تفسير القرآن
النحل / من الآية 120 إلى الآية 128

 من الآية 120 الى الآية 128

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لأنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* وَآتَيْناهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخرةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ* ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ* وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ* وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (120ـ128).

* * *

معاني المفردات

{قَانِتاً}: مطيعاً.

{حَنِيفاً}: مستقيماً مائلاً عن الباطل إلى الحق.

{اجْتَبَاهُ}: اختاره واصطفاه.

* * *

خط إبراهيم الرسالي عنوان الرسالات بعده

يعود الحديث القرآني باستمرار إلى إبراهيم، الذي ينتسب إليه الرسل، عند تناوله التوحيد والمشركين والإسلام الذي كان إبراهيم يمثل الوجه المشرق في إعلان خطه وتجسيد معناه.

ويتحدث الله عن إبراهيم في هذا الإطار كنموذج حيّ للنبيّ المطيع لله الموحّد له، الذي اختاره لرسالته وهداه إلى صراطٍ مستقيم، وهو بذلك يتناول شخصيته في الدائرة الإنسانية المنفتحة على ساحة المسؤولية بين يدي الله، دون الدخول في أجواء المبالغة التي تصور الشخصية الغامضة ذات الأسرار الخفية والآفاق النورانية السابحة في أجواء القدس، وغير ذلك من الكلمات التي قد تثير في النفس الكثير من مشاعر التعظيم ولكنها لا تقدم معرفة تفصيلية بالنبي تملأ الوجدان وتغني الفكر.

* * *

إبراهيم كان أمة

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}. جاء في المفردات أن المراد من كونه أمّة أي قائماً مقام جماعة في عبادة الله، نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة[1]، وقيل معناه الإمام المقتدى به، وقيل إنه كان أمةً منحصرةً في واحد مدّةً من الزمان لم يكن على الأرض موحّد يوحّد الله غيره. وعلى ضوء هذه التفاسير، نلتقي بشخصية إبراهيم التي تتجمّع فيها خصائص الإنسان الذي تعيش شخصية الأمة فيه وتمتد منه في حركة رسالته، وتلتقي في أجوائه الروحية، روحية الجماعة في صورة الفرد.. وربما كان السرّ في ذلك، أن الرساليين، ولا سيما الأنبياء منهم، لا ينطلقون من حالة ذاتية، تتحول معها الذات إلى دائرةٍ مغلقةٍ تحجبهم عن الآخرين، وتخنق في داخلهم روح الامتداد، بل ينطلقون من الروح الرسالية التي تمتد في شخصيتهم، لتحوي الأمة بأسرها في حركة الرسالة، فيسقط الحاجز بين روح الفرد وروح الجماعة.

{قَانِتاً لِلَّهِ} يعيش الطاعة لله، والعبادة له كطبيعةٍ ذاتيةٍ تملك الدوام والاستمرار {حَنِيفاً} مائلاً عن خط التطرف إلى دائرة الاعتدال في الإخلاص للخط المستقيم الذي يمثله التوحيد.

{وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بل عاش التوحيد في روحه وفكره ووجدانه، كأفضل ما يكون التوحيد، وأيّ توحيد أصفى وأنقى من الإسلام لله في كل شيء، حتى إذا خُيِّر بين أن يطيع الله في ذبح ولده وبين أن يستسلم لعاطفته في الامتناع عن ذلك، اختار الاستسلام لله على الاستسلام لعاطفته {شَاكِراً لأنْعُمِهِ} في إخلاصه لله في عبوديته، في ما يمثله ذلك من سموّ الشكر وعلوّ شأنه، {اجْتَبَاهُ} أي اختاره واصطفاه لرسالته، لأنه يمثل الشخص الذي تتحرك الرسالة في حياته الداخلية كجزءٍ من ذاته {وَهَدَاهُ إِلَى صِراَطٍ مُّسْتَقِيمٍ} لما منحه من وضوح الرؤية لما حوله، ولما أوحى به إليه من رسالته التي تحدد له الطريق وتخطط له خط السير {وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً} ربما كان المراد بها المعيشة الحسنة، وربما كان المراد بها النبوّة {وَإِنَّهُ فِي الآخرةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} بما اختص به الصالحين في عملهم وفي دعوتهم وجهادهم من درجات عالية في ساحة رضوانه وفي نعيم جنته.

