تفسير القرآن
الأنفال / من الآية 20 إلى الآية 23

 من الآية 20 الى الآية 23
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيـات

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ* وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ* إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ}(20ـ23).

* * *

معاني المفردات

{شَرَّ}: الشر: إظهار السوء الذي يبلغ من صاحبه، وهو نقيض الخير وقيل الشر: الضرر القبيح أو الشديد.

{الدَّوَابِّ}: جمع دابّة، وهي ما دبّ على وجه الأرض، إلا أنها تختصّ في العرف بالخيل.

* * *

الله يحض المؤمنين على طاعته و طاعة رسوله

وتستمر الدعوة الدائمة التي تخاطب المؤمنين في كل وقت، بالالتزام بخطّ الطاعة لله والرسول في قضايا التشريع، وفي قضايا التنفيذ، لأن ذلك هو معنى الإيمان في عمق الفكرة والإحساس، وهو مظهر الولاية لله وللرسول. {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في ما تفعلون وتتركون. {وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ}، ولا تعرضوا عن رسول الله {وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} كلامه في ما يبلغكم من آيات الله مما يصلح أمركم وينصر موقفكم، فإن الإعراض عنه ـ مع الوعي التام لتعاليمه ـ يمثل الإعراض عن الإيمان نفسه والابتعاد عن الله، وعن خط السلامة في الحياة.

{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا} من المشركين الذين كان النبيّ يدعوهم إلى أن يسمعوا كلام الله، ولكنهم لا يلقون بالاً إليه، ولا يواجهونه بروح الاهتمام والإصغاء الداخليّ، ولذلك اعتبر الله سماعهم بمنزلة العدم، فقال {وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}، لأن السمع هو الوسيلة التي تثير في الإنسان الحاجة إلى المعرفة، والتفكير في ما يلقيه إليه الآخرون، فإذا ترك الكلمة تدخل إلى سمعه، من دون وعيٍ لمعناها وتفكيرٍ في مضمونها، كان حاله كحال الذي لا يسمع أبداً، لأنّ النتيجة واحدة على كلّ حال.

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}. إنه يشبّههم بالدوابّ التي لا تسمع ولا تتكلّم ولا تعقل، لأن قيمة السمع والنطق والعقل، هو في تحريكها بما ينفع حياة الإنسان، وينقذ مصيره من الهلاك، فاذا أهمل كل ذلك، وجمّده عن السير في اتجاه المعرفة النافعة، كان كمن فقده بالأساس. وذلك هو الفرق بين الدواب والناس، في سلبيّة الدوابّ أمام قضية المعرفة من أجل الحياة، وإيجابية الناس أمام ذلك كله.

* * *

الله يترك الكافرين لأنفسهم لعلمه أن لا خير فيهم

{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} فقد تركهم الله لأنفسهم، فاختاروا لها الضلال. ولو علم الله أنهم يواجهون الكلمة الحقّة من موقع المسؤولية، لأسمعهم بطريقةٍ غير عاديّة، ولكنه عرف فيهم الإصرار على الهروب من الحقيقة، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} لأنهم لا يريدون لأنفسهم الخير، في ما ينقذ حياتهم ومصيرهم من الهلاك.