تفسير القرآن
البقرة / من الآية 03 الى الآية 05

من الآية 03 الى الآية 05
الآيــات
 
{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(3 ـ 5).
 
* * *
 
معاني المفردات:
 
{يُؤْمِنُونَ} : الإيمان: الإذعان للحقّ على سبيل التصديق.
 
{بِالْغَيْبِ} : هو ما لا يقع تحت الحواس ولا تقتضيه بداية العقول، وهو مقابل الشهود الذي يمثّل عالم الحسّ.
 
{وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} : يؤدّونها بحدودها وفرائضها وتوفية شروطها، من القيام للشيء، وهو مراعاته وحفظه.
 
{رَزَقْنَاهُمْ} : الرزق: هو العطاء الجاري، وهو نقيض الحرمان.
 
{يُنفِقُونَ} : أي: يخرجون أموالهم ويبذلونها لغيرهم ممن يحتاج إليها، من نفق الشيء إذا خرج ومضى، يقال: نفقت الدابة: إذا خرج روحها.
 
{يُوقِنُونَ} : اليقين: هو سكون الفهم مع ثبات الحكم، وسمّي العلم يقيناً لحصول القطع عليه وسكون النفس إليه، فكلّ يقين علم وليس كلّ علم يقيناً، وكأنَّ اليقين علم يحصل بعد الاستدلال والنظر لغموض المعلوم المنظور إليه، أو لإشكال ذلك على الناظر، ولهذا لا يقال في صفات اللّه موقن، لأنَّ الأشياء كلّها في الجلاء عنده على السواء.
 
{الْمُفْلِحُونَ} : الفلاح: هو النجاح، وهو الظفر بالحاجة وإدراك البغية، وأصله من الفلح، وهو القطع، ومنه: قيل للفلاّح: الحرّاث لأنه يشق الأرض، وفي المَثَل: الحديد بالحديد يُفلح، أي: يشق. فالمفلح على هذا كأنه قطع له بالخير.
 
* * *
 
المعرفة بين اتجاهات العقل والحسّ:
 
إننا نواجه في هذه الآيات تحديداً لصفات المتقين في إيمانهم وسلوكهم ضمن إطار يحدّد أصول العقيدة، ويشتمل على الجوانب الأساسية من حركة العقيدة في الحياة. وهنا، نحاول استيحاء هذه الصفات من حيث طبيعتها ومدلولها ودورها في حياتنا الروحية والعملية.
 
{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} الإيمان بالغيب صفة أساسية من صفات المتقين. وللكلمة مجالات متنوّعة تتحرّك فيها، فما هو المراد من الإيمان بالغيب؟
 
الإيمان بالغيب هو الإيمان بالأشياء التي لا يصل إليها الحسّ بشكل مباشر، ومنها الإيمان باللّه؛ فالإنسان يؤمن باللّه من خلال آثاره، ومن خلال مخلوقاته في ما تدل عليه من عظمة الخلق، على الرغم من أنه لا يُمسّ ولا يُرى، لأنَّ الوجدان يفرض ذلك كحقيقة حاسمة ترتكز على الأسس العلميّة والعقليّة؛ وبذلك تتحوّل التقوى الفكرية إلى حركة في داخل الذات، تثير فيها اليقين وتقودها نحو الإيمان. أمّا غير المتقين، فلا يؤمنون إلاَّ بالحسّ والتجربة من دون أن ينفذوا إلى ما وراءهما من قواعد وركائز؛ فالقيمة الفكرية في القضايا عندهم هي في خضوعها للملاحظة الحسيّة بعيداً عن كلّ مضمون عقلي أو فكر سابق، لأنَّ الإيمان بالحسّ ـ كما يقول البعض ـ يحمل للإنسان المقاييس الطبيعية التي يمكنه من خلالها أن يعرف الحقّ والباطل، إذ من الممكن أن يدرك الإنسان نتائج التجربة في حالتي النجاح والفشل، فإذا نجحت انطلقت الحياة معه في عملية تكرار يكتشف أبعاد النجاح، وإذا فشلت فإنّها تقف عند حدود التجربة في مراحلها المحدودة، فلا تتكرر؛ لأنَّ الخطأ لا يغري بمعاودة التجربة من جديد.
 
أمّا الأفكار العقلية ـ حسب هذا الرأي ـ فلا يمكن للإنسان أن يلمس بوجدانه مدى الحقّ والباطل فيها بطريقة حسيّة، لأنه لا يملك الميزان في ذلك، لأنها ليست من الأشياء المرئية التي تخضع للملاحظة والتأمّل ليرتكز الإيمان من خلالها على قاعدة متينة. وربما كانت هذه الشبهة من أقوى الشبهات التي أثارها الحسّيون في مقابل العقليّين الذين يقولون بأنَّ هناك أساساً للمعرفة غير الحسّ.
 