* * *

حنيفية إبراهيم

وامتد تأثير الخط الرسالي الذي انطلق به إبراهيم في رسالته التي أوحى بها الله إليه، حتى أراده الله أن يكون عنواناً للرسالات التي جاءت بعده، حتى جاء دور النبي محمد(ص) {ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، فإذا كانت ملته هي الإخلاص في التوحيد لله ورفض الشركاء له، فإن الله يريد للنبي(ص) أن يتبع هذا النهج في الدعوة، وأن يتحرك مع هذا الخط في الرسالة.

ولعل في التأكيد على صفة الحنيفيّة في شخصه ونفي صفة الإشراك عنه، ما يوحي بأنه يمثل التجسيد للملّة، حتى تحول اسمه إلى صورة حيّة لها {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ}، ففرض عليهم السبت عطلة حرّم فيها العمل، للتشديد عليهم واختبار طاعتهم لله فيه، فمنهم من قبله ومنهم من رفضه، ولم يمتثلوا جميعاً لله في ذلك كما يقتضي الإيمان {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} حول هذه القضايا التي أثارها تشريع السبت، وغيرها من أمور تتصل بالعقيدة والتشريع، مما لم يصلوا فيه إلى نتيجةٍ.. ولكن الله سيحكم بينهم ويفصل بين الحق والباطل، فيعرف كل منهم موقفه ومصيره على أساس ذلك الحكم.

* * *

أسلوب الدعوة في القرآن

{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هيَ أَحْسَنُ} في هذه الآية يظهر الخط العريض لأسلوب الدعوة في القرآن ، والكيفية التي ينبغي بها مواجهة الآخرين وإذا ما كانت تتم عن طريق العنف أو عن طريق اللين والرفق . إن الآية تحدد للأسلوب ثلاثة عناوين ، الحكمة ، والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن ، فكيف نفهمها في حركة الحكمة؟

* * *

كلمة الحكمة ودلالاتها

أما كلمة الحكمة، فقد أخضعها اللغويون ـ على عادتهم ـ لمعانٍ متعددة، لو دققت فيها لرأيتها أشبه بالمصاديق منها بالمفاهيم، وإذا شئنا الوضوح في التعبير، نجد أنها بدلاً من أن تحدد معنى اللفظ، تشير إلى بعض ما يلتقي به وينطبق عليه من الأمور الخارجية وغيرها.

وإذا ما استقرأنا كلمات اللغويين فيها، ماذا نرى؟ نراها تبيّن المعاني التالية: «العدل»، و«الحلم» و «النبوة» و «ما يمنع من الجهل» و «ما يمنع من الفساد» و «كل كلام موافق للحق» و «وضع الشيء في موضعه» و «صواب الأمر وسداده» و «معرفة الأشياء بأفضل العلوم» وغير ذلك.

هذه بعض المعاني التي ذكرت لهذه الكلمة، فهل باستطاعتنا اعتبارها معاني للكلمة؟ لا نحسب الإيجاب سيكون جواباً لهذا التساؤل، بل قد يكون السلب أقرب إلى الواقع في ذلك من دون الانتقاص في ذلك من قيمة اللغويين أو القدح بهم، لأن مهمتهم ليست تشخيص المعاني والمفاهيم الحقيقية للفظ، بل تشخيص موارد الاستعمال فحسب وبيان الصحيح منها من الفاسد.

وإذاً، فلا مانع من أن يضعوا أمام الكلمة عدة مصاديق للمعنى لا تصلح لأن تكون مفهوماً لها، لمجرد أنها استعملت فيها في بعض موارد كلام العرب.

فنحن لا نعتبر هذه المفاهيم التي ذكرها اللغويون معاني للكلمة ـ فيما يبدو لنا ـ لأننا لو رجعنا إلى موارد إطلاقها، لما وجدنا لهذه المعاني أي صدى في نفوسنا وفي أذهاننا عند إطلاقها، فلا نستطيع أن نزعم لأنفسنا عندما نجد كلمة «حكمة» أننا نتمثل معها «العدل» أو «الحلم» أو «العلم» أو «النبوة» وغيرها، أو ندعي أن لفظ «الحكيم» يمثل لنا مفهوم «العادل» أو «الحليم» أو «العالم» أو «النبي» كمفاهيم لهذا اللفظ.

