الآية 41
بسم الله الرحمن الرحسم
الآيــة
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(41).
* * *
معاني المفردات
{غَنِمْتُم}: الغنم والغنيمة إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب..، قال الراغب: الغنم ـ بفتحتين ـ معروف، قال: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ} [الأنعام:146]. والغنم ـ بالضم فالسكون ـ إصابته والظفر به ثم استعمل في كلِّ مظفور به من جهة العِدى وغيرهم، قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ}، {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً} [الأنفال:69]. والمغنم ما يغنم وجمعه مغانم[1].
{وَلِذِي الْقُرْبَى}: القريب. والمراد به، هنا، قرابة النبي(ص)، أو خصوص أشخاص منهم على ما تفسره الآثار القطعية.
{وَالْيَتَامَى}: اليتيم هو الإنسان الذي مات أبوه وهو صغير. قالوا: كل حيوان يتيم من قبل أمه إلا الإنسان، فإن يتمه من قبل أبيه.
{وَالْمَسَاكِينِ}: المحتاجين.
{وَابْنِ السَّبِيلِ}: المسافر المنقطع في سفره.
* * *
آية الخمس
{وَاعْلَمُوا} أيُّها المؤمنون {أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ} من غنائم الحرب، على قول فريق من المفسرين من أهل السنّة، ومن كل الغنائم والفوائد والأرباح، من التجارة والصناعة والزراعة والغوص والكنز والمعادن وغير ذلك... في ما جاء في التفسير عن أئمة أهل البيت(ع) وتبعهم في ذلك المفسّرون من المسلمين الشيعة... وربّما كانت وجهة النظر الأولى، تنطلق من سياق الآية الواقعة في أجواء معركة بدر، مما يوحي بأنها تتحدث عن قضايا المعركة وأحكامها. أما وجهة النظر الثانية، فتنطلق من القاعدة التي تقول إن المورد لا يخصّص الوارد، وإنَّ المناسبة لا تخصص الآية. وكلمة الغنيمة مطلقة في الآية، وعلى هذا الأساس كان مذهب أهل البيت في أنّ الخمس يشمل الفوائد والأرباح من كل المداخيل المالية {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ}، بعد توزيع الأربعة أخماس على المقاتلين، أو إبقائها لصاحب المال.
* * *
ما معنى أن يكون لله سهم؟
ولكن ما معنى أن يكون لله سهم وهو المالك لكل شيءٍ في السموات والأرض؟ وقد أجاب البعض بأنه قد ذكر للتبرك، أو لما يشبه ذلك. ولكن ربما كان الأقرب إلى الجوّ التشريعي في الآية، أن يكون سهم الله من أجل الغايات التي ترتبط باسم الله، كسبيل الله ونحوه... ولعل السياق يبعد عن موضوع التبرّك، لأنه ذكر بالطريقة نفسها التي ذكرت فيها بقية الأصناف، {وَلِلرَّسُولِ} في ما يحتاجه في شؤونه العامة المتعلقة بشخصيته الرسولية، لا بلحاظ ذاته بصفته الشخصية، لأن الله ـ سبحانه ـ قد جعلها له بصفة المسؤولية العامة، مما يوحي بدور المسؤولية في قضية هذه الضريبة.
* * *
ذوو القربى في الآية
{وَلِذِي الْقُرْبَى} وهو الإمام المعصوم، في تفسير أهل البيت(ع) ـ ولذا أفرده بالذكر ـ، وقرابة الرسول بقولٍ مطلقٍ، في أقوال المفسرين الآخرين. {وَالْيَتَامَى} الذين فقدوا آباءهم {وَالْمَسَاكِينِ} الذين لا يملكون العيش الكريم الذي يكفيهم في سنتهم، أو من هم أكثر بؤساً من ذلك. {وَابْنِ السَّبِيلِ} الذي انقطعت به الطريق، فلم يكن لديه المال الذي يستعين به للرجوع إلى بلده.
وتضافرت الأحاديث عن أئمة أهل البيت(ع) بتخصيص هذه الأصناف بأيتام آل بيت الرسول(ص) ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ولكن جمهور المفسرين أطلقوا ذلك. وربما استوحى بعضهم من بعض الأحاديث، أن هذا التقسيم على سبيل المورد والمصرف لا على سبيل التخصيص، ولذا فإن وليّ الأمر يعطيهم ما ينقص عن حاجتهم، كما يأخذ منهم ما يزيد عليها.
* * *
لماذا تأخر تطبيق هذا التشريع عن زمن الرسول؟
وهناك عدة أسئلة يوجهها بعض الباحثين حول السرّ في تأخر تطبيق هذا التشريع عن زمن الرسول(ص) حتى عهد الأئمة(ع)، مع أنه يتسع لما لا تتسع له الزكاة، لشموله لبعض الموارد التي لا تجب فيها الزكاة، كما أن كمِّيته أكثر منها؟!أوأجاب بعض المحققين عن ذلك، بأننا نلاحظ في بعض رسائل الرسول(ص) إلى القبائل التي دخلت في الإسلام، أنه يأمرهم فيها بالخمس، في الوقت الذي لم تكن لديهم أية ظروفٍ حربيةٍ تسمح بوجود الغنائم. وقد أثار بعض آخر عدم التحدث في القرآن عن الخمس إلاّ في هذه الآية، مع أنه تحدث عن الزكاة في أكثر من مرة. وأجيب عنه، بأن المقصود ما يشمل كل الضرائب الماليّة حتى الخمس، باعتبار أنها تزكي المال وتنميه. وهناك أبحاثٌ أُخر تتكفل بها كتب الفقه، فليراجعها من أراد الاطلاع عليها.
{إِن كُنتُمْ آمَنْتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} من آيات في شأن الغنائم. وربما كانت إشارة إلى آية الأنفال في ما توحي به من إيكال الأمر إلى الله وإلى الرسول، ليتصرّف المسلمون من خلال ما يصدر إليهم من تعليمات. فهذا هو مظهر الإيمان الحق في خط النظرية والتطبيق. {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} الذي ظهر فيه الحدّ الفاصل بين الحقّ والباطل. {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} جمع الكفر والإسلام. وربما كان ذلك إشارة إلى معركة بدر. {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} في ما ينصر به عباده المؤمنين، ويسلِّطهم على أعدائهم، ليفتحوا وليغنموا من الأموال ما شاء الله لهم ذلك.
ـــــــــــــــــ
(1) مفردات الراغب، ص:378.
تفسير القرآن