من الآية 56 الى الآية 59
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات
{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً* أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا* وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا* وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآياتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} (56ـ59).
* * *
معاني المفردات
{الْوَسِيلَةَ}: طريق التّقربّ إلى الله.
{مَحْذُورًا}: من الحذر، وهو الخوف، أي يحذره العاقل ويحترس منه.
{مَسْطُورًا}: مكتوباً.
{النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}: أي دلالة واضحة عند من يبصرها.
{فَظَلَمُواْ بِهَا}: فكفروا بها.
* * *
وهم الشرك
وتبقى مسألة التوحيد هي الأساس الثابت، الذي يخاطب الله به عباده ويدعو نبيّه ليحاورهم فيه، فيواجه الأفكار الوهمية التي تدعم الشرك، ويقتحم المشاعر الخفية التي تحتضنه، لأن هذه المسألة تشكّل الخط العام للحياة الذي تلتقي به كل الخطوط التفصيلية التي يريد الله للناس أن يتحركوا فيها.
{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ} من هؤلاء الذين تعبدونهم بمختلف وسائل العبادة وأشكالها، وتعمقوا في دراسة خصائصهم الذاتية وطبيعة قدراتهم، ولا تواجهوا المسألة معهم من موقع الألفة التي تحجب عن الإنسان الطبيعة المظلمة للأشياء، أو من موقع التقليد الذي يستغرق الإنسان معه بالمقدّسات الموروثة بعيداً عن أي تفكير أو نقد موضوعي للأشياء... وبادروا بدراسة حاجاتكم الملحّة المعقّدة وما أنتم فيه من مشاكل وآلام وأوضاع صعبة، وقدموها إليهم فستلتقون بالحقيقة الصارخة: {فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ} وإزالته {وَلاَ تَحْوِيلاً} عنهم إلى غيرهم. لأنهم لا يملكون قدرةً ذاتيةً من خلال العناصر الخاصة التي يتألف منها كيانهم المحدود، بل لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً.
* * *
إشكالات أمام النقاش
والظاهر أن الآية ليست بصدد الحديث عن دعائهم، ليروا هل يستجيبون أو لا يستجيبون لهم؟ ليلتقوا بالجانب السلبيّ من ذلك، فيعرفوا بأنهم ليسوا في مستوى الألوهية الذي يجعلهم شركاء لله ـ سبحانه ـ ليثير البعض في ذلك إشكالاً، وهو أن الناس قد يسألون الله فلا يستجيب لهم، لأنه لا مصلحة لهم في ذلك، أو لأن هناك مفسدة، أو لأن هناك بعض الموانع التي تمنع من تنفيذ ذلك.. فكيف يمكن أن يكون ذلك دليلاً على نفي ألوهيتهم؟؟
وقد أجاب البعض عن ذلك، بأن «الله سبحانه إذا انقطع العبد عن كل شيء، ودعاه عن قلب فارغ سليم، يستجيب له، وأن غيره إذا انقطع داعيه عن الله وسأله مخلصاً، فإنه لا يملك الاستجابة.
ويتابع الجواب فيقول: وعلى هذا، فلا محل للمعارضة من قبل المشركين، فإنهم لا يستجاب لهم إذا دعوا آلهتهم، وهم، أنفسهم، يرون أنهم إذا مسهم الضر في البحر، وانقطعوا إلى الله، وسألوه النجاة، نجّاهم إلى البر، وهم معترفون بذلك. ولئن دعاه المسلمون على هذا النمط عن جدٍّ في الدعاء وانقطاع إليه، كان حالهم في البر حال غيرهم وهم في البحر، ولم يخيّبوا ولا ردّوا.
ولم يقابل الله سبحانه في كلامه بين دعائهم لآلهتهم ودعاء المسلمين لإلههم، حتى يعارض باشتراك الدعاءين في الرد وعدم الاستجابة، وإنما قابل بين دعاء المشركين لالهتهم وبين دعائهم أنفسهم له ـ سبحانه ـ في البحر عند انقطاع الأسباب وضلال كل مدعوٍّ من دون الله»[1].
إننا نلاحظ على ذلك، أن الآية واردة على سبيل الكناية، لإظهار عجزهم الذاتي عن الاستجابة لهم، لا للحديث عن نفي الفعلية في الزمن المعيّن، فلا مجال لورود الإشكال من الأساس.
