نعرض لكم هذا المبحث الموجز والسريع بعنوان "وقفة مع رأي فضل الله بطهارة الإنسان"، الّذي نشر على صفحة آراء فضل الله على الإنستغرام fadlullah_opinion في فترة سابقة، متمنين لكم المنفعة والفائدة.
وقفة مع رأي فضل الله بطهارة الإنسان
أوّلًا: المقدّمة
-
نستعرض معكم في هذه السلسلة رأي السيد فضل الله في طهارة مطلق الإنسان، متعرّضين إلى هذه المسألة بشيء من التفصيل. وسنعتمد آراء السيد فضل الله، وكتاب "تنقيح العروة الوثقى" للشيخ الغرويّ، وبحث منشور للشيخ عبدالفقار عواضة.
-
نستعرض هذه المسألة الحساسة حيث يكثر اختلاط المكلّفين بأهل الكتاب والكفار عمومًا، وتربطهم بهم علاقات عملٍ أو نسب، إلى جانب إمكان سوء استغلال هذا المفهوم الفقهي إعلامياً ودعائياً من جانب أعداء الإسلام، فهناك رأي يستند لنصوص ثابتة يقول بطهارة كلّ إنسان.
-
المعروف بين الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين نجاسة الكافر بجميع أصنافه بل ادُعي عليها الإجماع، ولكن ذهب بعض المتقدِّمين إلى طهارة بعض أصناف الكفار ووافقهم بعض المتأخرين، وبدأنا اليوم نسمع بعض الأصوات تتعالى وتقول بالطهارة الذاتية للإنسان مطلقاً، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، منهم فضل الله.
-
كانت فتوى السيد فضل الله رحمة الله عليه سببًا في تشنيع البعض عليه، ومنهم الشيخ حسين النوريّ الهمدانيّ الّذي أفتى بضلال فضل الله للأسف، وكان من ضمن مؤاخذاته على السيّد أنّه يقول بطهارة الكفار المنكرين لله تعالى يعني الزنادقة والملحدين، وادعى أن هذا أمر لم يقل به أحد من فقهاء الشيعة.
-
عند البحث في هذه المسألة فإنّه يمكننا أن نجد ثلاثة آراء:
-
كل من هو غير مسلم محكوم بالنجاسة الذاتية، ولا يطهر إلا بالإسلام.
-
الكتابيون طاهرون ذاتًا لا عرضًا، أما المشركون والنواصب والملحدون فأنجاس.
-
كلّ إنسان طاهر ذاتًا، ونجاسة الكفر فيه معنويّة.
ثانيًا: مناقشة "إنّما المشركون نجس"
-
"إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا"[1] النجس عند المتشرعة لم يثبت بهذا المعنى في الآية، بل هو بالمعنى اللغوي أي القذارة "قذارة الشرك"، وهذا يناسب منعهم عن قرب المسجد الحرام، فالنجس بالمعنى المصطلح لا مانع من دخوله المسجد الحرام ما لم يستلزم هتكًا، لأن القذارة الكفرية مبغوضة عند الله سبحانه والكافر عدو الله وهو يعبد غيره فكيف يرضى صاحب البيت بدخول عدوّه بيته.
-
الفقهاء استدلوا على نجاسة أهل الكتاب والمشركين بالآية المذكورة، وهم بين من يدّعي ثبوت الحقيقة الشرعية في النجس، ومن يحاول الاستعانة بالحقيقة المتأخرة زماناً عن الخطاب بعد أن أعوزته الحاجة، والاستعانة بضمائم متعدّدة لتتميم دلالة الآية، إلا أن ذلك كلّه لا يقوى أمام المناقشة، ومن ثمّ لا تدل الآية على نجاسة المشركين الملحدين ولا غيرهم، فضلاً عن دلالتها على نجاسة أهل الكتاب.
-
الشرك له مراتب متعددة لا يخلو منها غير المعصومين وقليل من المؤمنين، ومعه كيف يمكن الحكم بنجاسة المشرك بما له من المراتب المتعددة؟ فإن لازمه الحكم بنجاسة المسلم المرائي في عمله، حيث إنّ الرياء في العمل من الشرك، وعليه فنجاسة المشركين معنوية لا ذاتية.