ولكنَّنا نلاحظ على هذه الشبهة ـ في مجال الجواب ـ أنها لا تصمد أمام النقد لأسباب، منها:
 
أولاً: إنّ هذا الدليل الذي أقاموه على خطأ الرجوع إلى العقل، هو دليل عقلي خاضع للملاحظة والتأمّل التجريديّين في البداية، لأنهم يقولون: لو لم نعتمد على الحسّ والتجربة أساساً للمعرفة، لما كان لدينا مقياس دقيق للحقّ والباطل، وهذا ما يوحي لنا بطرح سؤال محدّد: هل معاني هذه الفكرة من المعاني المحسوسة التي تخضع للتجربة؟! فإن لم تكن كذلك، كانت النتيجة محاولة لإبطال الدليل العقلي بالدليل العقلي. وفي هذا تأكيد وتأييد للفكرة التي تؤمن بوجود دليل غير التجربة كأساس للإيمان والقناعة الفكرية والوجدانية.
 
ثانياً: إنَّ الحسّ والتجربة لا يصلحان أساساً للمعرفة بشكل عام من دون ضمّ المقدّمات العقلية، لأنَّ التجربة محدودة بزمان ومكان معينين، فلا تنتج إلاَّ النتائج المحدودة بحجم التجربة، أمّا في الإطار العام الذي يمتد خارج نطاقها في تجارب أخرى لم تحدث، فلا مجال لاستكشاف أيّ شيء منها. فإذا أجرينا تجربة معينة وأدّت إلى نتيجة معينة، ثُمَّ عاودنا التجربة مع نتيجة مماثلة وهكذا إلى ما شاء اللّه، فإنَّ المنطق الحسِّي لا يسمح ـ من ناحية ذاتية ـ بأي حكم مماثل في ما يستحدث من تجارب، لأنها لم تخضع للملاحظة بشكل مباشر. كما أننا إذا طرحنا القضية في حالة اختلاف التجربة الثانية عن التجربة الأولى، فإننا لا نستطيع اكتشاف الخطأ من خلال ذلك، لأنَّ لكلّ منهما، مثلاً، ظروفاً محدّدة تجعل أية واحدة منهما خاضعة للحظة الزمنية التي عاشت فيها؛ إذاً ليس لأي من نماذج التجربة سعة تتجاوز نطاقها.
 
ولكنَّ المنطق العقلي هو الذي يمدّ التجربة إلى المجال الواسع الذي يتجاوز الظروف الطارئة من الزمان والمكان. ولنضرب لذلك مثلاً: لو واجهنا قانوناً علمياً مثل «الحركة تولّد الحرارة» من خلال مليون تجربة لحالة الحركة، فلا نستطيع الإقرار بالقانون العلمي بصفته الشاملة الممتدة إلاَّ على أساس أحكام عقلية مجرّدة مثل حكم العقل «بأنّ حكم الأمثال في ما يجوز وفي ما لا يجوز واحد»؛ والذي يعني أنَّ الأشياء المتماثلة في الخصائص وفي الظروف تكون مماثلة في النتائج، ومثل حكم العقل «بأنَّ الواحد لا يصدر عن متعدّد» أو «أنَّ الواحد لا يصدر إلاَّ عن واحد»، وقاعدة «أنَّ الشيء لا يصدق في حالة صدق نقيضه»... فلولا ضمّ هذه القواعد العقلية المسلَّم بها، لما استطعنا أن نمدّ التجربة إلى أكثر من مجالها؛ فإنَّ القاعدة الأولى تتكفّل باعتبار الحالات التي لم تقع تحت التجربة، مماثلة في النتائج لمثيلاتها ممّا وقع تحت التجربة، وتنطلق القاعدة الثانية لتُخضع النتيجة الواحدة للمليون حركة لعلة واحدة، وهي طبيعة الحركة بعيداً عن الخصائص الذاتية لكلّ واحدة منها، لأنه لا يمكن أن تصدر الحرارة الواحدة مثلاً عن مليون سبب. وتأتي القاعدة الثالثة لتمنع افتراض الخطأ في موقع افتراض الصواب، لأنّ ذلك يؤدي إلى اجتماع النقيضين المستحيل.
 
