تفسير القرآن
الإسراء / من الآية 76 إلى الآية 77

 من الآية 76 الى الآية 77

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيتـان

{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً* سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} (76ـ77).

* * *

معاني المفردات

{لاَّ يَلْبَثُونَ}: لا يبقون.

{تَحْوِيلاً}: تبديلاً.

* * *

مناسبة النزول

جاء في مجمع البيان: نزلت في أهل مكة، لمّا همّوا بإخراج النبي (ص) من مكّة. عن مجاهد وقتادة، وقيل: نزلت في اليهود بالمدينة، لمّا قدم رسول الله (ص)المدينة، قالوا له: إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء وإنما أرض الشام، فائتِ الشام. عن ابن عباس[1].

* * *

ثبات في مواجهة الضغوط

{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} كان المشركون يقومون بعدة محاولاتٍ للضغط على الرسول (ص)، بشكل مباشر أو غير مباشر، من أجل أن يخرجوه من مكة، ويتخلصوا من حركة الدعوة الإسلامية التي تخرّب كل مخططاتهم، وتفسد عليهم شبابهم، وتهدّم كل امتيازاتهم المتصلة بالجاهلية، ولكن النبي (ص) كان يثبت أمام كل تلك الضغوط، لأن مسألة وجوده في مكة ليست من المسائل المرتبطة بالجانب الذاتي، أو بالحالة الأمنية المحلية العامة، بل كانت مرتبطةً بالدور الذي أراد أن يقوم به في مكة، باعتبارها قاعدةً للانفتاح على كل ما حولها من البلاد، أو كل من يتصل بموقعها في مواسم الحج والشعر والتجارة، فيهيّىء ـ من خلال ذلك ـ القاعدة الجديدة التي ينطلق منها إلى العالم من مواقع القوّة. فذلك ـ وحده ـ هو الذي يمكن أن يمهِّد لإشارة الانطلاق إلى الخروج من مكة. ولهذا، فإننا نعتبر أن الهجرة لم تنطلق من حالة ضغطٍ، وإن رافقتها تلك الحالة، بل انطلقت من طبيعة الخطة التي كانت الهجرة فيها نهاية مرحلةٍ، وبداية مرحلةٍ أخرى.

{وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً} فلا يمكثون بعدك إلا قليلاً في الحياة، لو نجحوا في هذا المخطط الذي يخططون له.

{سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا} الذين كانت تواجههم أممهم بمختلف أساليب الضغط الجسدي والمعنوي، ومحاولة إبعادهم عن أرضهم... فقد كان من سنّة الله في حركة الرسل، أن لا يسمح لهؤلاء الناس الذين قاوموهم بالاستفادة من نتائج ظلمهم، بل إن الله سينزل بهم العذاب الذي يهلكهم في الدنيا، قبل عذاب الآخرة. وهذا ما عبّرت عنه الآية الكريمة: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم:13].

{وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} أو تبديلاً، لأنها تمثل القوانين الكونية والاجتماعية التي جعلها الله أساساً لحركة الحياة في نظامها المتوازن وخطها المستقيم.

ـــــــــــــــــــ

(1) مجمع البيان، ج:6، ص:558.