تفسير القرآن
الإسراء / الآية 37

 الآية 37

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــة

{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} (37).

* * *

معاني المفردات

{مَرَحًا}: كِبَراً.

{تَخْرِقَ} تشق.

* * *

الموعظة تكون بالكلمة والقدوة

وهذه لفتةٌ أخلاقيةٌ تقدم للإنسان المسلم نموذجاً من السلوك الأخلاقي الأمثل في السير بين الناس، وتوحي إليه بضرورة تجسيد التواضع في مشيه كما يجسده في سلوكه العملي، على مستوى العلاقات العامة والخاصة في الحياة الاجتماعية، لأن الله يريد للقيم الروحية في الداخل أن تبرز في الجانب الشكلي والمظهر الخارجي للإنسان، حتى يتحول إلى أخلاقٍ حيّةٍ متجسِّدةٍ تتحرك بين الناس، فيرى الناس فيه الموعظة في القدوة، كما يرون فيه الموعظة بالكلمة.

وقد تحدثت الآية عن ذلك من خلال إبراز الجانب السلبي المضاد، الذي يوحي بالجانب الإيجابي المنسجم مع الخط الإسلامي المستقيم.

* * *

الله يسخر من المتكبرين

{وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا} وهي مشية الخيلاء والزهو والتكبُّر والعظمة، المملوءة بالفرح الداخلي المتحرك من مواقع الأنانية، النابضة بالإحساس المَرضيّ باحتقار الآخرين. ولماذا تمشي هذه المشية الاستكبارية التي تدقّ فيها الأرض بقدميك بقوّةٍ، حتى تكاد تسمع صراخ الأرض من تحتهما، وترفع رأسك وعنقك وكتفيك في وقفة استعلاء، كما لو كنت تريد أن تزيد في طولك مقداراً يعلو عن طولك الطبيعي؟ هل تريد أن تخرق الأرض فتنزل إلى أعماقها، أو تريد أن تبلغ الجبال في طولك؟ إن الأرض ستبقى في صلابتها التي لن تتأثر بضربات قدميك، وحجمك سيظل في ارتفاعه الطبيعي دون أن يزيد بوصةً واحدةً، فلماذا تجهد نفسك وترهق قوتك بهذا العناء، هل لتوحي للآخرين بأنك عظيمٌ وكبيرٌ في ذاتك، كما أنت كبيرٌ وعظيمٌ في طريقة سيرك؟ أيّها الإنسان كن واقعياً وتواضع، فإنك لن ترتفع إلا بعلمك وإيمانك وأخلاقك واحترامك للآخرين، وخذ حجمك الطبيعي وتحرّك من خلاله. {إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} إنها الكلمات الإلهية اللاذعة المليئة بالسخرية والاحتقار لهذا الإنسان، الذي يريد أن يرتفع من مواقع السقوط، ويكبر من مواقع الصغار.