا يمكن تفلت إحداها عن الأخرى: الدين والكون والحياة، والإنسان هو لولب هذا المحور، لأنّه يتّصل بكلّ منهما لجهة أو أكثر من جهات حياته، أنت "كإنسان، لست شيئاً مجرّداً في هذا العالم، أنت إذا حرَّكت عقلك وقلبك وطاقاتك، وتكاملت مع الإنسان الآخر، ومع الوجود كلّه، كنت العالم، لأنَّ العالم ليس حجماً من الجبال والسهول، بل هو هذا المعنى الذي تعنيه حركة الفكر وحركة الواقع في كلّ ما يغني للإنسان تجربته، وفي كلّ ما يعطي الحياة قوَّتها وامتدادها"([100]). وإذا كان هذا ما يجب أن نفهمه عن الحياة الإنسانية وعلاقتها بالكون، من حيث التكامل والنبض والحركة والخضوع للقوانين الإلهية المودعة في النفوس والجمادات والحيوات الأخرى، فكيف يجب أن تكون علاقتنا بالدين بلحاظ كلّ ذلك، في وقت حوّل الكثيرون منا الدين إلى طقوس تختبئ في المسجد، ولا تنعكس بمعناها ودلالاتها في سلوكنا وتديّننا. لذلك نحتاج إلى أن نتأمل "هل انطلق الدين من فراغ؟ هل هو شيء في التجريد؟ أبداً، الدين هو الذي يفسّر الكون، ويعطيه معنى الوحدة المركزية، والله تعالى يجمع لك كل ظواهر الوجود، وكلّ حركية الوجود، يجمعها لك لتنطلق كإنسان واحد مع الكون.. وبذلك عندما تعيش هذا الوعي للدين، فإنّك تعرف عندما تحدق بالكون، لماذا لا يتحول هذا الكون إلى فوضى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}(القمر:49)، {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(الطلاق:65)"([101]).

إذاً الإنسان والكون والوجود والحياة هم وحدة متكاملة، لكلٍّ موقعها ومكانتها وقدرها، وكلّ ما قد خلقه الله وقدّره بقدر، وكذلك هو الدين الذي لا يحيد عن هذا المنطق، لأنَّ له وظيفة أن يجعل الإنسان يعي ذاته والكون من حوله، والحياة التي يحياها، والقيم التي لا بدَّ من أن يتمثَّلها لكي تستقيم إنسانيته في هذه الدنيا قبل الانتقال إلى الآخرة. ومن هنا، "نشعر بأنّ الوحدة هي سرّ الكون، ونشعر من خلال ذلك بأنّك، وكلّ الكون من حولك، وكلّ ما يتحرّك في داخل هذا الكون، أنّك خلق الله، وعندما تكون أنت والكون خلق الله، فمعنى ذلك أنّك تتحرّك في معنى الوحدة، وبهذا يفسّر لك الدين معنى الوحدة في الكون، وبذلك يدخل إلى عقلك ليمنح الخطّ المستقيم للفكر، ويدخل إلى قلبك ليمنحه الطمأنينة العميقة في كلّ خفقاته، وفي كلّ نبضاته، ويدخل إلى حياتك ليقول لك، إنّ البداية ليست بدايةً ضائعة، وإنّ النهاية ليست ظلاماً، ولكنّها انفتاح على عالم أكثر إشراقاً"([102]).

لكن هل يستقيم أمر الإنسان وحياته دون ارتباط بما هو خارج إطار الكون والحياة والدين، أي دون ارتباط بمصدر أعظم من كلّ هذه المخلوقات، بل بقوّة قادرة مدركة واعية ترتبط فيها الحياة والموجودات، وتتعلّق في سرّ وجودها بهذه القدرة وهذه القوّة الحكيمة؟ بمعنى آخر: ما هي غاية الحياة الإنسانية؟ "إنّ غاية حياتنا هي أن أصنع الحياة لوجودي، وذلك بأن أرتبط بالله الذي هو مصدر الحياة... وعندما نحيا مع الله ونحيا به، فإنّنا نستطيع أن نحيا مع الإنسان ومع الكون كلّه"([103]).

هكذا يجب أن تكون علاقتنا بالكون؛ علاقة من خلال الله وبرعايته وبامتثال أمره، وذلك من أجل "أن نصنع حياةً منفتحةً على الله في معنى العبادة، ومنفتحةً في معنى العبادة على خدمة الإنسان والطبيعة"([104]).

سادس عشر: الإنسان، الدين، الحبّ

والدين ما هو إلاّ منظومة قيم نعتنقها ونتمثلها، ونحاول بالاستناد إليها تنظيم سلوكنا في الحياة، سواء كان هذا السلوك سلوك الإنسان مع نفسه أو مع الآخرين، فأنت عندما تحبّ المخلص مثلاً، "فأنت تحبّ الإخلاص الّذي هو قيمة... وعندما تبغض القبيح ولا تتعاطف معه، فلأنّك تعتبر القبح قيمةً سلبية... لذلك نحن عندما نحبّ وعندما نبغض، فإنّنا نحبّ ما في أنفسنا فيمن نحب، ونبغض ما في أنفسنا فيمن نبغض، لأنّ العاطفة ليست شيئاً يفرض نفسه علينا، بل هو شيء يولد في ولادة مفاهيمنا التي نصنعها أو نرثها أو نتأثّر بها هنا وهناك.."([105]).

من هنا، فإنّ هناك عاطفةً يمكن أن تحرّكنا في الخطّ الإيجابي، وأخرى تحرّكنا في الخط السلبي، لكنَّ المقياس والمعيار هنا هو ما دخل إلى نفوسنا من قيم ونقيم منها موازين ومعايير لمفاهيمنا وسلوكنا وحركتنا في الحياة. "أتّصور أنّنا كما نستطيع أن نحرّك عقولنا، نستطيع أن نحرّك عواطفنا، ولا بدَّ لنا دائماً أن نعطي العاطفة جرعةً من العقل حتى تتوازن وتعرف كيف تبصر بعينين مفتوحتين"([106])، ونعطي العقل جرعةً من العاطفة، حتى لا نتحوّل إلى ذوات جامدة لا حياة للعاطفة الإنسانية فيها، وعندما يتوازن عقلك وعاطفتك، يصبح لإيمانك معنى، ويصبح لحبّك معنى، ويصبح لمكانة الله في نفسك ووجدانك معنى، "عندما تحبّ الله، تحبّ الناس، وعندما تحبّ الله، ترى الجمال يمتزج بمعنى الإبداع في إيمانك بالله، وهذه هي مسألة الدين المنفتح على الكون وعلى الحياة، الدين الذي يُشعرك بأنّك جزء من الكون"([107]).

سابع عشر: العقل والإرادة والواقعية

وعندما يلتقي العقل بالإرادة، يصبح بالإمكان تحقيق الذات التي يصبو إليها الإنسان، وليس الذّات الخاصة فقط، بل الذّات الاجتماعية والإنسانية العامة، و"بناء الشخصية الإسلامية يفرض أن يعمل الإنسان من أجل توفير العناصر الذاتية التي تحقّق كلّ مهمّاته الإنسانية في الحياة، وأولى مهام الإنسان، مسؤوليته عن نفسه، فيما هو جسد وعقل وإرادة وروح... إذ لا بدَّ من أن يكون لديه عناصر في شخصيته تجعله يقود وجوده قيادةً تؤدّي به إلى النجاة في الدنيا والآخرة"([108]).

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، عليه "ملاحقة التجارب التي عاشها في حياته، ثمّ يقرأ ما أنتجته عقولُ الآخرين، ويدخل في عملية حوار مع الآخرين، حتى يصنع من عقله قوةً تنطلق من تجربته الخاصة ومن تجارب الآخرين، فيملك بهذا العقل كلَّ ما يمثّل وضوحاً في الرؤية ومعرفةً للواقع"([109]).

وهذا الوضوح في الرؤية عن طريق الحوار ودراسة التجارب الذاتية وتجارب الآخرين، يحتاج إلى الإرادة الفاعلة للتغيير والتطور، "على الإنسان أن يكون صاحب إرادة.. وعليه أيضاً أن يكون واقعياً في الحياة غير خيالي، وغير مستسلم للأجواء الخيالية،. فليدرس الواقع، وليحاول أن يطوره.. وذلك بحسب الإمكانات المتوافرة"([110]).

ثامن عشر: دولة الإنسان

وفي ضوء ما تقدَّم، فإنَّ دراسة الواقع والعمل بحكمة، يقتضي منّا القيام بمحاولات نحاول من خلالها التعامل مع أمور ديننا، كما مع قناعاتنا، بشيء من الواقعية في عملية التطبيق، فالمنطق أحياناً يمنعنا من طرح قناعاتنا كما هي بالمطلق، بل يفترض أن نرى إمكانية طرح ما يمكن منها بواقعية، وبالقدر الذي يحتمله الواقع، ففي بلد مثل لبنان مثلاً، لا يمكن إقامة دولة إسلامية فيه، علينا أن نرى كيف نقيم الدولة التي تستند إلى قيم الإسلام، حتى لو لم تكن إسلاميةً بالمعنى الأسمى للإسلامية، أو بشكلٍ أدقّ، إسلاميةً من حيث الشكل، فنجعلها إسلاميةً من حيث المضمون، هذا المضمون الذي يركّز كلّ التقاطعات المشتركة بين جميع الاعتقادات التي يؤمن بها كلّ أطياف الشعب اللبناني ومكوّناته.

من هنا، كان طرح سماحة السيّد لدولة الإنسان، فيقول: "عندما تحدثت عن دولة الإنسان.. تحدثت عنها على أساس الواقع الموجود في لبنان، فقلت إنّنا إذا لم نستطع أن نؤسس دولة الإسلام في لبنان، فعلى الأقلّ أن نلتقيَ عند دولة الإنسان"([111]). ومبررات هذه الدولة، من وجهة نظر سماحة السيّد، هي "أن لا تكون حقوق الإنسان وواجباته خاضعةً للتقسيم الطائفي، بل أن تكون إنسانية الإنسان التي تمثّل معنى مواطنيّته، هي الأساس في الواقع كحل جزئي لا كبديل"([112]).

ويؤكّد سماحة السيّد أنّه من غير الممكن في لبنان طرح الجمهورية الإسلامية بالشكل المطلق بدون دراسة الظرف اللبناني الموضوعي، وما يحفل به من تعقيدات وانقسامات. "إنّ مشكلتنا في لبنان، هي أنّ النظام الطائفي والذهنية الطائفية تمنع الإنسان من التفكير في الواقع السياسي والثقافي بطريقة منفتحة، أي بطريقة يمكن أن يتبنّى فيها اللبناني فكراً منفتحاً وشاملاً، لأنّ الحوارات الطائفية أوجدت في قلب كلّ إنسان حاجزاً، بحيث يحاول أن يفسّر الأمور تفسيراً على مستوى الطائفية"([113]).

لذلك كان سماحته يرى أن طرح دولة الإنسان هو الأقرب إلى الواقع اللبناني، بحيث يمكن الاستفادة من كلّ القيم الدينية المشتركة التي يؤمن بها اللبنانيون على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، ونجعل منها قاعدةً لدولة الإنسان المرتكزة بشكل أساس على هذه القيم التي تلتقي عليها الأديان، ولا تشكل استفزازاً لأحد، أو تجعل من أيّ أحد مغبوناً من حيث الطرح ومن حيث التنفيذ. "كنت أقول: لنطرح دولة الإنسان على أساس الواقع الطارئ، فإذا صار الإنسان ساحةً واسعةً، فيمكن لكلّ الأفكار الشاملة، ومنها الإسلام، أن يطرح نفسه في الساحة، فيتقبّلها الناس الذين يعيشون بإنسانيتهم من دون عقد طائفية"([114]).

 

تاسع عشر: بين دولة الإنسان وطهارة الإنسان

وليس طرح دولة الإنسان عند سماحة السيّد أمراً مستقلاً عن مبنى فقهي وفكري، ينظر به سماحة السيّد إلى الإنسان بشكلٍ عام، ويؤسّس له من خلال اجتهاداته القرآنية والشرعية حول الإنسان بشكل عام، فهو من العلماء الذين يقولون بطهارة الإنسان عامةً، وأنّ الإنسان إذا ما بقي على نقائه وطهارته الروحية والفطرية، فإنّه من السهل أن نلتقيَ معه على القيم الإيجابية، وخصوصاً إذا كان يؤمن بأحد الكتب السماوية المجمع عليها دينياً، والمكرّسة في القرآن الكريم.. وطهارة الإنسان الفطرية في نظر سماحة السيّد، لا يدنّسها شيء على المستوى المادي، "لأنّي لم أجد دليلاً شرعياً ثابتاً على نجاسة أحد.. وأنا مستعد أن أناقش أيّ مجتهد حول هذا الموضوع"([115]).

السيّد عنده ملء الثقة بهذه القناعة، لأنّه ناقش بعض المجتهدين في هذا الموضوع وفي غيره من الموضوعات المتّصلة به من أكثر من جانب، فيقول: "أنا حينما أقول إنّ المشرك طاهر والملحد طاهر والبوذيّ طاهر والكتابي طاهر.. فلأنّني لم أجد هناك أيّ دليل على نجاسة الإنسان([116])". ويضيف سماحة السيّد، أنّ هذا الأمر ليس وجهة نظر دون دعائم أو استدلالات قرآنية وشرعيّة، لقد "ناقشنا الآية {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ}(التوبة:28)، وفهمنا منها أن المراد (هنا) هو النجاسة المعنوية لا الجسدية (المادية)، وأبطلنا الأدلّة التي دلَّت على نجاسة الكتابي"([117]). وحسب سماحته، فإنّه إذا لم يبقَ دليل على النجاسة، أو لم يكن هناك دليل على النجاسة، "فالعلماء كلّهم يقولون إنّ الأصل هو الطهارة"([118]).

وهنا يبرز بوضوح توجه ومبنى سماحة السيّد الإنساني، الذي يرى أنّه ليس من مهمات الدين تنجيس الناس أو الحطّ من شأنهم، وإنّما أعمالهم وأفعالهم ومواقفهم وأفكارهم هي التي تحدّد مكانتهم ودورهم وقيمتهم في الحياة. وهذا الأمر خاضع للتجربة الإنسانية التي يتحمّل فيها كلّ إنسان مسؤوليته عن أفكاره وأفعاله، كما يتحمّل فيها المسؤولية عن كلّ إنجازاته في الدنيا والآخرة.

ويذهب السيّد في سبر غور إنسانية الإنسان، ليطاول الأرض التي يعيش عليها، والوطن الذي ينتمي إليه، والجهاد الذي يمارسه دفاعاً عن الأرض والوطن، فيعتبر أنَّ كلَّ ذلك هو لحفظ إنسانية الإنسان على هذه الأرض وفي هذا الوطن، وبالتالي، لحفظ الأمة في نهاية المطاف، فيقول: "إذا كانت المواطنة تنطلق من معنى الانتماء إلى الوطن، وما يترتَّب على هذا الانتماء من التزامات متبادلة فيما يقدّمه الإنسان من نفسه للأرض التي حملته واتّسعت لمتطلّباته وحاجاته الجسدية والفكرية وغيرها ، وما يترتَّب على السلطة التي تتحمّل المسؤولية عن صون هذه الأرض من مسؤوليات حيال هذا الإنسان، فإنّ الالتزام هنا يكبر عن أن يكون احتضاناً للأرض في معناها الماديّ، لينطلق في الأبعاد التي تجسدها الأرض في كلّ العناوين التي تحملها كلمة وطن"([119]).

ويوضح سماحة السيّد وجهة نظره هذه بالقول: "من هنا، فنحن لا نفهم معنى التعبّد للأرض، في الوقت الذي نعرف أنّ من كمالات الالتزام بمعناه الديني، أن يكون الإنسان مخلصاً ووفياً للأرض التي عاش فيها، والوطن الذي احتضنه، فكان مستقرّه وموضعاً لسكنه وحركته، لأنّ الأرض عندما تتّسع لتحمل معنى القضية، تصبح هي الإنسان، ولذلك وجب "أنسنتها"([120]).

والتفسير العميق لأنسنة الأرض يكمن، في رؤية سماحة السيّد، في تسلسل المعاني والأسباب المتّصلة بعضها بالبعض الآخر، والمتناسلة عضوياً بعضها بالبعض الآخر، فنحن نؤنسن الأرض "لكي يتمَّ التَّعاطي معها كعنوانٍ إنسانيٍّ لا يحتمل الجدل في مسألة الدفاع عنه وصونه وحمايته أمام كلّ طامع وكلّ طاغّ، لأنَّ التراخي في ذلك، قد يقود إلى استعباد البلد وأهله لحساب المستكبر، ومصادرة الأمّة بمصادرة مواقعها الواحد تلو الآخر"([121]).

ويخلص سماحة السيّد في نهاية هذا التحليل الفكري والمفهومي الإنساني، إلى أنّ قيمة الوطن أو قيمة الأرض في المفهوم الإسلامي، هي بمقدار ما تؤمّن للإنسان من فسحة للسكن المادي أو الروحي، وبمقدار ما تستطيع أن تعطيه من حرية تمكّنه من تقديم فكره للآخرين، وتؤهّله لصياغة مستقبل رائد لنفسه ولبلده. ويستطرد سماحته هنا مستدلّاً بقول الإمام عليّ (ع): "ليس بلد أولى بك من بلد، خير البلاد ما حملك"، أي بمعنى ما حمل فكرك، وأعطاك الحرية في تأدية واجباتك ونيل حقوقك"([122]).

هكذا يفهم سماحة السيّد المواطنة والمواطنية، وبالاستناد إلى حديث الإمام، يرى سماحته "أنّ مسألة المواطنة هي الأساس في علاقة الإنسان بنظام الحكم وبالدولة، بصرف النظر عن الخصوصيات الأخرى الدينية أو العرقية أو السياسية.. فالإنسان يتساوى مع مواطنه الآخر في المواطنية، وما يترتّب عليها من حقوق وواجبات. ومن هنا، فإنّ النظام الطائفي.. فشل في تحقيق دولة القانون والقيم، دولة الإخوّة والتسامح والتعاون، لذلك نريد أن نؤسّس لدولة الإنسان في لبنان، كي نصل إلى دولة المؤسسات، من خلال الفهم الحقيقي لمعنى المواطنة التي تمثّل التزاماً حيال البلد"([123]).

بالتأكيد، لم يطرح سماحة السيّد دولة الإنسان بطريقة بسيطة، ولم يطلق هذه القناعة مسايرةً لأحد، أو لعجز عن طرح دولة الإسلام، بل لأنّه رأى بواقعيته المعهودة، أنّ الأفكار لا يمكن أن تطبَّق دفعةً واحدة، إذا كثرت المعوّقات أمامها، أو لم تتوفّر شروطها الموضوعية، وأنّ الأمور مرهونة بغاياتها ونتائجها، فإذا كان لبلد مثل لبنان، لا يمكن أن تستقيم فيه دولة من لون واحد، مذهبياً أو طائفياً أو دينياً أو عرقياً أو حضارياً، فليكن الاتفاق على ما هو مشترك بين كلّ هؤلاء، بما لا يتعارض مع جوهر الأديان، وليكن في النهاية الطرح الذي يحفظ إنسانية الإنسان، لأنَّ الإنسان وإنسانيّته هي غاية مراد الرسالات السماوية كلّها.

 

 

 

 

 

 

الفكر التربوي

                                                                    محمد منير سعد الدين

                                                                   كاتب لبناني، أستاذ جامعي في التربية

 

أولاً: أهداف التربية

ثانياً: مرحلة الطفولة

1- أهمية مرحلة الطفولة

2- تحديد مرحلة الطفولة

أ- مرحلة الطفولة الأولى

ب- مرحلة الطفولة الثانية

ج- مرحلة الطفولة الثالثة

6- دور الصاحب الصديق

ثالثاً: عوامل مؤثّرة في تربية الطفل

1- دور الفطرة

2- دور الوراثة

3- دور البيئة

4- دورة الأسرة

5- دور المدرسة

أ- المعلّم واسع الاطّلاع ومتمكّن في مادّته

ب- المعلّم عارف بطبيعة المتعلّم

ت- المعلّم النّامي المتجدّد والناقد لذاته

ث- المعلّم المتحدّي لعقول تلاميذه

ج- المعلّم الأب والمعلّمة الأمّ

ح- المعلّم القدوة

خ- المعلّم عادل في تعامله مع المتعلّمين

د- المعلّم صائن لنفسه عن المفاسد

ذ- المعلّم المسؤول

رابعاً: طرائق التربية الإسلامية وأساليبها

1- التربية القدوة

2- التربية بالموعظة

3- التربية بالقصة

4- التربية بالترغيب والترهيب

5- التربية بالحوار

6- التربية بالأحداث

7- التربية بتفريغ الطاقة

خامساً: عناصر أساسية ينبغي أن تراعى في طرائق التربية وأساليبها

1- الرفق لا العنف والقسوة

2- المحبة

3- الوقاية خير من قنطار علاج، وبناء شخصية متوازنة

4- مراعاة المستويات المختلفة للتلاميذ

سادساً: دور الخادمة

سابعاً: دور الصاحب الصديق والرفيق

ثامناً: مرحلة المراهقة

1- تعريف المراهقة

2- المراهقة من وجهة نظر إسلامية

3- المراهقة حالة طبيعية

4- التوجيه للمراهق

 

تاسعاً: أبعاد في التربية الإسلاميّة للطفل والمراهق

1- البعد الروحي

2- البعد العبادي

3- البعد الفكري

4- البعد الأخلاقي

5- البعد النفسي

6- البعد الرياضي

7- البعد الجنسي

8- البعد السياسي

الخاتمة

 

 

 

 

 

 

أولاً: أهداف التربية

يوجِّه الهدف التربوي نشاط المعلّم والمتعلّم، ويدفع إلى الإنجاز، ويساعد على النجاح، وهو معيار لتقويم العمل؛ إنّه الطريق إلى تحديد الاتجاه والوسيلة والطريقة، ومن لا هدف له لا يعرف لذة العمل، فهو أشبه بمن يدخل نفقاً مظلماً لا يعرف أين منتهاه، ولا الطريق الذي يسلك، ولا الوسيلة التي يستخدم.

وإذا كنّا نتحدّث عن التربية الإسلامية، فنحن ندرك أهمية هذه التربية في ضخامتها وبعد أثرها في حياة الأفراد والأجيال والشعوب.

ونظراً إلى أنّ الإسلام هو رسالة الله إلى الناس كافةً، فمن الطبيعي أن يكون هدف التربية الكلّي في الإسلام موجهاً إلى كلّ الناس، وبالتالي، فهو إعداد الإنسان العابد. والعبادة تتميز بالشمولية، وبأنّها منهج حياة، يستغرق كلّ الحياة، ويشتمل على كلّ ما يقوم به العبد من أقوال وأعمال وأحاسيس أو أيّ جزء من سلوكه.

يرى السيّد أنّ: التربية وسيلة من وسائل بناء الشخصية الإنسانية لتحقيق أهداف الإنسان الكبرى في إطار الفهم الإسلامي. إنّ هدف التربية في الإسلام هو إعداد المسلم لتحقيق كلّ الأهداف الإسلاميّة التي وضعت بين يدي الإنسان، سواء على مستوى انفتاحه على الله، أو انفتاحه على الناس أو على نفسه وما إلى ذلك، بالعبادة والمعرفة. إنّ هدف التربية هو إعداد الإنسان المسؤول عن الكون والحياة في علاقته بالله وبالإنسان وبالحياة... وهدف التربية إذاً هو أن تؤسّس التوازن في شخصية الإنسان بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والروحية والذهنية والاجتماعية، وأن تنمّي معرفته بالنشاط الذي ينسجم مع مستواه الفكري، وأن تزرع القيم والمفاهيم داخل شخصيته، بالمستوى الذي يتحوّل فيه الطفل إلى تجسيد حي لتلك القيم... إنّ هدف التربية إعطاء القيم وتجسيدها في الإنسان، ونقل القيم من عالم المفاهيم المجرّدة إلى عالم الحركة الحياتية، بحيث يتحوّل الإنسان نفسه إلى قيمة متجسّدة، بدرجاتٍ متفاوتة في التجسيد، تبعاً لتفاوت المؤهّلات. فالتربية الإسلامية تهدف إلى أن يكون المتربّي الصّورة التي يتمثّل فيها الإسلام في عناصر شخصيّته فكراً وعملاً، على الخطّ المستقيم في خطّ طاعة الله والخوف منه ومحبّته بما يحقّق له معنى التقوى، وخصوصاً أنّ الانفتاح على الله ليس مجرّد حالة صوفيّة جامدة، بل هو الانفتاح على كلّ ما يريده الله للإنسان في الحياة،  ولا سيّما  أنّ الله أراد للإنسان في الحياة أن يكون خليفته في الأرض، ومعنى ذلك أنّه أراد له أن يقوم بكلّ مسؤولياته تجاه الله([124]).

إنّ هدف التربية هو الإنسان بذاته، وإعطاؤه مجال تحقيق إنسانيته. ومن أهداف التربية أيضاً، إعداد الفرد للتكيّف مع محيطه الاجتماعي، ونقل القيم من السابقين إلى اللاحقين([125]).

يقول السيّد: إنّ أهداف الدعوة إلى الإسلام في خطوطه العامّة والتفصيليّة، والحركة الإسلامية في صنع الشخصية وعناوين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الوصول إلى تنقية الإنسان من الداخل بوضوح الفكرة، وإلى تربية إرادته وسلوكه في قوّة الموقف، وإلى تأكيد التوازن بين الظاهر والباطن والقول والعمل، وهذا على مستوى الخطّ والمنهج والمضمون، وقد أراد الإسلام للإنسان أن يكون المؤمن الواعي لإيمانه، الذاكر لربّه، المحاسب لنفسه([126]).


ثانياً: مرحلة الطفولة

1- أهمية مرحلة الطفولة

يتحدّث السيّد عن أهمية مرحلة الطفولة، فيقول: تكتسب مرحلة الطفولة أهميةً بالغةً في تشكيل بعض معالم شخصية الولد المستقبلية، فهو يخضع لأنماط من السلوك والعادات والخبرات التي تعيش في عمق شخصيته وتساهم في بنائها وصياغتها، فالطفل يمتاز في هذه المرحلة بأنّه سريع التقبّل لما يسمع، وسريع التطبّع بما يألف... إنّه يمتاز بسرعة التلقّي والتقليد والامتصاص الذاتي، بحيث يستطيع اختزان الكثير من المشاعر والأحاسيس والأفكار والعادات والتقاليد، بالسرعة التي لا يستطيع الإنسان الحصول عليها بعد تجاوز هذه المرحلة([127]).

هذا ويختزن الطفل في عناصر النموّ الموجودة فيه حركة المستقبل، لأنّ الطفولة، كما يقول السيّد، تمثّل المرحلة الجنينية التي نستوحي من خلالها ملامح الحاضر وصورة المستقبل، الأمر الذي يعني أنّنا حين نهمل الطفولة، نكون قد أهملنا المستقبل، حيث نترك الطفل في ظروف سلبية يختزن منها الكثير من الطحالب والتعقيدات والعوامل الخبيثة التي تشوّه فطرته وتعيق نموّه الطبيعي.

ولهذا، فإنّ الاهتمام بالطفولة هو الاهتمام بالنموّ الطبيعي لحركة المستقبل في الإنسان... وإنّ إهمال الطفولة يشكِّل نوعاً من إهمال المستقبل، أو تعقيده، أو إيجاد الكثير من العراقيل أمام حركة الإنسان في المجتمع([128]).

ويتحدّث السيّد عن أهمية مرحلة الطفولة في الإسلام، فيقول: في زمن الإسلام، لم تكن هناك دراسات طبية وأبحاث نفسية تطال تلك المرحلة الجنينية ليتحدّث عنها الإسلام، إنّ هذه الأمور هي من المسائل المستجدّة وليست من الأمور المثارة آنذاك ليُسأل عنها، ولتعالج بالشكل الدقيق. ولكن في الإطار العام، تؤكّد الدراسات النفسية، أنّ حال الأم الانفعالية تنعكس سلباً أو إيجاباً على حال الجنين، لكونه جزءاً منها ينفعل ويتفاعل مع وضعها، فاستقرارها النفسي وتوازنها الوجداني يؤدّيان إلى راحة وأمن واستقرار وتوازن لوليدها، والعكس صحيح في حال الاضطراب العاطفي... من خلال ذلك، وحرصاً على سلامة الجنين، يشجّع الإسلام الأم وغيرها على تهيئة كلّ الأجواء المناسبة للنموّ الطبيعي للجنين، سواء كان بسماع الموسيقى المحلّلة، أو مطالعة القراءات المفرحة، أو قراءة القرآن الكريم([129]).

2- تحديد مرحلة الطفولة

يحاول السيّد أن يحدّد مرحلة الطفولة وفق الرؤية الإسلامية، فيقول: وردت كلمة الطفل في القرآن الكريم في مقام الحديث عن المستثنيات بجواز النظر إلى المرأة: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}(النور:31). إنّ الطفل هو الذي لم يبلغ الحلم، أي الذي لم ينفتح على الجانب الجنسي، ولم تستيقظ عنده الرغبة الجنسية، لا جسدياً ولا فكرياً، علماً أنّ الآية ليست في مقام تحديد مفهوم الطفولة([130]).

يتحدَّث السيّد عن مراحل الطفولة في الرؤية الإسلامية، وينطلق من الحديث النبويّ الشريف: "دع ابنك يلعب سبع سنين، ويتعلّم (ويتأدب) سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح، وإلاّ فلا خير فيه". هذا الحديث وأمثاله يحدّد مراحل التربية الأساسية لكلّ إنسان، ابتداءً من الطفولة وحتى مرحلة الرشد([131]).

أ- مرحلة الطفولة الأولى

إنّ الإسلام لم يترك تربية الطفل خاضعةً لمزاج الأبوين، على الرغم من أنّه جعلهما مسؤولين مباشرةً عن هذه التربية، بل جعلها متحركةً ضمن خطة مدروسة تقضي بأن يعطيَ الأب طفله حرية اللَّعب واللّهو والتعبير بالقدر الذي يحفظ سلامته من الأخطار([132]).

ومرحلة الطفولة الأولى تتحدَّد بسبع سنين أو ست سنوات، وهي المرحلة التي يترك فيها الطفل ليكتشف كلّ ما حوله بنفسه، وكأنّ الغرض من ذلك أن يعيش تجربته بنفسه دون مساعدة الآخر، ففي ذلك تأصيلٌ لفطرته بحسب ما أودعه الله فيه من خصائص([133]).

ب- مرحلة الطفولة الثانية

يأتي دور التربية من الخارج، فيباشر المربّي إثارة القضايا المتصلة بالمعرفة أمام الطفل، وتركيز المفاهيم في ذهنه، بحيث يتعرَّف طبيعة الأشياء من خلال ما أطلق عليها من أسمائها، فتتفاعل في عقله المادة الآتية من الخارج مع العناصر الموجودة في داخله([134]).

وفي هذه المرحلة، يتحمَّل الأب مسؤولية تعليمه وتأديبه، بحيث يختزن الطفل المعلومات والخبرات والقيم والآداب والمهارات بالقدر الذي ينسجم مع حجمه ومستواه الذهني، بحيث يستطيع التكيف مع متطلبات مجتمعه([135]).

ج- مرحلة الطفولة الثالثة

في هذه المرحلة، تبدأ عملية التأديب والتوجيه وتعلّم الواجبات، وهي مرحلة إعداد الطفل لما يراد له أن يقوم به من مسؤوليات. فقد ورد في حديث آخر بصيغة أخرى: "الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلّم سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين"، وهذا يفرض في المرحلة الثالثة أن يترجم الطفل المعلومات والخبرات إلى سلوك سليم ينسجم مع ما يهدف إليه الآباء من تأصيل للمفاهيم الإلهية المختلفة([136]).

وهذه المرحلة تتمثَّل فيها مرحلة الانتقال بالطفل من عالم الطفولة إلى عالم الرجولة، وفيها يصاحب الأب ولده لمساعدته على تطبيق ما تعلّمه، وبالتالي تعريفه آلية سلوك الكبار والأوضاع التي تحكمها([137]).


ثالثاً: العوامل المؤثّرة في تربية الطفل

1- دور الفطرة

يقول السيّد: نستفيد من الحديث الشريف: "كلُّ مولود يولد على الفطرة، إلاّ أنّ أبويه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه"، أنّ التركيبة الفطرية للإنسان، تختزن من بداياتها الإحساس السليم بالأشياء، والقدرة على اكتشاف الحقائق، بحيث إنّها لو انطلقت بشكل طبيعي، لاستطاعت أن تكتشف الحقائق الأصيلة، كقضيّة التوحيد وقانون السببية وما إلى ذلك.

وهذا ما تدلّ عليه الآية القرآنية {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ}(الروم:30). إنّنا نفهم من كلّ ذلك، أنّ في تكوين الطفل فطرةً نقيةً تنفتح على الحقائق الأساسية بسهولة إذا أتيح لها ذلك.

وهنا نرى أنّ السيّد يتحدَّث عن فطرة صافية في شخصية الطفل؛ هذه الشخصية التي لم تتلوّث بالتوجيه المنحرف والتربية السيئة، باعتبار أنّها تنفتح بالطفل على التوحيد الذي يربطه بالله، وربّما كان في ذلك إيحاء بأنّ من مسؤولياتنا أن نحبَّ الأطفال بالطريقة التي نحافظ فيها على أصالة فطرتهم والابتعاد عن كلِّ ما يعرِّضها للانحراف، فإنّ ذلك هو الذي يمثّل الحبّ الحقيقي في السير به إلى المستقبل الذي يؤهّله للموقع الإيماني القريب من الله([138]).

ويرى السيّد أنّ الفطرة تسبق التربية، "خصوصاً إذا تربّى الفرد تربيةً مخالفةً لفطرته بحيث تؤدّي إلى انحرافه. فالعوامل الخارجية والبيئة الاجتماعية تجعل على الفطرة تراكمات تمنعها من التحرّك، ولذلك يحتاج الإنسان إلى فطرته لاستنفار عقله، حتى يستطيع أن يزيل هذه التراكمات التي حجبت الفطرة عن حركة الإنسان ليعيدها إلى واقعها الطبيعي"([139]).

وبالتّالي، يعتبر السيّد أنّ الفطرة تتأثّر بالتراكمات التربوية التي تمنعها من التحرّك بشكلٍ طبيعي إلى الأمام، وفي هذا يقول: إنَّ للفطرة دورها، ولكن قد تأتي التربية لتمثّل التراكمات التي تحجب الفطرة عن حركة الوعي([140]).

2- دور الوراثة

وهنا في الوراثة، يدلي السيّد بوجهة نظره فيما تمثّله الوراثة بالنسبة إلى الطّفل، فيقول: تمثّل الوراثة الاستعدادات التي تحكم الذّات لو تُركت في مسارها الطبيعي، ولكن العوامل الخارجية، من تربية وتجارب، تدخل في تكوين الشخصية، بحيث تضعف تأثير الوراثة وتكبتها، ولا تسمح لها بالسيطرة على كلّ وجدان الإنسان العقلي والشعوري، فلا تظهر تلك الاستعدادات إلاّ في حالات ضعف هذا الوجدان.

إنّ التربية تكبت الوراثة، لا أقول إنّها تلغيها تماماً، ولكنّها تمنع حركيتها في الذّات، إلاّ في حالات الضعف الذي يُسيطر على الإنسان بين وقتٍ وآخر.

إنّ للوراثة دوراً كبيراً في إعطاء القابليات الطبيعية التي قد تهيّى‏ء الطفل سلباً أو إيجاباً، ولكنّها لا تشلُّ حركته، ولا تلغي دور التربية التي يُفترض أن تفهم وتستوعب هذه القابليات إذا كان أسلوب التربية أسلوباً عادياً يعتمد على نوع من المؤثّرات السطحية، كأساليب الموعظة والنصيحة والظروف الاجتماعية، فإنّ الطبيعة الوراثية في هذه الحال تغلب التربية([141]).

وحول الوراثة وإرادة الإنسان وشخصية الإنسان، يقول السيّد: تخلق العناصر الوراثية في شخصية الإنسان مناخاً نفسياً أو فكرياً أو عملياً معيناً، وبذلك فإنّها قد تحقّق شيئاً من أجواء الضغط على النفس أو الفكر الواقع العملي للإنسان... ولذلك، فنحن لا نعتقد أن الوراثة يمكن أن تشلَّ إرادة الإنسان أو تعطّل حركية الاختيار لديه، ولكنّها قد تخلق لديه صعوبة السير بالاتجاه الآخر. كما أنّنا نعلم أنّ مثل هذه الصعوبات التي يبتلى بها الإنسان في تكوينه الجسدي أو الشعوري، قد تماثلها صعوبات أخرى في المُنَاخ الخارجي لحياة الإنسان([142]).

ويؤكّد السيّد أهمية الوراثة في التربية، وفي هذا يقول: إنّ هناك بعض الأحاديث تقول: "اختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين"، باعتبار أنّ المرأة قد تـأتي ـــ كما في حديث آخر ـــ بأولاد يشبهون أخوتها وأخواتها، فعليك أنْ تختار لولدك أمّه، بأنْ لا تختار المرأة ذات الأخلاق السيّئة لمجرّد أنّها صاحبة مال أو صاحبة جمال أو ما إلى ذلك. وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "إيّاكم وخضراء الدِّمن. قالوا: وما خضراء الدِّمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء"، باعتبار تأثّرها بالبيئة الخبيثة التي عاشت فيها، بل أنْ تختار الإنسانة التي تصلح أن تكون أماً لأولادك، سواء في ما تعطيهم من وراثة أخلاقية، ممّا تفرضه طبيعة قوانين الوراثة أو غير ذلك. وهكذا نقول بالنسبة إلى المرأة التي يختارها الرجل لتكون أمّاً لأولاده، ونقولها بالنسبة إلى المرأة لتختار أباً لأولادها([143]).

3- دور البيئة

إنّ المفهوم الحديث عن البيئة، أنّه المجال الذي تحدث فيه عملية النموّ، ويقصد بالمجال هنا جميع القوى المحيطة بالفرد التي يتفاعل معها أثناء نموّه، أو بعبارة أبسط، جميع العوامل التي يتأثّر بها الفرد ويؤثّر فيها في سياق نموّه على طول فترة الحياة، سواء كانت هذه القوى أو هذه العوامل داخليةً أو خارجيةً ماديةً أو اجتماعيةً، مثل الولادة أو بعدها.

ها هو السيّد يحدّثنا عن البيئة وأثرها في الطفل، فهو يرى أنّ البيئة الاجتماعية التي تختزن الفرح والتسامح والمحبّة والقيم الروحية والأخلاقية والإيمان، تترك تأثيراً إيجابياً في شخصية الطفل والكبير أيضاً، بينما البيئة المشحونة بالعداوة والبغضاء والانحراف واللاإيمان والقسوة وما إلى ذلك، تؤثّر سلباً في الطفل خصوصاً، باعتبار أنّ مثل هذه المعاني السلبية تقتحم عليه مشاعره، وتحكم أفكاره وانطباعاته عن العالم. لذلك، فإنّ تأثير البيئة هو تأثير حتمي في جانب السلب والإيجاب، لأنّ كيان الإنسان يتنفّس أجواء البيئة الطبيعية بشكل عفوي ولا شعوري، فهو لا يختار أفكار البيئة ولا هي تختاره، بل إنّ تأثيراتها تنفذ إلى مسامّ إحساسه وشعوره ومعقولاته بشكل غير مباشر. لذا فإن تأثير البيئة يتعاظم في حالات الغفلة التي يعيشها كحالة استسلام لا شعوري للمحيط([144]).

ويتحدّث السيّد عن موقف الأهل بخاصّة، والمربّين بعامّة، في مواجهة المشكلات البيئية المؤثرة في الطفل، فيقول: علينا أن نستنفد كلّ جهد في تطوير أساليبنا وتنويعها، تبعاً لطبيعة المؤثرات السلبية والإيجابية المحيطة بالطفل. إنَّ مشكلة الأهل مع أولادهم في أحيان كثيرة تعود إلى عدم الاهتمام بنفسياتهم، والاستغراق في المشاكل المادية أو الاجتماعية التي تشغلهم عنهم.

فليمنح الأولاد المحبة والعاطفة والاحترام والثقة، كي نكسب حبّهم واحترامهم وثقتهم، وبذلك نستطيع أن نمثّل لهم القدوة التي يتمثّلونها، ويمكن بعدها أن نمارس سياسة اللّين من دون ضعف، والحزم مع الرحمة، ونفرض هيبتنا التي تدعوهم إلى أن يسلكوا الطريق الذي نرغب بعفوية وإرادة([145]).

 ويخاطب السيّد المربّين أنّ عليهم "أن ينفذوا إلى داخل الطفل، ليدرسوا مدى تأثير المفردات البيئية السلبية في شخصيته، تماماً كما يدرس الطبيب تأثير الجراثيم في وضع الإنسان الصحي، وعليهم بعد ذلك معالجة المشكلة، إمّا بطريقة العزل عن البيئة، أو بإيجاد دفاعات داخلية تقتل تأثيرات البيئة السلبية من الداخل عن طريق الجرعات التربوية الملائمة، من الحنان والاحتضان والنصيحة وما إلى ذلك.

إنّنا نتصوّر أنّ للبيئة تأثيراً كبيراً في شخصية الإنسان الطفل والشاب والشيخ والمرأة، لكنّها مع ذلك، لا تغلق أمام الإنسان كلّ منافذ التنفّس من الجوّ النظيف.

وعلى المربين الاستفادة من هذه الثغرة التي تتركها البيئة في الشخصية الإنسانية عادةً، لينفذوا منها إلى تهيئة الوسائل العلاجية الملائمة لأيِّ مشكلة يعيشها الإنسان، هذا ما تؤكّده التجربة الإنسانية التي نجحت أحياناً كثيرةً في تجاوز مؤثّرات البيئة بطريقة أو بأخرى، وممّا لا شكّ فيه، أنّ المسألة تحتاج إلى دقّة وحكمة ووعي وذكاء في فهم طبيعة المؤثرات وطبيعة العلاجات.

ويشير السيّد إلى دور وسائل الإعلام فيقول: إنّ الراديو والتلفاز والصحيفة والمدرسة والكتاب، كلّ هذه الأدوات تمثّل مفردات بيئية يتأثّر بها الإنسان عندما يتنفّس مشاهدها وأفكارها وما إلى ذلك"([146]).

4- دور الأسرة

الأسرة هي البيئة الاجتماعية الأولى التي تتعهّد تربية الطفل، حيث يقضي طفولته المبكرة، فيتربّى جسماً وخلقاً وعقلاً، ويتحسّس فيها الدفء والحنان والتقبّل من الآخرين.

يفرض البيت كمؤسّسة تربوية على الوالدين في تربية أطفالهم، أن يجعلا من هذه التربية مسؤولية أن يكون هؤلاء الأبناء مسلمين مؤمنين صالحين، وفي هذا يقول السيّد: إنّ علينا أن نفهمها بأن نجعل أولادنا مسؤوليتنا، وأن نفكّر في أن نجعل من أولادنا مسلمين ومؤمنين صالحين يعيشون مع النَّاس وينفتحون على كلِّ مواقع الحقّ والخير، وذلك بأن نعمل على إلقاء البذور الصَّالحة في أفكارهم ومشاعرهم لتنمو في داخلهم نموّاً طبيعياً يحقّق لهم النتائج الطيِّبة في المستقبل([147]).

يؤكّد السيّد أهمية العلاقة بين الزوجين في الأسرة كمؤسسة تربوية لها تأثيرها في تربية الأبناء، فهو يرى أنّه "يجب أن تعرف كيف تعامل زوجتك، وعندما تعرف كيف تعامل زوجتك، تعرف كيف تعامل أطفالك، لأنّ الذي لا يعرف كيف يعيش مع زوجته، لا يعرف طريقة العيش مع أولاده. ولذلك فأنت تحتاج إلى كتابٍ كيف تعيش مع زوجتك؟ وكيف تكون إنساناً؟ وكيف تكون عادلاً مع زوجتك؟ وهذه هي التجربة الأولى التي تفتح لك الطريق إلى التجربة مع الأولاد. وعليك أن تدرس الأساليب الموجودة في الواقع الاجتماعي، والأسس التي ترتكز عليها التربية، لأنّ بعض الكتب تمثّل تجربة أصحابها. وهناك كتب كثيرة عن الطلاب، فبعض الناس يصنعون تجاربهم من الحياة وليس من الكتب، وبالطبع فإنّ دراسة الكتب مفيدة، ولكن ليس على الإنسان أن يتجمّد أمامها، بل أن يحاول أن يجرّب بنفسه. ونحن نعرف أنّ بعض الأمهات لا يقرأن ولا يكتبن، ولكنهنَّ يملكن من أساليب التربية أعظم من كلّ الأساليب المكتوبة في كتب التربية، ولا نريد أن ننتقص من كتب التربية"([148]).