وأما القول بأن الله يستجيب للإنسان إذا انقطع إليه، فهو غير دقيق، لأن عدم الاستجابة لا ينحصر بصورة فقدان التوجه القلبي والروحي إلى الله، بل قد يكون من جهة عدم المصلحة فيه للداعي، أو لوجود المانع من جهته، أو من جهة النظام الكوني للحياة.
وقد حاول بعضهم أن يثير أمام هذه الآية إشكالاً آخر، وهو أن الظاهر من الآية، أن المقصود بهؤلاء هم الجن والإنس والملائكة ونحوهم من المخلوقات الواعية العاقلة، بقرينة الآية الثانية الآتية. وفي هذا المجال لا يمكن نفي قدرتهم مطلقاً، لأن لهم قدرةً خاصة، ولو بمعونة قدرة الله ـ كما يعتقد هؤلاء القائلون بألوهيتهم ـ فكيف يمكن نفي القدرة مطلقاً؟ وبذلك قال بأن الظاهر هو نفي القدرة المستقلة.
ولكننا نلاحظ على ذلك، بأن المسألة ترتكز على إلغاء قدرتهم الخاصة، الخاضعة في وجودها لله، المتحركة بإرادتهم، والإيحاء بأنها لا تملك أن تقدم إليهم شيئاً، إذا لم يأذن الله بذلك بطريقة غيبيّة، لأن ما يملكونه من القوّة لا يقوم به لو أرادوا ذلك، لأن الأمر من اختصاص القوة الإلهية التي لم يعطها لأحدٍ من عباده بطريقةٍ ذاتيةٍ مستقلةٍ.
* * *
حاجة الآلهة تطردها عن موقع الشريك
{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} من هؤلاء الآلهة، لا يشعرون أمام الله بأيّ استقلال ذاتي، بل يحسون بالحاجة المطلقة إليه، لاعتقادهم بالغنى المطلق له، ولذا فهم يحاولون الوصول إليه وإلى رحمته بأيّ طريق، وفي عملية بحث دائم، ويبتغون إليه الوسيلة التي تقربهم إليه ليمارسوها، وليحصلوا عليها، وليتسابقوا في ذلك كله، ليروا {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} من خلال طبيعة وسيلته التي تتميز عن الوسيلة الأخرى لغيره.
والظاهر أن المراد من الوسيلة، هي العمل الصالح الذي أراده الله سبيلاً للقرب منه، لا الأشخاص الذين يتخذهم الناس وسائل للوصول إلى الله. ولعل هذا هو المراد من قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:35]، وذلك من خلال ما تعبر عنه الكلمة من الطريق أو الأداة التي يتقرب بها الناس إلى الله، ويصلون ـ من خلالها ـ إليه بشكلٍ مباشر.
{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} في لهفة المترقِّب الذي ينتظر هطول الرحمة عليه بالمغفرة والرضوان، {وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} في شعور الإنسان المذنب الذي يعرف أنه مستحق للعذاب، ولذا فإنه يخاف عذاب الله، ويحذر من وقوعه. {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} يحذر منه الناس، لما له من شدّةٍ في طبيعته ونتيجته.
وعلى ضوء هذا، فإن معنى الآية هو، كيف يمكن أن يدّعي هؤلاء الناس ألوهية هذه المخلوقات، واعتبارها شريكةً لله سبحانه، مع أنها لا تشعر بالاستقلال الذاتي في طبيعتها، بل هي ـ على العكس من ذلك ـ تشعر بالحاجة المطلقة إليه، ما يدفعها إلى تلمّس كل الوسائل التي تقربها إليه، لتدرس أيّها أقرب إليها لتسلكها، فيعرف أفرادها {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} ليحس بالأمن والطمأنينة والنجاة من النار... وترجو رحمة الله وتخاف عذابه، فهي في قلقٍ دائمٍ من ذلك كله، فكيف يمكن أن تكون في موقع الشريك لله ـ سبحانه ـ ؟!
