مسائل قرآنية
هو الذي خلق لكم ما في الأرض
 {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} في الآية لفتة إلى جانب النّعمة التي لا تجعل عظمة الخلق بعيدة عن حياة الإنسان وحاجاته، وذلك من خلال ما توحيه كلمة {لَكُم} من تسخير الأرض للإنسان بكل ما فيها من طاقات ظاهرة أو باطنة، مما يجعل من توجيهه إليها وإلى التفكير فيها عند التفكير في طبيعة الخلق، حافزاً للارتباط بالله، من خلال شعوره بحاجته المطلقة إليه، إلى جانب الشعور بعظمته المبدعة. وقد يكون في هذا الأسلوب القرآني الرائع لفتة قرآنية تعطي قضية الإيمان بالله حيوية نابضة تتفجر بالحياة الإنسانية في كل مظاهرها وحاجاتها، الأمر الذي يبعدها عن الجفاف والجمود الذي يتمثل…
واعتصموا بحبل الله جميعاً _ ولا يزالون مختلفين!!
ألا يتعارض قوله تعالى: (ولا يزالون مختلفين) مع قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا)؟ وهل الآية الأولى جملة إنشائيّة أم إخبارية؟ . الجواب: الآية الأولى ـ وهي قوله تعالى: (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِين إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبّك..) (هود: 118 ـ 119) ـ تشير إلى خبرٍ عن واقع الإنسان عبر التاريخ، وهو الاختلاف في أمر الدين، فالناس مختلفون في أمر الدين، ويرجع اختلافهم ـ وفق نصوص قرآنيّة أخرى ـ إلى البغي الذي يقوم به ولو بعضهم، بلبس الحقّ بالباطل، وتضليل الآخرين وغير ذلك، فالاختلاف في الدين أمرٌ واقع مُخْبَرٌ عنه قرآنياً بوصفه سنّة،…
البداية من الله والنهاية إليه
  {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} أيها الناس, وأنتم تملكون العقل الذي يتحرك من خلال مفردات الحسّ الذي يتزوّد بعناصر الفكر, وطاقة الوعي المتحرك التي توجهه نحو التأمّل والدراسة والمقارنة بين الأشياء, والاستنتاج الحيّ  المنفتح على حقائق العقيدة والحياة. وللعقل أكثر من طريق يؤدي بكم إلى معرفة الله من دون حاجةٍ إلى الاستغراق في التجريد الفكري والعمق الفلسفي, لأن الواقع الحيّ الذي تعيشونه في وجودكم, وتتحسّسونه في مشاعركم, هو الذي يمنحكم الإيمان بالله من موقع الوجدان المنفتح على الفطرة, والفكر المتحرك في نطاق البديهة. {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً} قبل وجودكم, حيث كان العدم هو الأفق الذي يحتويكم في دائرته, فليس هناك أي شيء يربطكم…
اللّذة الحسيّة لا تتنافى والسموّ الروحي
بشارة الآخرة  لقد جرى الأسلوب القرآني على الحديث عما ينتظر المؤمنين من رضوان الله وثوابه جزاءً لإيمانهم وعملهم الصالح في كل مورد يتحدث فيه عن الكافرين وعما ينتظرهم من عذاب النار جزاءً لكفرهم وطغيانهم. وقد جرت هذه الآية على هذا الأسلوب, بدعوة النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى تبشير المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنات التي تجري من تحتها الأنهار, والتي تشبه أثمارها أثمار الدنيا, حتى يخيل إليهم أن هذه الثمرات امتداد لما كانوا يجدونه منها في الدنيا لتشابهها. ثم يحدثنا الله عن المتع الحسية التي تنتظرهم في الآخرة, وذلك في ما يعدّه لهم من أزواج مطهّرة, بكل ما تعنيه كلمة…
المنافقون والإفساد عن طريق التظاهر بالإصلاح
