تفسير القرآن
يونس / من الآية 7 إلى الآية 10

 من الآية 7 الى الآية 10
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيـات

{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنَا غَافِلُونَ* أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(7ـ10).

* * *

معاني المفردات

{غَافِلُونَ}: الغفلة: سهو يعتري الإنسان من قلّة التحفظ والتيقظ.

{وَتَحِيَّتُهُمْ}: التحية: السلام.

* * *

ملامح أصحاب النار وأصحاب الجنة

ما هي ملامح أصحاب النار وأصحاب الجنة؟ وبالتالي ما هي العوامل الذاتيّة والخارجيّة في حياة الإنسان ليكون من هذا الفريق أو ذاك؟ إن هذه الآيات تحدّد لنا ذلك بوضوح.

* * *

الراضون بالحياة الدنيا

{إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} من خلال إنكارهم للآخرة التي هي عالم ما بعد الموت الذي يمثل نهاية كل شيء، فلا حياة بعده، بل هو النفق المظلم الذي يمتد إلى ما لا نهاية، فهم لا ينتظرون أيّ لقاء بالحياة التي يرعاها الله، في ما تعبّر عنه الآية بأنه لقاء الله {وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا} فهي بالنسبة لهؤلاء الذين لا يرجون لقاء الله تعالى الفرصة الأولى والأخيرة لهم، فسعادتها هي السعادة، وراحتها هي الراحة، وشقاؤها هو الشقاء، وتعبها هو التعب، وهي المستقر والملاذ الذي يعيشون فيه الاستقرار والطمأنينة، فلا يتطلعون إلى أفقٍ آخر، ولا إلى أرض أخرى، وبذلك كان الاطمئنان بها أمراً طبيعيّاً تفرضه لديهم فكرة المحطة الوحيدة للإنسان التي لا رحلة بعدها إلى محطةٍ أخرى، بل هو الفراغ والظلام. وربما كان من الطبيعي لهذا الرضا بها والاطمئنان إليها، أن يكون خطّاً للسير ومنهجاً للسلوك، لأنّ ذلك يفرض الالتزام بقيمها وعلاقاتها وشهواتها وأهدافها، بعيداً عن كل القيم الروحية المتصلة بالله واليوم الآخر.

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنَا غَافِلُونَ} وهذه نتيجةٌ طبيعيّة للصفة السابقة، فإن الاستغراق في الدنيا والإخلاد إليها، يمنع الفكر من الانفتاح على الأجواء الفكرية والروحيّة التي تتحرك فيها الآيات، ويجعل عند الإنسان حاجزاً نفسياً داخليّاً، يحجب عنه وضوح الرؤية للأشياء، وهنا تُطبق عليه الغفلة لتشغله بأشياء أخرى، ولتوجهه وجهةً بعيدة عن الله وعن كتبه ورسله، فيضلّ وهو يحسب أنه يسير في طريق الهدى {أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا} فذلك هو المصير الذي ينتظر الذين يبتعدون عن آفاق الله في رسالته وشرائعه، من حيث كانوا قادرين على الانفتاح عليها من موقع الأجواء التي كان من الممكن الاقتراب منها، وبذلك كان الكفر مسؤوليتهم التي يتحملونها من خلال الإرادة والاختيار، التي تجعل من كل نتيجةٍ عمليّةٍ إنساناً يتحمل نتيجة عمله، وبذلك كانت النار مأوى هؤلاء {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من أعمالهم الشرِّيرة في نطاق الجحود بالله وبآياته.

* * *

الله يهدي المؤمنين بإيمانهم

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} وهذا هو الفريق الآخر الذي عاش العقيدة مسؤوليّة، فانفتح على آفاقها، واستمع إلى آيات الله فيها، وفكّر وتأمّل وتدبّر، حتى انتهى إلى القناعة اليقينيّة في الفكر والشعور، فكان الإيمان هو الخط الذي سار عليه، وكان العمل الصالح يمثّل حركة الإيمان في خطّ العمل، وبذلك كانت هداية الله لهؤلاء إلى الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى الجنة، بواسطة هذا الإيمان الذي يمثل إشراقة الحياة في فكر الإنسان وروحه وضميره، فيحقّق له وضوح الرؤية لكل شيء من حوله، ليتحرك في حياته على هذا الأساس، فيصل إلى غاياته في الدنيا والآخرة. وهكذا كانت النهاية المشرقة لهؤلاء {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}، حيث يعيشون السعادة الروحية في هذا الفيض الإلهي من الألطاف التي تغمرهم بنسيمها، وتضمّهم برضوان الله، {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} في هذا الجو الروحي الذي يستغرقون فيه بعظمة الله، فيهتفون بكل سعادةٍ ودهشةٍ وإعجاب وخشوع: سبحانك اللهم، وتعظيماً لجلالك، في ما يعبّر عنه التسبيح من الشعور العميق بالعظمة المطلقة لله سبحانه، {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} فهذه هي الكلمة التي تعبّر عن هذا الجو الجديد الذي يعيشون فيه، حيث يفيض عليهم السلام من كل جوانبهم، سلام الفكر والقلب والضمير، مع الله ومع الناس ومع الحياة. {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} في ما تتمثل به كلمة الحمد لله، من الإحساس بنعمه وعظمته، فيرتفع إليه في روحية الدعاء والثناء الذي يعبر فيه الإنسان عن عبوديته وشعوره بالفضل الكبير والنعمة السابغة والرحمة الواسعة.