تفسير القرآن
يوسف / من الآية 99 إلى الآية 102

 من الآية 99 الى الآية 102
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ* وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ يا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَـوَاتِ وَالأرضِ أَنتَ وَلِيِّ فِي الدُّنُيَا وَالآخرةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ* ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} (99ـ102).

* * *

الحلم يتحول إلى حقيقة

... وبدأت النهاية السعيدة، لرحلة الحزن الطويلة التي عاشها يعقوب، لفراق ولده يوسف؛ ورغم طول الغياب، كان يمتلك إحساساً يتحرك من مواقع الإيمان بالله، والثقة برحمته، وإلهاماً روحياً يتحسّس فيه الأمل الكبير بعودة يوسف إليه. أما الان، فإن انطلاقة الضوء قد عادت إلى عينيه، والتماعة البشرى قد أشرقت في روحه، فها هو البشير يحدّثه عن يوسف العزيز الذي رفع الله مكانته فجعله حاكماً يدير شؤون الدولة الاقتصادية، وها هو يدعوه إليه، ليحدثه عن رحلة العذاب الطويلة، وعما أنعم الله عليه، من الإرادة القوية المنفتحة على الرسالة، ومن الموقف الصلب أمام حالات الإغراء، ومن حركة الدعوة في أجواء السجن وظلماته، ومن سعة المعرفة في تأويل الأحلام، وتحليل الأمور التي دفعت به إلى هذا الموقع الكبير...

وهكذا سار يعقوب مع عياله وأولاده، ليلتقي بالحلم الذي تحوّل إلى حقيقة؛ {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} وضمّهما إليه، ليمسح دموعهما، ويخفف حزنهما، {وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ} أي أقيموا فيها وامكثوا طويلاً دون أن يعكر صفوكم أحد، فلكم مطلق الحرية في أن تتحركوا كما تشاءون دون خوف ولا وجل… وقد جاء في مجمع البيان: «وإنما قال لهم: آمنين لأنهم كانوا في ما خلا يخافون ملوك مصر، ولا يدخلونها إلا بجوازهم»[1].

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} وهو السرير الذي يمثل موقع المسؤولية التي كان يشغلها في البلاد، {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا} وكان المتعارف لديهم تماماً كما يمثل الانحناء لوناً من ألوان التحية لدى بعض الشعوب، ولا يمكن اعتبار ذلك منافياً لتوحيد الله في العبادة، لأن السجود العبادي هو ما يعيش الإنسان فيه معنى العبودية بأن يقصد من خلاله التعبير عن الخضوع المطلق.

{وَقَالَ يا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْياي مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} أي رؤياه التي كان قد قصها على أبيه في أوّل السورة في قوله: {يا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ..

* * *

برأ إخوته بنسبة الإساءة إلى الشيطان

{وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْو} إلى هذه الأرض الخصبة، وجعلكم في الموقع الأعلى الذي يهيء لكم أفضل العيش، وأكرم المواقع، وفتح قلوبنا على الصفاء والمحبة والإخلاص، بعد المحنة السوداء التي مرّت بنا في جوّ العداء الذي يتعارض مع روح الأخوّة الصافية، {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} وهذه غاية اللياقة في تبرئة إخوته من الإساءة إليه، وذلك بنسبة المسألة إلى الشيطان، ليفسح لهم بذلك مجال الاعتذار، {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ} فمن لطفه هذا اللقاء الطيب، وهذا الصفاء الروحي الفيّاض، {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الذي يعلم ما يحتاجه عباده، فيدبّر أمورهم على مقتضى الحكمة.

* * *

مناجاة يوسف(ع)

