من الآية 17 الى الآية 20
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ* وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَـوَاتِ وَلاَ فِي الأرضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ* وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ* وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للَّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ}(17ـ20).
* *
معاني المفردات
{افْتَرَى}: اخترع، أو اختلق، والافتراء: الاختلاق.
* * *
تصرفات الذين لا يرجون لقاء الله
كيف يتصرف هؤلاء الذين لا يرجون لقاء الله عندما يبتعدون عن خطه؟ هل يملكون بديلاً آخر مميّزاً، يوحي بالاحترام في ما يعبدون، أو في ما يتصرفون؟
* * *
عبادة الأصنام
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ}. استفهام إنكاري، أي لا أحد أكثر أمعاناً في الظلم من هذين النموذجين: نموذج المفتري على الله كذباً؛ ونموذج المكذب بآياته، ذلك أن الظلم يعظم ويشتد بعظمة من يتعلق به. ولا ريب، ليس فوق الله وآياته أحد، وبالتالي، فإن أشد أنواع الظلم هو ظلم الافتراء على الله تعالى.
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} من هذه الأصنام وأمثالها، ممّا لا تمثّل شيئاً من حياة في ذاتها، فكيف يمكن أن تعطي القوّة والحيويّة والنفع لحركة الناس في الحياة. {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ} لقربهم من الله، بسبب ما يحملون من أسرارٍ خفيّةٍ متصلةٍ بالجانب الغيبي في علاقتهم بالله الذي يحبهم ويحب من يحبهم ويتقرب إليهم، كما أنهم يمثلون الواسطة بينهم وبين الله، فإذا رضوا عن شخصٍ ما لعبادته لهم، أمكنهم أن يقرِّبوه إلى الله من خلال ذلك. وبذلك كانت عبادتهم لهم وسيلةً للحصول على رضا الله في نهاية المطاف. ولكن الله يرد عليهم بالطريقة التي تنفي المسألة من الأساس، فإذا كان لهؤلاء هذه المنزلة، فلا بد من أن يحيط الله بعلمها، لا سيّما أنه هو الذي أعطاهم هذا الموقع. ولكن الله يعلم ذلك، لا لأنّ هناك نقصاً في ما يعلمه ـ تعالى الله عن ذلك ـ بل لأنه لا وجود له.
* * *
إحاطة الله بأمور الكون
{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَـوَاتِ وَلاَ فِي الأرضِ} وهذا هو الأسلوب الذي يعبّر به القرآن عن نفي الشريك بنفي علم الله به، باعتبار أن الله محيط بكل شيء، فإذا لم يعلم شيئاً، فمعناه أنه ليس موجوداً بالذات، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} به من أصنامٍ وأشخاصٍ وموجوداتٍ، لأنه لا شيء هناك من هذه الأشياء أو غيرها إلا وهو مخلوق له، فكيف يمكن أن يرقى إلى مستوى الشريك.
* * *
المجتمع البشري الأولي
{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ} فقد خلقهم الله على الفطرة الصافية النقيّة التي تقودهم إلى التوحيد، وتوحّد لهم الطريق، وتبعدهم عن خط الانحراف، إذا انطلقت في خطها المستقيم بعيداً عن التلوّث والتشويه الذي يبعدها عن وضوح الرؤية للأشياء، ولكنهم أخذوا من دنياهم شيئاً من هنا وشيئاً من هناك، في ما يتصل بالأطماع والشهوات، وما يرتبط بالأهواء والعواطف، فاختلفوا في أفكارهم وفي مواقفهم، فضلوا وانحرفوا عن سبيل الله، وابتعدوا عن التوحيد، فعبدوا الأصنام، فاستحقوا بذلك عقاب الله، {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} بسبب ما أخذ على نفسه أن لا يعجّل عليهم العذاب في الدنيا بل يؤجّلهم إلى أجل هو بالغه {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} بالكلمة الحاسمة التي تمثل الموقف الحق، الذي يتبين فيه الحق من الباطل، فينجو أهل الحق، ويهلك أهل الباطل، ولكن الله تركهم لأنفسهم، ولطبيعة الوضع الطبيعيّ الذي يعيشون فيه مشاكلهم وخلافاتهم ويواجهون مسائل الصراع بينهم من دون حسمٍ وقضاءٍ، انطلاقاً من حكمته التي يتصرف من خلالها في تدبير الأشياء.
* * *
الطلب من النبي(ص) إظهار المعجزة
{وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ} ويريدون بها المعاجز البارزة الظاهرة التي تمثل الإعجاز في حركة الأشياء الطبيعيّة بتبديلها إلى غير ما هو المعتاد والمألوف، وكأنهم لا يرون في القرآن هذه الآية، لأن تفكيرهم مرتبط بالمعروف لديهم من معاجز الأنبياء الخارقة للعادة {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للَّهِ} لأن مسألة المعجزة مرتبطة بالله القادر على كل شيء، وهو قادرٌ على أن ينزّل آية، ولكن ذلك لا يتصل باختيار العباد، بل هو غيبٌ من الغيب في ما يأتي من المستقبل، فهو بيد الله يتصرف به كيف يشاء، فلا أملك أمره في قليلٍ أو كثير {فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} لأني وإياكم سيان في العجز الذاتي أمام طبيعة المعجزة المقترحة، والأمر كله بيد الله، فأنا أنتظر معكم جلاء الحقيقة وكشف المخططات العملية لأهل الباطل، وقد لا يجد الإنسان أمامه أيّة بادرةٍ مضادّة تمثل دورة التحدي، بل يواجه قضاء الله وقدره في ما يريد الله أن يحققه، وفي ما لا يريد تحقيقه.
تفسير القرآن