من الآية 19 الى الآية 20
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيتــان
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}(19ـ20).
* * *
قدرة الله على إيجاد خلق جديد
إن قضية الإيمان والكفر، ليست من القضايا التجريدية التي يدرسها الإنسان من مواقع التحليل الفكري المجرّد، بعيداً عن حقيقة وجود الإنسان في نفسه، وفي قدرته المحدودة أمام قدرة الله المطلقة، وفي ارتباط وجوده بالله من كل جهة، بحيث إن استقلاله وثباته وتماسكه مرتبط بالله، في حين أن الله غني بالمطلق عنه وعن كل المخلوقات الآخرى، بالتالي فإن زوال أي إنسان تماماً، ومجيء خلقٍ آخر غيره، كما جاء هو بعد زوال مخلوقاتٍ أخرى قبله، لا يمثل مشكلة بالنسبة لله.
ولهذا كان الاتصال بالله، من خلال الحق، هو الذي يعطي لوجود الإنسان عمقاً، ولحياته امتداداً، حيث يصبح جزءاً من خطة الحق التي أراد الله أن تحكم قوانينها ونظمها الحياة، وليتحسّس الإنسان منها كيف يمكن للإيمان أن ينطلق في داخله قوياً قوّة الحق، ثابتاً ثبات السماء والأرض.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ}، في ما أودعه من سننٍ كونيّة تتحرك من خلالها الظواهر والمخلوقات، وفي خلقه الإنسان والحيوان والنبات والجماد. وإذا كان الله قادراً على هذا الخلق العظيم بحجمه، الذي يمثل الإنسان جزءاً صغيراً منه، فإنه قادر على التصرف بخلقه، وجوداً وعدماً، لقدرته التي بها قوام السماوات والأرض، مما يفرض على الناس أن يرجعوا إليه ويرتبطوا به، ليتمكنوا من الامتداد في الوجود، {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}، لأنه الغني المطلق الذي لا حاجة به إلى أحد من خلقه، بل الخلق محتاجون إليه، ولا فرق بين مخلوقٍ ومخلوق عنده في ذلك {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}.
تفسير القرآن