ولكننا ـ في الوقت نفسه ـ لا نمانع من إطلاق هذا اللفظ على هذه الكلمات، لالتقائها جميعاً بالمعنى الواسع للحكمة. فما هو معنى لفظ الحكمة إذاً؟

ما يبدو لنا ـ من ملاحظة موارد استعمالها ـ أن أقرب هذه المفاهيم إلى المفهوم الذي نعنيه من لفظ «الحكمة» هو «وضع الشيء في موضعه» أو «صواب الأمر وسداده»، فإن هذا المفهوم يحضر الذهن لدى سماع هذه الكلمة، ولكننا لن ندّعي أنه هو المعنى نفسه، بل نزعم أنه أقرب شيء إليه وألصق معنى به من بين المعاني التي ذكرت له، ومن هنا نجد أن صفة الحكمة تلتقي في كلامنا بـ «الخبرة» و «المران» و «التجربة»، فنعتبر الإنسان المزوّد بهذه المعاني إنساناً حكيماً، لأن له من تجاربه وخبرته ومرانه ما يساعده على إعطاء الرأي الصائب، ويمنح خطواته وأعماله صفة التركيز وعدم الانحراف والاهتزاز، ويجعلها في محلها ـ كما يقول التعبير الشائع ـ وهو الذي يلتقي بمفهوم «وضع الشيء في موضعه». ويتضح ما قلناه، إذا لاحظنا التعبير المتعارف: «عالج الأمور بحكمة» أو «سار فيه بحكمة»، فإن المفهوم منه هو الطريقة السديدة التي تجعل كل شيءٍ في موضعه. وبذلك يمكننا معرفة وجه إطلاق هذا اللفظ على «الكلام الموافق للحق» باعتباره إرجاعاً للأمر إلى نصابه، ووضعاً للحق في موضعه، أو باعتباره صواباً وسداداً.

على ضوء ذلك، يمكننا إطلاق هذه الصفة على العالم والعادل والحليم والنبيّ، لأن اشتمال الإنسان على المبادىء، وهي العلم والعدل والحلم والنبوّة، تساعده على أن يضع الأشياء في مواضعها، في العلم عندما يبحث ويفكر، وفي الحلم عندما يعفو ويسامح، وفي العدل عندما يقضي ويحكم، وفي النبوّة عندما يدعو ويبلّغ، فهي من مبادىء الحكمة، لا الحكمة نفسها، ذلك لأن الحصول على ملكة وضع الشيء في موضعه ليس أمراً بسيطاً يتعلمه الإنسان ويمارسه، كما يتعلم أيّة صنعة أو حرفةٍ ويمارسها، بل هو أمرٌ معقّدٌ جداً يحتاج إلى معايشة للقضايا والحوادث والأفكار، واطلاعٍ واسعٍ على دقائقها وخصائصها ومداخلها ومخارجها، ومن هنا كان قوله تعالى ـ في الحديث عن الحكمة ـ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً} [البقرة:269]، وكانت الحكمة من المنح الإلهية العظيمة التي امتنّ الله بها على عباده وأنبيائه في حديثه عن داود(ع): {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:251] وعن آل إبراهيم {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:54].. ويلاحظ في الآية الأخيرة مقارنة الحكمة بالكتاب دلالة على أنها ترقى إلى مستوى الكتاب في السموّ والرفعة، كما يلاحظ ذلك في كثيرٍ من الآيات المتفرقة.

وخلاصة القول: أن كلمة الحكمة تشير إلى مفهوم «وضع الشيء في موضعه» أو «صواب الأمر وسداده»، إلا أن مبادئها تختلف، كما أن مجالاتها تتعدد.

