تفسير القرآن
البقرة / من الآية 114 إلى الآية 117

 سورة البقرة 114 - 117

الآيــات

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّه أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَللّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّه إِنَّ اللّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّه وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (114ـ117).

* * *

معاني المفردات:

{الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} : الشرق والمشرق معناهما واحد، وهو مطلع الشمس والقمر؛ والغرب والمغرب والمغيب بمعنى واحد أيضاً وهو موضع الغروب.

{تُوَلُّو} : توجِّهوا وجوهكم.

{سُبْحَانَهُ} : تنزيهاً له، وحاشا له.

{قَانِتُونَ} : دائمو الطاعة والانقياد.

{بَدِيعُ} : خالق على غير مثال سبق؛ ومعنى المبدع: المنشىء والمحدّث ما لا يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد.

* * *

أبشع الظلم الاعتداء على مساجد اللّه:

إنَّ من أبشع أنواع الظلم هو الاعتداء على مساجد اللّه وعلى حرية المؤمنين فيها، وذلك بمنعهم من الصلاة والدعاء وذكر اسم اللّه. {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّه أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} في منع المصلين من الصلاة فيها {وَسَعَى فِي خَرَابِهَ} مادياً بتهديمها أو معنوياً بالمنع من عمارتها بالعبادة.

أمَّا إنّه من أقوى أنواع الظلم، فلأنه يجمع بين الاعتداء على حرمة اللّه بالاعتداء على بيوته وإبطال دورها في العبادة، وبين الاعتداء على حرمة الإنسان بالاعتداء على حريته في ممارسة شعائره وعباداته؛ {أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ} وقد أراد اللّه للمسلمين أن يأخذوا بموقف القوّة ضدّ هذا الظلم والظالمين، فيمنعوهم من دخولها إلاَّ كدخول الخائفين، وذلك على سبيل الكناية في تدمير قوّتهم وإضعافهم، حتى يتحرّكوا في المجتمع تحرّك الخائف الذي إذا أراد أن يدخل المسجد، فلا يدخله إلاَّ خائفاً، ثُمَّ يتوعدهم اللّه الذي يملك القوّة في الدنيا والآخرة بالخزي في الدنيا {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} وذلك من خلال ما يصيبهم فيها من ضعف وهوان وذلّ بسبب تصرّفاتهم الظالمة الباغية، {وَلَهُمْ فِى الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

* * *

ما معنى خراب المساجد؟

وللمفسرين خلاف في هؤلاء المقصودين بالآية؛ هل هم الروم الذين «غزوا بيت المقدس وسعوا في خرابه، حتى كانت أيام عمر، فأظهر اللّه المسلمين عليهم وصاروا لا يدخلونه إلاَّ خائفين»، كما روي عن ابن عباس ومجاهد؛ أم أنهم قريش حين منعوا رسول اللّه (ص) دخول مكة والمسجد الحرام، كما روي عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق (ع)، وبه قال البلخي والرماني والجبائي؟[1].

وقد علّق الطبري في تفسيره على هذا الرأي بأنَّ قريشاً لم يسعوا في تخريب المسجد الحرام، وبأنَّ هذا لا يتناسب مع الآيات المتقدّمة الواردة في سياق ذمّ أهل الكتاب، بينما ينسجم الرأي الأول معه[2]. ولكنَّنا نرى مع صاحب مجمع البيان، أنَّ من الممكن أن يكون المراد من خرابها تعطيل دورها في العبادة، لأنَّ ذلك هو الأهم في وجودها، وهذا ما نستوحيه من التركيز على المنع عن ذكر اسم اللّه فيها في بداية الآية، ما يوحي بأنَّ القضية تعيش في هذا الجوّ. وقد ورد في التفسير في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّه مَنْ ءَامَنَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:18]، أنَّ المقصود بالتعمير، هنا، تعميرها بالعبادة. وقد جاء في بعض الكلمات المأثورة في أخبار آخر الزمان في صفات النّاس آنذاك: «مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى»[3]، مما يقرّب إرادة هذا المعنى في نطاق هذا التعبير.

