تفسير القرآن
البقرة / الآية 214

 الآية 214

الآيــــة

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّه أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللّه قَرِيبٌ}(214).

* * *

معاني المفردات:

] الْبَأْسَآءُ[ : الشدّة والمكروه. قال الراغب: البؤس والبأس والبأساء: الشدّة والمكروه، إلاَّ أنَّ البؤس في الفقر والحرب أكثر، والبأس والبأساء في النكاية[1]. وقال الطبرسي: البأساء نقيض النعماء، والضراء نقيض السراء[2].

] وَالضَّرَّآءُ[ : يقابل السراء والنعماء، والضرّ يقابل النفع، وهو سوء الحال، إمّا في النفس أو البدن أو حالة ظاهرة في قلة حال أو جاه. قال العلاّمة الطباطبائي، في الفرق بين البأساء والضراء: البأساء هو الشدّة المتوجهة إلى الإنسان في خارج نفسه، كالمال والجاه والأهل والأمن الذي يحتاج إليه في حياته، والضرّاء هي الشدّة التي تصيب الإنسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض[3].

وقال بعضهم: إنَّ البأساء هي البؤس الثابت من داخله، من الشدائد في العيش والابتلاءات النفسانية، والضرّاء: الحادثة من الخارج.

] وَزُلْزِلُواْ[ : حُركوا وأزعجوا إزعاجاً شديداً شبيهاً بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال. وأصل الزلزلة: من زلّ، كررت اللفظة للدلالة على التكرار.

* * *

الجنّة لا تنال بالاسترخاء أو بالتمنيات:

هذه الآية من آيات الدعوة الموجهة إلى العاملين في سبيل اللّه، الذين قد تضغط عليهم تحدّيات الكفر والانحراف، فيتراجعون، أو ينهزمون، أو يضعفون أمامها، أو يسقطون تحت عوامل اليأس. وربما كان جوّ الآية يوحي بأنَّ شيئاً من هذا القبيل قد حدث لبعض المسلمين الأولين في صدر الدعوة، أو في ما بعد ذلك في الأجواء التي كان يخوض فيها الإسلام معركته المسلحة مع الشرك، فربما يكون قد صدر من بعض المسلمين ضعف أو تذمر، وربما كانوا يفكرون بإمكانية الحصول على الجنّة من خلال الأعمال الخفيفة التي تدخل في نطاق العبادات أو ما أشبهها، مما لا يكلّف الإنسان تضحية كبيرة في النفس والمال... فكانت هذه الآية توجيهاً حاسماً يضع القضية في نطاقها الطبيعي من حركة العقيدة في الحياة، فإنَّ الجنّة لا تُنال بالتمنيات، ولا تُعطى بحالات الاسترخاء الإيماني الذي يعيش أحلام الجنّة من دون أن يعمل لها، وإنَّ الانتصارات في ساحة التحدّي لا بُدَّ من أن تنطلق من السنن الطبيعية لحركة الصراع الإنساني في قضايا النصر والهزيمة، ومن الشروط الموضوعية للنتائج الإيجابية في هذه الأمور، ليتعرّفوا أنَّ مجرّد الانتماء إلى الإسلام الذي هو دين اللّه لا يكفي في تحقيق النصر لهم ما لم يأخذوا بأسباب النصر التي يفتح اللّه من خلالها ألطافه، فلا يمكن أن يكونوا استثناءً من سنن اللّه الثابتة في الكون.

ولكن الجنّة تُنال بالمواقف الصعبة التي يواجه فيها المؤمن القوي الطاغية. وقد جاءت هذه الآية لتعبر للمسلمين عن هذه الفكرة، من خلال المثل التاريخي للرسالات السابقة التي عاش فيها المؤمنون الأولون مع أنبيائهم التحدّيات الصعبة، التي جعلتهم يواجهون حالة الزلزال النفسي والروحي، وربما الزلزال الفكري، من خلال صعوبة ما واجهوه من مشاكل وتحدّيات؛ فقد ] مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ[ مسّت أنفسهم وأموالهم ومصالحهم العامة والخاصة، وحاولت مجتمعات الكفر لديهم أن تضعفهم وتقهرهم، فاستخدمت كلّ الأساليب التعسفية في مجال القهر الجسدي والروحي والفكري حتى تهز قناعاتهم، وتحطم مواقفهم، وترجعهم إلى الحالة التي كانوا عليها قبل الإيمان..

