تفسير القرآن
التوبة / الآية 119

 الآية 119
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيـة

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}(119).

* * *

معاني المفردات

{الصَّادِقِينَ}: الصادق: هو القائل بالحق العامل به.

* * *

كونوا مع الصادقين

إنها الدعوة الدائمة التي يريد الله أن يستثير فيها مشاعر الإيمان في أعماق الإنسان المؤمن، ليعيش الإيمان فكراً وشعوراً يدفعه إلى التقوى في أفعاله وتروكه وفي جميع مواقفه، لأن ذلك هو معنى الإيمان الذي يعني الشعور بحضور الله الخالق القويّ القادر في وجدانه، وفي حسّه وضميره وحركة حياته، فلا معنى للإيمان بدون تقوى، لأنه يتحول إلى حالةٍ عقليّةٍ جامدة لا تغيِّر منه شيئاً ولا تعني له أيّ شيء، تماماً كما هي المعادلات العقلية التجريديّة التي لا علاقة لها بالحياة، فلا بدّ من التقوى التي تعمّق معنى الإيمان في الداخل.

* * *

الانتماء إلى مجتمع الاستقامة

ثم هناك الانتماء إلى المجتمع الذي يجعل الفرد جزءاً من كل، ويحوّله إلى عضو عامل في جسم متكامل. فما هو هذا المجتمع، الذي قد يكون خليّةً أو منظّمةً أو حزباً أو حركةً أو أيّ شيء مما تعارف الناس على اعتباره إطاراً للوحدة الاجتماعية أو السياسيّة للعمل؟ فقد يكون المجتمع مجتمع الانحراف الذي يكذب أفراده على الناس وعلى الله وعلى أنفسهم، وقد يكون المجتمع مجتمع الاستقامة الذي يصدق أفراده مع الناس ومع الله ومع أنفسهم. فكيف يواجه المؤمنون الموقف، وفي أيّ مجتمع يعيشون، وإلى أيّ فريقٍ ينتمون؟

إن الله يُحدّد للمؤمنين الخط والفريق والمجتمع، ليتحقق لهم الانسجام بين خط الإيمان وحركة الواقع وأجواء المجتمع.

* * *

الدعوة إلى التقوى والصدق

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} وعاشوا الإيمان في فكرهم وشعورهم وحياتهم {اتَّقُواْ اللَّهَ} في أقوالكم وأعمالكم ومواقفكم وكل علاقاتكم {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} الذين يعيشون الحياة صدقاً في الفكر والعاطفة والحركة، بعيداً عن كل ازدواجيّةٍ في المواقف، أو انحراف عن الفكر، أو ارتباك في الخطوات، فلا مجال للانسجام مع الكاذبين الذين يحوّلون الحياة إلى ساحةٍ للباطل في الشعارات والمواقف، ويلفّون ويدورون ويلعبون على الحياة من موقع الشيطنة الباحثة أبداً عن الشرّ، المتحركة أبداً مع الضلال.

* * *

الحذر من الانتماء إلى جماعات الضلال

وقد نستوحي من هذا النداء، أن الله يرفض للإنسان أن ينتمي إلى أحزاب الكفر والضلال التي تعيش الباطل في أفكارها وخطواتها العملية في الحياة، فإنها لا تمثل خط الصدق في موقفها، حتى لو آمنت واعتقدت به، لأن القضية في ذلك ليس بانسجامها مع ما تعتقده، بل القضية هي انسجام ما تعتقده مع خط الحق، كما أن الله يرفض للإنسان أن ينتمي بالمودّة أو بالمواقف إلى الذين يقولون ما لا يفعلون، لأن الله يمقت أمثال هؤلاء أكبر المقت. وفي ضوء هذا، قد يشعر الإنسان بالحاجة إلى التدقيق في ما يُعرض عليه من حالات الانتماء إلى هذا الفريق أو ذاك، ليدرس شخصية الفكر والأسلوب والهدف والقيادة والممارسة، ليحدّد موقعه من ذلك كله، قبل أن يوافق على السير مع هذه الجهة أو تلك سلباً أو إيجاباً، لأن ذلك هو الذي يحفظ له مستقبله من الانهيار، وخطواته من الزلل، وهو الذي يحفظ للمجتمع المؤمن سلامته وانسجامه مع خط الإيمان وفكره، على صعيدي النظرية والتطبيق.