وربما كان من القريب أن يكون السعي بالخراب لا يعبّر عن واقعٍ مباشر في حياة قريش في مكة، بل يعبّر عن نتائج السعي في تخريب الإسلام وتدميره بما أثاروه من حروب ضدّه وحاولوه من إضعافٍ لقوّته، وقد يتأيّد ذلك بالتعبير بكلمة «المساجد» بصيغة الجمع، مع أنها ليست متعدّدة في مكة أو في بيت المقدس، ما يرجّح أنَّ الآية لم تجر مجرى الحديث عن القصة في نطاقها الخاص، بل جرت مجرى الانطلاق منها كنموذج للتحدّث عن الفكرة العامة، ما يجعل أجواء الآية قريبة من التعبير عن الروح التي يعيشها أمثال هؤلاء ممن يحملون عقلية قريش وروحيتها، فتدفعهم إلى خنق حرية المؤمنين وإلى السعي في خراب المساجد.

وقد روى صاحب مجمع البيان، أنَّ الرِّواية قد وردت بأنَّ القرشيين قد قاموا بهدم مساجد كان أصحاب النبيّ (ص) يتخذونها أماكن للصلاة لما هاجر النبيّ إلى المدينة، وبذلك لا يبقى مجال لاعتراض الطبري[4].

ولكنَّنا لا نستقرب هذا الوجه، لأنَّ الآية تتحدّث عن حالة قائمة يتحرّك فيها هؤلاء القوم للمنع من ذكر اسم اللّه والسعي في خراب المساجد، لا تخريبها بعد رحيل المسلمين إلى المدينة. أمّا قضية الانسجام مع سياق الآيات المتقدّمة، فإننا لا نرى رأيه في اختصاص الحديث بأهل الكتاب؛ بل الظاهر أنَّ الحديث قد تعداه إلى غيرهم من المشركين، لأنَّ السياق قد تحرّك في اتجاه توعية المسلمين في ما يتعلّق بأوضاع الفئات التي تقف ضدّهم، كما لاحظناه في الآيات التي تحدّثت عن المشركين وأهل الكتاب معاً.

ونلاحظ في الآية أنها لم تتحدّث عن دخولهم خائفين كواقع حيّ ليشار إلى القصة في تفسير الآية، بل إنها تحدّثت عمّا ينبغي أن يبلغه المسلمون من القوّة التي تخيف الكافرين؛ فإذا جاءوا إليها ـ وهي مراكز المسلمين القيادية والاجتماعية ـ دخلوها دخول الخائف، سواء كان مجيئهم إليها لأجل الدخول في الإسلام أو لغير ذلك من الأغراض الأخرى.

* * *

للّه المشرق والمغرب:

{وَللّه الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّه إِنَّ اللّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} إنَّ الآية تعبّر عن حقيقة توحيدية، وهي أنَّ اللّه ليس جسماً ليوجد في مكان دون مكان كما توجد الأجسام، بل هو فوق المكان والزمان، مالك كلّ شيء وخالقه، فلا يختصّ به مكان أو جهة؛ فله المشرق والمغرب، فأينما وجّهتم وجوهكم فإنكم ستجدون اللّه أمامكم ماثلاً في خلقه من خلال دلالة الخلق على عظمة الخالق. فإنَّ اللّه واسعٌ في ملكه وقدرته، عليمٌ بما في قلوبكم حيث تتوجه في عبادتها وإخلاصها.

هذا هو الجوّ الذي توحيه الآية، ولكن ماذا خلفها، وماذا في مجالاتها من حدود؟

هل نزلت في توجّه الإنسان إلى الصلاة، لتكون واردة في مورد تحديد القبلة كما ينقل عن ابن عباس، فقد روي عنه أنها نزلت في اليهود الذين أنكروا تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، أم أنها نزلت في صلاة التطوع على الراحلة، كما روي عن أئمة أهل البيت (ع)، أم نزلت في حالات الجهل والتحيّر إذا صلّى المصلون إلى جهةٍ غير القبلة باعتقاد أنها القبلة، كما روي عن جابر في قصة حدّثت في زمن النبيّ محمَّد (ص)؟[5].

