من الآية 1 الى الآية 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيتـان
{الر تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ* أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ}(1ـ2).
* * *
معاني المفردات
{الْحَكِيمِ}: المحكم، وقيل هو بمعنى الحاكم.
{قَدَمَ صِدْقٍ}: موقعاً متقدماً.
* * *
قياس الرسالة بمستوى الذات
وتبدأ السورة بتوجيه الناس إلى آيات الكتاب في كل ما يشتمل عليه من حكمة النظرة والمعالجة لقضايا الناس في العقيدة والحياة، ولكن الناس لا يواجهون المسألة من مواقع الحسابات الدقيقة التي تضع الأشياء في مواضعها على أساس القاعدة الفكرية لمسائل الوحي والتنزيل، بل يواجهونها بطريقةٍ سطحيّة تعتمد على المألوف في ما يواجهونه من أوضاعهم الشخصية، فيقيسون قضية النبوّة بقضاياهم الشخصية، فيألفون منها ما يألفونه من أنفسهم ويستبعدون منها ما يستبعدون من أنفسهم، فيتصورن أنها بعيدةٌ عن آفاق البشر، ومتّصلةٌ بعالم الغيب، فكما أنها غيبٌ بطبيعتها، فلا بد من أن تكون غيباً في الشخص الذي يحملها، لأن الغيب لا يقترب من عالم البشر، باعتبار أنه عالم الحس الذي لا يلتقي إلا بالجانب الحسي من الحياة. وهكذا يتحوّل هذا التصور السريع للمسألة إلى إنكارٍ للرسول وللرسالة. وتلك هي مشكلة الإنسان عندما يواجه الأشياء غير المألوفة في حياته بالإنكار، اعتماداً على انطلاقه مع المقاييس المألوفة للأشياء في قضايا الفكر والحياة.
* * *
التعجب من الوحي إلى رجل منهم
{الر} وقد تحدثنا في بداية سورة البقرة عن الوجوه المتصورة لتفسير الحروف المقطعة في أوائل السور، فلتراجع هناك.
{تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} التي أنزلها الله على رسوله، ليحملها إلى الناس رسالة هدىً وحقٍّ وصدقٍ وحكمةٍ وإيمان، ما يفرض عليهم أن يقرأوها بتدبّر وإمعانٍ، ليعرفوا منها مواقع الفكر في ما يحتاج إلى حركة الفكر، وينابيع الشعور، فيما يلامس الشعور، وخطوات الحركة في ما ينطلق به خط السير، فذلك هو السبيل إلى وعي الرسالة والإيمان بالرسول. ولكن بعض الناس لا يتوقفون في هذا الخط، فينهجون نهجاً آخر، ويتخذون لأنفسهم سبيلاً آخر {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} وما هو وجه العجب في ذلك؟ فإذا كان الله قادراً على كل شيء، فأيّ مشكلةٍ في أن يوحي إلى رجلٍ منهم إذا لم يكن هناك عجبٌ ومشكلةٌ في أصل خلقه للإنسان؟ فإذا كان الوحي غيباً من الغيب، فإن سرّ الخلق في الإنسان يبقى كذلك حالةً غيبيّةً في علم الله، ولا يبقى هناك فرق، إلا في أنّ الوحي شيءٌ لم يألفه الإنسان، بينما كان الإنسان وجوداً مادّياً مألوفاً في حركة الحياة، وهذا الفرق لا يخضع لأساس فكري، في ما يمكن أن تلتقي فيه قاعدة القدرة الإلهية في إخضاع الأشياء كلها لإِرادته في تكوين أوضاعها وحركة خلقها، فلا مانع من أن يرسل الله إلى الناس رسولاً منهم، ليحمل رسالته إليهم، نذيراً أو بشيراً {أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ} بعقاب الله وعذابه، إذا انحرفوا عن خط السير، ولم يستجيبوا لنداء الله، {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمنوا} الذين يستجيبون لنداء الله فيؤمنون بالله ورسالاته ورسوله، ويعملون في اتجاه ذلك في كل مجالات حياتهم {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} أي موقعاً متقدماً، وخطوةً سابقة حسنة، بسبب ما يجزي به العاملين بطاعته على أساس ما صدقوا الله في الفكرة والموقف.
* * *
التهمة بالسحر المبين
{قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَـحِرٌ مُّبِينٌ} فهذا هو ردّ فعلهم للدعوة التي لم يملكوا أمامها أيّة حجّةٍ للرفض والإنكار، بل واجهوا الحجة التي تدعم موقف الإيمان وتؤكده، فكانت الكلمة غير المسؤولة اتهامه بالسحر، واتهام الرسالة بأنها مظهر سحرٍ في ما تشتمل عليه من خوارق العادة، ولكن مثل هذه الكلمات لا تمثل موقف قوّة بالرفض، بل تمثل الضعف الذي لا يرتكز على أساسٍ من فكرٍ ولا يخضع لقاعدةٍ من علمٍ أو حقيقةٍ.
تفسير القرآن