المقدمة
سـورة الحجـر
مكيـة وآياتها 99
أجواء سورة الحجر العامة
وهذه السورة ترصد حركة الرسالة وموقف النبي أمام التحديات، وأمام الكلمات اللامسؤولة التي أطلقها الكافرون في مواجهة الرسول والرسالة والقرآن العظيم، وكيف واجهها بالكلمة المسؤولة والخطوة المدروسة، بعيداً عن كل حالات السخرية والاستهزاء والتحدّي التي لا ترتكز على قاعدة.
وفي هذا الجو، نلتقي بأكثر من قصة، بدءاً بقصة الخليقة، عندما خلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود له، وكيف تمرّد إبليس الذي كان يعيش في مجتمع الملائكة على أمر الله، وكيف بدأ الصراع بين إبليس وبين الإنسان في الأرض بعد إبعاد الله له عن جنته، وكيف انطلق الناس بين من يطيعون الله، ومن يطيعون الشيطان، لتمتد نتائج ذلك من الدنيا إلى الآخرة، حيث لقاء الجنة أو النار.
ثم نقف عند قصة إبراهيم وزيارة الملائكة له، وحديثهم معه في أمر يخصه ويمثل بشارة من الله له، وعند مهمة تعذيبهم قوم لوط الذين تمرّدوا على الله وعلى رسوله.. ثم عند قصة أصحاب الحجر وهم ثمود ـ قوم صالح، وذلك بغرض تحريك تفكير الإنسان وحثه على الاعتبار والامتثال لأمر الله في الوقوف أمام مسألة المصير في الدنيا وفي الآخرة، موقف المسؤول الذي يعيش الانضباط في كل حالاته.
وكما انطلقت البداية من مواقع الحق الثابت الذي استطاع أن يتحرك بقوّة في خط الرسالة أمام الباطل، فقد جاءت النهاية لتجعل الحق أساساً لخلق السماوات والأرض، ولتضع الإنسان وجهاً لوجه أمام مسؤوليته التي يفرضها الحق.
وهكذا أراد الله من النبيّ أن يواصل مهمة الوقوف بحزم أمام الباطل، فلا يحزن ولا يتزلزل ولا يتراجع، بل يظل ثابتاً بالعقل المفتوح على الله بالتسبيح والسجود والعبادة. حتى تنتهي الحياة وتتبين كل حقائق الكون، ويأتي اليقين ليعلن أن الرحلة السابقة، وهي رحلة الحياة الدنيا، قد انتهت، وأن رحلة الحياة الآخرة، التي تنفتح على الجنة للمؤمنين وعلى النار للكافرين، قد بدأت.
وهكذا تتحرك السورة في كل آياتها، لتثير أمام الإنسان قضايا العقيدة في مضمونها وتاريخها الرسالي، وحركة الصراع في الطريق، ليأخذ الإنسان منها العبر والدروس التي تقوده إلى النجاح في الدنيا والآخرة.
تفسير القرآن