تفسير القرآن
يونس / من الآية 83 إلى الآية 86

 من الآية 83 الى الآية 86
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلأيهمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ* وَقَالَ مُوسَى يا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ* فَقَالُواْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(83ـ86).

* * *

معاني المفردات

{ذُرِّيَّةٌ}: الذرية: الجماعة من نسل القبيلة.

{يَفْتِنَهُمْ}: يصرفهم عن دينهم.

{الْمُسْرِفِينَ}: المجاوزين الحدّ.

* * *

فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه

{فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ} فلم يؤمن منهم إلا قليلٌ، ولكنهم لم يكونوا مطمئنين لمصيرهم، وذلك من خلال الضغوط الصعبة التي يستطيع فرعون أن يمارسها ضدهم، وبذلك كان إيمانهم {عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ} عن دينهم، وذلك بالتأكيد على نقاط الضعف الكامنة في نفوسهم وفي حياتهم التي تبعث فيهم الاهتزاز في الموقف والانتماء.

{وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرضِ} في ما يحاوله من السيطرة الغاشمة على المستضعفين، والعمل على إذلالهم، وتدمير شخصيتهم، وسحق إرادتهم، للإيحاء الدائم لهم بأنهم في المرتبة الدنيا، وهو في المرتبة العليا {وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} الذين أسرفوا في التمرد والعصيان والطغيان والجحود والكفران، حتى تجاوزوا كل الحدود. وأيّ إسراف أعظم من ادّعاء الربوبيّة.

{وَقَالَ مُوسَى يا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ} في ما يوحيه الإيمان به من الإيمان بقدرته المطلقة التي لا تقف عند حدٍّ، مما يعني الشعور بالأمن في ظله، والاطمئنان لرعايته ولرحمته {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ} واعتمدوا، فلا تخافوا معه أحداً مهما كانت عظمته، ومهما كان دوره {إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ} لله أمركم وحياتكم في كل شيء، فذلك هو سبيل القوّة لمن أراد أن يعيش معنى القوّة في روحه وفكره وحياته، ليواجه التحدي الكبير في ما يثيره أعداء الله من تهاويل. وتجاوبوا مع هذا النداء، فعاشوا الشعور بالقوّة في نطاق التوكل على الله، الذي يوحي بالأمن أمام احتمالات المستقبل، فلا يخاف من أشباح الغيب الكامنة في الزمن الخفيّ، ولا يشعر بالشلل من ذلك، بل يجد في الله ضمانةً من كل خوف واهتزاز {فَقَالُواْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} فهو ثقتنا في كل شيء، وهو الذي يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيءٌ. {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فلا نسقط أمام التجربة القاسية والاختبار الصعب، بل اجعلنا ممن يثبت في كل الاهتزازات، فلا يشعر هؤلاء الظالمون بأنهم على صواب في ما يرون، إذا رأونا نتساقط أمام الفتنة العمياء {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فلا تسلّطهم علينا من خلال القوّة الغاشمة التي يملكونها، بل اشملنا برعايتك ورحمتك في كل أمورنا الحاضرة والمستقبلية، حتى لا نحتاج إلى أحدٍ غيرك، ولا نلجأ إلى أحدٍ سواك.