في ضوء ما تقدّم، نعرف أنَّ المبادىء العقلية هي التي استطاعت أن تربطنا بالأفكار والقوانين العامّة من خلال التجارب المحدودة؛ ولولاها لما استطاعت التجارب المحسوسة أن تمنح الإنسان الغنى العلمي والفكري، سواء في القوانين العلمية العامة، أو في المبادىء العامة للحياة.
 
وربما نحتاج إلى أن نلفت النظر إلى القاعدة الثالثة، كنموذج حاسم من نماذج المسلَّمات العقلية البديهية التي تعتبر مقياساً لمعرفة الحق والباطل في شتى ألوان المعرفة؛ فإنَّ الوجود والعدم لا يمكن أن يجتمعا في إطار واحد في زمان واحد ومن جهة واحدة، فهذه الفكرة من الأفكار العقلية القطعية التي لا مجال للشك فيها، كما لا يمكن لأية معرفة أن تستغني عنها، لأنَّ أية وسيلة من وسائل المعرفة لا تملك أية قيمة لنتائجها إذا كان احتمال صدق نقيض النتيجة وارداً في حساب الواقع، لأنّ القضية عندها ستواجه إمكانية الصدق والكذب في وقت واحد. فلولا هذه القاعدة العقلية التي لا تستند إلى أي أساس تجريبي محسوس، لما أمكن قيام أو إثبات أية معرفة من المعارف.
 
وخلاصة الحديث، في ما قدّمناه، أنَّ التجربة ليست هي المقياس الوحيد لمعرفة الحقّ والباطل لتتجمّد المعرفة عند المحسوس، بل هناك العقل الذي يربط الإنسان بالقاعدة الصلبة للمعرفة، سواء في الأفكار التجريدية أو في الأفكار التجريبية.
 
* * *
 
الإيمان بالغيب:
 
ومن هذا الاتجاه، نتحرّك في الاستدلال على سلامة الفكرة الدينية التي تعتقد بوجود أشياء غير منظورة من القوى والعوالم والأشياء، كنتيجة لوجود أسس موضوعية في عالم الواقع، للاستدلال على هذه الأشياء، بمعونة الأدلة العقلية الثابتة؛ كما في الإيمان بوجود اللّه سبحانه وتعالى، فإنَّ كلّ ما حولنا يدل على وجوده وإن لم تدركه أبصارنا، ولم تلمسه حواسنا، انطلاقاً من القاعدة العقلية التي تقرّر أنَّ كلّ ممكن لا بُدَّ له من علة موجدة لا تخضع لعلة أخرى، وقد نستطيع إدراك ذلك ببعض وسائل الإيضاح، فنلاحظ أننا نؤمن بأشياء غير محسوسة لنا في نطاق الكون، مما لم يتيسر لنا رؤيته من خلال وسائل القناعة التي نملكها في حياتنا العملية، ما يعني أنَّ المبدأ الذي يقرر واقعية الإيمان بغير المحسوس صحيح وواقع.. أمّا إمكانية الرؤية في ما يستقبل وعدم إمكانيتها فلا يغيّران من الموضوع شيئاً. والإيمان بالغيب هو امتداد للتفكير القائل بأنَّ الحسّ والتجربة ليسا كلّ شيء في المعرفة بل هناك العقل الذي يسير إلى جانب الحسّ ليمدّنا بالمعرفة، من خلال الحسّ أو العقل.
 
* * *
 
هل الدِّين غيب كلّه؟
 
لا بُدَّ لنا من أن نتوقف في هذا المجال عند نقطة مهمة جداً، وهي أنَّ الدِّين عندما يركّز على الإيمان بالغيب، فهل يعني هذا أنَّ الدِّين قائم على الإيمان بالغيب فقط، وليس هناك إلاَّ الغيب في مضمون الإيمان، وفي تقويم الأشخاص، وفي تعليل الأحداث والظواهر الكونية والاجتماعية، كما يحلو للبعض أن يقولوا أو يعتقدوا أو يفسروا، فيخضعون الظواهر الطبيعية كلّها أو أكثرها لتفسيرات غيبية، لا يصل إليها فكر الإنسان، ما جعل العقل البشري، في بعض مراحله، يبحث عن أسباب الظواهر الطبيعية وعللّها، كالصحة والمرض والهزيمة والنصر، وعن خلفيات المشاكل الاقتصادية أو السياسية، خارج الواقع العملي للأشياء، مكتفياً بإرجاع ذلك إلى عوامل غيبية، أو إلى اللّه، من دون أن يبحث عن القوانين الطبيعية التي أودعها اللّه في الكون، ليقوم عليها نظامه ونظام الحياة في نطاق مبدأ السببية الطبيعية في الأشياء؟
 
لقد وقع في هذه الشبهة بعض المؤمنين الساذجين، فوقفوا موقف المنكر لكثير من نتائج العلم لاصطدامها بالذهنية الغيبية التي لا تألف مثل هذه النتائج، والبعض منهم تطرّف في موقفه لدرجة تكفير الإنسان الذي يؤمن بوجود قوانين طبيعية تحتكم إليها الظواهر الطبيعية والكونية، لأنهم يحسبون الفارق بين الإيمان والكفر هو الاعتقاد بغيبية الأسباب في جانب الإيمان، وبواقعيتها أو ماديتها في جانب الكفر.
 
