المقدمة
سورة الكهـف
مكية وهي مائة وعشر آيات
سورة الكهف بين الاسم والمضمون
وهذه سورة مميّزة بما اشتملت عليه من قصص ذات صفة عجائبية، وهي تنسج من ألوان الغيب العديدة ما يجعل القصص محاطةً بغموض حسيٍّ كبيرٍ، كما تحمل من الإيحاءات المتنوعة ما يبرز بوضوحٍ حركة الفكرة التوحيدية، سواء على مستوى العقيدة أو على مستوى الحياة، أو على خط التربية الروحية والعملية للإنسان، في ما يريد الله أن يثيره من خلال النظرة، أو من خلال أحداث القصة.
ولا شك أن قصة أهل الكهف تثير الغرابة في حوادثها، لخروجها عن المألوف، فقصة هؤلاء تمثل عودة الروح والحياة لهؤلاء القوم الذين فرّوا بدينهم من الضلال، واستفاقوا من جديدٍ بقدرة الله بعد زمنٍ طويلٍ، ليكونوا عبرةً لجيلٍ آخر، وآيةً لأجيالٍ أخرى. ولعل تسمية السورة بالكهف تحمل لوناً من ألوان الإثارة للتفكير في أجواء الغيب، ليتأكد للمؤمن ما يريده القرآن من تعميق الإيمان بالغيب في وجدانه الروحي.
وتبقى للسورة حركتها في التأكيد على عقيدة التوحيد القائمة على نفي الولد، ومواجهة التصور المنحرف الذي يريد أن يسبغ خصوصيات البشر على الله، من خلال بعض الانطباعات الساذجة التي تحاول أن تستغرق في استيحاء العظمة لبعض المخلوقات الغامضة، كالجن والملائكة، أو لبعض الأشخاص الذين يحملون في حياتهم بعضاً من خصوصيات المعجزة تبرر بنظرهم وجود ارتباط عضوي في علاقتهم بالله، نتيجة ما يتوهمونه من أسرار الألوهية الكامنة في ذواتهم.
ثم تتحرك اللمسات واللمحات المتنوّعة في حركةٍ إيحائيةٍ وتوجيهٍ مباشرٍ، من أجل أن يكون العمل الصالح هو الوجه البارز للإيمان الكامن في الذات عندما يتحول إلى تجسيدٍ عمليٍّ في صعيد الواقع، انطلاقاً من الخط القرآني الذي لا يحترم الفكرة إلا إذا تحوّلت إلى واقعٍ في حياة الإنسان، ولا يقبل الإيمان إلا إذا اقترن بالعمل الصالح، لأن الجانب الوجداني في الذات لا بد من أن يطلَّ على الجانب الواقعي من الحياة، لئلا تبقى قضية الفكرة أو الإيمان مجرد حالةٍ تجريديةٍ لدى الإنسان، فتترك تأثيرها على الجانب التصوري الذهني بعيداً عن الجانب الحركي في نموّ الحياة وتطوّرها.
ويبقى للأسلوب القرآني في التبشير والإنذار الذي يلامس الروح الإنسانية المتحركة في خطَّي الرغبة والرهبة، دوره في حركة الفكر الذي يواجه المسائل من مواقع المسؤولية والجدية، ويدفع الواقع في اتجاه النتائج الإيجابية أو السلبية المتصلة بالعمل في خط الرسالات.
وتبقى النماذج الإنسانية القوية في مواجهة الواقع الضاغط، وفي انطلاقة الفكر، وفي حركة القدرة، وفي قوة الإرادة... هي الوجوه المتنوّعة التي تطل من السورة في حركة القصص الثلاث، لتوحي للإنسان في كل زمان ومكان بالفكرة التي تحتوي نقاط الضعف الإنساني لتحوّلها إلى حركة في اتجاه إثارة نقاط القوّة، في ما يريد الله أن يثيره منها في حركة الوجدان، وفي ثبات الموقف العملي للإنسان في اتجاه التسامي والتطور والارتفاع.
تفسير القرآن