تفسير القرآن
التوبة / من الآية 64 إلى الآية 66

 من الآية 64 الى الآية 66
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئواْ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ* وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزئونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}(64ـ66).

* * *

معاني المفردات

{يَحْذَرُ}: الحذر: التحرّز ومجانبة الشيء خوفاً منه.

{نَخُوضُ}: الخوض: دخول القدم في ما كان مائعاً من الماء والطين، ثم كثر حتى استعمل في غيره.

* * *

في بعض أجواء المنافقين

وينطلق المنافقون بأسلوب الاستهزاء يحاولون من خلاله الإساءة إلى الإسلام والمسلمين بطريقة نفسية تهزم الروح القوية التي تنطلق بها المسيرة في خط المواجهة في طريق المستقبل، ولكنهم يحاولون أن يتحقق ذلك بطريقةٍ خفيّة، لا تكشف نفاقهم، ليتمّ لهم اللعب بحريّة في داخل المجتمع، ليعيثوا فيه فساداً من حيث لا يشعر بهم أحد. وكانت تجاربهم السابقة تملأ قلوبهم بالخوف من كشف أمرهم، في ما ينزل به القرآن في كل وقت ليحدّث المسلمين عن خفاياهم وأساليبهم الشيطانية في الكيد للإسلام والمسلمين. ولذا فإنهم يعملون ما يعملون بروحٍ قلقةٍ حذرة، وبذهنيّةٍ خائفةٍ مرتبكةٍ، وذلك هو شأن المنافقين في كل زمان ومكان، في ما يريدون أن يحصلوا عليه من الثقة بهم، مع الحفاظ على مكاسبهم في اتجاه خطّ التآمر والكيد.

* * *

حذر المنافقين من كشف القرآن لهم

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} من النوايا الخفيّة السيّئة التي تفضحهم في ما يريدون أن يفعلوا أو يتركوا في اتجاه الهدم والإضلال {قُلِ اسْتَهْزِئواْ} ما امتد بكم المجال من أساليب السخرية والاستهزاء بالإسلام والمسلمين، فسيكشف الله لنا ذلك كله لنواجهه بالأساليب المناسبة التي تبطل مفعوله وتعطّل نتائجه {إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} من خلال ما يظهره ويكشفه للناس.

وقد فسر البعض من المفسرين الحذر بأنه وارد على سبيل السخرية، ولكنه خلاف الظاهر، ويحاولون أن يبرّروا ذلك كله، بأن الأمر لا يمثل حالةً جديّةً في مواجهة المجتمع المسلم في دينه وعقيدته، بل كل ما هناك أنهم يحاولون الخوض في الحديث في ما يخوض به الخائضون من أفانين الكلام من دون أيّة عقدةٍ داخليّةٍ مضادة، وأنهم كانوا يلعبون كما يلعب الناس، فلا ينبغي محاسبتهم على ذلك، كما لو كان الأمر يمثل خطّةً بعيدة المدى.

* * *

عذر أقبح من ذنب

{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}، ولكن هذا عذرٌ أقبح من ذنب، فهل يمكن أن تكون قضية الرسالة والوحي والرسول والجهاد في سبيل الله، من القضايا التي يخوض الناس فيها كما يخوضون في أحاديث الباطل، أو يتلاعب بها اللاعبون كما لو كانت شيئاً من الهزل الذي لا يمثل قيمةً حقيقيةً في حياة الناس، إنه العذر الذي يؤكد حقيقة الجريمة، بسبب ما يمثله من روحيّةٍ سلبيّةٍ ضد الله والرسول {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزئونَ} من خلال ما يمثله الخوض واللعب من عدم احترام واستهزاءٍ بطريقة غير مباشرة.

* * *

اعتذار المنافقين غير مقبول

{لاَ تَعْتَذِرُواْ} لأنكم لا تملكون القاعدة التي تجعل من هذه الأعذار شيئاً حقيقياً يبرّر أفعالكم وأقوالكم بطريقةٍ حقيقيّةٍ، {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فقد أعلنتم الإيمان وأظهرتموه وعاملناكم بما يعامل به المسلمون أخوانهم من المسلمين، ولكنكم كشفتم ما كنتم تبطنونه من الكفر الداخليّ، وبذلك كان هذا الموقف منكم كفراً بعد إيمان. {إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ} ربما كانوا من التابعين المستضعفين الذين خضعوا لتأثير الكبار منهم، فقد يكون ذلك مبرّراً للعفو عنهم، {نُعَذِّبْ طَآئِفَةً} من هؤلاء المتمردين الذين انطلق النفاق من خلال تفكيرهم وتخطيطهم وتنفيذهم لكل الأعمال الإجراميّة ضد الإسلام والمسلمين، ولذلك فإنهم يتحملون مسؤولية النتائج السلبيّة جُملةً وتفصيلاً {بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} فيستحقون كل عقاب الجريمة، في ما تؤدي إليه من دمارٍ وتضليلٍ وخراب، وربّما فسّرت الفقرة، بالعفو عن التائبين منهم، والعذاب للمصرّين على العصيان والنفاق.