وكان الزلزال، فقد بدأ الرسول والذين آمنوا معه يتساءلون: ] مَتَى نَصْرُ اللّه[ فقد وعدنا اللّه بالنصر على قوى الكفر. ولم يكن هذا التساؤل منطلقاً من حالة شك في وعد اللّه، بل الظاهر أنه منطلق من حالة استعجال له وترقب لتنفيذه، وتساؤل عن موعده بعد أن أصبح الموقف شبه يائس من الوجهة الواقعية. فالكفر في موقع القوّة المتنامية المتصاعدة، والإيمان في موقع الضعف المستمر المتزايد، والأوضاع المحيطة بالواقع، لا تبعث على التفاؤل الكبير، فلم يبقَ لهم إلاَّ الغيب المودع عند اللّه. ومن خلال ذلك، نفهم أنَّ الزلزال يتحرّك من طبيعة الظروف التي تتحفز لتثير في النفس الشعور السلبي الخائف الفزع، لا من ضعف الإيمان. ولذلك لم يعاتبهم اللّه على ذلك، ولم ينقص من قدرهم. بل ربما نستوحي من الآية أنها تؤكد على القيمة الإيمانية لموقفهم الجهادي الصعب الذي جعلهم في موقع الزلزال الداخلي، ولذا وعدهم اللّه بالنصر القريب كدلالة على سلامة عملهم وتقييم جهادهم.

] أَمْ حَسِبْتُمْ[ هل ظننتم أيُّها المسلمون، الذين تتحرّكون في دروب الدعوة، وتعيشون أمام ساحات التحدّي ـ والاستفهام استنكاري أو تعجبي ـ ] أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ[ التي تتمنونها كهدف لكلّ نشاطاتكم وحركتكم في الحياة، لتكون النهاية السعيدة للمصير الذي ينتظره الجميع؟! ولكن هل تنال الجنّة بالتمنيات، والأحلام الطائرة في الهواء، الغارقة في الضباب، أو بالاسترخاء الذاتي الذي يبتعد فيه الإنسان عن أي جهد فكري أو جسدي، مما يتحرّك فيه النّاس لتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة، أو بالأعمال العبادية التقليدية التي لا تحمل أية حرارة روحية، وأي ابتهال نفسي، وأي انفتاح على اللّه في الأفق الممتد في اللانهاية من أجل القرب منه في رحاب القدس والرضوان، ولا تكلّف أي جهد أو أية خسارة من مزاج الإنسان وطريقته في الحياة؟!.

إنَّ الآية تختزن الرفض لذلك، والاستنكار أو التعجب من هذا اللون من التفكير، أو الفهم لمسألة الجنّة في علاقتها بحركة الإنسان في الدنيا، لأنَّ الجنّة ـ كما جاء في الحديث ـ محفوفة بالمكاره[4] والصّبر، ما يجعلها نتيجة للحركة المتنوعة الخطوات، المتعدّدة الأبعاد، القاسية في آلامها، الشديدة في أحزانها، الضاغطة في زلزالها، الهائلة في مخاوفها، بحيث يعيش الإنسان في توتر دائم من خلال التحديات الصعبة في ساحة الصراع بما يعانيه من خطورة الجهاد النفسي والعسكري ونحوه، بحيث يكون إنسان الجهاد والتحدّي والصراع الذي يفتح الحياة على آفاق النصر، فلا مجال لكم أيها المسلمون أن تتحدّثوا عن دخول الجنّة قبل أن تعرفوا الثمن الكبير لها.

] وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم[ من أتباع الرسالات الذين واجهوا الكافرين بكلّ قوّة، وحاربوا المستكبرين بكلّ ثبات، فكانت النتيجة الصعبة أنهم ] مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ[ ، وواجهتهم المشاكل الصعبة، والآلام الحادّة، والأوضاع القاسية في أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وأحوالهم العامة والخاصة، ومواقعهم الصغيرة والكبيرة... ] وَزُلْزِلُواْ[ ففقدوا الثبات في مواقفهم وأوضاعهم، بحيث عاشوا الزلزال النفسي الذي ينطلق من حالة نفسية صعبة تثير القلق في الداخل لا شعورياً، وتصنع الزلزال الشعوري من دون اختيار.

وبدأ اليأس يدبّ في النفوس، والخوف يزحف إلى القلوب وحتى في مستوى القاعدة والقمة: ] حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ[ أمام هذا الزلزال النفسي الذي لم يتحوّل إلى زلزال فكري، لأنَّ الرسالة في وعي الرسول، والإيمان في وجدان المؤمنين، لا يزالان منفتحين على اللّه؛ ولكن طول الأمد وقسوة البلاء أطلقا الصرخة التي تستعجل النتائج وتترقب النصر: ] مَتَى نَصْرُ اللّه[ ؟ في سؤال ابتهالي يتطلّع فيه الرسول والمؤمنون إلى اللّه في عالم الغيب الذي لا يدركون تفاصيله، ويأتي الجواب في إحساسهم أو في وحي اللّه: ] أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللّه قَرِيبٌ[ ولكن هناك شروطاً موضوعية، وسنناً تاريخية، وقوانين اجتماعية مما أودعه اللّه في نظام حركة المجتمعات الإنسانية... لا بُدَّ من توفرها في فعلية النصر الذي بدأت ملامحه تقترب من الواقع كلّه.

وهكذا ينبغي لكم ـ أيها المسلمون ـ أن تواجهوا الموقف على مستوى الصبر في الواقع الصعب والأمل بنصر اللّه في المستقبل القريب.

* * *

وقفة أمام مفهوم النصر القريب:

وقد نحتاج إلى أن نقف بعض الوقفات أمام مفهوم النصر القريب الذي تتحدّث عنه الآية، هل هو النصر الكامل الذي يستقطب كلّ جوانب الموقف، أو هو النصر الذي تسمح به الظروف الموضوعية المتوفرة في الساحة، ولو كان ذلك في مستوى المرحلة؟! قد لا نستطيع استيحاء المعنى الدقيق لذلك من الآية نفسها، لأننا لا نعرف طبيعة النصر الذي كان ينشده الرسول والمؤمنون، هل هو نصر الغلبة ليتمثّل في هزيمة الكافرين أمام المؤمنين في موقع الصراع بين قوّة الكفر وقوّة الإيمان؛ أو هو النصر بإنزال العذاب على الكافرين ليتمثّل في زوالهم عن الساحة بواسطة العذاب المتنزل عليهم من اللّه؟! وربما كان المعنى الثاني هو الأقرب، لأنَّ ذلك هو شأن الأمم التي كانت تكفر باللّه، وتتحدّى رسله، وتسخر برسالاته، وتتنكّر لها، فيرسل اللّه عليها العذاب في نهاية الأمر، كما فعله في قوم صالح وهود ولوط وشعيب (ع) وغيرهم، وبذلك يكون النصر قائماً على أساس الانتقام من القوم الكافرين. وهناك عدّة شواهد على إطلاق كلمة النصر على حالة العذاب الذي ينزله اللّه على الكافرين انتصاراً لمن كذب من الأنبياء. وفي ضوء ذلك، يكون المراد من قرب النصر، القرب الزماني الذي طال انتظاره عليهم.

