من الآية 71 الى الآية 72
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيتـان
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(71ـ72).
* * *
معاني المفردات
{عَدْنٍ}: خلود.
{وَرِضْوَانٌ}: الرضوان: الرضا الكثير.
* * *
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
وهذه هي الصورة الثانية التي تقف في الواجهة، في مواجهة صورة المنافقين والمنافقات، ولكنها الصورة المشرقة للمسيرة الظافرة للمجتمع الموحّد المتضامن على قاعدة الإيمان بالله، من خلال ما يمثله من قيمٍ ومبادىء وخطٍّ للحياة.
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} إنها ولاية الإيمان التي يشعر فيها كل واحد منهم بالعلاقة الفكرية والروحية والعملية التي تربطه بالآخر، والتي تتحول إلى علاقةٍ وجدانيةٍ حميمةٍ تتعمق في الفكر والروح والضمير والحياة، لأنها لا تنطلق من نزوةٍ سريعةٍ أو حالةٍ طارئة، بل من قاعدةٍ ثابتةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وهكذا استطاع الإيمان في مضمونه أن يركز المجتمع المؤمن، من النساء والرجال الذين حملوا مسؤولية العقيدة على أكتافهم، وتحمّلوا كل نتائجها على صعيد الواقع، بكل هدوء واطمئنانٍ، وذلك ما يريد الله أن يثيره في أجواء المؤمنين والمؤمنات على مدى الزمن في ما يستقبلهم من أجواء وأوضاع. فقد ينبغي لهم أن يعيشوا مثل هذه الولاية القائمة على أساسٍ متينٍ من الخط المستقيم والهدف الواضح.
* * *
معالم المؤمن
{يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ} من خلال ما يمثله ذلك من خط الرسالات التي جاءت من أجل تغيير المجتمع على أساس هدى الله، في ما يريده لعباده من أجواء الهدى، {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} التي هي معراج روح المؤمن إلى ربه، ومظهر عبوديته له وإسلامه له {وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ} التي هي الوجه الحيّ لحركة العطاء في روحه، وانطلاقة المسؤولية في وجدانه، وتأكيد التضحية في عمله، {وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في ما يأمرهم به أو ينهاهم عنه، فلا يلتزمون بطاعة غيره، فلا طاعة إلا له، ولا خضوع لسواه، {أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} في ما أخذوا به من أسباب الرحمة، من الإيمان بالله والطاعة لرسوله، والانسجام مع شريعته {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فلا ينتقص أحدٌ من عزته وقوّته، ولا يصدر منه شيءٌ إلا عن حكمةٍ عميقةٍ، تضع كل شيء في موضعه.
* * *
جزاء الإيمان جنة عدن
{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} وذلك في مقابل إيمانهم وعملهم الصالح، في ما يمثله الثواب من جزاء ماديّ، ولكن هناك ثواباً روحياً يفوق ذلك، ولا يفهمه إلا المؤمنون الذين يعيشون الآفاق الروحية للإيمان، فينعمون برضا الله أكثر مما ينعمون بجنته. وقد يجدون الجنة مظهراً لرضاه، قبل أن تكون موقعاً للنعيم، {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} لأنه غاية كل مؤمن، ومصدر كل خير، لأن الله إذا رضي عن عبده المؤمن، أعطاه كل شيء، ومنحه كل خير، {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي يشعر معه الإنسان بأنه أقصى غايته، وأفضل أمانيه.
* * *
المرأة والرجل مسؤولية واحدة
وقد نلاحظ في هذا الحديث عن المنافقين والمنافقات، وعن المؤمنين والمؤمنات، اهتمام الإسلام بالمرأة، في الواقع السلبيّ والإيجابيّ في المجتمع، باعتبارها عنصراً مسؤولاً يتحمل مسؤولية الانحراف في ما تفرضه من نتائج سلبيّة على مستوى قضية المصير، فالمرأة المنافقة كالرجل المنافق، تسيء إلى المسيرة، من خلال ما تأمر به من المنكر أو تنهى عنه من المعروف، أو تمتنع فيه من العطاء، أو تنسى معه الله، وتتحمل غضب الله، من خلال ما يفرضه هذا الاتجاه من غضبه وسخطه، كما أن المرأة المؤمنة، كالرجل المؤمن، تحقق للمجتمع النتائج الإيجابيّة في ما تأمر به من المعروف، أو تنهى عنه من المنكر أو تطيع به الله ورسوله، أو عندما تقوم بالصلاة وإيتاء الزكاة.
وقد نستوحي من ذلك دعوة المرأة إلى أن تحمل مسؤولية ذلك كله، في انطلاقتها الحركية في الحياة، وإذا كان المعروف يشمل إقامة العدل، والنهي عن المنكر يشمل هدم الظلم، فإن ذلك يعني شرعيّة العمل السياسيّ والجهاديّ للمرأة، في ما تحتاجه الأمة من طاقاتها ونشاطاتها، وإن لم يجب عليها العمل المسلّح في حالات الحرب في الأوضاع الطبيعية. وبهذا يؤكد الإسلام نظرته الإنسانية إلى دور المرأة في بناء المجتمع على أساس القاعدة الإسلامية التي أكّدها الله ورسوله في الكتاب والسنّة، ويوجّه الأمة إلى الاستفادة من دورها في كل المجالات التي تستطيع فيها أن تقدّم خدمةً اجتماعية أو سياسية أو تربويّة أو عسكرية، وعدم الاقتصار على دورها الأنثوي، كأم وكزوجة وكربة بيت، فإننا في الوقت الذي لا نقلّل فيه من هذا الدور المهمّ في حياتنا وحياة الأمة، فإننا لا نعتبره كل شيء، كما لا ننتقص من الأدوار الأخرى الفاعلة على جميع المستويات العامة والخاصة.
تفسير القرآن