الآية 239
الآيــــة
{فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّه كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}(239).
* * *
معاني المفردات:
] فَرِجَالاً[ : جمع راجل، وهو الكائن على رجله، واقفاً كان أو ماشياً.
] رُكْبَانًا[ : جمع راكب. والركاب المطيّ. وركبت الرجل: أي ضربته وأصبت ركبته.
* * *
لِمَ صلاة الخوف؟
] فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا[ ، إذا خاف الإنسان على نفسه من لص أو سبع أو غير ذلك، جاز له أن يصلي راجلاً أو راكباً بما يستطيع من الصلاة، ولو بالإيماء؛ وتلك هي صلاة الخوف من العدو التي تقصر في الحرب والسفر، إلاَّ في المغرب فإنها ثلاث ركعات.
فقد روي أنَّ النبيّ (ص) صلّى يوم الأحزاب إيماءً ـ كما رواه في المجمع[1]ـ وقد روي عن الإمام جعفر الصادق(ع) أنه قال: فات النّاس مع أمير المؤمنين(ع) يوم صفين، يعني صلاة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء الآخرة، فأمرهم عليّ أمير المؤمنين(ع) فكبّروا وهلّلوا وسبّحوا رجالاً وركباناً، لقول اللّه: ] فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا[ ، فأمرهم عليّ(ع) فصنعوا ذلك[2]. وروى عنه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: سألته عن قول اللّه تعالى: ] فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا[ كيف يفعل، وما يقول؟ ومن يخاف سبعاً ولصاً كيف يصلّي؟ قال: يكبّر ويومىء إيماءً برأسه[3].
] فَإِذَآ أَمِنتُمْ[ فإذا ارتفع الخوف وحصل الأمان، ] فَاذْكُرُواْ اللّه[ بالثناء عليه ] كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ[ من شرائعه وعودوا إلى ما وجب عليكم من الصلاة.
وقد يبرز سؤال: لماذا هذا الإلحاح على أداء الصلاة بطريقةٍ معينة حتى في حالات الخوف، التي قد يشغل الإنسان فيها بالأخطار المحدقة به، فلا يكون له مجال للتفكير بأي شيء خارج الواقع الصعب المحيط به؟ أليس ذلك حرجاً في التكليف؟!
والجواب عن ذلك: إنَّ اللّه يريد للإنسان أن يبقى معه في وجدانه الروحي، وفي وعيه لعبوديته للّه وربوبيته له، وارتباطه به، وحاجته إليه، وتوكله عليه في كلّ أموره... حتى يكون مع ربه دائماً، ليعصمه ذلك من السقوط تحت تأثير الضعف، والانحراف تحت تأثير الغفلة، والاهتزاز النفسي والعملي تحت ضغط الهزاهز الروحية والواقعية... ولذلك أراده أن يأتي بالصلاة في جميع الأحوال، حتى في حالات الخوف التي تتجمع فيها الأخطار من حوله، لأنَّ ذلك ما يثبته ويقويه، ويوحي إليه أنَّ اللّه فوق ذلك كلّه؛ لأنَّ القوّة له جميعاً.
وهذا ما نستوحيه من قول اللّه تعالى في حديثه عن الرسول محمَّد (ص): ] إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّه مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّه سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّه هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ [التوبة:40]، وفي حديثه عن المؤمنين المجاهدين من أصحاب النبيّ(ص): ] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاس إِنَّ النّاس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[ [آل عمران:173].
إنَّ اللجوء إلى الصلاة في حالات الخوف يمنح الإنسان قوّة روحية معنوية تمنعه من الضعف والاهتزاز، والسقوط تحت تأثير الضغوط القاسية التي تفرضها عناصر الخوف عليه. وبذلك قد نجد تشريع الصلاة في هذه الحالات أشدّ ضرورة من تشريعها في الحالات الأخرى، لأنها هي الحالات التي يشعر الإنسان فيها بالحاجة إلى قوّة غير عادية تحميه وتخلصه مما فيه، أو تعينه على الثبات في خطّ المجابهة عندما تضعف قوّته الطبيعية. ولعلّ هذا ما يلتقي بالطبيعة الإنسانية التي يلجأ الإنسان ـ من خلالها ـ إلى اللّه في حالات الخوف من الغرق عند اشتداد الأمواج واهتزاز السفينة؛ وذلك هو قول اللّه تعالى: ] هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ[ [يونس:22].
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ اللّه الذي شرّع الصلاة خمس مرات في اليوم ليرتبط الإنسان به في كلّ أوقاته، وليبقى في وجدانه الروحي دائماً؛ أراد لهذه الصلاة أن تبقى في مسؤولية الإنسان حتى في أشدّ الحالات صعوبة، لأنَّ كلّ شيء من أنواع المسؤوليات يمكن تجميده أو تأجيله، إلاَّ الصلاة التي تمثّل سرّ العلاقة باللّه؛ فلا مجال لتجميدها أو تأجيلها، لأنَّ اللقاء باللّه لا بُدَّ من أن يكون شاملاً لكلّ مواقع حياة الإنسان اليومية من خلال شمولية الحاجة إلى اللّه والعبودية له في جميع الأحوال؛ ولذلك فإنَّ الصلاة لا تسقط بحال.
وقد يلفت النظر ورود هاتين الآيتين في سياق أحكام الطلاق والعلاقة الزوجية، ولكن قد يكون السبب في ذلك بعض مناسبات الحديث عن الطاعة في ما تقدّم من الآيات، لأنَّ الصلاة هي الوجه البارز في خضوع الإنسان للّه وطاعته له؛ واللّه العالم.
ـــــــــــــــــــــ
(1) مجمع البيان، ج:2، ص: 601.
(2) البحار، م:31، ج:86، ص:68، باب:93، رواية:10.
(3) م.ن، م:31، ج:86، ص:68، باب:93، رواية:10.
تفسير القرآن