تفسير القرآن
الحجر / من الآية 1 إلى الآية 5

 من الآية 1الى الآية 5

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{الرَ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ * رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ* ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ* وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ* مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ} (1ـ5).

* * *

ما أهلكنا من قريةٍ إلا ولها كتاب..

{الرَ} من الحروف المقطعة في القرآن التي سبق الحديث عنها في سورة البقرة.

{تِلْكَ آيات الْكِتابِ} التي أنزلها الله على نبيّه لتكون دستوراً للحياة، أو منهجاً لخط السير، في ما يمثله الكتاب من وحي الله الممتد في تاريخ الرسالات، حيث يلتقي الرسل على القيم الروحية التي أراد الله أن تحكم الحياة، في نطاقٍ من القواعد العامة الثابتة، التي تسمح لبعض المتغيرات الطارئة بفعل الزمن أن تدخل في تحديد التشريع الإلهي حلالاً أو حراماً، حسب المصلحة التي يعرفها الله. {وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} في دلالاته الفكرية، وتوجيهاته العملية التي تحدّد الفواصل بين الحق والباطل، بالمستوى الذي لا مجال فيه لأيّ شكٍ وريبةٍ.

ولعل القصد من وراء هذه الإشارة، الإيحاء بأن على الإنسان الواعي أن يتأمل ويتدبّر في هذه الآيات، ليكتشف أصالة الحق فيها، وخطأ هؤلاء الكفار الذين يتهمون مفاهيمها بالأساطير، ويلصقون بالنبي تهمة الجنون.

{رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} عندما تتضح لهم النتائج العملية المترتبة على كفرهم، والمواقف الخاطئة التي وقفوها من النبي، في اليوم الصعب الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين، ويشاهدون فيه وجه الحق في حركة الإسلام، وكيف يلتقي المؤمنون الذين أسلموا حياتهم لله واتبعوا رسله، بالفوز العظيم، وكيف يخسر الكافرون المتمردون مصيرهم في الآخرة. إنهم يشعرون بالسقوط هناك، ويتمنون لو كانوا من المسلمين في الدنيا لينالوا درجة المسلمين في الآخرة، ولكنها مجرد تمنيات، لا تلبث إلا قليلاً، حتى تتحول إلى حسراتٍ.

{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ}، فهذا هو كل هدفهم في الدنيا، فليست الحياة عندهم إلا ما يملأ البطون ويغذي الحس ويشبع الغريزة، ويخلد فيه الإنسان إلى الأرض، بعيداً عن آفاق السموّ الروحي والفكري، حيث القيم والمثل التي تجعل من الحياة حركة رسالةٍ لا حركة غريزةٍ، لأن الغريزة ليست سوى حاجةٍ طارئةٍ، بينما تمثل الرسالة المضمون الحي لوجود الإنسان وحركة الكون. وفي هذا الابتعاد تكمن مشكلتهم في ما يطمحون إليه، فاتركهم مع هذا النهج المادي الذي يخضعون له في مسيرتهم، ليشبعوا نهمهم، ويتركوا لغرائزهم العنان، {وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ} الطويل الذي يشعرون معه بالامتداد في خط العمر، لغفلتهم المطبقة التي تمنع عنهم الإحساس بالموت القادم إليهم بشكلٍ مفاجىءٍ، {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} نتائج ذلك كله عندما يواجهون المصير الأسود الذي يقفون فيه وجهاً لوجه أمام النار وبئس القرار.

{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} فلكل جماعة من الناس، في أيّة قرية أو منطقة، أجل معلوم عند الله، يقف عنده تاريخها، وتنتهي معه حياتها، فلا مجال للخلود. ولهذا فلا معنى للأمل الطويل الممتد، ولا بد لهؤلاء من أن يستفيدوا من هذا الحدّ الواقع في دائرة البداية والنهاية، ليحققوا نموهم الفكري والعملي الذي يحقق للحياة معناها، ويرفع قيمتها في ميزان الله، في المشاريع التي يقومون بها، استثماراً لطاقاتهم، ورفعاً لمستوى الحياة من حولهم، واستجلاباً للنفع للناس، فينالون بذلك الدرجة الرفيعة عند الله. إن العمر فرصة ممارسة المسؤولية، ولا بد من المسارعة في الاستفادة منها قبل فوات الأوان، {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} الذي حدده الله لها بحسب ظروفها وإمكاناتها الذاتية والخارجية، {وَمَا يَسْتأْخِرُونَ} فللبداية حدٌّ تنطلق منه، وللنهاية حدٌّ تقف عنده، ولا يملك أحد، مهما كانت قدرته، تقديم ما أراد الله تأخيره، أو تأخير ما أراد الله تقديمه.