* * *

المراد من الدعوة بالحكمة في القرآن الكريم

ذلك ما نفهمه من لفظ الحكمة في اللغة حين نطلقها في كل مجال، فما الذي يريده القرآن منها هنا، حين ينصح أو يأمر بأن تكون الدعوة بالحكمة؟

هل الحكمة هنا محتوى للدعوة أو مضمون، أم هي أسلوبٌ وطريقة؟

حاول بعض المفسرين أن يجعل الحكمة مضموناً للدعوة ومحتوىً لها، لا أسلوباً من أساليبها، فقد ذكر الشيخ الطوسي(ره)، في تفسيره «التبيان» أن الحكمة هي «أن يدعوهم إلى أفعالهم الحسنة التي لها مدخلٌ في استحقاق المدح والثواب عليها، لأن القبائح يزجر عنها ولا يدعو إليها والمباح لا يدعو إلى فعله لأنه عبث، وإنما يدعو إلى ما هو واجب أو ندب، لأنه يستحق بفعله المدح والثواب».

وفي «مجمع البيان» للشيخ الطبرسي: «أي بالقرآن.. وسمي القرآن حكمة لأنه يتضمن الأمر بالحسن والنهي عن القبيح»[2].

وفي «الكشاف» للزمخشري: الحكمة هي «المقالة المحكمة الصحيحة وهي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة». ثم قال: «ويجوز أن يريد القرآن أي ادعهم بالكتاب الذي هو حكمة...»[3]. وفي الوجيز: «الحكمة هي الحجج الكاشفة عن دينه».

هذا نموذج من التفاسير التي حاولت أن تجعل من الحكمة مضموناً للدعوة، ومتعلقاً لها، فهي تارةً، أمرٌ بالحسن ونهيٌ عن القبيح، وأخرى، الإتيان بالآيات القرآنية في مقام الدعوة، وثالثةً إقامة الأدلة والبراهين على الحق.. ولكن يبدو لنا أنها لا تنسجم مع طبيعة غرض الآية وهدفها الأخير، فهي ليست في مجال التحدث عما يلزم على النبي أن يدعو له فيأمر به أو ينهى عنه، لأن ذلك أمرٌ واضحٌ معلوم للنبي باعتباره نبياً مرسلاً من قِبَل الله سبحانه، برسالةٍ تتضمن أوامر الله ونواهيه وتعاليمه المتعلقة بأمر معاش الناس ومعادهم، كما أن من المعلوم لديه أن القرآن يدخل ضمن نطاق الدعوة باعتباره المعجزة البيانية الخالدة للرسالة الإلهية العظيمة. ولعلنا نلمح في كلمة {إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ} ما يرشدنا إلى ذلك، فإن سبيل الله الذي تجب الدعوة إليه هو الإسلام بكل تعاليمه ومبادئه، والقرآن بما فيه من أحكام وتعاليم.

أما التفسير بالحجج والأدلة والبراهين، فهو غير وارد أيضاً، لأنه ليس أمراً جديداً على الدعوة وعلى النبي(ص)، لأن أساليب القرآن ترتكز على ذلك، كما أن طبيعة الدعوة تعتمد عليه، لأنها انطلقت مع أدلتها وبراهينها منذ اللحظة الأولى.

* * *

فما الذي يراد بها أولاً؟

يبدو لنا ـ من خلال ما قدمناه ـ حول مفهوم الكلمة، أنها تعبيرٌ عن طبيعة أسلوب الدعوة وضرورة اتصافه بالحكمة، وسلوكه طريقها. فكأن الآية محاولةٌ للإرشاد إلى طريقة الدعوة العملية في هداية الناس وإرشادهم وكسب أكبر عددٍ ممكن منهم إلى صف الدين والعقيدة، وللإشارة إلى أن الحقيقة المجرّدة العارية، والواقع البسيط المجرّد، لا يمكن إلقاؤهما إلى الناس دون مقدمات، ودون ملاحظةٍ للظروف ودراسة لجوّ العمل ومجالاته.

وعلى ضوء هذا، فإن المراد بالحكمة ـ كما نفهمه منها ـ هو السير على الطريقة الواقعية للعمل، ونعني بها تلك التي تلاحظ الواقع الخارجي للمجتمع الذي تعيش فيه، وتدرس ظروفه العقلية والفكرية والنفسية والاجتماعية، وتضع كل ذلك في حسابها قبل بداية العمل.

