تفسير القرآن
الكهف / من الآية 19 إلى الآية 22

 من الآية 19 الى الآية 22

بسم الله الرحمن الرحيم

الآيــات

{وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا* إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا* وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُواْ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا* سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِرًا وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً} (19ـ22).

* * *

معاني المفردات

{بِوَرِقِكُمْ}: بدراهمكم المضروبة.

* * *

البعث بعد نوم طويل

{وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ} من نومهم الطويل، الذي لم يشعروا فيه بالزمن الذي بلغ ثلاثة قرون وتسع سنوات، تماماً كما يبعث الله الناس بعد الموت، دون أن يحسوا بطبيعة الأجيال التي تفصل بين يوم البعث وبين ساعة الموت، {لِيَتَسَآءَلُوا} كما يتحرك مثل هذا السؤال في الدار الآخرة بعد البعث. {قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لأنّهم يحسون بالامتلاء بالراحة والاكتفاء من النوم، وهذا ما يوحي إليهم بأن نومهم قد استمر وقتاً يكفي لمنحهم مثل هذه القوّة الجسدية، كما لم يلاحظوا أيّ تغير في أوضاعهم يوحي بمرور الزمن. ولعل من الواضح أن اللام هنا ـ في «ليتساءلوا» ـ ليست للغاية، بل للعاقبة، لأننا لا نفهم أن تكون الغاية من بعثهم هو تساؤلهم، وكذلك ما تقدم في أن بعثهم ليعلم مدة مكثهم في الكهف، فلا تنافي بين الموردين.

{قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} في إحساسٍ خفيٍّ، بأن هناك وضعاً غير عادي في حالتهم، أو في محاولة للابتعاد عن الجدل في ما لا فائدة منه، وكأنهم عاشوا الإحساس بالجوع بشكل ضاغط، لا يمكن لهم أن يتحملوه، إذ رأوا أنه لا بد من خروج بعضهم لشراء الطعام، حتى لو أدّى ذلك إلى التعرُّض للخطر من قِبَل الكفار، فقرَّروا تكليف أحدهم بهذه المهمة وقالوا: {فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـذِهِ} وهي الدراهم المضروبة، التي قيل أنها كانت تحمل صورة الملك الذي كان في زمانهم، وأن اسمه دقيانوس.

{إِلَى الْمَدِينَةِ} وقيل: اسمها طرسوس. {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَى طَعَامًا} ليختار الطعام الشهيّ اللذيذ، {وَلْيَتَلَطَّفْ} أي ليظهر اللطف والرفق مع أهل المدينة في علاقته معهم حتى لا يحصل هناك أيّ خلاف يؤدي إلى انكشاف أمرهم، وبالتالي إلى انكشاف موقعهم {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} في أيّة مناقشة أو سؤالٍ أو دخولٍ في حوارٍ مع الناس، لأن ذلك يجلب لكم المتاعب، ويؤدي بكم إلى مواجهة الأخطار على مستوى قضية الإيمان والحياة.

{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} فإذا تمكنوا من السيطرة عليكم وهم الذين يملكون وسائل القوّة والبطش والسيطرة، {يَرْجُمُوكُمْ} ويقتلوكم بأبشع أدوات القتل ـ وهو الرجم بالحجارة ـ إذا أصررتم على البقاء في خط الإيمان، وامتنعتم عن الخضوع لهم في السير في خط الكفر والضلال الذي يسيرون عليه، {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} إذا استسلمتم لنوازع الضعف الكامنة في نفوسكم، وعدتم إلى عبادة الأصنام التي تحررتم منها بعبادة الله، وتحركتم في خدمة الطغيان الذي رفضتموه وفارقتموه إلى غير رجعة. {وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} لأن هذا النهج الذي يتحركون فيه، ويدعونكم إلى الالتقاء معه، لا يمثل أيّة فرصة للفلاح في الدنيا والآخرة.