-
ظاهر الآيات الواردة في بيان أحكام الكفر والشرك ومنها هذه الآية أنّ لكل من المشرك وأهل الكتاب أحكاماً تخصّه، مثلاً لا يجوز للمشرك السكنى في بلاد المسلمين ويجب عليه الخروج منها، وأما أهل الكتاب فلا بأس أن يسكنوا في بلادهم مع الالتزام بأحكام الجزية والتبعية للمسلمين.
-
قول اللغويين بأن النَجَس بفتح الجيم ينصرف الى الأمور المعنوية لا المادية لتنصرف الآية للأبدان. وقد صرح القرآن بسورة المائدة، الآية 5 بأن "طعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم"، مما يدل بإطلاق شامل على طهارة أهل الكتاب جميعاً، ولم تنف الآية الشريفة طهارة غيرهم من الناس من غير المسلمين، فيرجع في هذه الحالات الى أصل الطهارة.
-
كان الرسول (ص) وأئمة أهل البيت (ع) يتعاملون مع اتباع الأديان الأخرى بمحبة وألفة تامة، وكانوا يأكلون معهم ويعاشرونهم دون التجنب والاعتزال الذي تعيشه بعض المجتمعات، ولعل مراد بعض النصوص هو خلق حاجز نفسي لتمييز المسلمين عقيديّا كي لا يتماهوا مع الأديان الأخرى.
ثالثًا: روايات نجاسة غير المسلم
-
ورد في صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس، فقال: لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر[2]. والنهي عن أكل طعامهم المطبوخ إما لأنه لا يخلو من لحم خنزير وشحمه، أو أن آنيتهم من قدر وغيره يتنجس بمثل طبخ لحم الخنزير أو وضع شيء آخر من النجاسات فيها لعدم اجتنابهم عن النجاسات.
-
ورد في حسنة الكاهلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال: أما أنا فلا أؤاكل المجوسي، وأكره أن أحرّم عليكم شيئاً تصنعون في بلادكم. وهي لا تدل على نجاسة المجوس، بل ترك الإمام المؤاكلة معه تنزهًا وكراهة، فإمام المسلمين لا يناسبه الاشتراك مع المعاند لشريعة الإسلام.
-
نموذج لرواية تقول بالنجاسة العرضية لغير المسلم: ما رواه زكريا بن إبراهيم قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت: إني رجل من أهل الكتاب، وإني أسلمت وبقي أهلي كلهم على النصرانية وأنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد فآكل من طعامهم؟ فقال لي: يأكلون الخنزير؟ فقلت: لا، ولكنهم يشربون الخمر، فقال لي: كل معهم واشرب[3] وهي صريحة الدلالة على طهارتهم بالذات وأن المانع عن مؤاكلتهم ليس إلاّ ابتلاءهم بالنجاسة العرضية الناشئة من أكل لحم الخنزير وغيره، فاذا لم يأكلوه فلا مانع عن مؤاكلتهم وأما ابتلاؤهم بشرب الخمر فعدم منعه عن المؤاكلة فلعله من جهة أن السائل لم يكن يبتلي بالآنية التي يشربون فيها الخمر ، وأن شارب الخمر لا ينجس في الغالب غير شفتيه وهما تغسلان كل يوم ولا أقل من مرة واحدة فترتفع نجاستهما فلا يكون ابتلاؤهم بشرب الخمر مانعاً من مؤاكلتهم، أو أن هذه الرواية كغيرها من الأخبار الدالة على طهارة الخمر.
-
جملة أحاديث بطهارة غير المسلم:
-
سئل أبوعبدالله (ع): ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله ، ولا تتركه تقول إنّه حرام ولكن تتركه تتنزه عنه، إن في آنيتهم الخمر ، ولحم الخنزير»[4].
-
سئل أبوعبدالله (ع) عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه يهودي؟ فقال: نعم فقلت: من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال: نعم[5].