وإذا ربطناها بالدعوة، فسنجد أنها محاولة لتنبيه الدعاة إلى الله، إلى أن لا يكون الأسلوب المتبع لديهم في العمل واحداً من حيث النوع، بل لا بد من أن يختلف حسب اختلاف الواقع الذي تعيشه الدعوة، أو يعيش فيه الدين، فإنه من الواضح أن الدعوة لن تكون فعالة، إذا حاولت أن تساوي بين الجاهل والمثقف في الفكرة التي تُلقى، والأسلوب الذي يُتَّبع، فإن الأدوات التعبيريّة والمخزون الفكري الذي يملكه كلٌّ منهما، يختلف عما يملكه الآخر، وأيضاً، فقد تقتضي بعض المواقف الجو الحماسي والاندفاعي الصرف، بينما يقتضي بعضها الآخر، الجو الهادىء المتزن الذي يتيح للفكر أن ينطلق، وللروح أن تطمئن، وللإنسان أن يفكر بهدوء.

وقد يدفعنا الجو ـ في بعض الحالات ـ إلى عرض الفكرة بكامل تفاصيلها، بينما يدفعنا ـ في حالاتٍ أخرى ـ إلى الاكتفاء بعرض الخطوط الرئيسية فقط، تاركين للمستقبل وضع النقاط على الحروف. ذلك ما نفهمه من الحكمة هنا، والذي قد يلتقي مع كلمة «المرونة» في كثيرٍ من مدلولاتها، لأن المرونة تقتضي عدم انتهاج الداعية أسلوباً واحداً لا يتعدّاه في مجالات العمل، بل تتطلب منه أن يكون مرناً يلاحظ طبيعة الجو، وطبيعة الموقف، وطبيعة الإنسان المخاطّب.

وقد نجد في تعبير علماء البيان عن البلاغة بأنها «مطابقة مقتضى الحال» ما يوضح لنا معنى الحكمة ويقربها إلى أذهاننا لأنه يلتقي بها من أقرب الطرق.

ولا بد لنا ـ في ختام الحديث حول هذه الكلمة ـ من الإشارة إلى أن المرونة التي ذكرناها ومطابقة مقتضى الحال وغيرهما، لا تعني أن نصل إلى استخدام وسائل تتنافى والمبادىء العامة للإسلام الذي يرتكز على قواعد أخلاقية متينة، فإن هذا شرط لا بد منه على كل حال.

* * *

الموعظة الحسنة

ما هو المراد من كلمة «الموعظة الحسنة»؟ إن بعض المفسرين يقولون: إن الوعظ الحسن هو الصرف عن القبيح على وجه الترغيب في تركه والتزهيد في فعله، وفي ذلك تليين القلوب بما يوجب الخشوع. ويقول بعضهم الآخر: إنها التي لا يخفى عليهم أنك تناصحهم بها وتقصد ما ينفعهم بها.

ولعلنا نجد في تفسير الموعظة الحسنة ـ بما ذكر ـ تعبيراً عنها بما ينطبق عليها، وأن هذا المعنى الذي يذكرونه، من جملة مصاديق الموعظة الحسنة، ولكن لا بأس بذلك بعد أن كان المقصود هنا الإشارة إلى المراد القرآني للكلمة لا المفهوم اللغوي المجرد. ولذلك فلا بأس علينا من الجري على هذا التفسير مع التأكيد على التفسير الأخير الذي يعني بوضوح أن الموعظة الحسنة هي طريقة من طرق التبليغ، وأسلوب في الدعوة يحبّبها ولا ينفّر عنها، ويقرّب إليها ولا يبعّد عنها، وييسرها ولا يعسرها، وأخيراً لا آخراً، فهو الأسلوب الذي يشعر المخاطَب أن دور المخاطِب معه دور الرفيق به الناصح له الباحث عما ينفعه ويسعده.

إنها كما قال أحد الكتاب المعاصرين «التي تدخل القلب برفق، وتعمق المشاعر بلطف، لا بالزجر والتأنيب في غير موجب، ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية، فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة ويؤلف القلوب النافرة ويأتي بخير من الزجر والتأنيب». ونزيد على ذلك، أن اللطف والرفق واللين في مقام الدعوة يشعر الإنسان بإنسانيته، ويوحي له ـ بطريقة عفوية ـ أنه أمام دعوة تفيض بالحب والحنان والخير.

