تفسير القرآن
الإسراء / من الآية 97 إلى الآية 100

 من الآية 97 الى الآية 100

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا* ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا* أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَي الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا* قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا} (97ـ100).

* * *

معاني المفردات

{خَبَتْ}: الخبو: سكون النّار عن الالتهاب.

{قَتُورًا}:القتر: تقليل النفقة، وهو بإزاء الإسراف وكلاهما مذمومان. والقتور المجبول على البخل.

* * *

الهداية والضلال من الله

{وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} وهذا هو الذي فتح قلبه للرسالة، ففكر فيها وواجهها بالجدّية الفكرية التي تعالج الأمور من موقع الفكر المسؤول، ما يجعله موضعاً للطف الإلهي بالتأييد والتسديد والهداية، لأن السنّة الإلهية قد جرت على أساس أن الإنسان إذا سار في طريق الحق، فإن الله ييسِّر له سبل الوصول إليه، ويفتح له الآفاق الرحبة لذلك... وبذلك كانت الهداية من الله، من خلال عناصرها الذاتية في شخصية الإنسان، ومن خلال ما أعده الله من وسائلها، وما أمدّه الله به من ألطافه الروحية والفكرية... {وَمَن يُضْلِلْ}، فيوكلهم إلى أنفسهم، بعد أن اختاروا طريق الضلال، فلم يعطوا الفكر حقّه من التأمل والبحث، بل اتبعوا أهواءهم في ممارسة قضايا العقيدة من دون مسؤولية، فضلّوا عن الطريق وتركهم الله لضلالهم، {فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دونه} أي من دون الله، لأن الله هو الذي يملك القوة، ولا يملكها غيره، وسيواجهون المصير الأسود المحتوم، والصورة البشعة التي يتمثلون بها يوم القيامة، كتجسيد للحالة التي كانوا عليها في الأرض في الامتناع عن استخدام أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم في سبيل المعرفة، ما جعلها غير ذات موضوع في حركة الشخصية في حياتهم، {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا} لأن عيونهم لم تنفتح على مظاهر عظمة الله لتقودهم إلى الإيمان بتوحيده. {وَبُكْمًا} لأن ألسنتهم لم تتحرك للسؤال عن طبيعة القضايا التي أثارتها الرسالات، في ما أثارته من مبادىء وتفاصيل، {وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} لأنهم أغلقوا أسماعهم عن الاستماع إلى آيات الله وكلمات الرسول، فكأنهم لا يملكون ذلك كله.

* * *

جزاء الكافرين

{مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} فذلك جزاء الذين يرفضون الحق بعد قيام الحجة عليهم من الله، وذلك هو مثواهم في عذاب مستمر، {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} فتصاعد اللهب من جديد، وزادهم ذلك احتراقاً على احتراق، وعذاباً على عذاب... {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآياتِنَا} من مواقع التمرد لا من مواقع الشبهة، فلا عذر لهم في ذلك أمام الله. {وَقَالُواْ أَئذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} في منطقٍ لا يرتكز على فكرٍ دقيقٍ، بل يتحرك من موقع الاستبعاد القائم على أساس النظرة السّطحيّة إلى الأشياء، ولو فكروا جيداً، لوصلوا إلى النتيجة الحاسمة التي تفتح عقولهم وأبصارهم على آفاق قدرة الله.

{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضَ} وهم يؤمنون بذلك، ولا يرفضونه، لأن الذين ينكرون المعاد لا ينكرون وجود الله وخلقه للكون، بل كل ما هناك أنهم يستبعدون خلق الإنسان من جديد، فكيف يستبعدون ذلك، ويغفلون عن أن الله الذي خلق هذه المخلوقات العظيمة، التي هي أعظم من خلق الإنسان {قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}، ويحدد لهم نظاماً في مسألة الحياة والموت؟!

وفي هذه الإشارة إيحاءٌ بأن على الإنسان أن يدخل دائماً في عملية مقارنة بين الأشياء، في ما لم يألفه من الأفكار التي لا يجد لها تجسيداً في الواقع، مما يقع في دائرة الغيب، فيحاول أن يدرس أمثاله ممّا هو مألوف له، ليتعرف إمكان ذلك من إمكان هذا، لئلا يحبس أفكاره في دائرة المألوف، فيمنعه ذلك من الإيمان بالحقائق الثابتة عقلياً في دائرة الغيب.

* * *

بخل ذاتيّ معقّد

{وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ} يعيشون الحياة في حدوده، ويبعثون فيه بعد الموت. وتلك هي الحقيقة التي تفرض نفسها على الإنسان من موقع المقارنة بين الأشياء وأمثالها {فَأَبَى الظَّالِمُونَ} الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعناد {إَلاَّ كُفُورًا} ورفضاً للحق الثابت. وتبقى مشكلة هذا الإنسان التي تفرض عليه الضلال، وتقوده إلى الانكماش والاستغراق داخل خصوصياته الذاتية، بعيداً عن رحابة الحياة. وقد يكون من بين مظاهر المشكلة، هذا البخل الذي يمنعه من الانفتاح على الآخرين في مواقع العطاء، فينعكس ذلك على نظرته العامة للحياة وللمسؤولية في حركة الواقع من حوله.

{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} التي تشتمل على نعم لا تعد ولا تحصى ولا تنفد، مهما أنفقتم منها... {إِذًا لأمْسَكْتُمْ} ومنعتم الناس من الاستفادة منها، {خَشْيَةَ الإِنفَاقِ} وذلك لما تتميز به طبيعة البخل الذاتي من الخوف المعقَّد من نتائج الإنفاق على طبيعة المستقبل، في الوقت الذي لا يحمل فيه الواقع أيّ أساس للخوف. {وَكَانَ الإنْسَانُ قَتُورًا} ضيقاً بخيلاً، مبالغاً في الإمساك، فلا ينفتح على خير، ولا يركن إلى أساسٍ من وعي وانفتاح، وقد يدفعه ذلك إلى أن يعيش الإمساك في مجالات الفكر والمعرفة والهدى، فلا يريد أن ينفق على نفسه أو على غيره من العلم الذي بين يديه، فيساهم في إضلال نفسه وإضلال الآخرين.