من الآية 45 الى الآية 49
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيـات
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ* وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ* إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(45ـ49).
* * *
معاني المفردات
{فَاثْبُتُواْ}: الثبات: قال الراغب، الثبات ـ بفتح الثاء ـ ضد الزوال[1].
وهو في المورد ضد الفرار من العدوّ. وهو بحسب ما له من المعنى أعمّ من الصبر الذي يأمر به الله في قوله: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، فالصبر ثبات قبال المكروه، بالقلب بأن لا يضعف ولا يفزع ولا يجزع، وبالبدن أن لا يتكاسل ولا يتساهل ولا يزول عن مكانه ولا يعجل في ما لا يحمد فيه العجل، فالصبر ثباتٌ خاصٌ.
{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}: الريح على ما قيل: العز والدولة. وقد ذكر الراغب أن الريح، في الآية، بمعنى الغلبة استعارة[2]، لأن من شأن الريح أن تحرك ما هبت عليه وتقلعه وتذهب به، والغلبة على العدو تفعل به ما تفعله الريح بالشيء كالتراب، فاستعيرت لها[3].
{بَطَراً}: قال الراغب: البطر: دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها. ويقارب البطر الطرب، وهو خفة أكثر ما يعتري من الفرح، وقد يقال ذلك في الترح. والبيطرة معالجة الدابة[4].
{وَرِئَآءَ}: الرياء: المراءة: هو إظهار الجميل ليُرى مع إبطان القبيح.
{تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ}: التقتا، ورأت كل منهما الآخرى.
{نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}: النكوص: الإحجام عن الشيء. و{عَلَى عَقِبَيْهِ}: حال. والعقب مؤخر القدم. ولذا يكون معنى نكص على عقبيه كناية عن الرجوع القهقرى إلى الوراء، أي الانهزام.
* * *
القرآن يدعو للثبات والصبر والوحدة
وتبقى للمعركة مواعظها ووصاياها الإلهية، التي تضع للقوة قواعدها وأخلاقها، لأن الله يريد للمقاتلين في أيّة معركةٍ أن لا يعتبروها مجرد ساحةٍ للقتل والقتال، بل يريد لهم أن يجدوا فيها الساحة التي تتحرك فيها الرسالة في خطين؛ خطِّ تحطيم الحواجز التي يريد الأعداء أن يقيموها ضد حريتها في الدعوة وفي الحركة، وخطٍّ تبني فيه الإنسان على قاعدةٍ روحيّةٍ تنطلق مع الله في آفاق الخير والقوة، وتخوض مع الشيطان معركة القوة في مواجهة الضعف، والثبات في مواجهة الاهتزاز، ليظل الإنسان في كل مواقعه قريباً من حركة الرسالة في حياته. فليس هناك ازدواجيةٌ بين الذات والرسالة، حتى يكون لكل واحدٍ منهما موقعٌ خاص به، بل هو الموقع الواحد المتنوّع الألوان والأوضاع. وهذا ما نستوحيه من هذه الآيات.
* * *
أمر بالثبات أمام العدوّ
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ}. إن الإيمان يفرض على المؤمنين أن لا يدخلوا في معركةٍ مع أيّ فريقٍ من الناس إلاّ بعد أن تتّضح لهم شرعيتها، من خلال طبيعة المواقف والتحديات الضاغطة على الإسلام والمسلمين. وعلى هذا الأساس، فلا بد لهم أن يثبتوا ويستمروا في المعركة حتى النهاية انطلاقاً من وضوح سلامة الهدف من موقع سلامة الرؤية، لأنهم سيقفون بين خيارين، وكلاهما خير، النصر أو الشهادة؛ وبذلك يمكنهم أن يحصلوا على العنصر الحقيقي للقوة في موقفهم.
* * *
ذكر الله منبعٌ من منابع القوة
{وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً}، لأنه يمثّل مصدر القوة في مواقف الضعف، وأساس الأمن في مواقع الخوف، وقاعدة الانضباط في حالات الاهتزاز والانحراف، فيشعر المؤمن ـ معه ـ بأنه لا ينطلق في المعركة من حالةٍ مزاجيةٍ قد تجره إليها أجواء المعركة، بل من مهمةٍ رسالية تفرضها عليه رسالته بأمر ربه. {لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لأن الأمّة التي ترتكز على الثبات وعلى المراقبة الدائمة لله في جميع مواقفها السلمية والحربيّة، سوف تسير إلى الفلاح في الدنيا والآخرة. {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فإن ذلك هو الذي يحمي المسيرة من الانحراف، ويصون الخطوات من الاهتزاز، ويحقّق للإنسان الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية في التزامه بالخط المستقيم الذي يتّجه ـ أبداً ـ إلى رضوان الله.