* * *

الجدال بالتي هي أحسن

أما الفقرة الثانية وهي قوله تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ} قد نستطيع اعتبارها بمثابة الإرشاد إلى الطرق التي يواجه بها الداعية المسلم رد فعل المخاطَب على الدعوة نفسها.

لقد أخذ القرآن الكريم بعين الاعتبار الكفار وأصحاب العقائد الإسلامية، وعرف أن الداعية سيصطدم بهم، نتيجة اختلاف أفكارهم مع دعوته واتجاه الدعوة لتحطيم معتقداتهم. لقد أخذ القرآن الكريم كل ذلك بعين الاعتبار، وهو يعلم ما سينتهي إليه الداعية ـ لو ترك وطبيعته ـ في هذه الأجواء من ميل للثأر لعقيدته، حيث لا يمكن أن تربح الدعوة إلا مزيداً من المشاكل ومزيداً من عوامل الإثارة العاطفية التي هي في غنى عنها.

لذا توجه القرآن إلى هذه الناحية، وحاول أن يروّض نفس الداعية ويوسِّع آفاقه، فيخرجه من نطاق ذاته إلى نطاق الحقيقة الواسع ويبعد عنه الكبرياء الكاذبة التي تعتريه عندما تهاجم ذاته، ليأخذ بيده إلى التسامح ومراعاة ظروف الآخرين وملاحظة واقعهم النفسي والعقلي.

وهو يحاول أن يلقي في روح الداعية تقبل مهاجمة دعوته من قبل خصومها كأمر طبيعي جداً ينبغي تقبله كما الأمور الطبيعية التي نعيشها في حياتنا، وأن من وظيفته ـ كداعية ـ أن يكسب هؤلاء الخصوم إلى صف الدعوة، ويقربهم إلى عقيدتها، ويربح فكرهم وإيمانهم، لا أن يحطمهم ويقتلهم ويغلبهم، فليست مهمة الداعية هي مهمة من ينشد الغلبة على خصمه لإشباع نزوعه إلى التفوق وإحساسه بالعظمة، بل هي مهمة الإنسان الذي يمارس إنسانيته بإعانة خصمه على التحرر من رواسب كفره، والأخذ بيده نحو هذا السبيل، ليصبح صديقاً له ورفيقاً في رحلة الدعوة إلى الله.

وبهذا كان الجدل بالتي هي أحسن هو الطريقة المثلى للوصول إلى ذلك الهدف وبلوغ تلكم الغاية، فإننا نلاحظ أن طرق الجدل التي تعتمد التماس نقاط ضعف الآخر واستغلالها في توجيه الضربات المتلاحقة إليه، بأسلوب عنيف لا يحترم ذات الآخر وفكره، لا تملك أن تقدم للعقيدة ـ أية عقيدة كانت ـ مؤمناً يعيش الإيمان بروحه وعقله، وذلك لأن هذه الطرق تطعن كبرياء الإنسان وكرامته في الصميم وتوحي له بأنه يقف موقف المغلوب في فكره وعقيدته، وموقف المهزوم في ميدان الصراع الذي يشعر بأنه لا يستطيع ربح المعركة ولكنه لا يعتقد بأن الحق في جانب خصمه، ومن الطبيعي جداً أن يتغلب كبرياء الإنسان وعناده في كثير من الأحيان، على رغبته في الوصول إلى الحق، وهنا لا يمكن للموقف أن يقدم لنا سوى مزيد من المناقشات اللفظية والهامشية التي لا تقدم ولا تؤخر شيئاً في الموضوع.

من هنا، وبوحي من شعورنا بعقم الطريقة السابقة، نجد أنه لا بد من طريقة تشعر المخاطب بأنه رفيق في رحلة الوصول إلى الحق، وأنه محترم في ذاته وتفكيره، حينئذ لا تقف الكبرياء عقبة في الطريق، لأن الإنسان لا يشعر في هذا الجو بالاضطهاد، وإنما يشعر ـ بدلاً من ذلك ـ بالعزة والكرامة، لأنه على طريق كشف الحقيقة والوصول إلى سبيل أفضل، دون أن يكون في البين مهزوم ومنتصر أو غالب ومغلوب، وإنما هو الهدف المشترك والسبيل الواحد.