-
سئل الرضا (ع): الخياط أو القصّار يكون يهودياً أو نصرانياً وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال: لا بأس[6].
-
سئل الرضا (ع): الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة، قال: لا بأس، تغسل يديها[7].
-
سئل أبو عبدالله (ع): إنِّي أُعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ثم يرده عليَّ، فأغسله قبل أن أُصلي فيه؟ فقال: صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجّسه، فلا بأس أن تصلِّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه[8].
-
سئل أبو عبدالله (ع) عن ثوب المجوسي ألبسه وأُصلي فيه؟ قال: نعم، قلت: يشربون الخمر؟ قال: نعم، نحن نشتري الثياب السابرية فنلبسها ولا نغسلها[9].
رابعًا: مناقشة روايات نجاسة الكفار
-
ناقش الفقهاء الروايات التي استُدل بها على نجاسة أهل الكتاب، ولم يسلم منها إلا روايتان دلّتا على النجاسة على مستوى الظهور، وفي المقابل روايات دلت على طهارة الكافر، وهي روايات كثيرة بلغت حدّ الاستفاضة، وأسانيدها قوية؛ فمنها الصحيح والموثق.
-
مقتضى الجمع العرفي بين الروايات أن تحمل أخبار النجاسة على الكراهة؛ لأن الروايات الأولى ظاهرة في النجاسة بينما الروايات الثانية أظهر منها في دلالتها على الطهارة، بل تكاد تكون صريحة؛ فيكون الجمع من قبيل حمل الظاهر على الأظهر، والشاهد على ذلك صحيحة إسماعيل: لا تأكله ولا تتركه تقول: إنه حرام ولكن تتركه تتنزه عنه؛ فالترك تنزيهي غير واجب.
-
اختار هذا الجمع الشهيد الثاني والسبزواري والسيد محمد العاملي، ولكنّ معظم الفقهاء قدّموا روايات النجاسة على روايات الطهارة مع كثرتها بدعوى موافقة القرآن وهو مردود كما سبق، فالنجاسة بالآية لا تدل على نجاسة أبدان المشركين ذاتًا.
-
دعوى أن تقديم روايات طهارة غير المسلم فيها موافقة للعامّة فيجب حملها على التقية مردود أيضًا لأن السنة ليسوا على رأي واحد في هذه المسألة، بل لديهم اختلاف في الرأي الفقهي، أما التمسك بالإجماع ففيه كلام كثير بين الفقهاء، مما يُضعف الاحتجاج به.
-
الاحتجاج بأن إعراض مشهور الفقهاء عن العمل بروايات الطهارة من شأنه أن يوهنها سنداً ودلالة مدفوع، فروايات الطهارة أجلّ من أن يعتريها الضعف لتضافرها وصحّة أسانيدها وقوة دلالتها ومعاضدة بعضها بعضًا، ولم يصدر من الأصحاب ما يدلّ على القدح بأسانيدها، بل اكتفوا في مقام التعليق عليها بتأويلها والتشكيك في جهة صدورها، لا أصل صدورها.
-
لم تكن مسألة طهارة الكفار في زمن الرسول (ص) موجودة في الشريعة لسعة الروابط بين المسلمين والمشركين الذين كانوا في مكة والمدينة نسبيًا وبحكم المخالطة التجارية، فلو حكم النبي بنجاسة الكفار لانعكس ذلك في أسئلتهم الكثيرة، ولاحتاج لجهد كبير من النبي للتطبيق، ولم يكن الداعي للقول بالطهارة هو التقية فقد كان الإسلام قويًا.
-
مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين حمل أخبار النجاسة على الكراهة ، لأنّ الطائفة الثانية صريحة أو كالصريحة في طهارتهم والطائفة الاولى ظاهرة في نجاسة أهل الكتاب ، وأن النهي عن مؤاكلة أهل الكتاب تنزيهي وليس بحرام فتدل على طهارتهم بالصراحة، ومعه لا مناص من رفع اليد عن ظاهر الطائفة الأُولى بصراحة الثانية كما جرى على ذلك ديدن الفقهاء في جميع الأبواب الفقهية عند تعارض النص والظاهر.
