تفسير القرآن
البقرة / الآية 224

 الآية 224

الآيــــة

{وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّه عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النّاس وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (224).

* * *

معاني المفردات:

{عُرْضَةً} : حاجزاً ومانعاً، من الاعتراض، أي: ما يجعل معرّضاً للشيء.

{لأيْمَانِكُمْ} : الأيمان: جمع يمين، وهو الحلف والقسم. مأخوذة من اليمين بمعنى الجارحة، لكونهم يضربون بها في الحلف والبيعة، للملازمة بينهما. وقيل: أخذ من القوّة لأنه يتقوى على ما يحلف عليه.

{أَن تَبَرُّواْ}: أن لا تبروا، بتقدير لا، وهو شائع مع أن المصدرية، كقوله تعالى: ] يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّه يُفْتِيكُمْ فِي الْكلالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّها وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ [النساء:176]، ويمكن أن لا يكون بتقدير لا.

* * *

مناسبة النزول:

قيل: إنَّ الآية نزلت في عبد اللّه بن رواحة الذي حلف أن لا يدخل على ختنه[1] ولا يكلمه ولا يُصلح بينه وبين امرأته؛ فكان يقول: إني حلفت بهذا فلا يحلّ لي أن أفعله فنزلت الآية[2] وقال المفسّرون: إنَّ كلمة ] عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ[ تحتمل عدّة معان:

أحدها: المانع والحاجز من الاعتراض بين الأشياء، فتكون نهياً عن جعل اليمين حاجزاً بين الإنسان وبين البر والتقوى والإصلاح.

ثانيها: الحجة والمبرّر عن الامتناع عن هذه الأمور، باعتبار اضطرار الإنسان إلى الالتزام بيمينه.

وثالثها: المعرض، بمعنى أن تكون اليمين عادة تجعل اللّه معرضاً للحلف به دائماً في الحقّ والباطل. وقد قيل إنَّ من أكثر ذكر شيء، فقد جعله عُرضة له[3].

وقد يبدو لنا أنَّ الآية لا تبتعد عن الأجواء الثلاثة، من خلال اختيار المعنى الثالث، الذي يوحي بأنَّ الابتذال والإكثار من اليمين في كلّ شيء قد يؤدي إلى المنع من البر والتقوى والإصلاح بين النّاس، لأنَّ العادة قد تجعله يحلف على ترك هذه الأمور في بعض الأوضاع الانفعالية التي يمر بها، فيجعل ذلك حجّة للانحراف عن خطّ البر والتقوى والإصلاح بين النّاس، ومانعاً عن السير في هذا الاتجاه. ولا يبعد أن لا تكون هذه المعاني التي يذكرها المفسّرون مدلولاً للفظ؛ بل هي استيحاء من جوّ الكلمة، ومعناها أنَّ المعنى الثاني يرجع إلى الأول، لأنَّ كونه حجّة في المنع يجعله حاجزاً عنها عن البر والتقوى. واللّه العالم.