وربما يكون النصر المراد نصر الغلبة، لما قد توحيه من وجود قوّة متحفزة للصراع، في ما توحيه كلمة: ] الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ[ ، وفي هذه الحال، يمكن أن يكون القرب في النصر خاضعاً للجانب المرحلي في نطاق النصر الجزئي، الذي قد يتمثّل في زيادة قوّة المؤمنين من خلال الفئات التي تدخل في الإيمان، أو في هزيمة بعض المواقع القوية للكافرين أمام المؤمنين، أو في غير ذلك من الموارد. وليس من الضروري أن يكون النصر حاسماً كلياً، لأنَّ الظاهر أنَّ الموقف كان جامداً في مواقعه الأولى في جانب المؤمنين، حتى انتهى إلى حالة الاستغاثة اليائسة أو القريبة من اليأس، بحيث كانت القضية هي أن يتحرّك الموقف إلى ساحل الأمل. أمّا حدود ذلك، فهي الظروف الموضوعية المحيطة بالقضية في حركة الواقع في ما يتوفر من أدوات النصر من المكان والزمان والأشخاص والأوضاع العامة القادمة من الواقع الإنساني العام...

وهذا ما ينبغي لنا أن نستوحيه في ما ننتظره من النصر في مواقعنا المتحركة للعمل الإسلامي، فقد نشعر في بعض المراحل بالجمود المسيطر على الساحة من خلال الضغوط التي تتوالى عليها، ومن خلال الضعف الذي تخضع له الطاقات الفاعلة، مما قد يوحي باليأس أو بما يشبه اليأس... ويتطلّع العاملون إلى المستقبل يستشرفون فيه بعض بوادر الأمل، ويبتهل المبتهلون إلى اللّه يطلبون منه أن يحقّق لهم النصر، ثُمَّ تلوح في الأفق بارقة أمل تجرح حاجز الظلام، وذلك بانطلاق بعض الخطوات المتقدّمة إلى الأمام، وبانتقال بعض الفئات من جانب الكفر إلى جانب الإيمان، أو بالحصول على مواقع جديدة في نطاق الزمان والمكان والظروف الخاصة والعامة... ويجد بعض العاملين أنَّ الموقف لا يزال بعيداً عن النصر ـ وإن حصل على بعض جوانبه ـ ويجد البعض الآخر أنَّ الموقف موقف نصر، ولكنَّه النصر المتحرّك الذي يأخذ من كلّ مرحلةٍ قوّة جديدة للمرحلة الأخرى. ويرى هذا البعض أنَّ قضية النصر في الدعوة تختلف عن قضية النصر في الموارد الأخرى، لأنَّ قضية الدعوة تتناول داخل الإنسان في فكره وشعوره، كما تتناول الجانب الخارجي من حياته؛ ولذا فإنها قضية متحرّكة في أكثر من اتجاه تبعاً للحركة المتنوّعة التي تتمثّل في كيان الإنسان، مما يقتضينا السير في هذا المجال خطوة خطوة، على النهج الذي سار عليه الأنبياء في دعوتهم وجهادهم...

وفي ضوء ذلك، تتحوّل المواقف المتقدّمة إلى انتصارات، ويتمثّل قرب النصر في قرب انفتاح الطريق على خطوات النصر ولو كان الطريق طويلاً. أمّا قضية النصر في الموارد الأخرى، فإنها قد تمثّل الحسم في ما تتمثّل فيه المواقع الذاتية في أرض نستولي عليها، أو في موقف نتحكم فيه، أو في شخص نهزمه، أو في غير ذلك من الأمور التي تتجمد في حدود الزمان والمكان.

ولعلّ هذا التفكير هو الأقرب في ما تحتاجه حركة العمل الإسلامي الآن، فإنَّ التخطيط الدقيق يفرض علينا انتظار الهدف البعيد من خلال الوسائل العملية الحاضرة الموجودة في أيدينا الآن والتي نحاول تحريكها من أجل صنع أدوات جديدة للمستقبل في شعور عميق بالانتصارات المتلاحقة في كلّ مرحلة من مراحل الطريق، وفي وعي كبير للحاجة إلى التوقف بعض الوقت في بعض المراحل من أجل استجماع قوّة مشتتة، أو تقوية طاقة ضعيفة، أو انتظار طاقة قادمة، من دون أي شعور سلبي بالهزيمة النفسية، حتى في حالة الوقوع تحت ضغط الهزيمة في مرحلة معينة.