وقد نشأت في هذا الجوّ ـ ولفترات ـ فكرة تركيز الوعظ على الجانب الغيبـي في كلّ مجالات الحياة، من دون توضيح للقوانين الطبيعية التي أودعها اللّه في الكون، ما أدّى إلى ربط كلّ الظواهر الطبيعية باللّه بشكل مباشر، وربما كان هذا أحد الأسباب التي أقعدت الإنسان المسلم في العصور الماضية عن التقدّم في اتجاه فهم الكون من خلال فهم القوانين المتحكّمة في مسيرته، وساهمت في تكوين الشخصية الغيبية، ذات العقل الغيبي والمشاعر الغيبية، التي تبحث في الماضي والحاضر عن خطوات الغيب، وتواجه المستقبل بتطلعات غيبية، تفسح في المجال للكهان والمتنبئين للعب بعواطف النّاس ومشاعرهم من خلال عمليات «فتح الفال» وغيرها. حتى أننا رأينا الكثيرين من السياسيين وغيرهم ممن يهمهم أمر معرفة مستقبلهم السياسي والعاطفي، يتجهون إلى العجائز أو الفلكيين الذين يدّعون معرفة الغيب ويتاجرون بها ليعرفوا منهم تطورات المستقبل.
 
إننا لا نؤمن بحركة الإيمان بالغيب في مثل هذه المساحة الواسعة من حياة النّاس العامة والخاصة، بل نؤمن بالغيب الذي يربطنا باللّه في مجال محدود، ولذا نرى الإسلام يشنّ حملة شديدة على الكهان والكهانة والتنجيم والمنجمين، لإبعاد العقلية الغيبية عن واقع الفكر والحياة، ولإبقاء الإيمان بالغيب في منطقة العقيدة عالماً يعيش في داخل الذات، ليطوف بالإنسان في بعض مجالات حياته، بعيداً عن الاستغراق في المادة العمياء، التي لا تفتح عينيها على الآفاق الواسعة المنطلقة أبداً مع اللّه، لكيلا يتجمد الإنسان عند حدود الأمل الضيق الذي تسمح به ظروفه الخاصة المحدودة.
 
إننا قد نؤمن بالغيب بشكل جريء في كثير من الحالات التي لا نفهمها، أو ربما نتمرّد ـ في وعينا ـ على بعض القوانين الطبيعية التي قد يكون لها جانب غيبي، لأننا نعتقد بأنَّ الحياة لا تخضع دائماً للتفسيرات المادية، فقد تحدث في حياة كلّ منّا أشياء غيبية في عالم الرزق أو الصحة أو غير ذلك، فيشفى بعض المرضى نتيجة التوسل للّه بنبيّ أو وليّ، أو بسبب دعاء أو عمل عبادي، في جوّ نفسي معين قد لا ينسجم مع التفسير النفسي العملي.
 
إننا لا ننكر وجود جانب روحي يرعى الإنسان ويتدخل في حياته، ولكن المبدأ الأساس في الحياة من وجهة نظر إسلامية، هو أنَّ الحياة تخضع في جميع أسرارها ومظاهرها، سواء كانت سياسية، أو اجتماعية،أو اقتصادية، لقوانين طبيعية أودعها اللّه في الكون، وهذا ما نجده في القرآن في أكثر من آية، في حديث اللّه عن سننه في الكون: {سُنَّةَ اللّه فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} [الأحزاب:38]، {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه تَحْوِيل} [فاطر:43].
 
ولذلك، فإنَّ إيماننا بالغيب لا يمنعنا من الوقوف أمام كلّ ظاهرة كونية أو حياتية لنفهم أسبابها وأسرارها، بل الملحوظ أنَّ القرآن يدعونا في كلّ آيات التفكر والتدبر، للنظر في الكون، وفي التاريخ، لنعرف أسبابها وأسرارها، ولنكتشف من خلالها عظمة اللّه تعالى. وبذلك يحتضن الفكر الإسلامي كلّ علوم الحياة والإنسان، التي تحاول البحث عن القواعد العلمية التي تحكم الكون والسلوك والتفكير في ضمن كيان متكامل متوازن، ويتجه إلى الواقع ليفسره تفسيراً ينسجم مع الدور الكبير الذي أعدّ اللّه له الإنسان في الحياة.
 
