من الآية 45 الى الآية 55
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ* أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ* أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ* وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ* يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ* وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ* وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ* وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأرُونَ* ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ* لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُون} (45ـ55).
* * *
معاني المفردات
{دَاخِرُونَ}: صاغرون.
{وَاصِباً}: لازماً.
{تَجْأرُونَ}: الجؤار، الاستعانة برفع الصوت، وتجأرون: ترفعون أصواتكم مستعينين.
* * *
أساس الأمن من عذاب الله للمتمردين عليه
كيف يفكر هؤلاء الذين يتحركون في خط التمرّد على الله، وما هو أساس شعورهم بالأمن في حالتهم هذه؟ إن المسألة هي الغفلة المطلقة التي استسلموا من خلالها لما هُم عليه من انحرافٍ، لأنهم لو فكّروا تفكيراً واقعياً، لرأوا أن الخطر يحيط بهم من كل جهةٍ. فإذا كانوا لا يجدون اليقين في ما يخبرهم به الأنبياء، فكيف يهربون من احتمالات الخطر التي تتهدد وعيهم ومشاعرهم أمام احتمالات الصدق في دعوة الأنبياء. وهذا ما تريد الآيات أن تثيره، ليواجه الإنسان موقفه من الله، من حالة وعي لموقعه الضعيف، أمام القوّة الإلهية المطلقة.
* * *
لا أمن للماكرين من عذاب الله
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ} في ما يعنيه المكر من تدبير الحيل المتنوعة، في التآمر على الرسول، وعلى الرسالة، وعلى الدعاة إلى الله والعاملين في سبيله {أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْض} كما فعل بقارون من قبلهم، {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} كما فعل بقوم لوط، وبغيرهم من أقوام الأنبياء الآخرين {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} وهم يتحركون في أعمالهم التي يروحون فيها ويغدون، بما يعنيه التقلّب من تنوّع الحركة {فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ} لأنهم لا يملكون أيّة قوةٍ ذاتية، أمام القوة الإلهية التي تأخذهم في هذه الحال {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} وهم يعيشون حالة الترقّب والحذر من العذاب، التي تدفعهم إلى الشعور بالخوف الداخلي الذي يجعل الإنسان في حالة صعبة من القلق، فلا يفاجئه العذاب بل يكون مستعداً له. وذكر بعض المفسرين أن المراد بالتخوف التنقص، وهو إيقاع النقص بهم، وذلك بأن يأخذهم الله بنقص النعم واحدةً بعد واحدةٍ تدريجياً، كأخذ الأمن ثم المطر ثم الرخص ثم الصحة، وربما كانت المناسبة ـ في هذا المعنى ـ أن هذه التدريجية في إنزال العذاب، تدفع إلى الخوف من المستقبل الذي يكون العذاب الحاضر نذيراً به. {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} قد يكون هذا تعليلاً لأخذهم على تخوفٍ، باعتبار التنزل في عذابهم إلى هذا النوع من العذاب الذي هو أهون الأنواع المتعددة لأنه رؤوف رحيم، أو لأنّ الأخذ بالنقص، على حسب المعنى الثاني لا يخلو من مهلةٍ أو فرصةٍ يتنبّه فيها من تنبّه، فيأخذ بالحذر بتوبةٍ أو غيرها.
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}.. إنها دعوة للتطلُّع إلى الكون بما فيه من أجسام لها ظلال كالأشجار والجبال والأبنية الموجودة على الأرض، وغير ذلك مما يتنقل فيه الظل من حالة إلى حالةٍ، فتارة يتحرك نحو اليمين، وأخرى نحو الشمال، حيث تتعدد مواقع سقوط الظل خلف الشيء وعن شماله، وذلك هو سرّ الإتيان بالكلمة بصيغة الجمع.
إن حركة الظل المتنقلة من جهةٍ إلى أخرى، تمثل الخضوع لله والانقياد لإرادته في ما أودعه الله فيها من قوانين كونيةٍ تحكم وجودها ومسيرتها. وفي ذلك تمثل سجودها الكونيّ لله كغيرها من الموجودات، في حالةٍ من الصغار والانسحاق المطلق أمام قدرة الله، الذي لا تملك عنه استقلالاً لا في الوجود ولا في الحركة.
