تفسير القرآن
يونس / المقدمة

 المقدمة

سورة يونس

مكية وآياتها (109)، وقيل إن ثلاث آيات منها أو أربعاً مدنية.

الأجواء العامة لسورة يونس

«يونس» هو اسم نبيّ أرسله الله لهداية الناس، ولكنهم تمرّدوا عليه، ففارقهم ودعا عليهم، وكانت له قصّة بلاءٍ في ما ابتلاه الله به من التقام الحوت له، ثم إنقاذ الله له حيث أخرجه من بطن الحوت، وأنبت عليه شجرةً من يقطين، وانطلق اسمه ـ بعد ذلك ـ في الضباب ، لأن القرآن لم يفصح لنا الكثير عن ذلك، كما لم يتحدث لنا عن تفاصيل قصته قبل ذلك، كما هي طريقة القرآن في التأكيد على الملامح المميّزة للشخصية المتعلقة بالخط السلبيّ أو الإيجابيّ للرسالة وللإنسان وللحياة. ولهذا فإن القرآن لا ينقل إلينا تاريخاً يحدّد ملامح البداية والنهاية، لأنها ليست بذات موضوع في الهدف القرآنيّ غالباً. وفي ضوء ذلك كان اسم السورة، لا يمثل حجماً كبيراً في حركة الآيات في داخلها، بل يمثل حالةً سريعة لا تكاد تقف عندها حتى تشعر أنها انتهت لتفسح المجال لقصةٍ أخرى وشخصيَّةٍ ثانية، لأن الهدف هو الإيحاء باللمحة وبالصورة وبالكلمة المليئة بالروح، الموحية بالإيمان. وهذا ما تتمثله في الآية الكريمة: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98]. ونلاحظ أنّ الحديث عن قومه لا عنه، لأن دوره ليس ذاتياً معهم، بل هو دور النبيّ الذي يمتدّ ويتعمق في الأمة حتى يتحوّل إلى رمزٍ لها، في ما يمثله الرمز من فكرٍ ومعنىً وخط حياةٍ، لا مجرّد انتماءٍ إلى اسمٍ أو كلمةٍ أو موقع.

وهكذا أراد الله لهذا الاسم أن يحتوي التصوّر الكليّ للفكرة من خلال القصة ـ النموذج والاسم ـ في ما تجسده حركة الدعوة في دور النبيّ، وفي تمرّد القرية وأهلها عليه، وفي ردّ الفعل النبويّ الذي عاشه يونس في انفعالاته الذاتية ضدّهم، وفي تراجع هؤلاء عن الموقف السلبي، ليتحول إلى موقفٍ إيجابيّ في دائرة الإيمان، الذي يعيش أجواء التوبة الخالصة التي يتقبلها الله، فيكشف عنهم العذاب. ويعود الخير والسلام للجميع، ويواجه يونس الموقف بذهول واستغراب وحيرة، ويُسدل الستار.

وفي هذا الجو كله، نتعرف ملامح جديدةً للدعوة إلى الله من خلال ما تريد السورة أن تثيره من الإنذار والتبشير في جو الرسالة الإسلامية، ومدى التحديات التي كانت تواجهها في هذا الاتجاه، وكيف يريد الله للإنسان أن يستغرق في التفكير به ليرجع إليه، ليتعرف على نعمه الوافرة، ليصل إلى دار السلام ويهتدي إلى الصراط المستقيم، ولينطلق إلى التأمل في القرآن، ليصدّق به وليدرك نفع تعاليمه له كإنسان في تفكيره وتخطيطه وتشريعه، وفي ما يوحي به من مفاهيم وأجواء، ويبقى للنبي أن يصبر ويتحمل المسؤوليات الصعبة بكل قوّةٍ، ويبلّغ الرسالة، مهما كانت التحديات، ومهما كانت الظروف، من دون أن يكرههم على ذلك بالقوّة، أو يقودهم إلى السير معه بالعنف، بل هو الرفق والتسامح والمحبة والرحمة. وهكذا يجد فيها حركة الدعوة، في حركة الإيمان في التاريخ، كما يجد فيها ملامح الشخصيّات النبويّة التي تحركت من أجل الله في ما يأمر به أو ينهى عنه، لتثير في العاملين كل روحيّة الإسلام، وصفاء الإيمان، وسلامة التطبيق.