وفي إشارة من السيّد إلى عددٍ من النقاط المهمّة في تربية الأولاد، يؤكّد الآتي:

1- عليك أن تفهم أبناءك، لأنّ المشكلة هي أنّ بعض الناس يحاول أن يحكم على أبنائه من خلال طريقته في التفكير؛ إنّك عشت في بيئة وأبناؤك عاشوا في بيئة أخرى، إنّك انطلقت بتقاليد معيّنة تتناسب مع مجتمعك، وأبناؤك ينطلقون في مجتمع آخر يحتاج إلى تقاليد أخرى، وتلك كلمة أمير المؤمنين عليّ (ع): "لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم، فإنّهم مخلوقون لزمانٍ غير زمانكم"...

2- على الآباء أن يدرسوا أبناءهم، فلا يعتبروا أنّ الطفل مجرّد شيء يلهون به، إنّ الطفل عقل يتحرّك، وينمو تدريجياً.

3- على الآباء والأمهات أن يعرفوا حجم فكر الطفل، والطريق الذي يمكن أن يفتح لهما إحساسه وعقله([149]).

4- على الآباء والأمهات أن يُفهِموا أطفالهم، لأنّ الطفل ليس لوحةً جامدةً لا تختزن ما تراه وما تسمعه وما تشاهده، كما أنّ للطفل غرائز حتى قبل البلوغ، إنّ في جسده أو في عاطفته، فعلينا أن نفهم أطفالنا، وأن نراقب المؤثّرات التي يتأثّرون بها ممّا يشاهدونه أو يسمعونه أو يجرّبونه في ألعابهم، أو ممّا يعيشونه في صداقاتهم، وأن نتابع نموّ الطفل، ولا سيّما في المرحلة الحساسة، وهي مرحلة المراهقة التي يعيش فيها الطفل الفوضى في مشاعره وأحاسيسه وأوضاعه، لأنّها المرحلة التي ينطلق فيها من موقع الطفولة إلى موقع الشباب([150]).

ويؤكّد السيّد ضرورة تطبيق مبدأ العدالة بين الأبناء، ويتحدَّث عن المرأة التي تفرّق في المعاملة بين أطفالها، فيقول: "هذه امرأة تعقّد أولادها بالنسبة إليها، وتعقّدهم بالنسبة إلى بعضهم البعض، وعلى الأمّ أو الأب أن يعدلوا بين أولادهم"([151]).

يقول السيّد إنّه "لا يجب على الوالدين كحقّ من الحقوق، إلاّ أن يؤمّنوا احتياجات أولادهم الذين لا يملكون العمل، أو الذين لم يبلغوا سنّ الرشد، وأمّا ما عدا ذلك فلا. فأن يجلس الشاب مثلاً في البيت والأمّ أو الأب يشتغلان ليعيلاه، فهذا ممّا لا يجب على الآباء والأمهات القيام به. نعم، إنّه أمر جيّد، ولكن لا يجب أن يكون على حساب الجانب التربويّ([152]).

نجد في نظام الأسرة في التشريع الإسلامي تركيزاً على الجانب العملي في التربية، ومن المعلوم أنّ التعلُّم عن طريق العمل يعتبر من طرق التربوية الهامة، ويشكِّل ما يتعلّق بالتدريب العملي على التدرّج في تحمّل المسؤولية، وفي هذا المجال يقول السيّد: في الحياة الزوجية يتحمّل كلُّ من الطرفين مسؤوليةً تجاه الآخر، كما يشتركان في حمل المسؤولية العامّة والخاصّة، فينطلق كلٌّ منها إلى الحياة من موقع الشعور بالمسؤولية، على أساس أنّ له حقوقاً على الآخرين في مقابل ما لهم من حقوق وواجبات، وبذلك يستطيع أن يضع يديه على طبيعة الزيادة والنقصان في حقوقه وحقوق الآخرين.

وإذا استطاع الزوجان أن يعيشا المسؤولية والوعي والعمق والامتداد، أمكنهما أن يحصلا على ذهنية تواجه أبعاد المسؤولية بعملية حسابية دقيقة لا تستسلم للعاطفة، ولا تنهار أمام الانفعالات، واستطاعا ـ من خلال نجاحهما في هذه التجربة الصغيرة ـ أن يحقّقا النجاح في مجال المسؤوليات الأخرى في الحياة التي قد تكبر وتصغر تبعاً للظروف العامة والخاصة التي تفرض نفسها على الإنسان([153]).

إلى جانب دور الأسرة في تحمّل المسؤولية، يؤكّد السيّد الدور الروحي الذي تقوم به في عملية التربية، وهو ما يعتبره رسالةً وليس وظيفةً. وفي هذا يقول: قد نجد في جوّ الأسرة ما لا نجده في غيره من المؤثرات العميقة التي تشارك في البناء الروحي والعاطفي للطفل. فإنّ التربية أو الرعاية لا تعتبر في هذا الجوّ وظيفةً يمارسها الأبوان بروحية المهنة، بل تعتبر رسالةً يحملانها من خلال المشاعر الداخلية المشبعة بالعاطفة والحنان. وبذلك، يعيش الطفل في تغذية عاطفية ممزوجة بروح الأبوّة والأمومة، ما يجعله في حالة إشباع عاطفي مستمرّ، وشعور عميق بالالتصاق بمنابع الحياة التي تمّده بالشعور الدائم بالأمن والطمأنينة والقوّة، بعيداً عن كلّ الحالات التي توحي بالفراغ واليأس والضياع. ولعلَّ من بديهيات الأمور، أن الرعاية كلَّما توفّرت للطفل بشكل مباشر، كانت العناية أكثر والإحساس بالتجاوب أعمق... وبكلمة واحدة، إنّ قيمة الأسرة هي في هذا الجوّ الذي تتيحه للطفل في الارتواء العاطفي الذي يوحي إليه بالمحبة والامتلاء، ويجعله موضع الاهتمام والرعاية المباشرة من الأبوين، ممّا لا تتيحه له المحاضن الكبيرة التي تتحوّل الحاضنات فيها إلى موظفات يمارسن المهمّة بعقلية المهنة لا بروحية الرسالة، ما يفسح في المجال للمزيد من الجفاف الروحي والإهمال التربوي([154]).

يعتبر السيّد أنّ أيّ نظام بديل من الأسرة، تهدّد سلبياته حيوية الحياة في أعماق الإنسان، ولهذا فهو يؤكِّد أهمية الأسرة كمؤسسة تربوية. وفي هذا يقول: إنّنا نرى أنّ السلبيات التي يفرزها النظام البديل (من الأسرة)، تهدد حيوية الحياة في أعماق الإنسان، وتهدم له روحيته، وتجفّف في داخله ينابيع الرحمة والحنان.

ولهذا، فإنّنا نصرُّ ونؤكّد أهميّة الاحتفاظ بالأسرة كنظام، وبالزواج كمؤسسة، لأنّ الإنسانية لم تجد البديل الأفضل الذي يمكن أن تسير عليه في الاتجاه الآخر، وقد لا نجد مانعاً من التوفّر على دراسة سلبيات هذا النظام، ومحاولة تقليلها وتخفيفها من خلال العمل على سلامة التطبيق([155]).

ويؤكّد السيّد ضرورة مراعاة الأسرة لاستقلالية الولد في التربية، على اعتبار أنّ أيّ إنسان يؤثّر في المجتمع ويتأثّر به، وفي هذا يقول: لا بدَّ في التربية الإسلامية، من أنْ يتحسَّس كلٌّ من الأب والأم دوره في التربية، والتي تنطلق من أنّ ولده ليس حالةً ذاتيةً بالنسبة إليه، ليس ملكاً من أملاكه يختصُّ به، وليس شأناً من شؤونه الخاصّة، بل إنّه يلد إنساناً يؤثّر في المجتمع ويتأثّر به، يعني أنّ ابنك هو ابنك بالولادة والتنشئة، ولكنّه ـــ مع ذلك ـــ ابنُ الأمّة والمجتمع، ونحن ننتج جيلاً كما أنتَجَنا جيلٌ آخر، وعلينا أنْ نجعل هذا الجيل الذي ننتجه جيلاً يستطيع أن يبنيَ للأمّة كيانها، ويحقّق لها قوّتها، ويفتح لها الآفاق التي ترفع مستواها، سواء كانت آفاق العلم أو آفاق الحرية، أو ما إلى ذلك من كلِّ ما يرفع من إنسانية الإنسان. هذه المسألة يجب أنْ نعالجها بتغيير الذهنية([156]).

يعتبر السيّد أنّ الوفاء بالوعد أسلوب من أساليب التربية المهمّة، وفي هذا يقول مستشهداً بحديث نبويّ: "وإذا وعدتموهم شيئاً فَفُوا لهم"، يعني إذا طلب منك ولدك شيئاً، أيَّ شيء، وقلت له إنّي سوف آتي به إليك، فعليك أن تفيَ بوعدك له، فلا تعده وتتهرّب منه. ونحن نلاحظ في سلوك بعض الآباء مع أبنائهم، أنّه عندما يريد الأب الخروج من المنـزل، يأتيه أولاده ويطلبون منه أن يشتريَ لهم شيئاً ما، وربّما كان الأب يريد أنْ يتخلَّص من مطالبهم، فيقول لأحدهم: سآتي لك بحاجتك، ولكن عندما يرجع إلى البيت، لا تكون معه حاجة ولده معه، والحديث يقول: "ففوا لهم". والوفاء بالوعد أسلوب تربوي، حيث يُعطَى الولد درساً في أن الوعد يستتبع الوفاء؛ لأنّ الأب هو المثل الأعلى للولد، ولا سيَّما في طفولته الأولى، فمن الطبيعي أنّه إذا وعده فعليه أن يفيَ بوعده له. كما أنّ لذلك بعداً نفسياً، "فإنّهم لا يدرون إلاّ أنّكم ترزقونهم"، فالطفل يفهم أنّك أنت الذي ترزقه، وأنّه منك غذاؤه، ومنك شرابه، ومنك لباسه، ومنك كلّ ما يتمنّاه في حياته، منك ذلك كلّه، فإن لم تفِ بوعدك له، فإنَّه يشعر بما يشبه الضّياع، باعتبار أنّ الذي يرى أنّه يرزقه امتنع عن ذلك، وعلى هذا، يعيش الفراغ بالنسبة إلى المستقبل... هذه هي الرقّة الإسلامية في التعامل([157]).

يرى السيّد أنَّ تأديب الطفل أشبه ما يكون بالدواء، وفي هذا يقول: "فإنّ بعض الآباء الذين يضربون أبناءهم بشكل جنونيّ، لا يعرفون أنّهم يخلقون عقدةً وحقداً في نفس الطفل، بل يخلقون فيه حالة ضعف، فيما يتوجَّب علينا أن ننمِّيَ فيهم إحساسهم بالقوّة وبالاحترام لأنفسهم، وقد يكون (آخر الدواء الكيّ)، كما في بعض القضايا التي تحتاج إلى العملية الجراحية بعد استنفاد كلّ الوسائل، وعند ذلك ينبغي أن لا يكون الضرب مبرحاً، فالله لم يسلّطك عليه إلا بالمقدار الذي يربيه"([158]).

ويجيب سماحته عن سؤال وجه إليه حول ضرب الطفل إذا كان عمره ستّ سنوات، فيقول: "لا يجوز الضرب قبل الستّ سنوات ولا بعدها، إلاّ على أساس التأديب عندما يكون التأديب ضرورياً، وعليه أن يضربه ضرباً خفيفاً، بحيث لا يجوز الاحمرار ولا الازرقاق ولا الاسوداد، وإلاّ كان ظالماً لولده"([159]).

وفي جانب أساليب التربية، يؤكّد السيّد أسلوب العدل بين الأولاد، وفي هذا يقول: "هناك مسألة العدل بين الأولاد. فإذا كان لديك أكثر من ولد، فكيف تعدل بين أولادك؟ بأن لا تفضّل ولداً على ولد في الجانب العاطفي، فقد روي عن النبيّ (ص): "اتّقوا الله واعدلوا بين أولادكم". وفي حديث آخر: "إنّ لهم عليك من الحقّ ـ أيّ أولادك ـــ أن تعدل بينهم، كما أنّ لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك"، فإذا أردتَ أن يبرّوك ويتعاملوا معك بالإحسان، فعليك أن تعدل فيما بينهم؛ لأنّك إذا لم تعدل بينهم، فسوف يتعقّد منك من تفضِّل أخاه عليه، وسوف يتعقّد أيضاً ضدّ أخيه.

وممّا يروى عن الرسول (ص) قوله: "إنّ الله يحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَل". فعندما تقبّل ولداً، قبِّل الثاني، حتى لا يكون هناك شعور بالألم عند أحدهما، وأنّك تحبّ أخاه أكثر منه، كما هو الشعور الطبيعي... وعن الإمام عليّ (ع) قال: "أبصر رسول الله رجلاً له ولدان، فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال (ص): فهلاّ ساويت بينهما"، أيْ لماذا تركت تقبيل الآخر؟

ونلاحظ من خلال ذلك على الهامش، كيف أنّ النبيّ (ص) كان دقيقاً في متابعة أصحابه حتى في الأمور الجزئية، بحيث إنّه يعمل على تربيتهم حتى في سلوكهم في الشارع، وسلوكهم في المنـزل، وسلوكهم في المسجد، لأنّه كان حريصاً عليهم، وقد قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128)، بحيث إنّه إذا رأى أيَّ سلبية، فإنّه يحاول أن يلاحقها ويحوّلها إلى إيجابية. وهذا درس ينبغي أن يتعلّمه كلّ العلماء والمبلّغين والمرشدين، في أن يتابعوا الناس حتّى في مفردات حياتهم، لكي ينبّهوهم على أخطائهم. ومع الأسف، فإنّ الفكرة الموجودة لدى كثير من المبلّغين، أنّه يكفي في التبليغ أن نعطي الناس العناوين العامَّة، دون أن نلاحقهم في طريقة التطبيق، ولذا تختلف الخطوط العامة مع الخطوط التفصيلية عندنا، وهذا الذي يسبّب الجهل ويسبّب الفوضى الفكرية عند الكثيرين من المؤمنين([160]).

ويؤكّد السيّد الجانب العاطفي والنفسي في تربية الأولاد، ويستشهد بما كان يقوم به الرسول(ص)، وفي هذا يقول: "هناك حديث نبوي شريف يقول: "من كان عنده صبيّ فليتصابَ له"، وفي حديث عن الإمام عليّ (ع): "من كان له ولد صبا"، يعني عندما يكون لك طفل، تقمَّصْ شخصيّته في تعاملك معه، وتحدَّثْ معه كما لو كنت طفلاً يتحدّث مع طفل، والعبْ معه كما يلعب الطفل مع الطفل الآخر، وتعاملْ مع طريقته في التفكير والحركة كما لو كنت طفلاً يفكّر مع طفل ويتحرّك معه؛ لأنّ الطفل بحاجة إلى أنْ يعيش هذا النوع من الاندماج مع أبيه ومع أمه، بحيث يتمثّلهما في لعبه، وفي لغته، وفي كلِّ حركاته، وهذا هو الطريق الذي تدخل فيه إلى مشاعره وأحاسيسه، ولا سيّما إذا لم يكن في البيت طفل آخر يعيش معه ويلعب معه... كنْ بديل الطفل في ذلك؛ لأنَّ ذلك ينمّي شخصيته الطفولية، بحيث تستطيع أن تمنحه بعض المفردات التربوية والروحية من خلال لغته الطفولية، أو من خلال مشاعره الطفولية"([161]).

كما نستطيع أن نتعرّف أسلوب رسول الله (ص) مع الزهراء (ع) من خلال أسلوبه (ص) مع الإمامين الحسن والحسين (ع)، حيث تنقل كُتُب السيرة أنّه كان يلاعبهما، وكان يغني مشاعرهما بما يتصرّف به معهما من الاحتضان والتقبيل، ويُنقل في سيرته أنّه (ص) كان يقبّل الحسن والحسين (ع)، فقال الأقرع بن حابس: "إنّ لي عشراً من الولد، ما قبّلت أحداً منهم"، كأنّه يشير إلى وجود جفاف عاطفي ربّما يكون ناشئاً من فكرة يعيشها المجتمع آنذاك، وهي أنّه لا يناسب الرجل الكبير أن يقبّل أطفاله، بل لا بدّ من أن يُشعرهم بالهيبة، فيعاملهم بالجفاء حتى يهابوه ويخضعوا له، فقال رسول الله(ص): "من لا يَرْحَم، لا يُرحَمْ"، فإذا لم ترحم ولدك وطفلك، وهو بحاجة إلى رحمة الأبوّة، لا تُرحم. ومن الطبيعي أنَّ هذه العاطفة، إضافةً إلى ما ذكرناه من ملاعبة الصبي والتصابي له، تُغني جوعه العاطفي؛ لأنّ الصبيّ، في هذا الضَّعف الذي يختزنه في شخصيته، يحتاج إلى الكثير من الاحتضان، وإلى الكثير من الإحساس بالرعاية والمحبَّة والعاطفة، حتّى يشعر بالأمان، ونحن نحتاج إلى أنْ ندرس شخصية الطفل ومشاعره وأحاسيسه؛ لأنّ الكثيرين يرون الطفل مجرّد لعبة أو شيء يملكه ويتزيّن به ويستمتع ويزهو([162]).

وفي أساليب التربية الأسرية للأبناء، يؤكّد السيّد أسلوب محبّة الأولاد وأهميته في التربية، وفي هذا يقول في تعليقه على حديث عن الرسول (ص): "رحِمَ الله والدين أعانا ولدهما على برّهما"، إذا أردت لولدك أنْ يبرَّك، فعليك أن تتّبِع معه أسلوباً يجعله يحبّك، ويجعله يخلص لك، ويجعله يتعلَّق بك، وذلك بأن ترحمه، وأن تُحسن إليه، وأن تتعامل معه من موقع المسؤولية، في إغنائه عاطفياً، وفي تلبية حاجاته الواجبة عليك، وفي رعايته بالحسنى، وفي تجاوز أخطائه... لذلك، أنت تجعل ولدك يحبّك، وتجعله يخلص لك، ويذوب فيك، وبذلك فإنّك تعينه على برّك، هذا كلّه في مسألة المحبّة والبرّ([163]).

وفي جانب خصائص نموّ الطفل في تربيته وتلبية حاجياته، يؤكّد السيّد ذلك من خلال احترام مراحل تربية الولد التي دعا إليها الإسلام، دون تجاهل حاجته إلى اللّعب في المراحل التالية، وفي ذلك يقول: "في مسألة مراحل تربية الولد، كما في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلَّم الكتاب سبع سنين، ويتعلَّم الحلال والحرام سبع سنين"... وربّما كان ذلك نوعاً من التقسيم، ولكنّه ليس تقسيماً حسابياً مطلقاً، بمعنى أنّ هذا هو المنهج التربوي الإسلامي، لأنّ قضية التربية تتطوّر، لذلك فمسألة أن يلعب الولد في سبع سنين، لا يعني أنّه يحرم من ذلك بعدها أو يهمل تعليمه بحسب مداركه، فله أنْ يلعب حتى وهو يتعلّم، كما نلاحظ الآن في بعض البرامج المعمول بها حالياً، حيث إنَّ الولد يدخل المدرسة، بغضّ النظر عن مرحلة الروضة والحضانة، وعمره ستّ سنوات، بحيث يلعب في المدرسة أيضاً، وتعطى له الفرصة لذلك، ولا مانع بأن يكون اللّعب بطريقة فنّية ثقافيّة، بحيث أصبحت وسائل اللعب الآن أكثر تطوّراً وتثقيفاً، باعتبار أنّ معظم ما أنتج من ألعاب واكتشف مؤخراً، هي ألعاب مثقّفة، فهي تعلِّم الطفل في كثير من القضايا"([164]).

ويؤكّد السيّد أهميّة التربية الدينيّة، وفي ذلك يقول في تعليقه على حديث روي عن الإمام الصادق(ع): "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم يغفر لكم"، "لا خير فيمن لا يتفقّه من أصحابنا"، بحيث كان الإمام الصادق(ع) يوجّه كلّ أصحابه إلى التفقّه في الدين، والتفقّه في الدين هو فهم الدين، والتفقّه في العقيدة والشريعة وفي الخطوط التربوية والمنهجية للإسلام، لأنّ الإمام (ع) كان يريد لأصحابه أنْ يكونوا مثقّفين ثقافةً إسلاميّةً واسعةً، بحيث يستطيعون من خلالها حماية أنفسهم من ضلال الآخرين، بل ويمكنهم هداية الآخرين إلى ما يمثّله الخطّ الإسلامي الأصيل.

وبالنسبة إلى السيّد، وفي تأكيده أهميّة التربية، فإنّ هذا المعنى عنده كما ينطبق على الرجال، فإنّه ينطبق على الأولاد أيضاً، لأنّنا إذا لم نعلّمْهم ونربّيهم على أساس الوعي والإسلام بما يتناسب مع ذهنيّتهم، فإنّهم سوف يحتاجون إلى الآخرين، فإذا كان الإمام(ع) يتحدّث عن الآخرين في الجوانب المذهبيّة، فإنّنا نواجه الآن الآخرين في الجوانب العقيدية التي قد تتّصل بالإلحاد والشرك([165]).

وفي كلام الإمام عليٍّ (ع): "مروا أولادكم بطلب العلم"، فإنّ الإمام (ع) يريد من المسلمين أن يوجّهوا أولادهم إلى طلب العلم، ممّا يحتاجه الناس في كلّ شؤون حياتهم الدينية أو حياتهم الدنيوية، في ما يأخذ به الناس من أسباب العلم. وإذا كان الإمام (ع) يؤكّد ذلك في تلك المرحلة التي عاشها، فإنّ علينا أن نؤكّد ذلك في مرحلتنا الحاضرة؛ لأنّ العالم الآن يتحرّك على أساس القوّة العلمية([166]).

ويؤكّد السيّد خطّ الصلاح في منهج التربية للأولاد، في هذا يقول: وعندما ندرس خطَّ الصلاح الذي ركّز فيه الإسلام على مسألة الولد الصالح، من أجل أن تتحرّك كلّ الأسر على أساس أن يصنعوا للمجتمع وللأمّة كلّها جيلاً صالحاً، نجد أنّ الصلاح هو العنوان الكبير الذي يريد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يتمثّله في كلّ حياته، في أوضاعه الخاصّة والعامّة. وما يؤكّد لنا ذلك في مسألة خطّ الصلاح، وعظمة هذا العنوان، هو ما نقرأه في القرآن الكريم، من أنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يبيّن عظمة الأنبياء (ع) وكرامتهم عنده، فوصفهم بالصالحين، ما يدلُّ على أنّ هذه الصفة هي من الصفات التي تمثّل الكمال الإنساني الذي لا بدّ للأنبياء (ع) من أن يتمثّلوه... وكلمة الصلاح تعني أنّ هذا الإنسان يعيش الصلاح في العقل والفكر، ويعيش الصلاح في قلبه، فلا ينبض قلبه إلاّ بالعاطفة الصالحة، ويعيش الصلاح في كلّ حياته وسلوكه على أساس العدل؛ لأنّ الحياة الصالحة هي التي تتحرّك في خطّ الخير وفي خطّ العدل([167]).

يؤكِّد السيّد أهمية تربية المرأة في الإسلام، لِمَا لها من دور في حياة المجتمع، وبخاصة في مجال الأسرة، وهو يأخذ السيّدة الزهراء نموذجاً، فيقول: "أعدّت السيّدة فاطمة الزهراء ابنتها زينب إعداداً رسالياً، وربَّتها على القِيَم والفضائل الإسلامية، ومن هنا رأينا أن ّدور السيّدة زينب كان شبيهاً بدور أمّها، جهاداً من أجل قضية الحقّ، وأنّ موقفها كان كموقف أمّها في صلابته وقوّته في الله، وأنّ تحدّيها كان كتحدّي أمّها في مواجهة الظالمين، ولهذا، فإنّ موقف السيّدة زينب، كما موقف أمّها من قبل، يمثّل الشرعية لحركة المرأة المسلمة ومشاركتها في العمل الجهادي والسياسي بالطريقة الإسلامية، بأن تقف المرأة في وجه الانحرافات أو الانهيارات التي تحدث في الأمّة، لتتحدّث بوعي مسؤول، ولتقف موقفاً مسؤولاً كما وقفت زينب (ع)  ـــ على خطى أمّها الزهراء (ع)  ـــ خطيبةً صادعةً بالحقّ في قوّة منطقها وحُجّتها، وصلبةً في مواجهة التحدّيات والصّعاب، وشجاعةً في كلّ المبادئ، وكلّ ذلك كان بفضل البذور التي زرعتها فاطمة (ع) في عقلها وروحها وقلبها وكلّ حياتها"([168]).

ويشير السيّد إلى اهتمام الإسلام بتربية المرأة، من خلال تعليم الرسول (ص) لفاطمة، فيقول: "ترعرعت الصدّيقة الطاهرة في مهبط الوحي وبيت النبوّة، ما هيّأ لها أن ترضع تعاليم الإسلام ومفاهيمه وأحكامه مع الحليب، لتكون أوّل تلميذة من النساء في القسم الداخلي من مدرسة رسول الله (ص)، كما كان عليّ أول تلميذ من الرجال في هذه المدرسة. كانت تجلس مع عليّ (ع) عند رسول الله، والوحي ينـزل عليه، وتستمع بلهفة وإمعان إلى دروس الرسول (ص) وهو يشرح معاني الوحي لها ولعليّ (ع) ويعلّمهما أحكام الله وتشريعاته. ومن هنا نستطيع القول، إنَّ كلمة النبيّ (ص) :"لو لم يكن عليّ لما كان لفاطمة كفؤ"، تشير، فيما تشير إليه، إلى المستوى العقلي الذي تملكه فاطمة (ع) ولا يملكه إلاّ عليّ (ع)، ما جعلها الكفؤ الوحيد له، وجعله الكفؤ الوحيد لها.

ومن الشواهد التي تدلّل على اهتمام النبيّ (ص) بتعليم فاطمة، ما جاء في الحديث الذي رواه الكليني في الكافي بسنده عن الإمام الصادق (ع)، قال: "لمّا جاءت فاطمة تشكو إلى رسول الله (ص) بعض أمرها، أعطاها كربةً ـــ أصل السعفة وكان يُكتب عليها ـــ وقال تعلَّمي ما فيها، فإذا فيها: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت".

لقد أراد لها النبي(ص) أن تخفِّف آلامها من خلال الانشغال بالقيم الإسلامية وتبليغها للناس، ومعنى ذلك في ما نستوحيه، أن على الإنسان أن يكون واعياً لرسالته أكثر من وعيه لآلامه، لينتصر برسالته على آلامه،  فإنَّ من يعيش الاهتمام بالقضايا الكبرى، ينسى آلامه ويستصغرها"([169]).

ويشير السيّد إلى دور المرأة في التربية ونشر العلم وأهميّته في الإسلام، من خلال ما كانت تقوم به السيّدة الزهراء (ع)، فيقول: "نقل بعض المحدّثين والعلماء روايةً عن الزهراء (ع) تكشف عن أهمية العلم عندها، والرواية هي أنّه جاء رجل إلى فاطمة (ع) فقال: "يا فاطمة بنت رسول الله، عندك شيء تطرفينيه؟ ـ تعطيني إيّاه ـ فقالت : يا جارية ـــ وكان عندها خادمة اسمها فضة خدمتها في أواخر عمرها الشريف ـــ هاتي تلك الحريرة ـ أو الجريدة التي كان عليها ما تسمعه من أبيها رسول الله (ص) ـــ فطلبتها فلم تجدها، فقالت (ع): ويلك اطلبيها، فإنّها تعدل عندي حَسَناً وحُسيْناً، هذا تراث رسول الله (ص)، فطلبتها، فإذا هي قد قممتها في قمامتها" وضعتها في النفايات..." [وذكرت حديثاً نبوياً].

يضيف السيّد: "إنّنا ندرك من هذه الرواية، ونتلمَّس منها بوضوح، كم كانت الزهراء (ع)  تعظِّم العلم وتحترمه، ندرك ذلك جيداً إذا عرفنا كم كانت محبّتها لولديها الحسن والحسين (ع)، ولا بدَّ من أن يكون واضحاً، أنّ الأهمية لا تكمن في حروف الكلمة، بل في روحيتها التي تحوّلها إلى فكر يُغني الإنسان، وحركةٍ تصحِّح مساره وتجربته.

ونستفيد من هذه الرواية وغيرها، أنّ الصدّيقة كانت تستقبل الرجال وتجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم الشرعية أو تعظهم ببعض المواعظ الدينية([170])".

ولم تكتف الزهراء (ع) بكتابة العلم وجمعه في مصحف وأوراق، بل كانت تعمل على بثّه في المجتمع الإسلامي، كما أنّها لم تكن تنتظر أن يقصدها طلاّب العلم لتجيب عن أسئلتهم، بل كانت تبادر إلى نشره في المجتمع، إذ ينقل كتّاب سيرتها، أنّها كانت تعطي دروساً لنساء المهاجرين والأنصار اللاتي كنّ  يجتمعن عندها في حلقة واحدة بما يشبه حلقات الدرس الحوزوي... فقد كانت (ع) تعلِّم المؤمنات أحكام دينهن، وما خطبتها في المسجد التي بيّنت فيها أسرار التشريع والقوانين الإلهية وغير ذلك من المطالب، إلاّ وثيقةً حيّةً، وخير شاهد على رسالة الزهراء الثقافية ومسؤوليتها الفكرية والتربوية([171]).

ولا يميز السيّد في التعليم بين المرأة والرجل، وفي هذا يقول: "إنّ الله سبحانه وتعالى أراد للمرأة وللرجل أن يأخذا بأسباب العلم، وإذا صحَّ ما ورد في الحديث، "ذروها كالبلهاء"، فلماذا اهتمّ النبيّ بتعليم النساء، وما إلى ذلك... ونحن مَثَلنا الأعلى السيّدة فاطمة الزهراء. لهذا، فإنّ هذه الأحاديث الكثير منها ضعيف، وإذا صحَّت، فإنّها ربّما تعالج بعض الأوضاع المحلية التي كانت في ذلك الوقت، أو يردُّ علمها إلى أهلها، لأنّها تختلف عن المضمون القرآني في المفاهيم القرآنية التي تؤكد أهميّة العلم لكلّ إنسان([172]).

يقول السيّد في مجال دور الأسرة في تعليم الدين منذ الصغر، إنّه عندما نعلِّم الشاب الدين، فإنّنا نهيّىء فكره، ونهيئ مشاعره وأحاسيسه للانفتاح الديني، وكلَّما تقدَّم في العلم أكثر، ونضج في الفكر أكثر، استطاع أن ينضج بتصوّراته وسلوكه الديني أكثر، والحضارة تقوم على هذا، فنحن نربّي الأطفال على مفردات الفكر والسلوك والحركة، ثم نحاول أن نهيئهم تدريجياً لتنمو هذه المفردات فيهم.

ويرى السيّد أن تعليم الطفل القيم، يتطلّب تربيته على هذه القيم، لأنّه يزرع فيه بذور الإنسانية، وعندما يتصدّى الإنسان لتعليم ابنه وتربيته إسلامياً، فإنّ ذلك لا يعني أنّه يجبره على الإسلام، لأنّه سيكبر ويسمع وجهات النظر الأخرى، ولكنّه بهذه التربية سيكون قادراً على مواجهة الأفكار الأخرى، وسيدخل معها في حوار ونقد وتفكير([173]).

ولعلّ من بين العناصر التربوية الروحية، ربطه بالقرآن، بالإيحاء إليه بقدسية هذا الكتاب، باعتبار أنّه كتاب الله، ما يجعل لقراءته وحفظه وتجويده منـزلةً له عند الله، بحيث يشعر بأن الله يحبّه ويمنحه الكثير من عطاياه ويفرّحه بكلِّ حالات الفرح، الأمر الذي يؤسّس لاهتمامه بالقرآن في مستقبل أيّامه، ويحرّك خطواته في الاتجاه السليم الذي يجعل منه مسلماً منفتحاً على كتاب الله. وهذا هو سرّ الثواب الذي يعطيه الله للأبوين في رعايتهما العاطفية والتربوية للولد، باعتبار ذلك نوعاً من العبادة التي هي الخضوع لله في السير على حسب ما يحبّه ويرضاه...

يرى السيّد أنَّ على الأهل متابعة نموّ ولدهم الديني من الناحية الفكرية والروحية والشعورية والعملية، قبل أن تسبقهم إليه الاتجاهات الأخرى التي قد تنأى به عن الإسلام... ويضيف أنّ علينا أن نلقيَ بذور العقيدة في نفس الطفل منذ أن يبدأ وعيه للأشياء، ويمكننا أن نحدِّث الطفل باكراً عن قوّةٍ عظيمةٍ موجودةٍ في السماء تعطيه الوزن والطعام والصحّة بالأسلوب الذي ينسجم مع ذهنيّته... وكذلك تعليمه بعض الكلمات الدينية، ككلمة "لا إله إلاّ الله" أو "قل هو الله أحد"... وبإمكان الأمّ أن تستعين ببعض الأمثلة والأجواء التي تبرز حسنات الله وعظمته وكثرة نعمه عليه، دون أن تحدّد بدقّة صورةً له، كأن تقول للولد، إنّ الله هو الذي ينظر إليه، أو يعطيه وما إلى ذلك. فنحن نجد على سبيل المثال، أنّ القرآن الكريم يحدّثنا عن الله من خلال حركة الطبيعة، مثل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ}(القصص:71). فيمكن للأمّ أن تستعمل الأساليب القرآنية، ولكن بأسلوب طفولي...

وبالنسبة إلى التّخويف من الله، الّذي يعني أن يتعقَّد الطفل من الله وأن يهرب منه كما يهرب من أيّ شيء يخافه، حتى في المراحل المتقدّمة، فإنّ أسلوب التخويف لا يجدي في تقريب الناس من الله، لذلك نجد أنّ التعليم الإسلامي يقوم على توازن الخوف والرجاء في نفس المؤمن... لذلك علينا أن نوازن بين محبّة الله والخوف منه... وأن نستخدم الأسلوب الذي يشعر معه الطفل بأنّ الخوف من الله يتّصل بمصلحته في الابتعاد عمّا يؤذيه ويضرّه... وعلى الأهل تعويد الطفل على أداء الواجبات الدينية، كالصلاة مثلاً. يقول السيّد:

إنّ الأساس للتحرّك في هذا المجال نقطتان:

أوّلاً: لا بدَّ من أن نعمل على جعل الولد ينسجم بعبادة ربّه مع كلّ خطوط القيمة الدينية.

ثانياً: أن لا نعقّده من التكاليف الدينية، فنراعي سنّ الطفل، ففي السنين الأولى من عمره، وعندما يكون تمثُّله الأشياء مرهوناً بالتقليد، لا بدّ من أن نقدّم له نموذجاً صالحاً، سواء من خلال الواقع أو من خلال الوسائل الفنية المختلفة([174]).

5- دور المدرسة

يتحدث السيّد عن دور المدرسة وأهميته في تربية الطفل، فيقول:

أولاً: النظام الذي تعتمده في التربية، وهو أمر لا يتوفَّر في المنـزل، إلا إذا كان البيت صارماً بشكل فوق العادة.

ثانياً: كثافة المفردات المعرفية التي يتلقاها الطفل فيها، والتي تختلف بطبيعتها عن المفردات التي يتلقاها في البيت. إنّ هذا الجانب المعرفي يجعل المدرسة تترك تأثيراً كبيراً في شخصية الإنسان، وخصوصاً أنّ تلك المعارف تحاول مقاربة الحياة بأسرها.

ثالثاً: تدريب الطفل على تحمّل المسؤولية من خلال الواجبات والفروض.

رابعاً: تدريب الطفل على العلاقات الاجتماعية، من خلال علاقته مع الرفاق الجدد الذين لا تربطه بهم صلة قربى، كما هي حال إخوته في المنـزل.

خامساً: تدريب الولد على العلاقة مع المجتمع المتنوّع، الذي يتكوّن من الإدارة (السلطة)، والمعلّم، والواجبات، والمنافسة، والصداقة، وهي أمور تساعد على بلورة شخصية الطفل وتجربته([175]).

خصائص المعلّم المربّي المسلم

يعتبر المعلّم حجر الزاوية في العملية التعليمية، وتتعدّد الخصائص والصفات الحميدة ليكون المعلّم ناجحاً في أداء عمله، وهذا ما يشير إليه السيّد بقوله: إنّ الصّفات التي نطلبها كثيرة لا نستطيع حصرها، فأيّة صفة حميدة يجب أن لا تفلت منها شخصية المعلّم، وهو القدوة بالنسبة إلى طلاّبه: الرسالية، الكفاءة العلمية، الصدق، الأمانة، الاستقامة، العدالة، الصبر، سعة الصدر، التواضع، الهدوء، حسن الإعداد والتدريب...([176]).

إنّ مهنة التدريس بالنسبة إلى المعلّم، تعتبر من أوائل المهن التي تحتاج إلى ثقافة عامة واسعة، لأنّها المهنة الّتي تهذّب روح المربّي، وتقوّم سلوكه وخلقه، وتنمّي عقله وتنظمه. أمام كلّ هذا، يطرح السيّد للمعلم ثقافةً تتضمن:

1- الثقافة النفسية، بحيث يفهم المعلّم المربّي الخلفيات النفسية للآخرين.

2- الثقافة الاجتماعية، ليعرف مدى تأثير الأوضاع الاجتماعية في عقلية هذا الإنسان.

3- الثقافة التربوية، حتى ينجح على المستوى العام والخاص.

ويضيف السيّد، أنّ على المعلّم أن يترجم ما قرأه في الكتاب في الحياة، ويقول للمعلمين: إنّكم تعيشون مع الناس، فكونوا تلامذة الناس الذي تعيشون معهم. ادرسوا كلّ إنسان تلتقون معه، كيف هو أسلوبه، كيف هي حركته في الحياة؟ إنّ جلسةً واحدةً قد تعطيكم ثقافةً لا تستطيعون أن تقرأوها في كتاب فيه مئة صفحة. طالعوا الناس كما تطالعون الكتاب، لأنّ ذلك هو الذي يعطيكم التجربة الحيَّة... وعلينا أن تكون لنا ثقافة ما نقدّمه للناس، لأنّ المشكلة عندنا، هي أنّ الكثير منّا يعلّمون الناس من دون علم، ويثقّفونهم من دون ثقافة، ويحرّكونهم من دون وعي لعناصر الحركة([177]).

ثانياً: المعلّم واسع الاطلاع ومتمكّن في مادته

يدرك المعلمون أنَّ غزارة المادة العلمية هي أحد عناصر الكفاية الخاصّة، والسيّد يدرك هذا، ويطلب من المعلّم أن يكون متمكّناً من مادته، فيقول: إنّ أول ما يفترض في المعلم أن يكون مستوعباً للعلم الذي يريد أن يعطيه للآخرين، لأنّه إذا لم يكن كذلك، فإنّ التعليم يكون حركة تجهيل، ذلك لأنّه سيعمد إلى المواقع التي لا يملك ثقافتها بشكلٍ جيّد، فيعطي طلاّبه نظرةً ضبابيةً إلى هذا الموضوع، من خلال محاولة تغطية جهله لتأكيد ذاته، فلا بدَّ له من أن يكون متقناً للمادة التي يعلّمها، على أساس أنَّ ذلك يمثّل أمانة العلم، ولعلَّنا نستوحي ذلك من خلال آيةٍ تتَّصل بحال الجدال، ولكنَّها تعطينا الفكرة؛ يقول سبحانه وتعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ})آل عمران:66)([178]).

ثالثاً: المعلّم عارف بطبيعة المتعلّم

إنّ كلَّ متعلّم له طبيعة خاصة وقدرات واستعدادات خاصَّة، ولا شكّ في أنّ هناك فروقات فردية بين المتعلّمين، والسيّد يستوحي الفروق الفردية من الكلمة المروية عن النبيّ (ص): "إنَّا معاشر الأنبياء أُمِرْنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم". لذا، لا بدَّ للمعلّم أو المربّي من أن يدرس عقلية الناس الذين يعلّمهم ويربّيهم، ليعرف كيف يختار الكلمة التي تتناسب مع عقليّتهم، وكيف يمكن أن يختار الأسلوب والجوّ الذي يفتح العقول على فكرته وتربيته، وهذا ما يمكن أن نستوحيه من كلمة الحكمة في القرآن، وهي تعني وضع الشيء في موضعه؛ بأن تكون الكلمة في الموضع المناسب، والأسلوب في الموضع المناسب، وما إلى ذلك، وهذا ما تعبّر عنه بلاغة الكلام بأنّها مطابقة القول لمقتضى الحال، ومقتضى الحال تدخل فيه الذهنية والجوّ والرواسب وكلّ الظروف المحيطة بالإنسان([179]).

فالمربّي المعلّم كما يرى السيّد، لا بدَّ من أن يكون لديه: وعي ذهنية من يربّي، ليحاول أن يفهم الطلّاب، ويفهم مستوى تفكيرهم، وطبيعة ظروفهم، ومستوى أخلاقهم، أن يفهم نقاط ضعفهم ونقاط قوّتهم، فإنّنا ندخل إلى عالم مغلق لا نعرفه، بل ندخل إلى عالم مفتوح نتعرّف تدريجياً إلى مواقعه([180]).

رابعاً: المعلّم النامي المتجدّد والنَّاقد لذاته

إنّ المعلم بحر لا قرار له، ولا محدودية له، والمعلّم يحتاج إلى مزيد من البحث والنماء والتجديد ومواكبة العصر. لذلك، فإنّ السيّد يدعو المعلّم كما يقول: إلى أن يدخل العصر، وليس معنى أن يدخل العصر أن ينحنيَ للعصر، ولكن أن يعيش ذهنية العصر، وأن يعرف المستجدات([181]).

وعلى المعلّم أن يعمل على تنمية نفسه في المادة التي يدرِّس، حيث يقول السيّد: المعلّم الذي لا يقرأ إلاّ الكتاب الذي يدرِّسه لتلاميذه دون أن يضيف إليه كتباً، ودون أن يمنح نفسه فرصة التنمية الثقافية، هو معلّمٌ لا يستطيع أن يكون ناجحاً([182]).

ويضيف السيّد أنّه عندما يحمل الإنسان ذهنية ما قبل مائة سنة، لا يستطيع أن يتفاهم مع الإنسان الذي يعيش ذهنية العصر([183]).

وعلى المعلّم كما يقول السيّد: أن يبقى تلميذ الحياة، وأن تبقى كلّ حياته أخذاً وعطاءً، وأن يعيش قلق المعرفة، وأن يكون دائماً الإنسان الذي يوحي إلى نفسه، وجوب مواكبة حركة العصر فيما ينفتح عليه، لأنّ التعليم رسالة تفرض على المعلّم التجدُّد الدائم لتفادي التقوقع والتعفّن([184]).

ويبدأ المعلّم المسلم أولاً بالنقد الذاتي، فإذا ما شعر بخطأ صدر عنه، سارع إلى الرجوع عنه انطلاقاً من الأمانة العلمية، فالسيّد يرى النقد الذاتي هو نقد الفرد نفسه، أو نقد الأمّة أو بعض قطاعاتها الاجتماعية نفسها، وذلك بالتحليل العميق الواعي، من أجل تحديد مواطن النقص، وأسباب العجز، والمؤثّرات المؤدّية إلى وجود العيوب والنقائص... والنقد الذّاتي هو العمل الّذي يمارسه الأفراد في تقويم أعمالهم لجهة النجاح أو الفشل، بهدف الوصول إلى معرفة أعمق، وفهم أوسع لطبيعة الموقف وأبعاده([185]).

خامساً: المعلّم المتحدّي لعقول تلاميذه

ينجح المعلم عندما يكون لديه الاستعداد لقبول تحدّي عقول تلاميذه، ويقول السيّد في هذا المجال: إنّ المعلم لن يكون ناجحاً إلاّ إذا عرف الطريق إلى عقل الطالب، فالمعلّم ليست مهمّته جمع المعلومات يحشو بها ذهن الطالب بشكلٍ تراكمي، بل أن يعرف مفتاح شخصيّته وعقله وقلبه وما يعيشه من مشكلات.

يقال إنّ طالباً ما هو طالب فاشل، لكنّ الحقيقة هي أنّ المعلم هو الفاشل، لأنّه لم يستطع أن يكتشف مفتاح شخصيته، ولم يستطع أن يهندس الطريق إلى عقله. لذا، لا بدَّ للعامل في الحقل التربوي وفي الحقل الثقافي والاجتماعي والسياسي، من أن يكون مهندساً يعرف كيف يخطّط الطريق التي توصل الفكرة أو المشروع أو الخطّة إلى عقول الناس وقلوبهم. فإذا اكتشف المعلّمون ذهنية طلاّبهم، يجب أن لا يجمّدوا عند نقطة الاكتشاف الأولى، بل أن يلاحقوهم، لأنّ من الممكن أن يكون هناك ظروف تؤثّر في الطّالب، لجهة البيئة التي يعيش فيها، أو المفاهيم الّتي يتعرّف إليها، أو السّلوكيّات الّتي يكتسبها؛ إنّها مسألة معاناة كبيرة، ولا بدّ من أن ننفذ إلى عقل الطالب لملئه في المستوى الأعلى([186]).

