من الآية 61 الى الآية 64
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ* أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخرةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(61ـ64).
* * *
معاني المفردات
{تُفِيضُونَ}: الإفاضة: الدخول في العمل على جهة الانصباب إليه. وتفيضون: تدخلون.
{يَعْزُبُ}: يغيب.
{مِّثْقَالِ}: المثقال ما يوزن به.
{ذَرَّةٍ}: نملة صغيرة.
* * *
وما يعزب عن ربك مثقال ذرّة
إنه العلم الإلهي الذي ينفذ إلى أعماق حياة الإنسان، فيعرف كل دخائلها وخصوصياتها، ويطّلع على كل أعمالها ونشاطاتها، ويكشف كل أسرارها وخفاياها، ما يوحي للإنسان بأنّ عليه أن يراقب الله في كل شيء، وأن يحسب حسابه في كل عمل، ويخاف مقامه في كل شأن.
* * *
الله شاهد على الأعمال
وتنطلق الآية لتقرر ذلك كله، من خلال توجيه الخطاب إلى النبي، في معرض توجيهه إلى الناس ومخاطبتهم به: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} من الشؤون أو حالٍ من الأحوال {وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ} في ما تقرأه لنفسك أو تبلّغه للناس في مجال الدعوة والهداية {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} ما خفي منه وما ظهر مما يتعلق بحياتك أو بحياة الآخرين في حركة العلاقات الإنسانية في الحياة، في القضايا الخاصة والعامة {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي تدخلون فيه وتمارسونه. فالله {يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: 7].
* * *
كل الأشياء حاضرة لله
{وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} فكل الأشياء حاضرةٌ لديه، ما ظهر منها وما بطن. وكيف يغيب عنه شيءٌ، وهو الذي خلق كل شيء {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] إن البعد والقرب يمثلان حاجزاً عن الرؤية والمعرفة، أو مقرباً لهما بالنسبة للناس الذين يعيشون الحواجز المادّية في كل أمورهم، أمَّا خالق الأشياء، فلا يحجزه شيءٌ عن شيءٍ، ولا علم شيءٍ عن علم شيءٍ، وكلّ الأشياء موجودة في كتابه في اللوح المحفوظ، في علمه الواسع الشامل.
* * *
أولياء الله آمنون
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ} الذين اطّلع الله عليهم في خفاياهم وأسرارهم، فرأى منهم صدق النيّة وإخلاص العمل واستقامة الطريق، وسلامة الهدف، فرضي عنهم وأمّنهم في مصيرهم.
{لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وكيف يخاف المؤمنون بالله المخلصون له، وكيف يحزن المتقون الطائعون العاملون في سبيله، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الله في كل أعمالهم وأقوالهم وعلاقاتهم {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} في ما يلهمهم الله من الشعور بالرضا والطمأنينة والسعادة، مما يعيشون معه البشرى كما لو كانت وحياً منزلاً منه {وَفِى الآخرةِ} في ما تستقبلهم به الملائكة بالبشارة بالجنة التي كانوا يوعدون {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} بما وعد به أولياءه، والله لا يخلف وعده {ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي يمثل السعادة المطلقة في ما يواجه به الإنسان قضية المصير حيث يعيش النجاح؛ كل النجاح، والفوز؛ كل الفوز، فلا منتهى لسعادته.
تفسير القرآن