* * *
 
تجليات العقيدة في الممارسة الإنسانية:
{ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} لقد تحدّث القرآن عن الإيمان بالغيب الذي يتمثّل بـ «الإيمان باللّه»، ثُمَّ ربطه بالجانب العملي ليفهم منه أنَّ الإيمان الذي يُراد في الإسلام ليس هو الإيمان النظري الذي يعيش في فكر الإنسان من خلال المعادلات العقلية المجرّدة، بل هو الذي يعيش في النفس لينطلق في مجال الحياة العملية، ولهذا كانت الشخصية الإسلامية الإيمانية مرتكزة على الجانب الفكري في العقيدة والجانب العملي في الممارسة.
 
وقد طرح القرآن للجانب العملي نموذجين:
 
أحدهما: يمثّل تعبيراً للإنسان عن جانب ممارسته العقيدية في حركات تعبيرية، تتجسّد فيها معاناته الداخلية للإيمان، وتنسجم فيها روحه مع تطلعاتها وإحساسها الحي بارتباطها العميق باللّه، وذلك لحاجة التكامل الإيماني لديه إلى الممارسة العملية، والتعبير المتجسد الذي تنساب فيه الإيحاءات الخفية في النفس، من خلال الكلمة والحركة والموقف والشعور، ما يفسح في المجال للنفس لتواجه الموقف الإيماني من عمق الإحساس الذاتي بالفكرة، لا من خلال الإيحاء والتوجيه الخارجي.
 
إنه موقف العطاء الذي يتفجر كالينبوع من النفس، لا موقف التلقي والأخذ من عطاء الآخرين، وهذا هو ما تعبر عنه الصلاة في روحيتها المنسابة مع كلّ كلمة من كلماتها، أو حركة من حركاتها، ليتحسّس الإنسان معها العلاقة باللّه، كما لو كانت شيئاً يتجسّد ويُحسّ ويتحوّل إلى فعل محبة وعبادة وصداقة، واستغراق للروح في وعي القيم الكبيرة المنطلقة من خلال اللّه، واستشعار لمسؤولياته عن المعاني الكبيرة في الحياة، من خلال الموقف الحقّ الذي يقفه بين يدي اللّه في استعادته لعملية الإيمان، وليعيش القوّة أمام نوازع الضعف وتحدّيات القوى، لئلا يبقى بعيداً عن مصدر القوّة التي تسنده، وتدعم وجوده وموقفه، وترعاه في كلّ مجالاته، فيستطيع أن يحقّق التماسك والانضباط بين يدي اللّه.
 
ثانيهما: ما يؤكده قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} من تكامل بين علاقة الإنسان باللّه وعلاقته بالحياة.
 
فهذه الآية تؤكد بأنَّ على الإنسان أن يعيش العطاء، فيعطي مما رزقه اللّه، لأنَّ كلّ ما في الكون هو للّه تعالى، وكلّ ما يقع تحت يديه هو للّه تعالى، لأنه إنما كان له بقدرته تعالى، وبما هيّأ له من الأسباب والوسائل، ورفع من طريقه العقبات والموانع، ولذا عليه أن يشعر بأنَّ العطاء وظيفة ومسؤولية لا تفضلاً ومنّة. فالإنسان مؤتمن على ما ملّكه اللّه تعالى ومكنه منه، وبالتالي عليه أن يدبره ويديره ويتصرّف به وفق مشيئة مالكه الحق، أي اللّه سبحانه وتعالى.
 
