تفسير القرآن
يوسف / من الآية 41 إلى الآية 42

 من الآية 41 الى الآية 42
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيتـان

{يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخر فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ* وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}(41ـ42).

* * *

معاني المفردات

{تَسْتَفْتِيَانِ}: الاستفتاء: طلب الفتيا.

{بِضْعَ سِنِينَ}: البضع: القطعة من الدهر.

* * *

وحدثهما عن مستقبلهما

... وهكذا انتهى بهما يوسف إلى ما يريدانه من تأويل حلميهما، الذي كان مفاجأة سارةً لأحدهما، وسيِّئةً للآخر.

{يا صَاحِبيِ السِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا} وهو الذي حلم أنه يعصر الخمر {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} فيكون ساقياً للسلطان، لأن ذلك هو ما يوحي به هذا الحلم، {وَأَمَّا الآخر} الذي كان يحمل الخبز على رأسه فتأكل الطير من رأسه {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ} عندما يبقى نهباً لكل طير حيث يستمر الصلب عادةً مدّةً طويلةً تغري الطير بالأكل منه، في ظل فقدان الحماية له، {قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} فهذا هو القضاء الذي استوحاه يوسف من حلم هذا، وحلم ذاك، فليس الأمر بيده ليمنع الفاجعة عن المنكوب الذي سيُصلب فتأكل الطير من رأسه، لأنه ليس إلاّ مفسراً للرؤيا، أما الأمر فهو بيد الله.

{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا} وهو من قال له إنه سيكون ساقياً للعزيز، مما يجعله قريباً منه، أثيراً لديه، مسموع الكلمة عنده، {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} في ساعات نشوته وسروره، وحدّثه عن مشكلتي في السجن الذي دخلته بلا ذنب، واطلب إليه أن يخرجني منه، {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} في غمرة مشاغل وضعه الجديد، لعدم اهتمامه الكافي بوضعية يوسف، كون علاقته به لم تتعد المستوى السطحي للعلاقات الطارئة التي لا يبقى منها بعد انفصال طرفيها سوى الذكريات.

* * *

مزاج الطاغية هو القانون

وهكذا استمر يوسف في السجن، بسبب حكم الطغاة الذين لا يحترمون الإنسان، ولا يشعرون بأية مسؤولية تجاهه، لا سيما إذا كان من طبقة العبيد، الذين لا يمثلون في قانون المجتمع أية قيمة تدفع إلى الاحترام، أو تدعو إلى الاهتمام. لذلك فإن قضاياهم تتعلق بمزاج الطاغية وإرادته، فإذا اقتضى مزاجه إطلاق حرية العبد، كان ذلك هو القانون الذي ينفّذ، وإذا نسي الموضوع كله، أو كان مزاجه أن يبقى السجين في سجنه دون محاكمة، فهذا هو خط «العدالة» الطاغوتية الذي لا يخضع لقاعدة إنسانية أو سماوية، {فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } لا نملك تحديدها، ولكنها ـ كما قيل ـ تتراوح بين الثلاثة والعشرة، وربما أكثر حددها البعض بكونها اثنتا عشر سنة.

* * *

لا مشكلة في طلب الحاجة من العبد

وقد يثير البعض، على ما طلبه يوسف من صاحبه الذي نجا، سؤالاً مثيراً، وهو كيف يطلب حاجته من العبد، بينما يفرض الإيمان على المؤمن ألاّ يطلب شيئاً من غير الله؟ وربما جاء في بعض الروايات، أن الله عاقب يوسف على ذلك، فأنسى الرجل ذكر أمره للعزيز، والجواب: إننا لا نرى في ذلك أيَّ مساسٍ بالإيمان، فضلاً عن أن يكون ذلك خطيئةً يستحق عليها العقوبة، لأن من حق المؤمن أن يستخدم للوصول إلى أغراضه الحياتية الأشخاص الذين يملكون خدمته، وذلك من خلال التوسّل إلى الله في إنفاذ كل أموره، وهداية الآخرين إلى العطف عليه والسعي في حوائجه، مما لا يجعل في الموضوع أية مشكلةٍ له من قريبٍ أو من بعيدٍ.