تفسير القرآن
البقرة / من الآية 241 إلى الآية 242

 من الآية 241 الى الآية 242

الآيتــان

{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (241-242).

* * *

إمتاع المطلقات:

] وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ[ هل يجب إمتاع المطلّقات في جميع الحالات، بما في ذلك حالة فرض المهر لهن في العقد؛ أو يختص ذلك بصورة عدم فرض المهر مع عدم الدخول، بقرينة الآية السابقة التي اشترط فيها ذلك؛ أو يستحب ذلك في الجميع بقرينة ربط ذلك بالتقوى؟.. وربما قال البعض: إنها منسوخة، ولكن قد يبدو لنا أنَّ المراد بالمتاع هو الحقّ الثابت لها في ما تستحقه من مهر أو نفقة أو إمتاع، وليس المراد شيئاً خاصاً في مقابل المهر والنفقة، ولا دلالة للتقوى على الاستحباب، بل هي أعم.

إلاَّ أنَّ هذا الاحتمال يتنافى مع الأحاديث الواردة عن الإمام جعفر الصادق(ع) في قوله تعالى: ] وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ[ قال: متاعها بعدما تنقضي عدّتها، ] عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ[ فأمّا في عدّتها فكيف يمتعها وهي ترجوه وهو يرجوها، ويجري اللّه بينهما ما شاء[1].

وفي ضوء ذلك، يكون المتاع المشار إليه في هذه الآية بمثابة هدية الفراق التي يقدّمها الزوج للمرأة المطلقة، للتدليل على أنَّ انفصالهما لا يمثّل عقدة في ذاته تجاهها، ولا عداوة لها؛ بل هو أمر فرضته التعقيدات التي أحاطت بها. وربما كان هذا النهج الإسلامي حركة في إبقاء الذكريات المتبادلة ـ بعد الفراق ـ حية بطريقة حميمة بالرغم من سلبياته. وقد اعتبرته الآية: ] حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ[ الذين عاشوا التقوى في ذواتهم رؤية تنفتح على اللّه، فتنفتح على النّاس بالخير كلّه، مما يلزمهم أو لا يلزمهم من أفعاله وأوضاعه. لأنَّ من أحبّ اللّه أحبّ النّاس، فأحبّ تقديم كلّ ما ينفعهم في أمورهم العامة والخاصة، وبذل المحبة لهم في عمق مشاعرهم العاطفية.

] كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّه لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[ ، وتختم الآية الفصل بالإشارة إلى أنَّ بيان اللّه لآياته في تشريعاته يستهدف ربط الحياة بالخطّة المعتمدة على التأمّل والعقل، الذي هو هدف الرسالات جميعاً في ما تدعو إليه من مفاهيم وحلول.

* * *

إيحاءات الآية:

وربما نستوحي من ذلك، أنَّ اللّه يريد للعقل أن يتحرّك في عملية استلهام لآيات اللّه في الكون وفي نظام الإنسان وحركة الحياة، ليتفهّم ـ من خلال ذلك ـ القوانين والسنن الكونية والاجتماعية والحياتية التي أودعها اللّه في هذا النظام الكوني والإنساني، كما يتفهم ـ من خلاله ـ آيات اللّه التي تنظم للإنسان حياته القانونية في تشريعاته التي أوحى بها إلى رسله، فوضع له القواعد التي يستطيع من خلالها أن يحقّق التوازن في شؤون حياته الفردية والاجتماعية. فليس العقل حركة في التجريد الذهني الذي يتأمّل في أجواء المطلق، بل هو حركة في كلّ ما يتصل بالحياة الزوجية والعملية للإنسان، لأنَّ لكلّ شيء عقله الذي يوازن الأمور على أساس الحسابات الدقيقة في فهم الظاهرة والحركة والقانون.

وقد نستوحي منها الدعوة إلى مواجهة التشريعات الإلهية بالفكر الذي ينطلق نحوها ليبحث في خلفياتها ومعطياتها وحدودها، ولا يكتفي بالتعبّد الجامد الذي يتقبّل الأشياء من دون أن يحاول إدراك خصائصها في حياة الإنسان، لأنَّ المكلّف الذي يتحرّك في امتثال التكليف، يتحرّك من موقع الوعي لمضمونها الروحي والعملي في المصالح والمفاسد النوعية.

ــــــــــــــــ

(1) البحار، م:37، ج:100، ص:233، باب:17، رواية:65.