إن معاينة خضوع هذه الموجودات التكويني لله، يوحي للناس بضرورة التأمل في الحقيقة الإلهية المبدعة التي هي سر هذا الوجود.
* * *
كل المخلوقات تسجد لله
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَـوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِن دَآبَّةٍ} ويشمل السجود كل المخلوقات الحية التي تدب على الأرض من إنسٍ وجنٍ وحيوانٍ، في حركتها المحكومة للسنن الإلهية، ذلك أن التذلل والخضوع التكويني أو الإرادي لله، يحمل معنى السجود وحقيقته، وإن لم يتمثل فيه الشكل المادي للسجود.
{وَالْملائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}، أفرد الملائكة عما يدب في السماوات والأرض، لأن لها وجوداً متميزاً في طبيعته وفي حركته وفي الآفاق الروحية التي ينطلق فيها، ولكن ذلك الوجود المميز لا يدفعهم إلى الشعور بضخامة الذات بالمستوى الذي ينسيهم موقعهم من الله، وحاجتهم المطلقة إليه في كل شيء، كما يفعل الغافلون من عباد الله الذين يستكبرون عن عبادته لاستغراقهم في ذواتهم، وغفلتهم عن كل شيء أو حقيقة تحكم الوجود خارجها، الأمر الذي يقودهم إلى نسيان الله والاستكبار في شعور مرضيّ بالعلو والرفعة والكبرياء.
إن الملائكة الذين يعيشون المعرفة لله بمستوى لا يحتجب عنهم فيه أيّ جانبٍ من جوانب عظمته، كما يعيشون المعرفة لذواتهم ولموقعهم من الله، وحاجتهم إليه في كل شيء، وحاجة كل الموجودات في كل الأمور إليه. إن تلك المعرفة التي قد تتزايد وتتكامل وتنمو لديهم كلما ازدادوا اقتراباً من الله بالعبادة، وازدادوا اقتراباً من حقيقتهم بالتأمل، إن تلك المعرفة تزيدهم شعوراً بالانسحاق والتضاؤل والذوبان أمام عظمة الله المطلقة، وتمنعهم عن أيّ شعور بالكبرياء، فضلاً عن الشعور بالاستكبار أمامه، وتدفعهم إلى أن يجسدوا ذلك في طاعتهم له وخوفهم منه {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ}، ولكنه ليس الخوف الذي ينطلق من الإحساس بشرّ مرتقب، بل هو الشعور بالعظمة الذي يدعوهم إلى الانضباط والالتزام بإرادة الله والإحساس بالانسحاق الكلي أمامه، وهذا ما نستوحيه من الإشارة إلى فوقية موقع الإله منهم، الواردة بمدلولها المعنوي لا الحسي في إيحاء بالقاهرية التي تستتبع المقهورية {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} كمظهرٍ من مظاهر العبودية الخاضعة في مقابل الاستكبار المترفع، فهم لا يغفلون عن مقام ربهم، لتتحول الغفلة عندهم إلى نسيان، ويؤدي بهم ذلك إلى حالةٍ من الانحراف والتمرد والعصيان، بل يعيشون الوعي كله الذي يتحول إلى طاعة مطلقةٍ.
ويقول صاحب تفسير الميزان في تعليل اختصاص الملائكة من بين الساجدين: «وإنما خص سبحانه الملائكة من بين الساجدين المذكورين في الآية، بذكر شأنهم وتعريف أوصافهم وتفصيل عبوديتهم، لأن أكثر آلهة الوثنيين من الملائكة كإله السماء وإله الأرض وإله الرزق وإله الجمال وغيرهم، وللدلالة على أنهم ـ بالرغم من زعم الوثنيين ـ أمعن خلق الله تعالى في عبوديته وعبادته»[1].