إنَّ الإيحاء الدائم بأنَّ أيّة خطوة متقدّمة تمثّل نصراً جديداً في حجم تلك الخطوة، يملأ العاملين بالمشاعر الإيجابية القوية المتعاملة مع المستقبل دائماً. وذلك هو سبيل الدعوة المتطلعة دائماً إلى اللّه في شعور عميق بالإيمان، بأنَّ ] الأَرْضَ للّه يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ[ [الأعراف:128]. وذلك ما نستوحيه من النداء الإلهي: ] أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللّه قَرِيبٌ[ بعيداً عمّا قد يستفيده البعض من القرب الزماني للنصر على مستوى الهدف الكبير، ومنسجماً مع طبيعة العمل من القرب الزماني للنصر على مستوى المرحلة المتحركة في اتجاه هذا الهدف على أسس واقعية موضوعية حاسمة.

وقد يكون من الضروري أن نتوقف طويلاً أمام هذه الآية، لنعرف أنها تريد أن تهزّ حركتنا في اتجاه الصبر الإيماني الإيجابي والصمود القوي أمام صعوبة التحدّي، لتعرّفنا بأنَّ علينا أن نصبر كما صبروا، ونتحرّك كما تحرّكوا، ونتطلّع إلى اللّه في وعي بأنه سيمنحنا النصر إن عاجلاً أو آجلاً من خلال مواقعنا القادمة إلى خطّ النصر، وأنه وليّ النصر أوّلاً وأخيراً، فنحصل على الجنّة كما حصلوا عليها في أجواء لطفه ورضوانه.

وعلى هدي ذلك، يمكننا أن نثير الآية في حياتنا، عندما نتطلّع إلى المسلمين الأولين في صدر الدعوة الإسلامية عندما ] مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ[ في أكثر من موقف، لا سيما في ما حدّثنا عنه القرآن في سورة الأحزاب: ] هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللّه وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً[ [الأحزاب:11ـ12] ولكنَّهم انتصروا على كلّ نقاط الضعف ] وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً[ [الأنعام:115] ] إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّه وَالْفَتْحُ[ [النصر:1] في نهاية المطاف.

قد يكون من الضروري أن نثيرها في حياتنا وإن َلم تكن نازلة فيهم، لأنها توحي بذلك من خلال الفكرة التي تعتبر المناسبة القرآنية في النزول نموذجاً للفكرة وليست جامدة في نطاق الزمان والمكان والأشخاص. ولهذا فإنها تجري مجرى الليل والنهار في حركة دائمة واستيعاب شامل.

إنَّ علينا أن نشعر دائماً بالحقيقة الإسلامية التالية: وهي أنَّ الإيمان والإسلام يمثّلان خطاً واحداً يحكم الحياة في بداياتها ونهاياتها على أساس خصوصيات المراحل الواقعة على منازل الطريق، وأنَّ المؤمنين الآن يمثّلون الامتداد للمؤمنين في الماضي، بما يواجهونه من تحدّيات وعقبات ومتاعب، وما يتحملونه من البأساء والضراء، وما يتجهون إليه من أهداف، فهم يتألمون في المواقع التي تألّم فيها الأوّلون، ويجاهدون في المجالات التي جاهدوا فيها، ويتحملون قسوة الضغوط بالمستوى الذي تحمّله أولئك، ليظل التاريخ في حركة دائمة يدفع فيها الماضي القضية إلى الحاضر، ويقودها الحاضر بكلّ أمانة نحو المستقبل، في جهاد وإيمان، وصبر، ونداء دائم يقاوم كلّ نوازع الزلزال النفسي في داخل المسيرة: ] رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[ [البقرة:286] ليجيء الجواب الحاسم من قِبَل اللّه، فيزرع الأمل في النفوس، ويحيي القوّة في المواقف: ] أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللّه قَرِيبٌ[ .

ـــــــــــــــــــ

(1) مفردات الراغب، ص:32.

(2) مجمع البيان، ج:2، ص:546.

(3) تفسير الميزان، ج:2، ص:162.

(4) البحار، م:24، ج:68، ص:282، باب:62، رواية:4.