تفسير القرآن
يونس / من الآية 99 إلى الآية 100

 من الآية 99 الى الآية 100
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيتـان

{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ* وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} (99ـ100).

* * *

معاني المفردات

{الرِّجْسَ}: قيل هو النتن، وقيل العذاب.

* * *

الإيمان لا يكون إلا بالاختيار

{وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} لأن الله قادر على أن يخلق الإيمان في نفس الإنسان، كما هو قادر على خلقه وإيجاده من عدم، ولكن الله لم يشأ ذلك، بل جعل الإيمان خاضعاً لإِرادة الإنسان واختياره، من خلال المؤثرات التي تدفعه إلى ذلك، وفي مقدمتها الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة الواضحة. فلماذا تتعقد ـ يا محمد ـ من كفر هؤلاء الذين يرفضون الاستجابة لندائك في دعوتك، ولماذا تواجه المسألة بطريقةٍ أخرى تحاول أن تفرض نفسها على الآخرين من موقع الضغط والإِكراه، في الوقت الذي لا تملك إلى ذلك سبيلاً؟ { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} وهذا استفهامٌ إنكاريٌّ يحمل معنى النفي، إذ لا مجال للإكراه، فالفكر لا يخضع لكل أدوات الضغط، لأنه يعيش حريته من موقع تكوينه الحرّ، ولذلك فلا بد من التأمّل والتفكير ليعرف الإنسان ماذا يأخذ وماذا يدع من ذلك كله {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} من خلال أسباب الإيمان العادية التي أذن الله لعباده أن يأخذوا بها في ما يريدون أن يملكوا به السعادة في الدنيا والآخرة، فإذا استجمعت شروط الإيمان من الوعي والإرادة والقناعة، كان الإيمان حالةً طبيعيّةً في النفس، أمّا إذا لم يجتمع لها ذلك، فإن الإيمان سيبتعد عنهم بشكلٍ طبيعيٍّ {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} لأنهم يمثلون في فكرهم وسلوكهم وكفرهم وعصيانهم، كل ألوان القذارة والخبث، ما يجعلهم بعيدين عن رحمة الله التي لا تشمل إلا الذين يعيشون الطهر الفكري والروحي، وقريبين من عذابه الذي يصيب أولئك الذين يختنقون في عفن الكفر والروح والعمل.