وبذلك يتصاعد الإيحاء، في لفتة رائعة، تنسب المال إلى مصدره الأساس وهو اللّه، ليدرك أنه لا ينفق مما يختص به، أو يملكه ملكاً ذاتياً حتى يعيش أنانية العطاء، بل ينفق مما رزقه اللّه. ويتسع الإيحاء في ربط الإنفاق بمصدر العطاء الذي هو اللّه، ليعتبر الإنسان أنه مسؤول عن كلّ ما رزقه اللّه من رزق ليعطيه وينفق منه على أساس المسؤولية، فليس حراً في أن يفعل به ما يريد كما يريد. وقد نلتقي ببعض الأحاديث المأثورة التي تستوحي من الآية الفكرة التي تمتد بالإنفاق إلى ما هو أبعد من المال، فتتسع المسؤولية لتشمل كلّ طاقة يملكها الإنسان مما يحتاج إليه الآخرون، فقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق(ع) في مقام تطبيق الآية: «{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} قال: وممّا علمناهم يبثون»[1]. وفي حديث آخر: «وما علّمناهم من القرآن يتلون»[2]، ومن الطبيعي أنَّ الإمام الصادق (ع) لا يريد أن يحصر مدلول الآية في إنفاق العلم، لأنَّ مجالها اللغوي أوسع من ذلك، ولأنَّ الآيات القرآنية الكثيرة الواردة في أمثال هذا السياق ظاهرة في المال أو في ما هو أوسع من المال... ولكن الظاهر أنه يريد الإيحاء، للذين يفهمون منها المال، أنها تشمل العلم كأسلوب من أساليب التوجيه والتنبيه للآخرين الذين يملكون العلم ولا يبثونه في من يحتاج إليه، على اعتبار أنَّ هذه الصفة من السمات البارزة للشخصية الإيمانية، وهذا ما استوحيناه من سعة المدلول القرآني.
 
ونحن نستطيع أن نستوحي منها، أيضاً، الإنفاق في مجالات أخرى، كإنفاق الجاه والجهد والخبرة وغيرها من الطاقات، لنطلب من الآخرين الذين يملكون أمثال ذلك أن لا يحتكروه لأنفسهم، بل أن يبذلوه لمن يحتاجه من النّاس.
 
وملخّص الفكرة، أنَّ المؤمن يشعر بأنه مسؤول عن الإنفاق من كلّ ما رزقه اللّه من مال أو علم أو جهد أو جاه وغيره، من موقع الواجب لا من موقع التفضل.
 
وقد يناقش المناقشون في ظهور اللفظ في ذلك، ولكن اللفظ ليس مدلولاً لغوياً يتجمد المعنى عنده، بل هو إيحاء عميق ممتد في رحاب الحياة، يتسع ويشمل كلّ ما يتصل به من أجواء ومواقف وأشياء.
 
* * *
 
الإيمان بالرسالات السَّماوية، شرط أساس:
 
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} ، هذه هي الصفة الرابعة من صفات المتقين، وهي صفة الإيمان بالوحي المنزل على النبيّ محمَّد (ص)، لينسجموا في إيمانهم مع كلّ مفهوم من مفاهيم الإسلام، ومع كلّ حكم من أحكامه، لئلا يبقى هناك أيّ فراغ فكري أو تشريعي أو روحي يواجه به الإنسان حياته، ليبحث في أفكار الآخرين وتشريعاتهم عمّا يسدّ هذا الفراغ، بل يعيش الامتلاء الفكري والوجداني والقانوني في كلّ المجالات.
 
ثُمَّ، الإيمان بوحدة الرسالات. فالمؤمنون هم الذين يؤمنون برسالة النبيّ محمَّد (ص) على أنها امتداد للرسالات السابقة التي لم تكن رسالات بشرية، بل هي وحي منزل من اللّه سبحانه وتعالى. وفي هذا الجوّ نشعر بأنَّ الإنسان المسلم لا يعيش أية عقدة نفسية إزاء الرسالات الأخرى كالنصرانية واليهودية، ولا يرفض مقدساتها الأصيلة، بل الإنسان المسلم هو الذي يؤمن بالأديان الأخرى وبمقدساتها، ولكن ضمن إطارها الزمني الخاص الذي أراد اللّه للرسالات أن تعيش فيه، لأنَّ الإسلام يعتبر نفسه امتداداً للأديان الأخرى ومكملاً لها، كما كان كلّ دين مكمّلاً للدِّين الذي سبقه. وقد ورد عن المسيح (ع) قوله: «إنما جئت لأكمل الناموس»، وورد عن النبيّ (ص) قوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
 
وقد نستطيع أن نفهم من هذا كلّه أنَّ الإسلام يجمع الخصائص الأساسية في اليهودية والنصرانية، وفي رسالة إبراهيم (ع) والرسل من قبله، ويحوي ـ بالإضافة إلى ذلك ـ خصائص جديدة اقتضتها طبيعة الحاجات التي استحدثتها الحياة بعد انتهاء دور الرسالات. ولذلك، فإنَّ المسلم ـ كما قلنا ـ لا يعاني أية عقدة من هذه الجهة، بل قد يعاني من عقدة الانحراف العقيدي والتشريعي الذي وصلت إليه هاتان الديانتان، وهذا ما أظهرته النصوص القرآنية الكثيرة التي حدّثتنا عن تحريف التوراة والإنجيل من قبل أهل الكتاب.
 