سادساً: المعلّم الأب والمعلّمة الأمّ

يطلب السيّد من المعلّم أن يكون إنساناً، ويقول: ما نتوقّعه هو الرهافة الإنسانية التي تطبع أسلوبه بطابع المحبّة، فيكون المعلّم أباً لتلاميذه والمعلّمة أمّاً لهم. وبذلك يعيش الولد في جوّ حميم مفعم بالمودّة والحنان، يثير فيه الولع بالدرس والتحصيل، ويدفعه برغبة إلى الالتزام بكلّ الإرشادات والتوجيهات([187]).

ويرى السيّد أنَّ على المعلّم أن يكون الأب الرحيم لتلاميذه، فيقول: الرحمة من القيم الإسلاميّة الروحية التي يريد الله أن تشيع في المجتمع، ليكون الطابع الغالب على كلّ علاقاته هو طابع الرحمة في حركة السلوك، فمن يَرْحَم يُرْحَم، فهذا ينسجم مع الخطّ العام لأخلاقيات المجتمع الإسلامي، أمّا من لا يرحم، فإنّه يفقد رحمة الآخرين له، لأنّه لا يحمل في شخصيّته الإحساس بالآخر في حاجاته النفسية والعملية، ولا سيّما أنَّ الرّحمة من صفات الله التي أراد لعباده أن يذكروه بها ليتأثّروا بها عقلياً وروحياً([188]).

لذلك ينبغي على المعلم كما يقول السيّد، أن يعيش في روحيته تجاه المتعلّم أو المتربّي الرحمة له، بحيث يشعر بأنّ عليه أن يفتح عقله وقلبه، وأن يصبر على نقاط ضعفه وكلّ شرّه، حتى يستطيع أن يصل به إلى الهدف الكبير، وأن لا يعيش الصدر الضيِّق والمزاج الحاد الذي يجعله يتعسَّف في التعليم والتربية، ويدفعه إلى ممارسة الأساليب القاسية([189]).

ويقول السيّد: نحن إذا ما أردنا أن ننشئ إنساناً سوياً، لا بدّ لنا من أن نتعامل مع المفردات السلبية الموجودة داخل شخصيته بحسب حاجتها إلى الرفق وإلى العنف، فلا يستعجل المربّي العنف، لأنّ مزاجه لا يصبر على متابعة التجربة الليّنة أو السلميّة إذا صحَّ التعبير، بل عليه أن يستنفد كلّ التجارب، إذا لم يكن لهذا الاستنفاد ولما يستغرقه من وقت طويل، تأثير سلبي في عملية التقويم([190]).

ويضيف السيّد: إن الأصل هو عدم القسوة، ولكن من الممكن أن نستعمل العنف من موقع الرحمة، لا من موقع حالتنا المزاجية التي تختزن الميل إلى القسوة، إنّنا نفرّق بين الأسلوب الذي يختزن العنف على اختلاف درجاته، والقسوة، فالقسوة حالة نفسية تدفع الإنسان إلى الاعتداء على الآخرين واضطهادهم، بينما العنف هو خطّة مراد من خلالها إصلاح ما يفسد الإنسان، أو تعميق قيمة ما في نفسه، وهو بذلك قد يحمل مصلحة الإنسان تماماً كالعمليات الجراحية التي تحمل إليه الصحّة([191]).

سابعاً: المعلّم القدوة

إنّ المعلم المربّي هو القدوة الحسنة التي تجعله في عيون تلاميذه نموذجاً لما يتلقاه كلّ يوم من صفات المسلم وواجباته، ولذلك يرى السيّد أنّه لا بدّ من أن يكون المربّي في المستوى الأخلاقي الذي يؤهِّله لإعطاء الفكرة لمن يتولّى تربيتهم، لأنّ جانب القدوة فيه هو الذي يؤكّد جانب الكلمة فيه، لذا فقد ورد في بعض الأحاديث أنّه: "من نصب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتأديب نفسه قبل تأديب الناس، ومؤدّب نفسه أحقُّ بالأخلاق من مؤدِّب الناس".

إنّ التربية تتّصل بالقدوة أكثر ممّا تتّصل بالكلمة أو بغيرها من أساليب التّعبير، لأنّ القدوة تعطي الكلمة قوَّتها وحيويتها ومعناها وتأثيرها في النفس([192]).

ويشدّد السيّد على المعلّمين والمعلّمات أن يكونوا قدوةً للطلاب في أخلاقهم وممارساتهم وسلوكهم والتزامهم الديني وروحانيتهم([193]).

ثامناً: المعلِّم عادلٌ في تعامله مع المتعلمين

تظهر عدالة المعلم وتتأكَّد حين ينال كلُّ طالب الفرصة نفسها التي ينالها زميله في التعبير عن رأيه، وتصحيح معلوماته، وفي مجال الثَّواب والعقاب وغيره. وفي هذا المجال يقول السيّد: لا ينبغي للمعلّم أن يحابي أحداً على حساب أحدٍ آخر لقرابة أو صداقة أو لأيِّ شي‏ء آخر، من دون أساس من الجودة والكفاءة، وعلى المعلّم أن لا يبتعد عن التوازن في التأديب([194]).

ويرى السيّد أن يبقى التمييز قائماً في حال كان أحدهم يتميّز بقيمة أخلاقية أو بقيمة علمية مثلاً، ليكون ذلك تشجيعاً للآخرين على أن يكونوا مثله، على طريقة: "ولا يكون المحسن والمسيء عندك بمنـزلة سواء"([195]).

ويؤكد السيّد أنَّ الأساس في الإسلام هو العدل، والمساواة هي مظهر من مظاهر العدل، فإنّ العدل قد يتمثّل في المسألة العاطفية، بحيث تعدل في عاطفتك، وهذا ما نرويه عن النبيّ (ص)، أنّه رأى شخصاً يقبِّل ولده، فقال له: "قبِّل الآخر، حتى لا يجد في نفسه شيئاً على أخيه أو أبيه"([196]).

تاسعاً: المعلّم صائن لنفسه عن المفاسد

إنّ صيانة النفس أصل الفضائل، وهذا مطلوبٌ من المعلّم والمعلّمة. يقول السيّد: أمّا بالنسبة إلى المعلّمة التي تدرِّس أطفالاً في سنّ المراهقة، فيفترض بها أن تكون محتشمةً، وأن تتعامل مع طلابها المراهقين والشباب بطريقة حكيمة لا تستثير غرائزهم، وهو الشيء نفسه الذي يفترض أن يتوافر في المعلّم عندما يدرِّس فتيات مراهقات، لأنّ بعض الفتيات قد تقع في حبّ المعلم الذي قد تجد فيه أباها وتعيش في الداخل رغبةً غريزيةً فيه([197]).

عاشراً: المعلّم المسؤول

ينبغي أن يكون المعلم شخصاً مسؤولاً، فلا يتهرَّب من المسؤوليّة ولا يلقيها على غيره. يقول السيّد إنّ على المربّي تحمّل كلّ مفردات الأفكار التي يلقيها في عقل الإنسان الآخر الذي يربّيه، كما يتحمل مسؤوليّة كلّ المشاعر والأحاسيس التي يحتذيها الإنسان الآخر ويتحرّك بها، وهكذا عندما تكون المسألة مسألة تربية ترسم للإنسان خطّ سيره وحركيّته في الواقع. عند ذلك، تمثّل التربية المسؤولية عن حركية الحياة. ولهذا فإنَّ قضية أن يكون الإنسان مربياً، ليست مسألةً تقتصر على مسألة المهنة في الحياة... أو أنّها مصدر من مصادر تهيئة عناصر الراحة في الحياة([198]).


المنهج المدرسي

يعرف المنهج المدرسي، بأنّه مجموعة الخبرات التربوية والثقافية والاجتماعية والرياضية والفنية التي تهيئها المدرسة لتلاميذها داخل المدرسة وخارجها، بقصد تأمين نموّهم الشامل في جميع النواحي، وتعديل نشاطهم طبقاً للأهداف التربوية المطلوبة إلى أفضل ما تستطيعه قدراتهم.

وللمنهج عناصر هي المقررات الدراسية، والكتب، والتقنيات التعليمية، والنشاطات، والامتحانات، وأساليب التقويم، وطريقة التدريس... إلخ.

وعندما يتحدّث السيّد عن المناهج يقول: إنّ الإسلام قدَّم لنا الخطّ العام الذي يفترض أن نستهدي به للوصول إلى أسلوب تربوي يتَّفق مع ذهنية الطفل ومع تطوّر الوسائل والمناهج الموجودة، لننتقل من التلقين الساذج إلى الانفتاح بعقل الطفل على الإبداع... ويضيف بأنّ الحثَّ على اكتساب العلم، لا يعني حشو ذهن الطفل بالمعلومات ليردّدها آلياً دون أن تتحوّل إلى مظاهر سلوكية أو تدفع إلى ابتكارات إبداعية، بل يعني أمرين:

1- تنمية قدراته العقلية كي يصبح مؤهَّلاً ليثقّف نفسه ويكتشف الحقائق بجهده.

2- تزويده بالمعارف المناسبة التي تكون حركةً في تنمية عقله. ومن الطبيعيّ أنّ تنمية العقل تتأكّد في تقوية الإدراك وتفعيل الطاقة الذهنية، بحيث تصبح المعلومات المعطاة للطفل جزءاً من شخصيته، لا مجرّد كتب يشكِّل عقل الطفل وعاءً لها.

إنّ تعليم الطفل يعني أن تؤصّل المعلومات داخل شخصيته، ليفهمها ويقتنع بها وينتج منها شيئاً جديداً، بحيث توسّع مداركه وتنمِّي حسَّه الداخلي. إنّ قيمة العلم هي بمقدار ما يتحوّل إلى حركة في عقل الإنسان وقلبه وحياته([199]).

إنّ الدّين كأيّ مادّة ثقافيّة، يمتزج فيه الجانب الروحي بالجانب الفكري، وينفتح فيه الاثنان على الخطّ الأخلاقي، لذا، لا بدّ من أن يدرّس بأسلوب محبَّب هو أقرب إلى التدريب منه إلى التلقين.

ولا بُدَّ من أن تكون دراسة الدين في الهواء الطلق، بمعنى أن ينطلق معلِّم الدين من رحابة الآفاق الروحية، مؤكّداً استقامة الخطّ الأخلاقي، والإيحاء الذي يجعل الإنسان يحبُّ الله أكثر ويعظّمه أكثر، معتمداً فيه على كلّ الأساليب والوسائل التعليمية التي تثير رغبة الولد وولعه بكلِّ ما يتَّصل بالموضوع الديني من معارف وسلوك([200]).

أمَّا بالنسبة إلى كتاب التربية الدينية، فإنّ السيّد يقول: كتاب الدين يمثّل مصدراً للطالب يعود إليه كلّما احتاج إلى تركيز أو مراجعة معلوماته الدينية([201]).

ويدخل ضمن المنهاج التقويم (الامتحان)، حيث يقول السيّد حول تقويم التلميذ: إنّ المشكلة الأساسية لا تكمن في العلامة، بل في مقياس النجاح الذي درج الناس على تحديده في الشرق بخاصّة، فهي التي تشكِّل مقياس التقدّم والتأخّر والنجاح والرسوب، وهي التي تقرّر مصير الطالب في امتحانات دخول الجامعة أو التقدّم إلى أيّة وظيفة رسمية محدّدة. إنَّ العلامة  ـــ بشكل عام ـــ لا يمكن أن تكون مقياساً حقيقياً لمستوى الطفل الدراسي، فالطالب قد يستوعب ما قرأه وما درسه استيعاباً كاملاً، ولكن رهبة الامتحان قد تصيبه بنسيان مفاجى‏ء لا يستطيع معه أن يعبّر عن مستوى استيعابه لما يطلب منه في الامتحان. ولهذا، فإنَّ العلامة لا تُمثّل تقييماً دقيقاً لدى عددٍ من الطلاب، فقد ينجح من لا مستوى له، وقد يفشل من هو في المستوى. لذا لا بدَّ من البحث عن وسيلةٍ أخرى يمكن أن نقوّم من خلالها المستوى الذهني لهذا الطفل أو لهذا الشاب، بعيداً عن العلامة.

إنَّ المنهج التقليدي يتحرَّك على إيقاع الأرقام المادية في التقويم، لذا عمدت بعض الاتجاهات إلى اعتماد تصوّر حديث يأخذ بالاعتبار مدى تحقّق الأهداف التعليمية المرسومة، ومدى نشاط وفاعليّة التلميذ طوال السنة الدراسية، مع الأخذ بالاعتبار مختلف الظروف التي تحيط بالولد، وبهذا يمكن تحديد مواطن الضعف ومواقع القوّة، لتتمَّ بالتالي عملية المعالجة وأخذ القرار بأساليب دعم مناسبة([202]).

ولا يجد السيّد حرجاً أو عقدةً من الاستفادة من مناهج التربية وأساليبها من الآخرين، يقول: في مناهج التربية وأساليبها ووسائلها وحقولها، لا عقدة لنا من الأخذ عن الآخرين، فالإسلام يؤمن بالتفاعل الحضاري الذي لا يتنافى مع القاعدة التي ينطلق منها كدين. علينا أن ندرس ما يقدّمه الغرب من وسائل وتقنيات تعليمية، ونأخذ منها ما يتناسب معنا، وما يخدم أهدافنا التعليمية([203]).

ويتحدّث السيّد عن مقررات المنهج فيقول: عندما ندرس النصوص، في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، نجد أنّ القرآن لم يفرّق بين علم وعلم. وكذلك في الأحاديث المأثورة، هناك علم الأديان وعلم الأبدان.

وعندما ندرس القرآن، نجد أنَّ الله يحثّنا على التفكير في خلق السموات والأرض، والتفكير في خلق الإنسان.

إنّ علوم الطبيعة والحيوان والنبات هي وسائل لتحصيل المعرفة بالله، ما يعني أن الإنسان لا بدَّ من أن يعرف الكون في كلِّ ظواهره وموجوداته، ليعرف علم الدين في هذا المقام، لأنّ الإنسان يعرف الله من خلال التفكير والعقل. لهذا، فإنّ المراد بالعلم في هذه الأحاديث هو علم الحياة بكلِّ أبعاده. غاية ما هناك، أنّ الإسلام يؤكّد العلم النافع للناس الذي يمكن أن ينتج شيئاً للإنسان، لا العلم التجريدي الذي يحشو ذهن الإنسان بالمعلومات دون أن يعطيه أيّة نتيجة عقلية تتّصل بوجوده في هذه الحياة وبحركته فيها([204]).

ويقول السيّد إنّه لا بدَّ من تحديد حصص معينة للثقافة الدينية، لكن ذلك لا ينفي الحاجة إلى جعل المدرسة كلّها منفتحةً على الموضوع الديني، كأن يقحم في دراسة قواعد اللغة العربية بعض الكلمات والجمل الدينية، أو أن تربط العلوم الطبيعية أو علم الحيوان أو علم النبات أو علم الإنسان بالله سبحانه وتعالى، باعتبار أنّ كلّ الموجودات الحيّة والجامدة تشكّل تجلّيات ومظاهر من عظمة الله، ولما أودعه في الكون من قوانين وأسرار تؤكِّد عظمة الله وقدرته تعالى([205]).

ويتحدّث السيّد عن التربية الدينية كمقرّر دراسي وكيفية تدريسه، فيقول: التربية الدينية كالتربية البدنية، تتَّصل بالجانب الروحي والأخلاقي والاجتماعي والنفسي بالنسبة إلى الطّالب، ومن الطبيعي للمدرسة أن تتوصّل إلى تربية الطالب دينياً، لأنَّ العلم بلا أخلاق وبلا دين قد يدمِّر صاحبه والمجتمع([206]).

وهناك ظاهرة انشغال الأهل بامتحان أولادهم، وموقفهم من تدنّي علاماتهم، يقول السيّد: أمّا بالنسبة إلى الأهل، فعليهم أن لا يُصابوا بصدمة في حال حصول ولدهم على علامات متدنية، بل عليهم أن يقرأوا ما وراء العلامة المتدنية، ويحدّدوا قابليات الطفل، فربّما كان عاجزاً عن استيعاب الدروس النظرية التي يأخذها، فتكون المصلحة آنذاك في توجيهه إلى التعليم المهني، أو إلى سوق العمل مباشرةً، أو إلى أيِّ خيار مفيد للطفل أكثر من الاستمرار في المدرسة. لذلك، لا بُدّ للأهل من أن يدرسوا وضع ابنهم بدقّة، ويختاروا ما هو أنسب له ولمستقبله([207]).

التكامل بين البيت والمدرسة

التكامل والتعاون يتمُّ بين مواقع ثلاث لهم دورهم في الحياة التربوية المدرسية: البيت والمدرسة والمجتمع، والسيّد يحدثنا عن التَّكامل والتعاون بين البيت والمدرسة في تربية الناشئة، فيقول: إنّ المدرسة لا تعطي الإنسان إلاّ العلم، من خلال أنّها مؤسّسة علمية قد لا تهتمّ بالتربية بالمعنى السلوكي اهتماماً كبيراً، بحيث يكون من مهمَّاتها الأساسية، وربّما تساهم المدرسة من خلال تنوّع البيئة فيها، واستغراق أساتذتها في المسألة العلمية، في إرباك تربية الطفل انطلاقاً من التنوّع الذي تحفل به المدرسة، من خلال اختلاف الطلبة في بيئاتهم ومسالكهم والتزاماتهم، ما يفرض على البيت أن يكون رقيباً، وأن يكون هناك زيادة في اهتماماته التربوية، ومراقبته لعملية النموّ التي تمثّل حركة الطفل في أخلاقه وأوضاعه.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنَّ البيت لا بدَّ من أن يراقب نشاط التلميذ في تعامله مع المادة العلمية التي يدرسها، بحيث يعمل على مراقبة نشاطه في دراسته وتحضير دروسه، لأنّ التلميذ إذا انفصل عن أجواء المدرسة، فإنّه قد لا يشعر بمسؤولية الدراسة، سواء في تحضير فروضه واستعداده للامتحان أو غير ذلك.

إنّ البيت لا بدَّ من أن يتحوّل إلى حالة طوارئ في السنة الدراسية، سواء من الناحية العلمية للتلميذ، أو من الناحية التربوية الأخلاقية([208]).

ويؤكّد السيّد ضرورة أن يفسح البيت للطفل مجال ممارسة نشاطه من خلال اللّعب، وممارسة هواياته، فيقول: لا ينبغي أن يستوعب الدرس كلَّ أوقات الطفل، فنمنع عنه لهوه وعبثه وحريته وحاجته إلى الانفتاح والانطلاق، فيكون الدرس في ساعة محدَّدة تضاف إلى ساعة المدرسة، دون أن تكون الدراسة على حساب كلّ الساعات التي يخلو فيه الطفل للهوه ولعبه وممارسة هواياته الطفولية الخاصة، لأنّ هذا الجوّ الدراسي المتواصل في البيت والمدرسة، قد يعقّد الطفل، لأنّه يؤدّي إلى نوعٍ من أنواع القهر الذهني الذي لا يعود معه قادراً على التفكير والملاحظة([209]).

الجوّ العائلي في المدرسة

يتحدّث السيّد عن سلطة المدرسة، وأجواء المحبّة والاحترام فيها: فيقول: لا بدّ للمدرسة من توفير جوّ عائلي لا يعيش الولد فيه الغربة، ولا يرسّخ في شخصيته العُقد... وفي الوقت الذي تفرض المدرسة بعض القيود لحفظ النظام وتوفير مُناخ تعليمي ملائم، لا بدّ من تأمين ساعات للعب والترفيه تكون عوناً له على ما تتطلَّبه الدراسة من جهد وتعب([210]).

 

التعليم المدرسي بين الإيجابيات والسلبيات

يقول السيّد، إنّ للتعليم المدرسي سلبيات وإيجابيات تبعاً لطبيعة النظام المعتمد داخل المدرسة، وأسلوب تقديم المعلومات فيها، ثمّ طبيعة هذه المعلومات، فعندما يكون نظام المدرسة قاسياً، يحمل الطفل على الهرب منها والنفور من العلم، فإنّ هذا يؤثّر سلباً في شخصيته، والعكس صحيح.

إنّ الطفل في المبدأ لا يحبُّ القيود، وبالتالي لا يحبُّ الدرس والالتزام بالدوام المدرسي، بل يريد فقط أن يلعب بشكل عابث. لذلك، لا بدّ من التساهل مع الطفل ابتداءً، والتساهل لا يعني عدم الحزم، بل العمل على إثارة الأجواء التي تحبّب الطفل بالعلم والمعلّم، كأن نعلّمه باللّعب الذي يحبّه، ونوفّر له المربّين الذين يمنحونه المحبّة والعاطفة والاحترام، ما يفتح عقله وقلبه على المعرفة، ويطلقه كعنصر فاعل في الحياة.

إنّنا عندما نقسو على الطفل، فهذا يعني أنّنا نغلق ذهنه، ونصادر شعوره، فيلتزم بما نعطيه له، التزام العبد الذي يشعر بأن لا قدرة له على الاختيار. علينا أن نساعد الطفل على الاختيار، وذلك بتعزيز كلّ المقوّمات الإنسانية التي تجعله مريداً فاعلاً، بحيث تنطلق الفكرة منه، لكن بمساعدتنا. ثمّة فرق كبير بين أن ينطلق من فكرنا الذي فرضناه عليه، وحاصرناه به من خلال القهر، وبين أن ينطلق من فكره الخاص الذي وإن جاء صدى لفكرنا، فعن طريق الأساليب الإنسانية التي تجعله يختار، لا أن يخضع للخيار المفروض عليه([211]).

المدرّس الخصوصي مؤشّر تقصير في المدرسة

يحمِّل السيّد المدرسة المسؤولية في حال احتاج التلميذ إلى مُدرّس خصوصي، فيقول: نحن نحمِّل المسؤولية للمدرسة أولاً، باعتبار أنّ عليها أن توصل التلميذ إلى استيعاب المادة التعليمية، بحيث لا يحتاج إلى أن يدرس على يد مُدرِّس خصوصي أو ما إلى ذلك، لأنّ الحاجة إلى المدرّس الخصوصي تتأتَّى عن قصور المدرسة في دورها التعليمي.

ويطالب السيّد الأهل بأن يعملوا على التخطيط للوقت الفائض عن المدرسة، بما لا يُثقل على الأطفال ويرهق ذهنياتهم، وهو ما يمكن أن يؤدّي بهم إلى التبلّد أو النقمة على المدرسة والحياة([212]).

يطرح السيّد تخلّف المدرسة الإسلامية وعدم تملّكها عناصر النجاح، ويسأل: لماذا هذا التخلّف؟ يجيب: لأنّ المسلمين يفتقدون عنصر الشعور بالمسؤولية في ما هو المستوى الكبير الثقافي التربوي الأخلاقي للمدرسة.

ومن هنا كانت المدارس الإسلامية في التجارب الأخيرة حركةً في خطّ هذا التحدّي. وهو يخشى على هذه التجربة، لأنّ هناك تجارب سابقة بدأت بحماس، ثمّ بدأ العدّ التنازلي، فأصبحت مدارس إسلامية بلا إسلام([213]).

والمدرسة ينبغي أن يكون لها قداستها، وأن تقام فيها صلاة العلم. يقول السيّد: انفتحوا على الله، وليكن الصفُّ محراباً، ولتكن المدرسة مسجداً... محراباً للعمل تحت رعاية الله، نصلِّي فيه صلاة العلم نعطيه للآخرين، ونتصدّق فيه صدقة العلم نعطيها للآخرين، ومسجداً نتطهَّر فيه من كلّ نقاط الضعف التي تسقط إنسانيّتنا.

وأنا أضمن لكم، أنّكم إذا وضعتم الله في حساباتكم وأنتم تعملون، فستشعرون بالرضى والطمأنينة والسكينة والسعادة الروحية، حتى لو زحفت الآلام إلى كلّ عَصَبٍ من أعصاب أجسادكم، ولو واجهتكم الكثير من المشاكل.

فالإنسان عندما يحدّق بالناس وبالزوايا، تضيق عليه الدنيا، ولكنّه عندما يرفع رأسه؛ رأس عقله وقلبه إلى الله، تُشرق عليه كلُّ الشموس، وكلُّ الأقمار، وكلُّ محاولات السعادة([214]).

رابعاً: طرق التربية الإسلاميَّة للنشء وأساليبها

يقول السيّد: إنَّ مهمَّة المدرسة، هي أن تستخدم الأساليب التعليمية المشوقة التي تساعد التلميذ على اكتشاف المفاهيم بنفسه، بحيث يسهل عليه عملية الحفظ والفهم دون جهد في البيت، فلا يستوعب الدّرس كلّ وقته، وبذلك، ينقلب الأمر لديه حبّاً للعلم والمدرسة والمعلم([215]).

ويرى السيّد، أنَّ للأسلوب التعليمي أهميةً كبيرةً، حيث إنّ الفكرة في التربية تمثّل 25%، بينما يمثّل الأسلوب 75%، لأنّ الأسلوب هو الذي يعمِّق المضمون في شخصية الطالب([216]).

وهو يرى أيضاً، "أنّ الكثيرين من الناس أخطؤوا التربية، من خلال أنّهم أخطؤوا الأسلوب الذي ينقلون فيه العلم أو القيمة للإنسان الآخر، مع كونهم يملكون علماً كبيراً وقيمةً كبيرةً، ولكنّهم لا يملكون الطريق الذي يصلون فيه إلى عقل الإنسان، وقد نستوحي من الكلمة المرويَّة عن النبيّ (ص): "إنَّا معاشر الأنبياء أُمِرْنا أنْ نُكَلِّم النَّاس على قدر عقولهم"([217]).

كما يرى أنَّه "لا بدَّ من أن يكون لكلٍّ من المعلّم والمربّي القدرة على الأخذ بالأساليب المتنوّعة التي يمكن أن تدخل الفكرة إلى وعي الإنسان المتعلّم، أو تدخل القيمة إلى روحية الإنسان الذي يراد تربيته، لأنّ الأسلوب هو الأساس في حركة الفكرة عندما يراد نقلها إلى الإنسان الآخر"([218]).

ويرى السيّد، أنَّه "يفترض بنا أن نعيش في حالة طوارى‏ء لجهة تجديد الأساليب التي نعتمدها في التربية، ذلك أنَّ مشكلة المربّين عندنا، سواء كانوا علماء دين أو أساتذةً أو أهلاً، أنّهم ما زالوا يعتمدون الأساليب التقليدية في التّربية، في وقتٍ نجد أنَّ الولد ينمو في أجواء مختلفة تماماً عمّا كانت عليه الأمور في السابق. من هنا، علينا أن نلاحق المتغيّرات بكلِّ ما تطرحه من إشكالاتٍ جديدةٍ، ونضع العلاجات لذلك"([219]).

كما أنّه يرى أنّ من النّاس من يعيش على ما توارثه، فيقول: "إنّ مشكلة كثير من الناس الذين يسقطون أمام الضغوط، أنّهم يستعملون في مواجهة المشاكل التي تصادفهم، الأسلوب الوحيد الذي توارثوه أو تعلّموه من الغير، ولا يفكّرون في إنتاج حلٍّ جديد لمشاكلهم المستجدّة"([220]).

ويقول السيّد: "علينا أن نستنفد كلَّ جهد في تطوير أساليبنا وتنويعها، تبعاً لطبيعة المؤثّرات السلبية والإيجابية المحيطة بالطفل"([221]).

1- التربية القدوة

يرى السيّد أنّ التَّربية بالقدوة تكمن أهميتها "وعظمة تأثيرها في نفس الإنسان المقتدي، في تقديمها للولد الفكرة مجسّدةً في واقعها الخارجي. لهذا نجد أنَّ الله كما أكَّد ضرورة الالتزام بما قاله الرّسول: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(الحشر:7)، أكَّد أيضاً، وبشكلٍ أكثر قوّةً، كونه قدوةً للمسلمين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}(الأحزاب:21). ويتجلَّى هذا التأكيد واضحاً فيما ورد عن الإمام الصادق (ع)، حيث يقول: "كونوا دعاةً للنَّاس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الصّدق والخير والورع، فإنّ ذلك داعية".

وهو أمر ينطبق على تربية الأطفال بصورة أقوى ممّا ينطبق على الراشدين، لأنّ الطفل مُقلّد ماهر يمتصّ ما يراه بشكل أكبر، ولا يستطيع التفريق، كما قلنا سابقاً، بين القول والفعل، بحيث يرى أنّ هذا الإنسان يملك الفكرة الصحيحة ولكنّه لا يطبّقها مثلاً، خلافاً للكبار الذين يستطيعون أن يفهموا ذلك ويفلسفوه([222]).

ويضيف السيّد عن التقليد فيقول: إنَّ للتقليد وجهين: وجهاً سلبياً وآخر إيجابياً، أما الوجه الإيجابي، فهو تمكينه الطّفل من الالتقاط والتعلم من الخارج، بحيث يغني شخصيته الطفولية بما حوله، وبمن حوله فلا يبقى مجرّد مشاهدٍ سلبي لا يتفاعل مع ما يراه أو ما يسمعه أو ما يعيشه، ذلك أنّ التقليد هو أوّل مراحل النموّ العقلي والشعوري. أمّا الجانب السلبي، فهو يحمل خطراً على الطفل، حيث يمكن أن يلتقط عبره الأشياء السيّئة إلى جانب الأشياء الحسنة، وقد يعتاد ما قلّده، باعتبار أنّ التقليد يطمس ملكة النقد والإبداع في المتلقّي، ما يجمّد فيه طاقة التطوّر والتغيّر. لهذا، لا بدَّ للأبوين من أن يشجِّعا الولد على التقليد كوسيلةٍ من وسائل الانتقال من حال المشاهدة إلى حال الفعل، ولكن لا بدَّ من استعمال الأساليب الحكيمة من أجل إبعاده عن تقليد السلوكات السيئة، بالإشارة إلى الجيّد منها والردي‏ء، وتنمية حسّ النقد لديه([223]).

يطرح السيّد مشكلة التناقض في تربية الطفل بين الأب والأم وآثارها في الطفل فيقول: "إنّ هذا التناقض يسي‏ء إلى تربية الولد، ويعطِّل مفعول النواهي والأوامر التي يقدّمها الأب والأمّ في مجال التوجيه، لأنَّ الولد عندما يسمع كلمة النهي عن سلوكٍ ما، ويرى والديه يقومان به، يفهم أنّ هذا النهي ليس جديّاً، وخصوصاً أنّه لا يكون قادراً على التفريق بين مساحتي القول والفعل. ونحن نعرف أنّ تأثير القدوة في أيِّ إنسان أقوى من تأثير القول. لذلك، فإنّنا نتصوّر أنَّ هذا التناقض هو من المسائل الخطرة في التربية، ليس بالنسبة إلى الأطفال فحسب، بل بالنسبة إلى المجتمع ككلّ... فالتناقض يؤثّر سلباً في صاحبه أولاً، وفي من يرونه أيضاً"([224]).

ويطرح السيّد أيضاً: "إنّ خلاف الزوج مع زوجته يؤثّر في الأولاد، فعندما تضرب زوجتك أمام طفلك أو طفلتك، فإنّ طفلك يأخذ الدرس في كيفية التعامل مع زوجته في المستقبل، لأنّه يعتبرك المثل الأعلى، وهذا هو الدّرس الأول، وأمّا طفلتك، فتتعقَّد من الزواج في المستقبل، لأنّها ترى أباها يضرب أمّها، فتعتبر أنّ كلّ رجل لا بدّ من أن يضرب زوجته. إنّ البعض من الآباء يخلقون من أولادهم مجرمين من خلال سوء إدارة أمورهم"([225]).

2- التربية بالموعظة

 إنَّ النفس الإنسانية تمتلك الاستعداد للتأثّر بما يلقى إليها من كلام، ولكن هذا الاستعداد مؤقّت يحتاج إلى التكرار ليثبت، لأنّ في النفس الإنسانيَّة دوافع فطرية في حاجة دائمة إلى التّوجيه والإرشاد والتهذيب.

وإذا عدنا إلى القرآن الكريم، نجده كلّه موعظةً للمتّقين، قال سبحانه وتعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:138). وتتعدَّد أشكال الوعظ ومعانيه في القرآن الكريم، ومنها: النّصح، والتذكير، سواء بالموت أو بالمرض أو بيوم الحساب...

ويرى السيّد أنَّ كلمة الوعظ "استخدمت في القرآن الكريم في التعبير عن خطاب لقمان لولده، وهو يحاول أن يفتح آفاقه على كثيرٍ من قضايا العقيدة وقضايا الحركة في الحياة، فنحن نلاحظ أنَّ كلمة وعظ تُعبِّر عن المضمون الفكري الذي يختزن في داخله بعض الجوانب المتصلة بالإحساس، بحيث لا تتحرّك الفكرة بوعي الإنسان من خلال طبيعة الجفاف الفكري الذي يحيط بالفكرة المجرَّدة، بل تحاول أن تلتقط بعض التعابير المتّصلة بإحساس الإنسان.

لذلك، فإنّ الوعظ يتضمَّن، إضافةً إلى الفكرة، عنصر اقتحام العاطفة الإنسانية والشعور الإنساني، حتى تكون المسألة مزيجاً من العقل والعاطفة، وبذلك، فإنّها تنفذ إلى عقل الإنسان وقلبه، وعندما يمتزج العقل بالعاطفة، فإنّه يستطيع أن يصنع للإنسان جوّاً يهزُّ كيانه ويدفعه إلى احتضان الفكرة، باعتبار أنَّ الفكرة تفسح لنفسها من خلال عناصرها المتنوّعة، المجال الواسع للدخول إلى كيان الإنسان، وهذا ما نلاحظه في كلّ المواعظ التي لا يبتعد فيها جانب الفكر عن جانب الإنسان"([226]).

ويجد السيّد الجانب التربوي في هذا الأسلوب من خلال تأثيره "في إمكانية وصول الحركة التربوية إلى أن تصنع من الإنسان شخصاً آخر، على هدى الخط الذي تتحرّك فيه عواطفه وتتحرّك فيه التربية، لأنّ الخطأ الذي يعيشه الكثيرون من الناس في إطلاق الفكرة، يكمن في أنّ هناك من يطلق الفكرة بجفافها العقلي الإنساني من دون أن تستجيب لحاجات المناطق الأخرى في الإنسان، والمتّصلة بجانب الإحساس"([227]).

والمعلّم الواعظ هو الذي "يأخذ بأسباب القوّة في الفكر، وبأسباب الرقَّة في العاطفة، كما يأخذ بالانفتاح على كلِّ المفردات التي يحتاجها العنصر الفكري والعنصر الشعوري، وهو بذلك يكون قد أحرز أكثر الأساليب نجاحاً في التربية. إنّ الوعظ يمثّل مسألة الفعل من جانب الواعظ، بحيث يقيم الحُجّة من خلال كلِّ جهده حيال الجهة التي يريد أن يركِّز الموعظة في حياتها أو في داخلها. ولذلك، فإنّ الشخص الذي يتلقَّى الوعظ، لا بدّ من أن يملك الاستعداد والقابلية والإرادة التي تتحرّك من أجل مواجهة كلِّ الوسائل التي يتمثّل فيها الوعظ، لأنّ مسألة الوعظ مسألة انفعال بالقدوة، أو انفعال بكلِّ ما تتحرّك فيه الوسائل التعبيرية للفكر... وعليه، فإنّ الإنسان الذي لا يوجّه نفسه، هو تماماً كما الإنسان الميّت الذي يفقد الإحساس"([228]).


3- التربية بالقصّة

للقصّة في مجال التربية الإسلامية، وبخاصة القصّة القرآنية النبويّة، وظيفة تربوية لا يحقّقها لون آخر من ألوان الأداء اللغوي.

يعتبر السيّد أنّ أسلوب القصّة هذا يمكن الاستفادة منه، فيرى "أنّه في مجال التربية، هناك أسلوب الرسوم المتحركّة والخيال العلمي الذي يتحدّث عن الخوارق وعن البطل الذي لا يقهر، وهو أسلوبٌ يمكننا أن نطوّر بعض مفرداته، بأن نقدِّم عبره صورةً غير مادية لله تتناسب مع مدارك الطفل، فنعلّمه بعض الكلمات الدينية، ككلمة (لا إله إلا الله)، أو (قل هو الله أحد)...

من القصص الدينية والمفردات التاريخية، يمكن أن نستوحيَ الأسلوب المناسب لتربية الطفل دينياً، وهذا لا يمنع من أن نستفيد من الحاضر، فنحن نلاحظ أنَّ المسؤولين عن التربية اليوم، يبدأون بتعليم الطّفل الكثير من المفردات في دور الحضانة، من خلال القصّة والنشيد والتمثيل والصور المتحرّكة والأفلام الهادفة... وهو أمر يمكن استخدامه في مجال التعليم الديني، بحيث نقدّم له من المعلومات الدينية ما يتناسب مع عمره بشكلٍ تدريجي، بحيث يصبح حاضراً لتقّبل الدين ككلّ عندما نقدّمه له في نهاية صباه. ومن الطبيعي أن نؤازر ذلك بإيجاد المناخات الدينية التي يتنفّس الطفل فيها الدين من الجوّ المحيط به؛ من كلمات الدّعاء التي يسمعها، وكلمات القرآن وأجواء الصلاة، بحيث يبدو الدين بالنسبة إليه أمراً طبيعياً يتّصل بالعادة وبالصوت والصورة، كما يتّصل بالمفردات التعليمية([229]).

ويرى السيّد أنّ "القرآن كتاب هداية، وليس كتاباً أكاديمياً يراد من خلاله بحث القضايا بطريقة موضوعية. ومن الطبيعي أنّ للقصة دوراً في توجيه الفكرة، وتقريبها... فالقصّة لتركيز أكثر من فكرة في أكثر من جانب، ولذلك يكرّرها القرآن، لا من خلال تكرار الشيء الطيّب في نفسه، على طريقة "والمسك ما كرَّرته يتضوَّع"، ولكن على طريقة أنّ لكلّ قصة جانباً يمكن لها أن تعالجه بطريقة وبأخرى"([230]).

4- التربية بالترغيب والترهيب

لقد فطر الله الإنسان على الرغبة في اللذة والنعيم والرفاهية وحسّ البقاء، والرهبة من الألم والشقاء وسوء المصير.

يرى السيّد في مجال التَّرغيب والتَّرهيب، أنّه "لا بدَّ للتربية من أن تنطلق من خلال عنصري الترغيب والترهيب، بمعنى أن نخلق الحوافز للطفل أو الشاب، من خلال صدمة الرغبة التي تدفعه إلى الأمام، أو صدمة الرهبة التي ترجعه إلى الخلف، بحيث تكون مسألة الثواب والعقاب من المسائل الأساسية. لأنّ من الصعب جداً أن تدفع إنساناً إلى أيّ عمل من خلال العنصر الذاتي في نفسه، بصرف النظر عن النتائج السلبية أو الإيجابية... إنّ الرغبة ليست شيئاً منفصلاً عن الذّات، بل قد تكون الرغبة في الثواب تعيش في إحساس الإنسان. لذلك، فلا بدّ لنا في التربية من إثارة هذا المفهوم، لتعريف ذهنية الطفل أو الشاب إلى المبدأ والقيمة والسلوك والفكرة التي يندفع إليها في البداية من خلال ما يحصل عليه من النتائج، لتتركّز في ذهنه، وبالتالي، ليؤمن بها أو يحبّها، حتى تنشأ عنده لذّة جديدة أو رغبة جديدة"([231]).

يرى السيّد أنّ "هدف استخدام الثواب والعقاب، ما هو إلاّ تنمية شخصيته وإنسانيته وعقله، ما يفرض علينا أن نحاول اكتشاف أقرب الطرق للوصول إلى عقله. بعبارة أخرى، إنّ عملية التربية بأغلبها، تتّصل بداخل الإنسان، باعتبار أنّنا نريد من خلالها جعل الطفل يختزن أفكاراً معينةً في عقله، ومشاعر معينةً في قلبه، وحمله على التحرّك نحو أهداف معينة عبر طرق محدّدة. وبما أنّ التعامل مع الطفل يتطلّب النفاذ إلى الداخل، وبما أنّ هذا الداخل يحتوي دائماً على مناطق مغلقة أمام الآخر، فإنّنا بحاجة إلى تجريب الكثير من الأساليب قبل أن نعثر على المفتاح الملائم. لذا، فإنّ عملية الثواب والعقاب في التربية، هي عملية متحرّكة دائماً... على هذا الأساس أقول، لا بدَّ من دراسة الثواب والعقاب قبل استخدامه... وعملية الثواب والعقاب تشبه الدواء، فهي تحتاج إلى التدقيق في كمية الجرعة التي نهبها للطفل في هذا المجال أو ذاك. كما أنّ الثواب والعقاب مبدأ قرآني ويتناسب مع الطبيعة الإنسانية([232]).

ويضيف السيّد: "إنّ مبدأ الثواب والعقاب يقوم على آلياتٍ نفسيةٍ تحفِّز السلوك الإيجابي، وتحبط السلوك السلبي، فعندما يشعر الإنسان بأنّه موعودٍ بثوابٍ ما على عملٍ ما، فإنّ ذلك يحمله على المبادرة إلى العمل رغبةً في الثواب، تماماً كما هي حال من يقطع المسافات الطويلة، ويجهد نفسه بالتدريبات القاسية للحصول على الربح والفوز. والثواب هنا يلعب دور المحفِّز للسلوك الإيجابي، والعكس صحيح بالنسبة إلى العقاب، فنحن نحرم أنفسنا من أمور كثيرة نرغبها، خوفاً من نتائجها السلبية علينا، سواء كانت تلك النتائج جزءاً من العمل الذي نتجنَّبه، أو كان مصدرها عقاباً يوقعه أحد بنا، وفي مجال التربية، علينا أن نختار نوعية الثواب والعقاب، بعد دراسة قابلية من نريد إثابته أو عقابه"([233]).

تستهدف التربية "إيجاد قناعات فكرية أو أخلاقية وانطباعات روحية أو ممارسات عملية لا بدّ لها من أن تتّصل بالعمق الإنساني في طبيعته، لاجتذاب الأفكار والمشاعر والأحاسيس للواقع الذي يعيشه الإسلام. فنحن لا نستطيع أن نفرض على الإنسان خطوطاً تربويةً خارج نطاق عناصره الذاتية في دائرته الفكرية والشعورية، وبذلك، فإنّ الإنسان كمخلوق حيّ فاعل ومتحرّك ومنفتح على حاجاته وتطلّعاته في الحياة، وعلى أفراحه وأحزانه ورغباته ومخاوفه، ينطلق ليعيش في كلّ مفردات حياته داخل هذه الدائرة، ويجد نفسه منجذباً بشكل طبيعي إلى تلبية رغباته الروحية أو المادية بشكل تلقائي، حتى إنّه لا يشعر بحالة الانجذاب في مؤثّراتها، بحيث لا يجد نفسه إلاّ وهو يجري نحو ما ترغب فيه"([234]).

5- التربية بالحوار

يتناول الحوار الحديث بين طرفين أو أكثر، وهو عبارة عن سؤال وجواب، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف، بحيث يختار الطّرفان موضوعاً معيَّناً يتناقشان حوله، وقد يصلان إلى نتيجة فيقنع أحدهما الآخر أو لا يقنعه، وهناك من قد يستمع إلى النقاش، ويتّخذ موقفاً أو يستنتج عبرةً، وقد يتأثّر بالحوار، ويتابع الموضوع المطروح باهتمام وشوق، وخصوصاً إذا تمّ عرض الموضوع بحيوية ونشاط، بما يوقظ العواطف والانفعالات، ويساعد على تهذيبها وتربيتها وتوجيهها نحو المثل الأعلى.

ويعتبر السيّد "مسألة الحوار من المسائل المهمّة في المنطق الإسلامي، كأسلوبٍ عمليّ متحرّك في الوصول إلى الحقيقة وفي تكوين القناعات... وفي حركة الصراع في القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية ونحوها، لأنّه الوسيلة الفضلى لأفكار الآخرين، في موقع الحرية الرحب الذي يمنح الإنسان الأمن من الاضطهاد في حركة الصراع، وهو الذي يبلور الأفكار ويصفّيها من كلِّ الشوائب، ويرفع عنها الكثير من الغموض، ويوضح الكثير من مفرداتها من خلال عملية الأخذ والردّ"([235]).

ويتساءل السيّد عن مدى الحرية القائمة على القبول والرفض أو الإقناع كأسلوبٍ يعيشه المجتمع، فيقول: "إنّ عملية التنشئة التربوية في المجتمع لا تحقّق ذلك، فنلاحظ أنّ الأسلوب الذي يمارسه الأب أو الأمّ في البيت، هو أسلوب القمع في مواجهة أفكار الطفل التي يتغذّى بها من بيئته الطفولية في المدرسة والشارع، في ما يتأثّر به من الأفكار والمشاهد والصور المتحرّكة من حوله. كما أنّ المجتمع، في مراكز القوّة فيه، يتحرّك مع أفراده بالطريقة نفسها، فلا مجال لأيّ فكرٍ يختلف عن الفكر الذي يحمله القائمون على مواقع القوّة، لأنّ المجتمع لا يسمح بذلك. وهكذا نجد المشكلة قائمةً في مواقع الحكم الذي يضطهد الشعب عندما يعارض، أو يواجه الحاكمين بالرفض لكثيرٍ من خطوطهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، ليكون نصيبه السجن أو الضرب أو الإعدام.