-
استنكر بعض الفقهاء كالشيخ يوسف البحراني على من جمع بين الطائفتين، واعتبر روايات الطهارة تقية، ولكن الصحيح أن الروايات دعت لمخالفة العامة حال تعارض الروايات، لا في حال إمكان الجمع بينها، كما أن حمل أخبار الطهارة على تضافرها على التقيّة بعيد.
-
أشارت بعض الروايات إلى أن الناصبيّ "أنجس من الكلب" فهي نجاسة معنوية، وإلا يبقى طاهرًا ذاتًا اتباعًا لسيرة أهل البيت، فلم يكن النبي يجتنب عن بعض المعادين لعلي، وكذلك الأئمة بل كانوا يباشرون التعامل مع النواصب من الحكام والعامّة.
خامسًا: آراء الفقهاء
-
فضل الله: رأينا الفقهي أن كل إنسان طاهر، سواء كان مسلماً أو كافراً كتابياً أو غير ذلك، وطهارته التي نقول بها فيما يشمل الكافر مطلقاً هي بالمعنى المادي، وإن كان - باعتبار تبنِّيه لما يكون كفراً أو شركاً - نجس العقيدة أي نجاسة الباطن التي تكشف عن خبث المعتقد.
-
سئل السيد فضل الله عن نجاسة المشرك، وهل هي عينية أم عرضية فأجاب سماحته: المشركون طاهرون من الناحية العينية، ولكن النجاسة المذكورة في القرآن معنوية بلحاظ العقيدة وإذا عرضت لهم النجاسة الخبيثة كانت نجاستهم عرضية ، والله العالم.
-
ردًا على سؤال عن جواز التعامل مع الخادمة المسيحية في البيت، قال فضل الله: لا مشكلة في التعامل مع الخادمة المذكورة بعد تعليمها مسائل الطهارة وكيفية التطهير، وهي محكومة بالطهارة لأن كل إنسان عندنا طاهر من ناحية الجسد أعني الطهارة المادية.
-
سئل فضل الله: هل يوجد أحد من المراجع غيركم يفتي بطهارة كل إنسان حتى إن كان وثنيا؟ وهل يوجد عندكم بحث منشور حول هذا الموضوع ليتسنى لي قرائته؟ فأجاب: لقد تم عندنا الدليل على طهارة كل إنسان، والمسألة عند الفقهاء أنهم يختلفون في نجاسة الكافر إذا كان كتابياً فمنهم من يقول بالطهارة ومنهم من يقول بالعدم إما فتوىً أو إحتياطاً.
-
فضل الله: نحن إنما بنينا على طهارة الإنسان بعد مناقشة كل الأدلة التي استدل بها المشهور من العلماء، ولم نجد أن أيّاً منها يدل على النجاسة بالمعنى المادي، بمعنى لزوم التطهير إذا كان هناك رطوبة مسرية، وإنما النجاسة التي تتحدث عنها الآية أو بعض الروايات فإنما ترشد إلى النجاسة غير المادية بمعنى خبث الباطن الناتج عن الانحراف في العقيدة، وهناك بعض الفقهاء ممن يرى ذلك كما أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر الصدر كان يرى ذلك ولكنه يحتاط فيه
-
سئل فضل الله: ما هو دليلكم على طهارة الإنسان مطلقاً؟ فأجاب: ما هو دليلكم على نجاسة الإنسان؟ الأصل الطهارة في كل شيء، وليس عندنا أي دليل على نجاسة الإنسان جسداً، أما قوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ "[10]، فهو حديث عن نجاسة الفكر لا نجاسة الجسد.
-
فضل الله: قد عاش رسول الله (ص) بعد نزول هذه الآية، ولم يسأله أي مسلم عن هذه المسألة، مع أن المشركين كانوا يعيشون مع المسلمين في شبه الجزيرة العربية، ومع ذلك، لم يصدر من النبي (ص) أي تعليق حول هذا الموضوع، ما يدل على أن الحكم لم يكن هو النجاسة، وإلا لأوجب أن تكثر الأسئلة له، وتكثر بالتالي الأحاديث عنه، وهذا غير واضح.
