تفسير القرآن
النحل / المقدمة

 المقدمة

سورة النحل

مكية وآياتها: مائة وثمان وعشرون آية

أجواء سورة النحل العامة

سميت هذه السورة باسم (النحل) لأن الله تحدث فيها عن النحل في قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ* ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ الثَّمَراَتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:68ـ69).

ولعل في التأكيد عليها ـ من بين آيات الله في خلقه ـ توجيه الاهتمام إلى النظام الدقيق الذي يتميز به مجتمع النحل، مما يمكن أن يثير في وعي الإنسان الكثير من القضايا المتصلة بحياته.

وهي من السور المكية ـ المدنية التي تتحرك آياتها لتأكيد العقيدة في موضوعاتها الكبرى، وهي التوحيد، والوحي، والبعث، وتؤكد السورة على التوحيد من خلال عالم الكون الواسع وما يتمثل فيه من أسرار عظمة الله في خلقه ومن آفاق رحمته في نعمه، بالإضافة إلى المقارنة مع كل من يتخذهم الناس شركاء لله في العبادة، وتجريدهم من كل صفات القدرة، وإرجاعهم إلى حجمهم الطبيعي، وهو أنهم مخلوقون لله، خاضعون في وجودهم لقدرته في كل شيء، ولا يملكون ـ معه ـ أيّ شيء مهما كان صغيراً.

أما في مسألة الوحي، فتنطلق الآيات لتدخل في بعض تفاصيله، ثم تواجه كلمات التشكيك اللامسؤولة الصادرة عن المشركين والكافرين، التي تشكّك به وتنسبه إلى بعض البشر الذين يزعمون أنهم كانوا يعلّمون النبي ويلقون إليه هذه الآيات، ثم تتحرك الآيات باتجاه حركة الوحي ـ الرسالة، في حياة المؤمنين، في آفاق الدعوة، والثبات عليها، وفي حركة الهجرة، والجهاد في أجواء الصراع داخل الواقع الإسلامي وخارجه على أكثر من مستوى، وفي مواجهة التحديات الكافرة التي كانت تنال من الإسلام والمسلمين. أما شأن البعث، فتنطلق الآيات للحديث عن يوم القيامة كحقيقةٍ وكواقع وكساحةٍ لمواجهة المسؤولية أمام الله وللخضوع لنتائجها الإيجابية، في ما ينتظر المؤمنين الذين يعملون الصالحات الأجر من الكبير والثواب العظيم في جنة الله الخالدة، ولنتائجها السلبية في ما ينتظر الكافرين والمتمردين على الله من العقاب الشديد والعذاب الأليم في نار جهنم الخالدة.. ونلتقي في ذلك كله بالأخلاقيات الإسلامية التي تؤكد على الصبر وسعة الصدر، والدفع بالتي هي أحسن، وغير ذلك من القيم الروحية الإسلامية التي تثير في الإنسان كل نوازع الخير، وتوجهه إلى مواقع الحق والعدل والإيمان، ليكون الإنسان الواعي المنفتح على الله بإيمانه، والمنطلق مع الحياة من خلال انفتاحه على الله.