حتى المواقع الدينية في كثير من مفردات العقيدة ومفاهيمها، لا تسمح بعض مراكز القوّة فيها، أو بعض مجتمعاتها، بإثارة علامات الاستفهام حولها، ومحاولة مناقشتها لتأصيل المفهوم الإسلامي الأصيل فيها، ما يجعل الأمر غامضاً حائراً في ما يدور الخلاف حوله([236]).

يقول السيّد: "إنّنا يجب أن ندرس القرآن الكريم دراسةً واعيةً، لنجد فيه الوثيقة الرائعة من وثائق الحوار الديني الذي يتعلَّق بكلِّ قضايا العقيدة، ابتداءً من فكرة وجود الله ووحدانيته، إلى الأحكام الشرعية...

وقد كان القرآن الكريم ـــ في حياة الإسلام والمسلمين ـــ يمثل المدرسة التي انطلق منها النبيّ وأصحابه في الأساليب المتنوّعة للحوار، والإطار العام للخطّ الإسلامي في ذلك، والدروس العملية التي تجسد وصول الحوار إلى هدفه الطبيعي في حركة الحياة والإيمان.

ويجول السيّد جولةً هادئةً مع الآيات القرآنية الكريمة التي حدَّثتنا عن الأساليب التي أراد الله لنبيّه (ص) أن يتبعها وينطلق بها في مجال الدعوة الإسلامية، ـــ للتعرّف من خلالها ـــ إلى مسيرة النبيّ العملية في دعوته إلى الله، كطريقٍ من طرق انتقالنا مع الدعوة الإسلامية على هدى هذه الأساليب، ويتابع بعض أساليب النبيّ (ص) في عملية الحوار، من خلال ما تنقله لنا السنَّة النبوية الشريفة، لأنّها تمثّل التطبيق العملي للمنهج القرآني الذي ركَّز القاعدة وأقام البناء([237]).

يقول السيّد: "إنّ الإسلام يريد للإنسان أن يحصل على القناعة الذاتية المرتكزة على الحُجّة والبرهان، في إطار الحوار الهادىء العميق، سواء في ذلك قضايا العقيدة وقضايا الحساب والمسؤولية؛ فلكلِّ سؤال جواب، ولكلّ علامة استفهام تواجه الإنسان في الطريق، علاماتٌ في كلِّ منعطف تشير إلى سواء السبيل. وهذا هو الأساس الإسلامي، في اعتبار الحوار قاعدةً أساسيةً في دعوته الناس إلى الإيمان بالله وعبادته"([238]).

هذا، ويركِّز السيّد على أن يعيش الحوار في مُنَاخ طبيعي، وضمن عناصر وشروط في إطار التصوّر القرآني لخصائصه العامة والخاصة. وهي:

1- شخصية المُحاوِر الذي يدير عملية الحوار: وذلك بأن لا يقع الآخر تحت رحمة الإرهاب الفكري والنفسي، وسحق شخصيّته، وفقده الثقة بنفسه.

2- شخصية الطرف الآخر للحوار، ذلك من خلال إعداد جوه الداخلي للاقتناع بالنتائج الحاسمة التي يقود إليها الحوار، بعيداً عن المزايدات وعرض العضلات الكلامية والمزايدات الجدلية.

3- خلق الأجواء الهادئة للتفكير المستقّل: إذا أردنا للحوار أن يصل إلى هدفه، نجد ضرورة وجود الأجواء الهادئة للتفكير الذاتي الذي يمثّل فيه الإنسان نفسه وفكره، والابتعاد عن الأجواء الانفعالية التي تبعد الإنسان عن الوقوف مع نفسه وقفة تأمُّل وتفكير، وتجعل قناعاته وأفكاره تخضع للجوّ الاجتماعي الانفعالي الحماسي الذي يسود ساحة الحوار، ما يفقده استقلاله الفكري وشخصيته المميّزة.

4- معرفة موضوع الحوار: لا بدَّ لكلٍّ من طرفي الحوار، من التعرّف إلى الفكرة التي ينطلقان في طريق إثباتها أو نفيها، لأنّ الجهل بها وبتفاصيلها، يحوِّل الحوار إلى أسلوب من أساليب الشتائم والمهاترات التي هي مؤشّر ضعيف وعجز عن الوقوف موقف المدافع عن فكرته، فالحوار يتطلّب وضوح الرؤية، وهدوء الفكر، وقوّة الحُجّة، ووداعة الكلمة.

5- أسلوب الحوار: ينبغي أن يقوم الحوار على أساس طريقة اللاعنف، أو الطريقة السلمية التي تعتمد اللّين والمحبّة أساساً للصراع، انطلاقاً من القاعدة الإسلامية التي تعتبر موضوع الصراع، بمختلف مستوياته ومجالاته، وسيلةً من وسائل الحركة المنفتحة للوصول إلى الهدف، وهذا الخطّ تستخدم فيه الكلمات والأساليب الطيّبة المرنة التي تفتح القلوب على الحقّ، مع الإشارة إلى أنَّ الإسلام يركِّز على "الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، فهو الطابع الذي يطبع كلّ وسائل الحوار وأساليبه. يقول سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(النحل:125).

فبأسلوب "التي هي أحسن"، تحوّل أعداءك إلى أصدقاء ينطلقون معك فيما تفكّر فيه وفيما تعمل له، وهذا الأمر يحتاج إلى مزيدٍ من الصبر، وإلى حظّ عظيم من الإيمان، وقوّة أعصاب، ومرونة الشخصية في المواجهة([239]).

أمّا كيف ننهي الحوار إذا وصلنا إلى طريق مسدود، ولم يعد أيٌّ من الطّرفين ينصت إلى الآخر أو يستمع إليه، فهنا يسترشد السيّد بالآيات القرآنية ومواقف الرسول (ص) في حواراته، حيث كان يقدّم الأدلّة والبراهين على صحّة دعوته ومسيرة رسالته، ولكنّهم لم يعطوا الأذن الصاغية، والعقل الهادئ الواعي لسماع ذلك كلّه والتفكير فيه، وكان أسلوبه في هذا المجال، الإيحاء بقوَّة موقفه عندما يؤكِّد موقفه للآخرين، وبتحمّله المسؤولية بقوّة واطمئنان، ما كان يدفعهم إلى التفكير العميق في صدقه وجديته في الدعوة الرسالية، كما يحملهم على التفكير فيما يسيرون عليه من خطأ، وفيما يفكّرون فيه من انحراف.

وعندما كان الرسول يواجه لغو الكافرين، كان يطالبهم بالإعراض عن اللّغو، لأنّ الجدال لا يجدي مع الجاهل، وفي بعض الأحوال، كان يجابههم بتهديدٍ قويّ هادئ، ويشير إلى أنّه مستمر في العمل الإيماني الحقّ، وإلى مسؤوليّة كلّ إنسان عن عمله الفردي، وأحياناً كان يختم الحوار، بعد أن يقطعوه، بإشهادهم على أنَّه وأصحابه مسلمون بعقيدتهم وعملهم وخططهم في الحياة، ليوحيَ إليهم بقيمة هذه الشهادة، وبالثقة التي تعمر قلبه بصدق دعوته ورسالته، ولتكون عنصراً إيحائياً يثير في أعماقهم الإحساس العميق بانسجام هذه الشهادة مع الخطِّ الصَّريح الصحيح الذي يسير عليه. يقول سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(آل عمران:64).

فالرسول (ص) يغلق باب الحوار بمهمة، ويبرّر انسحابه بأسلوب رائع لا يسيء فيه إلى خصومه، بل يقودهم معه إلى موقع المسؤولية، ليتحرّكوا في إطارها، وينطلقوا منها ومعها في أكثر من مجال. وتبقى الرسالة بانتظار القادمين الذين يأتون إليها والراجعين والمتراجعين، فلعلَّهم يأتون من جديد، ويتركون ما هم فيه من ضلال وانحراف. ويبقى الرسول بانتظار أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً، بعد أن خرجوا منه أو حاربوه أفواجاً([240]).

ويطالب السيّد الدُّعاة المعاصرين بأنَّ عليهم أن لا يقطعوا الطريق على الآخرين الذين يريدون أن يرجعوا، أو الذين يؤمل لهم الرجوع، فلا يستسلموا للتشنّجات النفسية، والتوتّرات العصبية، يطلقون فيها التّهم بلا حساب، والألفاظ بلا قاعدة، بل أن يحاولوا أن يحسموا الموقف معهم بتجميد الحوار أوّلاً، أو بإيقاف الحديث، على قاعدة المسؤولية، ليرتكز على أساس متين، وليصلح لبداية حوارٍ جديد في المستقبل.

وكذلك من مهمّتهم، أن يشدُّوا الناس إليهم بالأسلوب الحكيم الذي يجسِّد القوَّة بدون قسوة، ويوحي باللّين من غير ضعف، ليظلّوا الملجأ الذي يلجأ إليه التائهون في دياجير الضلال، والمعاندون الذين يريدون أن يبدؤوا خطواتهم في طريق الرجوع إلى الحقّ، فلعلّ الدّعاة ينجحون في المواقف الجديدة، فيما لم ينجحوا فيه في المواقف القديمة([241]).

ويتحدّث السيّد عن ثقافة الحوار وتعليمها الأجيال المسلمة والمسيحية، ويركّز على دخول ساحة الحوار بذهنية موضوعية هادئة، ويطرح ما طرحه القرآن الكريم في مسألة الحوار، يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة:111)، ويقول سبحانه وتعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}(آل عمران:66). ويرى أنّ الساحة ملائمة لهذه الموضوعية، وكذلك يقول إنّ علينا أن نخرج الأجيال من حساسيّتنا ومن مشاعرنا الانفعالية، ليعود الدِّين كما كان، إلى فكرٍ يملك الموضوعية في طروحاته، كما يملك الانفتاح في آفاقه، فعندما يكون الدين في رحابة الله المطلق، فإنّ من الصعب جداً أن تخضعه لحدود الحساسيات والمشاعر الملتهبة. إنّ علينا أن نستفيد من الموضوعية في الفكر العلميّ الموجود خارج نطاق الفكر الدّينيّ، لنجعل الفكر الديني يتحرّك في هذه الأجواء. إنّنا لا نحتاج إلى صنع ذهنية جديدة لأنفسنا، لأنّ هذه الذهنية موجودة في أكثر مواقع الثقافة، بل المهمّ أن نوسع هذه الذهنية، لنجعلها تمتدّ إلى الجانب الديني مع موادّ الفكر الأخرى.

ومن الطبيعي أنّ هذا يحتاج إلى الكثير من التربية والمعاناة، وإلى الكثير من التحرّك، لإيجاد المناخات الفكرية والعقلانية، لينطلق علماء الدين من المسيحيين والمسلمين في مواجهة أيّ نقد يوجّه إلى فكرهم الديني هنا أو هناك، من دون أيّ تشنّجات أو تعقيدات أو انفعالات، بل ليواجهوا الحُجّة بالحُجّة، والفكرة بالفكرة، بطريقةٍ هادئةٍ على أساس ما نسمّيه العقل البارد([242]).


6- التربية بالأحداث

إنَّ المعلم المربي الناجح، لا يترك الأحداث التي تطرح ماضياً أو حاضراً تذهب سدى من دون عبرة وتوجيه، بل يستثمرها ويوظّفها في تربية النفوس وصقلها وتهذيبها، فلا يكون أثرها موقوتاً لا يلبث أن يضيع. والتّربية بالأحداث كوسيلة تربوية، تتميّز بأنّها تحدث في النفس حالةً خاصةً هي أقرب إلى الانصهار. فالحادثة تثير النفس بكاملها، وترسل قدراً من حرارة التفاعل والانفعال يكفي لصهرها أحياناً، أو الوصول بها إلى قرب الانصهار. وتلك حالة لا تحدث كلّ يوم في النفس، وليس من اليسير الوصول إليها والنفس في راحتها وأمنها وطمأنينتها مسترخية ومنطلقة في تأمّل روحي.

لقد اهتمّ القرآن الكريم بتوظيف الأحداث في تربية النفوس الإسلامية. يقول السيّد في هذا المجال: لا يفهمُ القرآن الكريم إلاّ الذين يعيشون الإسلام حركةً ولا يعيشون الإسلام جموداً، والذين يعيشون كما عاش رسول الله (ص)، فقد كان يدعو إلى الله، وكان يجاهد في سبيل الله، وكان يعيش مع الناس، وكان ينظِّم أمور الناس، فكان حركةً دائمةً، ولذلك كان القرآن يلاحق الأحداث أولاً بأول؛ اقرأوا القرآن في سورة (آل عمران)، وانظروا كم أنّه يناقش وقعة أحد، وفي (سورة الأنفال)، هناك مناقشة لنقاط الضعف الموجودة عند المسلمين في (معركة بدر)، فنحن في العادة عندما نكون مجموعات، لا يكون لدينا الاستعداد ليتعرّف كلّ فرد إلى ما عنده من نقاط ضعف، فالعلماء والأحزاب والطوائف غير مستعدّين لذلك، مع أنّ الله سبحانه وتعالى حدَّثنا عن نقاط الضَّعف التي انتابت الطليعة الأولى، وهي طليعة البدريين: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}(الأنفال:5-7). إنّ الله يحدّثنا كيف كان المؤمنون يعيشون الضعف والخوف والهلع وكأنّهم يُساقون إلى الموت وهم ينظرون، ومعنى ذلك، أنّ القرآن كان يراقب حركة المسلمين، وكان الله يوجِّههم من خلال الواقع، ففي واقعة (الأحزاب) يقول تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}(الأحزاب:10-11)([243]).

ويحدّثنا السيّد عن التاريخ في المفهوم الإسلامي، وكيف نستفيد منه في التربية بالأحداث، فيقول: إنّ التّاريخ يمثّل أسلوباً من أساليب القرآن التربوية التي يهدف ــ من خلالها ـــ إلى حشد التجارب الإنسانية الماضية أمام الإنسان، ليأخذ منها العبر والعظات والدروس التي تنفعه في حياته الحاضرة، بعيداً عن أيِّ انفعال أو علاقة عاطفية.

فالقضية هي أن يرتبط الإنسان بأحداث التاريخ وقصصه من خلال ما تقدّمه من تجارب ومبادئ عامّة، ليتحرَّك في اتجاه ذلك في خطواته العمليّة نحو التقدّم والنموّ، على أساس ارتباطه بالجذور العميقة من حركة الحياة. ولعلّنا نلاحظ ذلك في الآيات التالية: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الأعراف:175)، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}(الحشر:2)، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(البقرة:134)...

وعلى ضوء الآية الأخيرة، تبرز الصورة الواضحة التي تجعل القصّة للفكر والعبرة، لا للانفعال والعاطفة، فما دامت الأحداث الماضية لا تدخل في حساب مسؤوليتنا المباشرة أمام الله تعالى، فلماذا نجعل منها مثالاً للانفعال غير المسؤول الذي ربّما يهدِّم الحاضر على أساس خلافات الماضي التي قد لا تمثّل بالنسبة إلينا أيّ شيء في أغلب الحالات، إلاّ في بعض الجوانب التي ترتبط بتجديد موقفٍ للعقيدة والعمل، فنأخذ منها الموقف السليم، ونترك كلّ ما عداه في ذاكرة الزمن لمجرّد الحفظ والاطلاع.

وبهذه الروح نتخلَّص من كثيرٍ من الخلافات الدينية والمذهبية وتأثيرها في حياتنا العامّة وعلاقاتنا الاجتماعية، بسبب بعض التفسيرات لبعض قضايا التاريخ الديني... عندما ننظر إليها نظرتنا إلى أيّة قضية أخرى، لمجرّد الدرس والانتفاع([244]).

ويختم السيّد موجّهاً كلامه إلى من يقرأ ويسمع القرآن الكريم، فيقول: "إنّ الله من خلال كلّ آيات القرآن، يريد أن يقول لنا، إنَّ دوركم في التاريخ ما تقرأونه أو تسمعونه، هو دور العبرة، ودور الإنسان الذي يدخل المدرسة ليتعلَّم فيها، وليطبّق ما تعلَّم عندما يخرج منها إلى ساحة العمل"([245]).

7- التربية بتفريغ الطاقة

يعتمد الإسلام على وسائل في تربية الإنسان وعلاجه، ومنها تفريغ الشحنات المتجمّعة في نفسه وجسمه أوّلاً بأوّل، وعدم اختزانها إلاّ ريثما تتجمَّع للانطلاق. هذه الشحنات في النفس والجسم مختلفة، وهي عبارة عن شحنات تفرز إفرازاً طبيعياً فطرياً، هذه الفطرة يفترض سلامتها وخلوّها من العطب، لتنطلق انطلاقةً إيجابيةً عمليةً خيّرةً بحيث تبني وتعمِّر، للخير لا للشرّ، وللبناء لا للهدم، كيلا تصرف بلا غاية ولا اتّجاه. لكنَّ الإسلام يشدِّد على توجيهها الوجهة الصحيحة الخيّرة. وكذلك أن لا يختزنها لفترة طويلة وبلا غاية، حتى لا تعود بالضرر على كيان الإنسان.

وها هو السيّد يحدّثنا عن تفريغ طاقة الحبّ في بعدها الغريزي، والرؤية الإسلامية في ذلك، فيقول: "هناك مسألة تتّصل بالجانب الغريزي للإنسان التي تجعل الإنسان يحبُّ الإنسان الآخر كما يحبُّ طعامه وشرابه، فالحبّ يتّجه إلى الجانب الجنسي الذي يجده هذا الإنسان لدى الإنسان الآخر، وهذا ما يعيشه الكثير من الشباب في أجواء المراهقة وما بعدها، والذي يتمظهر بالانجذاب إلى الجمال الجسدي والملامسات الجنسية وما إلى ذلك من الأمور. إنّنا نلاحظ أنَّ الإسلام أراد للذّكر والأنثى أن يعيشا هذا الحبّ بالطريقة التي تنتهي به إلى الزواج، فلا مانع في أن يرغب الرجل في امرأة يحبّها ويعجبه حسنها للتزوّج منها، وقد أباح الإسلام للإنسان النظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوّجها، ليدرس المسألة من حيث انسجامها مع رغبته فيها من هذه الناحية أو تلك، لكنَّ الحبّ الذي يلعب، والحبّ الذي يلهو، والحبّ الذي يعتبر الجنس حركةً غير خاضعة لقانون يحفظ العلاقة بين الذكر والأنثى في دائرة الزوجية، هو مرفوض في الإسلام، بل وكلّ ما يؤدّي إلى الانحراف الجنسي، سواء كان في ما ينفتح عليه القلب، أو ما تتحرّك له العينان، أو ما ينطلق به اللّسان، أو ما تنطلق به الأيدي والأعضاء، وكلّ ما يؤدي إلى الجنس العملي، سواء كان على نحو الإعداد والإثارة، أو على نحو المباشرة، هو مرفوض إسلامياً، لأنّه يؤدي إلى مشاكل أخلاقية تبعد الإنسان عن الخطّ المستقيم الذي يريده الله"([246]).

وننتقل مع السيّد في حديثه عن الحبّ في البعد النفسي، ونظرة الإسلام إليه، وتفريغ طاقة الإنسان، فيقول: "عندما نتحدّث عن الحبّ كحالة نفسية غير اختيارية، فإنّنا لا نستطيع أن نشرِّع أيَّ تشريع وفق هذه العاطفة، لأنّ الله لا يكلِّف الإنسان بما لا يطيق أو بغير المعقول، إلاّ أنّ الإسلام يريد أن يُعقّل العاطفة، فيدفع الإنسان إلى أن يركِّز عاطفته بطريقة عقلانية، بحيث يفكّر في عمق الأشياء بدلاً من أن يبقى متحرّكاً على السطح، وهذا ما يحاول الإسلام أن يربّي عليه الشابّ أو الفتاة، فلا ينطلق من خلال النظرة الأولى أو من خلال الأشياء السطحية. ولم يتحرّك الإسلام في ذلك من خلال الزواج فقط، بل في كلّ العلاقات الإنسانية، مثل الصداقة والشراكة وغيرهما.

ومن جهة أخرى، فإنَّ الإسلام يضع ضوابط لحركة هذا الحبّ، فلا يشجّع الطرفين على الاختلاء، ولا يبيح لهما التعبير عن هذا الحبّ بالملامسات أو الأمور التي تقود إلى الإثارة الغريزية، ولكنّه لا يمنع من الكلام البريء الذي يعبّر عن العاطفة التي تشكِّل طريقاً إلى العلاقة الشرعية"([247]).

أمام هذا، يجد السيّد كما نستنتج، أنّ تفريغ الطاقة تدريجياً، وبتصرّف صحيح، يتحوّل إلى ثمرة جنيّة في داخل نفس الإنسان وفي واقع حياته، وفي سبيل الخير، ويحول دون انحراف النفس واضطرابها.


خامساً: عناصر أساسية ينبغي أن تراعى في طرائق التربية وأساليبها

1- الرّفق لا العنف والقسوة

إنّ الأسلوب والروح اللّذين يؤدّى بهما العقاب هامّان جدّاً، ففي التّربية المدرسيّة مثلاً، يجب ألاّ نجعل الطلاب المعاقبين يشعرون بأنّنا ننتقم منهم، أو أنّنا بالنسبة إليهم أعداء، وأنّ ساعة القصاص قد حانت، وإنّما ينبغي أن يغلّف العقاب، في حال ضرورة تطبيقه، بالرأفة والرحمة، وإشعار الطلاب بأنّنا نقوم بذلك من واقع حرصنا عليهم، ومن دافع مصلحتهم التي تهمّنا أكثر ممّا يهمّنا عقابهم، وينبغي أن لا نُشعِر الطالب بالظلم والغبن.

وهنا نرى السيّد يعلن بصراحة "أنّه ضدّ التسلّط وضدّ القسوة، لأنّ التسلّط يمثّل حالة قهر، ولأنَّ القسوة تمثّل حالة عدوان؛ إنّنا نفرّق بين السلطة والقسوة والعنف المدروس، والأصل في الإسلام هو الرفق"([248]).

ويدعو السيّد إلى نبذ العنف في تربية الأطفال، فهو يشدّد على عدم استعمال الضرب وسيلةً أساسيّة للتّربية، لأنّك بالضرب قد تخضعه، ولكنّك لن تستطيع أن تقنعه بما تريد. ودعا أيضاً إلى احتواء شعور الأطفال، فإنّ الطفل يحدّق ويبكي ويتألَّم طلباً للأمن الذي يفتقده، وطلباً للفرح فيما يفقده من أبويه من الفرح، ويقول: أعطوا الفرح والحبّ والأمن. وربّما دلّت التجارب العلمية، أنّ كثيراً من التجارب النفسية الصامتة التي يعيشها الكبار يعرفون معناها وأسبابها، وربّما تكون ناشئةً من تلك الأحاسيس التي اختزنها الطفل في مشاعره الطفولية ([249]).

ويعتبر السيّد: "أنّ الأصل هو عدم القسوة، ولكن من الممكن أن نستعمل العنف من موقع الرحمة، لا من موقع حالتنا المزاجية التي تختزن الميل إلى القسوة. إنّنا نفرّق بين الأسلوب الذي يختزن العنف على اختلاف درجاته والقسوة... وإذا درسنا المسألة على ضوء الواقع، لا نجد الحياة رفقاً كلها، أو عنفاً كلّها، بل إنّ للرفق موقعاً فيها، وللعنف موقعاً آخر"([250]).

2- المحبة

إنّ الطفل مفطور على الميل إلى أن يُحبّ ويكون محبوباً، ولذلك يركِّز السيّد على أهميّة الحبّ المتبادل بين المربّي والمتربّي. يقول في ذلك: "ينبغي على المربّين أن يشعروا المتربّي بحبٍّ إنساني، بحيث يجعل الإنسان يتعاطف مع الإنسان الآخر بالدرجة التي يشعر فيها بالرابطة التي تربطه بدائرة إنسانيته، بحيث يؤدّي ذلك إلى رعايته وحفظه وحمايته وقضاء حاجاته وحفظ كرامته واحترام إنسانيته. حتى إنّ الرسول (ص) ربط الإيمان بمسألة الحبّ... فالإسلام يؤكِّد قضية الحبّ الذي يجعلك تحسّ بإحساس الآخر كما لو كنت أنت الذي تعيش الموضوع، بحيث يجعل الحبّ بهذا المستوى مظهراً للإيمان، فلا تكون مؤمناً إذا كانت نظرتك إلى الإنسان الآخر نظرةً جامدةً لا مباليةً لا تعيش الاهتمام بأموره"([251]).

ويدعو السيّد إلى تربية القلوب، فيقول: "لا بدَّ لنا من أن نربِّيَ قلوبنا كما نربّي أجسادنا، أن لا تحبّ إلاّ في الله، ولا تبغض إلاّ في الله، وأن نربّيَ عقولنا أن لا تتحرّك إلاّ بالفكر الذي يرضاه الله، ولا تبتعد إلاّ عن الفكر الذي يسخط الله،  وكما ننطلق لنصلح حياتنا الخارجية، فلا بدّ من أن نصلح حياتنا الداخلية"([252]).


3- الوقاية خير من قنطار علاج، وبناء شخصية متوازنة

يعطي السيّد الرؤية الإسلامية للأسلوب التربوي، بحيث يشدِّد على الوقاية من خلال خطّين، "الأوّل هو وقائي، بحيث يمنع وقوع الطفل تحت التأثيرات السلبية التي تنشأ من نقاط ضعفه في طريقة تفكيره ونظرته إلى الأمور، أو من المجتمع الذي يعمل على مدّ جذور انحرافه للأطفال. كما وسعى إلى الخطّ الثّاني، وهو بناء الشخصية الحيّة المتحرّكة والمتوازنة والتي تأخذ حاجتها في الحياة، وذلك من خلال تأكيد أهمية كلّ مرحلة من مراحل التربية للطفل، وهي مرحلة اللّعب ومرحلة التأديب ومرحلة المصاحبة، واعتبر الإسلام أنّ التربية هي نتاج تكامل كلّ المراحل، بعد إعطاء كلّ مرحلة حقّها الكامل"([253]).

4- مراعاة المستويات المختلفة للتلاميذ

يؤكِّد السيّد في أساليب التربية، ضرورة مراعاة المستويات المختلفة للتلاميذ في التعليم، وأن يختار أسلوب التعليم الذي يناسب المتعلّم، وفي هذا يقول: إنّ على المعلّم/المربّي أن يدرس ذهنية هذا الإنسان، ومستوى عقله، وسلامة أخلاقه، فإذا رآه إنساناً منفتحاً على المعرفة، طالباً للنصيحة، متقبّلاً للفهم، ومقبلاً على الحوار والاستماع، فعليه أن يتلطّف به بالنصيحة وبالأسلوب الذي ينسجم مع عقله، وينفتح على روحه، ليستطيع رفع مستواه، وليكون جديراً بمصاحبته وصداقته. أمّا إذا رآه خاضعاً للمشاعر السلبية التي تدفع إلى الفتنة وإثارة المشاكل مع الآخر، كالكثيرين من الذين يحاولون إثارة الناس ضدّ المصلحين، باستغلال بعض الكلمات التي يحملونها على السوء من أجل الفتنة، وفي الناس سماعون لها، في هذه الحالة، لا بدَّ من إهماله والابتعاد عنه، من أجل الابتعاد عن الفتنة، ولعدم إفساح المجال للذين يثيرونها مستغلّين بعض الأجواء المعقَّدة. ويجب الحذر من الدخول في علاقة جدالية مع المتكبّرين، لأنّهم لا يفتحون عقولهم للمعرفة، ولا يدخلون في حوار للوصول إلى الحقيقة، بل يلجؤون إلى العناد من خلال الاستغراق في حال السِّكر الذاتي، والإغماء العقلي، والغفلة العمياء، فلا يفيقون منه بفعل السقوط الروحي والجهل المطبق([254]).


سادساً: دور الخادمة

لقد انتشرت ظاهرة استخدام الخادمات في المنازل، وارتفعت أصوات تشير إلى النّتائج السّلبيّة لذلك، وفي هذا يقول السيّد:

أمّا ما تعارف عليه الناس اليوم من الاستعانة بالخادمات أو المربيات، فالغرض منه حلّ مشكلة الأمّ العاملة، وحلّ مشكلة الأب القاصر عن تلبية متطلّبات منـزله، وليس المراد منه حلّ مشكلة الولد. إنّ انشغال الأمّ عن الطفل وتسليمه للخادمات اللاتي لا علم للأسرة بهن من أين أتينَ، وما هي طبيعة تربيتهن، وما هي أخلاقهن وعقيدتهن... قد يمثّل خطراً على الطفل، لأنّ الخادمة سوف تزرع في نفسه الكثير من السلبيات التي تحملها، في الوقت نفسه الذي يُحْرَم من حنان أمّه وعاطفتها، لأنّ التربية ليست مجرّد تعليمات تصدر إلى الطفل، بل هي عاطفة يستشعرها في حضن أمّه، ما يحيطه بفيض عاطفي وروحي يضفي عليه لوناً من الأمن النفسي فيجعله مستعدّاً لقبول ما يُطرح عليه. إنّ الاستعانة بالخادمات اليوم لا يرتبط بأيّ مصلحة تربوية للطفل، بل يرتبط بظروف الأمّ الصحيّة أو الاجتماعية التي تحملها على ذلك([255]).

ويرى السيّد أنّه في حالات خاصة جداً، قد تحتاج الأم إلى مربية تؤازرها في تربية الطفل، عندما يكون الولد بحاجة إلى رعاية لا تملك الأم تأمينها له، وهكذا فإنّ الاستعانة بالمربية قد تكون مبرّرةً فقط في ظروف الحاجة الملحة، كفقدان الأمّ مثلاً، بحيث تكون المربية أماً بديلة للطفل، أو في حال كان وضع الأم الصحّي صعباً إلى درجة تشلُّها عن رعاية الطفل عملياً، أو عندما يبلغ الطفل مرحلة الحاجة إلى التعلّم، وتكون إمكانات الأمّ لا تكفي لتحقيق ذلك.

المشكلة الأساسية التي يحملها موضوع كهذا، هي أنّ المربية أو حتى الخادمة، تأخذ غالباً الدور الأول، والأمّ تأخذ الدور الثاني. وتنتفي هذه المشكلة، في رأيي، عندما تأخذ المربية دور المساعد، بحيث يبقى دور الأم هو الدور الأساس لا العكس([256]).

ويؤكد السيّد ضرورة أن تأخذ الأمّ دورها في تربية الطفل رغم الظروف الصّعبة التي تمرّ بها بعض الأسر، فيقول: إنّني أدعو الأمّهات إلى الإبقاء على دورهن كأمّهات في تربية الطفل، بحيث لا تُعطى الخادمات أكثر من دور الخدمة والتنظيف وإخراج الولد للفسحة، وبحيث لا تصبح الأمّ على الهامش وتصبح الخادمة هي الأصل، بل يبقى دور الأمّ هو الدور الأساس والأصل، ويبقى دور الخادمة هامشياً. وإذا ما انشغلت الأمّ عن الولد بحكم عملها، عوَّضته عمّا افتقده من رعاية في ساعات غيابها، ببذل جهد أكبر عند وجودها معه، أو أن تحسن اختيار الخادمة، بحيث تكون قادرةً على تقمّص دور الأمّ في غيابها.

 ويضيف السيّد أنّه لا يتأمَّن الحضور المعنوي للأمّ بدون حضورها الجسدي، فعندما تحضر الأمّ جسدياً، فمن الطبيعي أن يتنفَّس الطفل الحنان والرعاية والاحتضان بحضورها([257]).

وحول التخلّف الذي تعيشه بعض الأمّهات، وفطرة الأمومة لدى المرأة الّتي لها دورها في تربية الطفل، يقول السيّد: نحن نريد للطفل عندما ينشأ، أن ينشأ وهو مرتكز على أرضية صلبة، وهذا الوضع  يتأمّن بمراعاة فطرة الأمومة. أمّا الوضع الجديد للأم، فهو وضع يتّصل بنظريات أكثر ممّا يتّصل بالواقع. إنّنا نجد أنّ هناك مشاكل كبيرة وكبيرة جداً عند الأولاد الذين تتركهم أمّهم في دور حضانة، لأنّ الطفل يشعر من جرّاء ذلك بأنّه مفصول عن جذوره.

ويضيف السيّد: نحن نعتبر أنَّ الأمومة جزء من تكوين المرأة، وليست مهمّةً خارج ذاتها،  باعتبار أنّ الطفل يشكّل جزءاً من جسدها، فهي حملته  وكانت تتغذّى معه ويتغذّى معها، وهي من أجل ذلك تتحسَّس آلامها ومشاكلها في آلامه ومشاكله. من هنا، فإنّ فترة الرضاعة والحضانة لها أثر كبير جداً في الطفل لجهة تعميق إحساسه بالقوّة([258]).

سابعاً: دور الصاحب الصديق والرفيق

إنّ الصديق للطفل هو طفل آخر يكون قريباً منه في السنّ، أو من النوع نفسه في حالات معينة.

والطفل في نموّه الاجتماعي، في حاجة إلى رفيق من سنَّه، يتواصل معه ويتفاعل ويؤثّر فيه ويتأثّر به، ويتوقّف مدى التأثير على مدى العلاقة بجماعة الرفاق والولاء لهم، وقبول معاييرها وقيمها.

تتّخذ جماعة الأصدقاء أو الأصحاب أشكالاً مختلفةً، منها جماعة اللّعب التي ينتقل منها إلى جماعة الشلّة، وذلك حين يبلغ عمره الثانية عشرة.

ويحدّثنا السيّد عن الصاحب والصديق فيقول: إنّه يمثّل العلاقة العاطفية التي تربط إنساناً بإنسان، ونحن نعرف أنّ للعاطفة تأثيرها في حياة الإنسان أكثر من الفكر، لأنّ الفكر يتّصل بالقناعات، ومن الصعب أن تفرض قناعاتك على إنسان من دون أن تقدّم له الأسس التي تجعله يعيش قناعاتك. أمّا الجانب العاطفي، فإنّه يستطيع أن يجتذب مشاعر الإنسان وأحاسيسه حتى يقفل الإنسان عن فكره، وبالتالي، فإنّ العاطفة قد تصادر الجانب الفكري وتؤدّي بالإنسان الآخر الذي يتأثّر بهذه العاطفة إلى أن ينتميَ إلى فكر هذا الإنسان بشكلٍ أو بآخر.

وبالنسبة إلى الشّباب، فإنّ الصديق يترك تأثيراته السلبية والإيجابية في صديقه من خلال الجانب الشعوري، ما يجعل مسألة الصداقة من المسائل التي تتّصل بالمصير الإنساني في كثير من الحالات، وهذا ما نقرأه في القرآن الكريم الذي يحدّثنا عن بعض مشاهد القيامة التي تنطلق من خلال التجارب التي عاشها الإنسان في الدنيا {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}(الفرقان:27)، فالإنسان يعيش الحسرة والندامة في حياته تجاه الخطّ المنحرف الذي تحرّك فيه، انطلاقاً من تأثّره بصداقة بعض الناس الذين حببوا إليه الضلال، واستغلّوا مشاعره العاطفية، فكانت النتيجة أن وصل إلى هذا المصير الذي جعله بعيداً عن رحمة الله([259]).

ويحدّثنا السيّد عن الطفولة وتجاربها وألعابها فيقول: إنّ تجارب الطفولة تنمِّي شخصية الإنسان قبل أن يصطدم بالواقع، وعندما يمارس الطفل ألعاب الطفولة مع أترابه، يكسبه ذلك تجربةً غنيةً تساهم إلى حدٍّ بعيد في رسم معالم شخصيته. وليس للشارع خصوصيّة، في رأي السيّد، إلاّ في كونه بيئةً متنوّعةً قريبةً من الطفل. فإذا منعنا الطفل عنه، فإنّ هناك بدائل أخرى كفيلة بمل‏ء فراغ الطفل بشكل أفضل وأجدى، هناك ساحة الملعب في المدرسة، وميدان الحدائق العامّة، ومدن الألعاب وغيرها، وفيها يمارس الطفل لهوه الهادف في جوٍّ صحيّ وسليم.

إنّ أهمية الشارع ليست في كونه زقاقاً، لكنّه في وجود مجتمع متنوّع قريب من الطفل  فيه كثير من الطحالب والأصباغ الفاسدة التي قد تشوِّه سلوكه وتساهم في انحرافه، لذلك كان يجب أخذ جانب الحذر، والبحث عن البدائل التي يكتشف من خلالها حقائق الحياة([260]).

ويحدث السيّد عن رفيق السوء ودور الأسرة في ذلك فيقول: إنّ للرفاق على الإنسان تأثيراً كبيراً، الأمر الذي يضع الطفل أثناء مصاحبته هؤلاء الرفاق في خطر، باعتبار أنّ حجم التأثير السلبي لأيِّ سلوك أو فكرة يتّخذها الرفاق، قد يكون كبيراً تصعب مقاومته من قبل الطفل نفسه. ولكن هذا لا يعني كبح حرية الطفل في مخالطة الرفاق والأصحاب، بل يؤكّد ضرورة أن نرسِّخ فيه القناعة ببعض القِيَم والمثل، قبل أن نترك له حرية خوض تجربته الخاصة. علينا ألاّ نحاصر الطفل ونخنقه، بحيث نكون معه دائماً عندما يلعب ويلهو، أو عندما يسبح أو يخرج مع رفاقه، بل علينا أن نعمل على تحصينه، بحيث نزرع في داخله من القِيَم الروحية والأخلاقية ما يستطيع به أن يقاوم التأثيرات المضرّة من جهة، ومن جهة أخرى، نهيّى‏ء الظروف الاجتماعية الملائمة التي تجعل الطفل ينسجم بشكل عفوي مع من نحبّ ونرغب من الرفاق([261]).

ولا بدّ من أن نختم في هذا المجال، أن جماعة الرفاق تعكس في أنشطة أعضائها وألعابهم ثقافة المجتمع التي تحيط بها، فهذه الثقافة تحدِّد ألعابهم، وكذلك تحدّد لغة الحديث المتداولة في هذه الألعاب وتلك الأنشطة.


ثامناً: مرحلة المراهقة

1- تعريف المراهقة

يعرّف السيّد المراهقة فيقول: إنّ البلوغ  في ـ المصطلح العلمي ـ يعني نضوج الغدد التناسلية التي تبدأ العمل بتزويد بعض أعضاء الجسم بهرمونات معيّنة، تُكسِب الجسم معالم جنسية، قسم منها يختصّ بالذكور، وآخر بالإناث.

أمّا في المصطلح الشرعي، فإنّه يمثّل مرحلة النضج الجنسي الذي به يبدأ التكليف الشرعي، بحيث يعتبر مسؤولاً أمام الله تعالى، فيُلزم بسائر العبادات والواجبات الدينية... ومصطلح المراهقة هو مصطلحٌ حديثٌ جاءت به الثقافة الغربية، وهو يعني مرحلةً عمريةً قد تمتدّ من البلوغ وحتى الثامنة عشرة أو أكثر، وقد تختلف فترتها بين شخصٍ وآخر بحسب المؤثّرات الوراثية والبيئية. المراهقة ـ من خلال هذا المفهوم ـ تعني التغييرات الجسدية والانفعالية والعقلية والروحية والاجتماعية التي تطرأ على الشخصية الإنسانية.

وعلى هذا الأساس، تعتبر المراهقة حالة تحوّل مهمّ في شخصية الطفل، بحيث تفرض تفاعلاً خاصّاً يختلف في بعض مفرداته، والإسلام في طبيعة تعامله مع المراهق، يأخذ في حساباته كلَّ الظروف الموضوعية المحيطة، ليقدم له من التعاليم ما يخفف من أزماته، ويصوّب له مساره([262]).

ويعتبر السيّد أنّ المراهقة لا ترتبط بعمر معيّن، فيقول: المراهقة يمكن أن تمتدّ حتى أعلى مراحل العمر، باعتبار أنّ حركة الغرائز التي تثير الجانب السلبي في الإنسان من خلال عناصر الإثارة الداخلية أو الخارجية، تبقى مستمرةً معه منذ بلوغه وحتى نهاية حياته، ونحن نعرف أنَّ هناك مراهقين في الأربعين والخمسين أو الستين، لأنّ المراهقة ليست سنّاً معيّنةً، وإنّما حالة تبدأ حركتها في بداية البلوغ، وتستمرّ تأثيرتها الجسدية والنفسية بامتداد حياة الإنسان الذي يعيش يقظة الغرائز في هذا الجانب أو ذاك([263]).

2- المراهقة من وجهة نظر إسلامية

إنّ السيّد كعادته، وهو عالم ديني، يسعى إلى التّركيز على الرؤية الإسلامية للمراهقة، فيقول: إنّ الإنسان عندما خلق، لم يخلق من خلال الجانب الواحد في حركة القوّة، بل إنّ هناك عناصر ضعف تعيش في داخل شخصيته.

وعندما ندرس عناصر الضعف، نلاحظ أنّها تعيش في داخل شخصية الإنسان، كما نلاحظ حركة الغرائز الإيجابية في شخصيته، بما تؤدّي إليه من استمرار الحياة من خلال الشروط الضرورية. وهناك كذلك العنصر السلبي في تحرّك الغريزة باتجاهٍ منحرفٍ، لتطغى على حياة الإنسان فيفقد معها التوازن... فالإنسان في الحقيقة يقف في هذين الخطّين الإيجابي والسلبي للغريزة، فيما يؤكّد الله سبحانه وتعالى العقل كعنصرٍ من عناصر الخطّ الحركيّ الداخلي الذي يؤكّد التوازن بمعونة الإرادة([264]).

والإسلام كما يرى السيّد، يعدُّ الطفل لمرحلة المراهقة، فيقول في ذلك: تتطلب مرحلة المراهقة رعايةً خاصّةً للولد من أجل أن يواجهها بوعيٍ ويتكيَّف معها بحكمة، وهذا يتطلّب تحضير الولد مسبقاً لهذه المرحلة من خلال ثقافةٍ جديةٍ تتَّصل بكلِّ التغيرات [النفسية والجسدية]. وأفضل سبيل لذلك، هو تزويده بالأحكام الفقهية التي يفترض الالتزام بها، وبذلك نكون قد خفَّفنا الصدمة والأزمة.

أمّا كيف نحوِّل التزامات التَّكليف أمراً يسيراً على الطّفل، فيكون باعتماد سياسة تربوية تسبق مرحلة البلوغ، من خلال تعويده على الواجبات الدينية كي تصبح جزءاً من التزامه اليومي، إذ لا يجوز أن ننتظر هذه المرحلة لنبدأ معه عملية التوعية والتعليم، فالتزامات التكليف تحتاج إلى وعيٍ من قِبَل الأهل؛ وعيٍ في فهم حاجات هذه المرحلة، والاستجابة المتوازنة لهذه الحاجات، كي يستطيع الولد تجاوزها بأقلّ قدرٍ من السلبيات([265]).

أمَّا الرعاية الإسلاميَّة للمراهق، فيقول السيّد إنَّ الإسلام يؤكّد رعاية الطفل من خلال الأحاديث النبويّة التي تقول: "اتركه سبعاً، وأدّبه سبعاً، واصحبه سبعاً". فعملية التأديب في المرحلة بين سن (7-14)، تمثّل توجيه الإنسان نحو الخطوط المستقيمة الهادئة، بأن تركِّز في داخل شخصيته البذور الطيّبة، حتى إذا جاءت مرحلة المراهقة في الرابعة عشرة أو قبلها أو بعدها، فإنّها تكون خاضعةً لضوابط معيّنة.

وهكذا الصحبة إلى الحادية والعشرين، فإنّها تعني الرقابة على حركة المراهقة في شخصية الإنسان، حتى يستقيم له الجوّ الهادئ الذي يستطيع أن ينطلق فيه بشكلٍ طبيعي في حركة حياته المستقبلية... وينبغي رعاية هذه المرحلة بالشكل الذي لا يرهق الشاب بالمزيد من القيود التي تجعله يختنق في داخل ذاته، فيتعقَّد ويصبح إنساناً مريضاً من الناحية النفسية، كما لا ينبغي أن نمنحه الحرية الكاملة التي يشعر فيها بالانفلات، فيبتعد عن الخطوط المتوازنة في حركة الإنسان، إذ لا بدَّ من أن تكون الرعاية بين بين، بحيث يكون هناك عنف في غير قسوة، ولين في غير ضعف([266]).

 

 3- المراهقة حالة طبيعية

يرى السيّد أنَّ المراهقة ليست مرضاً، لكن الكبت يحوِّلها إلى أزمة، ذلك أنّ التحوّل الجسدي عندما يحدث في مجتمعٍ مغلق، فمن الطبيعي أن يواجه المراهق الاختناق أمام جنون الغريزة، فيرتدُّ الأمر عليه حيرةً وكآبةً وأفكاراً لا معقولة وما إلى ذلك.