وهكذا انفصل يوسف عن الجوّ الذي يحيط به، واستغرقت روحه في مناجاة لله، تنسى كل الناس وتغيب عن كامل أجوائهم، لتعيش الحضور مع الله في كل شيء، فبينما هو يخاطب أباه، إذا به ينسى ذلك ليخاطب الله سبحانه: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْكِ} في ما مكنتني من الوسائل الكثيرة التي قفزت بي إلى مواقع الحكم والسيطرة على مقاليد حياة الناس، {وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} وما استطعت به أن أفتح الحياة على مواقع الخير في الإنسان، وأدفع الإنسان إلى البحث عن الحقيقة في كل جوانب ذاته وحركة كيانه، {فَاطِرَ السَّمَـوَاتِ وَالأرضِ} وخالقهما على أساس القدرة والحكمة، فكل شيءٍ فيهما مخلوقٌ لك، وكل مخلوق بينهما عبدٌ لك، وكل حركةٍ في داخلهما وخارجهما، خاضعةٌ لقدرتك، فمن يملك، معك، أي شيءٍ، فأنت المالك لكل شيء، ومنك تستمد الأشياء قوتها، وعلاقتها… لا من غيرك، {أَنتَ وَلِيِّ فِي الدُّنُيَا وَالآخرةِ} بما تملكه من ولاية الخلق والقدرة والنعمة واللطف والرحمة، فمنك أستمد سعادتي وهنائي في ما تتفضّل به عليّ من غفران ذنوبي وإدخالي الجنة التي وعدت بها عبادك المتقين، ولم تبخل بها على عبادك الخاطئين التائبين، الذين يتضرّعون إليك بقلوب نادمة على ما فرط منهم في جنب الله، وهذا ما أريد أن أطلبه منك، وأعيشه بين يديك، في ما أستقبل به حياتي ومماتي، {تَوَفَّنِى مُسْلِمًا } واجعل ختام حياتي إسلاماً بالروح والقلب واللسان، كما كانت بداية حياتي كذلك، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} الذين آمنوا بك من موقع الصدق في الإيمان، وأصلحوا أعمالهم من موقع الإخلاص في العمل، وساروا على منهجك في الحياة، في ما يعملون به، ويطرحونه من قضايا، وأوضاع ومشاريع...

* * *

أنباء الغيب دليل صدق النبوة

{ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} فلم يكن ـ يا محمد ـ علم به من خلال قراءة أو سماع أو مشاهدة قبل ذلك، بل هو مما أوحيناه إليك من الغيب الذي تكفّل الله بعلمه ووحيه، وذلك دليل صدقك في نبوتك، {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ} على إلقاء يوسف في الجبّ، وتلبيسهم الأمر على أبيهم، وزعمهم أن الذئب قد أكله، ثم بيع القافلة ـ التي اكتشفت وجوده في البئر ـ له، وغير ذلك من الأمور التي لم يكن النبي حاضراً فيها، ولا سمعها من أحد، في ما خططوا له، {وَهُمْ يَمْكُرُونَ}.

وهذا ما أراد الله أن يثيره أمام القوم هناك كسبيل من سُبل التحدي لما يعرفونه، ولما لا يعرفونه مما يؤكد لهم أن ذلك كله وحيٌ من الله...

* * *

الإرادة الصلبة والقلب الكبير

وهكذا تنتهي قصة يوسف، في هذه السورة، لنرى فيه ملامح الإنسان المؤمن الواعي المنفتح، الذي يملك الإرادة الصلبة الصامدة، أمام كل عوامل التهديد والإغراء، بفضل إيمانه القويّ الذي ينمو معه في كل لحظة، لشعوره العميق بمراقبة ربه، وبحضوره في كل ما حوله ومن حوله، ثم تستوقفنا فيه دقّة الملاحظة، وسرعة الحركة، وعمق الحيلة، إذا ما أراد الوصول إلى مراده دون أن يسيء إلى مبادئه. كما يدهشنا ذلك القلب الكبير الذي لا يتعقّد ولا يحقد، بل يحاول أن يذكر الذين أساءوا إليه، ليعفو عنهم، وليستغفر لهم، كما فعل مع إخوته. وبعد ذلك نجد فيه الإنسان الذي شعر دائماً، بموقع نعم الله عليه في حياته، في ما يتذكره من ماضيه، وفي ما يعيشه في حاضره، وفي ما يتمناه لمستقبله، وأخيراً نتوقف عند ذلك الموقف المبتهل إلى الله ليذكر آلاءه، وليمجّده في ذلك كله، وليشكره عليه، في خشوع العبد، وخضوع العابد.

* * *

القرآن يثير الحقائق دون تعقيد

وقد نلاحظ، في سياق سرد هذه القصة، أن القرآن يتحدث عن الجوانب العاطفية للإنسان، بشكل طبيعيّ، ومن دون تعقيد، وعن مواقع الضعف الذي يعتري الإنسان في هذا الجانب مما يوحي بضرورة استثارة نقاط القوّة فيه، من أجل تحقيق التوازن الذي يحمي الإنسان من الانحراف، ويمنعه من السقوط.

وقد نجد في هذا التوجه، أن الإسلام لا يمانع من الحديث عن الجوانب العاطفية من حياة الإنسان، بما فيه من تفاصيل لجهة التعبير عن الحبّ، والتفنن في استخدام الحيلة للوصول إلى الإثارة، بأسلوب لا يصل إلى مستوى الفحش. فإن تناول هذه التفاصيل قد يحقّق شيئاً من المعرفة بنقاط ضعف وقوة الشخصية الإنسانية، ويوحي بضرورة السعي لتأكيد التربية الروحية، والبناء الأخلاقي، على أساس المعرفة التفصيلية بحقائق الأشياء، لأن إغفال مثل هذه التفاصيل قد يحجب كثيراً من الحقائق الإنسانية، وقد يؤدي بالتالي إلى خلل على مستوى العمق والشمول في تقويم الأشياء.