 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} قد توحي هذه الآية الكريمة بأن المنافقين كانوا يقومون ببعض الأعمال, أو يطرحون بعض الشعارات, في داخل الحياة الإسلامية, مما كان يسيء إلى خط الإيمان, ويفسح في المجال لحركة فسادٍ في العقيدة والسّلوك والعلاقات, وقد يتمثّل ذلك بعمل المعاصي, وصدِّ الناس عن الإيمان بالأساليب الملتوية – على ما روي عن ابن عباس – أو بمملأة الكفار, فإن فيه من توهين الإسلام, على ما قاله أبو علي, أو بتغيير الملة وتحريف الكتاب على ما قاله الضحاك[1].. وقد يتمثل في غير ذلك مما ذكره المفسرون. والظاهر أن مثل هذه التفسيرات لم…
ظاهرة النفاق
ظاهرة النّفاق: عللها وأسبابها   {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} في هذه الفقرة محاولة لتفسير ظاهرة النفاق وتعليل أسبابها, بكونها عقدةً تتحكم في داخل الإنسان ومرضاً نفسياً أو روحياً يعاني منه؛ ذلك أنّ الإنسان إمّا أن يؤمن بالشّيء وإمّا أن لا يؤمن به. وعلى كلتا الحالتين, فإن الوضع الطبيعي الصحي, هو أن يسير على ما يوحي به موقفه, فإذا كان مؤمناً, انطلقت سيرته في خط إيمانه, وتحركت حياته في هذا الاتجاه.. أما إذا كان كافراً, فإن الكفر يفرض عليه أن يحدد لحياته الخطوط التي لا تلتقي بالإيمان من قريب أو من بعيد, سواء في ذلك مشاعره الداخلية أو خطواته العملية, لكن أن…
النبي محمد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تفسير من وحي القرآن
الفقيه المجدّد السيد محمد حسين فضل الله(رضوان الله عليه) قول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين} [المائدة:67]. يتوجّه الله تعالى في هذه الآيات المباركة إلى النّبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم), ولا بدّ لنا أن نعرف سبب نزولها لنفهم مضمونها بشكلٍ أوضح. مناسبة النزول يقول سماحة السّيد فضل الله(رضوان الله عليه), جاء في الدّرّ المنثور:أخرج أبو الشّيخ عن الحسن أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إنّ الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً وعرفت أنّ النّاس مكذِّبيَّ, فوعدني…
القرآن عند الشيعة الإمامية... هو قرآن المسلمين جميعاً
تدين الشيعة الإمامية بتعظيم القرآن وتقديسه، وأنّه الكتاب المنزل على محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المرجع الأول عندهم في الفروع والأصول، وكلّ واقعة لا يوجد حكمها في الكتاب، يرجعون فيها إلى سُنّة رسول الله وأحاديث عترته من بعده، بعد أن صحّ عندهم أنّه لا ينطق عن الهوى. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث أجمع المسلمون على صحته: "إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي". وفي القرآن المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ والمجمل والمبين، والعام والخاص، والفرائض والسنن، والقصص والحكم والمواعظ، وكثير ممّا يحتاج إليه الإنسان في معاشه ومعاده. والذي بين أيدي المسلمين، هو الذي يؤمنون…
علاقة الفتح بغفران الذّنب
السيد محمد حسين فضل الله بالرّغم من أهمية الفتح وإطلاق صفة المبين عليه، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد جعل علاقةً وثيقةً بين الفتح والذنب، وذلك قوله تعالى: {لّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح : 2]. ويندرج في هذه الفقرة سؤالان: الأول: ما هي علاقة الفتح بغفران الذنب، ليكون الأول تعليلاً للثاني بلحاظ ظهور "اللام" في التعليل؟ الثاني: ما معنى غفران ذنب النبيّ، وهو المعصوم في أقواله وأفعاله، ثم، ما هو المعنى لغفران الذنب قبل حدوثه؟ وقد أجيب عن ذلك بأجوبة متعدّدة، منها: أن الذنب ليس ذنب النبيّ (ص) مع الله، ولكنّه ذنبه مع أهل مكّة،…