من هنا، تشكّل المراهقة حالةً طبيعيةً، على الأهل التخفيف من آثارها السلبية ما أمكنهم ذلك، وهي بلا شكّ لا تمثّل عائقاً أمام التكليف. لذا على الأهل أن يسهّلوا للمراهقين أمر الاستجابة لمسؤولياتهم الشرعية، بالزواج المبكر مثلاً وما إلى ذلك، أو بشغلهم عن الجنس بالأمور الدينية والرياضية والكشفية، وغيرها من الأمور التي تتناسب مع ميول الشباب في هذه المرحلة من العمر بما تتحرَّك به الفتوة([267]).

ويرى السيّد أنّ للتربية دوراً في أنّها تحمي الإنسان من الضياع، ذلك لأنّ جنون الغريزة يعني استيقاظ حركة التمرّد في الإنسان، والتطلُّع نحو آفاق غير واضحة، قد تجعل الإنسان يفقد توازنه، لأنّه لم يختزن تجربةً سابقةً يستعين بها على إيجاد التوازن([268]).

ويرى السيّد أنّ هناك خللاً في مجتمعنا في التعامل مع المراهق، ويلفت نظر الأهل فيقول: إنّ مشكلة مجتمعنا سابقاً أنّه كان مغلقاً، فكنّا إلى حدٍّ ما مطمئنين، ولكن الأمر اختلف الآن، فنحن نعيش في أرض لا سقف لها ولا حيطان ولا أبواب، والعواصف تأتيك من هنا وهناك، فيجب أن تتدبّر أمرك وتعدَّ ابنك لأن يعيش في هذا الجوّ بأقلِّ قدرٍ ممكن من الخسائر([269]).

4- التوجيه للمراهق

يدعو السيّد إلى عملية توجيه وتربية للمراهق، فيقول: لا بدَّ من أن تبدأ عملية التوجيه الروحيّ والفكريّ والاجتماعيّ وكلّ المحاولات الواقعية الأخرى من قبل البلوغ، حتى نجنِّب الشاب الصدمة التي يواجهها عندما يقف وجهاً لوجه أمام غرائزه التي استيقظت في هذه المرحلة، وأن تبقى رعايته مستمرّةً في كلِّ المراحل، وأن نراعي أصول التربية والتوجيه بالشكل الذي لا يجعل فيه الإنسان الجديد صورةً للإنسان القديم في القضايا المتحرّكة في الحياة، وأن لا نحاول تعليبه في علبة مغلقة، بل نحاول أن نفتح رئتيه الفكريتين والروحيتين ليتنفَّس الهواء النظيف في الحياة([270]).

ويطالب السيّد الأسرة والمدرسة بالعناية بالمراهق، فيقول: عندما ندرس شخصية المراهق الذي يعيش حالة الحيرة والقلق التي تؤدّي به إلى الضياع الروحي والفكري، فإنّ يقظة غرائزه في هذه السنّ تجعله يعيش الإحساسات الغريزية، وربّما تساهم هذه المرحلة، عندما لا تحاط برعاية معيّنة ورقابة حكيمة، في ضياعه وضياع مستقبله.

ولذلك، فإنّ علينا في فترة المراهقة أن نواجه أوضاع هذا الطفل، ونراقب التأثيرات السلبية لهذه المرحلة في أخلاقه وعلاقاته وتحرّكاته، وأن لا نأخذ بأسباب التعسّف والقسوة، بل علينا أن نأخذ بأسباب الحذر والعناية والرعاية، بالطريقة التي يمكن أن نساعده فيها على اجتياز هذه المرحلة بسلام([271]).

وعندما يتحدّث السيّد عن الفتى المراهق، لا يترك الفتاة المراهقة دون التطرّق إليها، فيقول: كما أنّ للفتاة جوّها النفسي الخاص، انطلاقاً من أنّ المجتمع هو مجتمع الرجل، ما يجعلها تفقد ثقتها بنفسها، وقد تعيش حالةً من السذاجة التي قد يستغلّها الآخرون، عندما تفقد الخبرة الاجتماعية التي قد يستطيع الشاب أن يمتلكها أكثر منها. ولذلك، فنحن بحاجة إلى المزيد من العناية بنموّ فتياتنا، حتى نستطيع أن نؤمّن لهنَّ حالة الثقة بالنفس التي تعصمهنّ من استغلال الآخرين، والالتزام الذي يجعلهن يتحرّكن في الطريق المستقيم([272]).

ويتحدّث السيّد عن التغيرات المفاجئة التي يعرض لها المراهق، وما ينتج من ذلك من انحرافات سلوكية، ويشير إلى ما يريده الإسلام من الأهل تجاه المراهق، فيقول: إنّ المراهق بما يحصل له من تغيرات جسدية مفاجئة، يتكوّن لديه استعداد نفسي للقلق، بحيث يتحوّل إلى مظاهر واقعية إذا أهمل المربّون أمر تربيته ورعايته وتحضيره المتوازن لهذه المرحلة. لذا، فنحن نعتقد أنّ المراهقة حالة طبيعية في حياة الولد، تتّصل قبل أيِّ شي‏ء بالجانب الجنسي الذي يفرض نفسه على الجسد بقوّة، وهو أمر يصبح صعباً في ظلِّ غياب وسائل التنفيس عن الاحتقان الذي يختزنه الجسد، ما يؤدّي إلى حالة توتّر قد يعبّر المراهق عنها بطريقة عدوانية نحو نفسه أو نحو من حوله([273]).

ويقول السيّد إنّ الإسلام أراد للأبوين أن يرعيا الجانب الروحيّ في شخصية الصبي قبل أن ينتقل إلى مرحلة الشباب، وذلك بتعويده على أجواء العبادة، وإيجاد حالاتٍ من الانفتاح على الله بشكلٍ تدريجيّ. كما أعطى الإسلام الشابَّ الثقة بنفسه، ذكراً كان أو أنثى، حينما منحه الحقّ في أن يكون شخصيةً قانونيةً مستقلّةً، حتى إذا بلغ الرشد الذهني الذي يستطيع من خلال أن يتولّى أموره، فإنّ الإسلام يرفع عنه الولاية {وَابْتَلُوا اليَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}(النساء:6)، أي أنّ ولاية الكبار ترتفع عن البالغ الرشيد والبالغة الرشيدة. فالرشد حالة ذهنية تنطلق من ميزات عقلية في وعي الإنسان للأشياء، بحيث يستطيع أن يتصرّف تصرُّفاً معقولاً متوازناً، على الطريقة العامّة التي يتصرّف فيها الناس في معاملاتهم وعلاقاتهم وأوضاعهم، وهذا يعني أنّ المراهقة لا تشكل مرحلةً فوق العادة، بل هي مجرّد حالةٍ من الحالات التي ينطلق منها الإنسان ليتحرّك من خلال سنّ البلوغ إلى أجواء الرُّشد([274]).

ويتحدّث السيّد عن الزواج المبكر للمراهق، وهو ما يشجّع عليه الإسلام، فيقول: لقد أرهق المجتمع العلاقات الزوجية وأحاطها بكثيرٍ من التقاليد والعادات التي عقَّدت إنشاءها. لقد أراد الإسلام تسهيل الزواج، فمن الممكن لطالبين على مقاعد الدراسة أن يتزوَّجا وكلٌّ منهما يعيش عند أهله، ومن هنا جاء اهتمام الإسلام بالزواج المبكر.

المجتمع الذي لا يريد الهروب من المشكلة، عليه أن يغيِّر قوانينه ويغيِّر نظرته إلى الجنس في حياة الإنسان، ولن تكون لدى المراهق مشاكل صعبة عندما نسهِّل أمر زواجه، بحيث نزوج الفتاة والشاب بمجرّد بلوغهما، ونطوّق المشاكل التي يمكن أن ينشأ عن الزواج نفسه وعن إنجاب الأطفال بوسائل شرعية لتنظيم النسل وما إلى ذلك. إنّ مجتمعنا، في رأيي، يهرب من المشكلة الجنسية هروباً، ويجبر الأولاد والبنات على الانحراف، خصوصاً عندما نربّيهم في وسط مفتوح ومختلط، حيث يوجد حالة تماس دائمة بين الذكر والأنثى على مقاعد الدراسة وفي أجواء توحي بالإغراء([275]).

وفي الإسلام، الزواج المبكر مستحبّ، لأنّ المطلوب هو أن يعصم الإنسان نفسه ويعفّها عن الحرام، ولا إشكال في أنّ الزواج المبكر يحقِّق للإنسان الإشباع في الغريزة الجنسية التي قد يمثِّل الجوع فيها حركةً في اتجاه الانحراف.

إنّنا نلاحظ أنَّ الإسلام لم ينصّ على ذلك، بل اعتبر الزواج علاقةً خاصةً تحقّق للإنسان تنفيساً عن رغبة، وإشباعاً لغريزة، إضافةً إلى الجوانب الأخرى. وإذا كان الزواج المبكر يخلق مشاكل بالنسبة إلى الزّوجين، فإنّه يمكن حلّ هذه المشاكل بواسطة من يحيط بهما، كما أنّ الزواج المتأخّر يخلق مشاكل للمجتمع([276]).

ويلاحظ السيّد أنّ تقاليد المجتمع في فرض القيود الاقتصادية والاجتماعية، استطاعت أن تزرع حواجز حديديةً على مسألة الزواج، بحيث لا يتمّ إلاّ في سنّ الثلاثين أو أكثر، غير أنّ الزواج المبكر ـــ مع احتواء مشاكله ـــ يمثّل حلاًّ أساسياً في الإسلام([277]).

ويرى السيّد أنّ المراقبة الأبوية لسلوك المراهق ضروري، وفي هذا يقول: إنّ المراقبة ضرورية، حتى نعرف شبابنا وطلبتنا وأبناءنا، ولذلك ينبغي أن نحسن هذه المراقبة، بحيث لا يتحسّس هذا الشاب أو الفتاة بالدرجة التي تحوّل المسألة عندهما إلى عقدة، إلاّ في الحالات التي نريد أن نمارس فيها ضغطاً على المراهق، بحيث نراقبه ليشعر بأنّه محاصر بنظراتنا، حتى لا ينحرف أو يذهب بعيداً، ما يؤدّي إلى نتائج سلبية في حياته.

لكنّنا عندما نقصد بالمراقبة دراسة أوضاعه، والعمل على اكتشاف نقاط الضعف، لننبّهه إليها بعد ذلك، فلا بدَّ لهذه المراقبة من أن تكون بدرجة معقولة متوازنة، لا تسيء إلى نفسيّته ولا تعقّده. فقد تجد بعض الأبناء ينظرون إلى آبائهم أو أساتذتهم نظرةً فيها الكثير من الحقد والبغضاء، وبالشَّكل الذي يجعلهم لا يأخذون بنصائح آبائهم وأساتذتهم. إنّ علينا أن نجعل تلامذتنا يحبّوننا، وذلك من خلال الأساليب الحكيمة التي لا ترهقهم في حياتهم الناشئة([278]).

ويؤكِّد السيّد ضرورة العدل والمساواة من قبل الوالدين في تربية الأبناء، وفي هذا يقول: إنّ الأساس في الإسلام هو العدل والمساواة، وهي مظهرٌ من مظاهر العدل، فإنّ العدل قد يتمثّل في المسألة العاطفية، بحيث تعدل في عاطفتك، وهذا ما نرويه عن النبيّ (ص)، أنّه رأى شخصاً يُقبِّل أحد ولديه، فقال له: قبِّل الآخر، حتى لا يجد في نفسه شيئاً على أخيه أو أبيه.

فمسألة العدل هي من المسائل الأساسية في رعاية الوالدين لأولادهما، ولكن قد نحتاج في بعض الحالات إلى أن نبتعد عن المساواة في حركة العدل، عندما يكون أحد الولدين أفضل ديناً أو علماً أو أخلاقاً أو طاعةً، فنحاول أن نفضِّل أخاه عليه، من أجل أن نثير في نفسه الرغبة في أن يكون مثل أخيه، حتى يحصل على ما حصل عليه، أي نخلق حالةً من التنافس، وهو أمرٌ يحتاج إلى حكمة في التصرّف، حتى لا يتصوّر الولد أنّ المسألة هي أنّ الأب يعيش العاطفة تجاه أخيه أكثر منه([279]).

وفي إطار التقليد، يحبّذ السيّد تقليد الأسوة الحسنة، وفي هذا يقول: قد نلاحظ بعض الإيجابيات للتقليد عندما ترتبط المسألة التقليدية بالنماذج الجيدة والمنفتحة على المستوى الأخلاقي أو الروحي أو السياسي أو الجهادي، بحيث يكون ارتباطهم بالشخص ـ من خلال تعظيمهم له ـ هو الذي يدفعهم إلى أن يسيروا كما يسير، وأن يأخذوا بما يأخذ به، ليرتبطوا بالقيمة الإيجابية، وفي المرحلة الثانية، يدفعهم ذلك إلى الدفاع عن هذه القيمة من خلال الانفتاح على الجانب الفكري الذي ترجع إليه، أو على الظروف التي تحيط به وما شاكل([280]).

إنّ المحاكاة الإيجابية، حتى لو لم تنطلق من عنصر فكري، سوف تتحوّل إلى حالة طبيعية في الإنسان، وكما يقال، فإنّ الطبع قد يغلب التطبّع في بعض الأحيان. ولكن المسألة المهمّة، هي يتعوَّد الإنسان على أن يكون نفسه، أن يفكّر، وأن يؤمن، وأن يكتسب، بحيث تكون الصورة الإيجابية والسلبية لدى الآخرين، منطلق فكر لا منطلق محاكاة.

وتبقى المحاكاة هي الأسلوب الذي تعتمده في الحالات الإيجابية لربط الناس بالقيمة الإيجابية التي لا يرتبطون فيها ـ في البداية ـ إلاّ من خلال النماذج التي تتحرّك في الواقع، لتستطيع حمايتهم من القِيَم السلبية ريثما نعمل على تعميق هذه القيم ـ بعد ذلك ـ في نفوسهم من الناحية الفكرية أو الروحية.

أمّا عندما يكون التقليد في المضمون السلبي، فإنّ علينا أن نعمل على إنقاذ الشباب منه، بالتركيز على سلبياته والدوائر التي تنتجه، وعندما يكون التقليد إيجابياً، فعلينا أن نشجّعه، ثمّ نحاول في المرحلة الثانية أن نعمّقه، بعد أن يكون قد استقرّ في شخصية هذا الشاب من خلال المحاكاة، ونتحدَّث له عن محاسنه ومنافعه، وأنّنا نقدّر فلاناً لأنّه أخذ بهذا، ولا نقدّر هذا لأنّ فلاناً أخذ به.

إنّنا قد نحتاج في الخطّ الإيجابي في التربية إلى اختصار الكثير من التجارب، بربط الشاب بالنموذج الجيّد والحيّ للصورة، لنتولَّى بعد ذلك تعميق مفردات القيمة في نفسه، لتتحوّل إلى قناعات وأفكار وقيم شخصية، وبعد أن تتركّز الصورة، نتحدّث عن أنّ قيمة فلان أنّه أخذ بهذه القيمة، لا أنّ قيمة هذه القيمة أنّ فلاناً أخذ بها، وبذلك نربط عظمة الشخص بعظمة القيمة، بدلاً من الحالة الأولى التي تربط عظمة القيمة بعظمة الشخص.

فنحن قد نحتاج إلى تشجيع التقليد للنماذج الحيّة والجيدة كأسلوبٍ من أساليب التربية التي قد تختصر لنا الكثير من الزمن والكثير من الجهد، ولكن لا بُدّ من الدقّة والحذر في اتباع هذا الأسلوب وتحريكه، بحيث لا تكون المسألة مسألة تشجيع للتقليد، وإنّما تشجيع لمضمون معيّن قد لا تستطيع أن تعمّقه في البداية إلاّ من خلال التقليد([281]).

ويحاول السيّد أن يضع الحلول للتقليد السلبي من قبل الشباب، حيث يقول: إنّ علينا أن نقوم بحملة فكرية ضدّ التقليد من حيث المبدأ، وبالأساليب المتنوّعة، وذلك بإبراز سلبياته فيما يأخذ به الجيل الطالع من عناصر التقليد، ثمّ نحاول في الوقت نفسه أن نصنع أوضاعاً معينةً تجتذب اهتمامات الشباب في مسائلهم الحياتية، وفي المواقع الإيجابية، بحيث إذا كان لا بدّ من التقليد، فإنّ علينا أن نوجّهه إلى تقليد النماذج الجيّدة.

إنّ مشكلة الكثير من وسائل التربية، هي أنّها تنطلق من رفض وضع معيّن، من دون أن تضع البديل له، فعندما نريد أن نرفض الأزياء الخليعة، فإنّ علينا أن لا نعقّد الشاب أو الفتاة من تجديد الأزياء، بل نحاول أن نضع بديلاً من ذلك أزياء تجتذب اهتمام الرجال والنساء، ولكن بطريقة تنسجم مع القِيَم الإسلامية الأخلاقية التي تتّصل بهذا الجانب من حياة الإنسان.

وعندما نرفض الأفلام الخليعة، فإنّ علينا أن لا نغلق باب إنتاج الأفلام، بل علينا أن ننتج أفلاماً اجتماعيةً أو أخلاقيةً أو سياسيةً تجتذب الشباب من العناصر الفتية، بحيث لا تقصر عن المستوى الغنيّ للأفلام الأخرى، ولكي لا يقع الشباب في فراغ المجهول([282]).

ويتطرّق السيّد إلى الانبهار الشديد بالتطوّر الحضاري والتكنولوجي للغرب، وبخاصّة في صفوف الشباب، حيث يقول: إنّ الصورة المادية المثيرة المتنوّعة الأشكال والألوان، والضخمة في حجمها، تدفع إلى الانبهار، ولا سيّما لدى الضعفاء الذين لا يعيشون عنصر قوّة، أو لا يعيشون الإحساس بالقوّة، بل يتحرّكون في نقاط ضعفهم، وهذا هو الذي يفرض خضوع الضعيف للقويّ، وخضوع المستضعفين للمستكبرين.

ولذلك، لا بدَّ من أن ننطلق من أسلوب القرآن الذي يركز على نقاط ضعف القويّ، وعلى العناصر السلبية في شخصية المستكبر، وهذا ما يجب أن نأخذ به في التقاط كلّ عناصر الضعف الموجودة في الحضارة الغربية، وكلّ الخطوط السلبية التي تعيشها هذه الحضارة مقارنةً بعناصر القوة الموجودة في الإسلام، والخطوط الإيجابية التي تعيش في الخط الإسلامي، لنستطيع أن ننقذ شبابنا وشاباتنا وإنساننا من هذا الانبهار، ولا سيّما إذا كانت الحضارة الغربية تنطلق بطريقة تدميرية للمجتمع الإسلامي والمستضعفين، حيث إنّنا نستطيع أن نستخدم المسألة السياسية في رفض الخضوع لهذه الحضارة، لأنّها تبدو في الصورة الهمجيّة الوحشية التي تطرد كلَّ حالات الانبهار التي اتّخذها الإنسان من خلال الحضارات الأخرى.

ولعلَّنا نستوحي هذا المعنى من الكلمة المأثورة عن الإمام عليّ (ع)، عندما يتحدّث عن الدنيا: "مَنْ أبصر بها بصّرته، ومن نظر إليها أعمته". فالإنسان الذي ينظر إلى الدنيا بشكلها تعميه، ولكن من اعتبر الدنيا أساساً للدراسة ينفتح من خلالها على الواقع، فإنّنا عند ذلك نستطيع أن نبصر بالحضارة الغربية مساوئ هذه الحضارة([283]).

والتقليد الشبابي المظهري للغرب يقول عنه السيّد: أن تقلّد الآخر، معناه أن تشعر بانحناء عقلك أمامه، وبانحناء إرادتك أمامه، لأنّ الإنسان الذي يحسُّ بعنفوان عقله، هو الإنسان الذي لا يقدِّم لنفسه شيئاً إلاّ بعد أن يفرضه على عقله، أمّا عندما تقلّد أو تحاكي، فمعناه أنّك لست موجوداً، وأنّ الآخر موجود فيك، وعندما تتحرّك من خلال الآخر، فأيّ وجود هو هذا([284])؟

وعن الشباب وعلاقاتهم ببعضهم البعض، وما يمثّلون من طاقة في الأمّة، يقول السيّد: ينبغي أن تكون علاقات الشباب بعضهم ببعض علاقة المؤمن بالمؤمن، فالشباب يمثّلون قوَّة الحياة وطاقة الأمَّة، وعندما نتحدّث عن الشباب المؤمن، فالمفروض أن تكون قوّتهم وطاقاتهم وعلاقاتهم مع بعضهم البعض منطلقةً في توظيفها لخدمة الإسلام، فالله لا يتحدّث عن الشباب فقط، بل عن الشباب والشابات، وعن المؤمنين والمؤمنات. يقول سبحانه وتعالى: {وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ}(التوبة:71)، ولذلك، فالمفروض أن لا يضيِّع الإنسان طاقة شبابه في العبث وفي اللاجدية واللّهو. نعم، لا مانع من أن يلهو، ولكن على طريقة ما ذكره أمير المؤمنين (ع) فيما روي عنه: "ينبغي أن يكون للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يرمّ فيها معاشه، وساعة يخلّي بين نفسه وبين لذّتها في غير محرَّم، فإنّها عونٌ على تينك الساعتين"، "روِّحوا القلوب ساعةً بعد ساعة"، "إنَّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فليقتصروا بها على الفرائض".

إنّ الإسلام، أيُّها الأحبة، يريد للإنسان أن يرتاح، لكن لا يريد له أن يتلف عمره بالعبثية واللّهو، وإنّما يريده أن ينطلق على أساس أن يحقِّق نتائج كبرى([285]). يقول سبحانه وتعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}(المؤمنون:115).

  ويطالب السيّد الشباب بالتوازن في حياتهم بين الروح والجسد، فيقول: يحتاج التوازن في أيّ مرحلةٍ من مراحل حياة الإنسان إلى عمليةٍ داخليةٍ يحاول فيها الإنسان أن يلائم بين متطلّباته الجسدية وآفاقه الفكرية. أمّا الإنسان الذي يستغرق في هذا أو ذاك، فإمّا أن يكون مؤمناً فتتغلَّب عليه حالة الإيمان فتجرّه إلى الاستغراق الروحي، أو تطغى عليه الغريزة فتجرّه إلى اللّهو والعبث.

ولا بدَّ للإنسان الواعي لانتماءاته، والعاملين في حقل التربية، من أن يتحرّكوا في محاولات التوجيه الشبابي، ليؤكّدوا مسألة التوازن في الجانبين المادي والروحي. فإذا أردنا أن ننفتح على الجانب الروحي في شخصية الإنسان، فلا بدَّ من أن نؤكّد أنّ الروحانية لا تبتعد عن المادية في الجوِّ الوجودي للإنسان، لأنّ المادة تختزن في داخلها شيئاً من الروح، كما أنّ الروح لا يمكن أن تتمظهر إلاّ من خلال الأشكال المادية، ما يجعل من التوازن بين المادة والروح مسألةً تقتضيها الطبيعة المادية في الإنسان والطبيعة الروحية فيه([286]).

والتوازن والتنوّع في الذهنية يطالب بها السيّد، فيقول: يخطّط القرآن الكريم لبناء الذهنية الإسلامية للإنسان المسلم، على أساس التنوّع في اهتماماته ونشاطاته من خلال التنوّع في مواقعه، فإذا كانت هناك دنيا وآخرة، فلا بدَّ للدنيا من شروط للامتداد، ولا بدَّ للآخرة من شروط للتّوازن، ما يفرض الكثير من المفاهيم والأحكام المتنوّعة والعلاقات المنفتحة، وهذا هو الذي يساعد على بناء الشخصية الإسلامية المتوازنة التي تتحرّك في الحياة بشكلٍ طبيعي، بحيث تنطلق اهتماماتها الفكرية وأساليبها الحركية في خطّ الخلافة الإنسانية الكونية على الأرض، فلا مجال للانعزاليين الذين لا يمارسون أيّة مسؤولية متحرّكة في الحياة العامّة، ولا مجال للمنفتحين على الحياة اللاهية العابثة بعيداً عن المسؤوليات الجادَّة في الواقع الإنساني([287]).

ويتحدَّث السيّد عن النموّ الذاتيّ في الشخصية، وبشكلٍ متوازن أيضاً، فيقول: يقول الإسلام: لا تنمِّ جانباً واحداً من ذاتك لتترك الجوانب الأخرى، بل اجعل ذاتك تنمو في عملية تكامل، بحيث ينمو الجسد وينمو العقل والقلب والطاقة والموقع والهدف معه، لأنّ الإنسان لا يمثّل بُعداً واحداً في شخصيّته، فهو عقلٌ وروحٌ وجسدٌ وعاطفةٌ وإحساسٌ وحركة.

فالإنسان عالَم متحرِّك نامٍ، وعندما يكون عالماً متعدّد الجوانب، فلا بدّ لكلّ جانب من أن ينمو ويكبر، ولعلّ سبب مشكلتنا فيما نعيشه من واقع التخلّف على مستوى الدول والشعوب، أنّنا نعمل على تنمية جانب ونهمل بقيّة الجوانب، فيكون الإنسان كبيراً في جسده، طفلاً في عقله، ويكون كبيراً في عقله، طفلاً في قلبه، ويكون طفلاً في طاقته يتحرّك كما يتحرّك الأطفال، لأنّه لم ينمِّ طاقته الحركيّة في مسؤوليته في الحياة. لذلك يقول لك الإسلام: حاول دائماً أن تستشعر جوانب النقص فيك، لتتحرّك من أجل سدّ هذا النقص وإكماله. كن في حالة تطوّر دائم، وعليك أن تبقي في علمك احتمالات الصواب والخطأ، حتى تعيد النظر في علمك دائماً، فلا تعتبر أنّك تملك الحقيقة المطلقة، لأنّك بذلك لا تستطيع أن تكتشف الباطل الذي يختفي داخل ما تعتبره حقيقةً... فالإسلام يريد لك أن تعيش مع إنسانيّتك التي فيها عقل بحاجة إلى النموّ، وقلب بحاجة إلى النموّ، وغرائز بحاجة إلى التعقيل، ومشاريع بحاجة إلى الكمال([288]).

يُسأَل السيّد عن رأي الإسلام في الدراسة المختلطة بين الشباب والشابات، ومخاطر هذا الاختلاط، فيقول: الأصل في الإسلام عدم الاختلاط، بالرغم ممّا يثيره دعاة الاختلاط، في أنّ المجتمع المنفصل قد يؤدّي إلى نتائج سلبية في النموّ النفسي والاجتماعي وربّما الأخلاقي، لأنّه يجعل الرجل ينظر إلى المرأة من بعيد، والمرأة تنظر إلى الرجل من بعيد، وربّما تثير هذه النظرة من بعيد الكثير من التخيّلات والأفكار غير الواقعية، بينما يفقدان الوسائل المثيرة، عندما تتحوّل الحياة لديهما إلى حالة طبيعية في العلاقة الاجتماعية.

ويضيف السيّد، أنَّ التجربة الحيّة في المسألة الأخلاقية دلَّلت على أنّه كلّما كثر الاختلاط قلّ الانضباط الأخلاقي، وتحوَّلت المسائل النفسية إلى ما يشبه حالة الطوارئ، لأنّ الاختلاط، ولا سيّما في سنّ المراهقة، يثير الكثير من عناصر الإثارة، على أساس أنّ الجنس هو عنوان ذهنية المراهق والمراهقة، وهذا قد يؤدّي إلى نتائج نفسية معقَّدة إذا لم يؤدِّ إلى نتائج عملية منحرفة.

ولعلَّ هذا ما يتحدَّث عنه الكثيرون من علماء الاجتماع في مسألة الصداقة بين الرجل والمرأة، فيقولون إنّ من الصعب أن تكون هناك صداقة خالصة بين الرجل والمرأة، على اعتبار أنّ الصداقة كلّما تحوَّلت إلى حالة حميمية أكثر، جعلت الغريزة تجد طريقها إلى الحالة الجسدية للمرأة والرجل، وهذا ما لاحظناه بشكلٍ عام.

إنّ مشكلتنا الحقيقية ليست في الاختلاط، بل في أنّنا نحاول نقل التجربة الغربية إلى مجتمعاتنا، مع اختلاف المفاهيم، خصوصاً في ما يتعلّق بالحرية الجنسية التي اعتبرتها المجتمعات الغربية حقّاً طبيعياً يشكِّل وضع الحواجز أمامها، سواء كانت قانونيةً أو اجتماعيةً، ضغطاً على حرية الإنسان، تماماً كما هي الحريات الاجتماعية والسياسية. بينما ترى مجتمعاتنا أنّ ممارسة الجنس مرتبطة بالزواج، لذلك يصبح نقل التجربة الغربية إلى واقعنا، مع الإصرار على الخطوط الأخلاقية والروحية التي تؤكّد الزواج إطاراً وحيداً للجنس، يصبح مصدراً لحالة من الارتباك بين القيم المختزنة في الوجدان والواقع.

 


تاسعاً: أبعاد في التربية الإسلامية للطفل والمراهق

1- البعد الروحي

تعتبر التربية الروحية من الأساسيات في التربية الإسلامية، حيث يؤكّد السيّد ذلك بقوله: في الواقع، إنّ الجانب الروحي هو الأساس، فالقرآن يركّز على توحيد الله، وعلى أن يؤمن الإنسان بأنّ الله هو الحقيقة الأساس التي تنطلق منها كلّ الحقائق، والتي تلتقي عندها كلّ الحقائق، والذي يتمثّل الكون في وحدته من خلال انطلاقه من الله الواحد. لذلك، فقضية التوحيد هي من القضايا التي تدخل في الجانب التصويري للإنسان في المسألة الذهنية وفي الجانب العاطفي وفي الجانب الحركي الذي يتحرّك فيه الإنسان؛ بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}(الأحقاف:13)، لأنّه عندما تقول ربّي الله ثمّ تتحرّك في هذا الخطّ، فكأنّ التوحيد هو البوصلة التي تدلّك على اتجاه الطريق من أين تبدأ وإلى أين تنتهي، وكيف هو الخطّ الذي يربط بين البداية والنهاية.

هذا من جهة، كما أنّ الإيمان بالله هو عمق الالتزام بالنسبة إلى الإنسان، لأنّ الله يريد للإنسان أن يعيش وجود الله في وعيه {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}(الحشر:19). فإنّك عندما تنسى الله وتغفل عن وجوده وعن مراقبته، فإنّك تنسى نفسك من دون قاعدة ومن دون خطّ تسير عليه، ولكنّ الله أراد أن يربط به كلّ الجوانب الاجتماعية والجوانب الفردية والجوانب السياسية([289]).

ويربط السيّد بين حركة التوحيد، والوقوف أمام الله تعالى للحساب يوم القيامة، والمسؤولية ونتائجها من جهة، والجانب الروحي من جهةٍ أخرى، ويخاطب المسلمين فيقول: أقولها لكلّ المسلمين، إنّكم تفقدون الجانب الروحيّ في عمق قلوبكم وفي عمق إحساسكم وفي عمق حياتكم، مع العلم أنّ عمق الإسلام هو الروح، وعمق الإسلام هو توحيد الله وتقوى الله، والانفتاح على الله في كلِّ الأمور. لذلك اقرأوا القرآن قراءةً تفهمون منها أنّ توحيد الله فيما يختزنه من كلّ معاني الروح، هو المركز الذي تنطلق منه كلّ الخيوط([290]).

ويؤكّد السيّد ربوبية الله وماذا تعني بالنسبة إلى المسلم، فيقول: إنّ "ربّنا الله" هي الحقيقة، هي كلّ شيء، وعندما يكون الله ربّنا، فإنّ معنى ذلك أن يكون الله وجهتنا، أن تكون طاعتنا له، أن تكون عبادتنا له، أن تكون محبّتنا له، أن يكون توجّهنا إليه، أن لا نحبَّ أحداً إلاّ من خلال حبّه، وأن لا نطيع أحداً إلاّ من خلال طاعته، أن لا ننطلق في غير خطّ شرعيته، أن يكون ربّنا الله، يعني أن لا نلتفت إلى غيره، فكلُّهم عباد الله، ولذلك نقول: "أشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله"، وهذا هو الذي يجعلنا ننفتح على كلّ أنبياء الله، وعلى كلّ أولياء الله، من خلال علاقاتهم بالله سبحانه وتعالى، وبذلك لا نشعر ونحن ننفتح على نبيّ هنا، وإمام هناك، وولي هنالك، أنّنا نبتعد عن التوحيد، لأنّنا نؤمن بالنبيّ أنّه نبيّ الله، ونؤمن بالولي أنّه ولي الله، فالله هو الذي أرسل هذا، وهو الذي نصب ذاك، ونحن نطيع الله في رسوله، ونطيع الله في وليّه، عندما نتبع الله الذي يقول([291]): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(محمد:33).

ويؤكّد السيّد ارتباط الإنسان بالله في توحيده من خلال عقله وقلبه، وفي سكناته وحركاته، حيث يقول: علينا أن نعيش عمق التوحيد عقلاً، وعمق التوحيد قلباً، وعمق التوحيد حركةً، حتى نستطيع أن نوحِّد الله، وأن ننفتح على كلّ من يتحرّك في خطّ الله من خلال الله وحده([292]).

ويؤكّد السيّد أن يكون الإيمان قولاً وعملاً، وعقلاً وقلباً، حيث يقول: ليس الإيمان خفقة قلب ولا هو كلمة تنطق بها، ولكن الإيمان ذلك كلّه، وهو أن تعقد قلبك منفتحاً على الله، وأن ينطق به لسانك، فلا يكفي أن تعيشه في عقلك، بل لا بدَّ من أن يكون إيمانك على هدى قوله تعالى: {أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الزمر:13)، وأن تعلن ذلك للناس لتؤكّد موقفك، ليكون ذلك بمثابة الإيحاء النفسي الذي توحي به إلى نفسك أنّك لا تتحمّل مسؤولية إيمانك في داخل عقلك فحسب، ولكنّك تسجّل على نفسك إيمانك أمام الناس ليحاسبوك على أساسه، ثمّ تعمل على أن تتحرّك في خطّ الإيمان، لأنّ قيمة الإيمان هي بمقدار ما يحرّكك، وبمقدار ما يجعلك تستقيم في الطريق في كلّ مواقعه.

إنّ المسألة هي أنّ الإيمان حالة في العقل وفي القلب، ودليل الجدية فيها، هي أن يتحرَّك الإيمان في الواقع، لأنّ الله لم يُرِد لك فقط أن تعيش معه في الأجواء الصوفية التجريدية لتتحدّث عن حبّك له وعن عشقك له وتنفصل عن الواقع، لكنّه أعطانا معنى حبّه، وهو ليس في نبضات القلب، ولكنّه في حركة الواقع {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(آل عمران: 31). فعلامة حبّ الله أن نتبع رسول الله في رسالته، فذلك تأكيد لهذا الحبّ([293]).

يشير السيّد إلى أساليب التربية الروحية، ومن هذه الأساليب:

"أن ينفتح الإنسان على ربّه، بأن يتأمّل في عظمة الله، وأن يتأمّل في نعم الله عليه، وأن يناجي الله، وأن يشكو إلى الله همّه، ويخفِّف كلَّ أسراره، وأن يعيش مع الله في كلّ حياته، وأن يقرأ القرآن بتمعّن وتدبّر، وأن يدعو الله بالأدعية المأثورة، وأن يحاسب نفسه، فإنّ ذلك هو من أفضل الوسائل"([294]).

وفي التربية الروحية، يؤكّد السيّد أهميّة حبّ الله، حيث يقول: "فأن نحبّ اللّه تبارك وتعالى، هو أن نتّبع نبيّه (ص) في كلّ ما جاء به عن اللّه... فأن تحبّ اللّه، يقتضي أن تطيعه في مواقع طاعته"([295]).

على الإنسان أن يعيش النورانية الروحية، يقول السيّد: إنّ عليه أن يجلس ليفهم نفسه وليحاسبها ويصفّيها من نقاط ضعفها التي تحجب نور الحقيقة عنه. وعليه أن يعيش مع ربّه في صفاء روحي، وانقطاع في المناجاة، وصدق في الوعي، وأن يشغل الإنسان نفسه بنفسه وبالتفكير في آفاق ربّه، وأن يعمل على تنقية نفسه من شوائبها، فقد يدرك الكثير من ذلك في النتائج الإيجابية المترتّبة على عمليات الترويض والتزكية([296]).

ويتحدّث السيّد في مجال التربية الروحية عن الدعاء ودوره في البناء الأخلاقي والروحي للمسلم، فيقول: الدعاء فيه جانبان: جانب تتحدّث فيه مع الله وتبتهل فيه إليه وتشهده على إخلاص العبودية له، ما يجعلك تتقرّب إلى الله وتعيش في قربه، وتشعر مع ذلك بحاجتك إلى الله من خلال فقرك المطلق أمامه. وأمّا الجانب الثاني، فإنّ الأدعية، وخصوصاً الأدعية القرآنية وأدعية النبيّ (ص) وأدعية الأنبياء وأدعية الأئمّة، تشكّل مدرسةً ثقافيةً واجتماعيةً وأخلاقيةً وسياسيةً ونفسية. وعلينا عندما نقرأ الدعاء، أن نشعر بأنّنا ندخل مدرسة الدّعاء([297]).

وعندما يسأل السيّد عن استخدام الدعاء للتعبئة الروحية، يقول: كلُّ الدعاء لله، فهو يريد منك أن تطلب منه الراحة النفسية، وقضاء الحوائج وغير ذلك، لأنّ الله تعبَّدنا بذلك كله، فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر:60) وقال: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(البقرة:200-201). فهو تعبّدنا بأن نطلب منه الجنّة، وأن نتعوَّذ به من النار وما إلى ذلك([298]).


2- البعد العبادي

يؤكّد السيّد التربية العبادية في بناء الشخصية المسلمة، حيث يقول: إنّ الانفتاح على الله، هو العمق في الشخصية الذي يعزّز سرَّ القوّة لحركة التربية، وفاعلية الإرادة في الإنسان المؤمن، فكلّما كانت التقوى أكثر رسوخاً وتأثيراً في النفس وفي الواقع، عرجت روح المؤمن إلى الله، وتعمّق إخلاصه له وحضوره في قلبه، فيخاطبه خطاب القريب للقريب، والحبّيب للحبيب، فيستعيد في صلاته كلّ عقيدته ومفاهيمه الروحية المنفتحة على الحياة من خلال الله، وينطلق الصوم والحجّ والدعاء وغيرها من أساليب العبادة، لتكون أسلوباً تربوياً روحياً يأخذ الإنسان نحو التقوى والنهي عن الفحشاء والمنكر، والورع عن معاصي الله، والسموّ الروحي والأخلاقي الذي يزداد ارتفاعاً كلّما تكرّر في الممارسات الإنسانية في الأجواء العبادية الواسعة، ولكن ذلك كلّه يحتاج إلى العيش الروحي في داخل الذات، إضافةً إلى الأقوال والأفعال الصادرة عن الإنسان([299]).

كما يؤكّد السيّد في التربية العبادية، أهميّة العبادة الأخلاقية والاجتماعية وغيرها، وفي هذا يقول: إنّ مشكلة المجتمع الإسلامي، أنّ الكثير من أبنائه يتربّى بأن يصلّي ويأتي بالفروض والنوافل دون أن يكون واعياً لإيحاءات العبادة الأخلاقية، بحيث تقترب العبادة من تقاليده وأوضاعه الاجتماعية السلبية وعصبيّاته، وتلك عبادة بدون روح.

أمّا أخلاقية العلاقات الاجتماعية، والسلامة الاجتماعية، فأظنّ أنّنا لا نتربّى عليها، فنحن نتعلّم الكذب من آبائنا وأمّهاتنا، عندما يكذب الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، وعندما يكذب الأب على أولاده، ليكذب الأولاد على أبيهم... حتى إنّ الكثيرين قد يبرّرون الكذب بالتورية، وهي حتى لو أنقذت الشخص، فإنّها تعطي انطباعاً سلبياً.

نحن نحتاج إلى عبادة أخلاقية واجتماعية وسياسية وأمنية، وإلى فكر يعبد اللّه بالحقيقة، وقلب يعبد اللّه بالمحبّة، وحركة تعبد اللّه بالسير في الخطّ المستقيم، لأنّ العبادة في الإسلام ليست الصلاة أو الصوم فقط، ولكن هي أن تخضع للّه في كلّ ما يحبّ أن تفعله، وأن تخضع له في كلّ ما يبغض فتتركه، سواء كان ذلك صلاةً أو صوماً أو حجّاً أو علاقةً أو موقفاً، أو طعاماً أو شراباً وما إلى ذلك.

ويقول في موضعٍ آخر: لعلّ مشكلتنا أيّها الأحبّة أنّنا نلتقي باللّه في سطح وجودنا وسطح فكرنا، فلا تتعمّق أفكارنا باللّه، وفي سطح القلب، فلا تختزن قلوبنا في نبضاتها محبّة اللّه، وهكذا في سائر جوانب حياتنا، فاللّه عندنا كلمة وليس معنى، وهو بالنسبة إلينا مجرّد شيء نعيشه بعيداً عن واقعنا، مع أنّه أقرب إلينا من حبل الوريد([300]).

ويتحدَّث السيّد في مجال الدائرة التربوية، عن إيحاءات العبادة لعناصر الشخصية الإنسانية، فيقول: نحن نقرأ، مثلاً، في القرآن الكريم: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ}(العنكبوت:45)، فالإنسان عندما يصلِّي ويستجمع عناصر الصلاة كلّها فيما يقرأ ويركع ويسجد ويجلس ويقوم، فإنّه ينفتح على عالمٍ يشير إليه بأن يكون الإنسان الذي يعيش معنى أخلاقيته، وأن يمتنع عن كلّ ما يتجاوز الحدود، ويبتعد عن كلّ ما ينكره الله وينكره الناس.

وعندما يصوم، فإنّه ينفتح على التّقوى، لأنّ المراد من الصوم أن يربّيَ الإنسان على التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة:183). فأن تصوم لله، وتجسّد عبوديّتك له، يعني أن تكون الإنسان الذي يحرّكه صومه، لتكون الإنسان الذي يراقب عقله حتى لا يدخل في عقله إلاّ الحقّ، ويراقب قلبه حتى لا يدخل في قلبه إلاّ الحبّ، ويراقب حركة جسده حتى لا يتحرّك إلاّ في الخير. فأن تتّقي الله، يساوي أن تعيش مواقفك في الحياة، فلا تقدِّم رِجلاً ولا تؤخِّر أخرى حتى تعلم أنَّ في ذلك لله رضا. وبذلك، فإنّ الصوم يقول لك: كن الإنسان المتوازن في أفكاره وعواطفه ومشاعره وحركته، لأنّك كلّما كنت تقيّاً أكثر، كنت متوازناً أكثر، لأنّ الانحراف عن التقوى هو انحراف عن خطّ التوازن في الحياة وفي كلِّ ما تفعل وتترك([301]).

ويرى السيّد أنّ التربية العبادية ترسِّخ عند الإنسان المسلم مجموعةً من القيم، فيقول: إنّ الإنسان عندما يتعبّد للّه ويتقرَّب إليه، وعندما يعيش عظمة اللّه في نفسه وحاجته إليه في كلّ أموره، أي عندما ينطلق في هذا الجوّ المنفتح على اللّه سبحانه وتعالى، فإنّه يعيش
حالة الخشوع من خلال الرهبة أمام الله، والشّعور بالحقارة أمام عظمته
سبحانه، الأمر الذي يجعله يواجه الناس بالتواضع، ويعيش معهم بالذلّة،
ولكنّها الذلَّة التي تنسجم مع عبوديته للّه، وليست الذلّة التي يسقط معها أمام الناس([302]).

ويستشهد السيّد بأقوال الإمام عليّ (ع) فيقول: الإمام عليّ (ع) يرى في الصيام والزكاة وسائل للتربية الإسلامية، من أجل أن يتعمَّق التواضع والتذلّل والتصاغر والانفتاح على أهل المسكنة والفقر، فقد قال (ع): "انظروا إلى ما في هذه الأفعال ـ العبادية ـ من قمع نواجم الفخر ـــ يعني ما يبرز منها ـــ وقدع طوالع الكبر" والمقصود أنّها تمنع مظاهر الكبر وبداياته([303]).

ويتابع السيّد الحديث في مجال التربية العبادية فيقول: علينا أن نحاول أن نجعل من صلاتنا وصيامنا وزكاتنا وسيلةً تربويةً، بحيث لا تكون مجرّد حركات لا معنى لها([304]).