ومن هنا نستوحي شرعيّة الاطلاع على الثقافة الجنسية، والعاطفية، بالأسلوب العلمي الذي يعطي الفكرة، بعيداً عن كل عوامل الإثارة، لأن المعرفة قد تبعد الإنسان عن الكثير من المزالق، بينما يؤدي الجهل إلى الاندفاع في كثير من الخطوات المنحرفة، في ما يريد أن يخطّط له المنحرفون، أو يثيره الكافرون.

* * *

الحزن الإنساني لا يسيء إلى الإيمان

وقد نستفيد من شخصية يعقوب ـ النبيّ ـ كيف يمكن للإنسان أن يتوازن في مشاعره الذاتية، فيعطي للحزن بعده الإنساني، دون أن يسيء إلى إيمانه وصبره، لأن الصبر لا يتنافى مع انسياب العاطفة، دموعاً تنهار وحزناً يعتمل في القلب، بل هو فعل تماسك في وعي الموقف، وضبط الحركة، واتزان الكلمة، بحيث لا يسيء الإنسان معه إلى المبادىء التي يحملها.

* * *

الروح المطمئنة لا تيأس أمام الكوارث

ونلاحظ في الجانب الآخر من الشخصية النبوية هذا الامتداد الروحي في آفاق الذات وفي أجواء الغيب، فلا ييأس أمام الكوارث، ولا يسقط أمام التحديات، بل يستمد من إيمانه بالله القوّة على استثارة الأمل الكبير من قلب الغيب، انطلاقاً من الثقة بالرحمة الإلهية التي توحي للإنسان في كل وقت بانتظار الفرج، في حركة المستقبل... وبذلك تبقى له قوّته، ويتجدّد فيه عزمه على الاقتحام، وترتكز حياته على أساسٍ ثابت.

وفي هذا وذاك، نجد في شخصية يعقوب الأبوية، والنبويّة، المزيد من اللمعات الروحية واللمسات العاطفية، والابتهالات في خشوع القلب، وخضوع الروح أمام الله بحيث يواجه هذا الشيخ الجليل، كل مشاكل الحياة، بروحٍ مطمئنةٍ هادئةٍ، وبإحساس يعمّقه الامتداد الروحي في رحاب الله.

* * *

النهايات السيئة للخطوات الشريرة

فإذا انتقلنا إلى إخوة يوسف، فإننا نجد النموذج الحي لكثير من الناس الذين يحملون العقد النفسية، نتيجة بعض الأوضاع الاجتماعية المحيطة بهم، التي تتحول إلى سلوك عدواني ضد من حولهم، ثم يثوبون إلى رشدهم، ويلتفتون إلى أخطائهم، عندما يصطدمون بالنتائج السلبية التي تضغط على مصالحهم، وتسيء إلى أوضاعهم، وتكشف خفاياهم للناظرين. فنخرج من ذلك بنتيجة واضحة حول طبيعة النهايات السيئة، للخطوات الشريرة، والمستقبل المعقد المرتبك، للشخصيات المعقّدة التي لا تنفتح على الحياة من مواقع الخير والسلام.

* * *

بين الانسياق للغريزة والشخصية العدوانية

وربما نلتقي في نهاية المطاف بشخصية المرأة التي تنساق مع غرائزها الملتهبة، فتستخدم كل الوسائل الممكنة لإشباعها، وتندفع بعيداً في هذا الاتجاه، حتى تفقد توازنها، فلا تبالي بالفضيحة التي تطوّق مركزها الاجتماعي، وتسيء إلى مصداقيتها فيه، بل تواجه المسألة بروح التحدّي للمجتمع الذي ينكر عليها ذلك، عاملةً على دفعه لخوض تجربتها المنحرفة، لتسقط بذلك زيف مظاهر الحفاظ على شرف الطبقة الرفيعة. وهكذا تثور الغريزة في داخلها وتحوّلها إلى شخصيةٍ عدوانيةٍ تعمل من موقع القوة الذي تحتله طبقياً على تدمير من لا يستجيبون لرغباتها، فتهدد بالسجن، وبالإذلال، وبكل ما تملكه من وسائل الضغط.

