من الآية 73 الى الآية 74
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيتـان
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ* يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}(73ـ74).
* * *
معاني المفردات
{جَاهِدِ}: الجهاد: ممارسة الأمر الشاق وأصله من الجهد.
{وَاغْلُظْ}: الغلظة ضد الرقة، وهي الخشونة.
{وَمَأْوَاهُمْ }:المأوى: اسم للمكان الذي يأوي الإنسان إليه، أي ينزل فيه.
{وَبِئْسَ}: كلمة تستعمل في جميع المذامّ، تأتي بمعنى ساء.
{وَهَمُّواْ}: همّ بالشيء، نواه وأراده وعزم عليه ولم يفعله.
{نَقَمُواْ}: أنكروا.
* * *
مجاهدة الكفار والمنافقين
ويتصاعد أسلوب المواجهة ضد الكفار والمنافقين الذين قد يستفيدون من الخطّة النبويّة التي تعتمد اللين والرفق في التعامل معهم وردّ تحدياتهم، فقد كان النبي محمد(ص) يحاول أن يدفع الأمور إلى ساحة السلام الذي يفسح المجال للحوار أن يفرض أسلوبه على الآخرين، فيقودهم إلى القناعة من موقع الفكر الذي يتأمل ويتدبر ويناقش ويحاكم ويحكم، فإن الفكر سينتهي إلى إيجابيّة الوقوف مع الإسلام من خلال ما يملكه من دلائل وبيّنات. ومرت الأيام، والنبي يزيد المحاولات السلميّة، والكفار والمنافقون يزدادون تمرّداً وإيغالاً في التآمر والتشكيك والكيد للإسلام والمسلمين. وهذا ما أراد الله لنبيّه أن يتجاوزه بعد فشل كل التجارب السلمية معهم، ما جعلهم يفكرون بأن ذلك يمثل نقطة ضعف لدى الفريق الإسلامي. فليبدأ بمنطق القوّة، لأن الكثيرين لا يفهمون إلا بهذه اللغة الحاسمة الضاغطة على الذين لا يخافون إلا من القوّة، ولهذا جاء الأمر بجهادهم والإغلاظ عليهم حاسماً في نداء الله للرسول.
* * *
استعمال القسوة على الكفار والمنافقين
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} فإن ذلك يخَفِّف من امتدادهم في خط العدوان، ويدفعهم إلى إعادة النظر في كثير من أساليبهم في العناد والتمرّد. أمّا كيف يكون أسلوب الجهاد، فهو أمرٌ أطلقه القرآن ولم يحدّده، ليكون للنبي اختيار الوجه الأفضل، في نطاق الظروف الموضوعية المحيطة بالساحة، في آفاق الزمان والمكان والأشخاص، {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} فقد حق عليهم القول بما أجرموا وما عاثوا في الأرض فساداً، وذلك جزاء الكافرين المفسدين.
* * *
التستر بالحلف بالله
{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ} كلمة الكفر {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} فأظهروا الكفر بعد إظهارهم الإسلام، وقد كان النبي يكتفي من الإسلام بإظهار الشهادتين مع الاستعداد للانسجام مع الخط العملي للإسلام، بعيداً عن التدقيق في الهويّة الداخلية الذاتية للشخص {وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ} من الفتك برسول الله، من خلال ما تآمروا عليه بعد رجوعه من معركة تبوك، في ما كانوا يطرحونه من عقبةٍ في الطريق، فلم يبلغوا مرادهم منه {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} فقد استطاع أن يرفع مستواهم المادي، ويخفّف عنهم ضغط العيش، في ما كان يعطيهم من رزقٍ وفضل، مما يصل إليه من مال، وكان يساويهم في الغنائم بسائر المسلمين، فخلق لهم ذلك عقدةً في نفوسهم ضد النبي(ص)، كما قد يحدث لدى الكثيرين من مرضى القلوب الذين يتعقدون من الشخص كلما ازداد إحساناً إليهم، فلم يكن له ذنب عندهم إلا إحسانه إليهم، وبذلك ازداد سخط الله عليهم من خلال هذه النفس الخبيثة التي ينطوون عليها، ولكن الله لم يغلق عنهم باب التوبة، بل فتحه لهم على مصراعيه. {فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ} لأن ذلك يحقق لهم الأمن والسلام في الدنيا، والعفو والمغفرة في الاخرة، {وَإِن يَتَوَلَّوْا} ويعرضوا عن التوبة، ويصرّوا على ما هم عليه من الكفر والتمرد والعصيان {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} في ما يعيشونه من خوف وقلقٍ على المصير، ورهبةٍ من أولياء الله الصادقين في مواقفهم وجهادهم {وَمَا لَهُمْ فِي ِالأرض مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} وكيف يجدون الوليّ في مواجهة الله، ومن أين يمكن أن يحصلوا على النصير الذي ينصرهم من الله في بأسه وقوته؟!
تفسير القرآن