ويعتبر السيّد أنّ التقوى من العناصر الرئيسة في التربية الإسلامية، وفي هذا يقول: إنّ الخوف من الله يشكِّل عنصراً من العناصر التربوية في بناء شخصية الإنسان، حيث في القرآن نداءات متنوّعة للمؤمنين، ومن هذه النداءات، نداء لرسول الله (ص)، يريد الله سبحانه وتعالى منه أن يبلِّغه للناس، ومجمل مضمونه الحثّ على الخوف من الله. فيقول سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(الزمر:10). أي: أيّها المؤمنون، لا يكفي أن تعلنوا إيمانكم بالله بأن تقولوا: إنّنا نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّ الله يبعث الناس يوم القيامة ليجزيهم على أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ، لا يكفي ذلك، بل لا بدَّ لكم من أن تستشعروا في قلوبكم وعقولكم وأحاسيسكم الخوف من ربّكم.

والخوف ليس حالةً شعوريةً تعيشونها وتتجمَّدون أمامها، بل يجب أن يكون حالةً في الموقف والعمل، لأنّ الإنسان عندما يخاف، يتجنَّب مواقع غضبه، تماماً كما في حالات الخوف الطبيعية التي تصاحب الإنسان في الحياة، كالخوف من الموت، أو من السجن، أو من العدوّ، أو ما إلى ذلك، بحيث يتحرَّك الإنسان ليهرب من كلِّ ذلك... إذاً هناك طريق واحد، وهو أن نطيع الله ولا نغضبه، وهذا هو الطريق الذي يعبّر عنه بالتقوى([305]).

وبالنسبة إلى المعلّم والتقوى، يرى السيّد أنّه من خلال التقوى، يستطيع المعلّم أن يتقن عمله، وفي هذا يقول: إنّكم في عملكم كمعلّمين ومعلّمات في عبادة، عملكم صلاة وعبادة، عملكم حركة في خطّ التقوى، لذلك أنتم تستحضرون في أنفسكم كيف تصلّون، وكيف تتوضّؤون، وكيف تغتسلون، وكيف تحافظون على اتجاه القبلة، وكيف تدقّقون في الكلمات التي تتلونها ذكراً أو آيةً... إلخ، ولكنّكم في الصف أيضاً أنتم تصلّون لله، لذا لا بدَّ من أن تتوضّؤوا قبل أن تدخلوا الصف؛ أن تتوضّأ عقولكم وقلوبكم وألسنتكم وأيديكم التي قد تضربون بها الطالب أو الطالبة، لا بدَّ من أن توازنوا أرجلكم، لا لتمسحوا عليها، ولكن لتعرفوا كيف تركّزونها في موقع العطاء.

لا بدَّ لكم من أن تدقّقوا من موقع المسؤولية في كلِّ المعلومات التي تعطونها لأطفالكم كي تكون صحيحةً لا فاسدةً، أن تكون صواباً لا أن تكون خطأً.

قبل أن تأتوا إلى الصفّ، لا بدّ من أن تعيشوا تقوى الدرس، أن تراقبوا الله، أن تحسنوا أسلوب العطاء... فتقوى الدرس هي أن ينطلق المعلّم به وهو يتقنه جيّداً، قبل أن يطلب من الطلاب أن يتقنوه، فالخطأ في الفكرة يعني أنَّكم تربُّون عقولاً على الخطأ، وتربّون طلاباً على الخطأ، وأنتم تعرفون أنَّ البداية عندما تكون خطأً، فإنَّ الخطأ يمثِّل الخطَّ الَّذي سوف يحكم حياة هذا الإنسان، وبذلك فإنَّكم تتحمَّلون كلَّ أخطائه، عندما تكونون أوّل من بذر بذرة الخطأ في عقل هذا الإنسان.

لذلك، راقبوا الله في عملكم، راقبوا الله في التزامكم بالوظيفة، في الوقت، في أداء الدرس، في الانضباط التربوي والتعليمي والتوجيهي([306]).


3- البعد الفكري

في مجال التربية الفكرية للإنسان، يؤكد السيّد أهمية عنصري العقل والإرادة، وفي هذا يقول: إنّ الإنسان بحاجة إلى وجود عنصرين في شخصيّته من أجل أن تستقيم حركته في تنفيذ الأهداف التي يحاول أن يصل إليها:

العنصر الأول: العقل الذي يخطِّط للفكرة، فيدرس تفاصيلها بسلبياتها وإيجابياتها، حتى يحكم في النهاية على هذه الفكرة بالسلبية التي لا بدَّ من إبعاد الحياة عنها، أو بالإيجابيّة التي تحتاج إليها الحياة. وفي كلّ الواقع البشري، منذ أنْ كانت البشرية وحتى الآن، يبدأ المشروع ـــ خاصاً أو عاماً ـــــ فكرةً، ثم تتحرّك الفكرة على الأرض لكي يكون المشروع واقعياً. ولكنّ الفكرة لا تكفي وحدَها لتحقيق المشروع ما لم يتوافر العنصر الثاني.

العنصر الثَّاني: عنصر الإرادة؛ لأنّ تحويل الفكرة إلى واقع، يحتاج إلى إرادة تتحمّل كلَّ النتائج السلبية لحركة الفكرة في الواقع، فقد يدخلك المشروع في حرمان نفسيّ، أو حرمان مادي، أو حرمان اجتماعي، أو ما أشبه ذلك، وقد يؤثّر الإحساس بالحرمان في الإنسان، فيضعف إرادته أمام كثير من العوامل الخارجيّة المؤثّرة، والتي تدفعه إلى ارتكاب ما ليس له بحقّ، فيظلم الآخرين، ويعتدي عليهم أو على حقوقهم، أو ربّما تنطلق المسألة من بعض العقد النفسية والعوامل الداخلية التي قد تجعله يعيش في مزاجه الرغبة في الجريمة، والرغبة في القتل، بحيث تدفعه وتدفع إرادته نحو الفعل الإجرامي، فيقف من دون حواجز أمام الجريمة، لأنّه يعيش غيبوبةً عن مراقبة الله له، وغيبوبةً عن مراقبة من حوله([307]).

ويشير السيّد إلى التربية الفكرية، وما لها من أهمية في ترسيخ الإيمان، وفي هذا يستشهد بما كان يقوم به نوح (ع)، فيقول: وهكذا نجد أن نوحاً (ع) كان يحاول أن يستثير في قومه عناصر التفكير في أنفسهم وما حولهم، ممّا يمكن أن ينفتح بهم على آفاق الإيمان، فلا ينظروا إلى آيات الله في الكون نظر الذي لا يعقل شيئاً ممّا يرى، ولا يبحث عن أسرار ما يشاهد، وأسرار القوانين التي يتحرّك من خلالها الكون كلّه. وقد كان من وظيفة هذه الآيات، أن توجّه الإنسان إلى السير في خطّ التفكير في أسرار الكون وفي نظامه([308]).

وفي مجال التربية الفكرية، ينتقد السيّد المفهوم السّائد حول طريقة تربيتنا بالقرآن، ويؤكّد ضرورة تمثّل القرآن فكرياً، فيقول: القرآن بالنسبة إلينا يمثّل كتاباً تقليدياً نقدّسه، وحتى عندما نستلهمه، فإنّنا نستلهمه بطريقة تقليدية، فلا نبادر إلى القرآن لنأخذ منه الفكرة ونبحث بعد ذلك عن خصوصياتها وملامحها وتفاصيلها، وهكذا في المجالات الفكرية.

فإنّ القرآن، استناداً إلى هذا المفهوم السّائد عند النّاس، لا يمثّل الوجه الأول الذي نلتقي به عندما نريد أن نلتقي بالمفهوم الإسلامي، وإنّما نلتقي به كشاهدٍ فقط، ولهذا أصبح القرآن بعيداً عن حال التمثّل الفكريّ التي تعتبر مفهومه هو القاعدة التي تحكم على بقية المصادر، ولعلَّ هذا الاتجاه هو الذي جعل الذين يحملون اتجاهات مذهبية أو فكرية معيّنة، يلجؤون إلى القرآن ليخضعوه لمذاهبهم، لا أن يستنطقوه لمعرفة صحّة مذاهبهم أو فسادها([309]).

ويرى السيّد أنّ وعينا للمسألة القرآنية تغلب عليه القداسة الفكرية، فنحن مثلاً نقبّله ونرفعه على رؤوسنا، لكن هل حاول أحدنا أن يستنطق مشاعره الصحيحة، ليتساءل مع نفسه: هل إنّني أنظر إلى القرآن ككتاب فكر، ويحاول أن يؤكّد آياته على الخطّ الفكري والسياسي والاجتماعي وما إلى ذلك؟

ويرى السيّد أنّ القرآن يجب أن لا يفهم بطريقة تجريدية، وإنّما من خلال واقع التجربة الإسلامية الشاملة، وفي هذا، فهو يؤكّد ضرورة التربية العملية من خلال التجربة لفهم القرآن. وفي هذا يقول: القرآن الكريم لم ينـزل دفعةً واحدةً، وإنّما نزل بشكل متدرّج استمرّ مدة 23 سنة، لأنه يريد أن يكون كتاب الحركة الجديدة، ويريد أن يرافق الحركة لتنطلق الآية في حركة الواقع، ولا تنطلق لتكون مجرّد حركة فكرية.

ويؤكّد السيّد أنّنا نحتاج إلى أن نتربّى بالقرآن في منهج المعرفة والتفكير، وتحصيل القناعات من خلال الخطّ العملي الذي أكّده القرآن كأساس للمسؤولية. فإنّ القرآن لا يخدم أيّ فكر أو قناعة، إلاّ إذا انطلقت من قاعدة فكرية لا مجال للشكّ والريب فيها. ومن هنا، نرى أنّ القرآن الكريم يتعامل مع كلّ القضايا الفكرية، سواء كانت موافقةً أو مخالفةً، من موقع الحُجّة والبرهان.

كذلك نستطيع أن نتربّى بالقرآن، بأن نستلهمه في كلّ ما نعيشه في أوضاعنا الاجتماعية، وفي كلّ ما نحتاجه من قناعات، لنكون العقلانيين الذين يتحرَّكون في طريقة تكوين العلاقات من موقع العقل لا من موقع العاطفة والتقليد. وهذا الجانب هو الأساس في قوَّة الإسلام في حركة الصِّراع في العالم.


4- البعد الأخلاقي

يؤكّد السيّد في مجال التربية الأخلاقية أهميّة الإرادة في حياة الإنسان وحبَّ الله ومعرفته، ليتجنَّب الوقوع في المعاصي، فيقول: "الرجل الرجل هو الذي يقتحم الصعوبة، والرجل الرجل هو الذي يحرّك إرادته أمام كلّ الأشياء التي يشعر بأنّها تسقط إنسانيّته ومصيره. ولذلك، فالحلّ هو أن تكون لك إرادة فيما تواجه، وحاول أن تقوِّي معرفتك بالله وأن تزداد حبّاً له، وعندما تزداد معرفةً بالله في مواقع عظمته ونعمته، وعندما تزداد حبّاً لله في مواقع رحمته ولطفه، عند ذلك تشعر بأنَّ عليك أن تقدّم الحبّ لله، بأن تحرِّك إرادتك ضدَّ كلِّ ما لا يحبّه الله سبحانه وتعالى، فالإنسان إذا أحبّ الله، فإنّه لا يمكن أن يحبَّ ما يكرهه الله"([310]).

وعندما يتحدّث السيّد عن التربية العبادية الروحية في عناصر الشخصية الإنسانية، فإنّه يؤكّد أهميّة "التربية الأخلاقية المنهجية التي تفتح عقل الإنسان على الحقيقة الموضوعية في حركة المعرفة وأجواء الصراع"([311]).

ويتحدّث السيّد عن الموضوعية في إطار التربية الإسلامية، بما فيها المجال الأخلاقي، والتعامل الإيجابي في دائرة الفكر المتنوع، أو في دائرة العلاقة مع الآخر، فيقول: في الدائرة الأولى، يبتعد الإنسان عن الانفعال والتعصّب الذي يلتزم فيه عقيدة الآباء أو الانتماء إلى محيطه العائلي أو الحزبي من دون مناقشة، أو يخضع فيه للعوامل الذاتية التي تؤكّد له الجمود على قناعاته من غير مناسبة، فتكون النتيجة نظرةً محايدةً إلى الفكر الموروث أو الذاتي، من دون أن تكون له أيّة التزامات ذاتية تربطه بالعناصر الحميمة في حياته، بحيث يقف حرّاً أمام دائرته الفكرية كما يقف أمام فكر الآخر، بعيداً عن أيّة عدوانية حاقدة... وعليه أن يدخل الجدال مع الآخرين بالتي هي أحسن، بالفكر العلمي، والأسلوب الهادئ، والكلمات الواضحة المتوازنة، والجوّ المنفتح، لتكون المسألة فكراً يواجه فكراً، لا ذاتاً تواجه ذاتاً أخرى... وقول التي هي أحسن، والدفع بالتي هي أحسن، التي تعود إلى القناعة الحميمة المنفتحة على القناعة العقلية، وتؤدّي إلى الحصول على صداقة العدوّ من خلال تأكيد الدخول إلى قلبه بالأساليب الإنسانية المفتوحة على العقل والقلب معاً([312]).

وعلينا أن نعرف كيف نستمع إلى الآخر، وكيف نحترم فكره ونتفهَّم خلفياته النفسية والاجتماعية والسياسية، لنطلَّ على أفقه من الأفق الرحب الذي يجد له العذر في طبيعة الموقف من خلال الظروف العامّة أو الخاصّة المحيطة به، فلا نستعجل الحكم بالخيانة والمروق والتعصّب وغير ذلك، تماماً كما هي المسألة عندما نبرّر لأنفسنا لنجد لها العذر بعد اكتشافه([313]).

وفي الدائرة الثانية (العلاقة مع الآخر) تتميَّز المسألة بتأكيد ذهنية العدل في دراسة الحقوق والواجبات، باعتبار النظرة الحيادية إلى الذّات وإلى الآخر، في موضع العلاقة المعقّدة الناتجة من نزاع ذاتيّ أو عاطفيّ أو سياسيّ أو اقتصاديّ أو اجتماعيّ، أو من وضع معيّن متعلّق بصديق أو قريب أو مواطن أو متحزّب أو صاحب درجة اجتماعية أو سياسية أو مالية رفيعة، فإنّ الكثيرين من الناس قد يسقطون تحت تأثير العوامل الذاتية الانفعالية التي ترتبط معهم بعلاقة معينة أو تقويم محدّد، فيتعصّبون بشكلٍ أعمق من دون مراقبة الله في التزاماتهم الدينية أو العملية([314]).

وحول الموضوعية والعدالة، فإنّ السيّد يقول: يريد الإسلام للإنسان أن يكون موضوعياً بالمستوى الذي يكون فيه عادلاً، لأنّ العدالة تعني النظرة إلى المسألة من حيث طبيعتها الشرعية أو الإنسانية، بعيداً عن أيّ شيء يتَّصل بالعاطفة أو المصلحة أو العصبية أو غير ذلك([315]).

وفي ضوء ما يطرحه السيّد، يقول: نجد أنّ العدل ينطلق من النظرة الموضوعية إلى الأشياء والأشخاص، فلا ينحرف عن الخطّ على أساس القرب من الشخص أو على أساس البعد، ولا يختلف سلوكه بين صورة القوّة والقدرة والضَّعف والعجز([316]).

ويرى السيّد أنّ على المسلم أن يربّي نفسه على الموضوعية، فيقول: لا بدّ للإنسان المؤمن من أن يربّي نفسه على ذلك من خلال جهاد النفس، بالخطَّة الواعية التي ترصد كلّ خلجاتها ونبضاتها وانفعالاتها وخلفياتها المتنوّعة، لتعالج ذلك كلَّه بطريقةٍ إيمانيّةٍ حاسمةٍ، لتستقيم له رؤيته للأشياء، وعلاقته بالأشخاص، ومواقفه من القضايا الكبيرة والصغيرة، ليكون الذي يواجه الفكر الآخر بالطريقة التي يريد من الآخرين أن يواجهوا بها فكره، وليتصرّف مع الناس بالروح التي يريد لهم أن يتصرّفوا فيها معه، وهذا هو الذي يحفظ المجتمعات والمنظمات والمذاهب والتيّارات من الخلل والارتباك والاهتزاز، ويجسِّد لها قيمها الأخلاقية والروحية، ليحوّلها إلى واقع حيّ في حركية القِيَم على الأرض، فلا تكون ازدواجية بين القول والفعل، والإيمان والموقف([317]).

وفي تربية المتعلّم على الموضوعية، وتشجيعه على طرح الأسئلة على من يعلّمه، يشير إلى منهج الإمام عليّ (ع) في تعليمه لأصحابه، فيقول:

كان الإمام عليّ (ع) في تربيته لأصحابه، يتَّخذ منهجاً رائعاً قد لا يستسيغه الكثيرون ممّن يملكون المواقع العلمية، فقد كان يطلب من أصحابه إذا أفتى لهم بفتوى، أن يسألوه عن مصدرها من كتاب الله، ليعلِّم أصحابه منهجين: الأوَّل: هو أن يسألوا كلّ من يفتيهم حتى لو كان في مستوى الإمام، عن مصدر فتياه، ذلك أنّ المسألة لا تنطلق من خلال الشكّ في المفتي في عدم امتلاكه المعرفة، فيطلبون منه أن يدلَّهم على المصدر، ليتثقّفوا بذلك، لأنّ هناك فرقاً بين من يطلق الفتوى من دون أن يركّزها على الحُجَّة التي انطلقت منها، وإن كان يعيش حرفيتها، وبين من يطلق الفتوى ويشير إلى الدليل عليها، فإنّك بذلك تحصل على ثقافتين: الثقافة التي انطلقت بها الفتوى، وثقافة الفتوى ذاتها.

ونفهم من هذا، أنَّ الأئمة (ع) كانوا يريدون للأمة أن تتثقَّف بالإسلام، بحيث تحمل الثقافة الفقهية في مصادر الفتوى، بالمقدار الذي يتَّسع له فكرها ومستواها. وأمّا في الجانب الآخر، فإنّه (ع) كان يريد للأمّة أن ترجع إلى القرآن، وكان يعلّمها كيف تأخذ أحكامها ومفاهيمها منه([318]).

وعودة إلى الشخصية العادلة، فإنّ السيّد يشير إلى أنّ التربية الإسلامية تسعى لبناء الشخصية الإسلامية العادلة، وفي هذا يقول: حاولت التربية الإسلامية أن تؤكّد بناء الشخصية الإسلامية العادلة في علاقة الإنسان بالله وبنفسه وبالحياة وبالناس، فلا تكون المسألة السلوكية لديه ذاتيةً منطلقةً من حاجة المزاج إلى التّنفيس عن نزواته الذاتية فيما تريد وفيما لا تريد، بل أن تكون مسألةً موضوعيةً منهجيةً في نطاق العقيدة والشريعة والمنهج والخطّ الفكري المستقيم في خطّ العمل.

والعدل الذي تنشده التربية الإسلامية، هو عدلٌ شاملٌ لجميع البشرية، وفي هذا يقول: قد لا يكون العدل الذي يريد الإسلام للناس أن يلتزموه وأن يكون موضع اهتماماتهم، هو العدل بين المسلمين، بل هو العدل الشامل الذي يشمل الجميع حتى الكافرين، لأنّ الله لا يريد للظلم أن ينال أحداً، باعتبار أنَّ الكفر لا يمنع من وجود حقٍّ للكافر في النظام الاجتماعي الذي يكفل لكلّ أفراده العدل في الحكم على أساس الشريعة العادلة التي تعطي كلّ ذي حقّ حقّه.

وفي ضوء ذلك، لا بدَّ من التحرّك الإسلامي في العالم كلّه، على أساس مواجهة الظلم كلّه بالموقف القويّ المتحّدي لمصلحة المستضعفين المظلومين، أيّاً كان انتماؤهم المذهبي أو الديني، انطلاقاً من رسالة العدل الشامل التي يتحمّل المسلمون تأكيدها في الحياة، ومن الارتباط العضوي بين مواقع العدل والظلم في الواقع الإنساني، لأنَّ أيَّ موقعٍ للظّلم يحقِّق القوّة للموقع الآخر له، كما أنّ أيَّ موقعٍ للعدل يمنح الثبات للموقع الآخر منه، وهذا هو الذي يحدِّد للمسلمين علاقتهم مع القوى الأخرى التي تختلف معهم في الدين والانتماء الفكري والسياسي في حالات الصراع بين المستكبرين والمستضعفين، لنكون مع المستضعفين في قضاياهم العادلة ضدّ المستكبرين في سلوكهم الظالم... ونتعاون مع غير المسلمين الذين نتّفق معهم في هذا الهدف، من دون أن يؤثّر ذلك تأثيراً سلبياً في الموقف الإسلامي كلّه([319]).

 


5- البعد النفسي

يقول السيّد: يريد الإسلام للطفل أن يعيش طفولته، حتى عندما تريد أن تربِّيَهُ وتغرس في نفسه المسائل والشؤون التربوية المختلفة([320]).

إنّ نفسية الطفل خزّانٌ يمتصُّ كلّ شيء، فلا تملأوه بالعقد النفسية التي تتحرّك في خيالكم. الطفل يمتصّ، والطفل يراقب، والطفل يفهم، لا بعقله ولكن بإحساسه، لذلك كلّما فهمنا أحلام أطفالنا وآلامهم ومشاكلهم، حتى مشاكل لعبهم ولهوهم، فإنّنا نستطيع أن نعرف كيف ندخل إلى أفكارهم.

إنّ على الأسرة أن توجِّه الطفل جرعةً جرعةً، وأن ندرس ما حوله، وندرس الوسائل التي نحاول أن نغيّره من خلالها([321]).

إنّ السيّد يؤكّد الجانب النفسي في تعامل الأهل مع الأطفال، وهو ينطلق في ذلك ممّا روي عن النبيّ (ص): "من كان له صبيّ فليتصاب له"، أي فليمثّل دور الصبيّ معه، فيلاحظ كيف يتكلَّم الصبيّ فيتكلّم بطريقته، وكيف يلعب فيلعب معه، وهكذا. ولكن بعض الناس يعقّدون أطفالهم بلا سبب، كما في قولهم: اجلس لا تتحرّك، كن مهذَّباً، دع هذا، لا تفعل ذلك... في حين أنّ الطفل إذا لم يلعب أو يتحرّك أو يتكلّم، فإنّ ذلك سوف يحدث في داخل نفسه فراغاً، ويخلق له عقدةً نفسيةً. نعم، علينا أن نوجّه لعبه بأن لا يضرّ نفسه باللّعب... ويخاطب السيّد الأب والأمّ بقوله: ضع نفسك مكان ابنك صغيراً وشاباً، وتذكّر كيف كنت تريد من أبيك أن يتعامل معك، وافعل مع طفلك بحسب ما كنت تتمنّى أن يتعامل أبوك معك([322]).

وفي مجال تربية النفس، يتحدّث السيّد كثيراً عن موضوع النيّة وأهميتها في تربية الجوّ الداخلي للنفس، وفي هذا يقول: لا بدَّ لنا من أن نعمل على أن نربّي كلّ هذا الجو الداخلي الذي يتّصل بالفكر الذي يوحي إلينا بنيّة الحقّ، ويتّصل بالقلب الذي يوحي إلينا بنيّة الخير، ويتّصل بالعمل الذي يتحرّك من خلال نيّة الإخلاص لله في العبادة وفي الحياة بشكلٍ عام.

وقد ورد في بعض الأحاديث، أنَّ الله يوفّق الإنسان على قدر نيّته، وكلّنا نطلب التوفيق من الله سبحانه وتعالى في كلّ الأمور، فعن عليّ (ع): "على قدر النيَّة تكون من الله العطية"، و"من حسنت نيّته أمدّه الله بالتوفيق"، فإذا كان الله سبحانه وتعالى ينظر إلى نيّتك في رضاه عنك وفي قربك منه، فلا بدَّ لك من أن تحسن نيّتك لتحصل على رضوان الله، ولتحصل على توفيقه سبحانه وتعالى([323]).

ويؤكّد السيّد في موضوع التربية النفسية، أهمية مراقبة النفس، فيقول: هذا هو ما أكّده الإسلام في أخلاقياته، وخصوصاً في قضية محاسبة النفس، حيث لا بدَّ للإنسان من أن يحاسب نفسه دائماً، لأنّ الناس قد تُشغل الإنسان عن نفسه، خصوصاً إذا كان للشخص موقع اجتماعي متميّز، فيضخّمونه ويعظّمونه ليستغلّوه في جوانب أخرى بقولهم: أنت الشخص المجدِّد، وأنت الشخص الذي يملك الثقافة وما أشبه ذلك. والإنسان عادةً، وبشكل لا شعوريّ، يؤخذ بتلك الواجهات. ولذا لا بدّ للإنسان من أن يوازِن بين نقاط الضعف ونقاط القوّة في نفسه. ولذلك جانب عملي أيضاً، لأنّك عندما تطّلع على نقاط القوَّة في نفسك، فإنّك تحاول أن تنمِّيَهَا، وعندما تطَّلع على نقاط الضعف، فستحاول من أن تزيلها. ولكنّ المشكلة أنّنا شُغِلنا عن أنفسنا بما حولنا وبمن حولنا([324]).


6- البعد الرياضي

يحاول السيّد أن يوضح المفهوم الإسلامي للممارسات الرياضية، من سباحة ورماية وركوب خيل... فيقول: إنّ الأحاديث التي طرحت الأثر: "علِّموا أولادكم السّباحة... إلخ"، كانت تستهدف التدريب على حركة الجهاد في ساحة الحرب، فمن الطبيعي أنّ الرمي كان من الوسائل التي يستخدمها المسلمون في حروبهم، كما أنّ السباحة تتحرّك في هذا الاتجاه، إن من خلال الحاجة إليها في بعض الحروب، أو من خلال إنقاذ بعض الغرقى، أو من خلال قطع المسافة بين موقع وآخر، ممّا يمكن أن يجتمع في أجواء الحاجات الإنسانية، سواء في حال الحرب أو في حال السلم، وهكذا بالنسبة إلى ركوب الخيل، بالأسلوب الذي يجعل الإنسان حاضراً على أن يحرّك طاقته أو خبرته في طريقة ركوب الخيل، فالوثب يحتاج إلى السرعة لركوب الخيل لمواجهة التحدّيات الأخرى في هذا المجال. وكلّ وسائل التدريب العسكري هي من أساليب الرياضة العلمية أو الرياضة التكنولوجية، إذا صحّ التعبير، من أجل مواجهة التحدّيات الكبرى التي قد تفرض علينا ساحة الحرب. إنّ الأثر يتحدّث عن نماذج كانت في الماضي، ومن الطبيعي أنّ كلّ وسائل الحرب تتقدّم وتتطوّر، حتى يمكن لنا أن نقول: علِّموا أولادكم الطيران، وعلِّموا أولادكم إطلاق الصواريخ وإطلاق رصاص البندقية وما إلى ذلك ([325]).

ويشير السيّد إلى الغاية من الرياضة، فيرى أنّ الغاية الأولى هي تربية الجسد على قاعدة القوّة التي يملك فيها الجسد النموَّ والحركة، بالمستوى الذي يمكن للإنسان أن يحصل على نتائج عملية في قوّته الذاتية، وفي مواجهة الذين يفرضون عليه القوّة، وربّما تمتدّ كلمة الرياضة إلى بعض الآفاق التي تتحرّك فيها بعض الوسائل التي تنمّي الروحية التي تتيح للإنسان، إضافةً إلى قدرته على التحكّم في حركة جسده بطريقة إرادية، أن ينفتح على عالمٍ من التأمّلات الروحية والتركيز الفكري، وهذا ما تمثّله رياضة اليوغا المعروفة التي تتجاوز الجانب المادي في الجسد، إلى الجانب الروحيّ والفكريّ الذي يعين الإنسان على أن يستغرق في فكرة مركزية واحدة، فلا يضيع فكره في الأفكار التي تتداخل فتحجب عنه صفاء الرؤية.

أمّا الغاية الثانية من الرياضة، فهي التي تتحرَّك من خلال الروحيَّة الرياضيَّة التي تنفتح عليها أخلاقية الرياضيين، فالرياضة ليست عملية مغالبة بين شخص وشخص بالمعنى الذاتي الأناني للمغالبة، بحيث يحاول أحد اللاعبين أن يقهر الآخر وأن يسقطه ويسقط كرامته عندها، بل إنّها عملية تنافسية يحاول كلّ واحد من الطرفين أن يحرّك طاقته في تنافس مع طاقة الآخر، كوسيلةٍ من وسائل تنمية الجانب الغنيّ في حركة الطاقة هنا وحركة الطاقة هناك، ثم يلتقيان عندما يسبق أحدهما الآخر على المحبّة والعناق. ومن هنا، تحوّل هذا الاستهداء بالرّوح الرّياضيّة إلى إيحاءٍ لكلِّ حركة التنافس الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي، في ساحة الصراع والتنافس. لذلك، للرياضة دورٌ مادي وأخلاقي، وهو دورٌ يرتفع ليكون لها دور روحيّ وفكريّ([326]).

ويتحدّث السيّد عن الرياضة وما تمثّله للجسد، فيقول: إنّ الرياضة بما تمثّله من حركية الجسد، سواء من الناحية التي تمنحه القوّة، فيما تنطلق به الرياضة من تقوية طاقة الجسد، أو الرياضة التي تمثّل حركةً فنيةً توحي للإنسان بكثير من المعاني التي تجعله يملك التحضير الجسدي، تتحوّل إلى شيء من العبادة، عندما تتطوّر في تجربة الإنسان، وينفتح من خلالها على الله سبحانه وتعالى([327]).

ويتحفَّظ السيّد عن العصبية التي يعيشها الكثير من الشباب في العالم، وفي عالمنا العربيّ والإسلاميّ، وبخاصة كما يقول تجاه أبطال الرياضة، بالمستوى الذي ربّما يتحوّل إلى حالة سلبية في العلاقات أو الهتافات أو ما إلى ذلك، كما يحدث في هذه المرحلة، عندما نجد أنّ العالم يهتمّ بمسألة المونديال، بحيث ينسى كلّ قضايا الإنسانية، وكلّ المآسي التي تحدث في هذا المجال.

ونحن نرى العالم العربيّ، وربّما العالم الإسلاميّ، يتابع مسألة المونديال بحماس وعصبية تجعله يستغرق في هذا المُناخ، وينسى ما يحدث في العراق، وما يحدث في فلسطين، وما يحدث في أفغانستان، وما يحدث من المظالم التي يمارسها الحكّام الديكتاتوريون الذين وضعتهم الولايات المتّحدة الأمريكية ليحوّلوا بلدانهم إلى سجون لشعوبهم، وما تقوم به أميركا من ضغوط على كلّ القضايا الإنسانية في العالم، لخدمة مصالحها الاستراتيجية هنا وهناك. إنّنا لا نمانع أن تكون للشباب اهتماماتهم، ولكن بالطريقة التي لا تتحوّل فيها هذه الاهتمامات النفسية إلى حالة من الغفلة التي تشغلهم عن قضاياهم الحيوية المرتبطة بقضايا الإنسان في مناطقهم أو في العالم([328]).

ويرفض السيّد المُناخ العصبيّ الذي يسود المباريات الرياضية في الداخل والخارج، وكذلك استخدام المفرقعات وما تعبِّر به عن ذهنية متخلّفة، فيقول: هناك نقطة يجب أن نلاحظها في هذا المُناخ العصبيّ الذي يشمل مشجّعي الرياضيين في الداخل والخارج، وهي أن يتحوّل إلى حالة يفقد فيها المشجِّعون الذهنية الرياضية التي تعتبر الرياضة مجرّد حركة تنافسية بين فريقين، من دون أن تترك في خلفياتها أيّة حالة سلبية، ولكنّنا نجد أنّها قد تتحوّل إلى حالة عدوانية، كما يحدث حتى في بعض البلدان الغربية، عندما يسقط فريقاً آخر، وقد يثيرون الفوضى وما إلى ذلك، ما يدلّ على أنّ الحركة الرياضية تتحوّل إلى مجرّد حركة شكلية، من دون أن تنطلق من روحٍ تجعل الإنسان يتقبَّل الخسارة من الفريق الآخر بروحٍ واقعيّةٍ تعتبر أنّ التنافس قد يحقّق لها موقعاً إيجابياً، أو يحقّق لذاك موقعاً إيجابياً.

أمّا بالنسبة إلى المظاهر الّتي ترافق تشجيع الفريق الوطني، فالمسألة في لبنان تتحرّك من خلال حالات التخلُّف الانفعالي الذي يتحرّك به اللبنانيون بالطريقة غير المعقولة، فالتّعصّب لهذا الفريق أو ذاك، أو التعبير عن هذا التعصّب، لا ينطلق من فكرة، ولا من حالة وطنية أو حالة عربية أو إسلامية أدّت إلى ذلك. ولهذا، فإنّ الحماس في ظلِّ هذا الجوّ، يمثّل حالةً من التخلّف لا تقتصر على هذا الوضع، بل إنّها تمتدُّ لتصبح حالةً كارثيةً في بعض المواقع، وذلك عندما نجد أنّ القضية قد تتحوَّل إلى شعاراتٍ مذهبيّةٍ من مشجِّعي فريقٍ ضدّ مشجّعي فريقٍ آخر، بحيث تستخدم فيها كلّ كلمات السباب والشتائم حتى التعرّض للمقدّسات... ما يفرض علينا القيام بعملية تربوية أخلاقية، تجعل الإنسان يعترف بالإنسان الآخر، ويتوازن في نظرته إليه، وفي تقديره له([329])...

وحول استخدام المفرقعات، يرى السيّد أنَّ المفرقعات في المناسبات الرياضية والأعياد وما إلى ذلك، تلك المفرقعات التي تهزُّ البلد، إنّما تعبّر عن الذهنية المتخلفة التي تجعل الإنسان يسيء إلى واقع الهدوء الذي يحتاجه المجتمع، وقد عبَّرت عن هذا الذوق بالذوق الحمّاري، لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}(لقمان:19)([330]).

ويكرّر السيّد رفضه توظيف الرياضة طائفياً، فيقول: إنَّ الرياضة تمثّل وسيلةً إنسانيةً من أجل صنع القوّة المادّية للجسد، والقوّة الدفاعية للإنسان، والقوَّة الروحية والأخلاقية فيما تتحرّك به بعض أنواع الرياضة، أو في ما تتحرّك به الروح الرياضية.

أمَّا في دائرة المشاعر الطائفية الخانقة التي تتمثّل بين وقتٍ وآخر ببعض الانفعالات التي تحدث بعيداً عن الروح الرياضية، لتعلوَ بعض الهتافات المذهبية والطائفية السلبية عندما يتغلّب فريق مذهب أو طائفة على فريق مذهب أو طائفة أخرى، فإنّ هذه المشكلة هي في التربية اللبنانية الطائفية التي تعبِّئ الحسّ الطائفي بالحقد بعيداً عن أيّ روح رياضية، وهذه سلبية نسجِّلها على بعض الفرق الرياضية التي تثير الحسّ الطائفي بطريقة مرضية بين وقتٍ وآخر. ولا بدَّ للقائمين على شؤون الرياضة والقائمين على شؤون البلد، من أن يعالجوا هذه المشكلة، بأن يعيش الإنسان حتّى في خطّه الديني والمذهبي، إنسانية الدين وإنسانية المذهب([331]).

 أمّا بالنسبة إلى المرأة والفتاة وممارسة الرياضة، فيرى السيّد أنّ حاجة الرجل إلى الرّياضة ليست أكثر من حاجة المرأة إليها، إن من خلال الحاجة الذاتية لتربية القوّة في الجسد، أو من خلال الحاجة الدفاعية لمواجهة القوّة الغاشمة التي تتحرّك بطريقة التسلّط على الإنسان.

وبالنسبة إلى الفتاة، فإنّ الإسلام لا يمانع ممارسة الفتاة للرياضة، ولكن هناك تحفُّظات إسلامية بالجانب الخارجي من حركة الرياضة، والإسلام لا يحرّم على الفتاة أن تمارس أيّ رياضة، بما في ذلك رياضة الملاكمة، ولكن الإسلام فرض أسلوباً شرعياً في مسألة ستر الفتاة، أيّ مراعاة الأسلوب الشرعي([332]).

ونختم مع السيّد في مجال الرياضة بقوله: إنّ الرياضة ليست وسيلةً من وسائل ملء الفراغ فحسب، بل هي وسيلة من وسائل تربية الجسد، فإذا أضفنا إلى ذلك الروح الرياضية التي يمكن أن تحكم الجوّ الرياضي، فإنّها قد تكون وسيلةً من وسائل تربية الروح في انفتاحها على ساحة الصراع مع الآخر، بحيث تقبل الهزيمة بطريقة هادئة، ومن دون أن تضيف إلى الصراع صراعاً نفسياً.

إنّ علينا أن ندرس هذه الأمور (الرياضة وغيرها من وسائل اللَّهو) من خلال الإيجابيات التي تحكمها، والتي يمكن أن تتطوّر تبعاً لتطوّر الزمن، إن من حيث الوسائل، أو من حيث المواقع والأجواء التي يمكن أن تهيّئها في هذا الاتجاه([333]).


7- البعد الجنسي

عني الإسلام بتربية أبناء المسلمين وإعدادهم للحياة في كافَّة المجالات الجسمية والنفسية والاجتماعية والمعرفية والروحية، بشتَّى الوسائل والأساليب، بهدف إيجاد جيلٍ يسهم في بناء حضارة الأمّة، جيلٍ يتمتَّع بالاستقامة والاتّزان والنجاح.

لقد غفلت العديد من أسرنا ومؤسَّساتنا التربوية عن تنشئة أبنائهم وتربيتهم إيجابياً، واتّباع الصراحة والمكاشفة في الموضوعات الجنسية التي تطرأ على حياتهم في الفترة التي ينحون بها نحو البلوغ والرجولة على وجه الخصوص، ظنّاً من الأهل أنّ هذا يفتح أمام أبنائهم أبواب الانحراف والاضطراب السلوكي، لأنّ التداول في مثل هذه الأمور ذو حساسية، ولأنّ جهل كثير من الأهل يصعِّب عليهم الردّ على أبنائهم. وهنا يلفت نظر الأهل إلى أنّ هذه المعلومات قد يأخذونها بشكلها السلبي، سواء من الأصدقاء، أو من وسائل الإعلام.

والآن لندخل في رحلة مع السيّد ليدلي بدلوه في هذا المجال، فهو يحدّثنا عن الغريزة الجنسية، واعتبارها من الحاجات الأولية للفرد، يقول: "ليست الحاجة الجنسية ماديةً بحتةً، بل هي حاجة مادية ومعنوية، يترافق فيها الجانب الغريزي والجانب الإنساني"([334]).

ويتحدّث السيّد عن البيئة والجوّ الجنسيّ فيقول: إنّ المشكلة التي يعيشها الشباب، هي أنّ الجوّ العام للمجتمع بفعل الحضارة الغربية، أصبح جوّاً جنسياً، وأصبحت مسألة الجنس من المسائل التي يعيش فيها الإنسان حريته، تماماً كبقيّة حرياته الأخرى في الجوِّ العام، ولولا أنّ المجتمع الشرقي يعيش نوعاً من الالتزام والمحافظة، لأمكن لهذا التوجيه الحضاري المنحرف أن يحوّل الواقع الشرقي من الواقع الإسلامي، إلى ما عليه الناس في الغرب. ولذلك، فإنّك عندما تحرّك الثقافة الجنسية بدون حذرٍ دقيقٍ في مثل هذا الجوّ، فإنّك قد تسهل بهذه الثقافة حركة الانحراف، فما قلته، لم يكن منطلقاً من الحذر في تحصين التجربة الثقافية، حتى لا يتحوّل إلى انحراف في التجربة العملية([335]).

ويحدّثنا السيّد عن الآداب السلوكية والمتعلّقة بالجنس في حياة الزّوجين، مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية، يقول السيّد: إنّه أمام الأولاد، ليس من الطبيعي أو الصواب، أن يتحدّث الزوجان أو يمارسا أيّ سلوك جنسي، لأنّ المشاهد الجنسية مهما كان مستواها، قد تثقل نفسية الأولاد، وتسرّع نضوجهم الجنسي، وتدفعهم إلى محاكاة آبائهم في سنّ مبكرة لا تسمح لهم بمثل ذلك، وربّما ينعكس ذلك على حياتهم الأخلاقية المستقبلية.

ويضيف السيّد أنّ الإسلام أراد لحياة الزوجين الجنسية أن تكون منطقةً خاصةً جدّاً، وأراد لهما الستر فيها، سواء أمام الأولاد أو أمام غيرهم، ونحن نقرأ أنّ الأولاد الذين قد يرون آباءهم وأمّهاتهم وهم يمارسون الجنس، قد يصابون بالانحراف، أو بعقد نفسية لا يسهل شفاؤهم منها، لأنّهم يفهمون المشهد بطريقة مغايرة لما هو في الواقع. لذلك لا يجوز تحت أيّ اعتبار اطّلاع الأولاد على هذا الشقّ من علاقة أبويهم، بل لا بدَّ من أن تكون تلك العلاقة من المسائل المستورة الخفية([336]).

وكذلك ما يتعلّق بضيق المكان في المنـزل، ونوم الإخوة بعضهم مع بعض في مكان واحد، يقول السيّد: لا بدَّ من توخّي الدّقة في ذلك، باعتبار أنّ التماس القريب، وخصوصاً بوجود المراهقين، قد يوقظ الناحية الجنسية فيهم. وهذا ما نلاحظه في مسألة عدم تشجيع الإسلام على نوم الإخوة الصغار في فراش واحد، فالتّفرقة بينهم في المضاجع، إنّما هدفها النأي بهم عن التماس الجسدي الذي قد يوحي إليهم بالانحراف، ونحن نعرف أيضاً، أنّ الإسلام قد حذَّر الزوجين من الاتصال الجنسي مع وجود ولد يسمعهما وليس فقط يشاهدهما. والتفريق بين الأولاد في المضاجع، ينبغي أن يتمّ دون إشعارهم بهذا الجانب. بعبارة أخرى، عندما نريد أن نعالج مشكلةً محتملةً، يجب أن نعالجها بالطريقة التي لا تخلق مشكلة([337]).

أمّا بالنسبة إلى التّربية الجنسية والأعراف الاجتماعية ومفهومها القيمي الاجتماعي، فإنّ السيّد يرى أنّها ضمن القيم الاجتماعية الصعبة. والتساؤل الذي يطرح: كيف يمكن لمفهوم الجنس أن يأخذ طريقه السويّ الخالي من العقد والتعقيدات؟

يجيب السيّد: يحصل ذلك بتغيير المفهوم القيمي الاجتماعي للجنس، والخروج عن كونه قذارةً أو امتهاناً لكرامة المرأة، وبثورة اجتماعية على تقاليد الزواج بغية جعله علاقةً بسيطةً وطبيعيةً لا تنفتح على التهاويل الاجتماعية التي ورثناها من حضارات غير إسلامية، لأنّ الإسلام يريد للزواج أن يكون حالةً ذاتيةً جدّاً بين الرجل والمرأة([338]).

والسيّد بحكم إطلالاته الكثيرة على شريحةٍ من أفراد المجتمع من آباء ومربّين، يرى أنّ هؤلاء لا يجرؤون على مفاتحة أبنائهم، وأنّهم يفتقرون إلى العلم والمعرفة الحقيقية التي تهتمّ بالتربية الجنسية، فيقول: إنّ مسائل الجنس هي تماماً كالمسائل العملية الأخرى التي نحتاج إلى أن نشرحها للطفل، فقد لا تكون هناك ضرورة، ولا الأجواء ملائمة لأن يعيَ الطفل مثل هذه الأمور بالمعنى التفصيليّ، بل يمكن أن يفسّر له قضية الولادة كما هي قضية الزرع أو البيضة.

هناك وجود وضع اجتماعي رافض، بحيث يرفض هذا الأسلوب رفضاً حاسماً، وإن كان يمارسه في العلن. فلا بدَّ لنا من أن نثقّف المجتمع في هذا المجال، ونثير المسألة كرأي عام للمجتمع، وأن نقدّم إلى الآباء والأمّهات الأساليب الحكيمة في الثقافة الجنسية التي يجيبون من خلالها على أسئلة الطفل.

أمّا المادة الجنسية التي يؤيّد السيّد تدريسها، فهو يقول: من الطبيعيّ أن تدرس طبيعة كلّ مادّة علمية من حيث تأثيرها الإيجابي أو السلبي في الطالب الذي نقدّمها إليه، وما يمكن أن تؤدّي إليه من سلبيات وإيجابيات في الأجواء العامّة([339]).