وقد نستنتج من ذلك أنَّ المسلم لا يعيش الروح الطائفية المعقدة تجاه الأديان الأخرى، وذلك لارتباطه بالمفاهيم الإسلامية الأصيلة، وإذا صدرت أحياناً مواقف سلبية تناقض تلك الروح الإسلامية المتسامحة مع الأديان الأخرى، فإنما مردها إلى تعقيدات وضغوط الواقع السياسي والاجتماعي الذي يفرز مثل هذه المواقف، وبالتالي فإنَّ السلبيات ليست ناتجة من خلال نظرة المسلم تجاه الدِّين الآخر أو المقدسات الأخرى، وذلك على العكس تماماً مما نجده عند الآخرين؛ فاليهود مثلاً، ينكرون النصرانية والإسلام كدين، والنصارى ينكرون الإسلام كدين، لذلك نجدهم معقّدين من جهتنا دينياً.
 
وعلى ضوء الانفتاح الإسلامي على اليهود والنصارى باعتبارهم أهل كتاب يؤمن به المسلمون من خلال إسلامهم، أطلق القرآن الكريم الدعوة إلى الحوار معهم وذلك في قوله تعالى: {قُلْ يا أهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّه وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّه فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64] باعتبار أنَّ المفاهيم الروحية والأخلاقية ـ بالإضافة إلى المسألة التوحيدية في خطّها العام ـ تمثّل قاعدة التوافق التي يمكن أن ينطلق معها اللقاء، ويتحرّك فيها الحوار، ويرتكز عليها التعايش الذي طرحه الإسلام في علاقة المسلمين بأهل الكتاب.
 
* * *
 
دور الاعتقاد بالآخرة:
 
{وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} الإيقان هو الاعتقاد. والإيمان بالآخرة هو الصفة الخامسة من صفات المتقين. وهو من أقوى الأسس العقيدية لبناء الشخصية الإسلامية التقيّة، وسنعرف ـ في ما نستقبل من آيات ـ أنَّ قيمة الإيمان باللّه واليوم الآخر، هي في تعاظم الشعور بالمسؤولية لدى الإنسان، لأنها تجعل للحياة هدفاً، وتمدّ الحياة إلى مجالٍ أبعد من الحياة الحسية التي نمارسها. وبهذا يستطيع الإنسان الارتباط بالمثل العليا ارتباطاً أعمق على أساس إيمانه باللّه واليوم الآخر، فإذا اجتمعت هذه الصفات في نفس الإنسان وفي عمله، أمكن له أن يطمئن إلى أنه يسير على هدى من ربّه في ما يفكر ويعمل، وأنه يتحرّك في اتجاه الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
{ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} هؤلاء، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم اللّه، يسيرون على طريق الهدى، لأنَّ الإيمان باللّه يفتح آفاق الحياة أمام الإنسان، والإيمان بالرسالات يخطط له حياته، أمّا الإيمان بالآخرة، فيجعل للحياة هدفاً كبيراً يمكن للإنسان أن يجاهد من أجله ويسعى إليه.
 
هذه هي الأسس الثلاثة للعقيدة.. ويتبعها ـ كما قلنا ـ المظهران العمليان للعقيدة، وهما: إقامة الصلاة التي تربطه باللّه؛ والإنفاق مما رزقه اللّه الذي يربطه بالحياة.
 
* * *
 
وقفة مع صاحب الميزان:
 
