تفسير القرآن
يونس / من الآية 45 إلى الآية 47

 من الآية 45 الى الآية 47
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيـات

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ* وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ* وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}(45ـ47).

* * *

معاني المفردات

{يَلْبَثُواْ}: لبث بالمكان: أقام به ملازماً له.

{بِالْقِسْطِ}: القسط: العدل.

* * *

الحشر والتعارف يوم القيامة

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} في يوم القيامة، في حالةٍ من حالات انعدام الإحساس بالزمن الطويل الذي قطعوه في رحلتهم في الدنيا، وفي انتقالهم من الدنيا إلى الآخرة، فلا يشعرون إلا بالساعة التي هم فيها، {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ} لأنهم يواجهون الموقف في الضوء، {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} فيتحاورون ويتجادلون، ويلقي بعضهم مسؤولية مصيره على البعض الآخر، بينما يتهرب أولئك من المسؤوليّة، وينفتح أهل الجنة على بعضهم البعض في حوار المحبّة، كما ينفتحون على أهل النار في حوار القضايا التي تفرض نفسها على الساحة هناك، في ما يحدثنا عنه القرآن في أكثر من موقع، ولا يمنع ذلك ما أفاض به القرآن من الحديث عن الذهول الذي يصيب الناس في يوم القيامة، لأن ذلك جارٍ على سبيل الكناية، في ما يريد الله أن يوحي به من هول الموقف وصعوبة المشاكل التي تواجه الناس هناك، لا سيَّما هؤلاء الذين جحدوا الله وكذبوا برسالاته، وتمرّدوا على رسله.

{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ} فلم يعملوا له، ولم يستعدوا للنتائج السلبيّة التي حذّرهم منها الرسل، أو للنتائج الإيجابيّة التي دعوهم إليها، وبذلك قدموا إلى يوم القيامة من دون زادٍ ومن دون استعدادٍ {وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} لأنهم سلكوا طريقاً لا تؤدي بهم إلى النجاة، وتركوا الصراط المستقيم، فضاعوا ما بين شهواتهم وأطماعهم وما بين أضاليل الآخرين.

* * *

الله شهيد على الأعمال

{وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من خزي الدنيا وعذابها، فتشاهده بنفسك في ما يبتليهم الله من صنوف البلاء، وما يُعدّه لهم من مصائر السوء، {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} فيواجهونه في غيابك {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} لأن القضية ليست متعلقة بك وليست داخلةٌ في مسؤوليتك، فسيرجعون إلينا، ويلاقون الجزاء الأكبر من العذاب في ما يلاقونه من مصير الهلاك والدمار، ولن نحتاج في الحكم عليهم إلى شهادة شاهد، {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} فهو الشاهد والحاكم كما توحي بذلك كلمة الإمام علي(ع) التي استوحاها من كتاب الله: اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإن الشاهد هو الحاكم[1].

* * *

لكل أمة رسول

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} يبلِّغهم آيات الله، ويعلمهم شرائعه، ويدعوهم إلى سبيله {فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ} وأقام عليهم الحجة في ذلك كله، فوصلت دعوة الله إلى كل أذن، ودخلت إلى كل قلب، وأثارت علامات الاستفهام التي تقود إلى الحوار في كل فكرٍ {قُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، فاليوم تجزى كل نفس بما كسبت، ليكون شعار يوم القيامة: لا ظلم اليوم، {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} في قليل أو كثير.

ــــــــــــــــــ

(1) نهج البلاغة، قصار الحكم، 324، ص:401.