من الآية 22 الى الآية 23
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيتـان
{إِلَـهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخرةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ* لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} (22ـ23).
* * *
عدم الإيمان بوحدانية الله استكبار
{إِلَـهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ} إن وحدانية الله حقيقة واضحة لا يغفل عنها أيّ عقلٍ يفكر بمسؤوليةٍ، ولا يبتعد عنها قلبٌ يتحسس الواقع، وهو تصور صافٍ يعطي الحياة معناها، ويمنح الإنسان سرّ حياته، حيث لا يمكن أن ينفصل إحساس الإنسان بالحياة، عن إحساسه بالوحدانية الإلهية التي منحته الحياة.
{فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخرةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} تنكر حقيقة التوحيد، وتلتقي بباطل الشرك، ولكن لا من موقع القناعة، بل من موقع الاستكبار، لأنها ترفض اللقاء بالحقيقة من خلال الفكر المسؤول، والإحساس النقيّ، أو من خلال الوحي الذي يحمله بشرٌ، لا يملك مالاً أو جاهاً يقويه، ولا يملك ما يميزه عن غيره من البشر، كما يتميز الملك عن البشر في خلقه وارتفاع مقامه في رحاب السماء، ولذلك فلا مجال للتفكير بما يطرح، ولا للحوار معه، لأن المسألة مسألة شخصية الرسول، لا شخصية الرسالة، ومستوى الموقع لا مستوى الفكر، خاصة إذا كان الرسول فقيراً أو يتيماً أو غير منتم إلى الطبقات العليا في المجتمع، فإن ذلك يحسم مسألة الرفض لكل ما عنده، دون سؤال {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} في تفكيرهم الذي يتحرك من موقعٍ فوقي يمنعهم من احترام فكر الآخرين، وفي مشاعرهم التي تتحكم فيها عقدة الكبرياء وتمنع عنها التفاعل بمحبة مع مشاعر الآخرين. وبذلك لا يكون الاستكبار حالةً اجتماعيةً منحرفةً، بل يتحول إلى نوعٍ من الانحراف الثقافي والعقيدي والروحي، الناشىء من الإصرار على الرأي الخاطىء تحت تأثير الحالة النفسية المعقّدة.
ولكنهم يحاولون أن يغطّوا هذه الحالة السلبية المعقّدة فيهم، والإيحاء بأن رفضهم للعقيدة الجديدة أو للرسول، ينطلق من موقفٍ فكري حقيقيّ، موضوعه اختلاف المفاهيم الفكرية التي يحملونها عن قناعةٍ عما تطرحه دعوة الرسول من قضايا ومفاهيم، لإكساب معارضتهم نوعاً من الاحترام أمام جماعاتهم، كي لا تتحول إلى موقف عنادٍ وتمرّدٍ دون أساس. ولكن الله يفضح المسألة كلها، لأنه يعلم خفايا الأشياء كما يعلم ظواهرها {لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} فلا يمكنهم إخفاء حقيقة الموقف عنه، لأن علمه ينفذ إلى ما يفكرون، حتى يطلع على وساوس الصدور وخائنة الأعين، الأمر الذي يفقدهم محبة الله، لاطلاعه على طبيعة الكبرياء المعقّدة في مواقفهم {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} لأن الاستكبار لا يمثل موقف انفتاحٍ إنسانيّ، بل يمثل حالة انغلاقٍ معقّدٍ شيطانيّ مرفوضٍ من الله ورسالاته، لأنه يقهر إنسانية المستضعفين من الناس، وينحرف بالتفكير إلى اتجاهٍ مضادٍ للحقيقة، ويحوّل الحياة ـ من حوله ـ إلى ما يشبه الجحيم.
تفسير القرآن