ويلاحظ صاحب تفسير الميزان أنَّ كلمة {مِّن رَّبِّهِمْ} توحي بأنَّ هناك هداية من اللّه بعد التقوى، تختلف عن الهداية التي صاروا بها متقين، وهي الهداية الأولى «قبل القرآن وبسبب سلامة الفطرة، فإنَّ الفطرة إذا سلمت لم تنفك من أن تتنبه شاهدة لفقرها وحاجتها إلى أمر خارج عنها، وكذا احتياج كلّ ما سواها مما يقع عليه من حسّ أو وهم أو عقل إلى أمر خارج يقف دونه سلسلة الحوائج، فهي مؤمنة مذعنة بوجود موجود غائب عن الحسّ، منه يبدأ الجميع وإليه ينتهي ويعود، وأنه كما لم يهمل دقيقةً من دقائق ما يحتاج إليه الخلقة، كذلك لا يهمل هداية النّاس إلى ما ينجيهم من مُهلكات الأعمال والأخلاق، وهذا هو الإذعان بالتوحيد والنبوّة والمعاد، وهي أصول الدِّين، ويلزم ذلك استعمال الخضوع له سبحانه في ربوبيته، واستعمال ما في وسع الإنسان من مالٍ وجاهٍ وعلمٍ وفضيلةٍ لإحياء هذا الأمر ونشره، وهذان هما الصلاة والإنفاق. ومن هنا يعلم: أن الذي أخذه سبحانه من أوصافهم هو الذي تقضي به الفطرة إذا سلمت، وأنه، سبحانه، وعدهم أنه سيفيض عليهم أمراً سمّاه هداية، فهذه الأعمال الزاكية منهم متوسطة بين هدايتين كما عرفت؛ هداية سابقة وهداية لاحقة، وبين الهدايتين يقع صدق الاعتقاد وصلاح العمل، ومن الدليل على أنَّ هذه الهداية الثانية من اللّه سبحانه فرع الأولى، آيات كثيرة كقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّه الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} ، [إبراهيم:27] وقوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللّه وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ به} [الحديد:28]. وقوله تعالى: {إِن تَنصُرُواْ اللّه يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمَّد:7]. وقوله تعالى: {وَاللّه لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـلِمِينَ} [الصف:7]. وقوله تعالى: {وَاللّه لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:5] إلى غير ذلك»[3].
 
وما يمكن ملاحظته هنا، أنَّ الآيات التي استدل بها صاحب الميزان على وجهة نظره، لا تؤيد ما استفاده، لأنَّ تثبيت اللّه تعالى للمؤمنين «بالقول الثابت»، وإيتاءه لهم «كفلين من رحمته»، وجعله لهم «نوراً» يمشون به، ومن ثُمَّ نصره لهم وتثبيته لأقدامهم، ونحو ذلك، إنما تمثّل الآثار اللازمة للتقوى والإيمان باللّه وبرسوله ونصرتهم للّه، فهي نتيجة لهذه الأمور وليست شيئاً منفصلاً عنها، وذلك من خلال سببية المقدّمات للنتائج في الواقع الكوني للوجود، والواقع العملي للإنسان، وهذا لا يمنع صدق النسبة إلى اللّه في كلّ شيء باعتباره مسبّب الأسباب، أو قل السبب الأعمق في وجود كلّ شيء، في المبدأ والتفاصيل.
 
وقد نجد أنَّ اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، من مظاهر سلامة الفطرة، باعتبارهما مظهراً للخضوع للّه في ربوبيته؛ ليس واضحاً، لأنَّ هذين الأمرين لم ينطلقا من حالة ذاتية للإنسان، بل من التشريعات الإلهية.
 
ومن خلال ذلك، نستطيع التأكيد أنّ كلّ هذه الأمور كانت من مظاهر الهدى القرآني الذي ينفتح ـ في مفاهيمه ـ على إثارة التفكير بالغيب كوسيلة من وسائل الإيمان به، وتوجيه الإنسان إلى إقامة الصلاة والإنفاق مما رزقه اللّه، وإلى الحديث عن الوحي في رسالة النبيّ وفي رسالات الأنبياء الذين تقدّموه من أجل الوصول إلى الإيمان به، وتركيز القاعدة الفكرية للإيمان باليوم الآخر من خلال مواجهة الشبهات التي تستبعده، وتقريب الأسس التي يرتكز عليها.
 
إنَّ القرآن لم ينزل على المتقين الذين عاشوا التقوى ومارسوا آثارها قبله، بل نزل على النّاس الذين انفتحوا على هداه من خلال وعيهم للقاعدة التي ارتكزوا عليها، فاهتدوا به في تفاصيل العقيدة كلّها، وربما كان الواقع التاريخي للمجتمع الذي نزل فيه القرآن يؤكد غياب هذه الاعتقادات والأعمال عن حركة الإنسان فيه، واللّه العالم.
 
] وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ لأنَّ الفلاح والنجاح يتمثّلان في أن يعرف الإنسان طريقه جيداً في بدايته ونهايته وفي خطوات الطريق. وهذا هو الذي ينطلق منه الإنسان المسلم في ما يتعلّق بشؤون العقيدة. وقد نفهم، من خلال ذلك كلّه، أنَّ التقوى ليست شيئاً آخر غير الإيمان، بل هي الإيمان المتفاعل في الفكر والحياة، لأنَّ اللّه تحدّث عن المتقين بأنهم الذين ينطلقون في الاتجاه الصحيح في العقيدة والعمل.
 
(1) تفسير الميزان، ج:1، ص:50.
 
(2) م.ن، ج:1، ص:50.
 
(3) تفسير الميزان، ج:1، ص:47 ـ 48.