* * *
التنازع سبيل الفشل والزوال
{وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} إن النزاع يتحرك من ذاتية الفكر التي تنزع للاصطدام بفكرٍ مماثلٍ، وعندها تتلاعب الأهواء بالقضايا، فلا يبقى هناك مجالٌ للِّقاء على أرضٍ مشتركة، وتكون النتيجة أن يتنازع كل الفرقاء القضية، فيحاول بعضهم أن ينحرف بها في اتجاه اليمين، في حين يحاول الآخرون أن ينحرفوا بها في اتجاه الشمال؛ مما يفقدها قوتها ومسارها الطبيعي، فتفقد ـ من خلال ذلك ـ شروط النجاح وعناصره، وتقف ـ في النهاية ـ عند حدود الفشل، وتذهب الريح القوية العاصفة التي تضرب قوى الأعداء في الفضاء، لأنها تتوزع هنا وهناك، فلا يبقى منها شيءٌ إلا ما يشبه الهواء الخفيف الكسول الذي لا يمثل أية قوةٍ في حركة العواصف... أمّا إذا التقت الأفكار عند فكر الرسالة، وتجمّعت الرياح عند حركة العاصفة، وتزاحمت الأقدام في الطريق الواحد نحو الهدف الواحد على أساس طاعة الله ورسوله، فهناك القوة كل القوة في ساحة الصراع.
* * *
الصبر أكبر عون على الشدائد
{وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ففي الصبر قوة الموقف، ووضوح الرؤية، وسلامة الطريق، وحرية الإرادة، وبذلك يكون الموقف للحق. وإذا كان الموقف للحق، كان مع الله، وكان الله مع السائرين على الحق الثابتين عليه.
* * *
النهى عن اتباع البطرين المرائين
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً} في ما يمثله البطر من الطغيان في النعمة، وزهو الانحراف بها عن وجهها الصحيح الذي يُرضي الله، بعيداً عن خط التوازن والاعتدال. {وَرِئَآءَ النَّاسِ} فهم لم ينطلقوا من حالة إخلاصٍ عميقٍ لوحي الرسالة، ليكون خروجهم تجسيداً للرسالة، بل كانوا ينطلقون من حالة رياءٍ استعراضي يحاولون ـ من خلاله ـ الإيحاء للناس بقوتهم وعظمتهم، ليراهم الناس وليقولوا عنهم ما يحبون أن يقال فيهم من كلمات المدح والثناء. {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} فيمارسون كل وسائل الضغط التي يملكونها ضد المؤمنين الرساليين السائرين في طريق الله، العاملين من أجل رضاه، المجاهدين في سبيله.
* * *
الفرق بين من يحارب لله ومن يحارب لغيره
وهذا هو الفرق بين الذين يحاربون من أجل رسالة إلهية، وبين الذين يحاربون من أجل عُقدةٍ ذاتية. إنه الفرق بين المسلمين الذين حاربوا مع رسول الله، وبين المشركين الذين حاربوا مع أبي جهل. وقد جاء في كتب السيرة، أن ابن الحقاف الكناني جاء إلى أبي جهل بهدية من أبيه، وهو في طريقه إلى حرب النبي(ص)، فقال له: يقول لك أبي: «إن شئت أمدّك بالرجال، وإن شئت زحفتُ معك». فقال أبو جهل: «إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد، فوالله ما لنا بالله من طاقةٍ، وإن كنا نقاتل الناس، فوالله إن بنا على الناس لقوّة، ولا نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدراً فنشرب فيها الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع العرب بذلك[5].
وربما كان هذا ما توحي به الآية من أخلاق هؤلاء الذين ينطلقون من موقع البطر والرياء والصدِّ عن سبيل الله. {وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } فكيف يواجهون حساب المسؤولية غداً بين يدي الله، وهو المهيمن على ذلك كله؟!.
* * *
الشيطان يزين للكافرين أعمالهم ثم يتبرأ منهم
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} في ما وسوس لهم من أفكار ومشاعر وأهداف، فانحرف بهم عن الاتجاه الصحيح، فالتبس عليهم الباطل بالحق، والخير بالشر، والحسن بالقبيح، فزيّن لهم أعمالهم الشريرة، وصوّر لهم أنهم في موقع القوة المطلقة التي لا تغلب. {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} لأنكم تملكون من العدد والعدّة ما لا يملكون. فهم في موقع الضعف، وأنتم في موقع القوّة، فلا تخافوا من الهزيمة. {وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} أجيركم من كل سوء، وأمنحكم القوّة عند الضعف، وأثبتكم عند الاهتزاز.
