من الآية 94 الى الآية 97
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات
{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ* إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ* وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ}(94ـ97).
معاني المفردات
{الْمُمْتَرِينَ}: الامتراء: طلب الشك مع ظهور الدليل.
* * *
تأكيد صدق الدعوة بما جاء في الكتب السابقة
وهذا أسلوب قرآني يخاطب فيه الله نبيّه، لا ليوجّه الخطاب إليه بالذات، بل ليوجّهه إلى الأمة التي يمكن أن يضلّلها الآخرون من اليهود وغيرهم، ليثيروا في داخلها الشك والريبة حول صدق هذا القرآن، ومدى ارتباطه بالوحي، وانسجامه مع الكتب التي أنزلها الله على رسله، ليقودها ـ من خلال هذا الخطاب ـ إلى مواجهة هذا الشك بالحجة القاطعة في التأكيد على ارتباط مفاهيمه وأحكامه بما جاء في الكتاب الذي سبقه، وهو كتاب موسى الذي أنزله الله إماماً ورحمةً. أمّا كيف يثبت ذلك، فهو بالسؤال للذين يقرأون الكتاب ليتحداهم بإظهار ما يخفونه منه ليدخل في مقارنة معه.
* * *
نبوة محمد في الكتب السابقة
{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ} وذلك بما ربما يثيره هؤلاء من التهاويل من حيث طبيعة الوحي وغير ذلك {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} وتحدّاهم أن يظهروه ويقرأوه للناس ويفسروه لهم، فستجد أنهم لا يجرؤون على ذلك، بل يتراجعون أمام هذا التحدي، لأنهم يعرفون كيف تظهر الحقيقة من خلال ذلك، وكيف تؤكّد للنبي صدقه، كما تؤكد للآخرين ذلك {لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي الشاكّين فيه، لأنك لا تواجه حالةً من حالات الشك إلا لتجد ـ معها ـ إشراقة من إشراقات اليقين {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ} تمرّداً وعناداً، لا لشبهةٍ عرضت لهم، ولا لدليل قام عندهم، ما جعلهم يفقدون الثبات في الموقف، والوضوح في الرؤية، فلا تتبع منهجهم {فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} الذين خسروا كل شيء عندما خسروا الله، في ما يمثله ذلك من خسرانٍ كبير لقضية المصير كلها.
* * *
الذين حق عليهم العذاب
{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} وذلك من خلال كفرهم وتمرّدهم وطغيانهم، فقد توعدهم عليه بالعذاب، فهم {لاَ يُؤْمِنُونَ} بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، {وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} لأن ذلك لا يقنعهم بالحق، فهم لا يبحثون عن أسس القناعة، لأنهم لا يريدون الاقتناع {حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} فيواجهون ـ عند ذلك ـ الحقيقة التي تجعلهم وجهاً لوجهٍ أمام حقيقة الإيمان بالله من دون أي غشاء أو غطاء.
تفسير القرآن