* * *

أهل الكهف.. ومبدأ التقية

وقد أثار المفسرون في التعليق على هذه الفقرة من الآية سؤالاً، وهو أن أصحاب الكهف، لو عادوا إلى ملة هؤلاء، فإنهم لا يعودون إليها في الباطن، بل يعودون إليها في الظاهر، كالكثيرين من الذين يستعملون سبيل التقية للفرار من الموت، أو للتخلص من الحرج العظيم. وهذا ما أكده الله في كتابه { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106]، وقوله تعالى: {إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28].

وعلى ضوء ذلك كيف ينفي الفلاح الأبديّ عنهم؟!

والجواب عن ذلك، أن المسألة المطروحة أمامهم، هو الالتزام بالخط الإلهي الذي يؤدي إلى الرجم والهلاك، أو الانحراف عنه وهو الذي يؤدي إلى فقدان الفلاح الأبديّ، باعتبار أن طبيعة الأمر تدور بين هذين الموقفين، ولا خيار غير أحدهما: الهدى أو الضلال. ولم تكن مسألة التقية مطروحةً لديهم كخيارٍ ثالثٍ، كما لم تكن مطروحةً عندهم في البداية.

إنهم يريدون الموازنة بين الموقفين من ناحيةٍ موضوعيةٍ، لا من ناحيةٍ ذاتية؛ والله العالم.

* * *

نموذج حيّ لوعد الله

{وَكَذلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} كيف حدث هذا؟ هل انكشف أمرهم من خلال هذا الشخص الذي أرسلوه إلى المدينة ليأتيهم بالطعام؟ ربما تذكر بعض الروايات، أن أمره انكشف من خلال النقود التي استغربها أهل المدينة، حتى خيل إليهم أنها جزءٌ من كنز اكتشفه هذا الرجل، أو لأن هذا الرجل بدا أمامهم غريباً في ملابسه ولغته، أو لأنه استغرب هذا التغيير فتساءل، فأثار سؤاله الاستغراب، فقالوا له: من أنت، ومن أين جئت؟ فأخبرهم، فاجتمع الناس عليهم بعد أن قادهم إلى موضع الكهف، فأماتهم الله بعد أن سألوه، أو أرجعهم إلى ما كانوا عليه.

وهكذا عرف الناس أمرهم، واستذكروا القصص التي كانوا يسمعونها من آبائهم، {لِيَعْلَمُواْ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا} هذه صورةٌ حيّةٌ عن تجربةٍ قريبةٍ من أجواء فكرة البعث في الآخرة، فقد بقي هؤلاء في حالة موتٍ مجمّدٍ، يحمل بعض ملامح الحياة في حركة الجسد، وبعض ملامح الموت في فقدان الوعي والانفصال عن كل شيء في الواقع، ولكنها لا تمثل حالة الغيبوبة للإنسان الحي، ولا حالة السكون في الجماد. وها هم ينتفضون بعد ثلاثة قرون ونيّف، ليواجهوا الحياة كأقوى ما تكون، وكأعمق ما تتحرك في الكائن الحيّ. إنه النموذج الحيّ الذي يعطي الفكرة معناها الواقعي، ويوحي بصدق الإيمان في العقيدة، فيعلم الناس أن وعد الله، الذي أوحى به لعباده من خلال رسله، هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الساعة التي يقف فيها الناس للحساب أمام الله، هي الحقيقة التي لا تقبل الجدل، لأن الله هو الذي وعد، وهو أصدق الواعدين، وهو الذي أخبر، وهو المحيط بكل شيء، فكيف يشك الإنسان في ذلك أو يرتاب؟! وهذا النموذج يجسِّد الفكرة في الواقع.

{إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} بعد أن ماتوا، وبدأ التفكير في مراسيم التكريم التي يريدون القيام بها تجاه هؤلاء المؤمنين، الذين فروا بدينهم فأكرمهم الله بأن جعلهم مظهراً لقدرته. {فَقَالُواْ ابْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} ليكون مظهراً للعظمة ورمزاً للاحترام، فيكون موقعاً مميّزاً يقصده الناس للزيارة وللفرجة، تماماً كما هي المعالم السياحية للعظماء في الأمة. {رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} في ما يسرّون وما يخفون، فليس لنا منهم إلا هذه الأجواء الاحتفالية التكريمية، في علاقة الناس بالذين يعيشون الأسرار الخفية في الحياة. وهؤلاء هم الذين لا يرتبطون بالمسألة من موقع الاهتمام بها كظاهرة روحيّة غيبيّة في وحيها للمؤمنين بالرجوع إلى الله والاقتداء بهؤلاء المؤمنين، بل يرتبطون بها كحالةٍ اجتماعية مثيرةٍ توحي بالغرابة والعظمة.

* * *

بناء المسجد عليهم للعبرة

{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَى أَمْرِهِمْ} واستطاعوا أن يجعلوا الموقف لصالح قرارهم، وهم الذين عاشوا معنى الإيمان في شخصية هؤلاء، وانفتحوا على القيمة الروحية المتمثلة في تاريخ مواجهتهم للسلطات الكافرة في زمانهم وتحدِّيهم لمفاهيمها، وفرارهم أخيراً بدينهم، حتى لا يفقدوه أمام الضغوط الصعبة... فأرادوا أن يستلهموا ذلك في عملية تذكّر، وفي حالة اعتبار، وفي موقف يقظة، ليعيشوا مع هذه الروح ومع حركة القيمة، وفي رحاب ذلك التاريخ، لئلا تكون مدافن هؤلاء مجرّد موقع للسياحة واللّهو والزّهو التاريخي للأمة، بل لتكون نقطة انطلاق لارتباط الحاضر والمستقبل ـ في حركة الإيمان ـ بالماضي الذي يحتضن الإيمان كقوّة في الفكر والروح والموقف... وهكذا قرروا ماذا يصنعون، فقالوا: {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا} ليحمل المكان معنى المسجد في استلهام الروح، من خلال روحيتهم واستذكار الثبات من خلال ثباتهم، والانفتاح على الله على أساس ما كانوا ينفتحون بحياتهم عليه. وهكذا انطلق تاريخ هؤلاء ليتمثل فيه الناس تاريخ الإيمان، ومعنى السجود لله والعبادة له.

* * *

جـدالٌ تافـه

ومرّ التاريخ، وبدأ الناس يتناقشون في أمور لا فائدة منها ولا غنى، بينما كان من المفترض أن يكون نقاشهم في دراسة تجربتهم، وموقفهم، وطبيعة الدرس الذي يمكن استفادته للمستقبل... وهذا هو ما يفعله التخلُّف في حياة الناس، عندما يتجمدون في مسألة المعرفة على الأمور التافهة التي لا تمثل شيئاً في مصلحة الإنسان في ما يتصل بحياته العملية، فيغرقون في الأمور التجريدية، أو في الخلافات اللفظية، أو في القضايا الشكلية، أو في الأعداد التي لا تعني شيئاً، أو في الأسماء أو الأنساب التي لا توحي بشيء، وغير ذلك مما لا ينفع من علمه ولا يضرّ من جهله. وهذا ما يحدثنا القرآن عنه، كمظهرٍ من مظاهر التخلُّف التي ينبغي للإنسان أن يبتعد عنها.

{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} وسيقولون الكثير مما قد يعلمون منه القليل، ويجهلون منه الكثير، ويريد الله لرسوله، وللمسلمين من خلاله، أن يختصروا المسألة بكلمة حاسمة تنهي الخلاف: {قُل رَّبِّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} فلنترك الأمر لله، في ما يعلمه من خفايا الأشياء التي لا نملك أساساً لمعرفتها، ولا نجد أيّة فائدة في البحث عنها. {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } ممن استطاعوا التعرّف على مصادر التاريخ الموثوقة من وحيٍ أو غير ذلك، {إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً} لا تجادل إلا بطريقةٍ سريعةٍ يفرضها الواقع الذي من حولك، {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً} لأن ذلك لن يحقق لك أيّ شيءٍ في المعرفة الحقيقية النافعة التي يريدها الله للإنسان.