* * *
مظاهر الكون تدل على الوحدانية
{وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ}، يختلف أسلوب القرآن في معالجة مسألة الشرك والتوحيد، فهو لا يتحدث عنها هنا كمسألةٍ خاضعةٍ للأخذ والرّد، بل كأمرٍ إلهيٍّ، يفرض الفكرة بوصفها خطاً عملياً يمنع الناس من تجاوزه، لأنه يمثل الحقيقة. ولعل سرّ القوة في ذلك، هو أن المشركين لا ينكرون على الله صفة الألوهية، وأنهم لا يعبدون الآلهة الأخرى التي يعطونها هذه الصفة، إلا لقربها من الله، أو لوجود بعض خصائص القوة فيها. وبهذا نعرف أن أسلوب الحسم يملك من ناحيةٍ إيحائيةٍ قوة تفوق ما يملكه الأسلوب الموضوعي في طرح الفكرة، في مواجهة فكرةٍ أخرى، لأنهم إذا كانوا يعبدون تلك الآلهة لتقربهم إلى الله زلفى، فمن البديهيّ أن يكون المنع الإلهي عن اتخاذ إله آخر، مسقطاً لدعواهم وممارستهم بشكل حاسم. وهذا ما نستوحيه من الفقرة التأكيدية التالية {إِنَّمَا هُوَ إِلـهٌ وَاحِدٌ} لتقرير حقيقة الوحدانية بأسلوبٍ مؤكّد، ثم إطلاق التحذير بأسلوب تهديدي {فَإيَّـايَ فَارْهَبُونِ} بما يعنيه الحصر من أمر بعدم الانقياد لأيّة قوةٍ أخرى توحي بالخوف أو بالرهبة، وتدفع الناس إلى عبادتها من دون الله، وحصر الانقياد بالله، لأنّه القوّة الوحيدة التي تسقط أمامها كل القوى مهما كانت عظيمة وكبيرة ومخيفة.
{وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ} فكل هؤلاء الذين تدعون من دونه، هم خَلْقُهُ وملكه، فكيف يكونون شركاء له، وهو الذي يملك الأمر كله في السماوات والأرض، ولا يملك هؤلاء شيئاً من ذلك، حتى أنفسهم، فكيف يكونون آلهةً معه، أو من دونه؟
{وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً} أي لازماً، وقد فسّر الدين هنا بالطاعة والالتزام بأمره ونهيه، فيكون المراد من الآية أن لله الطاعة دائماً في جميع الأمور، فلا انحراف عن طاعته، ولا طاعة لغيره، وذلك من موقع الوحدانية المطلقة. وربما كان المراد من الدين معناه الشامل الذي يتسع للشريعة والعقيدة، فيكون المراد بالفقرة، أن الله يملك التشريع كله، وليس لأحدٍ غيره أن يشرّع أيّ حكمٍ أو يفرض أيّ أمرٍ، وله الطاعة في ذلك كله، لأن من يملك الأمر والنهي، يملك حق الالتزام بهما، فهو الذي يجب أن يُطاع ويُخاف ويُتقى {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} فما الذي يملكه غيره من القوّة، وما الذي يجعلكم تأمنون عذاب الله بانحرافكم عن خطه المستقيم؟
* * *
اللجوء إلى الله عند الشدة
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} وهذه دعوة للتفكير في مصدر النعمة التي تحيط بالإنسان في كل تفاصيل وجوده، سواء منها القوى الذاتية التي تحرك أجهزة جسده، أو العوامل الخارجية التي تمده بأسباب الحياة، أو تسهِّل له استمرارها بشكل أفضل. فهل يستطيع اكتشاف مصدرٍ فعلي لهذه النعم كلها غير الله؟ لا شك أن ذلك أمر غير ممكن، لأن الأسباب المباشرة التي قد يلتقيها الإنسان في بداية طريق بحثه، تقوده إلى الله الذي خلق السبب وأودع فيه سرّ السببيّة، وأنه هو الذي خلق الإنسان، وألهمه عمل ما يقوم بعمله، أو صنع ما يقوم بصناعته من أدوات النعم. وهذا هو الدليل على وحدانية الله، في حركة النعمة في الوجود، إلى جانب الأدلة الكثيرة على وحدانيته، في حركة الخلق في الكون، ولكن الإنسان يغفل عن ربه، ويستمر في غفلته، فينساه، وينسى معه كل التزامٍ بطاعته، ثم تأتي الصدمة التي تهز وجوده، فترجعه إلى وعيه وصوابه، فيكتشف حاجته إليه من جديد ويلجأ إليه في ابتهال المضطر الخائف الراجي الذي يتوسل إلى ربه ليكشف عنه ما أصابه من ضرّ {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأرُونَ} فترفعون أصواتكم إليه مستغيثين به. وقد تكونون من المنكرين له، وقد تكونون من الغافلين عنه، أو من المشركين به أو بعبادته، ولكن الفطرة العميقة المتصلة بكل خلجة من خلجات المشاعر، وبكل نبضةٍ من نبضات القلوب، وبكل حركةٍ من حركات العقل، تستيقظ وتتحرك وتهمس للحس وللقلب وللعقل بكلمة الله، ليعيش الإنسان معها من جديد، فيحس بالحنان والحب والعاطفة، تهوي عليه من علياء الله، الذي يعفو ويسامح ويرحم ويغفر، فلا يشعر الإنسان بوجود حواجز تحول بينه وبين الأمل بالرحمة التي تكشف الضر عنه، وتفرّج عنه غمّه وهمّه وكربه، وهكذا ينطلق الإحساس بوجود الله في الأعماق ليدلّل على وحدانيته عن طريق الشعور والعقل، لأن القلب لا يتجه إلا إليه عند الشعور بالخطر، كما أن العقل لا يهتدي إلا إليه عند البحث عن سرّ الوجود.
وبهذا يتأكد الارتباط بين الخالق والمخلوق في عمق الوجود الإنساني، ليكون الإحساس بالله الواحد هو العمق الروحي الذي يحكم حركة الإنسان في الحياة، وهذا ما يعنيه الوجدان الذي يحس بالله، قبل أن تحكم معادلات العقل بوجوده.
* * *
الشرك بالله عند الرخاء
ولكن الإنسان الذي يكتشف الله في حالة الاضطرار، ويلجأ إليه من أجل دفع الضر عنه، لا يستمر على حالته تلك، بل يتبدّل ويتغيّر عند ابتعاده عن حالة الشدة إلى حالة الرخاء، ويستسلم مجدداً إلى شهواته ومطامعه ونزواته التي تبعده رويداً رويداً عن أصالة الشعور في وجدانه، فينسى ربه ويغفل عن مسؤوليته، {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} فيعبدون غيره، ويلتزمون بغير دينه. ولكن ذلك لا يحكم الوجود الإنساني كله.. فهناك فريق آخر من الناس الذين يحافظون على نتائج الحركة الوجدانية، في الشعور ومواقع الحركة العقلية في الفكر. ويبقى وعيهم العميق للتوحيد، حيّاً في ذواتهم، نابضاً بالحركة والحياة، وتستمر أفكارهم ومشاعرهم في تغذية التزامهم بالخط المستقيم حتى النهاية، في مواجهة الخط المنحرف الذي يلتزم به الكافرون الغافلون المستسلمون لشهواتهم {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} من النعم، فيجمّدوها بالفكر والممارسة، ويمتنعوا عن شكرها.. ولكن ماذا وراء ذلك وهل تستمر الحالة بهم في طريق الخلود؟ ليس من الضروري مناقشة المسألة معهم، لأنهم ليسوا مستعدين للدخول في مناقشة هذه المسائل.. ولهذا كان الخطاب لهم بطريقةٍ أخرى {فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما هي العواقب الوخيمة التي تنتظركم، وما هي النتائج السلبية التي تواجهكم، عند الموت الذي تفقدون معه كل هذه المتع الحسية التي أخضعتم حياتكم لها، وبعد الموت، حيث تواجهون عذاب الله على ما قدمت أيديكم من الأعمال الشريرة.
ـــــــــــــــــــ
(1) تفسير الميزان، ج:12، ص:267.
تفسير القرآن