تفسير القرآن
التوبة / من الآية 124 إلى الآية 127

 من الآية 124 الى الآية 127
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيات

{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ* أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ* وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون}(124ـ127).

* * *

معاني المفردات

{يُفْتَنُونَ}: يمتحنون.

{لاَّ يَفْقَهُون}: لا يعلمون.

* * *

كيفية مواجهة المؤمنين والمنافقين لنزول السورة

وهذا هو أحد الأساليب التي كان يمارسها المنافقون في التهوين من شأن القرآن وإبطال أثره في نفوس الناس، ومحاولة الإيحاء لهم بأنه لا يمثل شيئاً في موضوع التنمية الروحية والتوعية الإيمانية، لأنه كلامٌ عادِيٌّ، تماماً كأيّ كلام آخر من كلام المخلوقين، وذلك من أجل إقناعهم بأنه ليس وحياً إلهيّاً في ما يعنيه الوحي من أسرار خارقةٍ للعادة من خلال ما يقتضيه من نتائج غير طبيعية على مستوى التغيير والتأثير.

* * *

السورة تزيد المؤمنين إيماناً

{وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} على النبيّ على ملأٍ من الناس، وقفوا أمامها واجتمعوا عليها في عمليّة استعراضيةٍ للتشكيك، ليطرحوا السؤال على بعضهم البعض أمام الناس كما لو كان شيئاً عفويّاً يحصل لهم بكل بساطةٍ، {فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً} وهو يعرف الجواب مقدّماً بأنه لم يحصل شيءٌ من ذلك، أو أنه يطرح السؤال بلهجة الإنكار والاستهزاء، وربما كان هذا التساؤل وارداً في مجال التعليق على الآية الكريمة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].

ويجيب القرآن على هذا السؤال أو التساؤل، {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} لأن المؤمنين يعيشون وعي الكلمة بطريقة مسؤولة، وبذلك ينفذون إلى عمق المعنى في حركته وامتداده، ويستلهمونه في أجواء إيحائيّةٍ لينطلقوا مع مفاهيمه في الهواء الطلق ليجسِّدوها واقعاً حيّاً في حياة الأفراد والجماعات، فيتفاعل ذلك مع الأفكار والمشاعر والمواقف، لتتحوّل إلى زيادةٍ نوعيّةٍ وكميّةٍ في حجم الإيمان في الداخل. {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} في ما يمثله الإيمان من الداخل، من حركة الشخصية في أكثر من مجال، على أساس هذا الفرح الروحي الذي يطوِّقهم من جميع الجهات، فيشعرون بالواقع كما لو كان بشارةً كبيرة في حجم هذا السؤال.

* * *

السورة تزيد المنافقين رجساً

{وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} في ما يعانونه من حالة النفاق الذي يجعلهم يعيشون الاهتزاز النفسي والجمود الروحي، فلا ينفتحون على الإشراق في معاني الآيات القرآنيّة، ولا ينسجمون مع مفاهيمها وأحكامها، بل يتعقدون ـ بدلاً من ذلك ـ ويواجهونها بالسخرية والاستهزاء والجحود والنكران، أمّا هؤلاء {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} لأنهم عندما يواجهونها من مواقع العقدة المستأصلة، فستتآكل نفوسهم في الداخل منها، وتعيش الحقد والعداوة والبغضاء من جديد، وبذلك تزيد حالة الخبث والقذارة الروحية، بالإضافة إلى ما لديهم من خبثٍ وقذارةٍ واستمرار على ذلك، لأنَّهم ليسوا في أجواء التفكير والتغيير، {وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ} بالله وبرسوله وبآياته {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ} ويُختبرون {فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} وذلك من خلال التجربة الصعبة التي تواجههم، في ما ينزل عليهم من البلاء، فيسقطون أمامها، ويتضاءلون في مواقع التحديات، وينحرفون عن الخطّ الذي كانوا يحملون مسؤولية السير على هداه {ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ} من هذه الذنوب والأخطاء الكبيرة التي يقترفونها {وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} في ما يوحي به الناس من أن المؤمنين في المنطقة لا يمثلون مركز قوّة، ولا يجدون موقعاً متقدماً، {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} في حيرةٍ وتساؤل أو سخرية واستهزاءٍ {هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ} فكأنهم يخافون اكتشاف نفاقهم من قِبَل الناس من حولهم، من خلال سماعهم لبعض كلماتهم، أو مشاهدة بعض حركاتهم، وبعد أن أحسّوا بالأمن والطمأنينة {ثُمَّ انصَرَفُواْ} وتفرّقوا وذهب كل منهم إلى ناحية {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم} عن الحق، فلم يوفقهم إليه، بعد أن أعرضوا عنه من دون حجّةٍ ولا دليل ولا وعي {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} وذلك هو سبب ضلالهم، فلو أنهم كانوا واعين لما يواجههم من دعوة الحق ورسالة الله، في موقف فهمٍ للفكرة وللأسلوب، وللساحة وللهدف، لعرفوا ما فيها من هدىً وحقّ وإيمان.