{فَلَمَّا تَرَآءَتِ الْفِئَتَانِ} ووقفتا في موقف المجابهة الحاسم، وظهرت الغلبة للمسلمين على المشركين، وبرز الإمداد الإلهي في أكثر من مظهر، {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} ورجع القهقرى منهزماً في عمليةٍ تراجعيةٍ واضحةٍ، وفي حركة هروب من المسؤولية؛ وتخلّى عن كل وعوده. {وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنْكُمْ} فليست لي علاقة بكم من قريب أو بعيد، لأن المسألة بالغة التعقيد، لما تحمله من نتائج المسؤولية. {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ} مما يوحي بالهول والرعب والفزع والهزيمة {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} في عقابه وعذابه. {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وقد تحدثت الروايات الواردة في أسباب النزول عن تمثّل الشيطان بصورة شخصٍ يدعى سراقة، وعن حديثه مع قريش في المعركة، بالطريقة التي تحدّثت بها الآية، في ما وعدهم به في البداية وما خوّفهم منه في النهاية. وقد أنكرها بعض المفسرّين لضعف أسانيد الرواية، وحمل الآية على التصور الشيطاني الذي كان يسيطر على قريش في ما كان يوسوس لهم من الإحساس بالعظمة والزهو والكبرياء، والشعور بالقوة المطلقة التي لا غالب لها... ثم تتابعت الأحداث لتقلب الوضع رأساً على عقب، ولتواجههم بالهزيمة التي تتضاءل معها شياطينهم وما توسوس به وتدفع إليه، تماماً كما ورد في الآية الكريمة: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16]، فإنّ الظاهر ورودها مورد الحديث عن الطريقة الشيطانية في الإضلال، حتى إذا وقع الإنسان في الضلال، ابتعد عنه، وتركه يواجه المسؤولية بنفسه. وهذا ما عبرت عنه الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} [إبراهيم:22] وهكذا نجد هذه الآيات تتحرك في جوٍّ واحدٍ، وإن اختلفت أساليبه. وقد ناقشه بعض المفسرين، فاعتبروا أن ما دلّت عليه الروايات ليس بمستحيل، فلا مانع من أن يتمثل الشيطان بصورة رجلٍ ليتحدث مع الناس ويتحدّثوا معه من دون أن يبيّن لهم شخصيته. فإذا كان هذا الأمر ممكناً، فلا من بد أن يحمل ظاهر القرآن عليه، ولا مانع من ذلك على الأقلّ.
ولكننا نناقش الموضوع من ناحيةٍ أخرى غير ناحية الاستبعاد، لأنها لا تنهض حجةً على صرف الآية عن ظاهرها، وهي أن الآية توحي بأنّ دور الشيطان كان دور التشجيع وحشد القوة في داخلهم، لأنهم كانوا يعيشون حالةً من الخوف والضعف، ولهذا حاول تقويتهم بقوله: {وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} ليستريحوا إلى جواره وليأمنوا به. ولكن واقع المعركة الذي نعرفه من القرآن، ومن التاريخ، ومن طبيعة موازين القوى بين المسلمين والمشركين، يدلُّنا على أن المشركين كانوا لا يشكون ضعفاً في العدد والعدة، فما حاجتهم للتشجيع وللتقوية؟! ثم لو كان الذي تفرضه الرواية صحيحاً، فما دور سراقة، وما أهميته ليجير قريشاً، فتطمئن له وتعيش الأمن من خلاله، لأن الشيطان ـ في مضمون الرواية ـ لم يكشف لهم عن شخصيته؟! ونحن لا نجد جواباً على هذه التساؤلات. ثم ما معنى أن نفرض على القرآن تفاصيل معينةً على أساس رواياتٍ غير صحيحة، لعدم ثبوت وثاقتها؟! ولماذا هذا التساهل في تفسير القرآن، الذي يمثِّل الحقيقة الفاصلة القاطعة، من خلال ظنونٍ لا تثبت أمام النقد العلمي؟! ولهذا فإننا نتفق مع الذين يستقربون ورود الآية مورد توضيح التصور الشيطانيّ، الذي يوحي للإنسان بالهلاك في صورة النصر، ثم يغيّر الصورة في عملية هروب وتراجعٍ؛ والله العالم.
* * *
قول المنافقين في نصر المسلمين وردُّ الله عليهم
{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} الذين كانوا يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} من المنافقين على نحو عطف التفسير، أو الذين كانوا يعيشون أجواء الشكّ والريبة، من دون أن يتخذوا موقفاً واضحاً في السر والعلن: {غَرَّ هَـؤُلاءِ} في أسلوب من أساليب التنديد بمسيرة المسلمين، وإقدامهم على خوض المعركة الذي قد يعتبرونه نوعاً من أنواع التهور؛ فيرجعون ذلك إلى أن دينهم الذي يؤمنون به هو الذي أوقعهم في الغرور، في ما وعدهم به من الدخول في الجنّة والحصول على ثواب الله في الآخرة، مما يجعلهم لا يقدّرون العواقب في ما تتمخّض عنه نتائج الأشياء؛ ولكنّ الله يرد على هذه الفكرة بأن هؤلاء قد أعدّوا أنفسهم إعداداً جيداً، ثم واجهوا المعركة بروحٍ واثقةٍ بالنصر من خلال الثقة بالله والتوكّل عليه. {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} لا يُغلب في عزته في ما يريد أن يقضي من قضاء، ولا يُنتقص من حكمته في ما يريد أن يخطط من أمور.
ــــــــــــــــ
(1) مفردات الراغب، ص:74.
(2) انظر: مفردات الراغب، ص:211.
(3) تفسير الميزان، ج:9، ص:96.
(4) مفردات الراغب، ص:48.
(5) راجع: مجمع البيان، ج:4، ص:843.
تفسير القرآن