من الآية 108 الى الآية 109
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيتــان
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنُ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ* وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}(108ـ109).
* * *
يا أيها الناس.. قد جاءكم الحق من ربكم
وتنتهي السورة بالإعلان الحاسم الذي يريد الله فيه للنبي أن يحدد للناس الموقف النهائي في ما يتعلق بالدعوة إلى الإيمان بالله، فليست القضية قضيته الشخصية، لتكون الاستجابة له نفعاً ذاتياً يقدمه الناس له أو ليكون التنكر له ضرراً عليه، ولا هي مسألة هيمنةٍ ذاتيةٍ يتحمل النبي مسؤوليتها عنهم من موقع السيطرة عليهم، بل لهم ملء الحرية في تحديد الموقف من موقع إرادتهم وقناعتهم ليتحملوا هم المسؤولية.
* * *
القضية قضية حق لا ذات
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ} فهو الكلمة الأخيرة التي لا كلمة بعدها، لأنها كلمة الله التي يجب على الناس الارتباط بها من موقع القناعة والإيمان، {فَمَنُ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} لأنّ الهداية تمثّل صلاح أمره وسلامة مصيره في الدنيا، بسبب ما تنظِّم له من شؤون حياته على أساس الخير والمنفعة، كما تمثِّل خلاصه في الآخرة، من خلال ما تحقق من رضوان الله وما تنتهي إليه من دخول الجنة {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} في ما يمثله الابتعاد عنها من الدخول في متاهات لا يعرف الإنسان نهاياتها، وقد تنتهي به إلى النار في الآخرة، {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} فلا أملك إجباركم على ما لا تريدون ولا أتحمَّل مسؤوليتكم في ما تعملون أو تنحرفون، لأنَّ دوري الكبير هو في عملية الإٍبلاغ والإنذار لتبقى لكم حرية الإرادة والاختيار.
وتلك هي كلمة الله للنبي في ما يريد أن يبلغه للناس، أمّا كلمته له، فتتعلق بالدعوة في ما تخطِّط له من خط السير، وفي ما تواجهه من تحدّيات، وهذا ما تمثِّله الآية: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} فهذا هو نهجك، أن تتحرك في فكرك وأسلوبك وشريعتك من خلال وحي الله، {وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}. إن التحديات لا تهزم صاحب الرسالة، ولا تسحق إرادة الداعية، بل تزيده ثباتاً وتصلباً وإصراراً على المواجهة، لأنها تستنفر طاقاته، وبذلك يتحول الصبر إلى عنصر قوّة وتماسكٍ وثقةٍ بالمستقبل الكبير الذي وعد الله به رسله عندما جعل لكل بداية نهايةً، ولكل مشكلة حلاً، ولكل نصرٍ موعداً لا يخلفه. وعلى هذا الأساس، كان الانتظار يمثل الصلابة في الموقف الذي يتحرك وهو واثقٌ بأنه سيلتقي بالنصر في الطريق، وذلك من خلال الثقة بالله وبوعده الكبير، وهو ما ينتظره المؤمنون الدعاة العاملون في كل زمان ومكان. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
تفسير القرآن