-
ردًا على سؤال عن جواز التعامل مع الخادمة المسيحية في البيت، قال فضل الله: لا مشكلة في التعامل مع الخادمة المذكورة بعد تعليمها مسائل الطهارة وكيفية التطهير، وهي محكومة بالطهارة لأن كل إنسان عندنا طاهر من ناحية الجسد أعني الطهارة المادية.
-
تستخدم كثير من الصالونات عاملات يباشرن غسل الشعر وتصفيفه، ومع عدم العلم بدينهن فلا يجب السؤال، ولاسيما أن غالبية المستقدمات من الكتابيات، وبرأي فضل الله هن طاهرات، وإن كان الأحوط استحبابًا تطهير موضع الملامسة برطوبة.
-
نجد لدى العديد من فقهاء الشيعة تريّثًا وتوقّفًا في ثبوت نجاسة الكفار، وعليه احتاطوا فيه وجوبًا، ومنهم: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ حسين علي المنتظري والسيد كاظم الحائري والسيد محمود الهاشمي. بل يرى الشيخ المنتظري أنّ مسألة نجاسة الكافر مسألة سياسيّة وليست تعبّدية بالمعنى المعروف اليوم، والهدف منها رسم معالم تمايز ومفاصلة بين المسلمين والكافرين، فيما فصّل المرجع الشيخ يوسف الصانعي بين الكافر القاصر والمقصّر فحكم بنجاسة المقصّر، وأفتى بطهارة القاصر.
-
أفتى بطهارة الكفّار جميعاً ومطلقاً (نظريّة طهارة الإنسان) غير واحد من العلماء المتأخّرين (ومنهم من أفتى به قبل السيد (رضوان الله عليه)، لا بل وتوفى قبل تصدّيه للمرجعية، ومن هؤلاء العلماء: آية الله السيد محمد جواد الغروي الإصفهاني، والمرجع الشيخ محمد الصادقي الطهراني، وينقل الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي عن المرجع الميرزا هاشم الآملي قوله بطهارة كلّ البشر (متوفي سنة 1992م)، والمرجع الشيخ محمد إبراهيم الجنّاتي، وآية الله السيد محمّد محسن الحسيني الطهراني، وآية الله الشيخ أحمد عابديني، وآية الله السيد أبو الحسن نوّاب، والمرجع الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بحسب ما يظهر من تعليقته على العروة الوثقى، وإن كان ظاهر كلامه في توضيح المسائل هو الاحتياط الوجوبي، لكنّ فتواه بالطهارة قد اشتهرت، وتعليقته على العروة متأخّرة زمناً على رسالة توضيح المسائل.
-
يرى الشيخ محمد إبراهيم الجناتي أن غير المسلم مطلقاً سواء كان كتابياً أو مشركاً أو ملحداً، طاهر بالذات جسماً وبدناً وإذا اجتنبوا عما يراه المسلمون نجساً ، فليس لهم نجاسة عرضية كذلك[11].
-
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: لا دليل على نجاسة الكفار، أما الكتابي فظاهر كثير من الروايات المعتبرة طهارتهم ذاتاً، وأن نجاستهم عرضية، وظاهر بعض آيات الكتاب العزيز أيضاً ذلك، ويظهر من غير واحد من الروايات استحباب التنزه مما في أيديهم اجتناباً عما يكون فيهم غالباً من النجاسات العرضية، وبها يجمع بين ما دل على الطهارة وما يظهر منه النجاسة ووجوب الاجتناب[12].
-
يقول ناصر مكارم في تعليقه على المسألة إن "غير الكتابي لا دليل على نجاسته من غير فرق بين أقسامه وإن لم يدل دليل على طهارته لخروجه من سياق الأخبار جميعاً فيؤخذ فيه بأصالة الطهارة فيهم"، ولكنه يميل للاحتياط.
