الآية 225
الآيــــة
{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (225).
* * *
معاني المفردات:
] بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ[ : اللغو: الكلام الذي لا فائدة فيه، وما لا يعتد به. ومنه: اللغو في الأيمان، أي: ما لا عقد عليه في القلب. وهو ما يجري على عادة النّاس من قول: «لا واللّه» و«بلى واللّه» من غير عقدٍ على يمين يقتطع بها ولا يظلم بها أحد.
* * *
اليمين بين اللغوي والجدية:
وقد قررت هذه الآية أنَّ الإنسان لا يتحمل مسؤولية مثل هذا اليمين، لأنَّ اللّه لا يؤاخذ النّاس على أعمالهم، إلاَّ من خلال الالتزامات والدوافع الداخلية التي تمثّلها الأعمال أو تدل عليها الكلمات. ولا بُدَّ في الالتزام من نية وعمل أو كلمة تظهر منها النية، فلا قيمة لنية بدون عمل، ولا قيمة لعمل لا ينطلق من نية... وقد يتوهم البعض من الآية، أنَّ اللّه يؤاخذ الإنسان بما كسبته القلوب من النوايا، وإن لم تتمثّل في عمل أو في كلمة. وربما يؤكدون ذلك بالأحاديث الشريفة التي جاء في بعضها: «فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلّ امرىء ما نوى»[1]. وجاء في بعضها الآخر: «إنَّ اللّه يحشر النّاس على نياتهم يوم القيامة»[2]. ولكنَّ الآية لا تفيد ذلك، لأنها في مجال التمييز بين اليمين اللغو الذي لا ينطلق من النية القلبية والالتزام الداخلي، وبين اليمين الجدي الذي يرتبط بالنية والالتزام؛ وليست في مجال الحديث عن النية المجرّدة.
أمّا الحديثان المذكوران، فإنهما ينطلقان من موقع الحديث عن اختلاف مسؤولية العمل من خلال اختلاف النية الدافعة له، لأنَّ النية تنوّع العمل وتلوِّنه بلونها، فيختلف حسنه وقبحه حسب اختلاف النية، كما يذكرون ذلك في ضرب اليتيم الذي يختلف حاله في التحريم والتحليل حسب اختلاف القصد. فإذا كان الضرب للتأديب، كان حلالاً، وربما يصل إلى حدّ الوجوب. وإذا كان للتشفّي والانتقام والعبث، كان محرّماً. وإذا كان اللّه لا يؤاخذ الإنسان باللغو في يمينه، فلا يمنعنا ذلك من القول: إنَّ الإكثار من اليمين يعتبر من العادات السيئة المرغوب عنها في الشرع، لأنها تمثّل إساءة غير مقصودة لاسم الجلالة في ما يمثّله ذلك من التلاعب والاستهانة به...
* * *
لا يؤاخذكم اللّه باللغو في أيمانكم:
] لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ[ التي لا توحي في مدلولها النفسي بأيّ شيء، لأنها جرت على سبيل العادة التي يعتادها النّاس في التلفُّظ بصيغة اليمين، من دون أن ينطلق من أي التزام عقدي بالإتيان بمتعلّقه، كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع) ـ تعليقاً على هذه الآية ـ قال: هو: «لا واللّه» و«بلى واللّه» و«كلا واللّه»، لا يعقد عليها أو لا يعقد على شيء[3]. وعلى هذا، فلا مسؤولية على الحالف، لأنه لم يقصد الحلف؛ بل تكلّم باليمين من دون شعور كأية لازمة في اللفظ يعتادها الإنسان من دون قصد.
] وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ[ أي: عقولكم أو نفوسكم، أو المنطقة الداخلية في الرأس التي تنتج الفكرة، وتبدع النيّة، وتحرّك الإرادة... وبذلك كانت الأفكار والنيات والإرادات حركة كسب في الذات، منطلقة من اختيار الإنسان الذاتي؛ ما يفرض عليه أن يتحمل مسؤولية هذا الكسب، باعتبار أنه إنتاجه العملي في الداخل الذي ينعكس، سلباً أو إيجاباً، على إنتاجه الخارجي في عمله.
] وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ[ لما يصدر من المؤمن من هذا اللغو الذي أراد له أن يعرض عنه لكراهته له، ولكن بالدرجة التي لم تصل بها إلى حدّ الإلزام. وفي ضوء ذلك، قد نستوحي من هذه الفقرة أنَّ الإتيان بالمكروهات قد يلتقي بالحاجة إلى المغفرة والرحمة، لما في ذلك من الحزازة العملية، التي لا يحبّ اللّه للإنسان أن يقوم بها؛ باعتبار أنَّ المنهج التربوي القرآني يؤكد على الهدف الإيماني في تحرّك الإنسان.
ـــــــــــــــــــ
(1) البحار، م:23، ج:64، ص:73، باب:3، رواية:21.
(2) البحار، م:24، ج:67، ص:123، باب:53، رواية:29.
(3) البحار، م:37، ج:101، ص:404، باب:4، رواية:37.
تفسير القرآن