* * *

اختيار الأحسن شعار المسلم في الحياة

والدعوة إلى سلوك الطريق الأحسن في مقام الجدل والصراع الفكري، ليست بدعاً في القرآن، وليست دعوة تقتصر على هذا المجال، بل هي دعوة قرآنية تخاطب كل مجال من مجالات الصراع في الحياة وتتصل بكل علاقة من علاقات الإنسان بأخيه الإنسان. إنها دعوة الله إلى الإنسان في قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]. {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنـزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِيناً} [الإسراء:53]. {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} [النساء:86]. {وَاتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ} [الزمر: 55].

هذه الدعوة الصافية التي توحي إلى الإنسان أن مهمته في الحياة هي أن يثير في الإنسانية عوامل الخير ويلتقي بها في عملية استثارة واستثمار، بدلاً من إثارة عوامل الشر التي تهدّم ولا تبني وتضر ولا تنفع، وتدفعه ـ في الوقت نفسه ـ إلى أن يجعل «اختيار الأحسن» في كل شيء وفي كل جانب من حياته، شعاره الذي يرفع في كل مكان وزمان.

وعلى ضوء هذا، نجد أن سلوك الأسلوب الأحسن في مجالات الدعوة، هو جزء من الأسلوب العام للسلوك الإنساني الذي شرعه الإسلام في الحياة الاجتماعية.

* * *

منهاج الدعوة العام

وفي نهاية المطاف، نجد أن باستطاعتنا مع هذه الآية الكريمة أن نضع أيدينا على دستور الدعوة وأسلوبها الذي شرّعه الله في القرآن ورسمه للنبي الكريم(ص) وللدعاة من بعده، فهو الأسلوب الذي يحاول أن يبني عقيدةً، ويخطط تفكيراً، ويربح إيمان الإنسان وعقله.

وهو ـ إلى جانب ذلك ـ الأسلوب اليقظ الحذر الذي يملك دقة الملاحظة، وعمق النظر، فيلاحق الحوادث بسرعة، ويعيش الواقع بحذر، ويعالج المشاكل برفقٍ ولين وحكمة.. وأخيراً، لا آخراً، فهو الأسلوب الذي يؤمن بأصالة جانب الخير في نفس الإنسان، وإمكان استثارته ورفع الحجب عنه، وبأنّ على الدعاة إلى الله أن يفسحوا المجال لهذا الجانب في البروز والظهور باتباع الأوضاع الملائمة لذلك.

ومن الطريف ما ذكره بعضهم أن الطرق الثلاث المذكورة في الآية مترتبة حسب ترتب أفهام الناس في استعدادها لقبول الحق؛ فمن الناس «الخواص»، وهم أصحاب النفوس المشرقة القوية الاستعداد لإدراك الحقائق العقلية، والشديدة الانجذاب إلى المبادىء العالية، والكثيرة الألفة بالعلم واليقين، فهؤلاء يُدعون بالحكمة وهي البرهان.

ومنهم «عوامٌّ»، وهم أصحاب نفوس كدرةٍ، واستعدادٍ ضعيفٍ، مع شدّة ألفتهم بالمحسوسات وقوّة تعلّقهم بالرسوم والعادات، قاصرون عن تلقي البراهين من غير أن يكونوا معاندين للحق، وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة.

ومنهم «أصحاب العناد واللجاج» الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، ويكابرون ليطفئوا نور الله بأفواههم، رسخت في نفوسهم الآراء الباطلة، وغلب عليهم تقليد أسلافهم في مذاهبهم الخرافية، لا تنفعهم المواعظ والعبر، ولا تهديهم البراهين، وهؤلاء أُمِر بمجادلتهم بالتي هي أحسن..