-
يفرّق الشيخ يوسف صانعي بين الكافر المعاند وغير المعاند، فيرى أن الأظهر عدم نجاسة عامة الكفار، بل إن عامة الكفار حتى الحربي منهم اذا لم يحارب المسلمين عنادًا للإسلام، وانما يقاتلهم لاسباب أُخرى، لا يعد معانداً ولا يحكم بنجاسته.
-
يفتي الشيخ حسين منتظري بنجاسة الكافر (المنكر والمشرك) احتياطًا وجوبيًا، لكنه لا يستبعد طهارة الكتابيين إذا اجتنبوا النجاسات، ويرى أن في حكم النجاسة جنبة احتياطية فهو تعليم سياسي أراد الإسلام من أتباعه رعايته، والهدف منه إيجاد حالة ابتعاد ونفرة عامة عن الخارجين عن مجتمع المسلمين ، لكي لا يبتلى المسلمون بعقائدهم وأفكارهم الفاسدة.
-
يرى السيد علي الخامنئي أن أهل الكتاب محكومون بالطهارة ذاتًا، فالنّجاسة الذاتنية غير معلومة، ويقصد بهم اليهود والنصارى والزردشتيين، وأضاف إليهم الصابئة، فمعاشرة هؤلاء مع رعاية الضوابط الشرعية والأخلاق الإسلامية ليس فيها إشكال[13].
-
يرى السيد علي السيستاني نجاسة الغلاة والنواصب والخوارج، ولكنه يؤكد على ضرورة التثبت من تحقق عقيدتهم بالغلو أو النصب، فإن عدّ منهم – لاتّباعه فقههم – فلا يحكم بنجاسته، وأمّا الكتابيّ فلا يستبعد الحكم بطهارته، وإن كان الاحتياط حسنًا.
-
بإمكان من يقلد السيد أبوالقاسم الخوئي العدول في مسألة نجاسة الكتابي على الاحتياط الوجوبيّ الرجوع للسيدين علي السيستاني وعلي الخامنئي، فيجوز مباشرتهم بالرطوبة ومؤاكلتهم والأكل منهم ما لم يعلم النجاسة.
-
الشيخ محمد الصادقي الطهراني صاحب تفسير "الفرقان" يعتبر من الفقهاء المعاصرين القلائل الذين يفتون بطهارة الإنسان مطلقًا، وفاقًا للسيد فضل الله. وقد اعتمد الصادقي في آرائه الفقهية على المبنى القرآني.
-
كتب الأخباريّ البحراني الشيخ علي المخلوق بحثًا حول القول بطهارة الإنسان ذاتًا، وأثبت فيه أن لا ملازمة بين الكفر والنجاسة، مستدلاً بطهارة من ثبت كفره كاليهود والنصارى والمجوس، متسائلاً: فكيف بمن شك في كفره؟[14]
-
كانت تلكم إضاءة موجزة على رأي اجتهاديّ يتبنى طهارة كل إنسان، لا عن استحسان، بل بالاستناد لنصوص دينية، والهدف أن نتعرّف بعض مباني المجتهدين كالعلامة محمد حسين فضل الله، تلك الاجتهادات التي تبين حركيّة العقل الاجتهاديّ الشيعي.
[2] الوسائل: أبواب النجاسات.
[3] الوسائل: باب النجاسات.
[4] الوسائل ٢٤ : ٢١٠ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٤.
[5][5] الوسائل ١ : ٢٢٩ / أبواب الأسآر ب ٣ ح ٣.
[6] التهذيب ٦ : ٣٨٥ ح ١١٤٢ وعنه في الوافي ٦ : ٢٠٩ ح ٢٥.
[7] الوسائل ٣ : ٤٢٢ / أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١١.
[8] الوسائل ٣ : ٥٢٠ / أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٧..
[9] الوسائل ٣ : ٥٢٠ / أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٧.
[11] الموقع الألكتروني الرسمي للشيخ الجنّاتي.
[12] الشيرازي: ناصر مكارم، تعليقات على العروة الوثقى، ص27، الطبعة الثانية 1413هـ، مدرسة الإمام أمير المؤمنين، قم.
[13] الموقع الإلكترونيّ الرسمي، أجوبة الاستفتاءات.