* * *

صموده أمام إغرائها دفعها لتبرئته

إنها شخصية امرأة العزيز التي تبلورت في صراع الغريزة الذي خاضته مع يوسف، وفي صراع ردّ الفعل الذي مارسته مع صويحباتها من نساء المدينة، اللواتي تناولنها بأحاديث السوء، ولكن زهو شخصيتها يتضاءل في نهاية المطاف أمام شخصية يوسف القوية الصامدة في مواجهة كل أساليب الإغراء التي مارستها لجذبه، وكل وسائل التهديد التي استعملتها ضدّه، فيتكلل صموده بالنجاح حين تقف أخيراً أمام الملأ لتعلن براءته، ولتعترف بالممارسات السيئة التي قامت بها ضد يوسف، انطلاقاً من خلفيات سيئة تثيرها الأهواء، وتحرّكها الشهوات.

* * *

مخاطرة الخلوة

وقد نجد في أجواء هذه الإنسانة اللعوب، بعض ما يبرّر تصرفاتها السيئة، فقد يكون في وجود الشاب الساحر، الفائق الجمال، الدائم في كل أوقات الليل والنهار داخل البيت، وفي غياب زوجها الذي قد يكون بارد العاطفة تجاهها، بعض الإثارة المتحركة المتجدّدة، التي ما إن تبرد حتى تلتهب، وما إن يضبطها العقل حتى تطغى عليها العاطفة. وهكذا حتى سيطر عليها شيطان الغريزة بتهاويله المتنوعة، بعد أن شجعها موقع يوسف الضعيف منها بصفته عبداً وخادماً مضطراً للاستجابة لرغبات سادته، وموقعها منه كسيدةٍ آمرةٍ قادرةٍ لا تُرد طلباتها ممن حولها، فكيف يمكن لعبدها أن يرد شيئاً لها؟

إننا لا نعتبر في ذلك مبرّراً بمستوى الحجة، لأن الله جعل للعقل المؤيد بالرسالات قوّة التحكم بحركة الجسد وباندفاعه نحو الغريزة، ولكننا نعتبره نوعاً من أنواع الضغط الذي قد يضعف مقاومة الإنسان، ويشلّ الإرادة. ولهذا كره الإسلام خلوة الرجل بالمرأة، لأن الشيطان سيكون ثالثهما في ما تمثله الغريزة من وسوسة الشيطان.

وربما نجد ما يماثل ذلك الجو في ما استحدثه الناس من جهة استخدام الرجال داخل البيوت، واستخدام النساء في الإدارات، وهذا ما أدى إلى زيادة الاختلاط، وكثرة فرص الخلوة، بين الذكر والأنثى، واستثارة الغرائز، كما أدّى إلى الكثير من انحرافات الشباب والفتيات من الأولاد والبنات والزوجات والأزواج، وحدوث المشاكل الكثيرة على أكثر من مستوى.

* * *

الحذر من الانسياق وراء الانحراف

وهذه مشكلة تواجه المجتمع المسلم عندما يأخذ بقيم المجتمع الكافر، فيعيش الازدواجية بين ما تفرضه القيم الجديدة في حياته من أوضاع، وما تثيره القيم الإسلامية في فكره وشعوره، من أحاسيس وأفكار، وبذلك يبدأ الصراع في الداخل، ليفسد على الإنسان سلامه النفسي، وفي البيت، ليحطّم سلامه العائلي، وفي المجتمع، ليهدّم علاقاته الاجتماعية الخاضعة لضغط التقاليد والأوضاع العامة.

وهذا ما ينبغي للمسلمين أن يفهموه ويحذروه عندما يريدون العيش في المجتمعات المنحرفة، كيلا ينساقوا وراء الصرعات الجديدة بشكلٍ لا شعوريّ، عندما يواجهونها بطريقة تجزيئية، دون ربطها بالهيكل العام وبموقعها من التخطيط الاجتماعي، حيث الجذور العميقة لحالات الانحراف، لأن لكل عادة أو تقليد، امتداداً في بنية المجتمع الذي يتبناها، فلا يمكن لنا أن ننقل عادةً معينةً مزروعة في مجتمعٍ خاضع لعقيدة معينة، إلى مجتمعٍ آخر خاضع لعقيدة أخرى، لأن ذلك سوف يسيء إلى الجو العام للمجتمع، ويفسده بطريقة لا شعورية.

* * *

الاستفادة من التجربة

إنها قصة مليئة بالمواقف السلبية والإيجابية التي تحفل بها حركة الإنسان في الحياة، فلا بد للقارىء من التفكير فيها، والتدبُّر العميق لأحداثها ومدلولاتها، من أجل الاستفادة من التجربة التاريخية، في إغناء التجربة المعاصرة والمستقبلية، لتحقيق التوازن الإنساني في الحياة، على هدى الإسلام في فكره وتشريعه وأخلاقيته.

ـــــــــــــــــ

(1) مجمع البيان، ج :5، ص:405.