المقدمة
سورة الرعد
مدنية وآياتها 43
بسم الله الرحمن الرحيم
آفاق سورة الرعد
لكلمة الرعد معنى يوحي بالرهبة من خلال التأثير الذي يحدثه في الجو بالتقاء الصوت الداوي بالشرارة الملتهبة التي تملأ الفضاء نوراً يوحي بالحريق واللهب، فيجعل الناس أصابعهم في آذانهم حذر الموت. والرعد في هذه السورة يتحول إلى ظاهرةٍ كونيةٍ تسبّح الله فيمن يسبّحه، وتحمده فيمن يحمده، على ما يحتويه الكون من عجائب وأسرار تنطلق بحمد الله والثناء عليه. وفي هذه الأجواء تمثل السورة جولة رائعة في الكون الذي يحوي الآيات لقوم يعقلون ويوقنون، بما تفتحه الظواهر الكونية المتنوعة في السماء والأرض من آفاق عقلية، فتلتقي بالله في أكثر الحقائق وضوحاً وإشراقاً، لتبعث اليقين في قلب الإنسان، وتمتد به إلى الإيمان بالقرآن والرسول واليوم الآخر، الأمر الذي يوحي بالفكرة التي يؤكدها القرآن في أكثر من سورة، بأن دور النبي ليس تغيير الكون بالمعاجز، بل دوره الإنذار وإثارة العقل والفكر والوجدان.
ثم يوجه الحديث إلى المؤمنين الذين أبصروا وعقلوا واستجابوا لله وحصلوا على المثوبة الكبيرة والأجر العظيم، وإلى غيرهم ممن اتخذوا من دونه أولياء، ولم يميزوا بين الحق والباطل. ويقارن بين هؤلاء وأولئك، فيثير مثل الأعمى والبصير، والظلمات والنور، ومثل الزبد الذي يذهب جفاءً في مقابل ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، كدليل على الفرق بين الحق والباطل.
وهكذا تدخل السورة في أجواء الرسالات السابقة في حديثها عن الأنبياء السابقين، وتنتقل إلى النبي محمد(ص) الذي أرسله الله بالقرآن المحتوي تفصيل كل شيء، ليبلغه للناس، وليواجه كل التحديات التي تواجهه بالسخرية. وهذه المسألة ليست جديدة، فقد استهزىء بالرسل من قبله، وسينال الجميع جزاءهم في الآخرة كما نالوا بعضه في الدنيا. وينطلق النبي في مسيرته مع أهل الكتاب الذين يفرحون بما أنزل الله، بينما ينكر فريق من الأحزاب عليه ذلك، ولكنه يصمد في موقفه، كما يريد الله له، لأن مهمته البلاغ، وعلى الله الحساب.
ولا توجد مشكلة بالنسبة له في أن يكذبه المكذبون إذا كان الله يشهد بصدقه، وكفى به شهيداً. من هنا، على العاملين في خط الرسالة أن يستوحوا من هذه السورة الإصرار على مواجهة كل أساليب السخرية والتعذيب والتكذيب، والإخلاص لله سبحانه في كل خطوات الدعوة، دون أيّ ضعفٍ أو حاجةٍ لاعتراف الآخرين وشهادتهم، كأساسٍ للثقة بالموقف، لأن شهادة الله فوق كل شهادة.
تفسير القرآن