ليس في الآية ما يدل على اختصاصها بحالة الصلاة أو صلاة معيّنة، ولكن جوّها يوحي بذلك، وبأنَّ هناك حديثاً دار بين المسلمين، فجاءت الآية لتضع القضية في نطاقها الطبيعي الذي يلغي أسس الخلاف؛ فإذا كان اللّه قد أراد منا التوجه إلى جهةٍ من الجهات في وقت ما، فإنَّ بإمكانه أن يوجهنا إلى جهة أخرى في وقت آخر، لأنَّ الجهة الأولى لم تشرَّع باعتبارها مكاناً للّه، بل لحكمةٍ يعلمها اللّه في ذلك، فلا مانع من أن تكون هناك حكمة أخرى في جهة أخرى. أمّا قضية الاختصاص بصلاة معيّنة، فإنها تخضع للتدقيق في المقارنة بين الآيات والرِّوايات التي عرضت لتشريع القبلة في قضايا الإطلاق والتقييد، مما يختص الحديث التفصيلي عنه في البحث الفقهي، وربما كان لنا أن نسجّل في لفتة سريعة، أنَّ الآية مطلقة في جواز التوجّه إلى اللّه في أي مكان في كلّ مورد من الموارد التي يشترط فيها التوجه إليه، إلاَّ ما دلّ الدليل على اختصاصه بجهة معينة كصلاة الفريضة مثلاً. فيبقى الباقي كصلاة التطوّع ونحوها في مجرى الإطلاق؛ وبهذا تفسّر الرِّوايات الواردة في اختصاصها بصلاة التطوّع أو بحالة الشك. وعلى أي حال، فإنَّ هذا لا يمنعنا من التأكيد على ما ذكرناه في بداية الحديث من أنَّ الآية واردة في مقام التعبير عن حقيقةٍ توحيدية عامّة والتركيز على الانطلاق منها في مقام الالتزامات التشريعية العملية.

* * *

وقالوا اتخذ اللّه ولداً:

{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّه وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ* بَدِيعُ السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . في هاتين الآيتين معالجة ومناقشة للفكرة الخاطئة التي سيطرت على تفكير اليهود والنصارى والمشركين عن علاقة اللّه ببعض مخلوقاته، فقد حكى لنا القرآن في آيات لاحقة أنَّ اليهود يعتقدون أنَّ عزيراً ابن اللّه، وأنَّ النصارى يعتقدون أنَّ المسيح ابن اللّه ، كما حكى لنا عن المشركين أنهم يرون الملائكة بنات اللّه؛ ولعلّ السرّ في هذه العقائد هو استغراقهم في صفات العظمة لهذه المخلوقات، من خلال ما لاحظوه من قيامهم ببعض الأعمال التي قد لا يستطيعها غيرهم، أو ما اعتقدوه فيهم من قدرتهم على الأشياء التي لا يقدر عليها الآخرون، ما أوحى إليهم بأنهم يمتازون على المخلوقات الأخرى، لأنَّ فيهم سرّاً ليس موجوداً فيها، ولولا اعتقادهم بوحدانية اللّه في الوجود، لخُيّل إليهم أنهم شركاء اللّه في الألوهية، ولكنَّهم وضعوهم في مرتبةٍ قريبةٍ منه بالمستوى الذي يجعلهم أقرب من غيرهم، وهل هناك قرابة أقرب من علاقة الإنسان بأولاده؟! إذاً فلا بُدَّ أن يكونوا أبناء اللّه، ليكون ذلك مبرِّراً لهذا الامتياز الذي منحهم إياه، وهكذا انطلقت هذه العقيدة في تاريخ هذه الشعوب في تعقيد فكري لدى البعض، وفي سذاجة فكرية لدى البعض الآخر.

{وَقَالُو} أي اليهود والنصارى ـ وقد يشمل مشركي العرب ـ {اتَّخَذَ اللّه وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} كما يتخذ الإنسان ولداً ليأنس ويقوى به، فيمنحه الامتيازات الكبرى التي لا يمنحها لغيره، فتكون له القداسة التي قد تبلغ درجة الألوهية. وجاء القرآن ليناقش هذه العقيدة ببساطة، فبدأ الحديث بالتسبيح والتنـزيه للّه، وذلك بكلمة {سُبْحَانَهُ} أي تنزيهاً له عن هذه العلاقات، لأنها تعني الحاجة، باعتبار أنَّ البنوّة تمثّل في وعي الآباء تلبيةً لرغبةٍ ذاتية، كنتيجةٍ للشعور بالفراغ الداخلي من هذه الجهة، كما تمثّل الحاجة إلى المرور بمراحل زمنية وعملية، في سبيل الوصول إلى هذه النتيجة، لو أريد للنسبة أن تتحقّق بشكل طبيعي كما تتحقّق في سائر الأشياء، وهذا يعني العجز إلى جانب الحاجة، مما يستحيل على اللّه ويتنزه عنه.