فالسيّد ليس ضدّ تدريس الجنس في المدارس وفي أيِّ موقعٍ من مواقع الحياة، وهو يقول: نحن نلاحظ أنّ الآيات القرآنية والمصطلحات الفقهية تتناول الجنس كحاجةٍ طبيعيةٍ من حاجات الإنسان، ولكن قد يترك تدريس الجنس في الأجواء المشحونة بالإثارة الجنسية، في بعض مراحل العمر تأثيراً سلبياً في مَن يتلقَّاه، وهذا ما نلاحظه في أطفال اليوم الذين تنفتح ميولهم الجنسية في سنّ مبكرة جداً، محاكاةً لما يطلَّعون عليه من الأفلام التلفزيونية أو الفيديو، أو محاكاةً للوالدين عندما يطَّلعون صدفةً على علاقتهما الحميمة وما إلى ذلك. لهذا، لا بدّ من أن نكون دقيقين جدّاً في إيصال المعلومات الجنسية إلى الطفل، وهنا أريد أن أؤكّد هذه الكلمة، فالمطلوب هو الحذر والدقّة فوق العادة، حتى لا يكون تعليم الجنس في سنّ مبكرة وسيلةً من وسائل إيقاظ حاجة الطفل الجسدية قبل الأوان، دون أن يكون مهيّأً لإشباع تلك الحاجة بالطريقة السويّة. ونحن في كلامنا هذا، نقصد المرحلة التي يملك فيها الطالب أو الطالبة وعي الجنس، أمّا في مرحلة ما بعد البلوغ، فقد لا تكون هناك مشكلة في التربية الجنسية إذا أحسن المعلّم تدريس الجنس بأسلوب علمي لا يُؤدّي إلى أيّ نوع من أنواع الإثارة([340]).

أمّا بالنسبة إلى الأهل، فإنّ عليهم أن يربّوا أولادهم ويثقّفوهم في الجانب الجنسي، ويرى السيّد أنّه قد يحول الخجل دون الحديث عن الجنس، حيث إنّ هذا الخجل مردّه إلى التقاليد التي أثّرت في الذهنية العامّة للناس وفي عادات المجتمع. وعلى الأمّهات، كما على الآباء، كلّ في دوره، أن يتجاوزوا ذلك الخجل بما أكّده الشرع من ضرورة تأمين المعرفة للولد بهذه الأمور قبل أن يفاجأ بها، فعلى الأمّ أن تعرّف ابنتها بكلّ ما يطرأ على جسدها من تبدّلات، كالدورة الشهرية مثلاً، وعلى الأب أن يعرّف ولده بمسألة الاحتلام وما إلى ذلك، كي لا يعيش الولد أو البنت حالة قلق من هذا التطوّر الجديد في جسديهما([341]).

ويتعرّض السيّد إلى موقف الأهل من أسئلة الأبناء عن حقيقة وجودهم، وكيف جاؤوا إلى هذا العالم، حيث يتهرَّب الأهل من الإجابة، أو يعنّفونهم أو يعطونهم أجوبةً غامضةً، علماً أنّ الدافع الذي يحرّك الأطفال تجاه هذه الأسئلة والاستفسارات، هو حاجة نفسية تسمّى حبّ الاستطلاع، إذ إنّه في فطرة الأطفال أسئلة، علينا أن نعمل على الإجابة عنها.

يقول السيّد: من الطبيعي أيضاً أن تجيب الأم ابنتها أو الأب ابنه على ما يمكن أن يوجّهانه من أسئلة محرجة، كمسألة الولادة كيف حصلت؟ ومن أين؟ وبأسلوب علمي ودقيق جداً، حتّى عندما يتناول الأمر وظيفة الأعضاء في العلاقة الجنسية، لأنّنا وصلنا إلى عصرٍ تعدَّدت فيه مصادر المعرفة، بحيث أصبح الأبناء يتفوَّقون على الآباء والأمهات في معرفتهم حتّى في هذا المجال. فإذا لم يوفّر الأهل لأولادهم مصدراً أساساً للمعرفة الجنسية، فإنّهم قد يحصّلون معلوماتهم من وسائل سلبية، كالأطفال الآخرين، أو التلفزيون أو الفيديو، أو أشياء أخرى. لذا، أعتقد أنّنا وصلنا إلى مرحلة لم يعد فيها إخفاء المعلومات الجنسية أمراً ممكناً، لذا، فإنّ توفيرها مع بعض التحفُّظات أصبح أمراً ضرورياً للمجتمع، ولكنّ بالأسلوب العلمي الدقيق الذي يبتعد عن الإثارة، مع ملاحظة سنّ الطفل والجوّ الذي يحيط به([342]).

هذا، وقد يعتقد بعض الأمهات والآباء، أنّ الحديث مع أبنائهم في أمور الجنس قد يفقدهم هيبتهم، ولكنّ السيّد يحاول أن يوجِّه هؤلاء الأمهات والآباء فيقول: إنّ لهيبة الأمّ دوراً مهماً في إنجاح العملية التربوية، وكذلك هيبة الأب، ولكن التمسُّك بصورة الهيبة هذه قد يحمل تعقيدات كثيرة في عملية التربية، لأنّ هذه الحواجز التي يضعها الأب بينه وبين أولاده، وتضعها الأمّ بينها وبين أولادها، قد تجعل الأولاد يخافون من طرح أيّ سؤال على الأب أو الأمّ، ومن التحدّث العفويّ معهما، فإنّ هذه الصورة الصارمة للأبوين، تخلق حاجزاً نفسياً لا يشعر معه الولد بحميمية علاقته مع أبيه أو مع أمّه في هذا المجال.

لذلك، لو أردنا المحافظة على هيبة الوالدين ومكانتهما دون حرمان الأولاد من الثقافة الجنسية، فبإمكان الأب والأم أن يعمدا إلى توجيه أولادهم إلى هذه الأمور الحسّاسة، من خلال أشخاص آخرين يؤتمنون على تعليم البنات والصبيان هذه الموضوعات، كما هي الحال في مدارس البنات أو الأولاد... والقاعدة العامّة تقتضي الانفتاح بتحفظ وحذر، وهذا الانفتاح هو مفتاح الأبّ والأمّ للوصول إلى أولادهم. إنّ تلك القاعدة تقتضي أن نطرح المعرفة في الهواء الطلق، وأن نجيب عن كلّ سؤال نستطيع الإجابة عنه، بالأدوات المناسبة([343]).

ويؤكّد السيّد ضرورة تعاون الأسرة والمدرسة في التثقيف الجنسي، فيقول: إنّ الأطفال يحتاجون إلى هذا اللّون من الثقافة في داخل البيت، عندما يسألون عن الولادة أو يلتفتون إلى أعضائهم التناسلية، وعندما يجد الأخ أخته بشكل يختلف عنه، فإنّه من الممكن جدّاً تثقيف الأمهات والآباء بالأساليب الواعية الموزونة التي يمكن أن تعطيَ هذا الطفل الإجابات الصحيحة بأسلوب متوازن.

أمّا المدرسة، فإنّنا تحتاج إليها، وخصوصاً أنّ الثقافة العلمية في المدارس ضرورية، ولا سيّما أنّ هناك بعض المواد المدرسية التي تتّصل بالصحة أو بدراسة الحيوانات، من حيث طبيعة التناسل فيما بينها، وما إلى ذلك من الخصائص، بحيث تجعل الطلاب يمرّون على المفردات التي يحتاجون من خلالها إلى الشرح المفصَّل للمسائل المتّصلة بالجنس([344]).

والثقافة الجنسية في المدرسة كأيّ ثقافة أخرى، علينا أن نحرّكها، ولكن بالأساليب العلمية، سواء بالكتاب أو المنهج المدرسي، أو الحوار البيتي، أو الحوار العام([345]).

ويدرك السيّد آثار وسائل الإعلام في مجال الجنس، وبخاصّة مع انتشار القنوات الفضائية وشبكة المعلومات (الإنترنت)، وبروز كثير من الأفلام والمسلسلات والبرامج التي تتنافى مع القِيَم الإسلامية. وعندما يسأل عن مشاهدة الشباب للأفلام الجنسية يقول: إنّ الأساس الشرعي الأخلاقيّ الذي يمنع النظر إلى عورة الآخر، هو نفسه الذي يمكن أن نحرّكه بالنسبة إلى النّظر إلى العورة في الصورة أو الفيلم، لأنّ السلبيات التي قد تنتج هنا قد تكون قريبةً من السلبيات التي تنتج هناك. إنّنا لا نعتبر ذلك هو الأساس في الفتوى، ولكنّنا نعتقد أنّها يمكن أن تعطينا جوّاً معيّناً للحكم، فهناك حالات قد يبتلى بها بعض الناس، بحيث يكون النظر فيها إلى الأفلام الجنسية دواءً ينقذ الحالات الزوجية، كما في حالات البرود الجنسي لدى الرجل والمرأة وما أشبه ذلك، فالمشاهدة هنا دواء للعلاج، لكن مشاهدة هذه الأفلام والصور ـــ في غير هذه المسألة ـــ يؤدّي إلى التحلُّل الروحي([346]).

ويطرح السيّد الحلَّ الإسلامي لمشكلة الجنس فيقول: إنّ حلّ المشكلة الجنسية بعيداً عن حالات الانحراف، يفرض علينا أن نسهِّل مسألة الزواج، وأن نخرجها من كلّ هذا الركام الهائل من التقاليد الاجتماعية التي جعلت من الزواج مشكلةً صعبةً في حياة الشّباب والفتيات، حتّى قاد ذلك إلى الانحراف من أوسع أبوابه([347]).

ويقول السيّد أيضاً إنّ الإسلام انفتح على الثقافة الجنسية في القرآن الكريم والسُنّة النبويّة الشريفة، وكتب الفقهاء، وبعض العلماء السابقين أورد نوادر ونكتاً ومُلَحاً حول الجنس، والكيفيّات غير العادية وغير المألوفة في العملية الجنسية، كلّ هذا على أساس أنّهم كانوا يفكّرون في أنّ كتابة مثل هذه الأمور، قد تجعل الأزواج يثقَّفون ثقافةً جنسيةً يستطيعون من خلالها تلبية رغباتهم ورغبات زوجاتهم الطبيعية، بحيث لا يحتاجون إلى تلبية الرغبات خارج نطاق الحياة الزوجية([348]).

ويؤكّد السيّد أنّ الإسلام يتبنّى الثقافة الجنسية من خلال ارتباطها بالأحكام الشرعية المستحبّة أو الواجبة أو المحرَّمة التي تتّصل بهذا الجانب من حياة الإنسان، لكنّنا عندما ندرس هذه القضية، فإنّنا نركّز عليها من ناحية المبدأ، لنؤكّد أنّها ليست في دائرة التحريم بل في دائرة التحليل.

ولكن تطوّر الأوضاع الثقافية والاجتماعية قد يخلق بعض السلبيات في الثقافة الجنسية أو في لونٍ معيَّن من ألوانها، ولا سيّما إذا كانت الأجواء المحيطة بحركة الثقافة في وعي الشاب أو الطفل تؤدّي إلى نتائج سلبية، على اعتبار أنّها تثير التجربة غير الواعية لدى الطفل أو الشاب بالدرجة التي ينحرف فيها عن الخطّ الإسلاميّ.

وعلى هذا الأساس، لا بدّ من دراسة المسألة بالكثير من الدقّة والحذر، لمعرفة الأجواء التي تحيط بهذه الدراسة، من حيث ما تستهدفه الدّراسة من شخصية الإنسان، أو الأجواء التي تتحرّك في حياته. ويقول السيّد إنّ ما أريد أن أؤكّده، هو أنّ الثقافة الجنسية لم تبدأ مع التطوّر المعاصر، بل إنّ الإسلام سبق العصر بكلّ المفردات التي تحدّثنا عنها([349]).

وبعقلية العالم المسلم المنفتح، يطرح السيّد التخطيط للثقافة الجنسية، فيقول: لا بدَّ من تثقيف الجيل الطالع والتخطيط لذلك من حيث طبيعة الأساليب والمفردات والأجواء، بحيث يغلب الطابع العلمي على المنهج الثقافي، بعيداً عن كلّ عناصر الإثارة، وذلك من خلال التأكيد للطفل أو الشاب، أنّ أعضاءه الجنسية ليست شيئاً غريباً عن حياته، بل هي شيء طبيعي جدّاً، لا يبعث على الغرابة أو العار أو العيب أو ما شاكل ذلك، ولكنَّ هناك أحكاماً شرعيةً اقتضت سترها وتحريكها في دائرة معينة، وكما يريد الله أن يحرِّكها فيها، تماماً كما تحدّثه عن أعضائه الأخرى وعن المحرَّمات فيها، بأن لا يأكل هذا ولا ينظر إلى هذا([350]).

ويؤكّد السيّد ضرورة توفّر الجوّ الملائم لهذه الثقافة، فيقول: تحتاج المسألة قبل هذا إلى جوّ ملائم، وعلينا أن نخطّط لإيجاد هذا الجوّ، لأنّ كثيراً من الأوضاع الاجتماعية قد تعتبر هذا عملاً أو ثقافةً غير أخلاقية، فإذا استطعنا أن نخطّط لذلك، فإنّنا نتمكّن من توجيه الجيل الناشئ إلى الثقافة الجنسية بطريقة علمية موضوعية، حتى مسألة الولادة ومن أين يأتي الجنين، فلا بدّ لنا من أن نصارحهم بذلك، ولكن بطريقة تخطّط لمراحل التوعية في هذا المجال، لأنّ طبيعة هذه الأمور قد تغري بعض الأطفال بالتجربة([351]).

ويرى السيّد أن بعض الأطفال عندما يشاهدون بعض الأفلام في التلفزيون، فإنّهم يبادرون إلى تطبيقها عملياً، وقد يسيئون ذلك. وهكذا نجد أنّ البعض ممّن يقرأ القصص الجنسية، أو يشاهد الأفلام الجنسية قد ينطلق بفعل الإثارة لكي يعيش هذه التجربة بشكل منحرف، في الوقت الذي تكون الأجواء الداخلية في نفسه، والخارجية فيما حوله، مثيرة، بحيث تدفعه إلى الانفتاح على التجربة عندما يتثقَّف بها، ولكنّني في الوقت نفسه، أؤكّد أنّ الأوضاع الإعلامية التي يتحرّك فيها الواقع، والتي دخلت كلّ بيت، من خلال التلفزيون والصحافة، أي الأوضاع الواقعية والأجواء التي يشاهدها الشاب أو الطفل على البحر أو غيره، أصبحت تعطي الإنسان ثقافةً جنسيةً، بحيث يتفوَّق فيها على أبيه وأمّه من حيث كثرة المفردات التي يمتلكها([352]).

ويدعو السيّد العاملين في المجال الإسلامي إلى أخذ دورهم، حيث من الضروري للعاملين في خطّ التوعية الإسلامية، أن يتحرّكوا ضمن تخطيطٍ معيّن، حتى ينقذوا الجيل من الثقافة الجنسية المنحرفة([353]).

 

الاختلاط في المدرسة والتجاوزات

إنّ الكثير من مدارسنا هي مدارس مختلطة، ومثل هذا الاختلاط تثار المناقشات حوله، فهناك من يقول إنّ المدارس المختلطة تكسر الحاجز النفسي بين الجنسين، وإنّ التعليم المتميّز والإبداعي يكمن في تلك المدارس، لما تجلبه من رفاهيةٍ وراحةٍ لطلابها، وهو صورة للانفتاح والتحضّر ومجاراة العصر.

وهناك من يقول إنّ هذا الاختلاط يقلّل من الخطر، لأنّه يعوِّد الفتى والفتاة على رؤية بعضهما البعض، وإنّ الفصل يثير الرغبة في الاستطلاع، وهناك كثير من أطباء الأعصاب وعلماء الاجتماع يدعون إلى هذا الاختلاط.

لكن هناك من قالوا إنّ وجود الجنسين تحت سقف واحد يثير الشهوة وعاطفة الحبّ بينهما، ممّا يؤدّي إلى تجاوزاتٍ شرعيّةٍ، وينجم عنها علاقات غير سويّة تؤدّي إلى مشكلات وانحرافات، ويطالبون بأن تكون العلاقات وفقاً لنظام الإسلام وشريعته.

والآن، لنرى موقف السيّد من الاختلاط في المدرسة، يقول: الأصل في الإسلام هو عدم الاختلاط، بالرغم ممّا يثيره دعاة الاختلاط من أنّ المجتمع المنفصل قد يؤدّي إلى نتائج سلبية في النموّ النفسيّ والاجتماعيّ وربّما الأخلاقي، لأنّه يجعل الرجل ينظر إلى المرأة من بعيد، والمرأة تنظر إلى الرّجل من بعيد، وربّما تثير هذه النظرة من بعيد الكثير من التخيّلات والأفكار غير الواقعية، بينما يفقدان الوسائل المثيرة عندما تتحوَّل الحياة لديهم إلى حالة طبيعية في العلاقة الاجتماعية.

ولكنّ السيّد يقول: أُلاحظ في هذا المجال، أنّ المسألة التي يثيرونها قد يكون لها دور، ولكنّ التجربة الحيّة في المسألة الأخلاقية، دلّلت على أنّه كلَّما كَثُرَ الاختلاط، قلَّ الانضباط الأخلاقي، وتحوّلت المسائل النفسية إلى ما يشبه حالة الطوارئ، لأنّ الاختلاط، ولا سيّما في سنّ المراهقة، يثير الكثير من عناصر الإثارة، على أساس أنّ الجنس هو عنوان ذهنية المراهق والمراهقة، وهذا قد يؤدّي إلى نتائج نفسية معقَّدة إذا لم يؤدِّ إلى نتائج عملية منحرفة.

ولعلّ هذا هو ما يتحدّث عنه الكثيرون من علماء الاجتماع، في مسألة الصداقة بين الرجل والمرأة، فيقولون إنّ من الصعب أن تكون هناك صداقة خالصة بين الرجل والمرأة، على اعتبار أنّ الصداقة كلّما تحوّلت إلى حالة حميمة أكثر، جعلت الغريزة تجد طريقها إلى الحالة الجسدية للمرأة والرجل، وهذا ما لاحظناه بشكلٍ عام([354]).

ويحاول السيّد أن يعطينا صورة الغرب في مجال الاختلاط، وصعوبة تطبيقه في مجتمعنا الإسلامي، فيقول: إنّ المجتمع الغربي عندما جعل الحرية الجنسية إحدى مفردات الحرية، وجعلها حالةً طبيعيةً، فإنّه لم يعد يشعر بوجود أيّة مشكلة أخلاقية في مسألة الاختلاط، بل يرى أنّ عدم الاختلاط يؤدّي إلى نتائج سلبية، ولكنّنا عندما ننطلق في مجتمع يعيش على أساس القِيَم الأخلاقية، فإنّ من الصعب أن نربط القِيَم في واقع المجتمع من خلال الاختلاط، لأنّ ذلك يتحوّل إلى مشكلة كبرى لدى الناس الذين يعيشون هذا الاختلاط([355]).

ويختم السيّد أنّ الإسلام لا يحرّم الاختلاط من ناحية المبدأ، ولكنّ الإسلام يحرّم الاختلاط الذي يؤدّي إلى الفتنة والفساد، ويكره الاختلاط الذي قد يثير بعض الإيحاءات السلبية على المستوى الأخلاقي. ولذلك، فنحن في الوقت الذي لا نجد مسألة منع الاختلاط واقعيةً في عصرنا الحاضر، فإنّ المطلوب للمجتمعات المسلمة المؤمنة الملتزمة، أن تضع الحدود الفاصلة بين الاختلاط الذي يؤدّي إلى التجربة المنحرفة، والاختلاط الذي يحقّق الإيجابيات أو الذي لا يكون له سلبيات كثيرة([356]).

ويؤكّد السيّد أن يكون للثقافة الجنسية دور مهمّ في منع الانحراف، بشرط أن تتمّ بأحدث الوسائل العلمية وأدقّها، بما يجعلها ثقافةً تخاطب وعي الإنسان لجسده أكثر ممّا تخاطب غرائزه، ثمّ بعد ذلك يأتي دور الجوّ الأخلاقي والروحي الذي يفترض أن نخلقه لمقاومة الواقع الذي يعيشه جيل اليوم، وهو واقعٌ حافل بالمشاهد التي توحي بالجنس في البحر أو التلفاز. إنّ مشكلتنا الحقيقية ليست في الاختلاط، بل في أنّنا نحاول نقل التجربة الغربية إلى مجتمعاتنا، مع اختلاف المفاهيم، خصوصاً في ما يتعلّق بالحرية الجنسية التي اعتبرتها المجتمعات الغربية حقاً طبيعياً يشكِّل وضع الحواجز أمامها، سواء كانت قانونيةً أو اجتماعيةً، ضغطاً على حرية الإنسان، تماماً كما هي الحريات الاجتماعية والسياسية([357]).

العادة السرية

تعتبر العادة السرية (الاستمناء) من أبرز مظاهر الانحراف الجنسي الذاتي، وهي عبارة عن إحساس بالنشوّة لمجرّد مداعبة العضو التناسلي حتى يحصل الإنزال، وهي نشوة غير طبيعية تعيشها مخيّلة حديث البلوغ الجاهل بالحياة الجنسية، حيث يكثر من ممارستها، ولا تقتصر على الذكور الشباب، بل تمارسها الفتيات بوسائل مختلفة.

هذه العادة السرية يحدّثنا عنها السيّد فيقول: إنّها محرَّمة إسلامياً، لأنّ الإسلام يريد للمسألة الجنسية أن تشبع بالعلاقة الزوجية فحسب، بعيداً عن كلّ الحالات الشّاذة التي تمثّل فيها حركة الجنس مجرّد حالة سلبية تنفّس عن وضع جسدي معين، من دون أيّة حالة روحية تكاملية، هذا إضافةً إلى النتائج السلبية على المستوى النفسي والحياتي([358]).

ويحاول السيّد أن يحدّد أسباب ممارسة هذه العادة السرية والتعامل معها، فيقول: علينا أن نفهم طبيعة الظروف الواقعية التي تدفع المراهقين والمراهقات إلى ممارسة هذه العادة السيّئة، لأنّ ضغط الغريزة والشهوة والانفتاح على هذا الجانب في عملية التنفيس عن هذا الضغط، يجعل هذه العملية من أسهل الوسائل للوصول إلى هذه النتائج، ولا سيّما أمام الضغط الاجتماعي الذي يمنع من وجود أيّة علاقة بين رجل وامرأة خارج نطاق الزواج الدائم، والضغط الاقتصادي الذي يمنع الإنسان الشاب من الزواج المبكر، أو ضغط التقاليد التي تمنع الفتاة من أن تبادر إلى تهيئة زوج لها، وما إلى ذلك ممّا تفرضه القيود الاجتماعية([359]).

ويضيف السيّد، أنّ المجتمع قد أغلق على المراهق والمراهقة كلّ النوافذ التي يمكن لهما أن يشبعا منها هذا الجوع المجنون الذي يولد في هذه الفترة، ودفعهم إلى ممارسة العادة السرية، شاعراً بذلك أو غير شاعر([360]).

8- البعد السياسي

هناك مقولة سائدة: "ديننا سياسة وسياستنا دين". ومع هذا، هناك من الشباب من يفرّ من السياسة وينظر إليها نظرةً عدوانيةً رافضة، ففي هذا يقول السيّد: إنّ بعض الشباب لا يفرّون من السياسة، ولكنّهم يفرّون من لون سياسي معيّن، أو من ظروف سياسية معقّدة، أو من قيادات سياسية لا تملك الطموح الكبير الذي يمكن أن يحقّق الأهداف الكبرى للشباب. ثمّ إنّ الأداء السياسي لكثير من الأحزاب والحركات، والتعقيدات التي تتحرّك في داخلها، قد تكون أحد العوامل التي تبعد الشباب عن الانخراط في هذه الأجواء من جهة، وعن الدخول فيها من جهة أخرى. وربّما نجد بعض الشباب يمتنع عن الدخول في المحاور السياسية، انطلاقاً من المفهوم السلبي للسياسة، باعتبار ما يختزنه في عقله من خلال البيئة، أو من خلال قراءاته، أو من خلال بعض الأوضاع السلبية، من قبيل أنّ السياسة تمثّل الدجل والكذب والنفاق، ولا بدَّ للإنسان من أن يبتعد عنها.

وربّما تنطلق المسألة من حالات الضعف النفسي والخوف من التعقيدات السياسية. ولذلك، فإنّنا نعتقد أنّ المواقف السلبية قد تنتج من هذا العنصر أو ذاك، ولا بدّ للعاملين في الحقل السياسي الرسالي من أن يفتحوا آفاق الشباب على الخطوط السياسية الكبرى التي تتّصل بقضايا الأمّة، وعلى النتائج الإيجابية في معاني الجهاد والتضحية والتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، بحيث لا يكون في ذلك خطر أو مشكلة([361]).

ويتحدّث السيّد عن السياسة والأخلاق، وأنّ الشباب حين يبتعد عنها ويكون له موقف سلبيّ منها، فإنّ ذلك يعود، كما يقول السيّد، إلى واقع السياسة الذي يسوده الخداع والغش والخيانة، بحيث يتّخذ صورة العمل البعيد عن الأخلاقية، وتتحوّل السياسة فيه إلى مشروع في حركة الصراع لا يلتزم بالضوابط الأخلاقية([362]).

فالسياسة قد تحتاج في تعقيداتها إلى المواقف التي قد لا تنسجم مع البعد الأخلاقي، كما لو أنّ الآخر فرض عليك واقعاً لا أخلاقياً، فلا تستطيع أن تواجه تحدّياته بوسائل أخلاقية، وإلاّ فإنّه سوف يستغل القيمة التي تؤمن بها ليضربك بها ويحاصرك من خلالها.

فعند مواجهة هذه المواقف، فإنّ هناك باباً في الإسلام ينفتح على هذه الضرورات والحالات الطارئة، فقد تفرض الظروف الضاغطة عليك أن تخرج عن خطّ الصدق إلى الكذب إذا كانت المصلحة الإسلامية العليا، أو مصلحة الناس في قضاياهم، تقتضي أن لا تصدّق، لأنّ الصدق في بعض الحالات يمكِّن الآخر من الضغط على نقاط ضعفك التي إذا حركتها إلى العلن، فإنّك تقع تحت تأثير القوّة المضادّة.

 وكذلك الغيبة والتجسّس المخابراتي وغيرهما، لأنّ الغاية في القضايا الكبرى تبرّر الوسيلة، أمّا في القضايا الشخصية الذاتية العادية، فلا يصحُّ أن تبرّر الغاية الوسيلة. إنّ الوسيلة في القضايا الكبرى يمكن أن تتحوّل من محرّمة إلى محلّلة، ومن مباحة إلى واجبة.

ولذلك، فإنّنا نعتقد أنّ الأصل في السياسة الإسلامية هي أن تكون في خطّ الصدق، وفي الخطّ الأخلاقي المستقيم، ولكن إذا حدثت ضغوط طارئة تضع المصلحة الإسلامية في هذا الخطّ، فعند ذلك تنطلق أخلاقية العمل السياسي من المصالح المستجدَّة التي فرضتها تلك الظروف الطارئة([363]).

وعن علاقة السياسة بالعدل والدين، فإنّ السيّد يقول إنّ علاقة السياسة بالعدل تعتبر مسألةً دينيةً، بمعنى أنّ الدين في كلّ مفاهيمه وشرائعه وحركاته هو في عمق العدل، وهو يمثّل العدل كلّه. وعلى هذا الأساس، لا بدَّ لنا من أن نحدّد العدل في علاقة الحاكم بالمحكوم، والقانون بالناس، والناس بالأرض والبيئة والحيوان وبكلّ شيء، وعند ذلك، لا مجال للعدل بدون سياسة، لأنّها هي التي تنظّم له حركته ومواقعه وصراعاته وتحدياته([364]).

وحول السياسة والتشريع الإسلامي، يقول السيّد: هناك عناوين أولية للأحكام وعناوين ثانوية لها، فقد يكون الشيء حلالاً بالعنوان الأولي، ويكون حراماً بالعنوان الثانوي، لذلك نستطيع أن نقول إنّ الإسلام يختزن السياسة، وعندما تحتاج السياسة إلى بعض الرخص فيما حرّمه الإسلام، فلا بدَّ من أن يدرس أولو الأمر طبيعة المسائل في حركة الصراع، ليتعرّفوا ما إذا كانت المصلحة في هذا الجانب أو ذاك.

إنّ السياسة في الإسلام واقعية لا تبتعد عن الخطّ الأخلاقي، ولذلك نقول إنّ ديننا سياسة، باعتبار أنّ الدين يتحرّك من أجل أن يحدّد للإنسان كلّ خطواته، كما أنّ سياستنا دين، باعتبار أنّها تعني حركية الإنسان في الساحة، وكما في الدين رخصته كذلك في السياسة([365]).

ويتحدّث السيّد عن الشباب وانتماءاتهم إلى الأحزاب والمنظمات، فيقول: إنّ مرحلة الشباب هي المرحلة الحركية التي يبحث فيها الشاب عن هدف يتّجه إليه، وعن مجتمع يرتبط به، وعن وسائل تمثّل خطّ حركته. ولذلك، فإنّ السياسة تمثّل مسألةً مهمةً من الوسائل التي تتّصل بكلِّ الواقع، سواء على مستوى الحكم أو الحاكم أو القانون أو العلاقات السياسية، أو على مستوى التحدّيات الكبرى التي تواجه الواقع السياسي بقضايا كبرى، كالاستكبار في حركته العدوانية، أو الاستعمار في حركته الاحتلالية... وعلى الأمّة أن تقوم بتحريك قوَّة الشباب في القضايا الكبرى، وعندما يراد للشباب القيام بهذا الدور، أو عندما يتحفَّز ذاتياً للقيام به، فإنّ عليه أن يدرس طبيعة المضمون الفكري والسياسي والحركي لهذا الحزب أو لتلك الحركة، من حيث انسجامه مع التزاماته الفكرية والعقدية من جهة، أو من حيث انفتاحه على قضايا الأمّة بالمستوى الذي يحقّق أهدافها الكبرى في خطّ الاستقامة من جهة أخرى، كما أنّ عليه أن يدرس طبيعة القيادة والعناصر الحركية الحيّة لهذا المحور السياسي، إضافةً إلى دراسة الخلفيات التي تدفعه، والخطوط التي يتحرّك فيها.

ويطالب السيّد الشّباب في أن يدقّقوا كثيراً في كلِّ خصوصيات هذا المحور السياسي الخفية والمعلنة، حتى يمكّنهم الاطمئنان إلى أنَّ طاقاتهم لا تتحرّك في فراغ، ولا تنطلق لتلبي طموحات ذاتية لهذه الجهة أو تلك، ولا تنساق في اتّجاه كلمة حقّ يراد بها باطل، إلى غير ذلك من أمور قد تحوِّل الطاقات المخلصة الطيّبة إلى طاقات مهجورة، أو طاقات تتحرّك في غير الاتجاه السوي.

ويؤكّد السيّد ضرورة أن يحذر الشّباب في مجال الانتماء السياسي، لأنّ للأرض السياسية مطبّات كثيرة، وحفراً عميقة، ودهاليز وكهوفاً ومغاور لا بدَّ للشاب من أن يلتمس فيها مواطن أقدامه عندما يريد أن يقف، وعندما يريد أن يتحرّك([366]).

وحول الفصل بين الدين والسياسة، يقول السيّد: هناك فرقٌ بين أن تقول إنّ دور الدين هو دورٌ محدودٌ في زاويةٍ معيّنةٍ لا علاقة له بالدور السياسي، وأنّ دور السياسة محدود بحدود معينة لا علاقة لها بالدور الديني، لأنّ للدين دوره في كلّ الحياة بما فيها الجانب السياسي، وللسياسة دورها في كلّ الحياة بما فيها الجانب الديني([367]).


الخاتمة

إنّ الفكر التربوي للسيّد محمّد حسين فضل الله، هو مجموع الأفكار، والاجتهادات، والآراء، والدراسات، والمحاضرات، والندوات، والطروحات التربوية التي يمكن الإفادة منها في مختلف القضايا والمشكلات التربوية.

إنّ مَنْ يغصْ في فكر السيّد التربوي، يجد نفسه أمام موردٍ عذبٍ ينهل منه الناهلون، فهل سمعتم أنّ منهلاً نضب ماؤه، لأنّ الناس منه يشربون؟! إنّما المنهل العذب مورد يتجدَّد.

والسيّد محمّد حسين فضل الله عالم ديني، وفي الوقت نفسه، تجده يخوض في مجالات تربوية متعدّدة، لا تستطيع الإحاطة بها كلّها، لتستطيع إعطاءه حقّه في إلقاء الضوء على فكره التربويّ ومحاولة الاستفادة الكاملة منه، وتوظيفه في حياتنا التربوية المعاصرة، وبخاصة أنّ أمّتنا العربية والإسلامية تعيش في ضياع، ولن ينتهيَ هذا أو يعود إلى هذه الأمّة شخصيتها المتميّزة وقدرتها على صناعة التقدّم لها وللإنسانية، إلاّ إذا عدنا إلى الذّات أوّلاً، وركيزة ذلك هو دراسة فكرنا التربوي الإسلامي لدى مفكّرينا القدامى، وكذلك لدى مفكّرينا وعلمائنا المسلمين المعاصرين، والانفتاح بعد ذلك على الخارج، بعد أن تكون الأمة قد عرفت ذاتها، ووقفت موقف القادر على الأخذ والعطاء من مركز القوة.

والفكر التربوي يعتمد على شخصية المفكّر، فتنشأ الحاجة إلى دراسته كنموذجٍ لفكرنا، وكوسيلةٍ لعلاج ظواهر متعدّدة، منها ظاهرة التغريب، لعلَّ في هذا التراث الغنيّ ما يمكن الانتفاع به، تحريراً وإصلاحاً في المجال التربوي، وبخاصّة أنّ كثيراً من مفكّرينا التربويين المعاصرين، من عرب ومسلمين بعامّة، قد توزّعتهم الفلسفات الأجنبية المختلفة، وهم يأخذون القشور، حتّى أصبحوا مجتمعاً استهلاكياً للفكر الأجنبيّ، بحيث أدّى هذا الاغتراب إلى وجود واقع تربويّ لا هوية له، في حين أنّ الأمّة العربية والإسلامية بحاجة إلى فكر عربي إسلاميّ، ينسجم مع ثقافتها وعراقتها وواقعها، متمنياً أن أكون في عرض أفكار السيّد التربوية، قد وفِّقت لأن أفيد القارئ من هذا الفكر، علماً أنّ طريقتي في البحث كانت عرضاً لأفكاره دون التعليق عليها.

والله وليُّ التوفيق.


المراجع والمصادر

أولاً: الكتب:

1- السيّد محمّد حسين فضل الله: دنيا الطفل، بيروت، دار الملاك، ط3، 1425هـ/2004م.

2- السيّد محمّد حسين فضل الله: دنيا الشباب، بيروت، مؤسسة العارف للمطبوعات، ط4، 1419هـ/1999م.

3- السيّد محمّد حسين فضل الله: دنيا المرأة، بيروت، دار الملاك، ط3، 1424هـ/2004م.

4- السيّد محمّد حسين فضل الله: الزهراء (ع) القدوة، إعداد الشيخ حسين الخشن، بيروت، دار الملاك، ط2، 1425هـ/2004م.

5- السيّد محمّد حسين فضل الله: مفاهيم إسلامية عامة، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط3، 1402هـ/1992م.

6- من آفاق الحوار الإسلامي ـــ المسيحي، إعداد المركز الإسلامي الثقافي، بيروت، دار الملاك، ط3، 1426هـ/2005م.

7- السيّد محمّد حسين فضل الله: الحوار في القرآن، بيروت، دار الملاك، ط6، 1421هـ/2001م.

8- السيّد محمّد حسين فضل الله: الإنسان والعلم، بيروت، دار الملاك، ط3، 1421هـ/2001م.

9- السيّد محمّد حسين فضل الله، عن سنوات ومواقف وشخصيات، هكذا تحدّث... هكذا قال، حاورته منى سكريّة، دار النهار، ط1، آذار، 2007م.

11- السيّد محمّد حسين فضل الله: للإنسان والحياة، بيروت، دار الملاك، ط6، 1421هـ/2001م.

11- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، بيروت، دار الملاك، ط3، 1419هـ/1997م.

12- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج3، بيروت، دار الملاك، ط1، 1425هـ/2004م.

13- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج4، بيروت، دار الملاك، ط2، 1425هـ/2004م.

14- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج6، بيروت، دار الملاك، ط1، 1421هـ/2000م.

15- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج7، بيروت، دار الملاك، ط1، 1421هـ/2000م.

16- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج8، بيروت، دار الملاك، ط1، 1422هـ/2001م.

17- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج9، بيروت، دار الملاك، ط1، 1424هـ/2004م.

18- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج11، بيروت، دار الملاك، ط1، 1424هـ/2004م.

19- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج12، بيروت، دار الملاك، ط1، 1424هـ/2004م.

20- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج13، بيروت، دار الملاك، ط1، 1425هـ/2000م.

21- السيّد محمّد حسين فضل الله: الندوة، ج15، بيروت، دار الملاك، ط1، 1426هـ/2005م.

22- السيّد محمّد حسين فضل الله: النقد والنقد الذاتي، بيروت، دار الملاك، ط3، 1421هـ/2001م.

23- السيّد محمّد حسين فضل الله: حديث عاشوراء، بيروت، دار الملاك، ط2، 1419هـ/1998م.

ثانياً: المحاضرات والصحف:

24- السيّد محمّد حسين فضل الله: على طريق الأسرة المسلمة، ألقيت في دمشق بتاريخ 24 تشرين الثاني 1978م، 24 ذي الحجّة 1398هـ، بيروت، دار الملاك، لا.ط، 1423هـ/2003م.

25- السيّد محمّد حسين فضل الله: محاضرة في دورة تأهيلية لجمعية التعليم الديني، جريدة الشرق، 2/9/1992م.

26- السيّد محمّد حسين فضل الله: محاضرة في حفل تخريج دورة معلمي البقاع.

27- السيّد محمّد حسين فضل الله: محاضرة في مديري مؤسسات جمعية المبرات الخيرية.

28- السيّد محمّد حسين فضل الله: محاضرة (كيف نتربَّى في القرآن)، ألقيت في اتحاد الطلبة المسلمين، بيروت، صحيفة العهد، 16/5/1986م.

29- السيّد محمّد حسين فضل الله: محاضرة عن المعلم والتربية، جريدة السفير، 9/11/1989م.

30- السيّد محمّد حسين فضل الله: (المعارج)، دراسات وبحوث قرآنية في فكر المرجع الديني آية الله العظمى، السيّد محمّد حسين فضل الله، المعهد الثقافي للتخصص والدراسات القرآنية، المجلد السادس السنة الثامنة، الأعداد 28-31 ربيع الثاني، جمادى الأول، جمادى الثاني، 1418هـ آب، أيلول، تشرين الأول، 1997م.

31- السيّد محمّد حسين فضل الله: الطفولة، المفهوم والمراحل، جريدة بينات، المكتب الإعلامي للسيد محمّد حسين فضل الله.

32- السيّد محمّد حسين فضل الله: التربية وأساليبها، جريدة بينات، المكتب الإعلامي للسيد محمّد حسين فضل الله.

33- السيّد محمّد حسين فضل الله: لقاء مع السيّد محمّد حسين فضل الله حول الرياضة، جريدة بينات، المكتب الإعلامي للسيد محمّد حسين فضل الله، 2004م.

34- السيّد محمّد حسين فضل الله: جريدة الوطن، العدد 1307، قطر، 5/4/1999م.

35- السيّد محمّد حسين فضل الله: المعلم القدوة، (مقال) جريدة السفير، 9/10/1999م.


