تفسير القرآن
التوبة / من الآية 115 إلى الآية 116

 من الآية 115 الى الآية 116
 

بسم الله الرحمن لارحيم

الآيتـان

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيىِ وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِن دُونِ اللَّهِ مِن وَليٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}(115ـ116).

* * *

العناد المؤدّي إلى الضلال

من الناس من يركب طريق الضلال في البداية، من موقع الغفلة أو العناد، ومنهم من يتحوّل إلى الضلال بعد الهدى، من موقع الأطماع والشهوات أو الشكّ والشبهة، ولكن الله يقيم الحجة على هؤلاء في كلتا الحالتين، لأنه ـ سبحانه ـ قد فتح لهم أبواب الهدى من قاعدة المعرفة التي دلّهم عليها وقادهم إليها، من خلال ما أوحى به إلى العقل أن يتساءل ويبحث، وما أوحى به إلى الرسول ليهدي ويوجّه. فإذا ضلّ إنسان بعد ذلك، فإنه لا يضل عن فقدانه لمصادر الهدى والمعرفة، بل من خلال عناده وابتعاده عن الأخذ بأسباب العلم والهداية.

* * *

لا ضلال بعد الهدى

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} والإضلال من الله، لا يعني إيقاع الإنسان في الضلال بطريقةٍ مباشرة، بل يعني حدوث ذلك بشكل غير مباشر، وذلك من جهة ما أودعه في الأشياء والأفعال من ارتباط بين الأسباب والمسبّبات، في ما أراده من العلاقة بين اختيار الإنسان لبعض المقدمات وحصول بعض النتائج الإيجابية أو السلبيّة الملائمة لها. فقد جعل الله الهداية في البداية، فهي الأساس في الواقع الإنساني للمعرفة، لأن الله خلق للإنسان وسائلها العادية من الحواس وقوّة العقل ومفردات المعرفة، ما يؤدي إلى الهداية من أقرب طريق، فإذا أهملها الإنسان، ضلّ الطريق بشكلٍ طبيعـيٍّ. ولكنه الضلال بعد الهدى، {حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} ليثير أمامهم المعرفة التفصيلية للشريعة التي يتعرفون ـ من خلالها ـ ما أراد الله لهم أن يفعلوه أو يتركوه، لتكون حجّة رسوليّةً عليهم بعد الحجة العقلية التي أودعها في كيانهم.

* * *

معنى الإضلال

وربما فسّر البعض الإضلال بالحساب، ليكون المعنى أن الله لا يحاسب الناس على أعمالهم المنحرفة، حتى يقيم عليهم الحجة منه من خلال رسالته. وهذا ليس ببعيدٍ عن جوّ الآية، ولكنه غريبٌ عن مفرداتها في ما تدل عليه من معنى ظاهر. وربما اعتبرها بعض المفسرين واردةً مورد قوله تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال:53] وما في معناه من الآيات، وهي جميعاً تهتف بأن من السنّة الإِلهيّة أن تستمر على العبد نعمته وهدايته حتى يغيّر هو ما عنده، لأن هذه الآيات تربط بين تغيير الواقع وبين تغيير ما في النفس، بينما نجد هذه الآية تتحدث عن الربط بين الإضلال وبين بيان تفاصيل الهداية، لتوحي بأنّ الله لا يضل الإنسان ولا يحاسبه إلا بعد إقامة الحجة عليه بالبيان والتفصيل، وكم من فرقٍ بين هذين المعنيين، والله العالم.

{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} في ما يتعلق بشؤون العباد ومصالحهم ونتائج أعمالهم، لأنه الذي خلقهم وأحاط بكل شيء علماً {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَـوَاتِ وَالأرضِ يُحْيىِ وَيُمِيتُ} فهو القادر على كل شيء، لأنه يملك كل شيء، ويسيطر على حياته وموته {وَمَا لَكُمْ مِن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} لأن الولاية له، فهو الذي يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء،، وهو الناصر لكل أحد، من أيّ أحد، ولا ينصر أحد أحداً منه، فمنه البداية، وإليه النهاية، فهو الذي يجب أن يطاع، وإليه التقوى، وإليه المصير.