* * *
كتاب التكوين وسنن الحياة
{وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} بالموت أو بغيره من الأسباب المهلكة، كالزلزال والطوفان والإحراق {أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} بالجوع والخوف ونقصٍ من الأموال والثمرات، وذلك ما تؤدي إليه الأعمال التي يقوم بها المترفون والمستكبرون ويتبعهم عليها المستضعفون، لأن سنة الله في خلقه قد جرت على ربط النتائج بمقدماتها، والمسببات بأسبابها. {كَانَ ذلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} في ما قدره الله، في علمه، في كتاب التكوين الذي أخضع الحياة كلها لقوانين وضوابط وأوضاعٍ تتحرك من خلالها للوصول إلى النظام الكوني، الذي أراده الله خطّاً عملياً وتكوينيّاً للموجودات العاقلة المتحركة بالإرادة، وجعله خطاً تكوينياً للموجودات الجامدة أو النامية غير العاقلة. وقد تحدث بعض المفسرين عن احتمال أن يكون المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، الذي ذكر فيه كل شيء بكيفياته وأسبابه الموجبة له ووقته المضروب له، واستشكل العموم بأنه يقتضي عدم تناهي الأبعاد. وقد قامت البراهين النقلية والعقلية على خلاف ذلك، فلا بد من أن يقال بالتخصيص بأن يحمل الشيء على ما يتعلق بهذه النشأة.
ولكن هذا الوجه غير ظاهر من اللفظ القرآني، بل الأقرب هو كتاب التكوين في قوانينه العامّة أو إرادة ما ذكرناه من علم الله، الذي قد يستعار له لفظ الكتاب الذي يسطر فيه العلم، ولو أريد منه ذلك، فلا مشكلة من جهة عدم التناهي، لأن من الممكن أن تكون الأمور مندرجةً تحت عناوين عامّة وضوابط محدودة تحتوي جميع التفاصيل، والله العالم.
* * *
الموقف من طلب المشركين للمعاجز
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآياتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ} ظاهر هذه الفقرة من الآية، أن الله ـ سبحانه ـ كان يرسل الأنبياء بالآيات المعجزة التي تخرق المألوف، في ما يقترحه الناس عليهم، أو ما لا يقترحونه، ولكن تلك الأمم السابقة كذّبت بهذه الآيات، ما جعلها لا تؤدي المهمّة التي أرادها الله من تخويف الناس والضغط عليهم لمصلحة الإيمان به وبرسله، وذلك لما تثيره في نفوسهم من الأجواء الروحية التي تدفعهم إلى الاهتمام والتفكير بالمسألة الإيمانية من موقعٍ ثابتٍ، الأمر الذي أدى إلى أن يرسل الله نبيّه محمداً (ص) بالقرآن، الذي يخاطب في الإنسان عقله وفكره ووجدانه، ليفهم طبيعة الإيمان ويقتنع بها، من خلال التفكير الذي يتلمس الأسلوب والمضمون، في ما يكتشفه من الإعجاز القرآني، ومن الحقائق الإسلامية الرسالية، ولهذا لم يستجب لمقترحات قريش على النبي (ص) من تفجير الصخور إلى ينابيع، ومن تحويل الصحراء إلى جنات، ومن الصعود إلى السماء، ومن إنزال الكتاب السماوي بطريقةٍ خارقةٍ للعادة، لأن ذلك لن يحقق أيّة نتيجةٍ، ما داموا لا يملكون إرادة الإيمان التي تدفعهم إلى دراسة الوسائل الفكرية والعملية الموصلة إليه، ولهذا فإنهم يواجهون المسألة من خلال أسلوبين في الرفض، فإذا استجاب النبي لهم، فإنهم سيعتبرون ذلك سحراً، وإذا لم يستجب لهم، فإنهم سيرون في ذلك دليلاً على عجزه وابتعاده عن مقام النبوّة.
ولكن، إذا كانت الآيات مرادفةً للتكذيب من قبل الكافرين، فإن معنى ذلك أنها عديمة الفائدة، فكيف أرسلها الله عليهم ولم يمنعها عنهم، كما منعها في نهاية المطاف، لأن ما يكون سبباً للمنع لاحقاً، لا بد من أن يكون كذلك في السابق، لأن المحذور مشترك بين الزمانين أو الحالتين.
وقد أجاب البعض عن هذا الإشكال بأن التكذيب مساوقٌ للتعذيب في إرادة الله، كما قرره في بعض آياته، وذلك في حالات إنزال الآيات المقترحة من قبلهم، وهذا ما لا مجال له في زمن النبي(ص)، لأن الله قد رفع العذاب عنهم بسبب وجود النبي (ص) فيهم، وبسبب استغفارهم كما جاء في الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] فلو أنَّ النبي استجاب لمقترحاتهم لكذبوه، ولكان ذلك موجباً لنزول العذاب عليهم، مما لا يتناسب مع هذه السنة الإلهية الجديدة في أمر الواقع الإسلامي.
