تفسير القرآن
إبراهيم / من الآية 5 إلى الآية 8

 من الآية 5 الى الآية 8

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بآياتنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ* وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ* وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ* وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ} (5ـ8).

* * *

معاني المفردات

{يَسُومُونَكُمْ}: يذيقونكم.

{وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ}: يستبقونهن أحياءً للاسترقاق.

{تَأَذَّنَ}: من الأذان وهو الإعلام.

* * *

رسالة موسى إلى قومه

لم تكن مسألة إخراج الناس من الظلمات إلى النور شأناً خاصاً بهذا القرآن أو بهذا الرسول، ولكنه هدف الرسالات كلها، والرسل كلهم، فهذا نبيّ الله موسى جاء إلى قومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور استجابةً لنداء الله الذي كلّفه بحمل الرسالة إلى قومه ابتداءً، ثمّ إلى الناس جميعاً.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِـَآياتنا} التي أنزلها عليه في التوراة {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} بما تدعوهم إليه من عبادة الله الواحد الأحد، ورفض كل أشكال الصنمية والعبودية للأحجار أو الأشخاص وبما تقودهم إليه من التزام بالشريعة الكاملة التي تحدّد لهم منهج حياتهم، ليتحركوا بوعي ينطلق من الحكمة، ويلتقي بالخير والإحسان والرحمة.

{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} بما توحيه نسبة الأيام إلى الله من كونها أزمنة تتميّز بنعمه أو بلائه كمظهر من مظاهر قدرته وسطوته ورحمته وعذابه في تاريخ الأزمنة السابقة، وحركة المستقبل في الأزمنة اللاحقة. وهدف التذكير هنا، حثهم على التفكير بالارتباط بالله من أقرب طريق، بنشدان رضاه ورحمته، والخوف من سخطه وعقابه، والالتزام بالخط الذي يريدهم أن يسيروا عليه. وبذلك يكون هدف الذكرى إطلاق وعيٍ، بعلاقته بالله واتصال حياته به في جانب العافية والبلاء، ليخطط وينفذ من هذا الموقع.

{إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} بما يفرضه البلاء من الحاجة إلى الصبر، وما توحي به النعمة من الشكر، أو في ما يقتضيانه معاً من صبرٍ على المسؤولية التي تحتويهما معاً، وشكرٍ على النتائج الإيجابية التي تثيرهما معاً.

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ}، وهو يريد تذكيرهم بأيام الله السالفة التي أهلك فيها فرعون وقومه، وأنقذهم فيها، بطريقةٍ معجزةٍ مثيرةٍ، لا يملك القدرة عليها إلا الله، {اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} وظلمهم وبغيهم {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} بمختلف الوسائل التي يملكونها، والأوضاع التي يفرضونها {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ} لئلا ينشأ جيلٌ جديدٌ، يملك أمره، ويستعد للوقوف بقوّة أمام الطغيان والاستعباد، من مواقع الشعور بالعزّة وإرادة الحرية، ما يجعل من وسائل الإبادة الشاملة، الحلّ للهواجس المرعبة التي تطوف بأذهان الطغاة والمستكبرين الذين لا يستطيعون مواجهة شعوبهم بمنطق العقل والعلم والإقناع، فيلجأون إلى منطق القهر والقتل والإذلال، {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ} إبقاءً للنساء لخدمة بيوت الطغاة، {وَفِى ذلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} وأي بلاءٍ أعظم من هذا البلاء الذي يشعر فيه الإنسان بانسحاق إنسانيته تحت إرادة هؤلاء الذين يعطون لأنفسهم الحق في التحكم بمصائر الناس وإبادتهم، والضغط على حرياتهم، والقضاء على مستقبلهم؟

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} بما يعنيه الأذان من إعلان عن الإرادة الإلهية التي تحدد لهم الخط المستقيم الذي يحكم علاقتهم بالله في جانب الرحمة والنقمة، أو في طبيعة الثواب والعقاب، {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} في مفهوم الشكر العملي الذي يقتضي استعمال نعم الله في طاعته، للحصول على رضاه، تعبيراً عن الامتنان الروحي والعملي له، فإن ذلك قد يحقّق زيادةً في نموّ النعمة، على أساس أن النعمة التي تتحرك في نطاق ظروفها الطبيعيّة، لا بد من أن تحقق قدراً كبيراً من النتائج يزيد عما إذا كانت حركتها بعيدة عن ذلك. وربّما كانت الزيادة وعداً من الله لهم، بما يريد أن يفيض عليهم في الدنيا من كثرة النعم، أو بما يريد أن يفيضه عليهم في الآخرة بإدخالهم جنته والحصول على رضاه، فإن ذلك يعني انضمام نعم الآخرة إلى نعم الدنيا، باعتبار أن ذلك يمثّل مضمون الزيادة؛ والله العالم.

{وَلَئِن كَفَرْتُمْ} وجحدتم النعمة، بجحود الله أو رسله أو اليوم الآخر، واستهنتم بوعيد الله وبما أعدّه للكافرين وللضالين من عقوبة، {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، لما يمثله من جزاءٍ صعب على مستوى العذاب في الآخرة.

{وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} من كل ما خلقه الله {فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ}، لأن مسألة إيمان الناس بالله ليست حاجةً إلهيّة، ليكون الكفر نقصاناً وضرراً بالذات الإلهيّة، فإن الله هو الغني المطلق في كل شيء عن عباده في وجودهم وفي إيمانهم وطاعتهم، فلا يضرّه كفر الكافرين وعصيانهم، كما لا ينفعه إيمان المؤمنين وانقيادهم، بل المسألة هي انتفاع الناس بالإيمان الذي يعيشون فيه اللقاء بالحقيقة الإلهية والالتزام بنهجها القويم، وتضررهم بالكفر الذي يمثل ظلام العقل والوجدان والشعور والمنهج، الذي يبعدهم عن الله الغنيّ المحمود في كل شيء.