* * *

من وحي القصة

وهكذا تنتهي هذه القصة العجيبة، ليبقى لنا منها الفكرة الموحية التي تواجه المؤمنين المتمرّدين على عقيدة الانحراف في مجتمعهم، فيرفضونها ويلتزمون خط الاستقامة من خلال الإيمان بالله، فيواجهون الاضطهاد من القوى المستكبرة في المجتمع، ويخافون السّقوط أو الانحراف تحت تأثير الضغوط القاسية التي تلامس نقاط ضعفهم بطريقةٍ وبأخرى، فيخرجون من ساحة التجربة الصعبة، لينطلقوا إلى موقعٍ آخر يتأملون فيه طبيعة الساحة التي يريدون اكتشافها في مجالات أخرى، أو يعملون على التشاور حول الوسائل العملية التي يحاولون اتّباعها في سبيل الالتفاف من جديد على ساحتهم الطبيعيّة، لأن البعد عن مواقع التجربة الصعبة الضاغطة قد يوحي للإنسان ببعض الأفكار الجديدة، التي لا يلتفت إليها في أجواء الضغط والتوتر.

وبذلك نستطيع أن نأخذ منها الفكرة التي تفرض على الإنسان الالتزام بالعقيدة، مهما كانت الضغوط كبيرةً وقاسيةً، كما تفرض عليه الهرب من مواقع الضغط الذي يسقط أمامه، إلى مواقع أكثر حريةً وانفتاحاً وثباتاً، ولكن لا ليستغرق في ذاته، بل ليعيش إيمانه، ويستعد لجولة جديدة في ساحة الصراع، من أجل اكتشاف آفاقٍ جديدةٍ، في مواقع عملٍ جديدٍ. وتلك هي العبرة التي نستفيدها في مواقعنا الصعبة التي نواجه فيها التحدّيات من أجهزة الكفر والضلال الرسمية والمخابراتية، بالمستوى الذي قد يُسقط التجربة، فإن بإمكاننا اللجوء إلى كهفٍ معيّنٍ نختبىء داخله من أجل الحصول على فترة التقاط للأنفاس، أو مرحلة استعدادٍ للوثوب، أو فرصةٍ للانطلاق في حركةٍ جديدةٍ.

وقد يخيّل لبعض الناس أن ذلك يمثل لوناً من ألوان الهروب، الذي يمثل الضعف الإنساني بمستوى لا يتناسب مع قوة الإيمان، في ما يفرضه من ثباتٍ واندفاعٍ وتضحية، فلا ينسحب من المعركة مهما بلغت الضغوط وكثرت التحديات.

ولكن المسألة ليست بهذه الدرجة من النتائج السلبية في حركة الإيمان في حياة المؤمن، لأن الله يريد الثبات لعباده، وذلك لتحقيق قوّة لمواقعهم في الساحة، ولكن القوّة ليست هي هذا الشكل الانفعالي من الاندفاع، بل هي هذا اللون من التخطيط الواقعي للأسلوب العملي الذي يرتبط بالموقع المتقدم للفكرة أو للحركة، وبذلك يكون الثبات متصلاً بنهايات الأمور لا ببداياتها. فقد تنسحب من معركة، لا لتنهزم منها، ولكن لتأخذ موقعاً أكثر قدرةً على المواجهة، أو أوسع حريةً في مجال الحركة، لتربح المعركة بطريقة أفضل، فإن هذا يمثل الإصرار على الثبات في الموقف، أكثر مما يمثله الاندفاع الانفعالي المتهور في ساحة الصراع.