من الآية 49 الى الآية 52
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات
{وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفاتاً أئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً* قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً* أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا* يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} (49ـ52).
* * *
معاني المفردات
{وَرُفَاتاً}: الرّفات: ما تكسّر وبلى من كلّ شيء.
{فَطَرَكُمْ}: خلقكم.
{فَسَيُنْغِضُونَ}: يحرّكون رؤوسهم بارتفاع وانخفاض استهزاءً.
* * *
المنطق الساذج
كيف يفكر هؤلاء؟ هل لديهم أفكارٌ عميقةٌ تواجه العقيدة بالبراهين المضادّة؟ وهل يعيشون مسؤولية الفكر، بعمق النظرة إلى القضايا، ووضوح الرؤية إلى الأشياء؟
ليس هناك إلا مواجهة الحقائق، بأنها لا تنسجم مع المألوف الذي عاشوه في حواسّهم وتجاربهم. وماذا لدى الألفة من حجةٍ تواجه بها العقل القاطع في الفكر الذي يمثله؟!
{وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} وهذا هو المنطق الساذج الذي يخاطبون به عقيدة الآخرة في موقف رافض،ٍ فتقادم الزمن بعد الموت يحوّل الجسد إلى عظام ورفاتٍ جامدٍ لا أثر فيه للحياة، فلا نبضة ولا حركة، فكيف يمكن أن تدب الحياة فيه، لينبض من جديد ويتحرك؟! إن هذا لشيءٌ عجيب يشبه الخرافة، فكيف يتحوّل إلى عقيدةٍ أو إيمانٍ؟ ولكن المنطق القرآني يثير المسألة بأسلوب التحدي الذي يصعد المسألة: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} في ما يتميزان به من الصلابة والشدّة والخلوّ عن كل أثرٍ للحياة، {أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} مما تشاهدونه أو تسمعون به. كونوا كما تشاؤون أن تتصوروا أنفسكم فيه، وتبدّلوا في أية صورةٍ من الصور، فليست المشكلة كامنة في طبيعة الشكل الذي تتمثل فيه الحياة أولاً، ثم تموت، لتعود من جديدٍ في عملية البعث الأخروي، بل هي مشكلة القدرة التي تملك سرّ الحياة في البداية، وفي النهاية، {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا} في سؤالٍ ساذجٍ يتحرك في حجم اللحظة، لا في عمق الفكرة. وتلك هي مشكلة الكثيرين ممن يتحرّكون في العقيدة، بعيداً عن الأسس الفكرية التي ترتكز عليها في محاكمةٍ واعيةٍ عميقةٍ للشبهات التي تحيط بالمسألة، واستنتاجٍ دقيقٍ للمضمون.
* * *
الخالق هو المعيد
{قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهو الله الذي تعتقدون أنه خلقكم من العدم بعد أن لم تكونوا شيئاً مذكوراً، لأنه يملك القدرة على أن يعطي الحياة سرّها، فهو القادر على أن يعيدها من جديد، إذ إنّ عملية الإعادة أكثر سهولة من عملية الخلق في الابتداء. {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ} ويحركونها ـ في حالة تعجب ـ وينحنون أمامك انحناءة العاجز عن ردّ الحجة بمثلها لأنهم لا يملكون ذلك، فيبادرون إلى الهروب من الجواب، إلى توجيه سؤالٍ آخر يستبعد المسألة في حساب الزمان، وقد يكون في موقع الساخر منها.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ} فها هي الحياة تتقدم، والأموات يتكاثرون ويزدادون ويتحولون إلى عظامٍ ورفاتٍ، ولا نجد أحداً منهم يعود من جديدٍ إلى الحياة، بالرغم من تقادم الزمن عليه {قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} فهو سرّ الله الذي اختص به، ولم يعرّفه لأحدٍ من عباده حتى لأقرب رسله إليه، ولكنه سيأتي، لأن الله الصادق في وعده قد أخبرنا به، والعقل القاطع قد حكم بإمكانه... فانتظروه في إيمان الواثق بحصوله، فقد يأتيكم قريباً من حيث لا تشعرون ولا تعلمون. {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} الذي يتحرك من موقع قدرته ورحمته ونعمته، التي يشعر فيها الإنسان بكل صفات الحمد المتمثلة في ذاته المقدسة، وتشعرون بحركة الحياة، وهي تهتز وتضج قليلاً من الزمن، وستواجهون الحقيقة هناك، في ساحة المسؤولية، بعيداً عن كل جدلٍ، ففكروا الآن كيف تواجهون المسألة من هذا الموقع.
تفسير القرآن