من الآية 13 الى الآية 14
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيتـان
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً* اقرأ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} (13ـ14).
* * *
معاني المفردات
{طَائِرَهُ}: أي عمله الذي طار عنه من خير وشر.
{مَنْشُوراً}, نشر الكتاب: بسطه.
{حَسِيباً}: رقيباً.
* * *
مصير الإنسان موكل إليه
ويتحرك المنهج الأقوم حين يؤكّد القرآن على المسؤولية الفردية التي يتحملها الإنسان أمام الله، فهو مسؤولٌ عن عمله، لأن الله قد أودع عناصر المسؤولية في خلقه من خلال ما خلق من العقل والإرادة وأدوات الحس التي يدرك بها الأشياء، وفي وحيه من خلال ما هداه الله إليه في ما يريد له أن يؤمن به من الحق الذي يهدي إليه العقل من خلال الفكر، وما يريد له أن يقوم به من مسؤوليات عملية يدركها بعقله أو سمعه أو بما يعرفه من وحي الله، وبذلك يتحمل المسؤولية من خلال الإرادة التي توحي له بالحركة، وبالوسائل التي يتمكن بواسطتها من الحفاظ على هذه الأمانة.
وقد نجد في هذه المسؤولية نوعاً من أنواع التكريم الإلهي للإنسان، لأنه أوكل إليه أمر تقرير مصيره الدنيوي والأخروي بنفسه، وبذلك كانت إرادة الله أن يدير الكون، ويدير نفسه ـ من خلال نفسه ـ في خط المسؤولية، ما يوحي بالتقييم الكبير لدوره المتحرك الفاعل المسؤول. وهذا ما تريد الآية أن تثيره في وعي الإنسان ووجدانه، في طبيعة علاقة المسؤولية بمصيره وفي الموقف الأخروي الحاسم الذي يواجه فيه النتائج الإيجابية أو السلبية بنفسه، فيحكم لنفسه أو عليها، من موقع التقرير الدقيق الذي يسجل كل الأشياء الصغيرة والكبيرة من قوله وفعله، ليقرأه بكل وضوح وإذعان.
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}، والطائر هو التعبير الكنائي عن المصير الشقي، أو المصير السعيد، تبعاً لما كان يتشاءم به الناس أو يتفاءلون به من أنواع الطيور التي يعتبرونها طيور نحس أو طيور سعد، فكأن الله يريد أن يوحي للإنسان بأن مصيره لا يأتيه من خارج ذاته ولا هو مرتبطٌ بالحظ الذي يحمل له السعادة أو الشقاء دون أن يكون له دخل في ذلك، بل هو متصلٌ بحركة وجوده من خلال عمله، وبذلك فإنه معلّقٌ في عنقه، وهذا ما يوحي به التعبير من معنى المسؤولية اللازم له، باعتبار أن العنق لا يفارق الإنسان ما دام حياً بخلاف الأعضاء الأخرى.
* * *
الكتاب المنشور
{وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ كِتَابًا يَلْقَـهُ مَنْشُوراً } فقد أحصى الله عليه كل ما فكر فيه أو قاله أو عمله من أمور الحق والباطل والخير والشرّ، من خلال علمه الذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة، ومن خلال ملائكته الحفظة، وأودع ذلك كله في كتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها، وسيقدَّم له هذا الكتاب منشوراً لا يحتاج في قراءته إلى أيّ جهدٍ من تقليب الصفحات، وسيطلب منه أن يقرأه، ليسترجع ـ من خلاله ـ كل ذكرياته، في كل مفردات حياته في الدنيا.
{اقْرَأْ كَتَابَكَ}... وستتأكد وتشاهد في ما يفتحه أمامك من آفاق الماضي السحيق كل صفحات حياتك، وستعرف ـ بعد ذلك ـ كيف تحاسب نفسك وكيف تحاكمها لتصدر الحكم لها أو عليها. لذلك لن تحتاج إلى حسيب أو حاكم، فأنت الحسيب وأنت الحاكم وأنت المحكوم، لأن المسألة قد بلغت من الوضوح حداً لا تحتاج فيه إلى شهودٍ، ولا تتجمد فيه أمام شبهة أو إشكال. {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} فانظر كيف تواجه الموقف غداً، من خلال ما تتحرك به اليوم من أعمال الخير أو الشر، أو مواقف الحق أو الباطل.
تفسير القرآن