الفهرس

 

- أ -

إبراهيم (النبي): 84، 90، 266، 267

ابن حابس، الأقرع: 324

ابن المقفع، عبد الله: 202

أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (الإمام): 41، 216، 217، 221، 228، 232، 234، 243، 325، 326، 328، 349

الأبوة: 57

الإحسان إلى الوالدين: 57، 58

الاختلاط: 387، 421

الاختلاط في المدرسة: 419، 420

الأخلاق الإسلامية: 206، 207، 235، 236، 284

الأخلاق السلبية: 237

أخلاق العمل السياسي: 424

الأخلاق الفاضلة: 255

أخلاق المواقف: 203

الأخلاق النسبية: 202

الأخلاق النظرية: 203

الأخلاق المطلقة: 203

الأخلاق المؤقتة: 203

الأخلاق النهائية: 203

أخلاقية الإنسان: 112، 217

الأخلاقية الحوارية: 217

أدب الحياة: 91-93

الإرادة: 297، 396، 397، 399

الإرادة الإنسانية: 208، 314

الإرث: 17، 104

الإرث في الإسلام: 168

إساءة الزوج إلى زوجته: 160

إساءة المرأة إلى زوجها: 156، 159

الاستعمار: 425

الاستكبار: 31، 186، 243-245، 425

إسرائيل: 243، 244

الأسرة: 54، 56، 316، 317، 320

الإسلام: 17، 23-26، 28، 29، 31، 33، 35-37، 39-42، 44، 45، 53، 54، 59-61، 64، 66، 70، 75، 76، 84، 103، 106، 110، 113-115، 117، 121، 124، 126-128، 136، 137، 141، 142، 144-146، 148، 152، 153، 157، 164، 167-169، 172، 183، 184، 186، 201، 213، 218، 219، 226، 230، 235، 237، 240-242، 248-250، 255، 266، 267، 270، 271، 273، 279-284، 286-289، 299، 307، 308، 310، 311، 325، 326، 327، 339، 340، 342، 343، 357، 358، 361، 363-365، 367، 373-375، 378-380، 383، 384، 386، 388، 400، 402، 403، 405، 409-412، 417، 418، 420-422، 424، 425

الأسلوب التربوي: 367، 368

الأسلوب التعليمي: 348

أسلوب "التي هي أحسن": 358

الأشتر، مالك: 228، 249

الأصفهاني، محمّد حسين: 123

الأعياد: 89-91

     - عيد الأضحى: 90

     - عيد الفطر: 90

     - عيد ميلاد السيّد المسيح: 90

الأعياد الوطنية: 91

اغتياب الزوجة للزواج بغيرها: 162

أفغانستان: 244، 407

أفلاطون: 212

الإقليمية: 26، 27

اكتشاف الذات: 291

الإلتزام: 33، 35، 278

الإلتزام بالوفاء: 250

ألمانيا: 209

الإمامة: 30

الأمانة: 17، 220-222، 241

أمانة الدين: 223

الأمانة الزوجية: 222

أمانة السرّ: 242

أمانة العمل والوظيفة: 221

أمانة المال: 221، 242

أمانة المسؤولية: 223

أمانة الوطن: 223

الأمة الإسلامية: 427

الأمة العربية: 427

الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر: 112

الأمم المتحدة

     -  الميثاق: 26

الأمومة: 57، 120، 122، 370

أميركا انظر الولايات المتحدة

الأنانية: 277

الإنتماء الإقليمي: 26

الانتماء السياسي: 426

الانحراف الجنسي: 422

الإنسان الغربي: 285، 286

الإنسان المسلم: 285

الإنسان المؤمن: 275

الإنسانية: 183، 269، 275، 276، 290

إنسانية الإنسان: 17، 259، 298، 300، 302

أنسنة الأرض: 301

أنسنة الزمن: 276

الأنشطة اللاصفية: 209

الانضباط الأخلاقي: 420

الانفتاح على المجتمع الدولي: 42، 43

إنفعال الزوجة: 157

إنماء العقل: 41

الأهداف التربوية: 211

الأهداف التعليمية: 211

أوروبا: 36

إيران: 244

أئمة أهل البيت: 238، 241، 242، 244، 245، 248

الإيمان: 63، 388-390

- ب -

الباقر، أبو جعفر محمد (الإمام): 51، 216، 221، 228، 231

بلجيكا: 209

بلقيس (ملكة سبأ): 119، 124، 155

بناء المساجد: 88

البنك اللاربوي: 53

البهتان: 17، 253-255

بوتيفار (عزيز مصر): 110

البيت الزوجي: 59

البيئة الاجتماعية: 315، 316

البيئة السلبية: 316

- ت -

تأديب الطفل: 322

التأديب النفسي: 156

التاريخ الديني: 363

التجسس المخابراتي: 424

تحقيق الذات: 297

التحية: 92

التخلّف: 30

التخويف من الله: 331

تربية الأبناء: 317، 318، 323، 325، 326، 380

التربية الأخلاقية: 399

التربية الأسرية: 54، 324

التربية الإسلامية: 18، 31، 307، 308، 310، 321، 347، 352، 388، 394، 399، 402

التربية بالأحداث: 361، 362

التربية بالترغيب والترهيب: 353

التربية بتفريغ الطاقة: 363

التربية بالحوار: 355

التربية بالقدوة: 349

التربية بالقرآن: 397، 398

التربية بالقصة: 352

التربية بالموعظة: 351

تربية الجسد: 410

التربية الجنسية: 412-414

التربية الدينية: 204-206، 211-214، 325، 343

التربية الروحية: 388، 390، 391

تربية الطفل: 311، 312، 316، 330، 332، 349، 350، 353، 366، 367، 369، 370

التربية العبادية: 391، 392، 394، 399

التربية الفكرية: 396، 397

تربية القلوب: 367

التربية اللبنانية الطائفية: 409

التربية المدرسية: 365

تربية المرأة: 327

تربية المراهق: 376

تربية الناشئة: 209، 344

التربية النفسية: 404

التسامح: 235

التسلّط: 366

التشريع الإسلامي: 26، 153، 207، 319

التضحية بالنفس: 289

التعامل مع الآخر: 215

التعامل مع الزوجة: 150

التعايش السلمي: 24، 25

التعبئة الروحية: 391

تعدّد الزوجات: 141-145

التعصّب: 32، 33، 35، 218، 219

التعقيم: 83

التعليم الإسلامي: 331

التعليم الديني: 211، 212، 214، 330، 353

تعليم الطفل: 341

التعليم المدرسي: 345

تعليم النساء: 329

التعيير: 255

التفاعل الاجتماعي: 91

التفقه في الدين: 326

التقليد: 349، 350، 381، 382

تقليد الأسوة الحسنة: 381

التقليد السلبي: 382

التقليد الشبابي المظهري للغرب: 384

التقوى: 277، 394، 395

تقوى الدرس: 396

تقويم التلميذ: 342

التكاثر السّكاني: 81

التكامل بين البيت والمدرسة: 344

التكبّر: 230

التنشئة الأخلاقية: 208

التنشئة الإسلامية: 18

تنشئة الإنسان: 210

التنشئة التربوية: 356

تنظيم النسل: 82، 83، 117، 172

التنمية: 80، 81

التواضع: 17، 230-232

التواضع الاجتماعي: 231

توجيه المراهق: 376

التوحيد في العقيدة: 271

توحيد الله: 388، 389

التوازن بين الفرد والمجتمع: 272

توزيع الإرث: 169

- ث -

الثقافة الاجتماعية: 333

الثقافة التربوية: 333

الثقافة الجنسية: 411، 413، 415-419، 421

ثقافة الحوار: 360

الثقافة الدينية: 343

الثقافة العلمية: 416

الثقافة النفسية: 333

- ج -

جامعة تولاين (الولايات المتحدة): 209

جامعة واشنطن (الولايات المتحدة): 209

جرائم الشرف: 129

جسد المرأة: 74

الجمال: 165

جنوب لبنان: 244

الجهاد العلمي: 37

الجوّ العائلي في المدرسة: 345

الجواد، محمّد بن عليّ الرضا (الإمام): 234

الجولان (سوريا): 244

- ح -

الحبّ: 152، 364، 365، 367

حبّ أهل البيت: 76، 78

حجّ المرأة: 104، 171

الحجاب: 17، 63، 104، 163-168

الحجاب الأخلاقي: 164

الحجاب الإسلامي: 163

الحجاب الجسدي: 164

الحجاب للصغيرات: 165

الحركة الإسلامية: 26، 29، 177، 308

الحريات العامة: 42

الحرية الإنسانية: 113، 114، 421

الحرية الجنسية: 63، 105، 387، 420، 421

حرية الرجل: 113

الحرية الفردية: 167، 273

الحرية الفكرية: 41، 42

حرية المجتمع: 167

حرية المرأة: 105، 113، 114

الحسد: 255

الحسن بن عليّ (الإمام): 92، 324، 329

الحسين بن عليّ (الإمام): 112، 125، 126، 181، 182، 231، 324، 329

الحشمة: 165

الحضارة الإسلامية: 285، 286

الحضارة الغربية: 285، 383، 384

حظر ارتداء الحجاب: 168

حفظ عقائد العوام: 75

الحق الجنسي: 156

حقوق الإنسان: 284، 287

الحقوق الزوجية: 74، 115

     - حقّ ردّ الاعتداء: 160

     - حقّ الزوجة على زوجها في التزين: 152

     - حقّ الزوجة في التصرّف في أموالها: 153

     - حقّ الزوجة في العمل: 153

حقوق المرأة: 17، 104، 136

حقوق المرأة المسلمة: 104، 115

     - حقّ الاجتهاد الفقهي: 123

     - حقّ الإرث: 168

     - حقّ الاستشهاد: 124

 - حقّ الأم: 116

     - حقّ إمامة الصلاة: 123

     - حقّ امتلاك عناصر القوة: 119

     - حقّ الترشح لمجلس الشورى (البرلمان): 122

     - حقّ التصرّف في الأموال: 124

     - حقّ التعليم: 119

     - حقّ التمتّع الجنسي: 129، 130

     - حقّ الحماية والأمان: 126

     - حقّ الزواج: 117

     - حقّ الشهادة: 122

     - حقّ الطلاق: 117، 118

     - حقّ العانس: 118

     - حقّ العمل الديني: 120

     - حقّ المشاركة السياسية: 121

     - حقّ النموّ العقلي والاجتماعي: 116

الحقيقة: 247

الحكم الإلهي: 36

الحكيم، محسن: 123، 154

حلف اليمين: 227

حمود، محمّد: 199

حمية الجاهلية: 32، 33

الحوار: 356-359

الحوار الديني: 357

الحياة الأسرية: 55

الحياة الإنسانية: 295

الحياة الزوجية: 54، 55، 58، 113، 130، 131، 154-156، 159، 183، 184، 319

- خ -

خديجة بنت خويلد (زوجة النبيّ): 112

خروج الزوجة من المنزل: 60، 155، 157، 158

خصائص المعلم: 332

     - المعلّم الأب: 337

     - المعلّم الأمّ: 337

     - المعلّم صائن لنفسه عن المفاسد: 339

     - المعلّم عادل في تعامله مع المتعلّمين: 339

     - المعلّم عارف بطبيعة المتعلّم: 334

     - المعلّم القدوة: 338

     - المعلّم المتحدّي لعقول تلاميذه: 336

     - المعلّم المسؤول: 340

     - المعلّم النّامي المتجدّد والناقد لذاته: 335

     - المعلّم واسع الاطلاع: 334

الخطاب الإلهي الديني ـــ الإنساني: 267

الخلافة: 30، 264

الخلافة الخاصة: 264

الخلافة العامّة: 264

الخلافة عن الله: 263، 265

الخلافة العباسية: 41

الخميني، آية الله الموسوي (الإمام): 121

الخوئي، أبو القاسم الموسوي (الإمام): 148، 155

الخيانة: 17، 223، 241

خيانة الأمانة: 242

خيانة الأمّة: 243

الخيانة الزوجية: 147

خيانة الله والرسول: 242

- د -

دراسة الدين: 341

الدراسة المختلطة: 386

الدعاء: 391

الدعوة الإسلامية: 62، 282، 288، 308، 357

دور الخادمة: 368-370

دور المدرسة: 332

الدولة الإسلامية: 298، 302

دولة الإنسان: 298، 299، 302

دولة اليهود: 46

ديركهايم، إميل: 203

ديكارت، رينيه: 203

الدَّين: 53

- ذ -

الذهنية العقربية: 94

- ر -

الرحمة: 337

الرشوة: 49، 50

الرضا، عليّ (الإمام): 232

رعاية الطفل: 375

الرفق: 366

رفيق السوء: 372

الروح الرياضية: 406، 410

الرؤية الإصلاحية ـــ التغييرية: 44-46، 48

الرياضة: 406-410

رياضة اليوغا: 406

- ز -

زواج الأباعد: 147

زواج الأقارب: 147

الزواج بالإكراه: 141

الزواج الثاني: 61

زواج الخطيفة: 138

الزواج الدائم: 134-137

الزواج الدائم بنيّة الطلاق:  140

الزواج الشرعي: 133

الزواج العرفي: 133، 134

الزواج في الإسلام: 104، 130، 132، 133

     - الاختيار في الزواج على أساس العفّة: 145

     - الالتزام في الزواج: 138

     - تعهّد الرجل بعدم ضرب الزوجة: 139

     - زواج المرأة الحامل من الزنا: 148

     - الشاهدان في عقد الزواج: 132

     - شروط عقد الزواج: 131

     - صيغة عقد الزواج: 132

     - العصمة في عقد الزواج: 140

     - مهور النساء: 140

     - وجود رجل الدين في أثناء الزواج: 132

الزواج الكنسي: 132

الزواج المبكر: 146، 376، 378، 379

الزواج المتأخّر: 146، 379

الزواج المتعدّد: 60

زواج المتعة: 134-137

الزواج المدني: 133

زواج المسلم من مسيحية: 60، 147، 148

زواج المسلم من يهودية: 60، 148

زواج المسيار: 138

زواج المسيحي بالمسلمة: 148

زواج المقايضة: 138

الزواج من أجنبية: 147

الزواج المؤقّت: 134، 135، 137

الزوج السكّير: 162

الزوجة الكذوب: 158

الزوجة المفشية للأسرار: 158

زين العابدين عليّ بن الحسين (الإمام السجاد): 24، 28، 33، 52، 125، 126، 182، 215، 219، 220، 231، 236، 243

زينب بنت عليّ (حفيدة النبي): 112، 125، 126، 166، 181-183، 327

- س -

سبّ الزوجة: 160

السباب: 17، 237-241

سعد الدين، محمّد منير: 303

السفور: 63، 165، 174

سقراط: 212

السكان: 80

السكن: 152

السلطة: 36

سلطة الزوج: 74

سليمان (النبيّ): 119، 155

سميّة بنت خياط (الشهيدة الأولى): 125

السهر بعيداً عن الزوجة: 161

السياسة الإسلامية: 424، 425

السياسة والأخلاق: 423

السيّدا: 64

سيطرة الأبّ على المرأة: 74

سيطرة الابن على المرأة: 74

سيطرة الأخ على المرأة: 74

- ش -

الشام (سوريا): 112، 181، 182

الشباب والدين: 62

الشخصية الإسلامية: 385، 391

الشخصية الإسلامية العادلة: 402

الشخصية الإنسانية: 307، 314، 316، 371، 393

شخصية الطفل: 56، 57، 312، 324

شخصية المرأة: 109، 110

شخصية المراهق: 377

شخصية المعلّم: 333

شعراني، أمان كبارة: 99

الشعور الإقليمي: 29

الشعور القومي: 29

الشماتة: 255

شو، برنارد: 81

الشورى: 55

الشيشان: 244

الشيعة: 31

 

- ص -

الصبر: 17، 232، 234، 235

الصبر على البلاء: 233

الصبر على الطاعة: 232، 233

الصبر على الفكر الأصيل: 234

الصبر على المعاصي: 233

الصبر على النعمة: 233، 234

الصداقة: 61، 62، 371

الصداقة بين الرجل والمرأة: 387، 420

الصدر، محمد باقر (الإمام الشهيد): 37، 53، 73، 154

الصدق: 17، 224، 424

الصدق في الكلمة: 224

الصدق في الموقف: 224

الصراع في العلم: 37

الصراع مع الصهاينة: 46

صرف المال: 53

الصلاح: 326، 327

صلاة المرأة: 104، 170

صلاة المرأة جماعة: 170

الصوفية الروحية: 289

- ض -

الضرب: 366

ضرب الزوجة: 160

ضرب الطفل: 322

- ط -

الطاعة: 58

الطائفية: 298، 299

الطفولة: 18، 371

طهارة الإنسان: 299

- ظ -

ظاهرة التغريب: 427

ظاهرة السباب والشتم: 94

- ع -

عاشوراء: 125، 183، 186

العادة السرية: 422

العاطفة: 296

عائشة (زوجة النبي): 146، 147

العبادة: 307

العبادة الأخلاقية: 392

عبيد الله بن زياد: 125، 166، 182

العجب: 255

العدالة: 287، 400

العدل: 17، 219، 220، 339، 380، 402

العراق: 234، 407

العروبة: 282، 283

العصبيات المذهبية: 33

العصبية: 32-35، 278

العفو: 235، 236

العفو عند المقدرة: 249

العقاب: 365

العقل: 296، 297، 396

العقلانية: 34

العقيدة الإسلامية: 267

العقيدة الدينية: 80

العلاقات الإنسانية: 269

علاقات الشباب: 384

علاقة الإنسان بالبيئة: 84، 85

علاقة الإنسان بالله: 285

العلاقة الجنسية: 130، 146، 155

علاقة الدين بالحياة: 293

علاقة الرجل بالمرأة: 74

علاقة الزوجة بأهل زوجها: 159

العلاقة الزوجية: 58-60، 149، 184، 317

علاقة السياسة بالدين: 424، 425

علاقة السياسة بالعدل: 424

العلاقة مع الآخر: 69، 214، 399، 400

علم الأخلاق: 202

العلم التجريدي: 343

علم الحياة: 343

علم الدين: 343

العلمانية: 164

العلمنة: 168

عليّ بن أبي طالب (الإمام): 33، 34، 47، 49-51، 62، 66، 85، 92-95، 109، 112، 178، 179، 186، 206، 210، 221، 223، 224، 227، 228، 232، 234، 236، 238-240، 243، 245، 248-250، 301، 318، 323، 326، 328، 383، 384، 394، 401، 402، 404

عليّ بن موسى الرضا (الإمام): 42

عماد، عبد الغني: 19

عمر بن الخطاب (الخليفة): 135، 136

عمر بن سعد بن أبي وقاص: 181

العمل الاجتماعي: 36

العمل اليدوي: 51

العنف التربوي: 127

العنف العملي: 127

العنف المعيشي: 127

العنف النفسي: 126

العهد: 17، 226، 227

العولمة: 204

عيسى المسيح (النبيّ): 90، 266

العيش المشترك: 284

- غ -

الغدر: 17، 248-250

الغريزة الجنسية: 411

الغشّ في الزواج: 162

الغضب: 255

الغناء: 64

الغيبة: 17، 253-255، 424

غيرة الزوجة: 159

- ف -

الفاتيكان: 83

الفارسية: 283

فارق العمر بين الزوجين: 146، 147

فاطمة الزهراء (بنت النبيّ): 88، 112، 166، 177-181، 185، 186، 235، 327-329

الفتاة المراهقة: 377

الفتى المراهق: 377

الفتنة بين السنة والشيعة: 33

فتوى الإجهاض: 83، 172، 173

فتوى إجهاض المشوّهين: 175

فتوى استئجار الأرحام: 172

فتوى أطفال الأنابيب: 172

فتوى الإنشاد: 176

فتوى التبرّج: 174

فتوى تحديد جنس المولود: 175

فتوى التلقيح الاصطناعي: 172

فتوى التمثيل: 175

فتوى الخياطة للنساء: 175

فتوى السباحة: 176

فتوى الرقص: 174، 175

فتوى الصداقة مع المرأة: 173

فتوى العطر: 174

فتوى الغناء: 176

فتوى فحص الطبيب للمرأة: 174

فتوى المراسلة عبر الإنترنت: 173

فتوى المصافحة: 176، 177

فتوى مواد تلطيف الوجه: 174

فتوى الواقي الذكري: 172

فتوى وسائل منع الحمل: 83، 172

فتوى الوشم: 173

فتوى وضع العدسات الملونة للمرأة: 173

فرعون: 119

فرنسا: 209

الفساد: 48-50

الفصل بين الدين والسياسة: 426

الفطرة: 312، 313

الفقه الإسلامي: 35

الفكر التربوي: 17، 18، 303، 426، 427

الفكر التربوي الإسلامي: 427

الفكر الديني: 361

الفكر العربي الإسلامي: 427

الفكر المادي: 82

الفكر المتنوع: 399

الفكر الموضوعي: 31

فكرة الإحسان: 36

فكرة الدولة: 35

فلسطين: 234، 244، 407

فلسفة الأخلاق: 203

فلسفة التاريخ: 37

فلسفة الحرية: 114

- ق -

قارون (الطاغوت): 50

قاعدة المعروف: 127

قانون السببية: 312

القرآن الكريم: 357، 361، 362، 397، 398

القسوة: 366

القضية الفلسطينية: 31

قضية المحرم: 171

قطع الرحم: 58

قوام الدنيا: 46

القوامة: 59، 127، 153-155، 160

القومية: 28، 29

القيم الأخلاقية: 201

القيم الإسلامية: 210، 255، 337

قيمة المرأة: 108

القيمومة   انظر   القوامة

- ك -

الكذب: 17، 244، 247، 248

الكذب على الزوجة: 161

الكذب على الله ورسوله: 244

الكذب على الواقع: 245

الكذب المتصل بالناس: 246

كربلاء (العراق): 166، 181، 182

الكلمة الخبيثة: 230

الكلمة الطيبة: 17، 95، 229، 230

الكليني: 328

كندا: 209

الكوفة (العراق): 112، 166، 181، 182

الكويت: 122

كيد المرأة: 74

- ل -

لبنان: 282، 284، 298، 302، 408

لقمان الحكيم: 351

اللهو: 64

- م -

المأمون (الخليفة العباسي): 41، 109

الماوردي، أبو الحسن بن عليّ بن محمّد: 202

مبدأ الثواب والعقاب: 354، 355

مبدأ العدالة بين الأبناء: 318، 322

المجتمعات غير الإسلامية: 25

المجتمع الإسلامي: 17، 22، 24-26، 31، 48، 73، 239، 383، 392، 420

المجتمع الشرقي: 411

المجتمع الغربي: 420

محاسبة النفس: 405

المحاكاة: 382

المحاكاة الإيجابية: 381

المحدودية: 80

محمّد (النبيّ): 25، 38، 48، 51، 55، 62، 83، 85، 88، 92، 112، 120، 121، 125، 135، 136، 141، 142، 145-148، 170، 177-179، 186، 201، 206، 207، 216، 220، 221، 226، 228، 231، 236، 238، 240، 241، 244، 245، 248، 266، 288، 314، 322-325، 327-329، 334، 339، 348، 357، 359، 362، 367، 404

المخابرات الدولية: 245

المخابرات المركزية الأميركية: 245

المخالطة: 91، 93

المخدرات: 64

المدارس المختلطة: 419

المدرّس الخصوصي: 346

المدرسة الإسلامية: 346، 347

المدينة المنورة: 88، 181

المذهب الإمامي الإثنا عشري: 171

المذهبية: 30-32

المذهبية الأخلاقية: 203، 204

المذهبية اللاأخلاقية: 204

المرأة الإنسان: 17، 107

المرأة الزوجة: 17

المرأة العربية: 105

المرأة الغربية: 168

المرأة قبل الإسلام: 106

المرأة القدوة: 183، 185

المرأة القوية: 119

المرأة المسلمة: 73، 104، 105، 108، 119، 121، 168، 177، 182، 183، 186، 327

المرأة الملتزمة: 105

المراهقة: 18، 373-378

المربية: 369

مرحلة الطفولة: 309، 310

مرحلة الطفولة الأولى: 311

مرحلة الطفولة الثانية: 311

مرحلة الطفولة الثالثة: 311، 312

مريم بنت عمران: 185

المساكنة: 63

مسألة الشرف: 75

مشاهدة الأفلام الجنسية: 416، 417

المساواة: 339

المساواة بين المرأة والرجل: 110، 111

المسجد: 85-88

مسكويه، أبو علي أحمد بن محمّد بن يعقوب: 202

المسؤولية الإسلامية: 42

المسؤولية الإنسانية: 17، 270-272، 274، 297

المسيحية: 287

المضاربة: 53

المعاشرة بالمعروف: 158، 159

معاوية بن أبي سفيان: 250

المعرفة: 39، 40

المعرفة الجنسية: 415

معركة بدر: 362

معركة صفّين: 238

المفرقعات: 408

مفهوم الآخر: 214

مفهوم الأخلاق: 206

مفهوم إنصاف الناس من النفس: 216، 217

مفهوم التعارف: 58

مفهوم التوازن: 36

مفهوم التوحيد: 272، 312

مفهوم الجار: 93

مفهوم الرحمة: 151

مفهوم السعادة الروحية: 83

مفهوم الطمع: 40

مفهوم العهد: 35

مفهوم القناعة: 40، 82

مفهوم المال: 52

مفهوم المسؤولية الاجتماعية الشاملة: 36، 38

مفهوم المودة: 151

مقاطعة المرأة المذنبة: 162

مكّة المكرمة (السعودية): 282

المُلكيّة: 52

ممارسة الفتاة للرياضة: 409

المنافقون: 252، 253

المنطق الإسلامي: 256

المنهج الأخلاقي الإسلامي: 213

المنهج المدرسي: 340

المهر: 59

المواساة: 78

المواطنة: 300-302

موسى (النبي): 266

الموسيقى: 64

الموضوعية: 34، 399-401

- ن -

نجاسة الإنسان: 300

نشوز المرأة: 156، 157

النصيحة: 254

نظام الإرث الإسلامي: 169

نظام الأسرة: 55، 319، 320

نظام الأسرة الأبوي: 144-145

نظام التعاهد: 25، 26،

نظام التكافل الاجتماعي: 22، 36، 47، 48،

نظام الحقوق الشرعية: 36

النظام الربوي: 53

نظام الذمة: 25

النظام الطائفي: 298، 302

النظرية الإسلامية: 82

نظرية السببية: 82

النظرية السياسية الإسلامية: 72

النفاق: 17، 251

نفسية الطفل: 403

النقد الذاتي: 336

النموّ الاجتماعي: 387

النموّ الأخلاقي: 387

النموّ الذاتي في الشخصية: 386

نموّ الطفل: 318، 325

النموّ النفسي: 387

النميمة: 255

نوح (النبيّ): 397

نور الدين، نجيب: 259

نيتشه، فريدريك: 204

- هـ -

الهجرة: 66، 68، 70

الهجرة المشروعة: 67

الهجرة المعاكسة: 72

الهداية الفطرية: 56

- و -

الواجبات الزوجية: 115

واقعة الأحزاب: 362

الواقعية: 297

الوحدة الإسلامية: 31

وحدة الأمة: 223

الوحدة الإنسانية: 268

الوحدة في الكون: 295

وحدة المجتمع: 22، 24، 223، 271، 272

وحدة المؤمنين: 223

الوراثة: 313، 314

الوصايا الأخلاقية: 92

الوطنية: 27

الوعي السياسي الإسلامي: 31

الوعي الديني: 270

الوفاء: 248

الوفاء بالعهد: 226، 228، 248، 281

الوفاء بالعقود: 281

الوفاء بالوعد: 321

الوفاء لأهل الغدر: 250

الولايات المتحدة: 81، 244، 407

ولاية الشرطة: 71

- ي -

ياسر بن عامر (الشهيد): 125

يزيد بن معاوية: 166، 182

 

 



(3) الروم : ص 30.

(1) سورة الاحزاب: الآية 35 .

(1) ارجع إلى سورة النحل ،20 و 23 .

(1) سورة النساء : الآية 3 و 129.

(2) انظر سورة الحشر: الآية 7.

(1) سورة النور: الآية 2.

(1) سورة البحار: ج- 75، ص،61 .

1)) البحار: المجلي ج- 83،باب 14،ص- 180 رواية 4.

(1) خلاصة عمّا ورد في كتاب السيّد عن "فاطمة الزّهراء، القدوة والمثال".

(1) مختصر لما كتبه السيّد عن زيبب(ع) في مناسبات عدّة.

([1]) من عرفان القرآن، إعداد شفيق الموسوي، دار الملاك، ط1، 1998، ص96-98.

([2]) يقول سماحة السيّد في معرض تفسيره للآية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}(البقرة:30)، تقول الملائكة مخاطبةً رب العالمين: "إذا كانت حكمتك من استخلاف الإنسان في الأرض هو أن يسبح ويقدس لك ويعبدك، فنحن نسبِّح بحمدك ونقدِّس لك، بينما الإنسان يخلط الطاعة بالمعصية، والاستقامة بالانحراف".

([3]) سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، تفسير من وحي القرآن، دار الملاك، بيروت، ط3، 1428هـ/2007م، ج1، ص227.

([4]) م.ن، ص227.

([5]) من وحي القرآن، م.س، م1، ص229.

([6]) م.ن، ص229.

([7]) م.ن، ص230.

([8]) من وحي القرآن، م1، ص230-231.

([9]) م.ن، ص231.

([10]) من وحي القرآن، م.س، ج3، ص38-39.

([11]) م.ن، ص39.

([12]) خطاب الإسلاميين والمستقبل، غسان بن جدّو، دار الملاك، ط3، 2001، ص35.

([13]) م.ن، ص36.

([14]) المصدر نفسه.

([15]) العهد، العدد 389، 20 كانون أول 1991.

([16]) العهد، العدد 389، 20 كانون الأول 1999م.

([17]) المصدر نفسه.

([18]) حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع، إعداد نجيب نور الدين، دار الملاك، ط2، 2001، ص194-195.

([19]) الإسلام وقدرته على التنافس الحضاري، محاضرة ألقيت في طرابلس بدعوة من الرابطة الثقافية، دار الملاك، 7 أيار 1999م، ص15-16.

([20]) م.ن، ص15-16-17.

([21]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل، المركز الثقافي العربي، ط1، 2009، ص22.

([22]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل، م.س، ص22.

([23]) م.ن، ص22.

([24]) المصدر نفسه.

([25]) الإسلام وقدرته على التنافس الحضاري، م.س، ص34.

([26]) الإسلام وقدرته على التنافس الحضاري، م.س، ص35.

([27]) م.ن، ص35.

([28]) المصدر نفسه.

([29]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل، م.س، ص22.

([30]) م.ن، ص22.

([31]) المصدر نفسه.

([32]) م.ن، ص22-23.

([33]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل، م.س، ص23.

([34]) المصدر نفسه.

([35]) م.ن، ص24.

([36]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل، م.س، ص53.

([37]) الندوة، سلسلة ندوات الحوار الأسبوعية لسماحة السيّد في دمشق، إعداد عادل القاضي، دار الملاك، ط2، سنة 2000، ج4، ص147.

([38]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، تقوى الصوم، إعداد علي رفعت مهدي، دار الملاك، ط1، 2003م، ص56.

([39]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، آفاق الروح "أدعية الصحيفة السجادية" ط1، دار الملاك، 2000م، ج1، ص137.

([40]) آفاق الروح، م.س، ج1، ص146.

([41]) م.ن، ج1، ص485.

([42]) سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، الجمعة منبر ومحراب، توثيق لخطب الجمعة 1988، إعداد المركز الإسلامي الثقافي، دار الملاك، ط2، 1997، ص39.

([43]) الجمعة منبر ومحراب، توثيق لخطب الجمعة 1988، م.س، ص39.

([44]) م.ن، ص39.

([45]) المصدر نفسه.

([46]) م.ن، 41.

([47]) الجمعة منبر ومحراب، توثيق لخطب الجمعة، م.س، ص388.

([48]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج22، رواية 19، باب 1، ص467.

([49]) م.ن، ج22، ص493.

([50]) م.ن، ص494.

([51]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، الإسلام ومنطق القوة، دار الملاك، ط4، 2003، ص263.

([52]) م.ن، ص264.

([53]) آية الله العظمى، السيّد محمّد حسين فضل الله، الإسلام ومنطق القوّة، م.س، ص266.

([54]) م.ن، ص266.

([55]) الندوة، دار الملاك، ط1، 2007م، ج18، ص42.

([56]) الندوة، م.س، ج18، ص43.

([57]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، حديث عاشوراء، إعداد وتنسيق السيّد جعفر فضل الله، دار الملاك، ط2، 1998، ص84.

([58]) حديث عاشوراء، مصدر سابق، ص84-85.

([59]) م.ن، ص85.

([60]) م.ن، ص86.

([61]) حديث عاشوراء، مصدر سابق، ص87.

([62]) م.ن، ص87.

([63]) الندوة، م.س، ج15، ص109.

([64]) رؤى ومواقف، دار الملاك، الحلقة الثالثة، 1997، ص94.

([65]) رؤى ومواقف، م.س. ص94.

([66]) م.ن، ص85.

([67]) م.ن، ص86.

([68]) م.ن، ص86-87.

([69]) رؤى ومواقف، م.س، ص89.

([70]) م.ن.

([71]) م.ن.

([72]) م.ن، ص90.

([73]) رؤى ومواقف، م.س، ص92-93.

([74]) م.ن، ص93

([75]) الحوار بلا شروط، دار الملاك، 1996، ص9.

([76]) م.ن، ص9.

([77]) المصدر نفسه.

([78]) الندوة، م.س، ج10، ص619.

([79]) خطاب الإسلاميين والمستقبل، م.س، ص35.

([80]) م.ن، ص35.

([81]) محاضرة سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، الأخلاقيات الطبية وأخلاقيات الحياة، دار الملاك، بيروت، ط1، 2002، ص10-11.

([82]) الأخلاقيات الطبية وأخلاقيات الحياة، م.س، ص11.

([83]) م.ن، ص7.

([84]) من وحي القرآن، م.س، م10، ص8.

([85]) م.ن، ص10.

([86]) من وحي القرآن، م.س، م10، ص11.

([87]) م.ن، م10، ص32-33.

([88]) الندوة، م.س، ج2، ص109-110.

([89]) الندوة، م.س، ج2، ص110.

([90]) م.ن، ج2، ص110.

([91]) م.ن، ج3، ص44.

([92]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، للإنسان والحياة، إعداد وتنسيق شفيق الموسوي، دار الملاك، بيروت، ط3، 2001، ص370.

([93]) م.ن، ص370.

([94]) للإنسان والحياة، م.س، ص371.

([95]) م.ن، ص371.

([96])المصدر نفسه.

([97]) للإنسان والحياة، م.س، ص371.

([98]) المصدر نفسه.

([99]) م.ن، ص372.

([100]) للإنسان والحياة، م.س، ص372

([101]) للإنسان والحياة، م.س، ص373.

([102]) للإنسان والحياة، م.س، ص374.

([103]) م.ن، ص376.

([104]) م.ن، ص377.

([105]) للإنسان والحياة، م.س، ص281.

([106]) م.ن، ص282.

([107]) م.ن، ص387.

([108]) للإنسان والحياة، م.س، ص390.

([109]) المصدر نفسه.

([110]) م.ن، ص391.

([111]) الندوة، م.س، ج1، ص558.

([112]) م.ن، ص558.

([113]) المصدر نفسه.

([114]) الندوة، م.س، ج1، ص558.

([115]) الندوة، م.س، ج1، ص559.

([116]) م.ن، ص559.

([117]) م.ن، ص559.

([118]) المصدر نفسه.

([119]) اللواء، عدد 765، 9/6/2005.

([120]) م.ن.

([121]) اللواء، م.س، 9/6/2005.

([122]) م.ن.

([123]) اللواء، م.س، 9/6/2005.

([124]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، دار الملاك، ط3، بيروت، 1425هـ/2004م، ص: 39-41.

([125]) م.ن.، ص: 41.

([126]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، المعارج، بيروت، المعهد الثقافي للتخصص والدراسات القرآنية، السنة الثامنة، الأعداد 28-31، ربيع الثاني، جمادى الأول، جمادى الثاني، 1418هـ، 10 آب، أيلول، تشرين أول، 1997م، ج6، ص: 863.

([127]) آية الله السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 16-17.

([128]) م.ن.، ص: 18.

 

([129]) آية الله السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 27.

([130]) م.ن.، ص: 15.

([131]) آية الله السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 23.

([132]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الطفولة: المفهوم والمراحل، جريدة بينات، المكتب الإعلامي للسيّد محمد حسين فضل الله، ص: 8.

([133]) آية الله السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 23.

([134]) م.ن.، ص: 23.

([135]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الطفولة: المفهوم والمراحل، جريدة بينات، ص: 8.

([136]) آية الله السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 23-24.

([137]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الطفولة: المفهوم والمراحل، ص: 8.

([138]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 17-18.

([139]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة،دار الملاك، بيروت، ط2، 2000م، ج4، ص: 534.

([140]) م.ن.، ص: 534..

([141]) م.ن.، ص: 55-56.

([142]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، بيروت، دار العارف للمطبوعات، ط4، 1491هـ/1998م. ص: 72-73.

([143]) م.ن.، ص: 227 – 228.

([144]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 63-64.

([145]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، مرجع سابق، ص: 68-69.

([146]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 64 – 65.

([147]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج11، ص: 9.

([148])السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج11، ص: 10.

([149]) المرجع نفسه، ص: 11.

([150])السيّد محمّد حسين فضل الله،الندوة، ج،11، ص: 12.

([151]) المرجع نفسه، ص: 13.

([152]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، دار الملاك، بيروت، ط1، 1421هـ/2000م، ج7، ص: 589.

([153]) السيّد محمّد حسين فضل الله، على طريق الأسرة المسلمة، (محاضرة) ألقيت في دمشق بتاريخ 24 تشرين الثاني 1978م، 24 ذي الحجّة 1399هـ، بيروت، دار الملاك، ط1، 1423هـ/2003م، ص: 22-23.

([154])السيّد محمّد حسين فضل الله، على طريق الأسرة المسلمة، ص: 24-25.

([155]) م.ن.، ص: 32-33.

([156]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج13، ص: 236.

([157]) م.ن.، ص: 250-251.

([158]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج11، مرجع سابق، ص: 20.

([159]) م.ن.، ص: 20.

([160]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، دار الملاك، ط1، 1425هـ/2004م، ج3، ص: 253-254.

([161]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج13، ص: 247.

([162]) م.ن.، ص: 248.

([163]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج13، ص: 252.

([164]) م.ن.، ص: 264.

([165]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج13، ص: 265.

([166]) م.ن.، ص: 266.

([167]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج13، ص: 291-292.

([168]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الزهراء القدوة، بيروت، دار الملاك، ط2، 1425هـ/2004م، ص: 101.

([169]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الزهراء القدوة، ص: 187-188.

([170]) م.ن.، ص: 188-189.

([171]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الزهراء القدوة، ص: 189-190.

([172]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، دار الملاك، بيروت، ط1، ج15، 1426هـ/2005م، ص: 25.

([173]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، دار الملاك، بيروت، ط1، 1429هـ/2008م، ج9، ص: 663.

([174]) السيّد محمد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 250-261.

([175]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 69-71.

([176]) م.ن.، ص: 132.

([177]) السيّد محمّد حسين فضل الله، محاضرة في دورة تأهيلية لجمعية التعليم الدّيني، جريدة الشرق، 2/9/1992م.

([178]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 127.

([179]) م.ن.، ص: 129.

([180]) السيّد محمّد حسين فضل الله، محاضرة في دورة تأهيلية لجمعية التعليم الدّيني، جريدة الشرق، 2/9/1992م.

([181]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج1، ص: 521-522.

([182]) السيّد محمّد حسين فضل الله، المعلم القدوة (مقال)، جريدة السفير، 9/10/1989م.

([183]) السيّد محمّد حسين فضل الله، كلمة في مديري مؤسسات جمعية المبرات الخيرية.

([184]) السيّد محمّد حسين فضل الله، كلمة في حفل تخريج دورة معلمي البقاع.

([185]) السيّد محمّد حسين فضل الله، النقد والنقد الذاتي في الإسلام، ولكلّ سؤال جواب، بيروت، دار الزهراء للطباعة والنشر، ط3، 1982م، 1403هـ، ص: 41.

([186]) السيّد محمّد حسين فضل الله، المعلّم القدوة، جريدة السفير، 9/10/1989م.

([187]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، مرجع سابق، 132.

([188]) م.ن.، ص: 46-47.

([189]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 129-130.

([190]) السيّد محمّد حسين فضل الله، التربية وأساليبها، جريدة بينات، المكتب الإعلامي للسيد محمد حسين فضل الله، ص: 16.

([191]) م.ن.، ص: 16.

([192]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 158.

([193]) السيّد محمّد حسين فضل الله، محاضرة عن المعلم والتربية، جريدة السفير، 9/11/1989.

([194]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 135.

([195]) م.ن.، ص: 183.

([196]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 142.

([197]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 132.

([198]) السيّد محمّد حسين فضل الله، محاضرة في دورة تأهيلية لجمعية التعليم الديني، جريدة الشرق، 2/9/1992م.

([199]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 128.

([200]) م.ن.، ص: 135-136.

([201]) م.ن.، ص: 136.

([202])السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 130-131.

([203]) م.ن.، ص: 126.

([204]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 127.

([205]) م.ن.، ص: 136.

([206]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 135.

([207]) م.ن.، ص: 131.

([208]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 131-132.

([209]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 129.

([210]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل،ص: 129-134.

([211]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 66-70.

([212]) م.ن.، ص: 130.

([213]) السيّد محمّد حسين فضل الله، المعلم القدوة، مقال في جريدة السفير، 9/10/1989.

([214]) السيّد محمّد حسين فضل الله، للإنسان والحياة، بيروت، دار الملاك، ط3، 1421هـ/2001م، ص: 80.

([215]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 130.

([216]) السيّد محمّد حسين فضل الله، محاضرة حول التربية الإسلاميّة ودور المعلم فيها، السفير، 9/10/1989م.

([217]) السيّد محمّد حسين فضل الله، المعلم القدوة، مقال في جريدة السفير، 9/10/1989.

([218]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 128-129.

([219]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 66.

([220]) من.، ص: 67.

([221]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 68-69.

([222]) م.ن.، ص: 68-69.

([223]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 112.

([224]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 110.

([225]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج11، ص: 12.

([226]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 18.

([227]) م.ن.، ص: 18-19.

([228]) م.ن.، ص: 19-21.

([229]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، مرجع سابق، ص: 253-254.

([230]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، دار الملاك، بيروت، ط1، 1417هـ/1997م، ج1، ص: 266.

([231]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 136-137.

([232]) السيّد محمّد حسين فضل الله: دنيا الطفل، ص: 49-50.

([233]) م.ن.، ص: 48-49.

([234]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، مرجع سابق، ص: 133-134.

([235]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الحوار في القرآن، دار الملاك، بيروت، ط6، 1421هـ/2001م، ص: 22.

([236]) م.ن.، ص:22.

([237]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الحوار في القرآن، قواعده ـ أساليبه ـ معطياته، دار الملاك، بيروت، ط6، 1421-2001م، ص: 41-42.

([238]) م.ن.: ص: 64.

([239]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الحوار في القرآن، ص: 35-54.

([240]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الحوار في القرآن، ص: 222.

([241]) م.ن.، ص: 224.

([242]) السيّد محمّد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي _ المسيحي، إعداد المركز الإسلامي الثقافي، دار الملاك، بيروت، ط3، ص: 392-393.

([243]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج1، ص: 396-397.

([244]) السيّد محمّد حسين فضل الله، موقف الإسلام من الانفعال، ولكل سؤال جواب، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط3، 1402هـ/1992م، ص: 62-63.

([245]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج1، ص: 29.

([246]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 88-89.

([247]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 89-90.

([248]) السيّد محمّد حسين فضل الله، التربية وأساليبها، بينات، ص: 17.

([249]) السيّد محمّد حسين فضل الله، جريدة الوطن، العدد 1307، قطر، 5/4/1999.

([250]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 23.

([251]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 88.

([252]) السيّد محمّد حسين فضل الله، حديث عاشوراء، دار الملاك، بيروت، ط1، 1418هـ/1998م، ص: 42.

([253]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 61.

([254]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج15، ص: 203-204.

([255]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 116-117.

([256]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 117-118.

([257]) م.ن.، ص: 119-120.

([258]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 121-122.

([259]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 47-48.

([260]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 62-64.

([261]) م.ن.، ص: 61.

([262]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، بيروت، دار الملاك، ط3، 1425هـ/2004م، ص: 32-33.

([263]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 82-83.

([264]) م.ن.، ص: 79-80.

([265]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 32-33.

([266]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 80-81.

([267]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 35-36.

([268]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 80.

([269]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، بيروت، دار الملاك، ط1، 2000م، ج6، ص: 618.

([270]) السيّد محمّد حسين فض الله، دنيا الشباب، ص: 83.

([271]) م.ن.، ص: 133.

([272]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 133.

([273]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 33.

([274]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشّباب، ص: 81-82.

([275]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 35.

([276]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 214.

([277]) م.ن.، ص: 85,

([278]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 141-142.

([279]) م.ن.، ص: 142-143.

([280]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 147-148.

([281]) السيّد محمّدّ حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 148-150.

([282]) السيّد محمد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 150-151.

([283]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 146.

([284]) الندوة، ج1، ص: 614.

([285]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج1، ص: 623.

([286]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 102-103.

([287]) السيّد محمّد حسين فضل الله، المعارج، دراسات وبحوث قرآنية في فكر المرجع الديني، آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، المجلد السادس، بيروت، المعهد الثقافي للتخصّص والدراسات القرآنية، السنة الثامنة، الأعداد 28-31، ربيع الثاني، جمادي الأول والثاني، 1418، آب، أيلول، تشرين أول، 1997م، ص: 850.

([288]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج8، ص: 169-170.

([289]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج1، ص: 277.

([290]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج1، ص: 278.

([291]) م.ن.، ص: 189.

([292]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج1، ص: 190.

([293]) م.ن، ص: 190-191.

([294]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج11، ص: 83.

([295]) م.ن.، ص: 83.

([296]) م.ن.، ص: 92.

([297]) المرجع نفسه. ص:92.

([298]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج9، ص: 665.

([299]) السيّد محمّد حسين فضل الله، المعارج، المجلد السادس، السنة الثامنة، الأعداد 28-31، ربيع الثاني، جمادى الأولى والثانية – 1418هـ، آب، أيلول، تشرين أول، 1997م، ص: 864.

([300]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، محاضرات ومطارحات في العقيدة والتربية والفقه والسيرة، دار الملاك، بيروت، 1422هـ/2001م، ج8، ص: 27-28.

([301]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج10، ص: 140-141.

([302]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، دار الملاك، بيروت، ط1، 1424هـ/2004م، ج12، ص: 141.

([303]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج12، ص: 143.

([304]) م.ن.، ص: 145.

([305]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة،ج9، ص: 538-539.

([306]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الإنسان والمعلم، بيروت، دار الملاك، ط3، 1421هـ/2001م، ص: 77-78.

([307]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج12، ص: 335-336.

([308]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج9، ص: 137.

([309]) السيّد محمّد حسين فضل الله، محاضرة ألقيت في اتحاد الطلبة المسلمين بعنوان "كيف نتربّى بالقرآن"، صحيفة العهد، بيروت، 16/5/1983.

([310]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج1، ص: 100-101.

([311]) السيّد محمّد حسين فضل الله، المعارج، المجلد السادس، السنة الثامنة، الأعداد 28-31، ربيع الثاني، جمادى الأول والثاني، 1418هـ، آب، أيلول، تشرين الأول، 1997م، ص: 864.

([312]) المعارج، المجلّد 6، الأعداد 28-31، ص: 865.

([313]) م.ن.، ص: 864-865.

([314]) م.ن.، ص: 866-867.

([315]) المعارج، المجلّد السادس، الأعداد 28-31، ص: 867.

([316]) م.ن.، ص: 868.

([317]) م.ن.، ص: 868.

([318]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج3، ص: 125.

([319]) السيّد محمّد حسين فضل الله، المعارج، المجلد السادس، الأعداد 28-31، ص: 851-854.

([320]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج11، ص: 9.

([321]) م.ن.،، ص: 11.

([322]) م.ن.، ص: 14.

([323]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج4، ص: 370.

([324]) السيّد محمّد حسين فضل الله، الندوة، ج12، ص: 141.

([325]) السيّد محمّد حسين فضل الله، لقاء مع السيّد محمّد حسين فضل الله حول الرياضة، جريدة بينات، 2004م، ص: 2.

([326]) لقاء مع السيّد محمّد حسين فضل الله حول الرياضة، جريدة بينات، 2004،، ص: 1.

([327]) السيّد محمّد حسين فضل الله، عن سنوات ومواقف وشخصك، هكذا تحدّث.. هكذا قال، ما روته منى سكريّة، دار النهار، ط1، آذار 2007م، ص: 223.

([328]) م.ن.، ص: 223-224.

([329]) السيّد محمّد حسين فضل الله، عن سنوات ومواقف شخصيات، 2004م، ص: 224-225.

([330]) السيّد محمّد حسين فضل الله، عن سنوات ومواقف وشخصيات، ص: 226.

([331]) لقاء مع السيّد محمّد حسين فضل الله حول الرياضة، جريدة بينات، 2004م، ص: 4.

([332]) لقاء مع السيّد محمّد حسين فضل الله حول الرياضة، جريدة بينات، 2004م، ص: 1-3.

([333]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 185-186.

([334]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا المرأة، دار الملاك، بيروت، ط6، 1425هـ/2005م، ص: 234.

([335]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 96-97.

([336]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 80.

([337]) آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 264-265.

([338]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 86.

([339]) دنيا الشباب في حوار مع آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 98-99.

([340]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 146-147.

([341]) م.ن.، ص: 84.

([342]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 84.

([343]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 85.

([344]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 96.

([345]) م.ن.، ص: 91.

([346]) دنيا الشباب،، ص: 99.

([347]) م.ن.، ص: 87.

([348]) م.ن.، ص: 93.

([349]) دنيا الشباب، ص: 93، 94.

([350]) م.ن.، ص: 94.

([351]) دنيا الشباب، ص: 95.

([352]) م.ن.، ص: 95.

([353]) م.ن.، ص: 96.

([354]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 139-140.

([355]) م.ن.، ص: 140.

([356]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل ، ص: 193-194.

([357]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الطفل، ص: 139.

([358]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 83-84.

([359]) م.ن.، ص: 84.

([360]) م.ن.، ص: 86.

([361]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 159-160.

([362]) م.ن.، ص: 160.

([363]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 163-164، (بتصرف).

([364]) م.ن.، ص: 463.

([365]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 165.

([366]) السيّد محمّد حسين فضل الله، دنيا الشباب، ص: 167-168.

([367]) م.ن.، ص: 169.