ثُمَّ يناقش القضية من موقع الحقيقة الإيمانية التوحيدية، {لَّهُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} مطيعون خاشعون، فلا يملك أحدٌ منهم أيّ تفوّقٍ ذاتي في نفسه، أو أية علاقة باللّه تميّزه عن العلاقة بالآخر من حيث طبيعة الخلق. فما حاجة اللّه إلى الولد، وهو مالك السَّماوات والأرض وما فيهما من مخلوقات، ولكلٍّ من هذه المخلوقات خصائص وميزات، ولكنّها لا تخرج بذلك عن مملوكيتها ومخلوقيتها للّه، من دون أن يكون أحد منها أقرب من الآخر من حيث جهة الملك أو الخلق، أو يكون انتسابها إلى اللّه بمستوى أعلى من الآخر، وأضاف إلى ذلك أنه: {بَدِيعُ السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ} ومنشئها من خلال إرادته التي لا تتخلّف في كلّ شيء يريده، من دون حاجة إلى توسط شيء بين الإرادة والمراد، فإذا أراد شيئاً خَلَقَهُ.

{وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} قول الإرادة لا قول الكلمة، على هدى ما جاء في دعاء الإمام زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية: «فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة».

وقد جاء المفسرون ليناقشوا الوجه في تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وذلك من منطلق القاعدة الفلسفية التي تمنع من مخاطبة المعدوم؛ فكيف يخاطب اللّه الشيء قبل وجوده ليطلب منه أن يوجد؟! فقال بعضهم: إنه بمنزلة التمثيل؛ وقال بعض آخر: إنه رمز بين اللّه وبين الملائكة في الدلالة على أنَّ هناك شيئاً جديداً قد خلق؛ وقال آخرون: إنَّ المعدوم لما كان معلوماً عند اللّه صار كالموجود..

والذي يبدو لنا، أنَّ إثارة هذه المشكلة في وعي هؤلاء ينطلق من محاولة تفسير القرآن في كلماته، تفسيراً حرفياً يستنطق الكلمة من خلال معناها اللغوي من دون ملاحظةٍ للجانب البلاغي الذي تتّسع له اللغة العربية في مرونتها التعبيرية التي تشتمل على الحقيقة والمجاز والكناية، وهذا ما درج عليه القرآن الكريم في توضيح الصورة للنّاس بطريقة الحوار، لأنها أقرب الوسائل في الإيضاح، كما ورد في قوله تعالى: ]فَقَالَ لَهَا وَللأرضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [فصلت:11] وقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَـوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُول} [الأحزاب:72] وغير ذلك من الآيات، فلن نحتاج إلى مثل هذا التكلف في توجيه الآية، بل الظاهر أنها واردة على سبيل تقريب الفكرة بطريقة الحوار.

* * *

معنى «كن فيكون»:

ولا بُدَّ من الملاحظة في حكمة «كن فيكون»، فقد يخيّل إلى البعض أنَّ المقصود هو أنَّ الشيء يوجد فوراً إذا أراد اللّه وجوده، ولكن ذلك غير المراد، لأنَّ بعض الأشياء قد تكون لها شروط توجب تأخيرها، ولذلك فإنَّ المقصود هنا، أنَّ مراد اللّه لا يختلف عن إرادته، فإذا أراد اللّه للإنسان أن يوجد بعد تسعة أشهر من الحمل، فهو الذي يتحقّق لا وجوده كيفما كان.

ــــــــــــــ

(1) مجمع البيان، ج:1، ص:360 ـ 361.

(2) راجع: الطبري، ابن جرير، جامع البيان، دار الفكر، 1415هـ/1995م، ج:1، ص:697.

(3) البحار، م:1، ج:2، باب:15، ص:407، رواية:14.

(4) راجع: مجمع البيان، ج:1، ص:361.

(5) يراجع: مجمع البيان، ج:1، ص:363.