وقد ورد التأكيد على هذا الوجه في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد الباقر(ع) في تفسير الآية، قال: وذلك أن محمداً (ص) سأل قومه أن يأتيهم، فنزل جبرائيل فقال: إن الله عز وجل يقول: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالاَْيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} وكنا إذا أرسلنا إلى قريش آيةً فلم يؤمنوا بها أهلكناهم، فلذلك أخرنا عن قومك الآيات[2].
ولكن هذه الرواية لا تخلو من مناقشة ـ بحسب ظاهرها ـ لأنها تعتبر أن الآية هي رسول الله، كما تتحدث عن أحداث سابقة في تاريخ قريش، متضمنة للتكذيب وللإهلاك. وهذا مما لا نعهده فيهم، لأن الله لم يرسل إليهم رسولاً قبل النبي محمد(ص).
وقد ورد في الدر المنثور، أخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم، وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة، عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي (ص) أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون، فقيل له: إن شئت أن نتأنّى بهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم. قال: لا، بل أستأني بهم. فأنزل الله: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآياتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ}[3].
* * *
النبوّة الخاتمة تفرض آية مختلفة
وهناك توجيهٌ آخر، ربّما لا يكون بعيداً عن جو الآية، وهو أن نبوّة النبي (ص) هي النبوّة الأخيرة في تاريخ الإنسان، فهي خاتمة النبوات، كما أن محمداً (ص) هو خاتم الأنبياء. وهذا ما يفرض أن لا تكون الآيات هي الأساس الذي يرتكز عليه التحدّي وينطلق منه الإيمان، لأن ذلك مما يذهب بذهاب الآية التي تتضمن عنصراً مؤقتاً محدوداً، الأمر الذي يؤدّي إلى لغويّة إرسال الآية وعبثيّته، لأن الساحة لا تملك آيةً جديدةً تعمل من أجل تجربة جديدة للإيمان، بينما كانت الخطة تفرض الاستمرار للعنصر الحيّ الذي يغذي الساحة بالإيمان في كل مرحلة وجيل، مهما كفر الكافرون وكذب المكذبون، كما هو الحال في القرآن الذي يلتقي مع الخط الفكري القائم على العقل والوجدان في هداية الناس إلى الله ـ سبحانه ـ في كل خطوط الإيمان المتنوعة في الحياة.
أمّا في الأزمنة السابقة، فإن الآية التي يرسلها الله مع الإنذار بالعذاب تؤدي دوراً معيناً بالنسبة إلى الأمة التي تعيش في ذلك الزمن، كما تؤدي دوراً تحذيرياً بالنسبة إلى الأمم القادمة في مراحل النبوّات المتأخرة.
إننا نستقرب مثل هذا التوجيه في فهم الآية، وربما كان أقرب من التوجيه الذي ذكرناه سابقاً بالنسبة إلى ظهور الآية؛ والله العالم بحقائق آياته.
{وآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا} وهذا نموذج من الآيات التي أرسل الله بها رسوله «صالح»، فكذبوا بها وعقروها، فأنزل الله عليهم العذاب وأخذهم أخذ عزيز مقتدر. ولعل التأكيد على هذه النماذج، «لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم، يبصرها صادرهم وواردهم»، كما جاء في تفسير الكشاف[4].
{وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} وتحذيراً للناس، بعد أن قامت عليهم الحجة بها، فليس لهم عذر في الإنكار أو التمرّد، في ما تدل عليه هذه الآيات من صدق النبي في رسالته، وارتباط الرسالة بالله من خلال الوحي، ولذا فإنها تحمل في داخلها طبيعة الإنذار المستقبلي في حالات الانحراف، سواء على مستوى إثارة الخوف في عذاب الدنيا، أو في عذاب الآخرة.
ــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الميزان، ج:13، ص:126ـ127.
(2) تفسير الميزان، ج:13، ص:145.
(3) السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار الفكر، 1993م ـ 1414هـ، ج:5، ص:306ـ307.
(4) تفسير الكشاف، ج:2، ص:454.
تفسير القرآن