ولكن هذا الرأي لا يرتكز على أساسٍ واضح في الآية، فإننا قد نلاحظ تأثر أصحاب العناد واللجاج بالمواعظ وبالأساليب العاطفية، كما قد يتأثر الخواص بذلك، وربما تأثر القسم الثاني، بما يمكن أن يتأثّر به الأول والثالث. فإن النفس الإنسانية قد تخضع في كثير من حالات الضعف للكثير من الأجواء التي قد لا تنسجم مع مستواها الفكري أو العاطفي، فقد نجد مفكراً كبيراً معانداً يؤمن بالإسلام، انطلاقاً من نقطةٍ شعورية مربوطة بالجانب العاطفي من حياته، وقد يتأثر بموقفٍ سياسيّ طارىء يتصل ببعض نوازعه الذاتية، ونحو ذلك، لأن النفس الإنسانية لا تحكمها حالة خاصة محددة.

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وعلى ذلك فهو أعلم بالأساليب التي تهدي الإنسان إلى الحق، وتقوده بعيداً، عن خط الضلال.

* * *

العقاب بالمثل أو الصبر

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وذلك هو خط العدل في الإسلام، فقد جعل الله للمعتدى عليه، في نفسه أو في ماله أو في عرضه، الحق بأن يرد الاعتداء بمثله، فيعاقب المعتدي بمثل ما عاقبه، ولا يزيد عليه في ذلك، في قليل أو في كثير، لأن الزيادة تجاوز عن الحق وظلم. {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} لأن الصبر على الاعتداء، من الموقع الذي يملك فيه ردّ العدوان والمجازاة بالمثل، يمثّل القوّة الروحية التي تعيش التعالي على نوازع التشفي والانتقام الذاتية، وقد يحصل الإنسان بالصبر على الكثير من النتائج الإيجابية على مستوى صون كرامته والحصول على حقه، مما قد لا يحصل عليه مع الرد بالمثل. وقد يفسح المجال لحلّ المشكلة بطريقةٍ أخرى تفتح القلوب على المحبة، وتهيىء الساحة لمواقف اللقاء، وتؤدي ـ في نهاية المطاف ـ إلى التقاء القلوب على الخير والحق والعدل.

{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} في ما تواجهه من مشاكل وتحديات قاسية تحاصرك أوضاعها غير المألوفة، مما يترك في النفس آثاراً سلبية من الأحاسيس والأفكار والمشاعر.

* * *

الحزن على ضلال الكافرين ومكرهم

{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} لأنهم لم يستجيبوا لنداء الحق، فأضاعوا على أنفسهم فرصة السعادة الدنيوية والأخروية، وعرّضوا أنفسهم للهلاك، {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} ويدبرون بأساليبهم الملتوية الخفية التي تكيد لك وللدعوة بمختلف أساليب الكيد، لما يملكونه من إمكانات، فإن الله سيفضح ذلك كله، ويبيّنه لك، ويسهل لك أمر مواجهته، بما يفتح لك من أبواب النصر على أعداء الله، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ} وأخلصوا له القول والعمل، والتزموا بحركة العقيدة في الوجدان، فحوّلوها إلى واقع على مستوى الأعمال والأقوال والمواقف والعلاقات، وخافوا الله في أنفسهم وفي الناس، في السرّ والعلن، وانطلقوا مع التقوى، في خط مستقيم يتحرك في حدود الله، ولا يتجاوزها {وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} في الخط العملي للحياة، الذي يحوّل الحياة إلى إحسانٍ روحيٍّ وعمليٍّ يفتح القلوب على الخير، لما يصنعه من أجواء الخير، وبما يثيره من مشاعر وأحاسيس، ما يدفع بالإنسان إلى الارتفاع عن كثير من نوازع الشر التي تقوده إلى الانحراف والضلال. وتلك هي مهمة التقوى في الواقع الإنساني، من خلال سلوك المؤمن في المجتمع، وتلك هي مهمة الإحسان في تلك الساحة، أن تحقق الانضباط الذي يمنع الزلل، والانفتاح الذي يمنع الانحراف ويزيل التعقيد.

وفقنا الله للسير على خط التقوى والإحسان، ورزقنا الله الصبر على التحديات التي تواجهنا كمسلمين، وكعاملين في خط الدعوة إلى الإسلام، وهدانا إلى صراطه المستقيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ــــــــــــــــــــــــ

(1) مفردات الراغب، ص:19.

(2) الطبرسي، أبو علي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، دار المعرفة، بيروت، ط:1، 1406هـ ـ 1986م، ج:6، ص:605.

(3) تفسير الكشاف، ج:2، ص:435.